تقطُّع مَن لديه همة عن طلب العلم

السؤال
توجد لدي همة كبيرة في طلب العلم الشرعي، ولكن كلما شرعتُ فيه انصرفتُ عنه، وجاءني ضيق شديد وملل، فإن انصرفتُ عنه عاودني نفس الشعور، حيث أشتاق لطلبه، وتقوى الهمة من جديد، وأنا على هذه الحالة منذ سنوات، نرجو توجيهنا ونصحنا لعلاج حالتنا هذه.
الجواب

لا شك أن النفوس لها إقبال ولها إدبار، والهمم قد تفتر، لكن علاجها بالنظر في النصوص الشرعية عن الله -جل وعلا-، وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، فلا بد أن تتصوَّر ما تريد، وأهمية ما تريد، وشرف ما تريد، والأجور العظيمة المرتَّبة على طلب العلم، وبيان فضله، وفضل أهله وحملته، فإذا نظرتَ في النصوص، وتأملتَ هذه النصوص، تجاوزتَ هذا الفتور.

وعليك أيضًا أن تقرأ في سير أهل العلم الذين عانوا العلم، وصبروا على شدائده وشدائد تحصيله، وما بالعهدِ مِن قِدَم، فيوجَد من أهل العلم مَن يصلح مثالًا للهمة العالية في طلب العلم، وهناك شيخ تُوفِّي ولم نُدركه، في ليلة زواجه الأول لمَّا دخل على المرأة، وأوى إلى فراشه، تذكَّر آية أشكلتْ عليه في الدرس، فنزل إلى مكتبته، ومن تفسير إلى تفسير حتى أذن الفجر، في ليلة العرس! هِمم، نعم قد يُلام من جهة، لكن إذا عَرف ما يطلب، هان عليه ما يُقدِّم، وهانت عليه السبل المؤدِّية إليه. ومثل هذا كثير، فلو نظرنا إلى الكتب المصنَّفة من المطولات في التفسير والحديث وغيرها، هل نالها أصحابها مع الفتور، أو مع الهمم العالية؟

وأنا أجزم أن هذا الذي شرع في طلب العلم، ثم انصرف، أنه لو ذاق حلاوة العلم وحلاوة بحث المسائل العلمية ما حصل له هذا الانصراف، لكنه إما أن يكون في بداية الأمر، فلم يتلذَّذ بعد بطلب العلم، أو يكون قد حصَّل شيئًا من العلم، ثم انقطع وانصرف وترك، وقد يكون انصرف بسبب انشغال في دنياه أو في أُسرته -مثلًا-، أو يكون عقوبة بسبب ذنب أصابه؛ لأن العلم دِين يُحرَمه الإنسان بالذنب يُصيبه، فإذا صدق مع الله، وأخلص له واتَّقاه، ونظر في النصوص الواردة في فضل العلم وأهله، وقرأ في سير أهل العلم، واستنصح العلماء النَّصحة من الموجودين؛ لأن عليه أن يختار المعلِّم الذي يصلح أن يكون قدوة؛ لأن هذا العلم دِين، فلينظر أحدكم مَن يأخذ عنه دينه، فإنه سيعان -بإذن الله-.