عجز الأم عن تربية أولادها مع انشغال أبيهم بالدعوة وأعمال الخير

السؤال
أنا أم لسبعة أبناء، وقد عجزتُ عن حسن تربيتهم وتعليمهم؛ لانشغال زوجي عنهم بالدعوة إلى الله، وأعمال الخير، حيث إن بيته مفتوح لجميع أصحاب المسائل، والمشاكل العائلية، فما نصيحتكم لي وله؟
الجواب

أما أنتِ فعليكِ بمتابعة النصح والتوجيه والإرشاد، باللِّين من الكلام، واتِّباع الأسلوب الشرعي، بالترغيب تارة، والترهيب أخرى، وبهذا الأسلوب ينتفع الأولاد.

وأما بالنسبة للوالد الذي انشغل بأعمال الآخرين، وقصَّر فيما يتعلَّق ببيته وأولاده، فإن هذا عليه أن يبدأ بالأقرب فالأقرب، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أُمِرَ أن يبدأ بعشيرته الأقربين، فينذرهم، وبدأ بهم -صلى الله عليه وسلم- الأقرب فالأقرب، «يا فاطمة بنت محمد، يا صفية بنت عبد المطلب، يا بني عبد المطلب، يا بني عبد مناف» [البخاري: 2753 / ومسلم: 204 - 205]، المقصود أنه بدأ بعشيرته الأقربين، وهؤلاء هم أولى ببرِّه وإحسانه. لكنْ كثير من الدعاة والكبار من أهل العلم يُزاول الدعوة مع الأقربين، ثم يَجد أن محاولته لم تُجدِ، {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56]، وقد يكون أسلوبه غير مناسب لسنِّهم؛ لأنه ما كلُّ أحد يُحسن التعامل مع جميع الفئات، فمن أهل العلم مَن يُحسن التعامل مع الصغار، ويُفيدهم ويستفيدون منه، ويستجيبون له؛ لأنه يُحسن التعامل معهم، وهؤلاء في الغالب هم من الشباب الذين يعرفون مشاكل الصغار، ويدخلون في أعماق قلوبهم، ويؤثِّرون فيهم، ومن العلماء مَن لا يُحسن التعامل مع الصغار؛ لأنه نشأ في وقت وفي جيل تقدَّم هؤلاء بعقود، فلا يُحسن التعامل مع هؤلاء، لكن نفعه عظيم في طبقة هم أكبر من هؤلاء الصغار، وإذا جلس للتعليم التَفَّ حوله جمع غفير من الناس الذين يستفيدون منه من طبقةٍ هم أعلى من طبقة أولاده، فيقول: (بدلًا من أن أُضيِّع وقتي في متابعة هؤلاء الأولاد، أجلس لتعليم الكبار من طلبة العلم)، إضافة إلى أنه كما جاء في القول المأثور: أزهد الناس في العالِم أهله وجيرانه، فترى كثيرًا من الناس البعيد منهم يستفيد من هذا العالم، والقريب لا يستفيد؛ لأنه عاشره وألِفَه وتعوَّد عليه، ورآه في أوضاع قد لا تكون مناسبة، لا يراه فيها البعيد من الناس، ولعلَّ في ذلك حكمة إلهيَّة، والعلماء وهم يتحدَّثون عن هذا، أشار بعضهم إلى أنه لو كانت الإفادة من العالم من القريب والبعيد على حدٍّ سواء، لكان في هذا مشقة وعَنَت على هذا العالم، فتصوَّر لو أن الأهل والجيران حريصون على هذا العالِم وعلى الإفادة منه حِرْص الناس الذين هم أبعد، فالبعيد قد يعوقه في بعض الأحيان بُعد المسافة، ويحول بينه وبين الإرهاق والإكثار على هذا العالِم، بخلاف القريب، فلو أن هذا العالم كلَّما خرج من بيته وإذا بالجيران حول بيته، هذا يريد سؤالًا، وهذا يريد مسألة، وهذا يجرُّه من اليمين، وهذا من اليسار، لأرهقه ذلك وشقَّ عليه كثيرًا، وهو بشرٌ يقلق كما يقلق البشر. وأهله كذلك لو أن كلَّ واحد منهم يُمسك منه بطَرَف، هذا ابن، وهذه بنت...، وإنما المسألة تدريج، فيتعلمون منه بالتدريج، ولذا شُرع أن تكون النوافل في البيوت؛ ليتعلَّم النساء والصبيان الذين لا يحضرون الصلاة مع الناس في المساجد، يتعلمون منه هذه العبادة التي هي أعظم العبادات بعد الشهادتين، من الاقتداء به، ورأينا أطفالًا في السنتين والثلاث كيف يُصلُّون إذا كان أبوهم يهتم بالصلاة في بيته، وكيف يتحرَّكون، وكيف يتورَّكون، وكيف يتصرَّفون طبقًا لما كان يفعله أبوهم.

وينشأُ ناشِئُ الفتيانِ منَّا
 

 

 

على ما كان عوَّدهُ أبوهُ
 

بينما الشخص الذي يتساهل في الصلوات، وإن صلى في بيته، تجد النساء والأولاد يصلون كما يصلي، فعلى الإنسان أن يتقي الله -جلَّ وعلا- في هؤلاء الذين يقتدون به.

وعلى كل حال على الإنسان أن يبدأ بالأقرب فالأقرب، وإذا عَرف أن نفعه للناس البعيدين أكثر؛ لأنهم وصلوا إلى مرحلة من التعلُّم تُناسب طريقته في التعليم، وفُتح له هذا الباب، فليستغل هذا الباب، ومع ذلك لا ينسى ولا يترك مَن ولَّاه الله أمرهم، فإن استطاع أن ينفعهم بنفسه، وإلا وكَّل بهم مَن يُعلِّمهم ممن يناسب مستواهم، والله المستعان.