المطلق والمقيَّد

المطلق: «هو اللفظ الدال على الماهية بلا قيد»، والمقيد ضده: «وهو ما دل على جزء من أجزاء الماهية».

فكما أنه إذا وجد التعارض بين العموم والخصوص يكون الحكم للخاص، فكذلك المطلق والمقيد، فإذا أمكن حمل المطلق على المقيد صار الحكم للمقيد.

ككفارة القتل، وكفارة الظهار، فكفارة القتل مقيدة بكون الرقبة مؤمنة، وكفارة الظهار مطلقة عن هذا الوصف، فقالوا: يحمل المطلق على المقيد في جميع الكفارات؛ لأنه جاء تقييدها في كفارة القتل، وحينئذٍ يحمل المطلق على المقيد للاتفاق في الحكم، وهو وجوب العتاق، وإن اختلف السبب، فالسبب للكفارة الأولى القتل، والسبب للكفارة الثانية الظهار، والسبب للكفارة الثالثة الجماع في نهار رمضان، والسبب في الكفارة الرابعة اليمين وهكذا، فالأسباب مختلفة والحكم واحد.

للمطلق مع المقيد عدة صور:

الصورة الأولى: الاتحاد في الحكم والسبب، وحكمها أن يحمل المطلق على المقيد بالاتفاق.

مثال ذلك: الدم في قول الله جل جلاله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ والدم} [المائدة: 3] فهذا مطلق، وفي قوله جل جلاله: {قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا} [الأنعام: 145] هذا مقيد بكونه مسفوحًا، وقد اتفقا في الحكم والسبب؛ فيحمل المطلق على المقيد، فالذي يحرم الدمُ المسفوح، وأما ما يبقى في ثنايا اللحم أو في العروق أو ما أشبه ذلك فلا.

الصورة الثانية: الاختلاف في الحكم والسبب، وحكمها ألا يحمل المطلق على المقيد اتفاقا.

مثال ذلك: اليد؛ فإنها مقيدة في آية الوضوء، قال تعالى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6]، ومطلقة في آية السرقة، قال تعالى: {فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]، والحكم مختلف؛ فهذا قطع وهذا غسل، والسبب مختلف؛ فهذا حدث وهذا سرقة، فلا يحمل المطلق على المقيد؛ فلا يقال: تقطع اليد في حد السرقة من المرفق.

الصورة الثالثة: الاتفاق في الحكم دون السبب، والحكم فيها عند الجمهور أن يحمل المطلق على المقيد.

مثال ذلك: كفارة القتل وكفارة الظهار، فالحكم واحد وهو وجوب العتق في الأمرين، والسبب مختلف؛ فأحدهما قتل والآخر ظهار، فيحمل المطلق على المقيد عند الجمهور، ولا يحمل عند الحنفية.

الصورة الرابعة: الاتفاق في السبب دون الحكم، والحكم فيها عند الجمهور هو عدم حمل المطلق على المقيد.

مثال ذلك: اليد؛ فإنها مقيدة بالمرافق في آية الوضوء، ومطلقة في آية التيمم قال تعالى: {فتيمموا صعيدا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} [المائدة: 6]، فالسبب واحد من حيث الحدث، لكن الحكم مختلف؛ فهذا غسل وهذا مسح، فالأكثر على أنه لا يحمل المطلق على المقيد.