شرح منسك الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب (05)

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف- رحمه الله تعالى-: فصل في جزاء الصيد".

قال- رحمه الله-: "في النعامة بدنة" في النعامة بدنة وفي حمار الوحشي بقرة، وفي الأيِّل والوعل بقرة، وفي الضبع كبش، والغزالة عنز، والوبر والضب جدي وهو الذكر من أولاد المعز له ستة أشهر، وفي اليربوع جفرة لها أربعة أشهر، وفي الحمامة شاة، كل ذلك قضى به الصحابة" فما قضت به الصحابة ملزم يتقيد به؛ لأن الأصل في جزاء الصيد {مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [سورة المائدة:95] والمماثلة مردها إلى حكم أهل الخبرة وتقديرهم، والصحابة- رضوان الله عليهم- أعرف الناس بهذا؛ لأنهم عرب ويعرفون هذه الأنواع من الصيد معرفة تامة؛ لأنها موجودة عندهم وبين أظهرهم ويزاولونها ويصطادونها في غير الحرم والإحرام، وهم عرب يعرفون كيف ينزلون الأحكام الشرعية منازلها، ويطبقون ما أمروا به من خلال معاشرتهم ومعايشتهم للنبي-صلى الله عليه وسلم- إضافة إلى ما عرفوه من لغتهم وعاداتهم وأعرافهم، فحكموا في هذه الأحكام "في النعامة بدنة في النعامة بدنة"؛ لأنها تشبه البدنة في طول العنق وفي ارتفاعها عن الأرض قالوا: "وفي حمار الوحش بقرة"، وهو قريب من البقرة في حجمها "وفي الأيِّل والوعل بقرة، وفي الضبع كبش" هذه الأنواع التي حكم به الصحابة كلها مأكولة اللحم. وقرر أهل العلم أن ما حكم بها الصحابة في فدائه بما يماثله من بهيمة الأنعام أنه مأكول اللحم، ولما اختلفوا في الضبع هل يؤكل أو لا يؤكل قال: لو كان غير مأكول اللحم لما حكم الصحابة بفدائه بكبش؛ لأن غير مأكول اللحم يجوز قتله على قول هو الذي تقدم في الكتاب أنه يقتل ولا جزاء فيه "وفي الغزالة عنز" مشبهة جدًّا للعنز.

 "والوبر" هو نوع من الأرانب نوع وحشي، "الضب" هو معلوم أُكل على مائدة النبي –عليه الصلاة والسلام- "جدي والجديُ هو الذكر من أولاد المعز له ستة أشهر، وفي اليربوع اليربوع جفرة" اليربوع مأكول أو غير مأكول؟ مأكول نعم جفرة لها أربعة أشهر أصغر مما في الضب والوبر؛ لأن الوبر جدي، وهذه جفرة لها أربعة أشهر "وفي الحمامة شاة" هنا قد يقول القائل: ما وجه الشبه بين الحمامة والشاه؟ {فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [سورة المائدة:95] الحمامة تشبه الشاه؟

الطالب: ...

وجه الشبه خفي جدًّا قد لا ينظر إليه من جهة الناس، وجه الشبه .. تعب الماء ولا تقطع الشرب مثل الدجاج تعب الماء كالشاه نعم والمماثلة هنا يلحظ فيها أمور دقيقة كما يلحظ عابر الرؤيا؛ لأنه قد يقول قائل من النعم .. الحمامة تفدى بشيء يسير، أو تقوّم، لكن الصحابة قضوا بأن فيها شاة ونظروا إلى وجه الشبه، وهو عب الماء وهو شربه متتابعًا.

 يقول: "كل ذلك فيما قضى فيه الصحابة وما لم تقضِ فيه الصحابة يرجع فيه إلى قول عدلين خبيرين يحكم به ذوا عدل منكم" لابد من العدالة والخبرة؛ ليكون الحكم مقبولاً "وعلى جماعةٍ اشتركوا في قتل صيد جزاء واحد" اجتمع عشرة من الأشخاص وحملوا على نعامة فقتلوها، كل واحد عليه بدنة؟ أو كلهم يشتركون في بدنة؟ وإذا حصل أن شخصًا قتل نعامة فوجبت عليه البدنة وبحث عنها في هذه السنة، فلم يجد لمنع دخولها مكة والمشاعر، فإنه يجزئ عنها بقرة كما تقدم.

 "وعلى جماعة اشتركوا في قتل صيد جزاء واحد، ويحرم صيد الحرم" يعني ما تقدم بالنسبة للمحرم "ولو خارج الحرم" وهنا يحرم صيد الحرم، ولو كان غير محرم ويحرم صيد الحرم على المحرم وغير المحرم؛ لقوله –صلى الله عليه وسلم- يوم فتح مكة: «إن هذا البلد يعني مكة حرمه الله يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة»، وهذا الحديث في الصحيح "وحكم صيده كصيد المحرم" يعني من حيث الجزاء على ما تقدم، "وحكم صيده كصيد المحرم فيه الجزاء" قال: "ويحرم قطع شجرة" هذا لا يعضَدُ شجرها ولا يقتلَ خلاها إلى آخر ما جاء في الحديث، "ويحرم قتل شجره وحشيشه الأخضرين" بخلاف اليابس "ويجوز قطع اليابس والثمرة" الثمرة لا تدخل في الممنوع هناك شجر مثمر وقطف ثمره لا يدخل في قطع الشجر، "ويجوز قطع اليابس والثمرة وما زرعه آدمي وما زرعه آ دمي" رجل وضع في بيته شجرًا للزينة مثلاً أو للثمرة قالوا: يجوز قطع ثمره؛ لأنه زرعه آدمي بخلاف ما ينبت من السيول، أو يكون عثريًّا ينبت بغير فعل الآدمي سواء كان داخل مكة أو خارجها في حدود الحرم.

 "وما زرعه آدمي والكمأة والفقع والإذخر" الكمأة: تنبت في الأرض من آثار رحمة الله في السيل وكذلك الفقع، وهي أنواع لشيء واحد، وأنواع عديدة منها الأسماء القديمة الكمأة، وهي معروفة في بعض البلدان بهذا الاسم والفقع معروف عند أهل نجد بهذا الاسم، وفيه العساقل نوع منه، ولقد نهيتك..

ولقد جنيتك أكمؤًا وعساقلاً . . . ونهيتك عن بناتِ الأوبرِ

نوع أيضًا صغار جدًّا أكثره تراب، هذا ما يصلح، وله أسماء عند المتأخرين مثل: الزبيدي والخلاسي هذي أنواع من أنواع الفقع، لا مانع من جنيه في الحرم ومن المحرم وأكله، وجاء في الحديث الصحيح «الكمأة من المن» الذي امتن الله به على بني اسرائيل «وماؤها شفاءٌ للعين» وماؤها شفاءٌ للعين"، وذكر الشراح كالنووي وابن حجر ذكروا أشخاصًا بأسمائهم أنهم تداووا بماء الكمأة من العمى فأبصروا، ذكر النووي ذلك، وذكره باسمه، وكذلك ابن حجر، وهذا من الطب النبوي الصحيح الثابت في البخاري وغيره "«الكمأة من المن وماؤها شفاءٌ للعين» الكمأة تخالط التراب فلا بد من تنقيتها، تنظيفها من التراب وإلا فإذا أكلت من غير تنظيف فهي مضرة على الكُلَى وغيرها، ولكن هي من المن فهي نافعة والإذخر؛ لأن النبي– عليه الصلاة والسلام- لما ذكر المنع منقطع الحشيش ولا يختلى خلاها «قالوا: يا رسول الله، إلا الإذخر، قال: إلا الإذخر إلا الإذخر» فاستثني الإذخر بالاستثناء النبوي "ويباح الانتفاع بما زال وانكسر، يباح الانتفاع بما زال وانكسر من غير فعل آدمي" جاءت دابة جمل أو بقرة أو شيء أخذت من هذه الشجرة أغصانًا وانكسر بعضها وسقط، يباح الانتفاع به من فعل الآدمي؛ لأنه لم يكن من فعله، وإنما هو من فعل غيره.

 "ويباح الانتفاع بما زال وانكسر من غير فعل آدمي" أما الآدمي إذا فعل كسر فإنه لا يجوز الانتفاع به كما قالوا في نظيره في الصيد أنه لا يجوز أن يأكل منه، "ولا يأكل منه من صيد لأجله، وتُضمَن شجرة صغيرة عرفًا بشاة وما فوقها ببقرة" هذا ما يقال الشجرة التي طولها متر بشاة ومترين ببقرة؛ نظرًا لارتفاع هذه لا مرد ذلك إلى العرف مرد ذلك إلى العرف، فما عده الناس صغيرًا فهو صغير، وما عده الناس كبيرًا فهو كبير، وما عدوه متوسطًا فهو متوسط، "وما فوقها ببقرة، وللمحرم أن يقتل ما يؤذي بعادته" كل ما آذى طبعًا فإنه يقتل شرعًا.

 "وللمحرم أن يقتل ما يؤذي بعادته الناس كالحية والعقرب والفأرة والكلب العقور" التي جاء فيها النص «خمس كلهن فواسق يقتلن في الحل والحرم يقتلن في الحل والحرم»؛ لأنها مؤذية، وعلى هذا يرد ما قلناه في قتل محرم الأكل، وهو لا يؤذي الكلب المنهي عن قتله؛ لأنه جاء النهي عن قتل الكلب السنور الهر يقتل أو ما يقتل؟ التخصيص بالخمس لأذيتها جعل بعضهم يجعل العلة الأذى، فيخص القتل بما يؤذي بالخمسة وما فوقها في الأذى، وبعضهم نظر إلى أن جميع الخمس غير مأكولة اللحم، لا تؤكل، فجعل العلة عدم الأكل، فطرد ذلك جميع ما يؤكل. "وللمحرم أن يقتل ما يؤذي بعادته الناس كالحية والعقرب والفأرة والكلب العقور" يعني التقييد بالعقور يجعل الكلب المطلق من غير عقر لا يدخل في النص مع أنه داخل في كلام المؤلف السابق- رحمه الله- والخلاف موجود بين أهل العلم.

  "وله أن يدفع ما يؤذيه من الآدميين والبهائم" يدفع عن النفس، يدافع عن نفسه كل ما صال عليه ولو كان آدميًّا، فإنه يدفع "حتى لو صال عليه أحد ولم يندفع إلا بالقتال قاتله" إلا بالقتال قاتله، لكن ما يجعل القتال والقتل أول شيء يدفعه، بالأسهل فالأسهل فإذا اندفع بذلك لا يجوز له أن يرتقي إلى غيره، وإن لم يندفع إلا بقتاله قاتله قال –صلى الله عليه وسلم-: «من قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون حرمته فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد» في الحديث: «من قتل دون عرضه فهو شهيد»؛ لأنه هنا ذكر من قتل دون حرمته واردة.

 "ويحرم صيد المدينة ولا جزاء فيه" لم يرد فيه جزاء وإنما الجزاء الوارد في صيد مكة "ويحرم صيد المدينة ولا جزاء فيه، ويباح الحشيش للعلف وإذا كان أخضر" بخلاف حشيش المدينة.. بخلاف حشيش مكة.

 "وتباح آلة الحرث" يعني ما يستفاد منه في الحرث من الشجر ونحوه من حرم المدينة من حرم المدينة للحاجة قال: "وحرمها ما بين عير إلى ثور، وحرمها ما بين عير إلى ثور" وهما جبلان مشهوران في المدينة قائمان إلى الآن هي معروفة بهذا الاسم.

الطالب: ........

معروف حددنا .. بناءً على الحديث.

يقول: (قال ابن السِّيد في المثلث) ابن السِّيد قال ابن السيِد أم ابن السَّيِّد؟

الطالب: سَيِّد

سِيد أم سَيِّد؟ البطليوسي له كتاب اسمه المثلث، وله كتاب في أسباب الخلاف. سَيِّد؟ ما يقول الإخوان؟

 من سَيِّد الناس؟ أبو فتح اليعمري هذا؟

من سَيِّد الناس؟ أبو فتح اليعمري صاحب السيرة؟ عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، وله شرح على الترمذي شرح نفيس جدًّا، وله كلام في علوم الحديث يتداولونه في مقدمة شرح الترمذي لا غير هذا، ابن سَيِّد الناس غير ابن السِيد كذا، والسيد من أسماء الذئب البطليوسي قال ابن السيد في المثلث: (هو جبل اسم جبل بقرب المدينة معروف، وروى الزبير في أخبار المدينة) الزبير بن بكار (في أخبار المدينة عن عيسى بن موسى قال سعيد بن عمرٍو لبشرٍ بن السائب: أتدري لم سكنّا العقبة؟ قال: لا، قال: لأنا قتلنا منكم قتيلاً في الجاهلية فأخرجنا إليها، قال: وددت أنكم قتلتم منا آخر وسكنتم وراء عير) المقصود أن عير جبل معروف في المدينة، وسمي بذلك؛ لأنه يشبه العير، وكبار السن القاطنين في تلك الجهات يعرفونه، وإن خالف بعضهم ونقله لجبل آخر قريبٍ منه، المقصود أنه الجبل المعروف والأكثر على تحديده جاء في قطع شجر المدينة عن سعد أنه أن القاطع يسلب ما معه وسلب سعد من رآه يقطع، ولكن الجمهور على أنه لا فداء فيه.

قال- رحمه الله-: "فصل: تستحب المجاورة بمكة والمدينة، لمن لم يخف الوقوع في محظور، تستحب المجاورة بمكة والمدينة" وجاءت النصوص على الترغيب في سكنى المدينة، وجاءت نصوص تدل على فضل مكة؛ منها ما جاء في أنها أحب البلاد إلى الله كما ثبت عن النبي –عليه الصلاة والسلام- وما جاء في مضاعفة الصلاة فيها بمائة ألف صلاة، الصلاة الواحدة الفريضة الواحدة عن خمس وخمسين سنة، قد يقول قائل: إذا كان الأمر كذلك فما الذي جعل الصحابة وأهل الفضل من القرون المفضلة وغيرهم من الأئمة وغيرهم يتفرقون في الأمصار مع هذه المضاعفة؟ صلاة واحدة بخمس وخمسين سنة؟

طالب: ................

الفاضل يجلسون هنا.

طالب: ................

نعم؛ لانشغالهم بما هو أفضل، وهو الدعوة والتعليم ونشر الإسلام في الآفاق، لا شك أن هذا أفضل، أما شخص عادي ليس عنده طموح ولا همة لمثل هذه الأمور فيجاور مع أن ابن عباس خرج من مكة إلى الطائف، خرج من مكة إلى الطائف، ومات في الطائف خشية أن يقع منه شيء من المخالفة، والغنم مع الغرم، كما أن الحسنات مضاعفة، كذلك السيئات معظمة.

لذلك قال المؤلف: "تستحب المجاورة بمكة والمدينة لمن لم يخف الوقوع في محظور" {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [سورة الحج:25] مجرد الإرادة، والإرادة الأصل فيها أنها حديث نفس معفو عنها ما لم تصل إلى حد العزم، لكن في مكة {نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} بمجرد الإرادة {ومَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ}، والآية هل يرد فيه فيه ظرف للإرادة أو ظرف للإلحاد؟ يعني لو أراد الإلحاد في الحرم وهو بالهند مثلاً وهو بالهند يقول: إذا ذهبت للحرم أفعل وأفعل وأترك. وإذا قلنا بالاحتمال الثاني: الإرادة في الحرم، والإلحاد في الهند مثلاً؟ الاحتمال الثاني؟ إذا كانت الإرادة في الحرم وهو يريد أن يلحد في الهند أو العكس؟

طالب: ..............

كيف؟

 مجرد الإرادة في الحرم مجرد الإرادة في الحرم أو مجرد إرادة الإلحاد في الحرم؟

طالب: ..............

مجرد إرادة الإلحاد في الحرم ولو كانت الإرادة خارج الحرم، ومن يرد فيه، لكن النص من يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم، وعلى ما قال الأخ: كلاهما مصيبة مادام الحرم طرفًا فالأمر شديد سواء كان بالإرادة أو بالفعل.

 ومكة أفضل من المدينة؛ لما جاء من أنها أحب البلدان إلى الله، ولما جاء في مضاعفة الصلاة بمائة ألف صلاة. "والصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة" في المسجد الحرام، والجمهور على أنه شامل للحرم كله، ولا يختص بالمسجد. وفي مسجد النبي –صلى الله عليه وسلم- بألف صلاة، الرسول –عليه الصلاة والسلام- يقول: «صلاةٌ في مسجدي هذا صلاةٌ في مسجدي هذا» استنبط أهل العلم أنه ليس كل المدينة فيها مضاعفة، وإنما المضاعفة في المسجد، وخصه بعضهم بمسجد النبي –عليه الصلاة والسلام- دونما ألحق به؛ لأنه أشار إليه «مسجدي هذا»، والجمهور على أن ما ألحق بالمسجد له أحكام المسجد. "وفي المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة" بخمسمائة صلاة، وهو من حيث الفضل ثالث المسجدين، من حيث الفضل. "وبقية الحسنات كالصلاة في المضاعفة الصدقة والصيام" تصوم يومًا في مكة كأنك صائم مائة ألف يوم، تنفق ريالاً كأنك دفعت مائة ألف ريال، هذا ما جرى عليه المؤلف، وبه قال جمع من أهل العلم، وخصه كثير منهم بالصلاة التي ورد فيها النص، وما عدا الصلاة من أنواع العبادات فإن فضله أعظم منه في غيرهم في الحرم، لكن ليس بهذا المقدار؛ لأنه لم يرد فيه تحديد.

 "ويسن لمن أتى مكة أو المدينة الاستكثار من الطاعة" سمعنا ما في تعظيم الأجور ومضاعفة الصلوات، فمن يفرط بمثل هذا؟ من يفرط بمثل هذا؟ لكن المحروم الحرمان ليس له نهاية ما يفرق عنده الأمر في مكة أو في المشرق أو في المغرب على عادته أو على سجيته، يرسل لسانه وبصره وسمعه وجوارحه فيما كان يزاوله قبل ذلك، سواء كان في المكان المعظم أو في الزمان المعظم، كذلك لا يفرق عنده الأمر؛ لأنه ما عود نفسه وجبل نفسه على امتهان الطاعات، وترك المعاصي، وترك الفضول، ولم يتعرف على الله في أيام الرخاء، فأراد أن يعرف في الشدة، هذا لا يكون.

 والحج كما تعلمون أربعة أيام، وجاء فيه «من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه» بعض الناس يقول: أربعة أيام لا أتكلم بكلمة وتقدم في الكتاب أن شُريحًا إذا حج كأنه حية صمّاء ما يتحرك ولا يتكلم ولا ينظر ولا..، واستدل به الإمام أحمد على استحباب السكوت وعدم الخوض في ما لا يعني، وفعل شريح وقلنا: إن شريح تابعي جليل فعله لا يستدل به، وإنما يستأنس به. "ويسن لمن أتى مكة أو المدينة الاستكثار من الطاعة والأعمال الصالحة" ومن الطاعة والأعمال الصالحة دعوة الناس إلى الخير وتعليمهم العلم وزيارة من يحب في الله من أهل العلم والفضل وغير ذلك، هذه أنواع من الطاعات.

  "والأعمال الصالحة من صلاة وصوم وصدقة وقراءة وذكر وطواف لمن كان بمكة" لمن كان بمكة يكثر من الطواف إذا كان آفاقيًّا مثل هذه الأيام قد لا يتيسر الطواف؛ لشدة الزحام، لكن الذين يترددون على مكة في أوقات السعة ينبغي أن يلاحظوا مثل هذا، ويكثروا من الطواف قالوا: إنه أفضل من الصلاة والتلاوة لماذا؟ قال: "فإنه أفضل للغريب من الصلاة اغتنامًا لهذه العبادة التي تفوت بالخروج من مكة المشرفة" نعم إذا طلع من مكة ما فيه طواف، فيه طواف في غير مكة؟ ما فيه طواف "اغتنامًا لهذه العبادة التي تفوت بالخروج من مكة المشرفة" وكان كثير من السلف يحيي الليل بعبادته مدة اقامته بمكة، وقد ذكر عن ابن القيم من هذا الشيء الذي يتعجب منه أهل مكة والغرباء من إكثار الطواف والتلاوة والصلاة والذكر والدعاء إذا جاء في مكة ذكر هذا في ترجمته- رحمه الله-، وهذا مذكور في سلف هذه الأمة وأئمتها وعلمائها وخيارها والصالحين منها.

قال- رحمه الله-: "فصل في دخول مكة" قال: "يسن من أعلاها" يعني دخول مكة من أعلاها من جهة كداء نقول: افتح وادخل واضمم واخرج؛ لأن النبي –عليه الصلاة والسلام- دخل من أعلاها قد يقول قائل: إن هذا كان على طريقه -عليه الصلاة والسلام-، لكن الذي طريقه في الجهات الأخرى من أسفلها هل يدور على مكة حتى يأتي إلى الأعلى، ثم يدخل اتباعًا –عليه الصلاة والسلام-؟ وينصون على الدخول من أعلى مكة لما حصل له -عليه الصلاة والسلام- ولكن بعضهم من يقول: هذا مجرد اتفاق هذا طريقه ولم يقصده -عليه الصلاة والسلام- ومن كان طريقه مثل طريقه -عليه الصلاة والسلام- يدخل من أعلاها، لكن من كان طريقه من أسفلها من الجهات الأخرى من الجنوب أو الشرق هل يقصد أن يلتوي ويمسك الدائري ليصل أعلاها ثم ينزل؟ من أهل العلم من يقول اقتداءً به -عليه الصلاة والسلام- يفعل ذلك، وجرى عليه المؤلف وغيره، جميع مناسك الحنابلة يقولون: يسن الدخول من أعلاها، "والمسجد" يعني دخول المسجد "من باب بني شيبة" ومنه دخل النبي -عليه الصلاة والسلام- "ويقال في المسجد مثل ما قيل في مكة" يقال في المسجد وقصد باب بني شيبة مثل ما قيل في قصد أعلى مكة.

 وعلى كل حال من تيسر له ذلك من غير مشقة فهو أولى، ومن يشق عليه ذلك فالمشقة تجلب التيسير لا سيما وأن الإنسان قادم من سفر وقد وصل إلى البيت، وصل مكة ثم وصل البيت وانحرافه عن طريقه قد يشق عليه، والمشقة تجلب التيسير "ويسن أن يقول عند دخوله" يعني دخول المسجد: "بسم الله ومن الله وإلى الله، اللهم افتح لي أبواب رحمتك" يعني يقال فيه ما يقال في غيره من المساجد "بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله اللهم افتح لي أبوب رحمتك" يقول هذا كغيره من المساجد "ويقدم رجله اليمنى".

قال: "فإذا رأى البيت رفع يديه وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام، حيِّنا ربنا بالسلام يعني يا ربنا حينا ربنا بالسلام، اللهم زد هذا البيت تعظيمًا وتكريمًا وتشريفًا ومهابةً وبرًّا، وزد من عظّمه وشرّفه ممن حجه أو اعتمره تعظيمًا وتكريمًا وتشريفًا ومهابة ً وبرًّا" هذا ذكره ابن القيم في زاد المعاد وقال: مرسل ذكره سعيد بن المسيب عن عمر -رضي الله عنه- من قول عمر، يعني هو موقوف من قول عمر ومرسل؛ لأن سعيدًا المرجح أنه لم يسمع من عمر.

يقول: "الحمد لله رب العالمين حمدًا كثيرًا كما هو أهله، وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله، الحمد لله الذي بلغني بيته، ورآني أهلاً ورآني لذلك أهلاً والحمد لله على كل حال، اللهم إنك دعوت إلى حج بيتك الحرام، وقد جئتك لذلك. اللهم تقبل مني واعفُ عني وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت لا إله إلا أنت" هذا ذكره الأثرم والحربي كما في كشاف القناع ولم ينسباه لأحد "يرفع بذلك صوته إن كان رجلاً وما زاد من الدعاء فحسن، ثم إذا دخل" ليس فيه شيء مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- غير ما يقال عند الدخول إلى المسجد، أما هذه الزيادات فليس فيها شيء مرفوع "ثم إذا دخل المسجد وقال ما تقدم، فأول ما يبدأ به طواف العمرة"؛ لأن تحية البيت الطواف "إن كان معتمرًا" يعني كان معتمرًا بدأ بطواف العمرة وكذلك معتمرًا وفي نيته الحج؛ ليكون متمتعًا فإنه يبدأ بطواف العمرة.

 "وأما القارن والمفرد فيطوف للقدوم" الأول ركن طواف العمرة ركن، وطواف القدوم سنة سنة "ويطوف القارن والمفرد للقدوم، ويضطبع بردائه" يعني أول طواف يطوفه يضطبع ويرمل. "وصفة الاضطباع أن يجعل وسط ردائه تحت عاتقه الأيمن وصفة الاضطباع أن يجعل وسط ردائه تحت عاتقه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر" معناه أنه يكشف كتفه الأيمن، "ويبدأ طوافه من الحجر الأسود فيحاذيه ببدنه ويستلمه فيستلمه، فإن شق استلامه وتقبيله استلمه بيده وقبلها" يعني يستلمه أول ما يقف عليه يقبله، "فإن شق استلامه وتقبيله استلمه بيده وقبلها فإن شق استلامه بيده استلمه بما في يده من محجنٍ وغيره، فإن شق اللمس أشار إليه" مجرد إشارة "يقول: بسم الله والله أكبر" في البداية يقول: "بسم الله والله أكبر اللهم إيمانًا بك وتصديقًا بكتابك ووفاءً بعهدك واتباعًا لسنة نبيك محمد –صلى الله عليه وسلم-" أخرجه الطبراني في الدعاء موقوفًا عن علي -رضي الله عنه-، وفي سنده الحارث الأعور، وهو ضعيف.

"ويطوف سبعًا يرمل الأفقي" الآفاقي يعني من جاء من خارج مكة من مسافة قصر، فأكثر من وراء المواقيت يرمَل الأفقي في هذا الطواف "والرَمَل مثل الهرولة مسارعة المشي مع تقارب الخطى"، والسبب في مشروعية الرمل في عمرة القضاء جلس كفار قريش من جهة الحِجر وقالوا: يأتي محمد وأصحابه وقد وهنتهم حمى يثرب، فرمل النبي -عليه الصلاة والسلام- في طوافه في الثلاثة الأشواط الأوَل ليريهم ما يغيضهم، وأنه ليس فيهم حمى كالغزلان كما قال المشركون أنفسهم، ولذا في هذا الطواف في عمرة القضاء بين الركنين ما رمل؛ لأنهم لا يرونه، بينما في حجة الوداع رمل من الركن إلى الركن استوعب الشوط كاملاً بالرمَل؛ لأنه ليس في الجهات الثانية أحد يُنظَر إليهم، وقد يقول قائل: إنه ليس هناك أحد يقول: إن المسلمين جاؤوا أنهكهم التعب والمرض أو أنهكهم السفر ليس هناك ما يقول مثل ما قال الكفار في عمرة القضاء للنبي -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه والحكم يدور مع علته وجودًا وعدمه ما فيه أحد يقول شيء فلماذا الرمل؟

 قال أهل العلم: النبي -عليه الصلاة والسلام- رمل بعد ذلك في حجة الوداع فيكون هذا الحكم من الأحكام التي ثبتت بعلة فارتفعت العلة وبقي الحكم، القصر "إن خفتم" العلة الخوف، فهل فيه خوف الآن؟ صدقة تصدق الله بها، ارتفعت العلة، وبقي الحكم الذي هو القصر "وهو مسارعة المشي مع مقاربة الخطى، فإن لم يمكنه الرمل للزحمة كان خروجه إلى حاشية المطاف والرمَل أفضل" يعني من القرب من الكعبة لماذا؟ لأن الفضل المرتب على العبادة نفسها أولى بالمحافظة من الفضل المرتب على مكانها أو زمانها، ما لم يكن المكان أو الزمان واجبًا أو شرطًا تجب مراعاته، فنلاحظ ما يتعلق بالعبادة نفسها أولى من ملاحظة ما يتعلق بزمانها أو مكانها، يعني جاء شخص إلى الصلاة، ووجد فرجة في آخر الصف الأول، الصف الأول أفضل مما يليه وملاحظته مقصد شرعي، لكن إذا كان هذا المصلي لا يرتاح في هذا المكان، ولا يخشع في صلاته، مسلط عليه مكيف وهو ما يتحمل ينتقل إلى الصف الثاني أو الثالث؛ ليخشع في صلاته ويعقل صلاته؛ لأن هذا فضل مرتب على الصلاة نفسها، وذاك فضل مرتب على مكانها.

طالب: ......

كيف لو شرع؟ إذا كان يتضرر، ولو شرع إذا كان يمرض، أو مريض يزيد مرضه ولو شرع، الحمد لله؛ لأن كثير من الناس يأتي مسرعًا ليدرك الركعة ليدرك الصلاة ويصف بمكان ثم يتبين له أنه مسلط عليه المكيفات من كل جهة واحد من اليمين، واحد أمامه، وتنزل عليه وهو مريض ويزداد مرضه، مثل هذا لو قطع الصلاة معذور.

 "فإن لم يمكنه الرمل لزحمة أو للزحمة كان خروجه إلى حاشية المطاف ولو بعد عن الكعبة قال: والرمل أفضل فيرمل" ولو بعد عن الكعبة "يرمل ثلاثًا في ثلاثة أشواط، ثم يمشي أربعًا"، وعرفنا أنه رمَل -عليه الصلاة والسلام- في عمرة القضاء في الأشواط الثلاثة، ومشى بين الركنين، وأما في حجة الوداع استوعب الأشواط من الركن إلى الركن، يعني من الحجر إلى الحجر ما مشى بين الركنين "يرمل ثلاثًا في ثلاثة أشواط، ثم يمشي أربعًا من غير رمَلٍ؛ لفعله -عليه الصلاة والسلام-" وما منعه عليه الصلاة والسلام أن يرمل في جميع الأشواط إلا الإبقاء عليه خشية أن يشق على الصحابة- رضوان الله عليهم- والأمة من بعدهم، "ثم يمشي أربعًا من غير رمَل؛ لفعله -عليه الصلاة والسلام- ولا يقضى الرمل إن فات" كثير من الناس ومن طلاب العلم إذا دخل المطاف ذَهَل وطاف ثم ينتبه للرمل ويستذكر الرمل بعد ما انتصف في الطواف في الشوط الرابع أو الخامس مثل هذا لا يقضى سنة فات محلها، ولذلك قال: "ولا يقضى الرمل إذا فات، ولا يسن رمل ولا اضطباع في غير هذا الطواف"، وهو طواف القدوم، يعني أول ما يطاف، أول ما يطوفه القادم إلى مكة يسن له ذلك "ويسن أن يستلم الحجر والركن اليماني عند محاذاتهما، ويسن أن يستلم الحجر والركن اليماني" بتخفيف الياء، ياء النسب نسبة إلى اليمن وياء النسب مشددة عن ياءين، لكن الألف التي زيدت قامت مقام الياء الأولى صار يمانِيْ والحكمة يمانيَة، الإيمان يمان والحكمةُ يمانِيَة ما هي بيمانيّة لكن بدون ألف تقول يمنيّة مثل ما تقول تيميّة

                 ياء كيا الكرسيّ زيدت للنسب ....

"ولا يقضى الرمَل، ويسن أن يستلم الحجر والركن اليماني عند محاذتهما، فالحجر الأسود يُستلم ويُقبل، واليماني يُستلم ولا يُقبل، والآخران" الشاميان "لا يُستلمان ولا يُقبلان" لماذا؟ لأنهما ليسا على قواعد إبراهيم، بعض الصحابة يقول: ليس بالبيت شيء مهجور فيستلمون الجميع، لكن الثابت عنه –عليه الصلاة والسلام- أولى بالاتباع، والعلة معروفة. "والآخران لا يستلمان ولا يقبلان، والاستلام هو مسحه باليد" هكذا مجرد مسح ،"والاستلام هو مسحه باليد وأما سائر جوانب البيت ومقام إبراهيم وسائر ما في الأرض من المساجد وحيطانها ومقابر الأنبياء والصالحين كحجرة نبينا –صلى الله عليه وسلم- ومغارة إبراهيم ومقام نبينا الذي كان يصلي فيه" المنبر النبوي "ومقام نبينا الذي يصلي فيه المحراب وغير ذلك من مقابر الأنبياء والصالحين وصخرة بيت المقدس فلا يستلم ولا يقبل باتفاق الأئمة" ما فيه شيء يستلم ويقبل إلا ما في البيت، "فلا يستلم ولا يقبل باتفاق الأئمة والطواف بذلك من البدعة المحرمة، ومن اتخذها دينًا يتدين بذلك يطوف بقبر أو بمقام نبي أو إمام من الأئمة أو ولي من الأولية من اتخذها دينًا يُستتاب، فإن تاب وإلا قتل، ويقول كلما حاذى الحجر: الله أكبر" النبي –عليه الصلاة والسلام- كلما حاذى الحجر كبر يعني في البداية يقول: بسم الله والله أكبر، وفي البقية كبّر، "ويقول كلما حاذى الحجر: الله أكبر" فقط لما روى البخاري عن ابن عباس قال: طاف النبي –صلى الله عليه وسلم- فكان كلما أتى الركن أشار بيده وكبر.

 "ويقول ذلك في جميع الطواف في بدايته وخاتمته، حديث جابر عند أحمد في المسند كنا نطوف مع النبي –صلى الله عليه وسلم- فكان يمسح الركن الفاتحةَ والخاتمة" يعني إذا انتهى من الطواف يمسح، "وعند الركن اليماني: اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، ويقول بينه وبين اليماني: ربنا آتنا في الدنيا حسن وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، فتقبيل الحجر مسنون في ابتداء كل أسبوع" التقبيل، والمسح في كل شوط ، "فتقبيل الحجر مسنون في ابتداء كل أسبوع لا في كل شوط، وأما الاستلام له ولليماني ففي كل شوط، ويقول في بقية طوافه: ربي اغفر وارحم واهدني السبيل الأقوم، وتجاوز عما تعلم، وأنت الكريم الأعظم" وهذا ذكره البيهقي في المعرفة، وأسنده إلى الإمام الشافعي- رحمه الله-، ولم يذكر سند الشافعي، ما ذكر سند الشافعي إلى من فوقه "وإن شاء قال: اللهم إن هذا البيت بيتك والحرم حرمك والأمر أمرك" في بعض الروايات والأمن أمنك، "وهذا المقام مقام العائذ بك من النار ويشير بذلك إلى مقام إبراهيم–عليه السلام- قال الشيخ تقي الدين" والمراد به شيخ الإسلام ابن تيمية تقي الدين ابن تيمية "يستحب له في الطواف أن يذكر الله تعالى ويدعوَه بما شُرِع" بالأدعية المشروعة، "وإن قرأ القرآن سرًّا فلا بأس"، وأنكر بعض التابعين كما في الموطأ قراءة القرآن في الطواف، لكن الذكر مشروع والقرآن أفضل الأذكار.

قال: "وإن قرأ القرآن سرًّا فلا بأس، وليس فيه ذكر محدود عن النبي –صلى الله عليه وسلم- لا بأمره ولا بقوله ولا بتعليمه" يعني لو قدِّر أنّ شخصًا طاف بالبيت سبعة أشواط ولا تكلم ولا بكلمة لم يسم ولم يكبر ولم يقل: ربنا آتنا وما ذكر الله ولا نطق ولا بكلمة وطاف سبعة أشواط طوافه صحيح أو غير صحيح؟ صحيح، وما ذكر من هذه الأذكار سنة، لا تؤثر في الطواف. "وليس فيه ذكر محدود عن النبي  -صلى الله عليه وسلم- لا بأمره ولا بقوله ولا بتعليمه، بل يدعو فيه سائر الأدعية الشرعية، وما يذكره كثير من الناس من دعاء معيّن تحت الميزاب ونحو ذلك فلا أصل له، كان يختم طوافه بين الركنين بقوله: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" لكن هذا بين الركنين في الأشواط كلها مشروع يعني يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وألف في الأدعية والأذكار في الطواف وغيره مؤلفات رتبت لها أدعية في كل شوط دعاء معين سواء كان من الطواف ومن السعي والبداية لها دعاء والنهاية لها دعاء وقبل صلاة الركعتين لها دعاء وبعدها، مرتب في كتيبات تباع هذه لا أصل لها، قد يكون بعض مفردات الأدعية له أصل، لكن ليس في هذا المكان ما قيد بزمان ومكان، قد يكون الدعاء له أصل مأثور عن النبي –عليه الصلاة والسلام- لكن تقييده في هذا المكان أو بهذا الشوط دون غيره هذا لا  أصل له، انتهى كلامه شيخ الإسلام رحمه الله.

 "ومن ترك شيئًا من الطواف أو لم ينوهِ، ومن ترك شيئًا من الطواف أو لم ينوهِ أو لم ينوِ نسكًا"؛ لأنه لابد من النية لا يصح الطواف إلا بنية "تركَ شيئًا من الطواف" ترك خطوة ما كمّل شوطًا من الأشواط "أو بدأ دون الحجر" من المقام مثلاً أو من الباب، ترى هذا ترك شيئًا من الطواف أو انتهى قبل الحجر "أو لم ينوِه أو لم ينوِ نسكًا معينًا لم يصح" إذا نوى نسكًا وجاء ليطوف لهذا النسك تكفي هذه النية، لكن إذا جاء للطواف من غير نسك ولم ينوِ لا ينفعه هذا الطواف.

طالب: ..........

 نعم الذي جاي يطوف للحج يكفي.

طالب: .........

كيف؟ المهم أنه يطوف لحجه، طواف الحج ركن.

"أو طاف على الشاذروان، وهو ما فضل على جدار الكعبة" يعني مقدار ثلثي ذراع أو قريب من الذراع أنه بالطريقة الهندسية التي وضع فيها بجوار الكعبة لا تمكن من الطواف عليه؛ لأنه منزلق هكذا لا تمكن بالطواف عليه ولو وضع مستويًا منبسطًا هكذا لأمكن الطواف عليه، وهذا عمل حسن.

طالب: .......

من أجل الباب، من أجل الرقية عليه من أجل الدعاء في الملتَزَم "أو طاف على الشاذروان، وهو ما فضل على جدار الكعبة أو طاف على الحجر وما فضُل من الكعبة مما قصرت عنه النفقة" نفقة قريش وتركوا ستة أذرع أو قريبًا منها من الكعبة وسوروه بسور مدور هذا يقال له الحجر، من صلى فيه كمن صلى في البيت؛ لأنه من البيت، لكن لو طاف على جداره ما أجزأ؛ لأن الجدار منه من البيت "أو طاف على الحجر أو طاف وهو عريان أو طاف وهو عريان أو انكشف من عورته ما تبطل به الصلاة"؛ لأن الطواف صلاة يشترط له ما يشترط للصلاة من الطهارة وستر العورة والنية وغيرها من الشروط، "أو انكشف من عورته ما تبطل به الصلاة، وكثيرًا ما يقع ذلك في النساء ربما انكشف من بدنها في طوافها ما تبطل بها صلاتها" تنكشف قدمها أو يدها على القول بأن الحرة كلها عورة في الصلاة إلا الوجه، وكل على مذهبه في الصلاة، حكمه حكم الطواف، منهم من يبيح كشف الكفين مع الوجه، ومنهم من يبيح كشف الرجلين كالحنفية، المقصود أن كلًّا على مذهبه، فالحنابلة عندهم أن الحرة كلها عورة في الصلاة إلا الوجه، فإن انكشفت يدها أو رجلها بطل طوافها كما تبطل صلاتها.

طالب: ............

من الرجال؟ عورة الرجل من السرة إلى الركبة إذا نزل عن السرة ذهب شرط.

"وكثيرًا ما يقع ذلك في النساء، فإنها ربما انكشف من بدنها في طوافها ما تبطل بها صلاتها؛ لكون الأنثى كلها عورة في الصلاة إلا وجهها، والطواف صلاة أو طاف وهو نجس" كما أن الصلاة لا تصح من النجس، من عليه نجاسة أو مُحدث فكذلك الطواف لا يصح؛ لقوله– صلى الله عليه وسلم-: «الطواف بالبيت صلاة إلا أنكم تكلمون فيه، الطواف بالبيت صلاة إلا أنكم تكلمون فيه»، واستدل به أهل العلم على اشتراط الطهارة والستارة وكل ما يشترط للصلاة والحديث فيه مقال، مخرّج عندك؟

المقصود أنه موقوف له حكم الرفع عند بعضهم، وبعضهم ذكر فيه مقالاً، وعلى كل حال بالنسبة لما ذكر النبي –عليه الصلاة والسلام- طاف على هذه الهيئة وعلى هذه الصفة، وطاف متطهرًا مستترًا وقال: «خذوا عني مناسككم» ماذا يشق عليه؟

طالب: ..........

على كل حال قلنا شرط يشق أو ما يشق هذا شرط آخر.

طالب: ..........

هو لابد أن يجعل الكعبة عن يساره.

طالب: ..........

يرجع.

"ثم إذا تم طوافه صلى ركعتين ويقرأ فيهما {قل يا أيها الكافرون} [سورة الكافرون:1] في الركعة الأولى، وسورة الإخلاص في الثانية بعد الفاتحة، وتجزئ مكتوبة عنهما" عنهما؛ لما عرف عن قاعدة التداخل إذا اجتمع عبادتان من جنس واحد ليست إحداهما مقضية والأخرى مؤداة، فإنه تدخل الصغرى بالكبرى، لكنها عبادة مقصودة لذاتها وتابعة لعبادة أخرى، فالقول بالتداخل فيه ما فيه لابد أن يأتيَ بهما، "وتكون صلاتهما خلف المقام"؛ لأن النبي –عليه الصلاة والسلام- لما طاف جاء إلى المقام وقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [سورة البقرة:125] وصلى ركعتين.

 "وحيث ركعهما يجزئ تجزئ مكتوبة عنهما وحيث ركعهما" يعني من أنحاء المسجد أو حتى خارج المسجد؛ لأن عمر -رضي الله عنه- طاف بعد صلاة الصبح، وصلى الركعتين بذي طوى كما في البخاري، صلى الركعتين بذي طوى، والبخاري ترجم بقوله: باب الطواف بعد صلاة الصبح والعصر، وكأنه يشير إلى أن عمر أخّر الصلاة حتى يخرج وقت النهي؛ لأنه طاف بعد الصبح بعد صلاة الصبح، فأخّر الصلاة إلى ذي طوى؛ ليخرج وقت النهي بدلالة ترجمة البخاري؛ لأنه ترجم الصلاة بعد.. الطواف بعد صلاة الصبح والعصر، وأورد "لا صلاة بعد الصبح ولا صلاة بعد العصر" إلى آخره.

 "والأفضل كونهما خلف المقام" كما فعل النبي –عليه الصلاة والسلام-، وامتثالاً لقوله جل وعلا: {وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [سورة البقرة:125]. "وسن الإكثار من الطواف كل وقت" وجاء في فضله أحاديث بالنسبة للطواف المطلق غير المقيد بحج أو عمرة جاء بفضله أحاديث أن من طاف أسبوعًا يحصيه كان له بكل خطوة حسنة يخطوها وسيئة يجطها إلى آخره، والأحاديث بمجموعها، ماذا؟

طالب: ...........

ماذا؟ كذا نعم ما يخالف، لكن نجيب على الأسئلة.

"سن الإكثار من الطواف كل وقت" بعض الناس يكون بحاجة إلى المشي وموصى من قبل الأطباء أن يكثر المشي ويقول: فرصة أنا في مكة أطوف وأحقق هذه المصلحة مع الأجر، فينوي الطواف ويمشي، يؤجر أو ما يؤجر؟ أو هذا تشريك؟ تشريك عبادة بمباح ويؤجر بقدر الناهز له على الصلاة على الطواف؛ لأنه لولا أنه مأمور بالمشي ما طاف، هذا يقال: ليس له من حظه إلا المشي، ومنهم من يريد أن يطوف سواء أمر بالمشي وحث إليه ووجه إليه أو لم يؤمر به، هذا الأصل فيه الطواف، وعلى كل حال من تمحضت نيته للعبادة أفضل ممن شرّك فيها، ومن شرّك فيها أفضل ممن لم تخطر له على بال، والله أعلم.

~ * ~ * ~ * ~

يرجى من الأخوة إذا كتبوا الأسئلة يكبرون الكتابة، يكبرون الكتابة؛ لأن الكتابة الدقيقة الآن تشق علي.

 يقول: ما حكم رفع الصوت بالتكبير في المساجد كبين الأذان والإقامة مثلاً، أما أن ذلك خاص بالأسواق؟

مشروع في مجامع الناس سواء كان في الأسواق أو مساجد، لكن لا يشغل المصلين، ولا يشغل من يقرأ القرآن، ينبه الغافل، ويحي السنة، ولكن لا يشغل المصلين.

يقول: أرغب في الحج لهذا العام، ولكن أحسست أن رغبة أبي ألا أحج والبقاء عنده، فهل أستأذنه في الذهاب أم لا، علمًا أني قد حججت أكثر من مرة؟

ما دام رغبة والدك ألا تحج فالأفضل ألا تحج إلا إذا كان أذن لك بطيب نفس منه لا بإلحاح وإحراج.

يقول: هل على المقيم بمكة هدي أو فدية إذا خرج بالأشهر الحرم أو في أشهر الحج من مكة وجاوز الميقات، ولكنه أحرم من الحل ونوى التمتع؟

على كل حال مثل هذا إذا كان مسكنه بمكة وهو من حاضري المسجد الحرام وخرج لحاجة ورجع إلى بلده مكة ومقامه ذهب إلى المدينة أو ما وراء الميقات ثم رجع هذا ليس نيته مغادرة مكة، إنما خرج ليعود، ومثل هذا الخروج لا يؤثر في الحكم فليس عليه شيء.

تكثر الاسئلة عن الإحرام في الثياب أو تجاوز الميقات بغير إحرام من أجل التحايل على رجال الأمن؛ لأنه لا يحمل تصريحًا؟

على كل حال مثل هذا التحايل بالنسبة لمن حج الفريضة، وأراد أن يتنفل، وارتكب المحظور ولبس الثياب وهو محرّم أو تجاوز الميقات بدون إحرام وهو محرّم أيضًا، كل هذا لا يجوز، فلا يجوز أن يتحايل على النظام الذي سن لمصلحة ظاهرة وأُيد بفتاوى العلماء، وتحايل عليها بارتكاب محرمات، وعلى كل حال مثل هذا لا يسوغ لاسيما طالب العلم الذي يتقرب.. أما العامي بعض العامة يريد أن يؤدي هذه الشعيرة ولو حج عشر مرات أو عشرين مرة لشيء في نفسه، بعض الناس نفوسهم لا ترتاح حتى يحج لهؤلاء.. على خير إن شاء الله تعالى، لكن ما معنى إنك ترتكب محرمات من أجل أن تؤدي نافلة؟ هذا ليس من الفقه بشيء.

اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد.