شراء من خرج للنزهة خارج البلد من أصحاب المواشي قبل دخولهم البلد

السؤال
خرجتُ للنزهة بعد المطر خارج المدينة، وعندما كنا نتنزَّه مرتْ ثلاث سيارات تحمل في صناديقها الكثير من الغنم، وبعد سؤالهم تبيَّن أنهم ذاهبون إلى سوق الأغنام داخل المدينة؛ لبيع ما معهم من الغنم، فساومتهم على كبشين واشتريتُ منهم في الحال، ثم لما أخبرتُ صديقًا لي بعد عودتنا من النزهة، قال: (إن الطريقة هذه في البيع لا تجوز؛ لأنك اشتريتَ منهم قبل أن يصلوا إلى السوق، وإنها مذكورة في الأحاديث)، فما رأيكم، علمًا بأنني قد ذبحتُ الكبشين؟
الجواب

في (البخاري) وغيره من حديث أبي هريرة أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تَلقَّوا الركبان، ولا يَبع بعضُكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا يَبع حاضِرٌ لبادٍ» [البخاري: 2150]، وفي (صحيح مسلم) عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- «نهى أن تُتلقَّى السِّلع؛ حتى تبلغ الأسواق» [1517]، فالمعنى متَّفقٌ عليه في الصحيحين، فمنهيٌّ الشخص أن يتلقى الركبان -أصحاب السِّلع- الذين يجهلون الأسعار، فاحتمال أن يشتري من هذا الجالب وهو غِرٌّ لا يَعرف الأسعار، فيشتريها بثمنٍ بخس وينغبن صاحب السلعة.

وعلى كل حال لو تلقَّى الركبان واشتراها بقيمتها من دون غبنٍ لصاحبها، أو اشتراها في مثل هذه الصورة المسؤول عنها؛ لحاجته إلى ذبحها في مكانه بدلًا من أن ينزل إلى السوق ليشتري ويتعنَّى ذلك وهذه موجودة بين يديه، فلا بأس، بحيث يُنصِف صاحب السلعة ولا يبخسه.

وعلى المسلم عمومًا أن ينصح لأخيه المسلم، ولا يتصيَّد غِرَّته، كما جاء في حديث جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- في شرائه الفرس، حيث اشترى فرسًا بثلاثمائة، ثم لما اتفقا على ذلك، قال جرير: "إن فرسك يستحق أكثر من ذلك، أتبيعه بأربعمائة؟"، قال: نعم، ثم قال له مثل ذلك: "إن فرسك يستحق أكثر من ذلك، أتبيعه بخمسمائة؟"، قال: بِعتك، فما زال يزيده إلى أن بلغ ثمانمائة، فزاده خمسمائة على الثمن المتفق عليه أولًا [معجم الطبراني الكبير: 2395]، وهذا من تمام النُّصح، وإن كان في عُرف كثير من المعاصرين أو من أرباب الدنيا في وقتنا -بل وقبله بأزمان متطاولة- يَعدُّون هذا من الفرص التجارية ألَّا يعرف صاحب السلعة قيمتَها، ويشتريها منه أحدهم بثمنٍ بخس، ويبيعها بثمنٍ غالٍ، ولكن الحرص على براءة الذمة أولى من مكاسب الدنيا وحطامها.

في (المغني) يقول: (فإن خرج لغير قصْد التلقي -في السؤال خرجوا للنزهة-، فلقي ركبًا، فقال القاضي: ليس له الابتياع منهم ولا الشراء، وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي، ويحتمل ألا يَحرم عليه ذلك، وهو قول الليث بن سعد، والوجه الثاني لأصحاب الشافعي؛ لأنه لم يقصد التلقي، فلم يتناوله النهي. ووجه الأول: أنه إنما نُهي عن التلقي؛ دفعًا للخديعة والغبن عنهم، وهذا متحقِّق سواء قصد التلقي أو لم يقصده، فوجب المنع منه كما لو قصد)، فصار المدار في المسألة وأصل المنع من أجل ألَّا يُغبَن صاحب السلعة، فإذا استوفى صاحبُ السلعة حقَّها أو نزل عليه من قيمتها شيءٌ يسير لا يُعدُّ غبنًا فالحكم يدور مع علَّته وجودًا وعدمًا، فالعلَّة منتفية هنا، والله أعلم.