الإيمان بالملائكة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

حكم الإيمان بوجود الملائكة:

فقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة، وفي صحيح مسلم من حديث عمر -رضي الله تعالى عنهما- أنهم كانوا جلوساً عند النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ دخل عليهم رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، يقول: ولا يعرفه منا أحد، فجلس إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع يديه على فخذيه، فسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن مقامات الدين التي هي الإسلام والإيمان والإحسان، فسأله عن الإسلام ففسره بأركانه الخمسة التي هي الشهادتان، والصلاة، والزكاة والصيام، والحج، ثم سأله عن الإيمان ففسره بأركانه الستة أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، ثم سأله عن الإحسان فقال: ((أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)).
في هذا الحديث دلالة قولية وفعلية، قولية وفعلية على الملائكة، والذي جاء واحد منهم، بل هو أشرفهم وأكرمهم وهو جبريل -عليه السلام-؛ لقوله في الحديث: فلبثنا ملياً، قالوا: لا يعرفه منا أحد، فلبثنا ملياً، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-:
((أتدرون من السائل؟)) قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: ((هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)) مجيئه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فيه الدلالة الفعلية على وجود الملائكة، وأن جبريل واحد منهم، وفي جوابه عن الإيمان بالركن الثاني من أركانه الإيمان بالملائكة، والإيمان بالملائكة ركن من أركان الإيمان إجماعاً.
من أنكرهم، أو شك في وجودهم كفر إجماعاً، كفر بالإجماع، وكان الكفار يثبتون وجود الملائكة، لكنهم ضلوا من ناحية أخرى وهي اعتقادهم أو قولهم بأنهم بنات الله، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
الإيمان بالملائكة: هو الركن الثاني من أركان الإيمان، وجاء تالياً للإيمان بالله -جل علا- في نصوص كثيرة
{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ} [(285) سورة البقرة].
في الحديث السابق آنف الذكر جعل الإيمان بالملائكة بعد الإيمان بالله، والإيمان بهم من الإيمان بالغيب، الذي لا بد منه؛ لأن الشهادة والمشاهَد لا يطلب الإيمان به، لا ينكره إلا من في عقله خلل، والإيمان المجدي هو الإيمان بالغيب، وإذا نزلت العلامات علامات الموت وصار يقيناً لا تنفع نفساً إيمانها، ولا تنفع التوبة عند الغرغرة إذا شاهد الملائكة جاءوا لقبض روحه لا ينتفع بإيمانه، ولذا لما آمن فرعون بعد أن رأى الموت عياناً
{آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ} [(91) سورة يونس] لا ينفع، وإذا طلعت الشمس من مغربها لا ينفع نفساً إيمانها، وكذلك إذا خرجت الدابة أو الدجال صار الإيمان ليس غيباً، صار شهادة، والمدح إنما يكون بالإيمان بالغيب {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [(3) سورة البقرة] أما الإيمان بالمشاهد والتصديق به لا يختلف فيه أحد، ولا يطلب من أحد أن يؤمن بمشاهد من حيث وجوده لا من حيث ما أتى به، النبي -عليه الصلاة والسلام- يجب الإيمان به وهو مشاهد، لكن المراد الإيمان بما جاء به عن الله -جل وعلا-، ليس الإيمان بوجوده؛ لأنه لا ينكر وجوده أحداً ممن يراه.

أصل كلمة الملائكة:

إذا عرفنا هذا، عرفنا أن الإيمان بالملائكة ركن، بل هو الركن الثاني من أركان الإيمان بعد الإيمان بالله -جل وعلا- فمن الملائكة؟ وما أصل هذه الكلمة؟ وما اشتقاقها؟ وهل هي مشتقة أو جامدة ليست مشتقة؟ كلام أهل اللغة في هذا كثير، ويقولون كما في (بصائر ذوي التمييز) للفيروز آبادي يقول: "الملك واحد الملائكة، الملك واحد الملائكة، والملائك قيل: أصله أَلِك، والمالكة والمألكة والمألك الرسالة، ومنه اشتُق الملائكة لأنهم رسل الله؛ لأنهم رسل الله، وقيل: القول الأول أنه مأخوذ من أَلِك، وقيل: من لأك بتقديم اللام على الهمزة، والملأكة: الرسالة، وأَلِكْني إلى فلان أي أبلغه عني، وأصله ألئكني، حذفت الهمزة، ونقلت حركتها إلى ما قبلها، والملأك: الملك؛ لأنه يبلغ عن الله تعالى، ووزنه مفعل، العين محذوفة ألزمت التخفيف إلا شاذاً".
في المفردات للراغب يقول بعض المحققين: الملك من المُلك، قال: والمتولي من الملائكة شيئاً من السياسات يقال له: مَلَك محركة، ومن البشر يقال له: مَلِك، يعني من الملائكة من يتولى على بعض الأشياء، الصافات، الذاريات، هذا يتولى عمل موكل به، وجبريل له مهمة وميكائيل له مهمة، وإسرافيل له مهمة، وملك الموت له أيضاً..، موكل إليه أمر مهم وهكذا، هؤلاء يقال للواحد منهم: مَلَك، تولى شيئاً من تدبير بعض الأمور، ومن البشر إذا تولى تدبير شيئاً من الأمور يقال له: مَلِك، مَلِك بكسر اللام، يقول: فكل مَلَك ملائكة، وليس كل ملائكة ملكاً، يعني جموع غفيرة من الملائكة جمعهم يقال لهم: ملائكة، وعلى كلامه لا يقال لواحدهم: ملك، يدخل البيت المعمور في كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة، سبعون ألفاً من الملائكة هؤلاء في الجملة لم يوكلوا بشيء على حد زعم هذا القائل فلا يقال للواحد منهم: ملك، يقال لهم: ملائكة؛ لأن المَلك والملِك من أوكل إليه تدبير أمر مهم من الأمور، الواحد يقال له: مَلَك من الملائكة، ومَلِك من البشر، هذا كلامه، قال: وليس كل ملائكة ملكاً، بل المَلَك عندهم هم المشار إليهم بقوله تعالى:
{فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} [(5) سورة النازعات] {فَالْمُقَسِّمَاتِ} [(4) سورة الذاريات] {وَالنَّازِعَاتِ} [(1) سورة النازعات] ونحو ذلك، يعني من أوكل إليهم تدبير هذه الأمور الواحد يقال له منهم: مَلَك، في مقابل الواحد من البشر الذي يتولى أمراً من الأمور يقال له: مَلِك، كذا قال، وكلامه فيه غرابة؛ لأنه يدخل البيت المعمور في كل يوم سبعون ألف مَلَك، الواحد منهم يقال له: مَلَك، وإن لم يعرف لكل واحد منهم بعينه تدبيراً معيناً، وحديث الأطيط: ((أطت السماء)) وإن كان لأهل العلم فيه كلام ((وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك ساجد أو قائم)) لا شك أن هذا الكلام فيه غرابة.
يقول القرطبي في تفسيره: الملائكة واحدها ملك، قال ابن كيسان وغيره: وزنه..، وزن ملك فعل من المِلك.
وقال أبو عبيدة: هو من مفعل أصله ملأك من لأك إذا أرسل، والألوكة والمألكة والمألوكة: الرسالة، قال لبيد:

وغلام أرسلته أمه *** بألوكٍ فبذلنا ما سأل

بألوك يعني: برسالة، وقال آخر:

أبلغ النعمان عني مألكا *** إنني قد طال حبسي وانتظاري

ويقال: ألكني أي: أرسلني، فأصله على هذا مألك، الهمزة فاء الفعل ثم إنهم قلبوها إلى عينه فقالوا: ملأك، ملأك، يعني صار فيه تقديم وتأخير، الأصل تقديم الهمزة ثم قدمت اللام عليها، ثم سهلوها، سهلوا الهمزة فقالوا: مَلَك.
وقيل: أصله ملأك من ملك يملك، نحو شمأل من شمل، فالهمزة زائدة عن ابن كيسان أيضاً، وقد تأتي في الشعر على الأصل، كما قال الشاعر:

فلست لإنسيٍ ولكن لملأكٍ *** تنزل من جو السماء يصوبُ

يصوب يعني: ينزل، ومنه: ((اللهم اجعله صيباً نافعاً)) يعني نازلاً بالخير والبركة، يعني: المطر، ومنه في الحديث: "لم يشخص رأسه ولم يصوبه" يعني لم يرفع رأسه في الركوع ولا ينزله.
وقال النضر بن شميل: لا اشتقاق للمَلك، الملك غير مشتق، لا اشتقاق للملك عند العرب، يقول: والهاء في الملائكة تأكيد لتأنيث الجمع، ومثله الصلادمة والصلادم: الخيل الشداد، واحدها: صلدم، وقيل: الهاء في الملائكة للمبالغة، كنسابة، وعلامة، وفهامة، وما أشبه ذلك.

الحافظ ابن حجر في فتح الباري يقول: الملائكة جمع ملك بفتح اللام، فقيل: مخفف من مألك، وقيل: مشتق من الألوكة وهي الرسالة، وهذا قول سيبويه والجمهور، وأصله لأك، وقيل: أصله الملْك بفتح ثم سكون وهو الأخذ بقوة، وحينئذٍ لا مدخل للميم فيه، وأصل وزنه مفعل فتركت الهمزة لكثرة الاستعمال، وظهرت في الجمع، وزيدت الهاء إما للمبالغة، وإما لتأنيث الجمع، وجمع على القلب، جمع على القلب وإلا لقيل: مآلكة، ليست ملائكة مآلكة؛ لأن الهمزة متقدمة في أصل المادة، مآلكة.

وعن أبي عبيدة في الملك الميم أصلية، وزنه فعل كأسد، بهذا الكلام الكثير يجعل طالب العلم يتعب في البحث عن أصل المادة في معاجم اللغة، في أي حرف وفي أي مادة يبحث عن لفظة ملك في معاجم اللغة؟
المعاجم التي ترتب على أواخر الحروف فيها إشكال وإلا ما فيها إشكال؟ ما فيها إشكال؛ لأن آخر الكلمة كاف، لكن المعاجم التي ترتب المواد على أوائل الحروف يتعب الطالب في البحث عن هذه المسألة في هذه المعاجم؛ لأنه لا يدرى أأصلها لام؟ أصل الحرف الأول لام أو همزة؟ ومعاناة كتب اللغة تحتاج إلى شيء من الانتباه إلى أصل المادة، مثل التقوى إذا بحثت عنها مثلاً في القاموس أو في لسان العرب، أو في الصحاح هذه كلها مرتبة على أواخر الحروف، وإذا بحثت عنها في الأساس، أساس البلاغة، وفي المصباح المنير فإنك تبحث عنها باعتبار الحرف الأول، الحرف الأول، وهذا مهم بالنسبة لمن يعاني كتب اللغة، كيف يرد الكلمة إلى أصلها وقد اختلف في أصلها؟ التقوى من (وقى) من الوقاية، فالحرف الأول واو، والأخير حرف لين هل هو واو يعني يقال: تقوى، أو هو ياء من وقيته؟ المقصود أنه من مادة (وقى)، والبحث في الحروف اللينة يعني في آخر الكتب سهل، سواءً كان أصله واو أو ياء أو ألف، فهناك معاجم أصعب من هذه المعاجم، وهذا استطراد قد يستفيد منه بعض الطلاب من أجل أن يرجعوا إلى المصادر الأصلية حينما يريدون كشف المعاني، معاني الكلمات، هناك قواميس مرتبة على المخارج، وهذه أصعب من الترتيب على أواخر الكلمات أو أوائلها، ولا يمكن الإفادة منها إلا بالفهارس، مثل تهذيب اللغة، ومثل المحكم لابن سيدة، وغيرهما مثل العين، وغيرها من الكتب، فمن أراد أن يبحث في كتب اللغة عن ملك، إن كان يبحث في الكتب التي رتبت على أواخر الحروف فلا إشكال يعني في حرف الكاف، مع أنه في الفصل يحتاج إلى شيء من التعب، يعني في الباب لا يحتاج إلى تعب، باب الكاف ما يحتاج إلى تعب، لكن فصل اللام أو فصل الهمزة يحتاج إلى شيء من العناء، وهذا يجعل الطالب يهتم بمثل هذا الكلام، وإن كان بعضهم يرى أن هذا لا مدخل له في الموضوع، وهذا تضييع، بعض الناس مثل هذا تضييع وقت، هذا ليس بتضييع وقت، هذا من أهم المهمات.
قال: وعن أبي عبيدة في الملك الميم أصلية، ووزنه فعل كأسد، هو من الملْك بالفتح وسكون اللام، وهو الأخذ بقوة، وعلى هذا فوزن ملائكة فعائلة، ويؤيده أنهم جوزوا في جمعه: أملاك، وأفعال لا يكون جمعاً لما في أوله ميم زائدة.

صفة الملائكة:

يقول ابن حجر: قال جمهور أهل الكلام من المسلمين: الملائكة أجسام لطيفة أجسام لطيفة، أعطيت قدرة على التشكل بأشكال مختلفة، ومسكنها السموات، أجسام لطيفة، لطافتها من حيث الخفة والقدرة على التصرف بسرعة إذ ينزل الملك من عند الله -جل وعلا- من فوق سبع سماواته إلى النبي بلحظة، بلحظة، وبين الأرض والسماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام، وبين الأولى والثانية خمسمائة عام، إلى أن يصل إلى جهة العلو التي فيها الرب -جل وعلا-، كم من عام وبلحظة ينزل بالوحي! وبمقاييس الفلكيين في الساعات أو في السنوات الضوئية، يقولون: إن أسرع شيء هو الضوء، ويحتاج إلى الوصول إلى أدنى الكواكب بمائة وستة وثمانين مليون سنة ضوئية، يعني ما أدري كيف يعتمدون في هذه الحسابات يعني؟ عندهم مقاييس وعندهم كذا، لكن عندنا نصوص، عندنا نصوص، يعني بين الأرض والسماء الأولى مسيرة خمسمائة عام، ومقاييسهم هذه إن كانت مبنية على تجربة بالوصول إلى هذه المسافات في هذه المدة ولا إخال ذلك فممكن، لكن ما يظن أنهم وصلوا إلى ما ذكروا، الأعمار ما تصل إلى هذا الحد، ولا ندري ما يراد بالسنة الضوئية -الله أعلم-، يعني عندهم أرقام يعني تصديقها قد يكون من تصديق الخيال، يعني عندهم هذا الجبل له مائة مليون سنة، وهذا الجبل له عشرة ملايين سنة، وهذا الجبل، وهذه الصخرة، وهذه الحصاة، وهذه..، يعني عندهم مقاييسهم التي يقتنعون بها، لكن ما أدري كيف يقنعون غيرهم؟ عندنا أن بين السماء الدنيا والأرض خمسمائة عام في الحديث هذا ما عندنا غير هذا، أكثر من هذا ما عندنا؛ لأن هذا مما لا يدركه البشر، فلا بد فيه من توقيف وسمع ونص يعتمد عليه ويعول عليه، أما مجرد كلام أناس أخذوا علومهم هي في الأصل عن غير المسلمين، هي في الأصل وافدة، وهذه الأمور التي لا تدرك بالحس ولا بالتجربة، هذه لا بد فيها من توقيف، لا بد من تنصيص عمن لا ينطق عن الهوى، وإلا التخمين لا ينفع في هذه الأمور.

لطافة أجسام الملائكة من هذه الحيثية، باعتبار أنه يستطيع أن يصل ويقطع هذه المسافة في لحظة، لطافة هذه الأجسام النورانية باعتبار أنها قادرة على التشكل بأشكال مختلفة، فجبريل يأتي النبي -عليه الصلاة والسلام- أحياناً على صورة رجل كما في الحديث الذي ذكرناه آنفاً، ((أحياناً يتمثل لي الملك رجلاً)) وكثيراً ما يأتي على صورة دحية الكلبي، يتشكل على صورة رجل، وأحياناً..، وقد رآه مرتين على هيئته وخلقته ستمائة جناح، ستمائة جناح قد سد الأفق، بل قالوا: إن واحداً من هذه الأجنحة سد الأفق، هذه لا شك أنها أمور مهولة تدل على عظمة الخالق وقدرته، ثم بعد ذلك البحث الذي يذكر في كتب الشروح أن القدر الزائد ما بين الخلقة الأصلية ستمائة جناح سد الأفق، وما بين مجيئه على هيئة رجل أو في صورة رجل أين يذهب هذا الزائد؟ هذا البحث لا شك أنه عقيم، إيش معنى عقيم؟ لا يترتب عليه نفع لا في الدنيا ولا في الآخرة، والاسترسال فيه ضرب من العبث، وإلا أطال الشراح في هذا الزائد إلى أي شيء يصير؟

مسكن الملائكة:

مسكن الملائكة السماوات، وينزلون في مناسبات، وينزلون أيضاً لأمور وكلت إليهم، ينزلون ليلة القدر {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} [(4) سورة القدر] وينزلون للقتال مع المسلمين، كما حصل في بدر، والله -جل وعلا- يكلفهم بما يشاء، وجبريل ينزل على الرسل بالوحي وإلا فالأصل أن المسكن السماوات.
الملائكة: هم عباد الله المكرمون، والسفرة بينه تعالى وبين رسله -عليهم الصلاة والسلام-، وهم كرام خلقاً وخُلقاً، وهم بررة، طهرهم الله وقدسهم ذاتاً وصفةً وأفعالاً، هم مطيعون لله -جل وعلا-، خلقهم الله -جل وعلا- من النور، خلقهم من نور، كما في الحديث الصحيح:
((خلق الملائكة من نور، وخلق الجن من النار، وخلق البشر مما علمتم))، أو ما عرفتم، يعني من طين.

ليسوا بناتاً لله -عز وجل- كما يقوله المشركون، ولا أولاداً، ولا شركاء، ولا أنداد، تعالى الله عما يقول الظالمون

والجاحدون والملحدون علواً كبيراً.

قال الله -جل وعلا-: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [(26 - 27) سورة الأنبياء] وقال -جل وعلا-: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} [(19) سورة الزخرف] ستكتب شهادتهم ويسألون عن هذه الشهادة، وفي حكمهم من يتكلم بالأمور الغيبية من غير علم، هذه شهادة، وقول بغير علم، سيسأل عن هذه الكتابة، وقال -جل وعلا-: {لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ* يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [(19 - 20) سورة الأنبياء].
خلقهم متفاوت فمنهم من تقدم ذكره جبريل -عليه السلام- له ستمائة جناح، كما صحت بذلك السنة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقد رآه على هذه الصورة مرتين، مرة في الأبطح بمكة، ومرة ليلة المعراج، ومنهم من له جناحان، ومنهم من له ثلاثة، ومنهم من له أربعة، كما جاء في صدر سورة فاطر:
{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء} [(1) سورة فاطر] الملائكة لا يعلم عددهم إلا الله -جل وعلا-: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [(31) سورة المدثر] لكن منهم من جاءت تسميته، ومنهم من جاء ذكر عمله الموكل إليه، ومنهم من بقي على الغيب، إنما أخبرنا عنه إجمالاً، فنؤمن به إجمالاً، وما أخبرنا عنه تفصيلاً يجب علينا أن نؤمن به تفصيلاً، كما جاء في نظائره من الرسل والكتب، ذكر لنا بعض الرسل وحجب عنا بعضهم، نؤمن تفصيلاً بما ذكر لنا تفصيلاً، وإجمالاً بما ذكر لنا إجمالاً.
منهم الموكل بالوحي من الله -جل وعلا- إلى رسله -عليهم الصلاة والسلام-، وهو الروح الأمين، جبريل -عليه السلام-، كما في قوله -جل وعلا-:
{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ* بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [(193 - 195) سورة الشعراء] {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ} [(102) سورة النحل]، ومنهم الموكل بالقطر وتصاريفه، يعني بالمطر وتصاريفه إلى حيث أمره الله -عز وجل-، وهو ميكائيل -عليه السلام-، وله مكانة علية، ومنزلة رفيعة، وله أعوان يفعلون ما يأمرهم به بأمر ربه، ويصرفون الرياح والسحاب كما يشاء الله -عز وجل-، وقد جاء في بعض الآثار: "ما من قطرة تنزل من السماء إلا ومعها ملك يقررها في موضعها من الأرض" وجاء في الحديث: ((اسق حديقة فلان)) وسمع هذا الكلام ((اسق حديقة فلان)) والبشر لا حول لهم ولا طول ولا قوة ولا قدرة على إنزال المطر، إنما القادر عليه الرب -جل وعلا-، عنده الخزائن، وكونهم يتطاولون عبثاً على الاستمطار، وما يزعمونه من أنهم يستطيعون أن يصنعوا شيئاً من ذلك، هذا كله من محادة الله ومعارضته {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ* أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ} [(68 - 69) سورة الواقعة] لا ينزل المطر إلا الله -جل وعلا-.

جاء في بعض الآثار: "ما من قطرة تنزل من السماء إلا ومعها ملك يقررها في موضعها من الأرض" وجاء أيضاً أن ميكائيل يكيل المطر كما جاء {وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} [(21) سورة الحجر] إلا بقدر معلوم، والمطر آية من آيات الله وجوداً وعدماً، وجوداً وعدماً، فوجوده بقدر الحاجة هو الغيث الذي تحيا بسببه البلاد والعباد، ووجود قدر زائد هو الفيضانات المدمرة، على ما يحتاجه البشر، وقلته عن قدرة حاجتهم الموت المحقق {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [(30) سورة الأنبياء] بعض الناس لا يعرف قدر هذه النعمة، وإذا أعلن عن صلاة الاستسقاء استخف بها، وهون من شأنها، ويرى أن الناس ليسوا بحاجة إلى مطر، الآن البحار المالحة ببعض التعديلات يسوغ شربها واستعمالها -والحمد لله- لسنا بحاجة، كيف لست بحاجة؟ المطر شأنه عظيم، به حياة كل شيء، فلا شك أن قلة الأمطار تتسبب في نضوب المياه وغورها، وقد جاء في آخر سورة تبارك: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ} [(30) سورة الملك] هل يستطيع أحد يقول: نستمطر؟ يمكن؟ لا يمكن، والذي قال في القديم: {فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ} قال: تأتي به الفؤوس والمعاول من باب المعارضة والمحادة هذا غارت عيناه يبستا، نسأل الله السلامة والعافية.

منهم من الملائكة الموكل بالصور، وهو إسرافيل -عليه السلام-، ينفخ فيه ثلاث نفخات أو نفختين على خلاف بين أهل العلم؛ لأن هناك نفخة يقال لها: نفخة الفزع {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ} [(87) سورة النمل] ونفخة الصعق: {فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ.... ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ} [(68) سورة الزمر] فهل هي ثلاث نفخات أو نفختان؟ خلاف بين أهل العلم، وما ذكرناه من الآيات يدل على أن هناك نفخة للفزع ونفخة للصعق ونفخة للقيامة، من يقول: هما نفختان فقط، نفختان فقط يقول: إن نفخة الفزع هي في بداية..، الفزع في بداية النفخة والصعق في نهايتها؛ لأنها تطول مدة النفخ، فيفزعون في أول الأمر ثم يصعقون، فهي نفخة واحدة، ومنهم من يقول: هما نفختان، وأما النفخة الثالثة أو الثانية لا خلاف فيها {فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ} [(68) سورة الزمر] لا شك أن هذه النفخة توجد فزع عظيم، ولا شك أنها تنبئ عن نتائج خطيرة، فطوبى لمن عمل خيراً، وضده لمن عمل بضده {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [(8) سورة المدثر] النفخ، {فَذَلِكَ...} [(9) سورة المدثر] {عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [(10) سورة المدثر] نعوذ بالله، نمر بهذه الآية ولا تحرك بنا ساكناً، ويذكر عن زرارة بن أوفى التابعي الجليل أنه سمع القارئ يقرأ هذه الآية فمات -رحمه الله- في صلاة الصبح، يذكر في ترجمته، وإن كان بعضهم يشكك في مثل هذه التصرفات؛ لأنه لا يجد تجاه هذه النصوص أدنى إحساس، وجد التشكيك في مثل هذا من القدم، ابن سيرين يقول: هذا الغشي وهذا الصعق الذي حصل من بعض الناس أو نسب إلى بعض الناس هذا ليس بصحيح، ذكر الحافظ الذهبي في السير قال ابن سيرين: يجعل هذا الشخص على جدار ويقرأ القرآن إن سقط فهو صادق، أما كونه يصعق أو يفزع وهو في الأرض هذا ما فيه إشكال قد يكون يمثل، لكن إن سقط من الحائط فهو صادق، كل هذا كأنه لا يرى مثل هذه التصرفات، ويستدل على ذلك بأن هذا لم يحصل من النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو أعلم الناس وأخشى الناس وأتقاهم لله، لو كان تأثير القرآن إلى هذا الحد لكان تأثر النبي -عليه الصلاة والسلام- به أعظم من غيره، وكذلك ما عرف عن الصحابة أنه وصل بهم الأمر إلى هذا الحد، أنهم يصيبهم الغشي، يصيبهم الصعق يموتون، هذا وجد في عصر التابعين، وجد في عصر التابعين، وشيخ الإسلام -رحمه الله- لا يرى مانع من وقوع مثل هذه الأمور، وأن الإنسان قد يصل به إلى استشعار عظمة الله وعظمة كلامه إلى هذا الحد، ويقول: إن قلب النبي -عليه الصلاة والسلام- من القوة بحيث يحتمل الكلام الثقيل الذي ألقي إليه، فلا يحصل له اختلال، مع أنه -عليه الصلاة والسلام- حال التنزيل إذا أوحي إليه يحصل له شيء من ذلك، يحصل له شيء من ذلك، لكن إذا قرأه أو قرئ عليه يتأثر ويبكي كما في حديث ابن مسعود لما قرأ على النبي -عليه الصلاة والسلام- والتفت فإذا عيناه تذرفان، يبكي، وإذا قرأ صار لصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء، لكن ما يصل إلى حد الغشي أو حد الصعق والموت، ولا وجد في عصر الصحابة -رضوان الله عليهم- لأن قلوبهم تتحمل مثل هذا، فيها قوة، ثم بعد ذلك جاء من بعدهم واستشعروا عظمة النازل، وأنه كلام الله، لكن القلوب ضعفت عن التحمل، ليست بالقوة بمثابة قوة قلب النبي -عليه الصلاة والسلام- وصحابته الكرام، فما حصل التوازن، ضعفت القلوب مع استشعار قوة النازل فحصل، ثم خلف خلوف لا يستشعرون قوة ولا يستشعرون عظمة، والقرآن يقرأ عليهم كأنما يقرأ عليهم كلام البشر، يعني لا فرق بين أن يقرأ الإنسان في جريدة أو في المصحف، يعني وصل بنا الحد إلى هذا، وزرارة بن أوفى لما قرئ عليه القرآن {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [(8) سورة المدثر] الآية لا شك أنها عظيمة.
يقول بعض الإخوان -إحنا نذكر هذه القصة- يقول: هل هو يسمع الآية أول مرة؟ لماذا لم يحصل له قبل هذه المرة؟ يعني ما قرأ القرآن قبل هذه المرة أو ما سمع قبل هذه المرة؟ نقول: الكلام صحيح على قول من يقول: إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، لكن الإيمان يزيد في بعض الحالات وينقص أحياناً، وهذا أمر ظاهر ومقرر عند أهل السنة والجماعة، فوافق في هذه اللحظة زيادة في إيمانه فاستشعر عظمة النازل، وحصل له ما حصل، وتأثر الإنسان يختلف من وقت إلى آخر، وهذا يجده كل إنسان من نفسه.

قال: و قال العلماء: ومنهم الموكل بالصور وهو إسرافيل -عليه السلام- ينفخ فيه ثلاث نفخات الأولى نفخة الفزع، والثانية نفخة الصعق، والثالثة نفخة القيام لرب العالمين، يعني على خلاف بينهم في هذه النفخات هل هي ثلاث أم اثنتان؟ وهؤلاء الثلاثة هم الذين يذكرهم النبي -عليه الصلاة والسلام- في افتتاحه صلاة الليل، ((اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك)) هؤلاء الثلاثة رب جبريل وميكائيل وإسرافيل.
منهم -من الملائكة- الموكل بقبض الأرواح، الموكل بقبض الأرواح، وهو ملك الموت وأعوانه، وقد جاء في بعض الآثار تسمية ملك الموت عزرائيل، وأشار الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في البداية والنهاية أن هذه التسمية لم ترد في القرآن، ولا في الأحاديث الصحيحة، لكن جاءت في بعض الآثار أن اسمه عزرائيل، يقول الله -جل وعلا-:
{قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [(11) سورة السجدة]، وقال -جل وعلا-: {حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ} [(61) سورة الأنعام] {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} [(50) سورة الأنفال]، نعم؟
طالب:......
على كل حال ملك الموت الإيمان به لا شك أنه متعين كالإيمان بالثلاثة الذين جاءت تسميتهم جبريل وميكائيل وإسرافيل، وكذلك من ذكر بوصفه، أو ذكر بعمله الذي وكل إليه.

من الملائكة من وكل إليه حفظ العبد في حله وارتحاله، وفي نومه، وفي يقظته، وفي كل حالاته، وهم المعقبات {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ} [(11) سورة الرعد] {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً} [(61) سورة الأنعام] فإذا جاء قدر الله خلوا عنه، كما قال ابن عباس.

ومنهم الموكل بحفظ أعمال العباد من خير وشر، وهم الكرام الكاتبون، كما قال -جل وعلا-: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [(80) سورة الزخرف] وقال -جل وعلا-: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ* مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [(17 – 18) سورة ق] فالذي عن يمينه يكتب الحسنات، والذي عن شماله يكتب السيئات، وذكر بعض العلماء أخذاً من الآية أن اسمهما: رقيب وعتيد {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} اسمهما: رقيب وعتيد، استدلالاً بالآية المذكورة، والصواب أنهما وصفان لا اسمان، ومعناهما: أنهما حاضران شاهدان لا يغيبان عن العبد.

ومنهم الموكل بفتنة القبر الذي صحت به السنة النبوية عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجاءت تسميتهما بمنكر ونكير، واستفاض ذكرهما في سؤال القبر، لكن التسمية لا يثبتها كثير من أهل العلم.
ومنهم -من الملائكة- خزنة الجنة، وفي مقدمتهم رضوان -عليه السلام-، يقول الحافظ ابن كثير في البداية: ومنهم خازن الجنة يقال له: رضوان، جاء مصرحاً به في بعض الأحاديث، ومنهم خزنة جهنم -عياذاً بالله -جل وعلا- منها- وهم الزبانية، قال العلماء: ورؤوسهم تسعة عشر، ومقدمهم مالك، كما في قوله -جل وعلا-:
{وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ} [(77) سورة الزخرف].

وممن سمي منهم في القرآن: هاروت وماروت، يقول الله -جل وعلا-: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ} [(102) سورة البقرة] بعثهما الله -جل وعلا- فتنة للناس، أنزلهما فتنة للناس في فترة من الفترات، ومنهم من يقول..، من المفسرين من يقول: إنه امتحان لهما، وذكر في كتب التفسير قصص وحكايات حول قصة هاروت وماروت كثير منها مما تلقي عن بني إسرائيل مما يعلم بطلانه.

عـددهم:
ولا شك أن الملائكة جمع غفير، وعدد كبير، لا يمكن إحصاؤهم ولا عدهم، يعني إذا كانت النار يجاء بها يوم القيامة تقاد بسبعين ألف زمام، سبعين ألف زمام وكل زمام معه سبعون ألف ملك يقودونها، يعني كم يكون العدد؟ أربعة مليارات وتسعمائة مليون، هؤلاء فقط الذين يقودون النار، البيت المعمور منذ أن أوجده الله -جل وعلا- يدخله في كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودون إليه، وصار يومياً يدخله سبعون ألف منذ خلق الله السماوات والأرض أعداد مهولة، من الملائكة من وكل بالنطفة في الرحم، كما في حديث ابن مسعود الذي فيه الأطوار: ((ثم يرسل إليه الملك فيؤمر بكتب رزقه وأجله وشقي أم سعيد)).

ومنهم حملة العرش والكروبيون كما قال -جل وعلا-: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [(7) سورة غافر] {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [(17) سورة الحاقة] وجاء في التفاسير تفسير هذه الآية حديث الأوعال وهو ضعيف عند أهل العلم كما هو مقرر، من الملائكة سياحون يتتبعون مجالس الذكر، يتتبعون مجالس الذكر، وفي الحديث: ((ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده)) منهم أيضاً من يقف على أبواب الجوامع في الجمعة يكتبون من جاء إلى الجمعة الأول فالأول إلى أن يدخل الإمام، فإذا دخل الإمام طويت الصحف.

ومنهم الموكل بالجبال كما جاء في الحديث الصحيح في السيرة وغيرها، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما جاء من عبد يا ليل، بعد أن كذبوه ضاق بذلك صدره -عليه الصلاة والسلام-، فقال له ملك الجبال: إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين، فهنا ملك موكل بالجبال، والله المستعان.

منهم زوار البيت المعمور الذي أقسم الله تعالى به، وثبت ذلك في حديث المعراج، وهو بيت في السماء السابعة بحيال الكعبة، في مقابل الكعبة، لو سقط لوقع عليها، جاء في الأحاديث أن حرمة البيت المعمور في السماء كحرمة الكعبة في الأرض، ومنهم من لا يعلمه إلا الله -جل وعلا-: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [(31) سورة المدثر] وهناك الحديث المخرج عند أحمد والترمذي وابن ماجه عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وعليه ملك ساجد أو قائم، لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، ولما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعداء تجأرون إلى الله)).. الحديث، وبعض أهل العلم يحسنه بطرقه، ومنهم من يضعفه وهم الأكثر.

والملائكة لهم منزلة عظيمة عند الله -جل وعلا-، وواجب على المؤمن تجاههم أن يتولاهم، أن يتولاهم بالحب والتعظيم المناسب، بحيث لا يصرف لهم شيء من حق الله -جل وعلا-، لكن عليه أن يجتنب كل ما من شأنه أن يؤذيهم، كالذنوب والمعاصي والصور، وأكل الثوم والبصل، واقتناء الكلاب، وما أشبه ذلك؛ لأن البيت الذي فيه كلب أو صورة لا تدخله الملائكة؛ لأنهم يتأذون بهذا، أكل الثوم والبصل يتأذى به بنو آدم ويتأذى به الملائكة، فهذه العلة في منعه بالنسبة للمصلي، وكذلك البصاق عن جهة اليمين تكريماً للملك كما جاء في الحديث الصحيح، وغير ذلك من حقوقهم التي ثبتت بها السنة، والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.