بين فقه البخاري وفقه مسلم

(صحيح الإمام مسلم) –رحمه الله- ليس فيه تراجم، فهو يجمع الأحاديث، وله طريقة في الاختيار، وفي السياق، وفي ترتيب الأسانيد والمتون، فهو بارع في هذا الباب، لكن ليس له فقه، ففقهه يكمن في طريقة سياقه للمتون والأسانيد، وفي تقديمه وتأخيره لها، ومن الأدلة على ذلك: الأثر الذي ذكره بين أحاديث المواقيت مما لا علاقة له بالمواقيت، فهو – رحمه الله- لما ذكر هذه الأسانيد التي برع رواتها في سياقها، وأبدع في ترتيبها، قال: (وقال يحيى بن أبي كثير: لا يستطاع العلم براحة الجسم)، فلا يستطيع أحد أن يبرع في أي عمل دون عناء.

والإمام مسلم كذلك يعتني بصاحب اللفظ، فإذا روى الحديث عن مجموعة بيَّن صاحب اللفظ كأن يقول: (حدثنا فلان، وفلان، وفلان، واللفظ لفلان)، أو (حدثنا فلان، وفلان، وفلان، قال فلان وفلان: أخبرنا، وقال فلان: حدثنا، أو قال فلان: حدثنا، وقال الآخران: أخبرنا)، والإمام البخاري لا يعتني بهذا؛ لأنه لا يفرق بين التحديث ولا الإخبار، ولا ينص كذلك على صاحب اللفظ، فيقول مثلاً: (حدثنا فلان، وفلان)، ولا يُدرى لمن اللفظ، لكن ظهر بالاستقراء أنه إذا روى الحديث عن اثنين فاللفظ للأخير منهما، وهذه قاعدة أغلبية؛ لأنه قد وجد ما يخالفها بالتجربة.

فالإمام مسلم –رحمه الله- أفضل من هذا الباب، وهو حُسن ترتيب وسياق الأسانيد والمتون، ولهذا رُجّح على البخاري :

تشاجر قوم في البخاري ومسلم

فقلت: لقد فاق البخاري صحة

 

 

لديَّ وقالوا: أي ذين تقدم

وفاق في حسن الصناعة مسلم