الكتب والمراجع الحديثية ومنهجية الاستفادة منها

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبِه أجمعين.
في هذا اليوم الموافق الثاني عشر من جمادى الثاني لعام ألف وأربعمائة وثمانية وثلاثين للهجرة، وفي جامع الأمير فيصل بن فهد –رحمه الله تعالى- وعبر مؤسسة الدعوة الخيرية، نلتقي وإياكم هذه اللقاءات المباركة، وهو يُصاحب معرض الكتاب الدَّولي، ونحن في هذا اليوم نحتاج إلى أن نجلس بين يدي علمائنا الأجلَّاء للبحث في أهمِّ القضايا المتعلِّقة بالكتاب، وكيفية القراءة، وها نحن اليوم نفتتح هذا اللقاء المبارك مع نخبةٍ من كبار علماء المملكة العربية السعودية، وهذا هو اللقاء الأوَّل، مع معالي الشيخ، الدكتور العلَّامة/ عبد الكريم بن عبد الله الخُضير، عضو هيئة كبَار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء، والغنيّ عن التعريف. ولا أريد أن أطيل؛ لأني أعلم أن معالي الشيخ لا يحبذُ الإطراء ولا المدح ولا الثناء، ولعلي أترككم مع هذا اللقاء المبارَك ومع هذه الندوة المباركة. نسأله –سبحانه وتعالى- أن يوفِّق شيخنا الكريم في هذا اللقاء المبارَك، وأن يجعله في ميزان حسناته، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

وإلى هذا اللقاء مع معالي الشيخ الدكتور/ عبد الكريم الخضير –حفظه الله تعالى-.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلَّم وبارك على عبدِه ورسولِه نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
من المعلوم أنَّ التأليف سواءٌ كان في "الحديث" أو في غيرِه لم يكن على عهد النَّبي –عليه الصلاة والسلام- ولا على عهد الصَّحابة، بل نهى النَّبي –عليه الصلاة والسلام- عن كتابة الحديث، «لا تكتبوا عني شيئًا سوى القرآن، ومن كتب غير القرآن فليمحُه
«، وقد جاء في الصحيح من حديث أبي سعيد. أذِن النَّبي –عليه الصلاة والسلام- بالكتابة وأقرَّ من كتب فقال: «اكتبوا لأبي شاه»، وعبد الله بن عمرو بن العاص كان يكتب، كما يقول أبو هريرة: ما كان أحد –رضي الله عنه- ما كان أحدٌ أكثرَ مني حديثًا إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب.
النهي عن الكتابة لابد من توجهيه لوجود الإذن فيها، فمنهم من حمل هذا النهي على الكراهة؛ لئلا يعتمد الناسُ على الكتابة فيضيعُ الحفظ. ومنهم من قال: إن النهي عن الكتابة –كتابة غير القرآن مع القرآن- في صحيفة واحدة فيَختلط الأمر.
المقصود: أن النَّبي –عليه الصلاة والسلام- أمرَ بها وأذن لمن يكتب بعلمِه –عليه الصلاة والسلام- واستقرَّ الأمر على جواز ذلك، والإجماع قائمٌ على جواز الكتابة، بعد النهي السابق، لما أُمنِ من اختلاط غير القرآن  بالقرآن، أُذنَ بالكتابة، واستمر الأمر في عهد الصحابة –رضي الله عنهم- على الحفظ حتى جاء عمر بن عبد العزيز، فأمر بن شهاب الزُّهري، أن ينظر ما كان من حديث النَّبي –عليه الصلاة والسلام- فيجمعه، وهذا هو الإذن الرسمي لتدوين السُّنَّة.
معلوم: أنَّ الكتابة على حساب الحفظ، ولذا تُقابَل بالحفظ، يقال: حفظ الصدر وحفظ الكتاب. حفظ الصدر: الذي هو الحفظ القلب، وحفظ الكتاب: بالكتابة.
فهي مقابلة له، ولا شكَّ أن الذي يعتمد على الكِتابة ستضعف عنده الحافظَة، ستضعف عنده الحافِظَة، وهذا أحد ما وُجِّه به حديث النهي –حديث أبي سعيد- وهذا واقعٌ ملموس، كان النَّاس يحفظون ما يمرُّ بهم من أمور الدِّين أو من أمور الدُّنيا، لكن جاءت الوسائل الميَسِّرة فأنست الحفظ.
الآن: لو سألت أي شخص: هل تحفظ رقم هاتف أمك؟ قال: لا، لماذا؟ لأنه مخزن بالجوال، مكتوب. كان الناس قبل ذلك –قبل هذه الجوالات لما كانت التليفونات الأرضية العادية- كثير منهم يحفظ مئات من الأرقام، والآن لو تسأل هذا الحافظ عن عشرة أرقام ما أعطاك، لماذا؟ لأنه اعتمد على المكتوب في الجوار والمحفوظ فيه، ولذا كانت الحافظة عند المتقدمين متميزة، عمدتهم ومعولهم على الحفظ، ثم لما جاءت الكتابة واستقر أمرها واعتمدها النَّاس ضعُف الحفظ، لكن ما ذلك حُفِظت السنة، كما حُفظ القرآن في الصدور أولًا، ثم بجمعِ أبي بكر في أول الأمر، ثم انتهى الأمر بجمع عثمان –رضي الله عنه-.
استمر الناس على الكتابة، والكاتب للكتاب يستفيد فائدة عظيمة في الواقع، والتَّجرِبة تدلُّ على أن كتابة الشيء عن قراءته مرات كثيرة أفضل من قراءته مرات كثيرة، ولهذا يوصى ضعيف الحافظة إذا عجز أن يحفظ شيء مما يريد حفظه من كتابٍ أو سُنَّةٍ أو أي علم من العلوم، إذا أعجزه ذلك أن يكتبه؛ فإذا كتب هو رسخ في ذهنه.
نقول: الكتابة في مقابل الحفظ المتقدم الذي ما فيه خيار، أضعفت الحفظ؛ لأن الناس اعتمدوا عليها، لا سيما من يستأجر من يكتب له، أما من يكتب بنفسه، لا شك أنه سوف يحفظ في النهاية.
استمر الناس على الكتابة وصارت كتابة الكتاب مفيدة للكاتب وللقارئ وحفظت العلم، ثم بعد قرون جاءت المطابع، جاءت المطابع، الطباعة بدأت من سنة ألف وستمائة؛ لأنه بدأه الأجانب، المصريون بدأوا بالطباعة قبلنا بأكثر من مائتي سنة، طبعوا الكتب، بدأت المطابع تطبع على ضعف ثم انتشرت هذه الطابع، فأنكرها من أنكرها من علماء الأزهر، أنكروا الطباعة، لا سيَّما كتب العلم الشرعي، وأذنوا في طباعة كتب اللغة والأدب والتاريخ. لماذا أنكروها؟  لماذا أنكروها؟ لأنها صارت على حساب الحفظ أكثر من الكتابة. كيف؟ كان في السابق إذا أراد طالب العلم أن يقرأ في كتاب، إما أن يشتريه –وهذا قليل نادر؛ لأن طلاب العلم كثر والنساخ قلة- إما أن يشتريه أو يستعيره، يستعير الكتاب، فيحرص على أن يقرأ ما فيه؛ ليرده إلى صاحبه.
الآن: لما كان الأمر متيسر
ًا بهذه الطريقة، والمطابع تطبع الكتاب عشرة مجلدات، عشرين مجلدًا، ثلاثين مجلد،ًا خمسة مجلدات، أكثر، أقل، طالب العلم يشتري هذا الكتاب ومباشرة إلى الرف، إلى الدالوب،  دالوب الكتب، وقد يموت ما قرأ منه شيئا، لا سيما من ابتُلي بكثرةِ الجمع –جمع الكتب- ومعلومٌ كما قال ابن خلدون، أن كثرة التصانيف مشغلة عن التحصيل. سُبُل الوصول إلى الكتاب ليست بالسهلة في وقته، لكن عندنا الآن يذهب طالب العلم إلى المعرض ويشتري عشرة آلاف عشرين ألف ثلاثين ألف ريال يشتري له كمًّا هائلًا، يجيب له خمسمائة مجلد، ستمائة مجلد، ثم بعد ذلك ثمَّ هنالك إذا وضعها في الرف ورتبها ولا يقرأ ولا مقدمات الكتب ليعرف محتوياتها؛ للكثرة الكاثرة، وبهذا ضعف التحصيل، ولا شك أن الطباعة من نعم الله –جل وعلا- يسرت وسهَّلت وأوجدت الكتب، لكن النِّعَم يعتريها ما يعتريها، السمع والبصر من أعظم نعم الله –جل وعلى -، العقل مناط التكليف من أعظم نعم الله –جل وعلا – لكن إذا استعمل فيما لا يرضي الله صار نعمة أم نقمة؟ صار نقمة.
وهكذا هذه الكتب إن استغلت ورتب الوقت وقرئ فيها على طريقة، على جادَّة أهل العلم، وللقراءة طرق ذكرها أهل العلم، وكل نوعٍ من الكتب له طريقته الخاصة المتون التي تُحفظ بطريقةٍ خاصة، والشروح التي تقرأ لتفهم هذه المتون من خلالها لها طرق خاصة، والمطولات التي تُجْرد لقراءتها طرق خاصة، ولنا مساهمة ومشاركة في بيان هذه الأمور تُوجد لمن أراداها.
المقصود: أنه جاءت المطابع، فتأثر بعض العلماء من الأزهريين وقالوا: لا يجوز طبع كتب العلم الشرعي. والسبب: أن الأثر لا شك أنه مُضْعِف للتحصيل، إلا شخص
ًا يأخذ هذه الكتب بالتدريج كما كانت تؤخذ مخطوطة، ويرتب وقته، ويقدِّم الأهم، ويراجع ما يحتاج إلى مراجعة، ويحفظ ما يحتاج إلى حفظ، هذا إذا حَصلت الإعانة بمثل هذه الطريقة، مع الجد والاجتهاد والسهر؛ لأن الكتب تحتاج إلى وقت، يعني: مثل "فتح الباري" كم يحتاج إلى أن يُقرأ ويُضبط ويُتقن؟ مجرد قراءة وتدوين فوائد يحتاج إلى سنتين.
فما بالك بما هو أطول من ذلك؟! وما هو أكثر بكثير، كتب في مختلف الفنون، كم التفاسير، كم التفاسير! إذا كان تفسير "البيضاوي" كتب عليه أكثر من مائة وعشرين حاشية، كيف تضبط هذه الكتب؟
العمر ما يسعِف، "صحيح البخاري" الذي دوِّن عليه من الشروح الكاملة والناقصة أكثر من ثلاثمائة شرح، ولذلك يحتاج طالب العلم إلى من يأخذ بيده لتقديم الأهم فالمهم.

وبالمُهم المهم ابدأ لتدركه

 

وقدِّم النَّص والآراء فاتَّهم

إذا قدمت النصوص الوحيين وما يعين على نصوص الوحيين، فأنت سلكت الطريق والجادة المعروفة عن سلف هذه الأمة، الذي يعينك على فهم الكتاب والسُّنَّة مهم، مثل أهمية الغاية؛ لأنك لن تفهم كيف تستنبط من الكتاب والسُّنَّة إلا إذا عرفت الجادة التي سلكوها لتصل إلى ما وصلوا إليه، وإن كان المتقدمون ضربوا أمثلة قد يستحيل إلا على من وفقه الله –جل وعلا- أن يدركها أحد.

والحافظ الذهبي في "تذكرة الحفاظ" في ترجمة الإسماعيلي قال: " ومن عرف حال هذا الرجل جزم يقينًا أن المتأخرين على يأس تام من لحاق المتقدمين" الإمام أحمد يحفظ سبعمائة ألف حديث، الكمبيوترات الموجودة والبرامج التي كثرت كم فيها من حديث؟ ما تصل إلى مائة ألف. إذًا الإمام أحمد أضعاف أضعاف ما في الكمبيوترات؛ لماذا؟ لأنه اعتنى بالحفظ، وأخلص لله –جل وعلا- وصدق مع الله، فأعانه على حفظ هذه الكميات الهائلة.
الموضوع ذو شجون، ويحتاج إلى دورات –ما هو بدورة واحدة- في فن واحد يحتاج إلى دورات، لكن هم حصرونا في هذه الليلة وقالوا: تكلم عن الكتب الحديثية، أنا ما أستطيع أن أتكلم عن أقل كتب السُّنة شأنًا، سنن ابن ماجة ما أستطيع أن أحصرها في ساعة، فكيف بالبخاري الذي يحتاج إلى أشياء ومعاناته تظهر أشياء وغوامض لو عكف الإنسان عليه مع كتاب الله لكفى.
على كل حال استجابةً لرغبة الإخوان ونتكلم على الكتب الحديثية بأنواعها، على سبيل الإجمال، وإلا فالتفصيل فدونه خرط القتاد، يحتاج إلى عمر.
 فالكتب الحديثية تنوعت وأنا كتبت بالأرقام الأنواع فقط، ثم بعد ذلك لأني مع السن وتقدم السن يذهب الإنسان.

 فبعض الناس يرتب الكتب على حسب الترتيب الزمني التأريخي. فيبدأ بكتب القرن الثاني، القرن الأول ما فيه شيء، صحف، أشياء يسيرة جدًّا كتبها بعض المتقدمين، لكن القرن الثاني بدأ فيه التأليف، بعد أن أمر عمر بن عبد العزيز ابن شهاب على رأس المائة الأولى بداية القرن الثاني، بدأوا يكتبون ويألفون، ومن أشهر ما كُتب في هذه الحقبة "موطأ الإمام مالك"، والبداية بالأهم تجعلنا نبدأ "بالصِّحاح"، وننكب عن التاريخ الزمني جانبًا.

 لنبدأ بالصِّحاح، الصحاح الذي اشترط مؤلفوها الصِّحة.
أولها: صحيح البخاري.

أوَّل من صنَّف في الصحيحِ

 

محمدٌ وخُصَّ بالترجيح

-يعني: البخاري-.

ومسلمٌ بعدُ، وبعض الغرب مع

 

أبي علي فضلوا ذا لو نفع

والمفاضلة بين الصحيحين بأدلتها تحتاج إلى محاضرة، وهي موجودة في كتب الحديث أصولها موجودة، جماهير الأمة على تفضيل صحيح البخاري، ومسلم بعده، والصحيحان هما أصحُّ الكتب بعد كتاب الله -جلَّ وعلا-.

صحيح البخاري الجامع الصحيح المسند، الجامع الصحيح المسند من أحوال النَّبي - صلى الله عليه وسلم- وأقواله وسننه وأفعاله. هذا الكتاب ألَّفه الإمام البخاري وتحرَّى في جمع أحاديثه وانتقى الرواة انتقاءً لا نظير له في عمل البشر، فصار ينظر في المتون والأسانيد، وينتقي، ولا يثبت الحديث إلا بعد أن يصلي ركعتين، إلى أن أتمَّ الكتاب، وشُهرة الكتاب واستفاضته تغني عن الحديث عنه، لكن لا مانع أن نتكلم بكلمات يسيرة، لعلها تشدُّ طالب العلم للقراءة فيه.
ونرى من الجهود المباركة لحفظ كتب السُّنة ما ألغى ما في قلوبنا من الوهم الذي توهمناه سنين عددًا أن الحفظ للكتب المطولة مستحيل، كان الناس يحفظون الأربعين، والعُمدة،  والبلوغ، وكذا، ولا يتطاول أحد على حفظ الكتب المسندة، فبدأت الفكرة بحفظ الصحيحين، وهم يتجوَّزون في حفظ الصحيحين، وإنما هي مختصرات، حفظ الصحيحين، أحاديث الصحيحين مجرَّدة من الأسانيد والتكرار يجمعون بينها، مجردة من الأسانيد والتكرار.

لكن هل يبدأ بحفظ بالصحيحين، أو يبدأ بمقدمات تعين على حفظ الصحيحين؟ طالب العلم لو بدأ بالأربعين، وهي أحاديث وقواعد من قواعد الشريعة، الأربعين النووية، ويقرأ في شرحها ما كتبه الحافظ ابن رجب بنفس السلف، يستفيد طالب العلم كثيرًا، وهذه مرحلة البداية، ثم يقرأ في عُمدة الأحكام ويحفظها كما حفظ الأربعين؛ لأنها تؤسس طالب علم في أحاديث مأخوذة من الصحيحين، ما تتعبه في أن يسأل هل هذا الحديث صحيح أم ضعيف؟ هي من الصحيحين في الجملة، ثم يقرأ، يترقى فيقرأ في "بلوغ المرام" أو "المحرر" لابن عبد الهادي، فيجد نفسه أمام أحاديث خارجة عن الصحيحين، وبعضها خارج عن السنن، وهو بأمسِّ الحاجة إليها، بحيث لو اقتصر على الصحيحين أو على السنن فاتته هذه الأحاديث المخرَّجة من البيهقي والدَّارقطني وابن أبي شيبة ومن غيرهم من المؤلفين الذين انتقى ابن حجر في "بلوغ المرام" أو ابن عبد الهادي في "المحرر"، من كتب تمس الحاجة إليها بالنسبة لطالب العلم، إذا انتهى من هذه المرحلة وقرأ هذه الكتب وشروحها يترقى إلى النظر في الكتب المسندة، أعني الصحيحين والسنن والجوامع والمعاجم والمشيخات والمسلسلات. إلى آخر ذلك.
المسلسلات قد يفهمونها فهم
ًا خاطئًا.
بعض الناس لخلل..
ما "المسلسلات"؟
المحاور: الشيخ يسأل ما المسلسلات؟
الحديث المسلسل في سنده.
المحاور:...............
مسلسل بصفةٍ من الصفات.
المحاور:............
نعم هذا كلام صحيح، أُلِّف فيها كتب؛ لئلَّا يفهم أحد أنا نحث على  مشاهدة المسلسلات أو شيء وهذا ليس ببعيد، ليس بغريب على طلاب العلم اليوم، الذين ما لهم عناية، يوجد في صفوف طلاب العلم من فهمه غريب جدًّا، تعجَب كيف يهجم الفهم على مثل هذه الأمور.
المحاور:..........
من الخلل في المنهجية: أن يُعنى طالب العلم بالأجزاء والمَشيخات قبل أن يتقن الأصول، يُعنَى بعضهم من باب النَّهم بالغريب، يقول: والله حفظت جزء الألف دينار، حفظت جزء بيبي، عندك البخاري ما تعرف منه شيئًا، وتحفظ جزء بيبي! فهذا خلل يا إخوان، لكن الإغراب من القِدَم والنفوس تهفو إليه.

على كل حال لابد من الترتيب، والعلم لا يُستطاع براحة الجسم، كما قال الإمام يحيى بن أبي كثير: لا يُستطاع العلم براحة الجسم. ذكر ذلك الإمام مسلم في أحاديث مواقيت الصلاة، بين أحاديث مواقيت الصلاة قال يحيى بن أبي كثير: لا يُستطاع العلم براحة الجسم. ما دخل هذا بمواقيت الصَّلاة؟ لماذا؟ من يجيب حتى يأخذ الجائزة؟
طالب................
ترتيب الأحاديث عند مسلم بأسانيدها ومتونها ودقة رواتها، وأيضًا الدقة في صيغ الأداء، ما جاءت من فراغ، هذه ما جاءت من فراغ، إنما جاءت من تعب، ولذلك أراد الإمام مسلم أن يُنشِّط همَّة طالب العلم أو القارئ فقال: لا يستطاع العلم براحة الجسم أو الجسد.
على كل حال مثل هذه الأمور والمُلهيات والمشغلات، والصوارف، والصوادف في عصرنا كثيرة جدًّا، ومن أعظم من ذلك الفتن التي دخلت كل بيت في هذه الأجهزة. الإمام وهو في محرابه مجرد ما ينصرف إلى المأمومين يخرج الجوال -يعني ما يصبر؟!- كيف يصبر هذا على كتب العلم؟!

إذا أتقن المتون التي تأهله للنظر في الأصول، بعد ذلك يرقى إلى أن يقرأ في الأصول. ومع المتون التي أشرنا إليها يقرأ في كتب المصطلح، في كتب "علوم الحديث".

وفيه كتابة في المنهجية لقراءة المصطلح مختصرة من خمس صفحات كتبتُها مقدمةً لـ "ألفيَّة العراقي" المطبوعة في (دار المنهاج)، خمس صفحات، إذا مشى عليها طالب العلم؛ يدرك- بإذن الله-، إن أردتم ذكر مختصر لها فلا بأس، ما يضر.
يبدأ طالب العلم بأصغر كتب هذا الفن وهو "البيقونية" فيقرأها، وفيها تعاريف أنواع علوم الحديث، أربعة وثلاثين بيت
ًا، ما تحتاج إلا يومين فقط، ويقرأ شرحًا من شروحها سواء كانت المطبوعة أو المسموعة فيضبطها، ثم يترقى بعدها إلى النُّخبة، المتن، للحافظ ابن حجر ويقرأ في شروحها التي لا تُعد من كثرتها. فقد شُرحت منذ صدورها بتأليف ابن حجر. شرحها شخص من أقرانه: تقي الدين الشِّمُونِّي، وشرحه مطبوع الشِّمُونِّي متوفى قبل ابن حجر بمدة، لكن لأهميتها، ونظمها الشموني وشرح نظمه، فالعناية بالنخبة في غاية الأهمية؛ لأنها صدرت من إمام له معاناة في هذا الفن، ومعاناة تطبيقية، وله اطلاع واسع في هذا العلم، فعصر واعتصر مما في هذا العلم الواسع هذه الورقات؛ ليحفظها طالب العلم ويقرأ ما كتب عليها.

 ومع قراءته للنخبة وشروحها يبدأ بالتطبيق العملي، يبدأ بتخريج الأحاديث؛ لأنه حفظ قبل، فيبدأ بتخريج بعض ما حفظه؛ ليكون تطبيقًا لما قرأه من العلم النظري في النخبة، وإذا خرَّج يحاول أن ينظر في الأسانيد من خلال كتب الرجال ويتدرج في ذلك قليلا، ثم بعد ذلك يقرأ "اختصار علوم الحديث" للحافظ ابن كثير، وهو أطول من النخبة وأوسع؛ ليترقى بذلك إلى ألفيَّة العراقي.
 ألفيَّة العراقي من أفضل ما كتب في علوم الحديث ومن أجمع هذه الكتب؛ لأنه نظم ابن الصلاح، فاجتزنا كتب كثيرة في المصطلح؛ لنقرب فنقول: يبدأ بالبيقونية ثم النخبة، اختصار علوم الحديث، ألفيَّة العراقي.

ولا يهمل النظر في الكتب الأخرى، لكن المحور الذي تدور عليه دراسته لهذا العلم هذه الكتب، ولا يمنعه، بل ينبغي عليه ويتعين عليه مراجعة الكتب الأخرى من ابن الصلاح، والتقييد والإيضاح عليه وما كتب ابن حجر وما كتبه المتقدمون والمتأخرون، من المتأخرين من كتب كتابة في غاية الجودة، مثل: جمال الدين القاسمي في "قواعد التحديث"، والجزائري في "توجيه النظر"، كتب كثيرة. وقبلهم أناس، لكن طالب العلم عليه أن يبدأ بالكتب التي ذكرتها في البداية.

ألفيَّة العراقي، ألفيَّة ألفها إمام من أئمة الحديث، ونظمها نظمًا جيدًا في الجملة، وهي تقع في ألف بيت، ولها شروح كثيرة جدًا، لكن من أوسعها شرح السخاوي "فتح المغيث"، ولي عليها شرح يقع في أربعة مجلدات يظهر- إن شاء الله- قريبًا، يكون أسهل لطلاب العلم، وأنا لا أعدل بكتب المتقدمين، أقول: لا يكتفى بما كتبه المعاصرون عما كتبه المتقدمون؛ والسبب في ذلك أن كتب المعاصرين، لو نظرنا إلى ما كتبه شيوخنا، وبعض الناس يكتفي بها، ونقول: ليس بصحيح. كتب الشيوخ: كتبوها بلغة العصر كل يفهم، إذًا ما تحتاج إلى شيخ، لكن ما الإشكال؟

أنك لو وُجدت في مكان ليس فيه من يعينك على الفهم، ما استطعت أن تفهم إذا أردت أن ترجع إلى كتاب من كتب المتقدمين، ولذا توعير الأسلوب، وتصعيبه على طالب العلم ليس من باب تعذيب طالب العلم؛ وإنما هو لتربيته على طريقة أهل العلم، بحيث لو وُجد في مكان ما فيه من يُعينه، ولا يوجد شرح ولا يوجد شيء، يفهم بنفسه؛ لأنه تعود على هذه الأساليب.

هذا علوم الحديث آخر شيء، وقدمناه للحاجة؛ لأن النظر في علوم الحديث يعين على فهم الكتب الأصلية، ويعين على حسن التعامل معها، كما أن أصول الفقه يعين على الاستنباط من الكتاب والسُّنَّة، وعلوم القرآن تعين على ما يتعلق بكتاب الله -جلَّ وعلا- وهكذا، ولذلك تسمى أصولًا: أصول التفسير ، أصول الحديث، وأصول الفقه، وهكذا.
نرجع إلى ما نحن بصدده والكلام عن "الصحيحين"، البخاري طريقته أنه يقطِّع الأحاديث، وسمعه شخص ما أدري عن مستواه العلمي، وما أعرف أصله أصلاً، قال: إن فلانًا يتهم البخاري أنه يمزق الأحاديث!

 كيف يقطع الأحاديث؟ البخاري يقطع الأحاديث! وكتب في النت وتلقاه الناس وتهجموا عليه، المقصود أن البخاري يروي الحديث أحيانًا في عشرين موضعًا، وهو حديث واحد، لماذا؟ لأنه يقتصر على الجملة التي يحتاج لها في الاستدلال على الترجمة التي ترجم بها؛ لأن تراجم البخاري هي فقهه، يترجم بحكم شرعي، ويؤيد هذا الحكم ويرجح ما يختاره بآثار من أقوال الصحابة والتابعين، ثم الدليل في الخبر المرفوع، فينتقي من هذا الحديث قطعة، واختصار الحديث عند أهل العلم جائز بشرطه، ومن شرطه ألا يكون الموجود بحاجة إلى المحذوف، لو كان المحذوف "استثناءً" مثلاً أو "قيدًا" ما يجوز، وإذا قيل بجواز تقطيع الحديث فالعمل جارٍ على تقطيع الآيات.
ما معنى يقطع الآيات.
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء:58] تتحدث عن الأمانة، تكتفي بهذا ما يلزم أن تقول: {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء:58] وإذا كنت تتحدث عن العدل اذكر الجملة الثانية من الآية، ولا يلزم أن تقول: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء:58]. وهكذا، فإذا جاز هذا في القرآن فلأن يجوز في الحديث بشرطه. ما هو أي واحد يمسك الحديث ويقسمه على مزاجه، لا. لا يكون ذلك إلا من عارف عالم، كما قالوا بجواز الرواية بالمعنى، متى تسوغ الرواية بالمعنى؟ من عارف بالمعاني عالم بمدلولات الألفاظ وما يحيل المعاني، أما أي شخص يمسك لي حديث
ًا وبعبِّر عنه من نفسه ولا صلة له بكتب الحديث ولا بالشروح.

وهنا فائدة: وهي أن النظر وإدامة النظر في شروح الأحاديث تعين على الفهم وليس كل الأحاديث مشروحة، إذا حظي صحيح البخاري بالشروح ومسلم كذلك، وبقية كتب السنن المعروفة. لكن هناك كتب ما شرحت وفيها أحاديث يُحتاج إلى شرحها. طالب العلم الذي يديم النظر في الشروح تتولد لديه ملكة يستطيع أن يتعامل بها لفهم السُّنة من غير شرح.

أما شخص جاء من الشارع مثل ما يكتبون في الصحف، يفهمون أشياء على مزاجهم، وليست لديهم أي..، على مثل ما يقول الصحفيون، أرضية لفهم السُّنة، هذا ما يمكن، ولذلك في بعض القنوات والصحف غيرها من وسائل الإعلام أشياء غريبة جدًّا، والسبب أنه هجم على الكتاب والسُّنَّة، وفهم بفهمه وأفتى وصدَّره للناس.
في قوله –جل وعلا-: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} [النور:33]، شيخ كبير عنده بنت جاءه واحد من وجهة نظره أنه كفء، وهو في حقيقة أمره ليس بكفء؛ لأن وجهات النظر تختلف، فأعطاه ابنته وافق عليه والبنت ما تدري، قال له ابن  له من طلاب العلم: يا أبتِ هذا ما يجوز الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول : «لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، وإذنها صماتها»،  قال: القرآن يقول: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
ۚ وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النور:33]، لو قالت: ما أبغيه وقلت: بلى تبغينه، نحن نريد المغفرة، ما يدري أن البغاء: الزنا.
يعني الهجوم على الكتاب والسُّنَّة بهذه الطريقة أمره شنيع جدًّا، ومن فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار، لكن الذي أدام النظر في التفاسير تولدت لديه الملكة، الآن شيخ الإسلام أحيانًا نجد له أقوالًا في التفاسير أقوال ما سبق إليها، نقول هذا فسر برأيه؟ يأوي إلى علم، وحفظ لنصوص كثيرة جدًّا، وإحاطة بقواعد الشريعة وكلياتها، مثل هذا ما يمنع أنه يفسِّر، ومع ذلك طالب العلم إذا كانت لديه الأهلية وشيء من الأهلية عليه ألَّا يجزم، إذا لم يسبق بقول فليقل: لعل المراد كذا، لعل المراد كذا، سواء كان في كتاب أو في السنة؛ لأن التصدير ب "لعل" الترجِّي، ترفع عنه الحرج، ولذلك الصحابة –رضوان الله عليهم- لما ذكر النَّبي –عليه الصلاة والسلام- حديث السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب، ولا عذاب، قالوا: لعلهم، لعلهم كذا، لعلهم كذا، ولا أصابوا في شيء، خرج عليهم النَّبي –عليه الصلاة والسلام- ولا أنكر عليهم، لماذا؟ لأنهم قالوا: لعل، ما جزموا، ف"لعل" هذه تنفي شيئًا من الحرج بعد أن يكون لدى طالب العلم شيء من الأهلية.
نعود إلى الإمام البخاري، وصحيحه، قلنا إنه: يقطع أو يفرق أو يجزئ الأحاديث، ويذكر الحديث الواحد بجمله في مواضع متعددة بحسب ما يحتاج إليه؛ للدلالة على ما ترجم به، وفي بعض تراجمه -رحمة الله عليه- أو في كثير منها غموض، وأيضًا في الاستنباط غموض. حتى قال بعض أهل العلم: إن هذا الحديث لا يوجد في صحيح البخاري، وهو موجود في صحيح البخاري، لماذا؟  لدقة استنباط البخاري من الحديث، فهو يبحث عن الحديث في التراجم الظاهرة وما يستنبط من الحديث لمطابقتها، ومما يُذكر حديث ضباعة بنت الزبير قالت: «إني أريد الحج وأنا شاكية، قال: حجي واشترطي، فإن لك على ربك ما استثنيتِ» يُبحث كتاب "الحج"، وفي الإحصار من كتاب "الحج"، وهكذا يبحثون يمين
ًا يسارًا ما يوجد الحديث في كتاب الحج كله، لعله في كتاب الشروط لقوله «واشترطي» لا يوجد في "كتاب الشروط"، ولذا بعض العلماء قال: إن نسبة الحديث إلى البخاري وهم، أين وضعه الإمام البخاري؟
المقدم: فيه أحد عنده إجابة؟
في كتاب النكاح، صحيح، الترجمة.
المحاور:............
الشيخ:
نعم؟
باب الأكفاء في الدين؛ لأنه لما روى الحديث قال: وكانت تحت المقداد، وكانت تحت المقداد، هي بنت الزبير بن عبد المطلب عم النَّبي -صلى الله عليه وسلم- الشقيق، والمقداد بن الأسود مولى، انظر الأكفاء في الدين، ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب عم النَّبي –عليه الصلاة والسلام- الشقيق، قال في نهاية الحديث: وكانت تحت المقداد. فدل على أن الكفاءة هي في الدين. الشخص الذي ما قرأ البخاري مرارًا وجرده كيف ينتبه لمثل هذا، كيف ينتبه لهذا؟ فطالب العلم عليه أن ينتبه ولا يضيع علمه، فالعلم طويل ومتين، ويحتاج إلى جهد ومعاناة ومران وتردد، ليست المسألة تقرأ مرة ومرتين، ولذلك من الجناية على الكتب "الاختصار"، ليس من العبث أن يكرر الحديث في البخاري في عشرين موضع
ًا أو في عشرة مواضع، أو حديث: «إنما الأعمال بالنيات» في سبعة مواضع؛ لأن التكرار يرسخ، وليس من العبث أن يكتب في العلم الواحد بل من المؤلف الواحد أربعة كتب أو خمسة في الفن الواحد، هل نقول: إن ابن قدامه لما ألف "العمدة" و"المقنع" و"الكافي" و"المغني" تكرار كلها داخلة في بعض، واحد يكفي؟

نقول: لا، ألَّف "العمدة" للمبتدئين، فإذا أتقنوا مسائلها طلعوا إلى ما فوقها وهو: "المقنع"،  وفيه أكثر من رواية على روايتين في الغالب، والمسائل الموجودة في "العمدة" موجوده في "المقنع"، يقول: هذا تكرار، اختصر، لا؛ لأنها عندما تمر عليك مرة ثانية ترسخ وبطريقه أخرى، بعبارات ثانية تختلف، ثم يمر عليك في "الكافي" روايات متعددة، والمسائل المذكورة في "العمدة" موجودة في الكافي، والتي  في "المقنع" موجودة في الكافي، ثم إذا أتقنت هذه الكتب الثلاثة أتقنت المذهب، تذهب إلى مسائل الخلاف في "المغني".
بعضهم يقول: هذه كتب تدخل بعضها في بعض، ما المانع؟ هذا كلام ليس بصحيح.

البخاري فيه سبعة آلاف وثلاثمائة وكسور حديث، بالتكرار، لكن بدون تكرار ألفان وخمسمائة وحديثان، يعني الثلث. لماذا لا يقتصر على الثلث أخف ...؟ لماذا لا يقتصر على الثلث؟ يعني: أنت لو قرأت في كتاب "الفتن" من صحيح البخاري الأصل، أو قرأت في "الرقاق"، تقرأ في صحيح البخاري، وهذا ليس ببعيد عن موضوع المحاضرة، وإلا الترتيب الذي يريدون غير هذا، يعني: إذا قرأت كتاب الفتن والرقاق، وهي من أهم الكتب لطالب العلم، مع أن الناس يغفلون عنها، تجد في البخاري مائتي حديث، تحت مائة وخمسين ترجمة، تراجم علم، وفي التراجم آثار يدعم بها الترجمة، ويسوق الأحاديث في هذه المواضع، ولا يوجد في الأحاديث المكررة، المكرر بمتنه وسنده، بدون زيادة فائدة في "البخاري" كله إلا في نحو عشرين موضعًا.

 فأنت يا طالب العلم تستفيد من هذا التكرار فوائد غير التي مرَّت بك، تعلم اختصارات، كم في "الزبيدي" من كتاب "الفتن" الذي يقارب مائتين بالبخاري؟ أحد عشر حديثًا. تستفيد، ما تستفيد، نعم إذا اختصرت لنفسك، أنت الذي تمسك القلم والكتاب تختصر، وتقتصر على المهم وتحذف ما لا ترى أهميَّته أو مكررًا، شيئًا من هذا ممكن، لماذا؟ لأنك إذا انتهيت من الكتابة الذي اختصرتَ من الأصل صار علمُكَ بالمحذوف كعلمك بالموجود؛ لأنك حاضر الذهن، ما دمت اختصرت تضرب على هذا، وتصحح كل هذا الصح والخطأ وأنت ماشٍ. لا، لا بد أن تقارن بين هذه الروايات لتثبت أنفعها بالنسبة لك، فإذا اختصرت بنفسك ممكن، ويبقى الأصل هو المرجع.
بعض الناس يطالبون بشرح مختصر، نقول: ما يخالف، شرح مختصر، لكن لا تغفل عن الأصل، يعني: كم يفوت طالب العلم الذي اختصر على المختصر إذا قارنه بالأصل؟ عبث هذا، وليس تطويل الورق عندهم أشحّ من الأكل والشرب والمداد. يريدون المسألة سهلة عندهم، هو يضغط زرًّا ويطلع له مجلد، خلاص المسألة، كل شيء متعب عندهم، لكن مع التعب حصلوا، كما قال يحيى بن أبي كثير –رحمه الله-.

الإمام مسلم طريقته تختلف عن طريقة البخاري، الإمام مسلم  يجمع طرق الحديث وألفاظ الحديث في موضع واحد، في موضع واحد، ولذا طالب العلم لا يتعب كثيرًا في صحيح مسلم، لا يتعب كثيرًا في صحيح مسلم في تتبع الروايات؛ هي مجموعة في موضع واحد.

 الآن لتمام الإفادة من صحيح البخاري وأنت تقرأ فيه تأتي إلى الحديث الأول، حديث: «إنما الأعمال بالنيات» فتثبته بلفظه وسنده وترجمته، ثم تنظر في أطرافه، تأتي إلى الطرف الثاني فتكتبه تحت الطرف الأول، فإن ذكرت الموضع الأول ثم تذكر معه ما كتبَه في الطَّرف الثاني، وتنظر في الفروق -في الإسناد والمتن-، ثم تأتي إلى الطرف الثالث فتقارنه بما كتبتَه، وتثبت، وإن أثبت الحديث كاملًا بترجمته وقارنت بين الترجمة والحديث تمت الفائدة، وإذا انتهيت من الكتاب على هذه الطريقة بجمع أطراف الأحاديث في المواضع تكون في موضعٍ واحد؛ لتجعل طريقة البخاري مثل طريقة مسلم، ولا نقول: إن طريقة مسلم أفضل، لكن إذا انتهيت من البخاري بهذه الطريقة جمعت بين الإفادة التامة من صحيح البخاري بتراجمه وتصرفاته وإشاراته وألغازه التي تحتاج إلى مراجعة وتعب، إذا انتهيت من البخاري وجعلته مثل طريقة مسلم، لا لأن طريقة مسلم أفضل، ولكن من هذه المعاناة وهذا التعب يرسخ عندك العلم، بإذن الله.

مسلم مثل ما ذكرنا يجمع طرق الحديث في موضع واحد، وييسر على طالب العلم، بينما يتنقل من باب إلى باب، وعلى يمين وعلى يسار، يضعه في موضع واحد، ومسلم ليس مثل البخاري في الاستنباط، مسلم بدون تراجم، ما ترجم –رحمه الله-؛ أراد أن يجعل الكتاب خاصًّا بالحديث، ما  يريد أن يخلط معه غيره كما فعل البخاري وغيره، ولكلٍّ وجهة،  لكن لا شك أن التفقُّه على صحيح البخاري أفضل بكثير من طريقة مسلم، وكل على خير، يعني هما كتابان تقرأ فيهما وأنت مرتاح، كتب صحيحة اتفقت الأمة على قبولها، وتلقتها بالقبول.

 وعلى كل حال: هذان هما الأصل في السُّنة.

أول من صنف في الصحيح

 

محمد وخص بالترجيح

ومسلم بعْدُ وبعض الغرب مع

 

أبي علي فضلوا ذا لو نفع

وَلَمْ يَعُمَّاهُ ولكن قَلَّمَا

 

عِنْدَ ابن الأخْرَمِ مِنْهُ قَدْ فَاتَهُمَا

ولم يعمَّاه: يعني البخاري ومسلم ما قالوا: إن جميع الأحاديث الصحيحة جمعناها.
 يعني: إذا ضبطت الصحيحين فأنت أدركت خير
ًا عظيمًا.

وَلَمْ يَعُمَّاهُ ولكن قَلَّمَا

 

عِنْدَ ابن الأخْرَمِ مِنْهُ قَدْ فَاتَهُمَا

ورُدَّ لكن قال يحيى البرُّ

 

لم يفت الخمسة إلا النزر

ورُد: يعني فات الصحيحين أحاديث كثيرة جدًّا.
 ولكن قال يحيى البر -النووي- قال: لم يفُت الخمسة.
الخمسة: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وفيها علوم، يعني يحتاج إلى عمر في استخراج كنوز هذه الكتب.
ورُدَّ لكن قال يحيى البرُّ لم يفت الخمسة إلا النزر، الخمسة: الكتب الخمسة، وفيه ما فيه؛ لأنه أيضًا فات الخمسة أحاديث كثيرة.

وفيه ما فيه لقول الجعفي

 

أحفظ منه عشر ألف ألف

يعني مائة ألف حديث صحيح، أين المائة ألف التي يحفظها البخاري، يعني ابحث عنها، ولا تكتفي بالصحيحين حتى ولا بالخمسة.

ووجد فئة نشأت في مصر يَرون الاقتصار على القرآن مع الصحيحين، وأُلِّفَ في ذلك كتاب اسمه "تيسير الوحيين بالاقتصار على القرآن مع الصحيحين"، وهذا فيه تضييع لقدر كبير من السُّنة تدور عليها أحكام كثيرة في العقائد والعبادات والمعاملات وفي غيرها من أمور الدين والدنيا، فهذا المنهج لاشك في أنه خاطئ، وأكثر خطأ منه من يسمون أنفسهم "بالقرآنين" الذين يهملون السنة، فعلى الإنسان أن يسلك ما سلكه من سلف في الاعتناء بالقرآن والصحيحين والسنن والمسانيد.

يأتي بعد الصحيحين السنن التي هي سنن أبي داود والترمذي والنسائي الخمسة، واختلفوا في السادس، فمنهم من جعل الدَّارمي هو السادس، ومنهم من جعل الموطأ، وهذه طريقة ابن الأثير في "جامع الأصول"، وقبله رزين العبدلي في تجريد الأصول، ومنهم من جعل ابن ماجه، وأول من جعله مكمِّلا للستة: ابن طاهر.
إذا أردنا أن نجمل في الكلام قلنا: البخاري ومسلم اشترطا الصحة ووفيا بهذا الشرط والكتب السُّنة فيها أنواع الصحيح والحسن والضعيف. الأنواع الثلاثة.

وأبو داود يقول في رسالته: جمعت فيه الصحيح وما يشبهه ويقاربه وما فيه وهن شديد بيَّنته.  وما فيه وهن شديد بيَّنته: دليل على أنه توجد فيه الأنواع الثلاثة: الصحيح والحسن والضعيف، وهو أمثل السُّنن.

بعده النسائي بالنسبة للقوة، ثم الترمذي، والترمذي بالنسبة للتفقّه والإلمام بعلوم الحديث؛ لأن فيه أربعة عشر نوعًا من أنواع علوم الحديث الترمذي، فيستفيد منه طالب العلم فائدة عظيمة وأبو داود قالوا إنه يكفي المجتهد وما يحتاج إلى غيره؛ لأن فيه أربعة آلاف وثمنمِئة حديث من أحاديث الأحكام وما يلحق بها.

 

النسائي: قالوا: إن شرطه أشد، وإنه لم يخرج عمن أجمعوا على تركه، بينما في جامع الترمذي من اتُّهم بالوضع، ولا يعني هذا أنه إذا وُجد انتقاد لشيء من الأشياء أنه يهدر، لا، ولكن من باب إنزال الناس منازلهم؛ لأن "جامع الترمذي" فيه علوم، وفيه تعقيبات على الأحاديث من الإمام المؤلف -رحمه الله- يعني: تفيد طالب العلم، تفتق الذهن في علوم الحديث وفي الفقه والتفقه وذكر أقوال العلماء في المسائل الفقهية، وذكر الشواهد لهذا الحديث فيما يقول فيه بعد رواية الحديث: وفي الباب عن فلان وفلان وفلان، هذه شواهد يترقى بها الحديث.
هل نتعرض لشيءٍ من الشروح للبخاري ومسلم وابن ماجه وكذا؟

 

سنن ابن ماجه: هو أقلها شأنًا وأكثرها ضعيفًا، ولكن مع ذلك فيه زوائد كثيرة جدًّا على الكتب الخمسة، ولذا أدرجه ابن طاهر في تتميم الكتب الخمسة ليكون السادس.

بعد السنن المسانيد، ولذا يقول الحافظ العراقي:

ودونها في رتبه ما جعلا

 

على المسانيد فيدعى الجَفَلا

كمسند الطيالسي وأحمدا

 

وعدُّه للدارمي انتقدا

دونها: دون السنن.
المسانيد التي تُرتب على أسماء الصحابة، والسنن ترتب على الأبواب كالصحيحين.
والسنن ترتب على الأبواب كالصحيحين.
جعلوا المسانيد أقل رتبة من السنن لماذا؟ لأن أصحاب السنن يترجمون بأحكام، يترجمون بأحكام شرعية، فهم حينما يريدون الأحاديث تحت هذه التراجم، إنما يريدون الاستدلال لهذه الأحكام، فترى المؤلف ينتقي من مروياته أقواها ليثبت الحكم الذي ذكره في الترجمة، بينما المسانيد يترجم باسم الراوي: أحاديث أبي بكر، أحاديث عمر، أحاديث فلان، فلان، فلا يهتم مثل اهتمام صاحب السنن بقوة الحديث؛ لأنه يقول هذا مما رواه أبو بكر، وهذا مما رواه عمر، ما ترجم بحكم شرعي، ورأى أن هذا حكم الله في هذه المسألة، فهو يبحث عن أقوى ما عنده ليستدل على هذا الحكم، بخلاف المسانيد التي تترجم بأسماء الرواة، ولذا قال الحافظ العراقي:

ودونها في رتبةٍ ما جعلا

 

على المسانيد فيُدعى الجفلا

كمسند الطيالسي وأحمدا

 

وعده للدارمي انتقدا

والدارمي؛ لأن ابن الصلاح عد الدارمي من المسانيد، وانتقد عليه؛ لأن الدارمي ليس على المسانيد، وإنما هو على الأبواب مثل السنن، ولذلك جعلوه سادس الكتب عند بعض أهل العلم.

وعده للدارمي انتقدا، لماذا انتقد؟ لأن سنن الدارمي على الأبواب وليس على المسانيد، قالوا: اللهم إلا إن كان يقصد غير السنن؛ لأنه ذُكر في تاريخ بغداد أن للدَّارمي مسندًا، فإن كان يقصده فكلامه صحيح، وإن كان يريد بالمسانيد أو بالمسند ما هو أعم مما رُتب على أسماء الصحابة يعني: مما ذكرت فيه الأحاديث بالأسانيد، فهو مسند من هذه الحيثية، الأحاديث فيه مسندة فصحيح البخاري سماه البخاري "الجامع الصحيح المسند"؛ لأنه ذُكرت فيها الأسانيد.
لكن ليس هذا موضعه؛ لأنه ذكره مع "مسند الإمام أحمد" ومسند الطيالسي، وهي مرتبة على مسانيد الصحابة، وقريب منها المعاجم التي ترتب فيها الأحاديث على مسانيد الصحابة.
والكلام على الصحاح يجعلنا نتطرق إلى ما اشترطت فيه الصحة مع عدم الوفاء بالشرط، إذا كان البخاري ومسلم وفوا بشروطهما، "فصحيح ابن خزيمة" و"صحيح ابن حبان" و"صحيح الحاكم" المسمى بــ "المستدرك" هذه ذكروا أنها صحيحة، لكن هل الواقع يشهد بذلك، يؤيد ذلك؟

لا؛ فيها أحاديث دون الصحيح، الحسن كثير، والضعيف أيضًا موجود، بل في "المستدرك" أحاديث موضوعة، ويستدرك على الصحيحين أحاديث كما قال في مقدمته: وأنا أستخير الله في إخراج أحاديث رواتها ثقات، احتج بمثلهم الشيخان، وفي كل حديث يقول: هذا صحيح على شرط الشيخين، وهذا صحيح على شرط البخاري، وهذا صحيح على شرط مسلم، وهذا صحيح فحسب، إذا لم يكن رواته مخرَّجون في الصحيح، ولكن هل وفى بذلك؟ فيه أحاديث موضوعة، والضعيف كثير، وفيه الصحيح كثير، يصفو في "مستدرك الحاكم" أحاديث كثيرة صحيحة، لكن تسميته بالصحيح تجوُّز، ابن حبان أيضا فيه تساهل، وأمثلها صحيح ابن خزيمة.
المُحاوِر:..............
طيب خلاص.
المحاور: نكمل -إن شاء الله- بعد الصلاة.
لأن الموضوع المقترح طويل ومتشعب والإلمام بأطرافه يصعب في الوقت القصير، وأحيانًا تكون وفرة المادة العلمية تعوق أكثر بكثير من لو كانت قليلة جدًّا؛ لأن القليل تبحث عما يكمله، لكن الكثير كيف تنتقي منه ما يناسب الوقت والحضور، والموازنة بين هذه الأمور في غاية الصعوبة.

 ومن باب الاستطراد: أكثر ما يشق على المفسر تفسير الفاتحة والبقرة، لماذا؟ لأن المفسرين أجلبوا عليها بكلِّ ما يستطيعون، فتجد التفاسير في أوَّلها يكون فيها طول شديد، والتفاسير فيها كثرة، فمن أراد أن يؤلف يرجع إلى هذه التفاسير كلها مع طول ما كتبوا، فيه صعوبة، بينما في أواخر التفاسير ولا في أواخر شروح الحديث، تجد المعلومات أقل، والتوفيق بينهما ممكن، على كل حال: هذا من ضمن الاستطرادات التي ...
تكلمنا عن الصحيحين باختصار شديد، والسنن الأربعة، سنن أبي داود والنسائي والترمذي وابن ماجه، على خلاف بينهم في السادس، ذكرناه، ثم بعد ذلك عرجنا على المسانيد التي من أهمها وأشهرها "المسند الكبير للإمام أحمد"  الذي يحوي على ما يقرب من ثلاثين ألف حديث، وكان أهل العلم يقولون: إن فيه أربعين ألفا، وبعضهم يقول: أين ذهبت العشرة آلاف؟ ما ذهبت، ولكن العدد عند المتقدمين ليس بدقيق، ولا يعنيهم العدد بقدر ما يعنيهم حفظ الأحاديث، فعد ثلاثين ألف حديث عند عالم من أهل العلم يحفظ بدلها مئة حديث، وهذه هي الغاية عندهم، بخلاف اهتمامات المتأخرين، يهتمون بالأعداد، ويفرعون، ويقسمون، وهذا يبدأ من كذا وهذا، هذه أهداف، يعني: وصل الأمر إلى أن طالب من طلاب العلم في اليمن قال: أيهما أكثر حروف القرآن أو حروف تفسير الجلالين؟ فعد حروف القرآن، وعد حروف الجلالين، لماذا: لأنه يقول –وقاله غيره- إن الحكم للغالب، إذا كان الغالب القرآن لا تقرأ إلا بوضوء، إذا كان الغالب التفسير تقرأ بطهارة، فعد، يقول إلى آخر سورة المزمل العدد واحد، من بداية المدثر إلى آخر القرآن زاد التفسير، فانحلت عنده المشكلة، أنا أجيء بمثل هذا المثال للفرق بين اهتمام المتقدمين

 يقول: ثلاثون ألفًا أربعون ألفًا، أكثر، كله واحد، بالتقريب، وليس معناه أنه ضاع من المسند شيء، قد يكون الاختلاف لاختلاف الرواة، لكن المسند من رواية عبد الله المتعارف عليه من رواية عبد الله، من زيادات عبد الله وزيادات القطيعي، وكلها محفوظة، لكن الكتب الأخرى التي تتفاوت فيها الروايات مثل: صحيح البخاري مروي من رواةٍ عدة، يزيد بعضهم على بعض، وبين رواية أبي ذر وبين رواية أبي شاكر يقولون: فرق ثلاثمائة حديث، هذا لاختلاف الرواة، هذا لم يثبت الحديث عن فلان، ووجد في نسخة فلان كذا، وهذا.. ما فيه إشكال.

لكن الفرق عشرة آلاف حديث، هل مرده لاختلاف الرواة؟ لا، ليس مرده اختلاف الرواة بقدر ما مرده الاهتمام والعناية بالنسبة للمتقدمين تنصب على الغاية، لحفظ الأحاديث والتفقه فيها، والاستنباط منها الذي هو الغاية من الرواية، الاستنباط الغاية من الرواية، للعمل، ولذلك أُثر عنهم: أن حفظ حديثين خير من رواية وقْرَيْن، وفقه حديثين خير من حفظ وقرين، أهم شيء الفقه، الغاية من الرواية التفقه للعمل، وإلا فعلم بدون عمل تحشد علومًا، وتكون حجة عليك إن لم تعمل..
فطالب العلم العمل عنده يجعله غايه، ويحفظ ليعمل، يفهم ويتفقه ليعمل، وللخطيب البغدادي كتاب في هذا الباب اسمه "اقتضاء العلم العمل"، والعلم يهتف بالعمل، كما قال علي، فإن أجابه وإلا رحل. العلم الذي لا يعمل به لا يفيد، لا ينتفع به صاحبه لا في الدنيا ولا في الآخرة، بل يكون حجة عليه إذا ضيعه.
السادس من الكتب الستة قلنا: إنه ابن ماجه، وأول من جعله منها ابن طاهر المقدسي، ودرج عليه من صنَّف في رجال الكتب الستة، كالحافظ عبد الغني في "الكمال" و"تهذيب الكمال" للمزي وما تفرع عنهما، وكذلك الأطراف الحافظ المزِّي في "تحفة الأشراف" جعل السادس ابن ماجه، منهم من جعل السادس "الموطأ"، وقبل ذلك من جعل السادس "الدارمي"، الذي ذكرناه في المسانيد، وهو سنن إن أريد به المشهور المتداول.
الموطأ للإمام مالك: مرتب على الأبواب ولا يسمى سنن
ًا وإن كان قريبًا من كتب السنن في ترتيبه، وفي استدلاله وتراجمه، قريب جدًّا من كتب السنن، إلا أنه يختلف عن السنن بكثرة ما دخله من غير السنن، من كلام الإمام مالك كثير جدًّا في أثناء رواياته للأحاديث، يعلق ويستنبط، وهذا كثير، مما جعلهم يفصلونه عن السنن.
 كذلك المصنفات مصنف ابن أبي شيبة ومصنف عبد الرزاق قريبة في ترتيبها من السنن على الأبواب، وتروي الأخبار، لكن لكثرة ما فيها من الآثار؛ ما أدرجوها في السنن، وإن كان موضوعها السنن، لكن السنن المرفوعة بالنسبة للأثار أقل بكثير مما في السنن الأربعة.
الجوامع، المقالات، المصنفات، الجوامع، بعد ذكر الصحاح، والسنن، والمسانيد، جوامع الكتب: التي تجمع أبواب الدين. التي تجمع أبواب الدين، ويُعد منها صحيح البخاري؛ لأن فيه جميع أبواب الدين، وكذلك مسلم، وكذلك الترمذي، هذه تسمى جوامع؛ لأنها تجمع أكثر ما جمعته السنن من الأبواب.
العلل، كتب العلل: وهذه لا ينبري لها إلا الأفذاذ من المحدثين، ولا يتصدى لها كل أحد ولا يفهمها كل طالب علم، فكتب العلل بالنسبة لطالب العلم تؤجل إلى أن يهضم هذه الكتب المذكورة، يأتي إلى كتب العلل، والحافظ ابن كثير لما يشيد بكتاب "العلل" للدارقطني، إشادة في غاية القوة، ولا يعني أن طالب العلم يذهب للمكتبات ويشتري "علل" الدارقطني ويقرأ؛ هذا يصده عن تحصيل العلم؛ لأنه ما يفهم. والعلل فن غامض لا يدركه إلا الأقل من القليل بالنسبة لأهل الحديث، وفي العلل: صنف كتب "العلل" للإمام مسلم، كتاب صغير. وأيضًا "العلل ومعرفة الرجال" للإمام أحمد، و"العلل" للترمذي سواء كانت "علل الجامع" أو "العلل المفردة"، وكذلك "العلل" لابن أبي حاتم. وأجمعها وأشملها "علل" الدارقطني.
كتب الأحكام: أشرنا  إلى شيء منها في البداية، التي منها "عمدة الأحكام" و"بلوغ المرام" وأيضا "المحرر" لابن عبد الهادي، وهو من أهمها، طالب العلم عليه أن يقارن بين "البلوغ" و"المحرر"، وينظر في فروق المتون وزوائد البلوغ على المحرر، وزوائد المحرر على البلوغ، كلها يدونها، وينظر في أحكام ابن عبد الهادي على الأحاديث، وهو من أدق العلماء في بيان الأحكام وذكر العلل، وينظر في أحكام ابن حجر، ويقارن بينها، ويستفيد فائدة عظيمة، وأجمع كتب الأحكام "المنتقى" للإمام مجد الدين بن تيمة جد شيخ الإسلام.
كتب مشكل الحديث: كتب فيها "مختلف الحديث" لابن قتيبة، وأيضًا: "مشكل الحديث" للطحاوي، و"مشكل الحديث" لابن فورك، وبعضهم لا يسلم من مخالفة عقدية، فتجد ابن فورك وهو أشعري يوجِّه الأحاديث التي أشكلت على مقتضى مذهبه، وهو بذلك في كثير من الأحيان يرد على إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة.
كتب غريب الحديث: وألف فيه الشيء الكثير، ومن أهم ما ألف: "غريب الحديث" لأبي عبيد القاسم بن سلام، و"غريب الحديث" للخطابي، و"غريب الحديث" للهروي، ومن أجمع ما أُلف فيها كتاب "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير، ومن أهمها "مشارق الأنوار" للقاضي عياض، "مشارق الأنوار على صحاح الأخبار" يعني بذلك: الصحيحين والموطأ، وهو كتاب نفيس جدًّا.

مشارق أنوارٍ تبدت بسبتةٍ

 

ومن عجبٍ كون المشارق بالغرب

 ينافس أحيانًا "مطالع الأنوار"، بل قد يزيد عليه بدورانه في كتب الشروح "مطالع الأنوار" لابن قرقول، وهو مثله بل فرع عنه.
كتب الموضوعات: يعني كما يعرف طالب العلم الصحاح والحسان وغيرها من الأحاديث، يعرف الموضوعات؛ ليكون على بيِّنة؛ لئلا يستدل بحديث حكم عليه أهل الحديث بالوضع. وقالوا: إن الإمام البخاري -رحمه الله- كما حفظ مائة ألف حديث صحيح يحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح، ومنها: "الموضوعات" لابن الجوزي، و"الموضوعات"، "والمنار المنيف" لابن القيم، ومنها "الموضوعات" لملا علي قاري، ومنها "اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة" للسيوطي، ومنها "الفوائد المجموعة"  للشوكاني، ومنها كتب كثيرة جدًّا.
كتب الرجال: وهي بالنسبة لطالب العلم في غاية الأهمية، ولا بد أن يجمع كل ما يقدر عليه من كتب الرجال؛ لأنه في أي إسناد يمر عليه يحتاج إلى ترجمة هذا الرواي، وما قيل فيه فقد يكون هذا الراوي في الكتب الستة وهي مخدومة، أو يكون في غيرها وفي تراجم رجالها إعواز، فيستفيد من الكتب الفرعية، إضافة إلى الكتب الأصلية.

أحيانًا تجد في "مستدرك الحاكم" ما لا تجد له ترجمة، أو في الدارقطني أو في تفسير "الطبري" أو في الكتب المتأخرة نوعًا ما، لا تجد لهم تراجم إلا في كتب التواريخ "تاريخ بغداد" أو تاريخ "نيسابور" أو تاريخ "دمشق" أو غيرها من الكتب. فتحتاج إلى أن تجمع أكبر قدر من كتب الرجال.
وكتب الأحاديث أشرنا إلى بعضها، وبهذا نكون أتينا على ما طُلب إجمالاً، وإلا لو فصِّل الموضوع نحتاج إلى فهم هذه الكتب، الرجوع إلى شروحها، من رجوع إلى شروحها، وكل كتاب مما ذكرنا ومما لم نذكره شرح بشروح متعددة، فهذه يؤجل النظر فيها والكلام فيها، ولنا فيها أشرطة، ولنا فيها محاضرات ودروس، يرجع إليها من أرادها، والله أعلم.
 وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
شكر الله لمعالي الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، على هذا اللقاء المبارك، ونسأله سبحانه وتعالى أن يجعله في ميزان حسناته، وأن ينفع بعلمه الإسلام والمسلمين.
أستأذن معالي الشيخ في طرح بعض الأسئلة التي لها صلة بالموضوع؟

المًحاور: نبهت يا شيخ.
طيب. جزاك الله خيرًا.
كما ينبه الشيخ الآن أن تكون أسئلتنا متعلقة بمحاضرة الشيخ، وقبل ذلك هناك أسئلة وضعتها اللجنة المنظمة لاختيار ثلاثة في محاضرة الشيخ.
السؤال الأول: هو تحدث معالي الشيخ –حفظه الله تعالى- في بداية حديثه عن التدوين، الكتابة بعهد النَّبي –صلى الله عليه وسلم- متى بدأ التدوين، وما الحديث الوارد الذي ذكره الشيخ في بداية حديثه؟
المحاور:...........

من رواية من من الصحابة؟ من رواه؟
المحاور:............
لا، ترى الأسئلة الجزئية المتفرعة ما عليها جوائز.......؟
المحاور:...........
من حديث أبي سعيد، صح نعم.
المحاور: متى بدأ التجميع؟
المحاور: التدوين؟
المحاور: أي عصر التدوين.
المحاور:.................

صح.
المحاور:.................
هو الزهري لكن ابن هشام، لا. ابن شهاب.
المحاور:...........
تعال، تعال.
المقدم: نضيف عليه سؤالًا حتى تستحق به الجائزة، أعطنا كتابًا من الكتب التي ذكرها الشيخ في كتب "الموضوعات".
المحاور: الموضوعات لابن الجوزي، الموضوعات لابن القيم.
يكفي، ما اسم كتاب ابن القيم؟
المحاور: الموضوعات.
لا، المنار المنيف، فيه قواعد مهمة جدًّا، أعطوه الجائزة.
المحاور: الشخص الذي أجاب الشيخ في المسلسل أين هو؟ نعم. يستحق جائزة.
نعم. يستحق.
المحاور: بناءً على أن السؤال كان من الشيخ، نعيد الإجابة يا شيخنا، يمكن أحد ما سمع.
لا، فهموا أنه ليس من التمثيليات ولا شيء، لا ما هو موضوعنا.
المحاور:................
بارك الله فيك.
المحاور: الذي كان أجاب حديث..
ابن سعيد، يعطى سؤال
ًا.
المحاور: الأخ الذي كان أجاب على الحديث الذي ذكره الشيخ أين هو؟

....
المحاور: سنضيف سؤالًا بناء على رغبة الشيخ.
يكمل النصاب.
المحاور: يكمل نصاب الجائزة.
المحاور: تحدث الشيخ عن أن البخاري كان له طريقة مشهورة في تصنيفه، ما هذه الطريقة؟ وبماذا أجيب عن هذه الطريقة التي استخدمها البخاري في تصنيفه؟
المحاور:...............

في إيراد الأحاديث
صح، لكن هو ....
ما الفرق بين البخاري ومسلم في سرد الأحاديث؟
المحاور:.............
أيهم؟
المحاور:.............

نعم، صح.
المحاور: تقطيع الحديث، تفضل.

نعم، يفرق الحديث.
المجيب:..............
بارك الله فيك.
المحاور: نكتفي بهذا القدر.
نسأله –سبحانه وتعالى- أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع، والعمل الصالح، وأن يبارك في جهود علمائنا الأجلاء في توضيح ما تحتاجه الأمة اليوم، وأن يبارك في أعمارهم وأوقاتهم، وأن يوفقهم، ويبارك لهم في جهودهم، نسأله –سبحانه وتعالى- أن يوفق شيخنا الكريم في هذا اللقاء المبارك، وأن يجعله في ميزان حسناته، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.