شرح المقدمة من نونية ابن القيم - (05)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال: أما بعد،

فهذا بحثٌ موجزٌ يتعلق بحكم قول الشخص: (لعمري أو لعمرك) وهل هو حلفٌ بغير الله أم لا، وإن كان ليس بحلفٍ فعلى ماذا يُحمَل قول الله: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر:72]؟

أقول مستعينًا بالله: من المتقرر عند أهل العلم أن لله سبحانه أن يُقسِم بما شاء من مخلوقاته، ومن المتقرر كذلك أنه يحرم الحلف بغير الله، كما قال –صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ»، متفقٌ عليه من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-.

وقد جاء في سورة الحِجر في سياق قصة لوطٍ –عليه السلام- قول الله: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر:72] قال ابن جريرٍ: وقوله: {لَعَمْرُكَ} [الحجر:72] يقول تعالى لنبيه محمدٌ –صلى الله عليه وسلم- وحياتك يا محمد... إلى آخره، فجعل قوله: {لَعَمْرُكَ} [الحجر:72] قسمًا به –صلى الله عليه وسلم- وهذا الذي قاله ابن جريرٍ حكى غير واحدٍ الإجماع عليه، فممن حكاه ابن العربي في (أحكام القرآن) فقال: قال المفسرون بأجمعهم: أقسم الله هنا بحياة محمدٍ –صلى الله عليه وسلم- تشريفًا له. انتهى.

وقال القاضي عياض: اتفق أهل التفسير في هذا أنه قسمٌ من الله –جلَّ جلاله- بمدة حياة محمدٍ –صلى الله عليه وسلم- انتهى.

ونقله عنهم القرطبي في التفسير، وقال ابن القيم في (التبيان): أكثر المفسرين من السلف والخلف، بل لا يُعرَف عن السلف فيه نزاعٌ أن هذا قسمٌ من الله بحياة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

وقد خالف في ذلك الزمخشري، فجعل الضمير عائدًا إلى لوطٍ –عليه السلام- ومال إليه ابن العربي رغم حكايته الإجماع المتقدم.

واستحسن كلامه القرطبي، وقدمه أبو حيان في (البحر) إلا أن الزمخشري جعل القسم من الملائكة، بخلاف ابن العربي فجعله من الله تعالى، ومع ذلك فيُلاحظ أن الاختلاف هو في مرجع الضمير، لا في كونها قَسمًا فنخلص من ذلك أنه يمكن حكاية الاتفاق على أن قول الله: {لَعَمْرُكَ} [الحجر:72] في هذه الآية قسمٌ منه سبحانه، ولله أن يُقسِم بما شاء من مخلوقاته- جلَّ جلاله-.

إذا عُلِم ما تقدم من كونه قسمًا، وأن هذا هو الموضع الوحيد الذي جاء في القرآن الإقسام فيه بالعمر، فقد فهم بعض أهل العلم أن هذا اللفظ قَسمٌ بالحياة عمومًا، وعليه فلا يجوز أن يقوله المخلوق؛ لأن حياة الشخص وعمره مخلوقة.

قال الإمام إسماعيل بن إسحاق الجهضمي القاضي –رحمه الله- في (أحكامه) بعد أن تكلم عن هذه الآية: وليس ينبغي للناس أن يقسموا إلا بالله –جلَّ جلاله-، فأما الرب –تبارك وتعالى- فإنه يُقسم بما شاء، وليس يُقسم إلا بما هو خلقٌ من خلقه، وأجل ما أقسم به من خلقه عبده نبينا -صلى الله عليه وسلم-، وزاده شرفًا. انتهى.

وقال ابن الفرس في (أحكامه): كذلك في هذه الآية شرفٌ للنبي –صلى الله عليه وسلم- لأن الله تعالى أقسم بحياته، ولم يفعل ذلك مع أحدٍ سواه، قاله ابن عباس: اختُلِف في لعمري ولعمرك هل هي يمينٌ يلزم من حلف بها أن يُكفِّر أم ليست بيمين، ولا يلزم الحانث بها كفارة؟ والجمهور هي يمينٌ يلزم الحانث بها الكفارة، ومن حُجته هذه الآية؛ لأن الله تعالى قد أقسم بها.

قال ابن حبيبٍ: ينبغي أن يُصرَف (لعمرك) في الكلام اقتداءً بهذه الآية، وهذا من ابن حبيبٍ جنوحًا إلى قول الحسن. انتهى.

وقال السيوطي في (الإكليل): واستدل بهذه الآية من قال: إن لعمر الله، ولعمرك، ولعمري يمينٌ يلزم الكفارة. انتهى.

قال ابن جريرٍ: حدَّثني أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: كانوا يكرهون أن يقول الرجل: لعمري، يرونه كقوله: وَحَيَاتِي. انتهى.

وقوله: وكان يريد به –والله أعلم- أصحاب ابن مسعود –رضي الله عنه- كما هو مشهور، والأصل في الكراهة عند السلف أنها تُطلَق على التحريم، وهو واضحٌ بدلالة المقيس عليه –والله أعلم- لكن يُتنبَّه إلى أن عبد الرزاق قد روى عن معمرٍ، عن مغيرة، عن إبراهيم: أنه كان يكره (لعمرك)، ولا يرى بــ(لعمري) بأسًا، وهذا مما يجعل في روايته عن أصحاب ابن مسعودٍ –رضي الله عنه- في النفس شيئًا مع ما سيأتي عن ابن مسعودٍ –رضي الله عنه- وشيخ ابن جرير هو سلم بن جنادة الكوفي ثقةٌ ربما خالف، والله أعلم.

ويُشكِل على هذا أنه قد جاء في النصوص عن النبي –صلى الله عليه وسلم- وعن بعض الصحابة –رضي الله عنهم- أنهم قد استعملوا هذه الألفاظ، ومعلومٌ أنهم أحرى الناس بقول الله تعالى عن شعيبٍ حين قال لقومه: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود:88]، فقد ثبت في مسند أحمد أنه –صلى الله عليه وسلم- قال: «وَأَمَّا أَنْ لَا تُكَلِّمَ أَحَدًا فَلَعَمْرِي لَأَنْ تَكَلَّمَ بِمَعْرُوفٍ وَتَنْهَى عَنْ مُنْكَرٍ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَسْكُتَ».

وروى أحمد أيضًا أنه –صلى الله عليه وسلم- قال في قصة الذي رقى مريضًا ثلاثة أيام: «خُذها، فَلَعَمْرِي مَنْ أَكَلَ بِرُقْيَةٍ بَاطِلٍ، لَقَدْ أَكَلْتَ بِرُقْيَةٍ حَقٍّ».

وفي سُنن أبي داود بإسنادٍ صحيح عن رجلٍ من بني أسد أنه قال: نزلت وأهلي ببقيع الغرقد، فقال لي أهلي: اذهب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسله لنا شيئًا نأكله، فجعلوا يذكرون من حاجتهم، فذهبت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوجدت عنده رجلًا يسأله ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لَا أَجِدُ مَا أُعْطِيكَ»، فتولى الرجل عنه وهو مغضب، وهو يقول: لعمري إنك لتعطي من شئت، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يَغْضَبُ عَلَيَّ أَنْ لَا أَجِدَ مَا أُعْطِيهِ، مَنْ سَأَلَ مِنْكُمْ وَلَهُ أُوقِيَّةٌ أَوْ عِدْلُهَا، فَقَدْ سَأَلَ إِلْحَافًا» إلى آخره، فأقره ولم يُعاتبه على قوله ذلك.

وروى ابن أبي حاتم في (التفسير) بإسنادٍ صحيح، قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى المصري الصدفي، عن عبد الله بن وهبٍ، قال: أخبرني يونس بن يزيد، عن محمد بن مسلم بن شهابٍ، قال: أخبرني عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن وقاص، وعُبيد الله بن عبد الله بن عُتبة بن مسعود عن حديث عائشة زوج النبي –صلى الله عليه وسلم- حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، إلى أن قال: فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج، وقد كان قبل ذلك رجلًا صالحًا، ولكن حملته الحمية، فقال لسعد بن معاذٍ: كذبت لعمر الله، والله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أُسيد بن الحضير وهو ابن عم سعدٍ، فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمري، لنقتلنه، فإنك منافقٌ تجادل عن المنافقين... إلى آخره.

 وأخرجه أبو عوانة، وأصله في مسلم في قصة سلب أبي قتادة، فعن أبي بكرٍ –رضي الله عنهما- قال: لا ترضه من سلبه أيعمد أحدكم إلى سلب رجلٍ قتله أسدٌ من آساد الله يقاتل عن الله، وعن رسوله فتأخذه؟ ثم تقول: أرضه يا رسول الله منه؟ لعمري لا يرضه منه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «صَدَقَ فَأُعْطِهِ سلبه».

وروى سعيد بن منصورٍ وابن جريرٍ بإسنادٍ صحيحٍ عن عمر –رضي الله عنه- أنه قرأ المنبر {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس:31] فقال: هذه الفاكهة قد عرفنا، فما الأب؟ ثم رجع إلى نفسه، فقال: لعمرك، إن هذا لهو التكلف يا عمر.

وروى ابن أبي شيبة بإسنادٍ صحيحٍ عن عمر أنه وجد ريح طيبٍ وهو بذي الحليفة فقال: ممن هذا؟ فقال معاوية: مني، فقال: أمنك لعمري... إلى آخره.

وروى ابن حبان في صحيحه وحسَّنه جماعةٌ عن عائشة –رضي الله عنها- في قصة ذهابها للخندق، وفيها قالت: فقمت، فاقتحمت حديقةً فإذا فيها نفرٌ من المسلمين فيهم عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- فقال عمر: ويحك ما جاء بكِ لعمري، والله إنكِ لجريئةٌ ما يؤمنك أن يكون تحوزٌ أو بلاء، قالت: فما زال يلومني حتى تمنيت أن الأرض قد انشقت فدخلت فيها.

وفي قصة أبي بكرٍ دليلٌ على أنه كان يُفعَل زمن النبوة من غير نكير، وعند ابن ماجه وأصله في مسلمٍ عن ابن مسعودٍ –رضي الله عنه-: ولعمري لو أنكم كلكم صلى في بيته لتركتم سُنَّة نبيكم، ولو تركتم سُنَّة نبيكم لضللتم.

وروى عبد الرزاق عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني عمرو بن دينارٍ أن طاوسًا أخبره، أن ابن الزبير قام في ركعته من المغرب أو أراد القيام، قال: ما رأيت طاووسًا إلا شك أيهما فعل نهض أو أراد النهوض، ثم سجد سجدتين وهو جالسٌ، فقال: فذكرت ذلك لابن عباسٍ، فقال: أصاب لعمري.

وروى الطحاوي في (المُشكِل) بإسنادٍ صحيحٍ عن سعيد بن مرجانة يُحدِّث بينما هو جالسٌ مع عبد الله بن عمر بن الخطاب –رضي الله عنهم- تلا هذه الآية: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ} الآية [البقرة:284]، فقال: والله لئن آخذنا الله بهذا لنهلكن، ثم بكى عبد الله بن عمر، حتى سُمِع نشيجه، فقال ابن مرجانة: فقمت حتى أتيت عبد الله بن عباس، فذكرت له ما تلا ابن عمر، وما فعل حين تلاها، فقال ابن عباسٍ: يغفر الله لأبي عبد الرحمن، لعمري لقد وجد المسلمون منها حين أُنزِلت مثل ما وجد ابن عمر.

وأخرج مسلمٌ عن ابن عباسٍ في أجوبته".

إلى آخره، فهذه الآثار. 

"قال: فهذه الآثار وغيرها مما تُرِك عمدًا حصل الإشكال في توجيهها وتفهمها، قال السندي في قوله: فلعمري، قيل: بتقدير خالق عمري ونحوه إذ لا يجوز الحالف بغير الله تعالى وصفاته، وقيل: بل هذه الكلمة جاريةٌ على لسانهم من غير قصدٍ للحلف، وقيل: بل كان قبل النهي عن الحلف بغير الله، وقيل: هو من خصائصه –صلى الله عليه وسلم-؛ لأن الله تعالى أقسم بعمره كرامةً له، فقال: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر:72]، فيجوز أن يُقسم هو أيضًا به. انتهى.

وأقل هذه الأجوبة إشكالًا في كلامه إذا قلنا: أنه حلف هو تقدير خالق عمري، وقال ابن المنذر في (الأوسط): واختلفوا في قول المرء: لعمري، فقالت طائفة: إذا حنث في قوله: لعمري؛ فعليه الكفارة، هكذا قال الحسن البصري، وقالت طائفةٌ: ليست بيمين، كذلك قال الأوزاعي ومالك والشافعي، وأبو عبيد، وكان النخعي يكره أن يقول: لعمري، ولا يرى بــ(لعمري) بأسًا.

وقال القاسم بن مخيمرة: ما أبالي بحياة رجلٍ حلفت أو بالصليب.

وقال مالكٌ في قول الرجل للرجل: وحياتي وحياتك وعيشي وعيشك: هذا من كلام النساء وأهل الضعف من الرجال، وكان يكره أن يقول الرجل: وأبي وأبيك، ويكره الأيمان بغير الله.

قال أبو بكرٍ: والذي به أقول: أن اليمين بحياة الرجل وعمره غير جائز، وإذا قال ذلك وحنث فلا كفارة عليه، وذلك من تعظيم المرء لحياة أخيه.

وأما قوله: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر:72] فإن الله يُقسم بما شاء من خلقه... إلى آخر كلامه رحمه الله.

وقال الشيخ/ محمد بن إبراهيم آل الشيخ –رحمه الله-: أما لعمرك فهي يمينٌ، لكن لا كفارة فيها.

قلت: والمتأمل في هذه الآثار يجد أنها تدل على أنه كان أمرًا جاريًا معتادًا على ألسنتهم، مما يجعل النفس تطمئن وتجزم بأنهم لا يريدون به الحلف، ولهذا قال الإمام أحمد –رحمه الله- لما سأله منصور الكوسج، قال: قلت: يُكرَه لعمري ولعمرك، فقال الإمام أحمد: ما أعلم به بأسًا.

وفي (زاد المسافر) قال: وقال في رواية أبي طالب: إذا قال: أشهد هي أشد من قوله: لعمري، فهي يمين، ولعمري ليس بشيء.

وفي (الفروع والإنصاف) وإن قال: لعمري فلغوٌ نص عليه.

وقال ابن الملقن في شرحه على البخاري: وأما قوله: لعمري، فقال الحسن البصري: عليه الكفارة إذا حنث فيها، وسائر الفقهاء لا يرون فيها كفارة؛ لأنها ليست بيمينٍ عندهم. انتهى.

وقوله: سائر الفقهاء، لا بُد أن يُنتَبه لأمرٍ معين وهو أن بعضهم لا يرى فيه الكفارة؛ لكونه حلفًا بمخلوق، قال الشافعي: ومن حلف بشيءٍ غير الله –جلَّ وعز- مثل أن يقول الرجل: والكعبة، وأبي، وكذا وكذا ما كان، فحنث؛ فلا كفارة عليه، ومثل ذلك قوله: لعمري، لا كفارة عليه.

وقال في المغني والشرح والمبدع: وإن قال: لعمري أو لعمرك أو عمرك فليس بيمينٍ في قول أكثرهم؛ لأنه أقسم بحياة مخلوق. انتهى.

وبعضهم لا يرى فيها الكفارة؛ لكون هذا الأمر ليس يمينًا في الأصل، وإنما هو جارٍ على سَنن العرب؛ وذلك أن القَسم في الأصل إنما يكون بأحد الحروف الثلاثة: الواو، والباء، والتاء، وهنا لم تُستعمَل إلا اللام وهي تحتاج لتقدير، وبعض الحنفية يجعلونها من حروف القسم، والأول أشهر، وعليه فهي في الأصل ليست معدةً للقسم، وإنما تكون قسمًا إذا نوى ذلك، وحينئذٍ فتكون حلفًا من مخلوقٍ فيحرم.

قال العلامة ابن قاسم العاصمي الحنبلي: وقوله: لعمرك جريٌ على رسم اللغة، وذِكر صورة القسم؛ لتأكيد مضمون الكلام وترويجه فقط؛ لأنه أقوى من سائر المؤكدات، وأسلم من التأكيد بالقسم بالله لوجوب البِر به، وليس الغرض اليمين الشرعي، فصورة القسم على الوجه المذكور لا بأس به؛ ولهذا شاع بين المسلمين. انتهى.

وقال الشيخ/ عبد الرزاق عفيفي –رحمه الله- قوله: لعمري قسمٌ لغوي يُقصَد به التوكيد، وهو مباحٌ؛ لأن القسم الشرعي يكون بالواو، والتاء، والباء، ولا يدخل فيه القسم باللام.

ونحوه قال به الشيخ/ ابن عثيمين –رحمه الله، وقال الشيخ/ بكر –رحمه الله- والتوجيه أن يُقال: إن أراد القسم مُنِع وإلا فلا، كما يجري على اللسان من الكلام مما لا يُراد به حقيقة معناه كقوله –صلى الله عليه وسلم- لعائشة –رضي الله عنها-: «عَقْرَى حَلْقَى» الحديث، والله أعلم. انتهى.

وأما ما ذكره بعض أهل العلم بأنها لا تكون يمينًا مطلقًا سواءٌ نوى بذلك اليمين أم لم يُرِد بحجة أنه لا يُعرَف استعمالها في اليمين شرعًا أو استعمالًا ففيه ما فيه، وأيضًا فيُستفاد مما تقدم أن قول من قال: الجمهور على اعتبارها يمينًا فيه ما فيه أيضًا، فإن قيل: هذه الآثار قد تكون روايةً بالمعنى وعليه، فلا يُسلَم أنهم قالوها، فلا يُستدل بذلك؛ فنبقى على الأصل، قيل: إن هذه الأحاديث والآثار على قسمين:

قسمٌ لا نعلمه أتى في روايةٍ أخرى بلفظٍ آخر فهو عمدةٌ بنفسه.

وقسمٌ أتى في روايةٍ أخرى بلفظٍ آخر، فهذا أيضًا لا يقدح في الاستدلال؛ لأن الراوي يعلم دلالات الألفاظ، ويعلم أن المقصود من اليمين هو التأكيد على صدق قوله؛ فأتى بلفظٍ يُحقق المراد مع كونه أسلم في الإتيان بما ليس بقسم تورعًا وما أشبه ذلك، كما يدل عليه كلام الشيخ/ ابن قاسم المتقدم، وهو كلامٌ متين.

وبهذا نصل إلى ختام هذا البحث الموجز، والذي نتوصل من خلاله أن الجمع بين النصوص هو أن قول الشخص: لعمري أو لعمرك ليس في الأصل يمينًا، وإنما المراد منه التوكيد، وقد يكون يمينًا كما دل الإجماع في الآية أو بالنية كما تقدم، وعليه فلا يُنكَر على من استعملها، وكذلك لا غضاضة على الشخص أن يقولها، وإذا تورع مراعاةً لخلاف من خالف في ذلك فهو أحوط، والله أعلم.

وأما قول الإنسان: لعمر الله، فهذا بحثٌ مستقلٌ له محلٌ آخر، فلا يدخل في هذا البحث في الجملة.

 سائلًا المولى أن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، مُقرِّبًا للفوز بجنات النعيم، وله الحمد أولًا وآخرًا، فما كان فيه من صوابٍ فبفضله وحده، وما كان من خطأٍ فمن نفسي المقصرة، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين".

جزاك الله خيرًا، وبارك الله فيك.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

الإشكال الذي أثاره ما ذكره ابن القيم أن الله –جلَّ وعلا- أقسم بحياته، والعلماء قالوا: إن القسم بحياته في قوله –جلَّ وعلا-: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر:72]، وعامة أهل العلم على أن المراد به النبي –عليه الصلاة والسلام- إلا الزمخشري وبعض من قلده من المفسرين أن المراد به لوط –عليه السلام- لأنها جاءت في سياق قصته.

وعلى كل حال المعروف عند أهل العلم أن اليمين والقسم الشرعي هو ما اقترن بأحد الحروف الثلاثة ولا رابع لها، وهذه اللفظة ليس فيها واحدٌ من هذه الحروف، التوسع في المراد بالقسم واليمين والحلف أنه ما يراد به التوكيد أو الحث والمنع كما قالوا: الحلف بالطلاق، وقد ألَّف فيه شيخ الإسلام ابن تيمية، وبعض من يخفى عليه الأمر ممن لم يعرف مقاصد الكلام يقول: كيف يقول شيخ الإسلام مثل هذا الكلام، ويقول: كفارة يمين وهو حلفٌ بغير الله؟ ليس بحلف أصلًا إذا قال: إذا خرجتِ فأنتِ طالق، وإن دخلتِ فأنتِ طالق هذا حلف؟ لكن يقول: حلف بالطلاق بمعنى أنه يلزمه ما يلزم الحانث إذا وقع ما علق عليه الطلاق، فهو كونه من جهة التوكيد توكيد الكلام والقصد منه الحث على ما يُراد فعله أو المنع مما لا يُراد فعله هذا يُسمى لمشابهة الحلف، وليس بحلف حقيقةً؛ ولذلكم جاءت اللفظة مرفوعة إلى النبي –عليه الصلاة والسلام- في مواضع، في مواضع؛ لأنه سمعها من غيره ولم يُنكِر، وثبتت عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ولا ذكر أحد أن فلانًا أشرك؛ لأنه قال هذه الكلمة؛ «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ الله فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ» هل تنطبق على مثل هذه الكلمة؟ هل ينطبق الحديث على مثل هذه الكلمة؟ لا، مما يدل على أنها ليست بيمين وليست بحلف؛ لأنها لم تقترن بأحد حروف القسم الثلاثة.

طالب: .............

ليست بيمين أصلًا حتى تكون لغوًا، هي كلام يؤتى بها لتأكيد الكلام؛ ولذلكم اللام يُقال لها: لام التأكيد، ولو قيل: إنها موطِّئة لقسم؛ لأن اللام تقع في جواب القسم، والقسم محذوف أنت ما أقسمت إلى الآن، حتى تُبين لنا المُقسَم به لنعرف ما الذي أقسمت به، ولو قلت: والله لعمري، جوابها: لعمري، تكون جواب القسم وليس بالقسم، خيار الصحابة نطقوا بها، عمر الذي نُقِل عنه حديث: «لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ» نُقِل عنه ذلك، وغيره من خيار الصحابة.

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.

قال الإمام القيم –رحمه الله تعالى-: "أما بعد، فإن الله جلَّ ثناؤه وتقدَّست أسماؤه إذا أراد أن يُكرِم عبده بمعرفته، ويجمعَ قلبه على محبته: شرحَ صدرهُ لقبول صفاته العُلى، وتلقّيها مِن مشكاة الوحي، فإذا ورد عليه شيءٌ منها قابلهُ بالقبول، وتلقّاه بالرضا والتسليم، وأذعن له بالانقياد، فاستنار به قلبه، واتسع له صدره، وامتلأ به سرورًا ومحبة، وعلِمَ أنه تعريفٌ مِن تعريفات الله تعالى، تعرَّف به إليه على لسان رسوله، فأنزل تلك الصفة مِن قلبه منزلة الغذاء أعظم ما كان إليه فاقة، ومنزلة الشفاء أشدّ ما كان إليه حاجة، فاشتد بها فرحُه، وعظم بها غناؤه، وقويت بها معرفته، واطمأنت إليها نفسه، وسكن إليها قلبه، فجال من المعرفة في ميادينها، وأسام عين بصيرته بين رياضها وبساتينها؛ لتيقنه بأن شرف العلم تابعٌ لشرف معلومه، ولا معلوم أعظم وأجل ممن هذه صفته، وهو ذو الأسماء الحسنى والصفات العلى.

وأن شرفه أيضًا بحسب الحاجة إليه، وليست حاجةُ الأرواح قط إلى شيءٍ أعظم منها إلى معرفة بارئها وفاطرها، ومحبته وذِكره والابتهاج به، وطلب الوسيلة إليه، والزلفى عنده، ولا سبيل إلى هذا إلا بمعرفة أوصافه وأسمائه، فكلما كان العبد بها أعلم كان بالله أعرف، وله أطلب، وإليه أقرب، وكلما كان لها أنكر كان بالله أجهل، وإليه أكره، ومنه أبعد، والله تعالى يُنزِّل العبد مِن نفسه حيث يُنزِله العبد مِن نفسه".

يقول المؤلف –رحمه الله تعالى-: "أما بعد" هذه كلمة يؤتى بها للانتقال من كلامٍ إلى آخر أو من تقديمٍ إلى المضمون والمقصود، وهي ليست بحاجة أن يؤتى بــ(ثُمَّ) قبلها؛ لأن ما ورد من الأحاديث فيه "أما بعد" ليس فيه (ثُمَّ).

طالب: .............

ثُمَّ، كثير من الناس يقول: ثُمَّ أما بعد.

يُشكِل على هذا أنه في تفسير الطبري الطبعات كلها ليس فيه (ثُمَّ أما بعد)، في الطبعة التي حقَّقها الشيخ/ محمود شاكر -وهو من فحول العربية المطَّلعين- قال فيها: (ثُمَّ أما بعد) وقال: إنها في بعض الأصول -يعني دون بعض-، والذين طبعوا الكتاب لم يُثبتوها جريًا على عادتهم.

طيب هات حديثًا من الأحاديث المرفوعة التي فيها "أما بعد" وهي تبلغ الثلاثين فيه (ثُمَّ). ما فيه، أنت الآن انتقلت من كلام إلى كلام، "وأما بعد" يؤتى بها للانتقال، لو انتقلت مرة ثانية إلى كلام موضوعٍ ثالث مثلًا، ثم جئت بــ(ثُمَّ) فقد يتوجه، لكن في الموضع الأول ما يتوجه.

وليس في النصوص الثابتة عنه –عليه الصلاة والسلام- (ثُمَّ).

طالب: .............. 

أنا ما أدري إلا أنها قريبة من الشيخ.

طالب: .............. 

تُحضره لنا؟

طالب: .............. 

لمَ لا؟

طالب: .............. 

ما أعرف، والله.

مشروعيتها تؤخذ من استعمال النبي –عليه الصلاة والسلام- لها فيما يقرب من ثلاثين موضعًا خُطبه، ومُكاتباته وغيرها، يقول: أما بعد.

المتأخرون أبدلوا أما بالواو، يقولون: وبعد، وقالوا: إنها تقوم مقامها، لكن يُقال فيها مثل ما قيل في سابقتها النصوص ليس فيها (وبعد) لا عن الرسول –عليه الصلاة والسلام- ولا عن التابعين، ولا عن الأئمة، وإنما هذا في عصورٍ متأخرة.

في شرح الزرقاني على المواهب قال: وبعد، الواو قائمةٌ مقام أما، ما الذي يضطرنا أن نأتي بالواو وأما عندنا وهي الثابتة؟

طالب: .............

لكنها درجت الآن تُستعمَل أكثر من (أما بعد) على ألسنة المعاصرين وكتاباتهم.

طالب: ..............

تساهل بلا شك.

(أما) اختُلِف في أول من قالها.

جرى الخُلْفُ أما بعد من كان بادئًا
 

 

بها عُد أقوال وداود أقربُ
 

وبعضهم يقول: هي فصل الخطاب الذي أوتيه داود.

ويعقوب أيوب الصبور وآدمٌ
 

 

وقسُّ وسُحبانٌ وكعبٌ ويعربُ
 

أول من قال: أما بعد، يجمعها هذا النظم.

طالب: ............

هذه المسألة مسألة اقتداء، لماذا نقولها؟ لأن الرسول –عليه الصلاة والسلام- قالها في مخاطباته وفي رسائله، وفي خُطبه أيضًا.   

طالب: ............

نعم؟

طالب: .............

ماذا فيه؟

طالب: .............

من الذي يقوله؟

طالب: ............

هذا لفظ، ليس معنى، لفظ واحد أنت غيَّرت لفظًا بلفظ، وأنت تعرف الأصل ماذا يشترطون لجواز الرواية بالمعنى؟ عدم الإخلال بالمعنى، "أما" و"الواو" واحد؟ معناهما واحد؟ لا، (أما) حرف شرط، (وبعد) قائم مقام الشرط مبني على الضم، لماذا؟ لأنه مقطوع عن الإضافة مع نية المضاف إليه، أما لو ذُكِر المضاف إليه لأُعرِبت {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ} [آل عمران:137] ولو قُطِع عن الإضافة مع عدم نية المضاف إليه لأُعرِب ونوِّن.

فَساغَ لي الشَّرابُ وكُنْتُ قَبْلاً

 

 

أكادُ أَغَصُّ بالمَاء الحميم
 

قيل هذا وهذا.

المقصود أن هذا اللفظ يؤتى به في الخُطب؛ اقتداءً بالنبي –عليه الصلاة والسلام- وفي الخطابات، ومعناه الانتقال من أسلوبٍ إلى آخر، والإتيان بها سُنَّة لمن يقتدي به –عليه الصلاة والسلام- وهي من سُنن الخُطب، وسُنن الرسائل والمكاتبات، والرسول –عليه الصلاة والسلام- في مكاتباته...

طالب: .............

أما بعد ذلك أو بعد ما سبق.

وبالنسبة للمكاتبات والمخاطبات الرسول –عليه الصلاة والسلام- يبدأ باسمه، فيقول: من محمد بن عبد الله أو محمد بن عبد الله ورسوله إلى فلان بن فلان، وقالوا: إن السُّنَّة في الخطابات هكذا أن يبدأ الكاتب باسمه، ونص على ذلك الإمام أحمد مع أنه –رحمه الله- يبدأ بالمكتوب إليه من باب هضم نفسه -رحمه الله-.

طالب: ...............

ماذا؟

طالب: .............

لا لا يبدأ بالمكتوب إليه.

طالب: ...............

في البداية؟ لا، الناس جروا على هذا أنهم يبدؤون إلى المكتوب إليه من باب تقديره واحترامه، ويؤخرون أسماءهم على طريقة الإمام أحمد، مع أن السُّنَّة أن يبدأ من فلان بن فلان، وقد تكون إذا كتب الصغير إلى الكبير يعني قد يكون في النفس منها شيء.

طالب: ...............

نعم كتاب الرسول –عليه الصلاة والسلام- إلى هرقل.

طالب: ...............

كيف يُخصَّص وكتاب النبي –عليه الصلاة والسلام- إلى ملوك الأمصار فيه "أما بعد"؟

طالب: ...............

ماذا فيه؟

طالب: ...............

لا، هو الذي أشكل وجود الحمد والثناء على الله –جلَّ وعلا- والشهادة وما بعدها في الخُطب دون الرسائل؛ لأنها لا تُوجد في خطاب النبي –عليه الصلاة والسلام- إلى هرقل ولا إلى غيره، قالوا: لأن الرسائل لا تُبدأ بهذا، وكون البخاري –رحمه الله تعالى- ما بدأ بها في صحيحه قالوا: لأنه كأنه كتبه رسالةً لأهل العلم.

طالب: ...............

غفلة، غفلة.

طالب: ...............

لا، بالنسبة للخطاب فيُكتَب فيه البسملة، لكن ما يُقال: الحمد لله، والصلاة والسلام –كالخُطب- إن الحمد لله نحمده ونستعينه لخطبة الحاجة ما تُقال في الخطابات، وإنما هي في الخُطب.

"أما بعد، فإن الله جلَّ ثناؤه" "فإن" واقعة في جواب الشرط، "جلَّ ثناؤه" يعني: عظم ثناؤه.

"وتقدست أسماؤه" التقديس: التطهير، وأسماؤه: الحسنى.

"إذا أراد أن يُكرِم عبده بمعرفته، ويجمعَ قلبه على محبته، شرحَ صدرهُ لقبول صفاته العُلى" يعني إذا أراد الله أن يُكرِم العبد يسَّر له ما ينفعه من قولٍ أو عمل، وإذا أراد به خلاف ذلك يسَّر له ما يضره من قولٍ أو عمل، نسأل الله العافية.

"فإن الله جلَّ ثناؤه، وتقدست أسماؤه إذا أراد أن يُكرِم عبده بمعرفته، ويجمعَ قلبه على محبته، شرحَ صدرهُ لقبول صفاته العُلى"، قبول الصفات والأسماء ومعرفة معانيها، فإحصاؤها ومعرفة معانيها وما تدل عليه وما تقتضيه لا شك أن الإنسان بهذا، وتتبع هذه الأمور وتقصِّيها يجعله أعرف بالله ممن لم يفعل ذلك.

والمتقرر أن من كان بالله أعرف كان منه أخوف، وهذا الخوف يحدوه إلى العمل بما جاء عن الله وعن رسوله –عليه الصلاة والسلام- فعلًا وتركًا، وهذا العمل المأمور به إذا فعله الإنسان والمأمور بتركه إذا تركه فبه نجاته، ودخول الجنة، والسلامة من النار. 

"ويجمعَ قلبه على محبته شرحَ صدرهُ لقبول صفاته العُلى" ما أخوف ما يُخاف على نُفاة الصفات؟

طالب: .............

هذه الأمور العاجلة، لكن إذا جاء الله –جلَّ وعلا- على صورةٍ لا يعرفونها، وأُمِروا بالسجود فلم يسجدوا، ثم جاء على الصفة التي يعرفونها فسجدوا له، الذين يُنكرون الصفات ما موقفهم من هذا؟ هم يعرفون صفات أصلًا؟ الأمر عظيم ليس بالسهل، لولا التأويل الذي ارتكبوه مع ورود النصوص الصريحة الصحيحة في هذا لكان الأمر جد خطير.

فالذي يُعنى بالأسماء فيُحصيها، والمراد بإحصائها استيعابها وعددها ومعرفة معانيها، وما تقتضيه هذه المعاني، وسؤال الله بها، وتنزيل كل اسم من الأسماء في مسألته بما يليق بهذا الاسم، شرح صدره لقبول صفاته العُلى، تقول: صفاته العُلى، هل تستطيع أن تقول: العليا مثل ما تقول: الدراسات العليا؟ يصلح؟

طالب: .............

مسألة النص وغيره المعنى صفات مفرد أم جمع؟

 طالب: .............

لحن وشديد بعد، الصفات العليا، العليا: الواحدة، والعُلى: الجمع، ولذلك يُقال: الدراسات العُلى أو الدراسة العليا، اجعلها مفردة مثل وصفها.

طالب: .............

هذا مر أو ما مر نحن نناقش كلامًا عندنا، نحن مربوطون بكتاب.

طالب: .............

على كل حال سيجدون تخريج.     

"شرحَ صدرهُ لقبول صفاته العُلى" يعني: العالية.

"وتلقّيها مِن مشكاة الوحي" والوحي شاملٌ للوحيين: الكتاب والسُّنَّة، فإذا جاءنا عن الله وعن رسوله نصٌّ يتضمن اسمًا من أسمائه أو صفةً من صفاته –جلَّ وعلا- سمعنا وأطعنا وأذعنا، وتعبدنا لله بهذا الاسم وبهذه الصفة، وتعاملنا معها بما يليق بها؛ لأنها ليست أسماءً مُفرغة من المعاني، أو قيلت هكذا كما يقول أهل التفويض، أهل التفويض منهم من يُقر بأن الله –جلَّ وعلا- له من الأسماء كذا، لكنهم يستعملونها كما تُستعمَل المُبهمات، ليس لها معنى عندهم.

طالب: ...............

من السلف من يقول: أمِرُّوها كما جاءت، هل يُفهَم منه تفويض؟ لا؛ لأنك إذا أوغلت في تحري معانيها التي لم يرد بيانها عن الله وعن رسوله تقع في الخطأ.

طالب: ...............

نعم؟

طالب: .............

قولهم: أمِروها كما جاءت؛ لئلا يُتَوغَل في البحث عن معانيها، وإلا فلها معانٍ عربية، الاستواء معلوم، يعني في لغة العرب الاستواء معلوم، الكيف مجهول، لماذا؟ لأنه لم يرد بيانه عن الله، ولا عن رسوله -عليه الصلاة والسلام-.

طالب: ...............

هؤلاء المفوِّضة الذين قيل عنهم: إنهم أشد جُرمًا من المُعطِّلة، لماذا؟ الذين فرَّغوا هذه الأسماء من معانيها، وجعلوها جوفاء لا تُفيد شيئًا.

طالب: ...............

طلاسم.

طالب: ...............

المقصود أن مثل هذا الكلام لابن القيم مهم جدًّا في مراجعة دراستنا لباب الأسماء والصفات.

ما الفرق بين المفوِّض والمُعترف بالصفة العارف بمعناها المفوِّض لكيفيتها؟

طالب: ...............

فوَّض المعنى، وفوَّض كل شيء.

طالب: ...............

انظر أنت عندك زيد له دلالته من حيث المعنى والكيفية إذا كنت تعرف الشخص المسمى بزيد، لكن الرحمن تعرف المعنى واشتقاقه في لغة العرب ومعاني الرحمة معلومة، لكن الرحمن هل رأيته حتى تعرف كيفيته؟ أنت رأيت زيدًا، وعرفت كيفيته، الآن لو يُقال لك: زيد عالم من علماء المشرق مثلًا وأنت ما رأيته، تعرفه بنظيره، وأنه من بني آدم، ومقتضى ذلك أن يكون بالرسم المعتاد الخَلق المعتاد لبني آدم، لكن ما تعرف التفاصيل هل هو طويل أو قصير أو أسمر أو أبيض؛ لأنك ما رأيته، فالذي لم تره لا تعرف كيفيته، والذي رأيته أو رأيت نظيره تعرفه بنظيره أو بذاته إن كنت رأيته، لكن أنت عرفت زيدًا، وتقدر أن تُحدد هذا اللفظ، معناه معروف وكيفيته إن كنت رأيته، وهذا ما فيه إشكال، وإن كنت ما رأيته وقيل لك: إنه قريب من فلان أو يُشبه فلانًا أيضًا، والله لا ند له ولا شبيه له، ما تقدر أن تقرب حول الموضوع، لا تُدركه الأوهام، ولا تبلغه الأفهام.

فمثل هذا، المفوضة يُريدون "زيد" مثل عكسه مثل "ديز"، ما معنى ديز؟ يُريدونك أن تضع هذا مثل هذا، ولن تستطيع إلى معرفته إلى أن تنتهي الدنيا، ولا يستطيع معرفة ديز إلا إن سُمي به فهذا شيء ثانٍ.

طالب: ...............

لا، هم لما يقولون: أمِرّوها كما جاءت يخشون من الاسترسال الذي يُوقِع في التشبيه والتمثيل والتكييف؛ لأن الاسترسال... ولذلك بعض شيوخنا ينتقد من يُطيل في شرح كُتب العقيدة؛ لأنه يقول: لا بُد مع هذا الاسترسال أن يقع في شيءٍ مما لم يكن في عهد السلف.

طالب: ...............

لكن الاسترسال في التوضيح، نجعل النونية في شهر؟!

طالب: ...............

ما يبعد عن النصوص هذا المقصود، جزاك الله خيرًا.

طالب: ...............

هم خشوا أن يسترسل الإنسان فيقع في المحظور، وإلا فالإمام مالك يقول: الاستواء معلوم، أم سلمة قالت وفلان وفلان من أئمة السلف، كلهم يُقرون بأن المعنى معلوم؛ لأنه لفظٌ عربي له أصل واشتقاق في لغة العرب، ويُعرَف معناه في كُتب اللغة، لكن الكيفية غير معلومة لا رأيته ولا رأيت نظيره.

طالب: ...............

ولا جاء البيان عنه أو عن المُبلِّغ عنه.

طالب: ...............

من غيره؟

طالب: ...............

نعم، الله المستعان.

طالب: ...............

إن السبعين وبُلِّغتها.

طالب: ...............

ما وصلتها، لكن من باب جبر الكسر يعني.

طالب: ...............

ارفع صوتك.

طالب: ...............

هو المقصود بالتفسير الاسترسال والإيغال فيه، والمسألة ظاهرة، يعني ليست بخفية، يعني لو أي لفظة من ألفاظ الأسماء والصفات رجعت فيها إلى قواميس اللغة لوجدت اشتقاقها ومعناها، لكن ما يليق بالله –جلَّ وعلا- لا سبيل لنا إلى معرفة كيفيته؛ لأنه لا ند له ولا شبيه له ولا نظير له بحيث نقيسه عليه، أما أنت فلو أنا ما رأيتك، وقال لي: فيه فلان من طلاب العلم من مصر، وأقرب ما يكون شبهه بفلان، واحد من إخوانكم المصريين، أقدر، يعني في الجملة أُدرِك شيئًا من الصفات.

المشكاة: الأصل أنها مثل الفُرجة غير النافذة يُوضَع فيها المصباح، وهي مُستعملة إلى الآن. 

طالب: ...............

كوة لكن غير نافذة.

طالب: ...............

الكوة نافذة نعم، لكن هذه غير نافذة.

طالب: المشكاة؟

المشكاة غير نافذة، الناس يستغنون عنها؛ لأنها داخلة في الجدار، وبعض الناس إذا ما صمّمها من الأصل وضع رفًّا يضع عليه السراج الذي هو المصباح.

{كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} [النور:35] المصباح: السراج.

طالب: .............

لا ليست نافذة مثل الدريشة هذه، ما تنفذ إلى الخارج.

طالب: .............

ماذا تُسمى يا أبا عبد الله؟

طالب: .............

الكوة؟

طالب: .............

لا، الكوة التي تنفذ.

طالب: .............

أنت تضع السراج في كوة نافذة؟

طالب: .............

ما ينفذ، لكن من الأصل مثل التي هناك التي فيها الماء، رأيتها؟

طالب: نعم.

مثلها غير نافذة، ويُوضع فيها وهي داخلة في الجدار.

طالب: .............

على كل حال، ومشكاة المصابيح كتابٌ معروف أو ما تعرفه؟

طالب: معروف مشكاة المصابيح.

لمن هو؟

طالب: ...............

صح، التبريزي.

طالب: .............

صح، وشرحه الطِّيبي، الطيبي شرح المشكاة، والطيبي شيخ للتبريزي، وهو الذي أشار عليه أنه يؤلِّف المشكاة.

طالب: .............

نعم معروف وموجود.

طالب: .............

هو أجود الشروح، والطيبي فحل في هذا الباب في الشرح، وعنده من الصبر ما لا يُوجد عند غيره ممن يُعلِّم العلم؛ لأنه يجلس بعد صلاة الفجر للتفسير إلى أن يؤذّن الظهر.

طالب: .............

لا، هو شيخه، لا، واقع الكتاب.

يجلس من أن يصلي الفجر إلى أن يؤذن للظهر يُقرأ عليه في التفسير، وهو يُفسِّر القرآن.

طالب: .............

هو طبعه باسم شرح الطيبي فقط.

ثم يجلس بعد صلاة الظهر إلى أذان العصر لشرح البخاري، وبعد صلاة العصر إلى المغرب لكتابٍ ثالث، ومن المغرب ما أظن عنده شيء أو ما أدري للفرائض أو ما أدري... يعني الفقه.

طالب: .............

كيف؟

طالب: .............

يُدرِّسون، لكن الذي ينظر إلى الخاتمة ومتى ينتهي؟ ومتى يقضي؟ ومتى يطلع من المسجد؟ هذا ما يفعل شيئًا، أنا أعرف واحدًا من شيوخنا توفي –رحمة الله عليه- من عشر سنوات يجلس مثل الطيبي، ما يفرق عنه كثيرًا، يُقرأ عليه بعشرين كتابًا قبل الضحى، ويرتاح قليلًا، ويُكمِل، وهكذا، وأذكر مرة شارك في دورة فيها مجموعة من المشايخ، وكان وقته بعد صلاة الظهر، أذَّن العصر وهو ما انتهى الكتاب الذي هو يشرحه، قالوا: يا شيخ صاحب العصر منتهٍ، قال: نُكمِل بعد العصر، كمل بعد العصر وما انتهى، أذَّن المغرب وما انتهى، قالوا: صاحب المغرب منتهٍ، قال: نُكمِل المغرب، وانتهى مع أذان العشاء، قالوا: يا شيخ فيه حفل تكريم لهؤلاء الطلاب الذين حضروا الدورة، فلعلك تحضر، صلى العشاء وجلس، قالوا: يا ليتك تتكلم كلمة موجزة لهؤلاء الطلاب ينتفعون بها، فتكلم إلى أن أسكتوه، وحصل الحفل، ووُزِّعت الجوائز، فخرج مسرعًا –رحمة الله عليه- خرج مسرعًا، فوجد من نفايات البلدية عند باب المسجد، فانكب عليها واستفرغ جميع ما في بطنه، إن كان في بطنه شيء، -تعب خلاص-، ثم ذهب لدورة الماء وغسَّل ورجع لهم يُوزِّع الجوائز، انتهى الحفل يعني بعد ساعتين أو ثلاث من بعد صلاة العشاء، لما أصبح إمام المسجد تكلم على ولده، تأكد الشيخ ماذا صار عليه؟ هذه الدورة بالرياض، قال: اسمع الوالد عندنا دورة بأبها ... طيبيٍّ ثانٍ.

طالب: .............

ما يحتاج.

طالب: الطيبي من علماء الهند؟

لا لا.

طالب: .............

المغرب فيه شيء، لكن نسيت ما هو.

طالب: .............

بعد تلومه وهو يدرس للعشاء.

طالب: .............

الله يتوب علينا.

طالب: .............

حاشية الكشاف أفضل الحواشي على الكشاف، حاشيته على الكشاف.

طالب: ...............

نعم اسمها فتوح الغيب.    

طالب: ...............

تُنشِّط، لكن تعوق.   

"فإذا ورد عليه شيءٌ منها قابلهُ بالقبول" يعني إذا ثبت النص المشتمل على اسمٍ من أسماء الله أو صفةٍ من صفاته ثابت في كتاب الله وسُنَّة نبيه –عليه الصلاة والسلام- سمعنا وأطعنا بدون مناقشة.

"قابلهُ بالقبول" ومثل هذا النص الذي لا يحتمل، وتلقاه العلماء بالقبول، وأجمع عليه سلف الأمة؛ لأنه إذا كانت هذه صفته فهي محل إجماع، لكن جاءت أحاديث تنازع العلماء في ثبوتها، وتبعًا لذلك من أهل العلم من يثُبت هذا الاسم أو ينفيه أو يُثبت هذه الصفة أو ينفيها تبعًا لثبوت الخبر أو عدم ثبوته.

طالب: ...............

خلاص، مفردات الأسماء والصفات على حسب كل شخصٍ وما يبلغه منها.  

"وتلقّاه بالرضا والتسليم، وأذعن له بالانقياد" بدون تردد، كونه يخفى عليك المعنى أو يُشكِل عليك أو يرد أو يهجم على خاطرك شيء تتردد فيه فما لك دخل، ثبت عن الله وعن رسوله نقول: سمعنا وأطعنا، وكونك ما تفهم سببه نقص عندك ليس في النص، ولا في الاسم الثابت عن النص، سببه نقص في تركيبك وفي فهمك؛ لأن بعض الناس يقول، مثل بعض الصفات التي فيها نوع –بالنسبة للمخلوق- فيها نوع نقص، هي بالنسبة للمخلوق فيها نوع نقص، لكنها بالنسبة إلى الخالق كمال {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص:3].

 قد يقول قائل من السُّذج أو ممن رقَّ دينه أو غيره: ما له ولد! وهو ينظر للناس، عامة الناس أو المخلوق الذي هو بحاجة إلى الولد، الله –جلَّ وعلا- ليس بحاجة إلى مثل هذا، فيقع في نفسه شيءٌ من التردد فهذا لا أصل له، ولا اعتبار له، ولا يُلتَفت إليه.

طالب: ............

لا لا، لو تنظر في أحوال الناس اليوم رأيت أن بعض الأولاد نقص، وجودهم نقص على الإنسان في دينه ودنياه، لكن الناس يتكلمون على الأصل في الجملة الولد كمال.

طالب: ............

ماذا؟

طالب: .............

{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ} [آل عمران:14]، {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف:46] هذا الأصل، لكن وُجِد في عصرنا هذا مع الصوارف والحوارف والمشغلات والملهيات، وأسباب الانحراف تيسَّرت، الأب ما يُريد أن يكون ولده ممن اجترفته هذه الشياطين، فيتمنى أنه ما جاء بولد.

طالب: ............

ما يخالف، لكن الآن كثرت، الآن السيطرة صعبة، والتربية من أصعب الأمور، وبدون إعانة الله– جلَّ وعلا- الإنسان لا شيء، لا يستطيع أن يُقدِّم ولا يُؤخِّر.

طالب: ............

واحد يسأل يمكن قبل سبعة أشهر أو ثمانية أشهر يقول: عندي ولد في الثانوي، وخشيت عليه من أولاد الحي؛ لأنهم يتعاطون مخدرات وأشياء ثانية، خشيت عليه وقفلت عليه الباب، يوم جئت وجدته منتحرًا.

طالب: ............

هذا اجتهاد، لكنه ما وُفِّق فيه، هو متوقع أنه ينتحر؟ لا، لكنه اجتهاد من شفقته عليه أوصله إلى هذا الحد، نسأل الله العافية، نسأل الله الإعانة.

طالب: ............

الله المستعان. 

"وتلقّاه بالرضا والتسليم".

هذه الطريقة في الشرح هذه التي تطلبها، التي قلتها لي؟

طالب: كنت أرى الاختصار أحيانًا، يعني الاختصار على النونية فقط؛ حتى نُنجز.

المقدمة مهمة جدًّا.

طالب: ............

هذا يفتح لك أبوابًا مغلقة فيما سيأتي.

طالب: ............

جزاك الله خيرًا، وبارك الله فيك.

"وتلقّاه بالرضا والتسليم، وأذعن له بالانقياد، فاستنار به قلبه"، القلب يستنير بإدامة النظر في كلام الله –جلَّ وعلا-، ومحاولة فهمه بقدر المستطاع، والاستعانة بكلام أهل العلم الموثوقين في بيانه، وتفسيره على الطريقة المأثورة فيما جاء عن النبي –عليه الصلاة والسلام- وعن الصحابة ومن تبعهم بإحسان من أهل الاعتقاد الصحيح. 

"واتسع له صدره" ما الذي يجعل كثيرًا من طلاب العلم إذا بدأ درس التدمرية ضاق بها ذرعًا؟

طالب: ............

أليس بواقع؟

طالب: ............

هو ليس مستعدًّا أن يفهم، يُريد فقط شيئًا يطلع منه.

طالب: ............

نعم مُتعب، لكن العاقبة حميدة، وما رأيك بمن يقول: أمتع الدروس عندي درس أصول الفقه والنحو؟ لأنه يفهم، هو يفهم، هو الإشكال في عدم الفهم، ثم يقول لك: العلم ثقيل، العلم ليس بثقيل، وإذا فهم الإنسان مسألة فرح بها فرحًا شديدًا لاسيما إذا كانت من المعضلات.

ابن حجر –رحمه الله- وهو يبحث في طرق حديث، يقول: فوقفت في طريقٍ يزول به الإشكال ويرتفع به الإبهام، فالحمد لله، ثم الحمد لله، ثم الحمد لله. سبع مرات قالها، لا شك أن هذا شيء يسرُّ كونك تتوصل إلى فهم ما أُغلِق على غيرك.

"وامتلأ به سرورًا ومحبة".

هو الإشكال في عدم الفهم، هو الذي يُوجِد الحرج والضيق في النفس، أنت لو تتكلف تقرأ لك كتابًا بالأعجمية وأنت لا تفهمها ماذا يصير مصيرك وتصير نفسيتك؟ أنت ملزم بهذا الكتاب، لكن المقدمات معدومة، لا بُد أن تبدأ بدراسة هذه اللغة؛ لتفهم الكتاب، أما كونك تقرأ في شيءٍ لا تفهمه فلا شك أن هذا يُورِث الهم والغم؛ ولذلك بعض الطلاب في ليالي الامتحان إذا كان فهمه أقل من المقرر يبكي.

 جاءنا واحد من زملائنا هذه صفته، قال: أنا والله ما فهمت كل الكلام الذي مر علينا، ويبكي.

طالب: ..............

أنت؟ ما أحد مر عليه هذا؟ لكن الحمد لله.

طالب: ..............

الرياضيات؟

طالب: ..............

نحو نحو (أوضح المسالك)، واليوم الذي شرحته له استأنس وضحك ونام، ونجح.

الله يتوب علينا.

"وامتلأ به سرورًا ومحبةً، وعلِمَ أنه تعريفٌ مِن تعريفات الله تعالى، تعرَّف به إليه على لسان رسوله" هذه منحة إلهية من الله –جلَّ وعلا- لهذا العبد الذي وُفِّق لهذه الأمور، منحة إلهية، من أعظم المنح الإلهية على العبد.

"تعرَّف به إليه على لسان رسوله، فأنزل تلك الصفة مِن قلبه منزلة الغذاء أعظم ما كان إليه فاقة" أشد الحاجة، أشد الجوع يجد الغذاء المُحبّب إليه؛ ليرتفع به هذا الجوع الذي آذاه أو العطش الذي كاد أن يهلك بسببه، ثم يقف على الماء البارد في حال هذا العطش، والمسلم أشد حاجةً إليه في هذا الباب، أشد حاجة من حاجته إلى الطعام والشراب؛ لأنه غذاء القلب، والقلب بيت الرب، كما قال ابن القيم فيما سيأتي.

"أعظم ما كان إليه فاقةً، ومنزلة الشفاء أشدّ ما كان إليه حاجة" يعني شخص مريض ويُعاني من الأمراض والأوجاع، أوجاع لا يقر له قرار إذا نام ثارت عليه الأوجاع، وإذا صحا زادت عليه وهكذا، ثم يُشفى منها.

الباب الذي نحن فيه وهو معرفة أسماء الله وصفاته، الإنسان أشد من المريض الذي هذه حاله أشد إليه حاجة.

"ومنزلة الشفاء أشدّ ما كان إليه حاجة، فاشتد بها فرحُه" لو أنت تبحث عن كتاب أنت محتاج إليه، وتدور على المكتبات ولا تيسر لك، ثم جاء لك واحد بنسخة تفرح بها فرحًا شديدًا، ويكون فرحك بقدر تعبك على تحصيله، لكن لو أنت ذهبت إلى مكتبة واحدة وما وجدته، ثم قال لك واحد: ما عندي الكتاب، يمكن ما وجدته في هذه المكتبة تجده في الثانية.

وواحد من المشايخ حنفي المذهب بحث عن شرح المُلا علي القاري للنقاية في مذهب أبي حنيفة طبعة قازان الأولى، وسطَّرها، كتبها، ومعاناة كبيرة جدًّا، وحج أكثر من مرة يبحث عن الحجاج من أهل تلك الجهات أهل قازان، وبحث في مكاتب الشام ومصر والعراق ما وجدها، يعني تعب تعبًا شديدًا، ومن يقرأ كلامه يحس بالمعاناة، يقول: في أيام الحج في حجة من الحجات جلست عند رجل قالوا: إنه صهر لواحد قازاني عنده دكان، وجلست أتحدث معه، أول يوم جئت قالوا: ما فتح الدكان، وثاني يوم كذلك، يوم فتح لازمته، قلت له: أين فلان؟ قال: والله مشي سافر.

المقصود أنه في النهاية وقف عليه، ما هو مثل كتاب تذهب دار الكتب العلمية بخمسة ريالات تُحضره من أدنى مكتبة.

طالب: .............

أين؟  

طالب: .............

لا، هو الملا علي القاري من أفضل من شرح الكتاب، والكتاب ما طُبِع إلا بهذه المطبعة.

طالب: .............

نعم، صفحات من صبر العلماء تُوجد.

طالب: .............

الله يعفو عن الجميع، ليس المقصود الشخص بقدر ما هو المثال، يعني لو تذهب لهذا صاحب المعاناة، وتقول: تسمح نفسك تُعطينا الكتاب؟ أنا محتاجه، ماذا يقول لك؟ 

القسطلاني وهو يشرح البخاري ويُقابل نسخته على اليونينية يقول: أول ما وقفت على الفرع فرع اليونينية، وقابلت عليها الصحيح كله كم قال؟ ستة عشر مرة أو عشرين مرة، حتى ضبطته وأتقنته، وأما الأصل فأيست منه، وبعد مدةٍ طويلة وجدت المجلد الثاني من اليونينية يُحرَّج عليه ويُباع اشتريته، وقابلته على الفرع ما يختلف ولا بنقطة ولا بحرف، ثم بعد مدةٍ وقفت على المجلد الأول، وقابلته كذلك.

اعتناؤه بالفرع جعله ما يُلغيه في الكتاب، وإلا فالإنسان يقول: الأصل يكفي، ولا أشير للفرع، في كل الفروق يقول: كذا في الفرع كــ(هي) يعني: كالنسخة الأصلية. وإلا ما دام وصل إلى الأصل فالفرع ما له داعٍ، لكنه تعب عليه تعبًا شديدًا. والآن الأمر سهل، بيت الطالب أو ما أدري أيش يُصور له ما يُريده، الأمور تيسرت، ولله الحمد، لكن مع ذلك المعاناة كما قال يحيى بن أبي كثير: لا يُستطاع العلم براحة الجسم.