المفاضلة بين صيام العشر كلها وبين صيام بعضها

السؤال
هل الأفضل صيام عشرة الأيام من ذي الحجة، أو أنني أصوم بعضها، فقد سمعتُ من بعض الطلاب أنه لا يجوز صيامها، وأن صيامها بدعة؟
الجواب

أولًا: ثبت في الصحيح أنه «ما من أيامٍ العملُ الصالحُ فيها أحب إلى الله من هذه الأيام» يعني: أيام العشر [أبو داود: 2438 / ويُنظر: البخاري: 969]، فقال: «العمل الصالح»، ومِن الأعمال الصالحة بل من أفضلها: الصيام، فقد جاء في الحديث الصحيح «مَن صام يومًا في سبيل الله، بعَّد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا» [البخاري: 2840]، فإذا ضممنا هذا إلى هذا تخرج لنا النتيجة أن الصيام في هذه الأيام من أفضل الأعمال.

وكونه -عليه الصلاة والسلام- كما في حديث عائشة -رضي الله عنها- ما صام العشر [مسلم: 1176]، وقد ثبت عنه من حديث بعض أمهات المؤمنين وغيرها أنه صام العشر [أبو داود: 2437]، فأولًا: المُثبِت مُقدَّم على النافي، والأمر الثاني: أن هذا على حسب علمها، وقد يقول قائل: (إنه لا بد أن يمر يوم من أيامها في هذه العشر، فتكون على علم بحاله -عليه الصلاة والسلام- واطلاع عليها)، ولا شك أنها مطلعة على حاله، وبعض الأيام التي لا يكون فيها عندها لا تطلع عليها، فلعله أفطر عندها لعارض.

علمًا بأن مَن يعوقه الصيام عمَّا هو أفضل منه من الأعمال، يكون الصيام في حقه مفضولًا، وما يسلكه ويفعله هو الفاضل، فمقام النبي -عليه الصلاة والسلام- وقد قام بأعباء وحاجات الأمة من كل وجه، فهو الإمام، وهو الخطيب، وهو الداعية، وهو الموجِّه، وهو القاضي، وهو المعلم، كل أعباء الأمة على عاتقه -عليه الصلاة والسلام-، فإذا كان الصيام يُضعِفه، أو يفعل ذلك لبيان مثل هذا الأمر لمن يقوم مقامه ممن يأتي بعده، وإلا فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يحتمل الصيام، ويحتمل جميع الأعمال، وقد أوتي قوة في العبادة، ومع ذلك يكون تركه للصيام أفضل؛ تشريعًا لمن يَخلفه في هذا المقام، فمَن كان يعوقه الصيام عن الأمور العامة بالنسبة للأمة، فلا شك أن فطره أفضل من صيامه، فلو افترضنا أن ولي الأمر -مثلًا- الذي يلي أعمال المسلمين كلها إذا صام لزم من ذلك أن يجلس في بيته ولا يخرج للناس، نقول: لا يصوم. وكذلك إذا كان قاضٍ يحل المنازعات بين الناس، ويفصل بين الخصوم، وإذا صام جلس في بيته ولا يستطيع أن يبرز للناس، نقول: يا أخي لا تصم، وقيامك بهذا العمل أفضل من الصيام.

علمًا بأن الشيخ ابن باز -رحمة الله عليه- يقول: (مَن قال: إن صيام العشر بدعة، فهو جاهل).