صلاة الوتر في مزدلفة

ذكر جابر رضي الله عنه في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم بعد أن صلى المغرب والعشاء في مزدلفة اضطجع حتى طلع الفجر [مسلم (1218)]، ومفهوم هذا الكلام أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتنفل، فلم يقم الليل، ولم يوتر وتره الذي كان لا يتركه حضرًا ولا سفرًا؛ وذلك لأن الأعمال في يوم النحر متعددة، وفيها شيء كثير من المشقة والتعب، فيستعد لهذا اليوم بالنوم ليلة جمع.

وهل تشرع صلاة الوتر في هذه الليلة؟ أو نقول: ظاهر هذا الحديث أنه لا تشرع؛ لأن جابرًا لم يذكر أنه صلى الله عليه وسلم صلاها؟ والصحيح أن هذه الليلة كغيرها من الليالي يشرع فيها التنفل بالوتر وغيره، وقد يجاب عن عدم ذكر جابر رضي الله عنه لها بأنه قد خفي عليه في تلك الليلة أمور، منها: إذن النبي صلى الله عليه وسلم للضعفة بالانصراف من مزدلفة قبل الفجر، فكون جابر رضي الله عنه لم يذكر الوتر لا يعني أنه لم يقع أصلًا، وعلى فرض أنه لم يقع، فالعلة في ترك الصلاة في هذه الليلة معروفة ومعقولة، وهي الاستعداد ليوم النحر بالراحة، فلو أن شخصًا نام إلى الصبح، فلا تثريب عليه؛ لأن جابرًا رضي الله عنه قد نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اضطجع حتى طلع الفجر، ولو أن شخصًا آخر أرِقَ فبدلًا من أن يتقلب في الفراش، أو يتحدث مع الناس قام يصلي، ففعله حسن وصحيح؛ لأن هذه الليلة يشملها ما جاء في غيرها من الحث على قيام الليل، كما في قوله -تعالى-: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات: 17]، فإذا عرفنا العلة في ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة تلك الليلة -على القول بأنه لم يوتر- فلا يعني هذا أن الوتر غيرُ مشروع ليلة جمع مطلقًا. فقيام الليل جاءت فيه النصوص من الكتاب والسنة، مثل قول الله -تعالى: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات: 17]، وقوله -تعالى-: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16] فهذه الآيات تشمل هذه الليلة وغيرها، لكن الكلام في الأفضل.