مسألة الصعق والغشي تأثرًا بالقرآن

سئل ابن سيرين عمن يسمع القرآن فيصعق، قال: «ميعاد ما بيننا وبينهم أن يجلسوا على حائط فيقرأ عليهم من أوله إلى آخره، فإن سقطوا فهم كما يقولون» [سير السلف الصالحين للأصبهاني (ص: 920)]، أي: يجعل هذا الشخص على جدار ويقرأ عليه القرآن، فإن سقط فهو صادق، أما كونه يُصعق أو يفزع وهو على الأرض فهذا قد يكون تمثيلاً، فيبدو أنه لا يرى مثل هذه التصرفات، ويستدل على ذلك بأن هذا لم يحصل من النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أعلم الناس بالله وأخشاهم وأتقاهم لله، فلو كان تأثير القرآن إلى هذا الحد لكان تأثُّر النبي صلى الله عليه وسلم به أعظم من غيره، كما أنه لم يُعرف عن الصحابة أنه وصل بهم الأمر إلى هذا الحد، أن يصيبهم الغشي والصعق ويموتون، وهذا إنما وجد في عصر التابعين، وشيخ الإسلام رحمه الله لا يرى مانعًا من وقوع مثل هذه الأمور، وأن الإنسان قد يصل به استشعار عظمة الله وعظمة كلامه إلى هذا الحد، فقال رحمه الله: «فلما كان التابعون فيهم من يموت أو يصعق عند سماع القرآن فمن السلف من أنكر ذلك ورآه بدعة، وأن صاحبه متكلف، وأما أكثر السلف والعلماء فقالوا: إن كان صاحبه مغلوبًا، والسماع مشروعًا، فهذا لا بأس به، فقد صعق الكليم لما تجلى ربه للجبل، بل هو حال حسن محمود فاضل بالنسبة إلى من يقسو قلبه، وحال الصحابة ومن سلك سبيلهم أفضل وأكمل، فإن الغشي والصراخ والاختلاج إنما يكون لقوة الوارد على القلب، وضعف القلب عن حمله، فلو قوي القلب كحال نبينا صلى الله عليه وسلم وأصحابه لكان أفضل وأكمل» [جامع المسائل (1/233)].

يقول: إن قلب النبي صلى الله عليه وسلم بلغ من القوة بحيث يحتمل الكلام الثقيل الذي ألقي إليه، فلا يحصل له اختلال، مع أنه صلى الله عليه وسلم حال التنزيل إذا أوحي إليه يحصل له شيء من ذلك، لكن إذا قرأه أو قرئ عليه يتأثر ويبكي كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه لما قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم والتفت فإذا عيناه تذرفان [البخاري (5050)، ومسلم (800)]، أي: يبكي، وكان صلى الله عليه وسلم إذا قرأ صار لصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء [النسائي (1214)، وأحمد (16317)]، لكن ما يصل إلى حد الغشي أو حد الصعق والموت، ولا وجد هذا في عصر الصحابة رضي الله عنهم؛ لأن قلوبهم كانت قوية، تتحمل مثل هذا، ثم جاء من بعدهم واستشعروا عظمة النازل، وأنه كلام الله، لكن القلوب ضعفت عن التحمل، فليست بقوة قلب النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم، فلم يحصل التوازن، ثم خلف خلوف لا يستشعرون عظمة، وليس في قلوبهم قوة، والقرآن يقرأ عليهم وكأنما يقرأ عليهم كلام البشر، حتى وصل ببعضهم الأمر أن لا فرق عنده بين أن يقرأ في جريدة أو في المصحف.