شرح المقدمة من نونية ابن القيم - (08)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

لما ذكر المؤلف –رحمه الله تعالى- القلب السليم الحي الذي جعل النص قائده وسائقه، وآمن بالأسماء والصفات، وعرف معانيها، ولهج بذكر الله بها ودعائه بها، ذكر القلب الثاني المُعرِض.

فقال: "والقلبُ الثّاني: قلبٌ مضروبٌ بسياط الجهالة، فهو عن معرفة ربِّه ومحبته مصدود" هذا بالنسبة لمن لا يُقر بما ثبت عن الله وعن رسوله من الأسماء والصفات هذا ظاهر، وكونه لا يبحث عن المعاني التي تضمنتها هذه الأسماء والصفات، ولا يعمل بمقتضاها، هذا أمرٌ بيِّنٌ لا خفاء فيه، ونتيجةٌ حتميةٌ تبعًا لإعراضه عن الكتاب والسُّنَّة، ولكن مما يُؤسف له أن بعض من ينتسب إلى السُّنَّة من عامة وبعض طلاب العلم مُعرِضون عن هذا الباب إعراضًا كليًّا أو شبه كلي، تجد همَّهم الاهتمام بالأحكام العملية، وهذا عملٌ طيب يُصحح أعمالهم، ولكن الاهتمام بما هو أهم هو الأصل.

يقول: "قلبٌ مضروبٌ بسياط الجهالة"، وسبب هذه الجهالة عدم الإيمان الذي تسبب بالإعراض عن المعرفة والتعلم والتفهُّم والتفقُّه في هذا الباب.

"مضروبٌ بسياط الجهالة، فهو عن معرفة ربّه ومحبته مصدود" كيف يعرف ربه، ويُحب ربه وهو معرضٌ عمَّا يتعلق به من أسماء وصفات التي تُحببه وتُعرِّفه بربه؟!

"وطريق معرفة أسمائه وصفاته كما أُنزِلت عليه مسدود" في حجاب حاجز بينه وبينه، لو تسأل تضع استفتاءً أو استبيانًا في محيط طلاب علم تقول: كم نسبة من قرأ (زاد المعاد) من طلاب العلم؟ تطلع لك النتيجة، ثم تقول: كم نسبة من قرأ (الصواعق المرسلة) من طلاب العلم؟ هل تَشكُّون أن النِّسب متفاوتة؟

طالب: لا.

نعم.

إذا نظرت في الجداول في بعض البلدان يضعون جداول الدروس مع بعض مائتي درس في الأسبوع مُعلنة، مائة أكثر أقل، كم نسبة ما يتعلق بالتفسير بالنسبة لدروس الفقه والحديث؟ قليلة جدًّا، ثم هذه النسبة القليلة من دروس التفسير هي مجرد قراءة على الشيخ، والشيخ يسمع إن رد خطأً نحويًّا أو بيَّن كلمة غامضة وإلا فدراسة التفسير على الوجه الذي ينبغي، والوجه اللائق بكلام الله –جلَّ وعلا- قليلة جدًّا، ولا شك أن مثل هذا لا يُناسب؛ لأن القرآن أشرف الكلام، كلام الله –جلَّ وعلا-، فينبغي أن يُعنى به أكثر من كلام الناس.

نعم كلام الناس قد يكون فيه نوع وضوح وبيان، وبه شيء من التفصيل وشيء من كذا تؤخذ ثمرته من قُرب؛ لأن بعض الكلام في بعض العلوم تجني الثمرة وأنت ما تحتاج إلى تعب وعناء، فعلينا أن نهتم بالأهم.

وَبِالْمُهِمِّ الْمُهِمِّ ابْدَأْ لِتُدْرِكَهُ
 

 

وَقَدِّمِ النَّصَّ والآرَاءَ فَاتَّهِمِ
 

هذا إذا أردنا أن نسلك الطريق الأقرب الموصِل إلى الله –جلَّ وعلا- ومرضاته، وإلا فكم من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا، وأمضى فيه عشرات السنين، وفي النهاية لا شيء، معروف، وعرفنا ناسًا يترددون على الدروس في اليوم مرتين ثلاث –دروس المشايخ- وسبعين سنة، وفي النهاية لا شيء، لكن لن يُحرَموا ما جاء في حديث أبي ذر: «مَن سلَكَ طريقًا يلتَمِسُ فيهِ علمًا، سهَّل اللَّه لَه به طَريقًا إِلَى الجنةِ»، لكن الكلام على التأصيل الصحيح، وسلوك المنهج الصحيح.

وأهل العلم وهم يضعون ويرسمون الطرق لطبقات المتعلمين تجدهم يضعون المتون المطروقة في بلدانهم، كلٌّ في بلده، ويجعل للطالب الطبقة الأولى كذا، والطبقة الثانية كذا، يقرؤون كذا، وإذا انتهوا يقرؤون كذا، وهكذا يتدرجون؛ حتى يصلوا إلى العلم المطروق والمعمول به عندهم.

ولذلكم تعجبون حينما يُقال: إن كافية ابن الحاجب في غير هذه البلاد مثل الوِرد عندهم، تفرَّغ لها أُناس، وأُضِيفوا إليها، الكافيجي نسبة لكافية ابن الحاجب؛ لأنه يُقرئ كافية ابن الحاجب، لكن مَن يعرفها عندنا؟ المُلحة، مُلحة الإعراب ما تُعرَف عندنا إلا باسمها، قد يعرفها جيلٌ مضى، لكن جيلنا ما مشوا عليها، وقد نُسي ما مشي عليها، من يبدأ اليوم بالأجرومية، ثم القطر، ثم كذا؟

فالتنظيم، واحد من الطلاب أو من العلماء الآن المشاهير أول ما بدأ بـ(المقرِّب) لابن عصفور حفِظه وقرأه على شيخ كبير، وقرَّبه إليه، فيه أحد يخطر على باله؟

طالب: ...............

سعودي نعم بالسعودية.

طالب: ...............

لا، أنا أقول: أن رسم الطريق أو المنهج مهم جدًّا لطالب العلم، كثير من طُلاب العلم إذا تخرَّج في كليةٍ شرعية ما ينتبه أنه طالب علم إلا إذا تخرَّج واحتيج إليه، تجده يتخبط بهذه المناهج، وإذا حصل على درجة النجاح يكفي، وهذا ما يُخرِّج طالب علم، هذا إذا توظف خمس سنوات ينسى كل شيء يرجع عامي.

يقول: "قد قَمش شُبهًا مِن الكلام الباطل" قمش يعني: جمَّع، وقال: "قمَّش" يعني: جمَّع من هنا وهناك شُبَه، وبعض العلماء يقول: إذا كتبت فقمِّش، وإذا رويت ففتِّش، ما معنى هذا؟ إذا كتبت اكتب كل شيء لا يفوتك ويضيع عليك، ثم إذا أردت الرواية ففتِّش ونقِّب، ما تُحدِّث بكل ما قمَّشت وجمعت، لكن لا يفوتك شيء في أول الأمر؛ لأنك قد تظنه اليوم ليس بذي بال، ثم يتبين لك فيما بعد أنه من أهم المهمات.

إذا كتبت فقمِّش –جمِّع كل شيء-، وإذا رويت أو حدَّثت ففتِّش.   

يقول: هذا قمَّش شُبهًا أو قمش شُبهًا من الكلام الباطل. تجده يسمع كلمة من هذا، وكلمة من ذاك، يأخذ على الرازي فائدة، وعلى الآمدي فائدة -فيما يظنه ويحسبه- ومن ذاك ويكتب ويُعلِّق ويفرح بما يظنه يرد على أهل الحق.      

"وارتوى مِن ماءٍ آجن" الآجن: هو المتغير بطول المُكث، تعرفون الماء إذا طال مُكثه سواءً كان في الأرض أو في إناء يتغير، يصير أصفر، إذا شربت من برميل ماء يتغير أم ما تغير؟

طالب: ..............

هذا ما مكث طويلًا، وكان الناس يشربون منه وهو آجن؛ لأنه الأمور لم تكن متيسرة مثل اليوم.

"مِن ماءٍ آجن" حكم الوضوء من الماء الآجن، أنت يا أبا عبد الرحمن إذا توضأت به يصير أصفر كأنه نُقاعة حناء مثل ماء بئر بضاعة.

طالب: ..............

مطلقًا أو بنجاسة؟ إذا تغير من طول المكث بالإجماع يجوز الوضوء به، ونُقِلت الكراهة عن ابن سيرين، تُفرِّق بين المتغير بنجاسة والمتغير بغيرها. 

"وارتوى مِن ماءٍ آجن غير طائل" ما ينفعه ولا يُفيده، ولا يأتيه بطائلٍ يستفيد منه.

"تَعجُّ منه آيات الصفات وأحاديثها إلى الله عجيجًا" والعجيج: رفع الصوت، وتجأر إلى الله –جلَّ وعلا- من الهجران وما هو فوق الهجران من التحريف والتصحيف والتعطيل.

"وتَضِج منه إلى مُنزِلِها ضجيجًا" مُنزِلها أو مُنزِّلها؟ {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ} [النحل:44]، {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ} [الفرقان:1] يصير مُنزِّلًا ، بماذا ضبطها في الأسفل؟

طالب: .............

مُنزِلها بضم الميم وهو الله -عزَّ وجل-. ما تأتي بالتشديد؟

طالب: .............

{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ} [الفرقان:1] هذا كلامه.

طالب: .............

ماذا؟

طالب: .............

مَنزِلها؟ لا غير صحيح.

طالب: .............

لا لا.

"وتَضِج منه إلى مُنزِلِها ضجيجًا مما يسومها تحريفًا وتعطيلًا" تعج وتضج (مما) يعني من فعله تكون مصدرية أو مما يسومها من سومه إياها، فتكون مصدرية أو ممن يسومها من الشخص الذي يسومها تحريفًا من المُحرِّف ومن المُعطِّل.

طالب: .............

بسببه نعم.

التحريف أصله: حرف الشيء عن وجهه، وتغيير مساره إلى غيره سواءً كان هذا التغيير في اللفظ أو في المعنى، وهنا يُذكَر التحريف والتصحيف، التحريف: بتغيير الحروف، والتصحيف: تغيير الشكل، مع أنهما متداخلان، يعني عند العسكري وغيره فيمن ألَّفوا في هذا يذكرون هذا وذاك، يُحرِّفون الألفاظ كما أنهم يُحرِّفون المعاني، وهذا من موروثهم عن اليهود والنصارى كذلك حرَّفوا وبدَّلوا وغيَّروا؛ لأنهم استُحفِظوا فلم يحفظوا، وبقي القرآن سالمًا من هذه الأوصاف التي هي التغيير والتبديل بالنسبة للحروف، وإن حُرِّفت المعاني من المبتدعة من الجهمية والمعتزلة وغيرهم.

طالب: ............

"وتَضِج" هذه أساليب أدبية، وابن القيم عنده من هذا الشيء الكثير؛ ولذلك تجد على كلامه طلاوة ونضارة، وأيضًا سلاسة كلام الأدباء، وهذا الذي جعل كلامه يروج عند طلاب العلم أكثر من غيره، تقرأ في الفوائد أو بدائع الفوائد أو غيرها من كُتبه تجد الشيء العجيب من هذا.  

طالب: ............

هو على أساس أنه تجريد، جرَّد منها أجسامًا تتكلم، مع أن هذا ما يُوافَق عليه، لكن مع ذلك ما استُشكِل. 

"تحريفًا وتعطيلًا" التعطيل مأخوذٌ من العطل، وهو الفراغ، فتقول: جِيدٌ عاطل يعني: ليس فيه حلية، ومن يعرف كتابًا اسمه (الحالي العاطل)؟ ماذا يصير معناه؟ الحالي العاطل يُمكن توجيهه على معنًى صحيح؟

طالب: ............

كتاب اسمه الحالي العاطل.

طالب: ............

لا لا، بعيد كل البُعد، ما له علاقة.

نحل هذه المشكلة أولًا، أليس فيه تناقض حالٍ وعاطل؟

طالب: ............

خلك في المُعطِّل، لكن هذا بعد ما نحل المشكلة التي معنا، هم قالوا: التعطيل من العطل وهو الفراغ والجِيد العاطل ما لا حلية فيه، وهذا حالٍ وعاطل، وليس بحالٍ ومالح بعد تذهب لشيء ثانٍ.

طالب: ..............

عاطل ما فيه حلية، وحالي ما فيه ما هو أعظم من الحلية، تعرف؟

طالب: ..............

لا لا الحال والماضي والمستقبل لا، ليس من الحلية، ألا يوجد من بعض النساء البشرة أفضل من الحلية؟

طالب: ..............

خلاص انتهينا.

طالب: ..............

قل له.

طالب: ..............

لا، لكن مشكلتنا.

طالب: ..............

الحِلي لا لا، الحِلي عراقي من الحِلة.

طالب: ..............

أقرب ما يكون إلى الأدب.

طالب: ..............

ما فهمت، وما ودنا أن نُفصِّل.

طالب: ..............

التحريف معروف، وأما التعطيل فما هو؟

طالب: ..............

الفراغ انتهينا منه لغويًّا، لكن بالنسبة لتعطيل الصفات عدم إثباتها لله –جلَّ وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، هذا مُعطِّل.

طالب: ..............

وقصرٍ؟

طالب: ..............

نعم. 

"ويولي معانيها تغييرًا وتبديلًا"، لعل التحريف هناك في اللفظ، وهنا في المعنى.

طالب: ..............

لا "ويولي"، في طاء: "يؤول" واوين.

طالب: ..............

يؤول معانيها تغييرًا وتبديلًا؟ هي في طاء المطبوعة التي معك.

طالب: ..............

هذا الذي نقوله نحن، يقول: في طاء التي هي النسخة التي معك: يؤول، ما النسخة التي معك أنت؟

طالب: ..............

ما يضر أن تكتب على نسختك أنت.

"تغييرًا وتبديلًا" التغيير جزئي، والتبديل كلي، التغيير جزئي تبقى أصل الكلمة مع أنه يُغير حرفًا ويترك حرفًا وهكذا، لكن التبديل للكلمة كلها أو للجملة كلها.

"قد أعد لدفعها أنواعًا مِن العُدد" يعني بدلًا من أن يُعد للعدو ما استطاع، يُعد للحق ما استطاع من قوة وما أوتي من قدرة لردِّه ودفعه، والله –جلَّ وعلا- يقول: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60]، وسيأتي أن الجهاد نوعان:

نوعٌ بالبيان، ونوعٌ بالسلاح والسِّنان.

وجهاد البيان أعظم من جهاد السلاح والسِّنان، فيُعد لهذا الجهاد عُدته كما أنه مأمورٌ أن يُعد لجهاد الأعداء ما استطاع من قوة.

طالب: ..............

لا لا، أنا قلت هكذا.

طالب: ..............

لا، العكس.

"وهيّأ لردِّها ضروبًا مِن القوانين" والقوانين جمع قانون وهو ماذا؟ ما هو القانون؟

طالب: .............

النظام، ونظام كل شيءٍ بحسبه، وأكثر ما تُستعمَل في القوانين الحُكمية التي يُرجَع إليها في الاحتكام وهي اصطلاحها واستعمالها في القوانين الوضعية صار حقيقة عُرفية، وإلا فهناك قوانين شرعية، وفيها قوانين عندكم ابن جُزي (القوانين الفقهية)، وفيها أيضًا (القانون في الطب) لابن سينا.

طالب: .............

نعم؟

طالب: .............

قوانين بدعية؟

طالب: .............

هي أنظمة وأشياء يسير عليها من أراد أن يتبعها، وتكون مؤلَّفة إما لبيان الحق أو لردِّه. 

"لردِّها ضروبًا" يعني: أنواعًا، الضرب، والنوع، والقسم، والصنف ألفاظ متقاربة.

طالب: ...........

مَن هو؟

طالب: ...........

من؟

طالب: .............

لا لا، الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري أبدى فروقًا دقيقة بين هذه الألفاظ، فمن أرادها يرجع إليه. 

"وإذا دُعي إلى تحكيمها" التي هي آيات الصفات؟

طالب: .............

لا، هو يحتكم إلى القوانين.

"وإذا دُعي إلى تحكيمها" آيات الصفات وأحاديثها التي تقدم الكلام فيها.

طالب: .............

 ماذا؟ "هيّأ لردِّها" يعني: لرد النصوص "ضروبًا مِن القوانين" التي ابتدعوها وابتكروها وأخذوها عن مراجعهم.

طالب: ...........

لا نحن ما نتحاكم إليها، ولا ندعوه إلى التحاكم إليها.

"وإذا دُعي إلى تحكيمها أبى واستكبر، وقال: تلك" النصوص "أدلةٌ لفظيةٌ لا تفيدُ شيئًا من اليقين"، بل هي عندهم ظنية، وليست قطعية.

"لا تفيدُ شيئًا من اليقين" هم يقولون: إن المتواتر قطعي، والقرآن قطعي يُفيد القطع، هم اختلفوا في الآحاد، هؤلاء حتى القرآن والسُّنَّة "أدلةٌ لفظيةٌ لا تفيدُ شيئًا من اليقين" يقولون: وإن تنزَّل بعض من ينتسب إلى الإسلام من جهمية، ما يقدر أن يقول: القرآن ظني، يقصد ظنية الثبوت، يقول: وإن كان قطعي الثبوت، لكن ظني الدلالة، فهو يدور حول هذه الظنية للنفي، وعدم الإفادة منها، هو قد لا يُنازع في قطعية الثبوت.

طالب: ...........

المهم "وقال: تلك أدلةٌ لفظيةٌ لا تفيدُ شيئًا من اليقين" معناها أنها ظنية بما في ذلك القرآن والمتواتر من السُّنَّة، يقولون: ظني لا يُفيد. هم ما يُنازعون في كونه قطعي الثبوت، لكن يأتون من طريقٍ آخر إذا انسد عليهم هذا الباب فتحوا الطريق الثاني، فيقول: ظني الدلالة.

طالب: ...........

خلاص.

الآن عند الحنفية حينما يُفرِّقون بين الواجب والفرض، يقولون: إن الفرض ما ثبت بدليلٍ قطعي، والواجب ما ثبت بدليلٍ ظني، طيب هو ثبت، وصحَّ إلى النبي –عليه الصلاة والسلام-، وصحَّ عن الصحابي أنه قال: فرض رسول الله –صلى الله عليه وسلم- صدقة الفِطر، ماذا يقول الحنفية؟ واجب، ليس بفرض، لماذا؟ لأنه ليس بدليلٍ قطعي، وبالمقابل الأمور الأخرى التي لو فصَّلنا، فيها أشياء كثيرة ما تنتهي.

"لا تفيدُ شيئًا من اليقين" وعندهم ما يدل عليه العقل هو اليقيني القطعي، هذا الكلام هل يقبله عاقل؟ 

طالب: ...........

قاعدة مستقرة ولا يتفق اثنان عليها "كفى بهم عيبًا تناقض قولهم".

هذه القطعيات التي عندهم متناقضة، فكيف يتناقض القطعي مع القطعي؟

طالب: .............

هو المشكلة ما هي؟ المشكلة أنك لو مشيت على الميزان الذي مشى عليه الناس كلهم انضبطت، لكن لما تأتي بميزانٍ ليس بمنضبط يزيد وينقص ويرتفع، واحتكمت إليه، وأردت أن تُحاكم الناس إليه فلن ينضبط لك شيء أبدًا.

طالب: ...........

الكلام من أوله، من أساسه باطل، أنت مسلم، ولا يدعي الإسلام؟ ما معنى الإسلام؟ مسلم وإذا جاءك الأمر من الله ومن رسوله قلت: أنظر، أعرضه على عقلي! وهم يرون في شيوخهم ونظرائهم وزملائهم يرون عندهم من التناقض الشيء الكثير الذي لا يُمكن ضبطه ولا إتقانه، يكفي طالب العلم أن يقرأ في المواقف وشرح والمواقف، ويرى كيف التناقض، وهم يرون أن هذه قوانين ثابتة لا تتغير ولا تتبدل.

الشيء الذي لا يكون مرجعه ومصدره ثابتًا لا بُد أن تحصل الفروقات والعجائب في فروعه، لا بُد، إذا كان كلٌّ يرى نفسه هو الإمام، فهل ترى أن الرازي يُقلِّد الآمدي أو العكس؟ كل واحد إمام حُجة برأسه، وعقله قدر الدنيا مثل ذاك.

طالب: ...........

الله المستعان.

يعني مثل هذه الأمور التي وضوحها مثل الشمس، يعني كيف كلام رب العالمين المصون من الزيادة والنقصان، الذي تكفَّل الله بحفظه ترده بقول فلان أو علان ممن تزعمون أنهم الحكماء؟! وفي النهاية وفي آخر الأمر يندم، ويقول: ليتني وليتني أموت على دين العجائز -هذا المعظَّم-، ومع ذلك يستمر الأتباع، ويُقال للأشعرية: إن الأشعري رجع عن قوله، يقول: لا، ما رجع.

طالب: ...........

هذا مقتضى كلامه إذا كانوا يحتكمون في الآيات إلى مقدميهم ورؤوسهم.           

"وقال: تلك أدلةٌ لفظيةٌ لا تفيدُ شيئًا من اليقين، قد اتخذ التأويل جُنة يتترس بها من مواقع سهام السُّنَّة والقرآن"، التأويل، قصدهم بالتأويل: صرف الكلام عن ظاهره إلى الاحتمال المرجوح، هم يقولون: لمقتضيه.

طالب: .............

هذا التأويل عندهم، وقد يُحتاج إليه، متى؟

هو يحتاج إلى معرفته؛ ليرد عليهم، لكن ما عندك قول راجح ومرجوح في كلمة احتجت إلى التأويل المرجوح فيها؟

طالب: .............

عند التعارض، فالمقصود أن هذا التأويل هو الذي سلكوه صار ديدنًا لهم صَرف الكلام عن ظاهره، والتأويل في النصوص: ما يؤول إليه الكلام مثل تأويل الرؤيا {هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ} [يوسف:100]، والتأويل المعنى الذي يُريده الطبري وغيره معناه: التفسير، القول في تأويل قوله– جلَّ وعلا- كذا، ثم يذكر أقوال المفسرين من الصحابة والتابعين وغيرهم.  

تعرف كتاب (الفَسر)، تعرفه أنت؟

طالب: ...........

تعرف طبعاته؟

طالب: ...........

(الفَسر) شرح ابن جني على ديوان المتنبي، الطبعة الأولى في العراق في مجلدين ناقص، وفي سوريا طُبِع في خمس مجلدات على ألف صفحة، والمتنبي يقول: ابن جني أعرف بشعري مني.

طالب: يعني معاصر له.

نعم معاصر، المقصود أن هذا الحاصل، و(الفَسر) بمعنى: التفسير، فَسر الكلام يعني: تفسيره، ومنه الفَسر معروف الذي هو الكشف.

طالب: ...........

جُنة، الجُنة: ما يُتقى به دون السلاح، «والصَّومُ جُنة» يُتقى به من عذاب الله -جلَّ وعلا-.

قال: "جُنة يتترس" التُّرس: نوع من أنواع ما يُتقى به. 

"يتترس بها من مواقع سهام السُّنَّة والقرآن" الأدلة النصية التي تُفحمهم وتُلجمهم هذه مثل السهام على قلوبهم، فالتأويل اتخذوه جُنة، إذا أقبل السهم من الكتاب والسُّنَّة –وهذا على سبيل التنزُّل- وضعوه أمامه يتقى به.

"وجعل إثبات صفات ذي الجلال تجسيمًا وتشبيهًا يصد به القلوب عن طريق العلم والإيمان".

"وجعل إثبات صفات ذي الجلال تجسيمًا" يصفون أهل السُّنَّة بأنهم مُشبِّهة ومُجسِّمة وحشوية، يُنفِّرون السُّذج عن سلوك مسلكهم، إذا قيل: هذا مُشبَّه، فلن تقبله، وأنت غير متمكن وعارف، فهُم يصدّون الرعاع عن اتباع المنهج الحق بوصفه بهذه الأوصاف.

"وتشبيهًا يصد به القلوب عن طريق العلم والإيمان" وهذه طريقة المبتدعة، أول ما يبدؤون يُشوهون الخصم؛ لينفِّروا منه قبل دخول المناظرة، يُسمونه مُجسِّمًا، والقلوب تنفر من هذه الكلمة.

والتجسيم: أن يُثبت لله جسمًا يتضمن أو يحتوي على مشابهة المخلوق، فالتجسيم إثبات الجسم لله– جلَّ وعلا-، والتجسيم أول من بدأ به فئةٌ من الروافض، يُقال لهم: السبئية، أثبتوا لله جسمًا، وأثبتوا لله جميع الصفات الموجودة في المخلوق، وجعلوها مُشبِهةً لها أو مثلها، يدٌ كيد المخلوق، ووجهٌ كوجه المخلوق، وأثبتوا له جميع ما عند المخلوق، وقال بعضهم: أعذروني من الفَرج واللحية. يعني تورع عن إثبات الفَرج واللحية، نسأل الله العافية، -الله المستعان- نسأل الله الثبات.   

طالب: .............

السبئية؟

طالب: .............

ماذا فيه؟

طالب: .............

السالمية؟

طالب: .............

موجودة، فِرق.

طالب: .............

لا، السالمية متأخرة، قالوا: إن صاحب القوت، تعرفه؟

طالب: .............

القوت، قوت القلوب من هو؟

طالب: .............

مجلدين وما تُعطينا اسمه.

طالب: .............

من تأليفه، خام أنت، شارك.

طالب: .............

لو غيرك ما قلت له هذا الكلام.

المهم قوت القلوب لأبي طالب المكي، وهو من السالمية، والكتاب أصل (إحياء علوم الدين) ويُمكن أن يُستفاد منه، فيه كلام طيب، ولكن لا يُعتَمد عليه، تعرف (إحياء علوم الدين)؟

طالب: .............

السلوك يُسمونه؛ لأنه أصل للإحياء.

طالب: .............

إماتة علوم الدين يسمونه.

طالب: .............

ما له تحقيق، له تخريج أحاديث، ثلاثة تخاريج: مطوَّل، ومتوسط، ومُختصر، المغني عن حمل الأسفارِ في الأسفار الصغير هذا.

طالب: .............

السالمية نعم.

"تجسيمًا وتشبيهًا يصد به القلوب عن طريق العلم والإيمان" هو عادة الخصم إذا أراد أن يُنفِّر وصف خصمه بوصفٍ يُنفِّر منه، ثم بعد ذلك يصد الطريق بينه وبين غيره، خلاص.

"يصد به القلوب عن طريق العلم والإيمان" يصير ما فيه، أصل النظر في الموضوع والتلقّي من هذا الشخص خلاص.

أعرف واحدًا ألَّف في الحديث الضعيف، وقد أخذه بحروفه من كتاب شخص بحروفه، ماذا يفعل؛ حتى ما يُقرأ كتاب الأصل؟ ماذا قال؟ حذَّر منه فقال: أظنه صوفي ، لا أنصح بقراءة كُتبه.

طالب: .............

على كل حال الله يعفو عنَّا وعنه.

طالب: .............

الله المستعان.

طالب: .............

لا، لكن إذا صار صوفيًّا خاف الطلاب.

"مُزجى البضاعة" يعني: قليل البضاعة، {وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ} [يوسف:88]، والغزالي اعترف على نفسه بأنه مُزجى البضاعة من علم الحديث.

"مُزجى البضاعة مِن العلم النافع الموروث" الموروث عن محمد –عليه الصلاة والسلام-، وهو العلم الحقيقي الذي جاءت النصوص بمدحه، هو الموروث عن النبي –عليه الصلاة والسلام-؛ لأن العلماء ورثة الأنبياء.

"الموروث عن خاتم الرسل والأنبياء، لكنه مليءٌ بالشكوك والشُّبه والجدال والمراء"، فإذا خلا قلبه من قال الله، وقال رسوله، القلب إناء، وكلما تقدم الإنسان في الطلب والبحث والقراءة، هو يسعى لملء هذا القلب، فإذا فرغ من الكتاب والسُّنَّة فما الذي يحل محلها؟ ما ذُكِر من الشكوك والشُّبه والجدال والمراء. 

"خلعَ عليه الكلام الباطل خِلعة الجهل والتجهيل"؛ لأن الكلام الحق مبني على أصلٍ حق، مبني على دليل، فإذا خلا عن الدليل صار تخبطًا إذا ما بُني على أصل.

"خلعَ عليه الكلام الباطل خِلعة الجهل والتجهيل" فإذا جهِل جَهَّل غيره؛ لأنه يرى أن غيره -وهو لا يُوافقه في المبدأ، ولا يتفق معه في أصوله- جاهل، شيخ الإسلام ابن تيمية على علمه وهو بحرٌ من بحور العلم وغيره من العلماء رُمي بالجهل، لماذا؟

الذي ما تتفق معه في شيء أو في شيءٍ يسير يجزم بأن الذي عندك ليس بشيء، فهو ضياع وقت، فهو جاهل مُجهِّل. 

"فهو يتعثر في أذيال التكفير لأهل الحديث" لماذا؟ لأنه زعم أنهم مُجسِّمة ومُشبِّهة، والتجسيم كفر، ومن شبَّه الله بخلقه، فقد كفر، كما قال أهل العلم.

"فهو يتعثر في أذيال التكفير لأهل الحديث، والتبديع لهم والتضليل" هذه نتيجة حتمية؛ لأنك اختلف معهم ولم توافقهم، وهم يستدلون بأدلةٍ مثل الشمس، لكن أنت تُريد أن تضع حواجز بين الناس وبين هذه الأدلة، فوضعت الحاجز الأكبر أنها ظنية، ولا تفيد يقينًا، ولا تفيد كذا وكذا، لكن بعد ذلك الذي يعتمدها من أهل القرآن والحديث ضُلَّال مبتدعة، لماذا؟ لأنهم خرجوا عن القانون الذي اعتمدته أنت، وبالمقابل "رمتني بدائها وانسلَّت" هم الضُلَّال وهم المبتدعة، نسأل الله العافية.

الصاوي في حاشيته على الجلالين ماذا يقول؟

طالب: .............

 من أصول الكفر، يقول الصاوي في حاشيته على الجلالين في تفسير سورة الكهف: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف:23-24]، قال: ولا يجوز الخروج عن المذاهب الأربعة ولو خالفت الكتاب والسُّنَّة، وقول الصحابي؛ لأن الأخذ بظواهر النصوص من أصول الكفر.

هذه المسألة استدراج، يقول كلمة ما يُلقي لها بالًا، ثم يُعاقَب بما هو أشد منها، ثم يُعاقب على الثانية بأشد منها إلى أن يصل إلى هذا الحد، إلى أن يقول بشر المرِّيسي: سبحان ربي الأسفل، هذا ما يُتصوَّر أن عاقلًا يقوله.