عمدة الأحكام – كتاب الصيام (2)

سم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء المرسلين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين برحمتك يا أرحم الراحمين.

باب الصوم في السفر وغيره:

عن عائشة -رضي الله عنها- أن حمزة بن عمرو الأسلمي -رضي الله عنه- قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أصوم في السفر؟ وكان كثير الصيام، قال: ((إن شئت فصم، وإن شئت فافطر)).

عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كنا نسافر مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر عن الصائم".

وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: "خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شهر رمضان في حرٍ شديد، حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا رسول الله -صلى الله عليه سلم- وعبد الله بن رواحة".

وعن جابر -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفرٍ فرأى زحاماً ورجلاً قد ظلل عليه فقال: ((ما هذا؟)) قالوا: صائم، قال: ((ليس من البر الصوم في السفر)) وفي لفظٍ لمسلم: ((عليكم برخصة الله التي رخّص لكم)).

وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفرٍ فمنّا الصائم، ومنا المفطر، قال: فنزلنا منزلاً في يومٍ حار، وأكثرنا ظلاً صاحب الكساء، فمنّا من يتقي الشمس بيده، قال: فسقط الصُوّم وقام المفطرون، فضربوا الأبنية، وسقوا الركاب، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ذهب المفطرون اليوم بالأجر)).

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب الصوم في السفر وغيره" يعني ما حكمه، "وغيره" غير الصوم في السفر من المسائل الأخرى المتعلقة بهذا الكتاب، كتاب الصيام، فذكر حديث عائشة -رضي الله عنها- أن حمزة بن عمرو الأسلمي صحابي جليل كثير الصيام، سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "أصوم في السفر؟" يعني: أأصوم في السفر؟ وكان كثير الصيام، فقال: ((إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر)) وفي هذا دليل على التخيير بين الصيام وعدمه في السفر؛ لأن الأصل أن الحكم في الصيام المستحب، وهو في الواجب أيضاً باعتبار أن السفر وصف علّق عليه رخص فإذا تحقق هذا الوصف فللإنسان أن يصوم وله أن يفطر، وكان الصحابة -رضوان الله عليهم- كانوا يسافرون للحج والعمرة والجهاد مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فمنهم الصائم ومنهم المفطر، ولا يعيب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم، فدل على أن كلاً من الصيام والفطر في السفر جائز، يجوز أن يصوم الإنسان في السفر، ويجوز أن يفطر، والمرجح منهما كسائر الرخص، الأرفق بالمسافر فإذا كان الأنفع للمسافر والأرفق به أن يصوم؛ لأن كثرة الأكل لا تعينه على السفر مثلاً، أو تشق عليه، تشق عليه متابعة السير إذا أكل، فالأصل فضل الصيام، ومعه هذه الفائدة، فيكون الصيام في حقه أفضل، وإذا كان الفطر يعينه على مواصلة سفره ولا يلحقه بذلك مشقة فإنه يكون الفطر في حقه أفضل، فإن لحقته المشقة بصيامه في السفر، فليس من البر الصيام في السفر، كما في الحديث اللاحق "كنا نسافر مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم" فدل على أن المسألة يخيّر فيها المكلّف، ومردها إلى اختياره، وهذا يشمل الفريضة والنافلة؛ لأن الفريضة يجوز للمسافر أن يفطر، {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[(184) سورة البقرة] فالسفر والمرض يبيحان الفطر حتى في رمضان، وأما بالنسبة لصوم النافلة فهو في الأصل مخير، والمتطوع أمير نفسه، فإن وجد أن الفطر أنفع له يفطر، وإن وجد أن الصيام أنفع له يستمر صائماً.

وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: "خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شهر رمضان في حرٍ شديد، حتى إذ كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعبد الله بن رواحة، فدلّ على أنه يصوم -عليه الصلاة والسلام- في السفر، وفي هذا رد على الظاهرية الذين يقولون: أن الصيام لا يجزئ في السفر، صيام رمضان لا يجزئ في السفر، بل يلزمه القضاء، يلزمه الفطر ويلزمه القضاء؛ لأن فرض من شهد الشهر الصيام {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[(185) سورة البقرة] هذا فرضه، بالمقابل القسم الثاني {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[(184) سورة البقرة] يعني فيلزمه، أو فالواجب في حقه عدة من أيامٍ أخر، ولا تلزمه العدة إلا إذا أفطر إذاً يلزمه الفطر، وتلزمه العدة يلزمه القضاء أفطر أو لم يفطر، إذ مثل هذا الصيام عند الظاهرية وجوده مثل عدمه، عرفنا حجتهم؟ الآن في رمضان إما أن يكون شاهد الشهر حاضر مقيم، وهذا إما أن يكون سليم البدن صحيح معافى أو مريض، ويقابل المقيم المسافر (من شهد الشهر) حضر في البلد، دخل عليه الشهر، ولم يكن مريضاً ولا مسافراً {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[(185) سورة البقرة] هذا فرضه، ولا يجوز له بحال أن يفطر إلا إذا عجز، انتهينا من شهد الشهر فرضه الصيام، من كان مريضاً أو على سفر إن شاء فليصم وإن شاء فليفطر، أو فعدة من أيام أخر؟ الذي في الآية؟ {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[(184) سورة البقرة] هناك من شهد الشهر فالواجب عليه أن يصمه، الواجب عليه الصيام، ومن كان مريضاً أو على سفر هذا القسم الثاني الواجب عدة من أيامٍ أخر، يعني يجب عليه أن يصوم عدة من أيام أخرى بقدر الأيام التي سافرها، وإذا كان يجب عليه أن يصوم عدة غيرها إذاً يلزمه أن يفطر، فلا يصح الصيام عندهم ويلزمه القضاء، عندنا الأحاديث الصحيحة الصريحة أصوم في السفر؟ قال: ((إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر)) "كنا نسافر مع النبي -عليه الصلاة والسلام- فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم" الحديث الثالث فيه تنصيص أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صام، "وما فينا صائم إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعبد الله بن رواحة" فدل على أن الصيام في السفر يجزئ عن صيام رمضان، وعلى هذا يكون معنى قوله -جل وعلا-: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ -فأفطر- فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[(184) سورة البقرة] ودليل هذا التأويل الأحاديث التي سمعناها، ثم بعد ذلك هذا في حق من لم يشق عليه الصيام، يخيّر إن شاء صام وإن شاء أفطر، وإن كان الصيام يعينه فالصيام في حقه أفضل؛ لكن إن وجد مشقّة شديدة، جابر -رضي الله عنه- قال: "كان رسول -صلى الله عليه وسلم- في سفر فرأى زحاماً ورجل قد ظلل عليه، فقال: ((ما هذا؟)) قالوا: صائم، قال: ((ليس من البر الصيام في السفر)) يعني هذا مع إيش؟ مع المشقّة الشديدة؛ لأن هذا ظلل عليه، صائم وازدحم الناس عليه، وظللوا عليه كي يعينوه على إتمام صيامه، فقال: ((ما هذا؟)) قالوا: صائم فقال: ((ليس من البر الصيام في السفر)) لأن الدين يسر، ولن يشادّ الدين أحد إلا غلبه، وفي لفظٍ لمسلم: ((عليكم برخصة الله التي رخّص لكم))، والله -جل وعلا- يحب أن تؤتى رخصه، كما يكره أن تؤتى معاصيه، ((فعليكم برخصة الله التي رخّص لكم)) ومن هذه الرخص الفطر في السفر، فعلى هذا الذي يشق عليه الصيام ليس من البر الصيام في السفر، وإذا كان ليس من البر يكون من إيش؟ ما الذي يقابل البر؟ الإثم، إذا لم يكن العمل من البر إذاً هو من إيش؟ من الإثم، فهل يأثم من صام في السفر وشقّ عليه؟ كما هو حال كثير من الناس، عوام المسلمين يشق عليهم الصيام وأشق منه عليهم أن يفطر، وبعض الناس تجده ليس من أهل التحري المعروف، ولا من المعروفين بالاحتياط للعبادة وغيرها تجده متساهل؛ لكن يقول: أصوم مع الناس ولو شق عليّ ولا أفطر، والناس بعد رمضان راحة ويمين ويسار ومكاشيت، وأنا أقضي الصيام، ولو شق عليه الصيام، نقول: مع ذلك ليس من البر الصيام في السفر؛ لكن مع ذلك لو صام وشق عليه، وظلل عليه مثل هذا نقول: صيامه صحيح ومجزئ لا يلزمه قضاؤه ما دام أمسك عن المفطرات من طلوع الشمس بالنية من طلوع الفجر إلى غروب الشمس هذا صائم، الصيام صحيح ومسقط للطلب ومجزئ؛ لكن يبقى أنه ليس من البر، ويمكن أن يقال: هل نستطيع أن نقول: البر والإثم نقيضان وإلا ضدان؟ يعني هل يمكن أن تصف عمل بأنه ليس ببر ولا إثم؟ طيب العمل المباح بر وإلا إثم؟ أو لا بر ولا إثم؟ لأنه إن كان بر استحق عليه أجر، وإن كان إثم استحق عليه وزر، طيب المباح لا أجر ولا وزر؟ مستوي الطرفين.

طالب:.......

دعونا من مسألة الصيام، نحن نقابل بين الإثم والبر، وجاء تفسير البر وجاء تفسير الإثم؛ لكن يبقى أنه هل يوجد واسطة بين البر والإثم، ليست ببر ولا إثم، بمعنى أنه لا يؤجر ولا يأثم؟ يوجد وإلا ما يوجد؟ المباح مستوي الطرفين، لا يكتب عليه أجر، ولا يكتب عليه وزر، باعتبار أنه مستوي الطرفين، إذاً نخلص من هذا أن الإثم والبر متقابلان، يبقى أنه هل هناك واسطة بينهما أو لا واسطة؟ أثبتنا المباح، إذاً هل البر والإثم من النقيضين أو من الضدين؟

طالب:.......

ضدان؟ نقيضان؟ إيش معنى نقيضان؟ إيش معناها؟ يعني لا يجتمعان، أو ضدان يجتمعان وإلا ما يجتمعان؟ لا يجتمعان ولا يرتفعان، والضدان؟ لا يجتمعان وقد يرتفعان، يحل محلهما أمر ثالث، السواد والبياض ضدان؟ بمعنى أنه لا يمكن أن يجتمعان في حقيقةٍ واحدة؛ لكن يمكن أن يرتفع البياض والسواد يبقى المكان أخضر؛ لكن لو كانا نقيضين ما اجتمعا ولا ارتفعا، لا بد من وجود أحدهما، وهنا نقول: هذا العمل إذا ارتفع البر يثبت الإثم؟ كما عندنا ليس من البر إذاً إثم؟ أو نقول: لا بر ولا إثم؟ مو قررنا أن المباح بين الإثم والبر يعني ما عندنا الأحكام التكليفية الخمسة، عندنا في جهة الواجب والمندوب، وفي الجهة الأخرى المحرم والمكروه، بين هذه الأقسام واسطة وهو المباح، يعني لا مع هذا ولا مع هذا، الواجب والمندوب يؤجر عليهما، المكروه والمحظور لا يؤجر عليهما، يبقى المباح مستوي الطريفين، فإذا أثبتنا هذه الواسطة قلنا: أنه يوجد عمل لا بر ولا إثم، بمعنى أن صاحبه لا يأثم ولا يؤجر عليه، وقل مثل هذا في كتابة الملكين، ما يبحثون قضية هل يكتب الملكان كل شيء؟ يكتب الملكان كل ما يلفظ به ابن آدم؟ {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[(18) سورة ق] نعم يكتب كل شيء؛ لكن هذا كلام مجرد أخبار صحيحة، مثلاً لو قلت: قام زيد أو قدم زيد، يكتب وإلا ما يكتب؟ تأثم وإلا ما تأثم؟ أنت تشرح في باب الفاعل مثاله: قام زيد، هذا الكلام فيه إثم وإلا ما فيه إثم؟ أو مثلاً تخبر عن شخص من الناس أنه جاء، نعم ما يترتب على هذا الخبر، ما يترتب عليه من تعليم الناس في قام زيد في النحو، هذا تؤجر عليه إذا قلت: قام زيد، أو تقول: قدم زيد من السفر، إن كنت تريد أن تبشر به أحبابه وأصحابه تؤجر على هذا؛ لأنك أدخلت السرور عليهم؛ لكن إن كنت تخبر عدو له يترصد له؟ تأثم، دعونا من هذه المؤثرات كلها، شخص قال: نام الولد، يأثم وإلا ما يأثم؟ هل هذا بر وإلا إثم؟ لا بر ولا إثم، كلام مباح، لا بر ولا إثم.

فإذا قلنا: أن البر والإثم نقيضان فلا بد إما أن يأثم وإلا يؤجر، وعلى هذا ليس من البر إذاً إثم، وإذا قلنا: هما ضدان، قلنا: يمكن يكون ليس ببر يؤجر عليه لكن ما يأثم؛ لكن لا يأثم، لثبوت الواسطة، ونعرف أن أكثر الإخوان أو كثير منهم ما فهم الذي أنا أقول؛ لكن ما في أكثر من هذا التكرار، ليس من البر هل هناك واسطة بين البر والإثم؟ يعني هل نقول: أن البر والإثم نقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان؟ بمعنى لا بد من وجود أحدهما؟ إذا قلنا: أنه ليس من البر يعني إثم، إذا قلت: هذا الشاخص يعني قدامك صورة إنسان، إذا قلت: هذا ليس بذكر وش يصير؟ أنثى، انتهى الإشكال، ما أدري ذكر وإلا أنثى؟ كونه خنثى مثلاً عنده آلة ذكر وآلة أنثى هذا نادر ما يمثّل به، إذاً متقابلان تقابل الوجود والعدم، يعني نقيضان، والذي عندنا يمكن أن يوجد شيء ليس ببر ولا إثم، إذاً الصيام على حسب المشقّة، إن كان يضر بصاحبه يأثم للضرر، حتى لو لم يكن مسافر، مريض قالوا له الأطباء: لا تصوم فصام ومات، أو زاد مرضه، أو تأخر برؤه يأثم، هذا إثم صيامه، وهناك الصيام الأصل فيه أنه البر، وبينهما مرتبة.

طالب:.......

كيف يجتمع؟ هذا شخص مريض، وقالوا له الأطباء: لا تصوم، وجاء رمضان وصام يرجو ثواب الله، والصيام من أفضل الأعمال، هل نقول: أنه يؤجر على صيامه ويأثم عليه في الوقت نفسه؟ يؤجر ويأثم؟ يعني مع اتحاد الجهة ما يمكن، مع انفكاك الجهة يؤجر باعتبار، ويأثم باعتبار ممكن، هذا صائم رمضان ويغتاب الناس انفكت الجهة له أجر الصيام وعليه إثم الغيبة؛ لكن يكون الشخص مأمور منهي من جهةٍ واحدة، قالوا له الأطباء: لا تصوم، والشرع يقرر أنك لا تصوم إذا قال لك الأطباء: لا تصوم، وأنت تقول: أبي أصوم؟ إذاً لا تؤجر على هذا الصيام، تأثم.

حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفرٍ فمنا الصائم ومنا المفطر، قال: فنزلنا منزلاً في يومٍ حار، وأكثرنا ظلاً صاحب الكساء -الذي عنده كساء يتظلل به- فمنا من يتقي الشمس بيده، قال: فسقط الصوام -الصائمون سقطوا من الإعياء والتعب والجوع والعطش والحر الشديد- وقام المفطرون" يعني لما وصلوا إلى المكان الذي يريدون الإقامة فيه، تجد الصوام كل واحد في جهة، "سقط الصوام، وقام المفطرون، فضربوا الأبنية، وسقوا الركاب، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ذهب المفطرون اليوم بالأجر)) الصائم نفعه متعدي وإلا قاصر؟ قاصر، والمفطر الذي ضرب الأبنية، وسقوا الركاب، وخدموا إخوانهم نفعهم متعدي وإلا قاصر؟ متعدي، أيهما أفضل النفع المتعدي وإلا القاصر؟ فيه خلاف وإلا ما فيه خلاف؟ أيهما أفضل الصلاة وإلا الزكاة؟ أنتم أجمعتم على أن النفع المتعدي أفضل من القاصر، أنا أقول: أيهما أفضل الصلاة وإلا الزكاة؟ الصلاة نفعها متعدي وإلا قاصر؟ والزكاة نفعها متعدي وإلا قاصر؟ نقول: نعم، القاعدة العامة أن النفع المتعدي أفضل من القاصر؛ لكنها قاعدة أغلبية، بحسب قوة هذا التعدي، وهذا القصور.

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان يكون عليّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان"

عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -عليه الصلاة والسلام- أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق تلاحظ حال النبي -عليه الصلاة والسلام-، وتخدمه الخدمة التامة من جميع الوجوه، يكون عليها الصوم من رمضان تفطر لما يعتريها مما يعتري النساء من عوارض موجبة للفطر، فلا تصوم في شوال، ولا في القعدة، ولا في ذي الحجة، ولا محرم، ولا صفر، تتحيّن حتى يضيق الوقت عليها، ويجب عليها القضاء؛ لأنه قضاء على التراخي، القضاء على التراخي، وتلاحظ مكان النبي -عليه الصلاة والسلام- منها؛ لأنه قد يأتي في يوم من الأيام وهي صائمة يطلب منها شيئاً لا تستطيعه؛ لكن إذا ضاق الوقت بقي من شعبان بقدر ما عليها من قضاء تعيّن، وجب عليها أن تقضي قبل أن يدخل رمضان الثاني، فعائشة -رضي الله عنها- لا تستطيع أن تقضي إلا في شعبان، فدل على أنه لا بأس في تأخير قضاء رمضان إلى شعبان، لا بأس، مع أن المبادرة والمسارعة لإبراء الذمة أفضل؛ لكن هذه المبادرة وهذه المسارعة عارضها ما هو أهم منها وهي حاجة الزوج ومصلحة الزوج، ما تستطيع أن تقضي إلا في شعبان، هل عائشة تصوم الست؟ تصوم يوم عرفة؟ تصوم عاشوراء وإلا ما تصوم؟ تصوم وإلا ما تصوم؟ الست، ويوم عرفة، ويوم عاشوراء؟ فضلاً عن الأيام الأخرى الاثنين والخميس والبيض وعشر ذي الحجة، تصوم وإلا ما تصوم؟

طالب: تصوم.

طيب ليش تؤخر قضاء رمضان إلى شعبان لمكان النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ نعم هذا واجب قضاء رمضان يجب عليها وجوب فتتركه من أجله، فكيف لا تترك النوافل؟ يعني هل يصح صيام النفل قبل القضاء أو لا يصح؟ هل يصح التنفل بالنسبة لمن في ذمته قضاء، يعني بقي ستة أيام من شوال وعليها ستة أيام تقول: أصوم الست وإلا أصوم القضاء؟ يقول: يفوت الست تروح؛ لأنها واجب، نعم القضاء ألزم، وهل تتصور الست مع بقاء القضاء؟ من صام رمضان وأتبعه.. الذي في ذمته قضاء يكون أتبع رمضان الست، ما أتبع، على كل حال المسألة خلافية بين أهل العلم منهم من يقول: لا يتصور أن عائشة ما تصوم هذه الأيام، ما يتصور أبداً أنها ما تصوم، يعني أقل المسلمين شأناً ما يفطر بصوم يوم عرفة الذي يكفر سنتين، ولا بيوم عاشوراء يكفر سنة، الست كأنه صام الدهر كله، هذه الأمور ما يفطر بها أقل.. فكيف تفرط بها أم المؤمنين؟ منهم من يجيز التنفل قبل القضاء؛ لأن الوقت فيه متسع، طيب النبي -عليه الصلاة والسلام- لما فاتته صلاة الصبح وطلعت عليه الشمس، وهو ما صلى الصبح بدأ بالنافلة وإلا بدأ بالفريضة؟ بدأ إيش؟ بالنافلة أذن وأقام وتوضأ وصلى نافلة الصبح، ثم صلوا الفريضة؛ لكن هذه النافلة متعلقة بالفريضة تعلقاً قبلياً، فهذه شأنها غير، الآن من في ذمته فرض، هل له أن يتنفل قبل أداء هذا الفرض؟ ما في متسع الحين، بلا شك، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليه مما افترضته عليه؛ لكن يبقى أن هذا لا يعني الوجوب والإلزام، مثل هذا لا يقتضي الوجوب، وجوب تقديم الفرض على النافلة، إلا إذا كان الوقت لا يستوعب إلا الفرض أو النافلة؛ لكن الوقت يستوعب، قدامك إحدى عشر شهراً، هو من حيث النظر ينتاب مثل هذا الحديث أمران: الأمر الأول: لا يتصور من عائشة أن تفرط بمثل هذا الأجر العظيم، وآحاد الناس يفعلونه ممن هو أقل من عائشة شأناً، والأمر الثاني: مما ينتاب مثل هذا الحديث أنه لا يتصور أن تؤخر القضاء لمكانة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وتنشغل بنوافل، لو انشغلت بشيء اشتغلت بالفريضة، وعلى كل حال مثلما ذكرنا من راجع قواعد ابن رجب وغيرها في مسألة: من في ذمته فرض هل يجوز له أن يتطوع بشيءٍ من جنسه قبل أداء الفرض أو لا؟ من كان في ذمته قضاء فرض مثلما هنا "فما أستطيع أقضي إلا في شعبان" فالحد الذي ينتهي فيه التراخي في القضاء هو شعبان؛ لكن إذا دخل رمضان الثاني، ولم يصم ما عليه من رمضان السابق يسقط عنه القضاء وإلا ما يسقط؟ ما يسقط القضاء، عليه أن يقضي ما أفطره من رمضان الماضي، ثم بعد ذلك عليه مع ذلك كفارة عليه إطعام، هذا كلام ابن عباس واعتمده كثير من أهل العلم؛ لكن الإمام البخاري يقول: إن الله -جل وعلا- ما قال إلا  عدة من أيام أخر، ولم يذكر إطعام، وهذا يرجحه بعض المحققين.

طالب:.......

يعني عليها ستة أيام قضاء من رمضان وبقي ستة أيام تقول: ندخل هذا بهذا، ندخل النفل بالفريضة، تداخل العبادات، ما في شيء اسمه تداخل عبادات، إذا جئت والإمام راكع تكبر تكبيرة الإحرام تدخل فيها تكبيرة الركوع، صح وإلا لا؟ إذا أردت أن تغتسل، تغتسل ويدخل الوضوء، إذا اجتمع عبادتان من جنسٍ واحد، قاعدة التداخل في العبادات معروفة وإلا ما هي معروفة؟ يدخل فيها مثل هذا وإلا ما يدخل؟ يدخل مثل هذا الصيام؟ هي بقي عليه ستة أيام من رمضان وبقي ستة أيام من شوال؟

طالب:.......

ضيق ونحن نريد أن ندخل النفل بالفريضة، مثلما أدخلنا تكبيرة الركوع بتكبيرة الإحرام.

طالب:.......

شلون؟ هي تبي تصوم ستة بس، تقول نبي الجميع -إن شاء الله-، يعني مثلما تدخل صلاة الفجر مثلاً تجد الإمام ما أقيمت الصلاة تبي تصلي ركعتي الفجر الراتبة، يدخل فيها تحية المسجد.

طالب:.......

شلون ما يدخل؟ خلونا في مسألة ثانية، عشر ذي الحجة، عليه تسعة أيام وتبي تصوم من الأول إلى التاسع وتقول: هذي التسعة النفل ندخلهن مع الفرض؟ عبادتان من جنسٍ واحد تدخل الصغرى في الكبرى لماذا؟ فيه قيد لا بد منه في قاعدة التداخل، وهو شريطة أن لا تكون إحداهما مقضية والأخرى مؤداة، ما لكم عناية بالقواعد يا إخوان، أنت دخلت وجدت الإمام أقام لصلاة الصبح ما يكفيك عن تحية المسجد؟ تكفي، المقصود أن قاعدة التداخل يشترط فيها أن لا تكون إحداهما مقضية والأخرى مؤداة، فلا يصح التداخل في مثل هذا، الكلام طويل والأحاديث كثيرة، ونبي اليوم -إن شاء الله- نبي نقف على الباب الذي يليه، نبي نكمل الأحاديث، باب أفضل الصيام وغيره، ولذلك تجدون بعض المسائل نبسطها قليلاً ثم نرجع، ما نسترسل، لو استرسلنا في كل شيء ما مشينا.

وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من مات وعليه صيام صام عنه وليه)) وأخرجه أبو داود، وقال: هذا في النذر خاصة، وهو قول أحمد بن حنبل -رضي الله عنه-.

وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- قال: "جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله: "إني أمي ماتت وعليها صوم شهرٍ أفأقضيه عنها؟ فقال: ((لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها؟)) قال: نعم، قال: ((فدين الله أحق أن يقضى)) وفي رواية: "جاءت امرأة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، إني أمي ماتت وعليها صوم نذرٍ أفأصوم عنها؟ فقال: ((أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يؤدي ذلك عنها؟)) قالت: نعم، قال: ((فصومي عن أمك)).

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من مات وعليه صيام صام عنه وليه)) أخرجه أبو داود، وقال: هذا في النذر خاصة، وهو قول أحمد بن حنبل، وحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله: "إني أمي ماتت وعليها صوم شهرٍ أفأقضيه؟ فقال: ((لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنه؟)) قال: نعم، قال: ((فدين الله أحق أن يقضى)).

الحديث الأول: ((من مات وعليه صوم صام عنه وليه)) هذا مطلق، أي صوم يشمل أي صوم، يشمل الواجب والمندوب ويشمل ما وجب بأصل الشرع وما أوجبه الإنسان على نفسه، فهو مطلق، والثاني الذي يليه مثله، "أن أمي ماتت وعليها صوم شهرٍ أفأقضيه؟ قال: ((لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها؟)) قال: نعم استعمال الأقيسة من قبله -عليه الصلاة والسلام- قال: نعم، قال: ((فدين الله أحق أن يقضى)) هذا أيضاً مطلق ليس فيه قيد بالنذر ولا غيره، ويستدل به من يقول: أن الصيام يقضى عن الميت، الصيام إن كان عليه صوم يقضيه وليه، سواء كان هذا الصيام مما وجب بأصل الشرع أو أوجبه الإنسان على نفسه بالنذر، الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- يقيّد هذه النصوص المطلقة في الرواية الثالثة، الحديث الثالث وفي رواية: "جاءت امرأة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله: إني أمي ماتت وعليها صوم نذرٍ -هذا مقيد بكونه نذر- أفأصوم عنها؟ فقال: ((أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يؤدي ذلك عنها؟)) قالت: نعم، قال: ((فصومي عن أمك)).

الحديث الأخير حديث ابن عباس بروايتيه، السؤال الأول السائل رجل والثاني السائلة امرأة، والكل من حديث ابن عباس، هل هي قصة واحدة أو أكثر من قصة، أو هذه امرأة جاء ولدها يسأل، امرأة واحدة جاء ولدها يسأل ثم جاءت البنت تسأل؟ وش نستفيد من هذا؟ أنها إذا كانت قصة واحدة وميتة واحدة صيامها صيام نذر وانتهى الإشكال، صح وإلا لا؟ وإذا قلنا: بتعدد القصة قلنا: المرأة الأولى من رمضان والثانية نذر، وش اللي يمنع؟ فيه ما يمنع؟ لأن الأولى ما فيها ما يدل على أنه نذر، هل هذا من باب الإطلاق والتقييد، يعني إذا قلنا: بتعدد القصة احتمال قائم أن الأولى عليها نذر وإلا صيام من رمضان؟ بينما الثانية نص في أنه نذر، والنص الأول: ((من مات وعليه صوم صام عنه وليه)) هذا مطلق ما قيّد، هل نقول: هذا عام ((من مات وعليه صوم صام عنه وليه)) عام؟ يشمل جميع أفراد الصيام؟ (من مات وعليه صيام) نكرة في سياق الشرط فتعمّ جميع أنواع الصيام، والتنصيص على النذر لا يقتضي التخصيص؛ لأن التنصيص على بعض أفراد العام بحكم موافق لحكم العام لا يقتضي التخصيص، فيبقى أن كل من مات وعليه صيام يصوم عنه وليه، سواء كان من رمضان أو نذر، أو كفارة.

طالب:.......

إيه؛ لكن الخلاف مبني على قواعد وأسس، نحن ما نستدل بالخلاف إنما نستدل للخلاف، يعني خاص بالنذر، كما قال الإمام أحمد، إذا افترضنا أنهما قضيتين، واحد جاء للنبي -عليه الصلاة والسلام- وقال: أمه ماتت وعليها صوم، وش يدريك أنه نذر؟ تبي تقول لي: القصة الثانية دلت على أنه نذر، نقول: قصة أخرى هذه قصة ثانية، الأولى ماتت وعليها صيام افترض أنه من رمضان، ويحتمل أنه نذر؛ لكن يتناول هذا وهذا، لعمومه، والثاني نص في النذر، فهل نقول: يحمل المطلق على المقيد، فلا يصح الصوم؛ لأنه عبادة بدنية كالصلاة لا يصح أن يصوم أحد عن أحد، يعني ما وجب بأصل الشرع من صيام كالصلاة؛ لكن هل لنا أن نقول: من نذر أن يصلي ومات يصلى عنه وإلا ما يصلى عنه؟ لا يصلى عنه، طيب من مات وعليه صوم رمضان يصام عنه من رمضان، وإلا خاص بالنذر؟ يعني عندنا النص العام ((من مات وعليه صوم صام عنه وليه)) يتناول رمضان ويتناول الكفارات، مات وعليه صوم شهرين متتابعين، يصوم عنه وليه وإلا ما يصوم؟ الإمام أحمد خص النيابة في الصيام بالنذر، وما عدا ذلك ما وجب بأصل الشرع لا يدخله النيابة كالصلاة، والأكثر على أن النص عام ((من مات وعليه صوم صام عنه وليه)) وما دام قبل النيابة في النذر يقبل النيابة في الثاني، وهذا قول الأكثر؛ لكن شيخ الإسلام يرى وابن القيم أيضاً يقرر أن رأي الإمام أحمد هو الصحيح، هو الصواب، أولاً: لما جاء من التقييد في كونه تصوم النذر؛ ولأن المعنى يقتضيه، يعني ما أوجبه الله على الإنسان، ((إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم)) هو ما استطاع يصوم، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، خلاص مات، هذا لا يقبل النيابة، عبادة بدنية لا تقبل النيابة كالصلاة؛ لكن إذا نذر يعني شيء أوجبه على نفسه، يرى أنه لم يجب بأصل الشرع فيقبل النيابة، وهذا رأي الإمام أحمد، وعلى كل حال هل نقول: أن الأحاديث بينها تعارض أو لا تعارض بينها؟ وهل هذا التعارض من باب العموم والخصوص، أو من باب الإطلاق والتقييد؟ إذا قلنا: من باب الإطلاق والتقييد نحمل المطلق على المقيد ونرجح رأي الإمام أحمد، وإذا قلنا: عموم وخصوص والتنصيص على بعض أفراد العام لا يقتضي التخصيص فيلزم كل من مات وعليه صيام أن يصوم عنه وليه.

طالب:........

نعم أيه؟ يعني هل هناك فرق بين أن نقول: مطلق ومقيد وعام وخاص؟

 طالب:........

طيب نذر أن يصوم ومات ما صام، يصوم عنه وليه وهذا ما فيه إشكال، هذا منصوص عليه ومنتهي؛ لكن لو مات وعليه من صوم رمضان يصوم عنه وليه وإلا ما يصوم؟

طالب:........

وش الستين مسكين؟.... عشانه؟ يطعم عن كل يوم مسكين، يعني البدل الإطعام؛ لأن قضاء رمضان له بدل وهو الإطعام، أظن المسألة لن تنتهي، قياس ما وجب بأصل الشرع لا ما وجبه الإنسان، ابن القيم يقول: مع الفارق ما يأتي قياس هنا لوجود الفارق، يعني ما أوجبه بأصل الشرع مثل الصلاة، سواء بسواء، عبادة بدنية ليس فيها شوب مال فلا تدخلها النيابة، عبادة مالية تدخلها النيابة كالحج؛ لكن الصيام عبادة بدنية.

طالب:.......

ذكرناها هذه؛ لأن فيها النص الوارد: ((لا يصلي أحد عن أحد)) أما الصيام فجاء فيه: ((من مات وعليه صوم صام عنه وليه)) فالإشكال في حمل المطلق على المقيد، يعني يحمل على هذه الصورة التي جاء فيها القيد وأنه صيام نذر، وهذا ما استروح إليه الإمام أحمد ورجحه شيخ الإسلام وابن القيم، وأن الأصل في العبادات البدنية لا تقبل النيابة، فيبقى ما جاء على خلاف هذا الأصل، يحمل على الصورة المقيدة المبيّنة.

وعن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يزال الناس بخيرٍ ما عجلوا الفطر)).

وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النار من هاهنا فقد أفطر الصائم)).

وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الوصال، قالوا: إنك تواصل؟ قال: ((إني لست مثلكم، إني أطعَم وأسقى)) رواه أبو هريرة وعائشة وأنس بن مالك، ولمسلمٍ عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-: ((فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر)).

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور))

طالب:........

إيه، لا بد، أقول: الحديث واضح في استحباب تعجيل الإفطار؛ لكن لا يحمل مثل هذا النص على أن يفطر الناس قبل التحقق من غروب الشمس، كما أن قوله: ((وأخروا السحور)) لا يحملهم هذا على الاسترسال في الأكل بعد طلوع الصبح؛ لأن الفطر قبل غروب الشمس مبطل للصيام، والأكل بعد طلوع الصبح مبطل للصيام، يعني بعد تحقق غروب الشمس يبادر الناس بالفطور، وبعد تحقق طلوع الفجر يبادر الناس بالكف، وبعض الطوائف تنتظر في الفطور حتى تشتبك النجوم، بعض طوائف المبتدعة، وفي هذا مخالفة للسنة الصحيحة الصريحة، وإذا ارتفع الناس عن الخير، لا يزال الناس بخير، إذا ارتفع الخير ثبت الشر، الذي يفوته الخير ينعله الشر، والذي يفرط في السنة يقع في بدعة، فإذا أمات الناس السنة أحيت بدعة، والعكس، إذا ابتدع الناس شيئاً مات بقدره من السنة، واليهود والنصارى كانوا يؤخرون والرافضة يؤخرون الفطر حتى تشتبك النجوم، الخير في الاتباع، فتعجيل الفطر هو الخير؛ لأن فيه اتباع ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- كما أن تأخير السحور كذلك، ينتظر بعض الناس الفطر، ينتظرون غروب الشمس، وبعض الناس قد بدأ بالورد مثلاً، أذكار المساء، ويريد أن يكمل قبل فطره، نقول: لا يا أخي، لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر، مجرد ما تحقق غروب الشمس أفطر.

قضية حصلت ناس ينتظرون الفطور فقالوا لشابٍ من شبابهم: اخرج فاسمع الأذان وأخبرنا لأننا لا نسمع الأذان، ونحن داخل البيت،  في مجمع، خرج هذا الولد فأذن، أذن الولد فأفطروا؛ لأن الاعتماد على الصبيان مشكل، والصبي غير مكلف، ويعرف أنه لن يعاقب ولا يحاسب، ما عنده مشكلة، هل تتصورن أن بعض الصبيان لما دخلوا شقة في بلد من البلدان والشقة ملزق فيها علامة القبلة بادر واحد من البزران وعكسها كذا، وجلسوا شهر يصلون إلى غير القبلة، فلا يجوز الاعتماد على غير الثقات، فلا يقبل خبر مثل هذا أبداً، لأن هذه عبادة وبعض الناس يتساهل، يرسل طفل وإلا شيء يقول: اسمعوا أذن وإلا ما أذن؟ يلتبس عليه الأمر فيظنه أذن، أو ينتظر الأذان ثم يكون المذياع مفتوح وإلا شيء، يؤذن قبل يسمع أذن الكويت مثلاً وهم يؤذنون قبلنا بمدة فيفطر يسمع الأذان، لا، عليك أن تتحقق، لا يحملك مثل هذا الخبر على أن تتعجل قبل غروب الشمس، نعم تعجيل الفطر من السنة، ولا يزال الناس بخير ما عجلوا؛ لكن لا يحمل الإنسان الحرص على مثل هذا الخير أن يفطر قبل غروب الشمس، ولا أن يأكل بعد طلوع الفجر.

يقول: وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا فقد أفطر الصائم)) وهذا أيضاً كسابقه فيه دليل على استحباب تعجيل الفطر، شريطة أن يتأكد ويتحقق من غروب الشمس؛ لأن في روايةٍ عند البخاري: ((إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم)) يعني هل أفطر حقيقةً وإلا حكماً؟ أو هو خبر يراد به الأمر؟ يعني إذا أقبل الليل وأدبر النهار فليفطر الصائم، أفطر يعني دخل في الإفطار، كما تقول: أظلم وأنجد وأكثم وأمسى وأصبح، دخل، لكن هل نقول: أنه أفطر حكماً بناءً على هذا الخبر؟ إذا قلنا: أفطر حكماً ما صار هناك وصال، والناس كلهم تعجلوا، كلهم تعجلوا الفطر خلاص، ما دام أنهم مفطرون، مفطرون، أو أنه دخل في وقت الفطر الشرعي، فعليه أن يحقق هذا الحكم بالفعل.

طالب:........

إيه، بعض المؤذنين من باب الاحتياط يؤخر خمس دقائق، يقول: لا نأثم الناس ونتأكد، على كل حال المعتمد غروب الشمس، وينوب عنها المؤذن الثقة الذي يرقب الغروب، غروب الشمس، والتقويم معمول به، والمؤذنون يؤذنون عليه.

طيب ((إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا)) قصة أبي حنيفة -رحمه الله- ماداً رجله وهو في الدرس، ولا يقال: أن هذا سوء أدب؛ لأنه شيخ كبير يحتاج إلى مد الرجل، ماد رجله في الدرس فجاء شخص ذو هيبة وهيأة وشارةً حسنة وجلس بجانب الإمام ابتعد عنه الطلاب، الإمام يشرح هذا الحديث ((إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا)) قال: طيب إذا أقبل الليل ولم يدبر النهار؟ أبو حنيفة -رحمه الله- لما رأى هذا الرجل كف رجليه، تحمل المشقة؛ لكن لما قال الرجل هذا الكلام قال: الآن يمد أبو حنيفة، آن له أن يمد رجله؛ لأن المظاهر، مظاهر الناس لا تدل على المخابر، فمن لازم إقبال الليل إدبار النهار، يعني من جهة المشرق ظلمة، ومن جهة المغرب بقايا وضحضاح النور، يقبل هذا ويدبر هذا.

((فقد أفطر الصائم)) على كل حال هذه تقدر بقدرها؛ لأن بعض البلدان نهارهم قليل وليلهم طويل جداً وبعضهم بالعكس، الأمور تقدر بقدرها.

عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الوصال، الوصال: أن يقرن بين يومين لا يفطر بينهما، نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الوصال، قالوا: يا رسول الله إنك تواصل؟ فيه مراجعة للقدوة ليتأكدون هل المقصود حقيقة النهي؛ لأنه يخالف قوله فعله -عليه الصلاة والسلام-، قالوا: إنك تواصل؟ قال: ((إني لست مثلكم، إني أطعَم وأسقَى)) وفي روايةٍ: ((أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني)) (أطعَم وأسقَى) هل هذا الإطعام حقيقي أو معنوي؟ لأنه لو كان حقيقياً انتفى الوصال، ما صار في وصال لو كان يأكل حقيقة ويشرب؛ لكن معنوي كيف معنوي؟ غذاء معنوي؟ وهل للأمور المعنوية أثر في الأمور الحسية؟ ما في شك أن الله -جل وعلا- يفيض عليه من العلوم والمعارف ما يسد به حاجته، وهذا أمر مشاهد، تجد بعض الناس يقدم الطعام والشراب وليس له فيه حاجة؛ لأنه منهمك في عمل وإلا علم وإلا شيء ينفعه، ومع ذلك تجد مثل هذا من أقوى الناس من باب الإعانة الإلهية؛ لأنه لو كان طعاماً حقيقة لانقطع الوصال، وهو طعام معنوي، كما قال ابن القيم وغيره، يقولون: إن من له أدنى ذوق وتجربة بالعبادة أدرك شيء من هذا، الاستغراق في المناجاة، مناجاة الرب -جل وعلا-، والإقبال عليه غذاء للروح والبدن، كما أن بعض الأمراض تعالج بالعبادة، بعض الأمراض الحسية تعالج بالعبادة، وهي علاج معنوي، وإذا كانت الأمراض تشفى بالرقية، أمراض واقعة بالرقية والأمور المتوقعة الضارة تدفع بالدعاء فهذا منه، نوع منه، التجاء إلى الله -جل وعلا-، وانكسار بين يديه وتلذذ بمناجاته، هذا يغني عن الأكل والشرب؛ لكن ليس معنى هذا ما يتذرع به بعض الطوائف المنحرفة من أن الواحد منهم يجلس أربعين يوم ما يأكل ولا يشرب، أربعين يوم ما يأكل ولا يشرب، ثم بعد ذلك تفتح له الفتوح، ويتراءى له أشياء، ويخبر عن مغيبات، ويكون لديه من المكاشفات والتجليات ما ليس عند غيره.

والحافظ الذهبي -رحمه الله تعالى- في سير أعلام النبلاء ذكر عن بعضهم هذا الكلام، وقال: إن هذا هلوسة يعني من الجوع، يتوقع أن شيء رايح وشيء جاي وشيء.. وهو ضرب من الجنون؛ لأن الجوع يورث مثل هذا، فالإنسان إذا جاع جوعاً شديداً يتراءى له أناس غادون ورائحون وأشجار وأنهار، يخيل إليه، وهو ضرب من الهذيان والهلوسة، طيب ما يذكر من الإضراب عن الطعام أولاً: أم سعد بن أبي وقاص أضربت عن الطعام حتى يرتد سعد -رضي الله عنه-، وكان يُفتح فمها بعود –بعصا- ويصب فيه شيء من الطعام والشراب، وبعض المسلمين يطالبون بحقوقهم ولا يلتفت إليهم إلا بهذه الطريقة، كم دخلوا الآن يومهم إيش؟ في السجون الإسرائيلية كم؟ حوالي عشرين يوم؛ لكن هل هذه طريقة شرعية؟ يضربون عن الأكل والشرب؟ قد يقول قائل: أن واقعهم أسوأ من الجوع والعطش، الواقع الذي يعيشونه في السجون أسوأ من الجوع والعطش، وإذا كان هذا عرف عالمي، إذا أشرف الإنسان على الهلاك يخرج من السجن أو شيءٍ من هذا، هذه مسائل يعرفونها هم، ويقدرونها قدرها؛ لكن هو في الجملة وفي الأصل ليس بحلٍ شرعي؛ لأن هذه تهلكة خطر يموت؛ لكن بعضهم يقول: إذا لم يكن هناك وسيلة لاستخراج الحق إلا بواسطتها.

إذا لم يكن إلا الأسنّة مركباً

 

فما حيلة المضطر  إلا ركوبها

يقول: ما عندهم غير هذه الوسيلة، هم يعاملون معاملة سيئة جداً، والعرف العالمي مثلاً يتصورن هذا أو يتناقلونه أنه إذا حصل مثل هذا الإضراب يخفف عنهم، أو يخرج بعضهم أو يخرجون، أو ينظر في أمرهم والله المستعان، نسأل الله -جل وعلا- أن ينصر دينه، وأن يعلي كلمته، والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"