معاني الكلمات في قول الله: {يأتوك رجالًا وعلى كل ضامرٍ يأتينَ من كل فجٍّ عميق}

السؤال
أرجو منكم بيان معاني الكلمات التالية: {رجالًا}، {ضامر}، {فجٍّ عميق}، الواردة في قول الله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: 27]؟
الجواب

في قول الله -جل علا-: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج: 27]، {رِجَالًا} يعني: مشاةً على الأقدام، {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} يعني: ركبانًا، والضامر: هي الإبل المضمَّرة المهازيل، يُقال لها: ضامر، {مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} يعني: من كلِّ مكان ومسلك بعيد، وقيل: {يَأْتِينَ} وما قيل: (يأتون) باعتبار الناس، وإنما قيل: {يَأْتِينَ}، فجُمع جمعَ مؤنَّث؛ لأنه أُريد بـ{كُلِّ ضَامِرٍ}: النوق، ومعنى الكل: الجمع، فما يقال للواحد: كل، وإنما الكل للمجموع. يقول البغوي في تفسيره: (قوله تعالى: {يَأْتُوكَ رِجَالًا} يعني: مشاةً على أرجلهم، جمع راجل، مثل: قائم وقيام، وصائم وصيام، {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} أي: ركبانًا على كل ضامر، والضامر: البعير المهزول، {يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} أي: من كل طريقٍ بعيدٍ -كما تقدَّم-، وإنما جُمع {يَأْتِينَ}؛ لمكان {كُلِّ} وإرادة النوق)، وإلَّا فالأصل أن الذين يأتون هم الرجال من بني آدم، ولكون الآتي شاملًا للرجال والنساء ما مُحِّض للرجال، بل جُمع بالنظر إلى المركبة التي هي النوق.

وتقديم الرجال على الركبان استدل به مَن يقول: إن الحج ماشيًا أفضل من الحج راكبًا، ولذلك قُدِّم الرجال -الذين هم المشاة- على الركبان، ومن قال بتفضيل الركوب على المشي قال: إن أفضل الخلق محمدًا -عليه الصلاة والسلام- حجَّ راكبًا. وعلى كل حال قد لا يتيسَّر الركوب فيكون المشي أفضل في حقِّ هذا، وقد يتيسَّر الركوب ويكون أعون له على الطاعة فيكون الركوب أفضل، فليست الآلة لذاتها مقصودة، وإنما المقصود ما تؤدِّي إليه من تعدِّي النفع وزيادته، وإلا فالأصل أن المشقَّة لذاتها ليست مطلوبة في الشرع، فالذي يستطيع أن يركب ويقول: (لا، أنا أمشي)، أو يستطيع أن يصل من طريقٍ أقرب ويقول: (لا، أنا أريد أن تكون الخُطى أكثر، فأمشي من الطريق الأبعد)، هذا ليس من مقاصد الشرع، والمشقَّة إنما يُثاب عليها كما في حديث: «أجركِ على قدرِ نصبكِ» [البخاري: 1787/ ويُنظر: المستدرك: 1733] إذا كانت العبادة مما تتطلب هذه المشقَّة، فيكون أجره على قدر المشقَّة، أما إذا كانت العبادة لا تتطلب المشقَّة، وأراد المشقَّة الزائدة على نفسه فـ«إنَّ الله عن تعذيبِ هذا نفسَه لغني» [البخاري: 1865]، والله أعلم.