شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (158)
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحبًا بكم إلى حلقة جديدة ضمن برنامجكم" شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح".
مع مطلع حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.
حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
المقدم: أحسن الله إليكم، مازلنا في باب الغضب في المواعظ والتعليم إذا رأى ما يكره، في حديث أبي مسعود الأنصاري- رضي الله عنه-، أسلفتم الحديث عن شيء من ألفاظ الحديث، توقفنا عند قول النبي- صلى الله عليه وسلم- في الخطبة: «أيها الناس إنكم منفرون، فمن صلى بالناس فليخفف؛ فإن فيهم المريض والضعيف وذا الحاجة» وذكرتم أقوال أهل العلم.
في أن هذا الحديث يخص أُبَي، وأن قوله: «أفتان أنت يا معاذ» في قصة أخرى، لماذا خص معاذًا بالموعظة
في قوله: «أفتان أنت يا معاذ»، بينما لأبي - رضي الله عنه- عمم، فخطب الناس جميعًا، ولم يقل لأبي كما قال لمعاذ؟
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
في آخر الكلام في الحلقة السابقة ذكرنا كلام الحافظ ابن حجر في حديث معاذ، في قوله: «أفتان أنت» قال: يحتمل أن تكون قصة أُبي هذه بعد قصة معاذ، فلهذا أتى بصيغة الجمع، وفي قصة معاذ واجهه وحده بالخطاب، وكذا ذكر في هذا الغضب، ولم يذكره في قصة معاذ إيش مقتضى كون هذه القصة بعد قصة معاذ؟
المقدم: بعدها.
على كلامه، على كلام الحافظ، قصة أبي بعد قصة معاذ.
المقدم: للغضب. الموعظة والغضب.
الغضب نعم، قد يقتضي أن يكون هناك تنبيه سابق.
المقدم: فلماذا لم يمتثل؟
ولم يمتثل.. هذا من وجه، لما وجِّه معاذ وحده ولم يمتثل غيره باعتبار أنه قد يخفى عليه مثل هذا التوجيه عمم النبي- صلى الله عليه وسلم- وخطب، لكن من وجه آخر أبديناه فيما سبق أن الاحتمال قائم أن تكون قصة أُبي...
المقدم: قبل.
قبل قصة معاذ؛ وأنَّ معاذًا سمع التنبيه والخطبة.
المقدم: ولم يمتثل.
ومع ذلك قاده الحرص على الخير؛ لأنَّ بعض الناس يعرف النص الذي يقتضي التخفيف، ومع ذلك حرصه على الخير قد يطلب المزيد، يعني مثل قصة عبد الله بن عمرو في القرآن، وفي الصيام.
المقدم: عبد الله بن عمرو.
عبد الله بن عمرو بن العاص.
المقدم: نعم.
لما قال له النبي -عليه الصلاة والسلام- في النهاية لما قال: «اقرأ القرآن في شهر» قال: إني أطيق أكثر من ذلك، في الشهر مرتين ثلاث إلى أن قال: «اقرأ القرآن في سبع ولا تزد»، وزاد مع أنه نهي؛ «لا تزد».
المقدم: وفي الأخير قال: ليتني انتهيت.
نعم، لكن ما الدافع إلى ذلك؟
المقدم: الحرص.
الحرص، وما الذي دفع معاذًا على هذا الاحتمال أن يزيد بعد سماع الخطبة؟
المقدم: يعني الحرص دافع الحرص.
على احتمال إيش؟ أنَّ قصة معاذ متقدمة أم متأخرة؟
المقدم: الآن نتكلم عن..
على كلام ابن حجر قصة أُبَي بعد قصة معاذ.
المقدم: نعم.
هذا احتمال أبداه الحافظ ابن حجر، والذي قلته في حلقة مضت أنَّ الاحتمال أن قصة معاذ بعد قصة أُبي، وأنَّ النبي- عليه الصلاة والسلام- لمَّا خطب الناس وبيَّن لهم هذا الحكم نقل إليه، أو نمى إليه أن معاذًا أطال، نعم؛ فلذلك واجهه بالكلام: «أفتان أنت يا معاذ»، وليس من عادته أن يواجه أحد بما يكره، إنما عادته: «أيها الناس إن منكم منفرين» أو «إنَّكم منفرون»، أو «ما بال أقوام يفعلون كذا»، نعم، فهما احتمالان.
في شرح الكرماني والعيني أيضًا قالا: كان المقتضى أن يخاطب المطول يعني في قصة أبي كما خوطب..
المقدم: في قصة معاذ.
نعم، أن يُخاطب المطول، لماذا يُقال.. لماذا يقال: أيها الناس؟
المقدم: هذا هو السؤال الذي طرحته الآن.
نعم.
المقدم: نعم.
وهو أورده الكرماني ونقله عنه العيني، يعني العيني أحيانًا ينقل كلامًا بحروفه من الكرماني ولا يعزوه، ولذا نقول: إن الكرماني استفاد منه جميع الشراح الذين جاؤوا بعده، وأحيانًا يعزون وأحيانا لا يعزون، وإذا عزو فالغالب إنَّه من أجل أيش؟ التعقب، ولا شك أن شرح الكرماني كما أشرنا مرارًا فيه أوهام، لكن أيضًا سبقه وفضله على من جاء بعده لا ينكر.
يقول الكرماني، ويتبعه العيني: كان المقتضى أن يُخاطب المطول، قلتُ: إنما خاطب الكل.
المقدم: المقتضي كده يا شيخ أو المقتضى؟
يعني المطلوب مقتضى، أن يخاطب المطول، قلتُ: إنما خاطب الكل ولم يُعين المطول كرمًا ولطفًا عليه، وكانت هذه عادته، حيث ما كان يخصص العتاب والتأديب بمن يستحقه، حتى لا يحصل له الخجل ونحوه على رؤوس الأشهاد. انتهى كلامهما، يعني هذا جارٍ وماشٍ على نسق حديث الباب، لكن ماذا عن حديث معاذ؟ يمشي عليه هذا الكلام؟ إجابتهم على هذا السؤال تمشي على حديث معاذ؟
المقدم: لا، ما تمشي.
ما تمشي، قلتُ: هذا الأسلوب يستعمل في الخطب والمجامع، التعميم يستعمل في الخطب والمجامع، لكن مع التفرد إذا وجد مخالف، أنا أعرف أن زيدًا من الناس مخالف، والإمام أو العالم أو القاضي أو المفتي عرف أنَّ فلانًا قضى بقضية، أو حكم بحكم مثلاً، أو أفتى بمسألة تخالف الدليل، يستدعيه ويناقشه بينه وبينه، هل يقول: ما بال أقوام؟ أو يقول: أنت قلت كذا؟
المقدم: يخصصه.
يخصصه في حال التفرد، أما في حال الخطب والمجامع.
المقدم: ما يخصص.
ما يخصص، ما يقال على المنبر أنت يا فلان فعلت كذا.
المقدم: صحيح.
نعم، قلتُ: هذا الأسلوب يستعمل في الخطب والمجامع، أما مع التفرد فلا مانع من المواجهة بالكلام كمواجهة معاذ- رضي الله تعالى عنه-، هذا مع تحقق المصلحة وانتفاء المفسدة بالمواجهة، أمَّا إذا خشي مفسدة من المواجهة ولو مع الخلوة؛ لأن بعض الناس.
المقدم: حساس.
لا يطيق الانتقاد، لا شك أن هذا خلل في القصد وكذا، لكن ينبغي أن نعامل الناس على الظاهر، ثم بعد ذلك إذا وجد أنَّ من المصلحة أن فلانًا من الناس عنده من الحساسية ما لا يستطيع معها المواجهة أيضًا التلميح يكفي عن التصريح حتى في حال الخلوة. أقول: وأمَّا إذا خشي مفسدة من المواجهة ولو مع الخلوة فالأفضل عدم التصريح إلا مع المعاندة، معاندة، إذا كان حساسًا ولا يرغب بالمواجهة ولو في الخلوة ثم عاند، مع المعاندة أو أيضًا مع بطء الفهم، فبعض الناس وأنت تحدثه عن خطأ يقع فيه من غير تصريح يخرج من عندك أو ينفض المجلس ما فهم ما المقصود.
مثل هذا يصرح له؛ لأن القصد أن هذا خلل أو خطأ لا بد أن يرتفع بأي وسيلة، إن كان التعميم يكفي هذا الأسلوب النبوي، وإن كان لا يكفي وخشي مفسدة أيضًا يعمم، أو يلمح له، أمَّا إذا لم يفهم بعد هذا كله لا بد من التصريح، وقد أُمن هذا كله بالنسبة لمعاذ، هل معاذ سوف يحمل على النبي- صلى الله عليه وسلم- لمَّا قال له: « أفتان أنت يا معاذ»؟ أبدًا.
قوله: «فمن صلى بالناس» من شرطية، وقوله: «فليخفف» جوابها فلذلك دخلت الفاء، وفي رواية إيش؟ «فأيكم ما صلى» ما زائدة، ووقع في رواية سفيان: «فمن أم الناس». يعني متلبسًا بالإمامة بهم «فليخفف»، اللام لام الأمر.
المقدم: الأمر.
قال ابن دقيق العيد: التطويل والتخفيف من الأمور الإضافية. فقد يكون الشيء خفيفًا بالنسبة إلى عادة قوم طويلًا بالنسبة لعادة آخرين، فهذا شيء ملموس.
المقدم: صحيح.
ومحسوس، فهو أمر نسبي، قال: وقول الفقهاء: لا يزيد الإمام في الركوع والسجود على ثلاث تسبيحات لا يخالف ما ورد عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه كان يزيد على ذلك لماذا؟ لأنَّ رغبة الصحابة في الخير تقتضي ألا يكون ذلك طويلًا.
هو طويل بالنسبة لكثير من الناس لاسيما في عصرنا هذا، يقول ابن حجر: وأولى ما أخذ حَدّ التخفيف من الحديث الذي أخرجه أبو داوود والنسائي عن عثمان بن أبي العاص أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال له: «أنت إمام قومك واقدر القوم بأضعفهم»، إسناده حسن، وأصله في مسلم، يعني ينظر إلى أضعف القوم.
المقدم: أضعف القوم، كم يطيق ويقيس عليه؟
نعم، لكن هل المنظور إليه الضعف البدني أم الأمر مرتبط بالقلوب وتعلقها بالله -جل وعلا-؟
المقدم: الأصل البدني يا شيخ؟
الضعيف.
المقدم: بالبدن.
والمريض وذو الحاجة كله نظر للبدن، لكن إذا وجد قوي البنية مثلًا.
المقدم: لكنه ضعيف التعلق بالله.
نعم، مثل هذا أدنى تخفيف يعتبره.
المقدم: تطويلًا.
تطويلًا، فمثل هذا يراعى؟
المقدم: لا لا.
يعني إذا رأينا مجموعة مثلاً من الشباب عندهم قوة يستطيعون الوقوف ساعة كاملة، ونعرف أنَّ مثل هذا ينفرهم، ليس فيهم ضعيف ولا مريض ولا ذو حاجة نراعيهم أو ما نراعيهم؟ أقول: مر بنا مرارًا أن الذي يقف بين يدي الله -جل وعلا- هو القلب وليس البدن، وذكرنا قصة شخص مرارًا جاز المائة ويقف معتمدًا أعرفه هنا، وكان وراء إمام في صلاة التهجد يقرأ في التسليمة جزءًا كاملاً.
المقدم: الله أكبر.
نعم، وليس صوته بالمشجع.
المقدم: الله المستعان.
نعم، ومع ذلك خفف الإمام في التسليمة الأخيرة؛ لأنَّه سمع مؤذنًا والعادة أنَّه أُذن الأذان الأول يكون دليلًا على أنَّ الصلاة قد انتهت، فخفف هذا الإمام.
المقدم: فغضب..
في التسليمة الأخيرة، فهذا الشيخ الكبير الذي جاوز المائة غضب عليه غضبًا شديدًا، وقال يوم جاء وقت اللزوم، وهذا قد جاوز المائة ويعتمد على عصا، واقف، فالذي يتعامل مع الله هو القلب، ولذا النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول: «أرحنا يا بلال بالصلاة»، حال كثير من الناس الآن يريدون أن يرتاحوا من الصلاة والله المستعان، «فإن فيهم» الفاء تصلح للتعليل، وفي رواية سفيان: «فإن خلفه المريض» منصوب اسم إنَّ وما بعده عطف عليه، وخبرها قوله: «فيهم» مقدمًا، والمريض: الذي يشق عليه الإطالة، ومثله الضعيف الخلقة، وذو الحاجة، وفي رواية القابسي: «وذو الحاجة» بدل: «وذا الحاجة». هل عندك في المتن؟
المقدم: «ذا الحاجة».
لا.
المقدم: نعم.
لأنه معطوف.
المقدم: معطوف على منصوب.
على منصوب.
المقدم: اسم إنَّ.
فهو منصوب، فيه في رواية القابسي: «ذو الحاجة» بالرفع قالوا: ووجه أن يكون معطوفًا على محل اسم إن. وهو رفع مع الخلاف فيه، متى يجوز العطف على محل اسم إن؟ ومتى لا يجوز؟
المقدم: نجتهد يا شيخ؟
اجتهد، مادام الجواب ب "لعل" ما فيه إشكال.
المقدم: لعل.
الصحابة، قال النبي- عليه الصلاة والسلام- في حديث السبعين ألفًا، قالوا: لعلهم كذا، لعلهم كذا، لعلهم كذا، وما أصابوا في توقعاتهم ولا ثرب عليهم، فالإتيان بـ"لعل" يرفع الإشكال.
المقدم: هو يعطف كما نذكر على محلها للتخصيص إذا كان هذا يحتاج التخصيص، أو إذا كان مغايرًا.
جواز العطف على المحل إذا استكملت إنّ، استكملت الجملة بمعنى أنَّ المبتدأ والخبر وجد، انتهت.
المقدم: يعني مثل قوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ}[سورة البقرة:62].
إذا استكملت فأين الخبر؟
المقدم: {مَنْ آمَنَ}؟
أنا أقول: إذا استكملت يجوز أن ترفع عطفًا على محل اسم إن، أو على الاستئناف كما يقول بعضهم، أمَّا إذا لم تستكمل قلت: (إن زيدًا وعمروٌ قائمان) ما تجيء.
المقدم: ما تصلح.
لكن إن قلت: (إن زيدًا قائمٌ وعمروٌ) لا بأس؛ لأنها استكملت.
وجائز رفعك معطوفًا على معمول إن بعد أن تستكملَ
فإذا استكمل جاز ذلك، قال ابن حجر: وتوجيهه أنه عطف على موضع اسم إنّ قبل دخولها، أو هو استئناف، وتعقبه العيني بقوله: قلتُ: لا يصح أن يكون استئنافًا؛ لأنه في الحقيقة جواب سؤال، وليس هذا محله، ويجوز أن يكون مبتدأ محذوف الخبر، وتكون الجملة معطوفة على الجملة الأولى، والتقدير: وذو الحاجة كذلك، واضح التعقب؟
المقدم: نعم.
يقول ابن حجر في الانتقاض: قلت: هو دفع بالصدر -يعني مصادرة للكلام، مسح-، هو دفع بالصدر وقد سلم أنه يجوز أن يكون مبتدأً خبره محذوف، والتقدير: وذو الحاجة كذلك، وهو توجيه الاستئناف، إذا قلنا: إن الواو استئنافية نحن عطفنا جملة على جملة، عطفنا جملة على جملة وليس بعطف مفردات، وعلى هذا إذا رفعنا قلنا: وذو الحاجة كذلك صارت جملة مستقلة، وهو الذي قرره ابن حجر فلا خلاف بينهما. وهو توجيه الاستئناف الذي دفعه.
يقول الكرماني: ذكر هذه الثلاثة المريض والضعيف وذي الحاجة، ذكر هذه الثلاثة؛ لأنه متناول لجميع الأنواع المقتضية للتخفيف، فإن المقتضي له إما في نفسه، أو لا، والأول: يعني في نفسه إما بحسب ذاته وهو الضعيف، أو بحسب العارض.
المقدم: المريض.
المريض.
المقدم: والخارج عنه ذو الحاجة.
ذو الحاجة، يقول: ذكر هذه الثلاثة؛ لأنَّه متناول لجميع الأنواع المقتضية للتخفيف، فإنَّ المقتضي له إمَّا في نفسه أو لا، والأول إمَّا بحسب ذاته وهو الضعف، أو بحسب العارض، وهو المرض، يعني والأمر الخارج عن النفس وهو ماذا؟
المقدم: ذو الحاجة.
ذو الحاجة، لكن ماذا عن صاحب الغفلة؟ ليس بضعيف ولا مريض ولا ذي حاجة؟
المقدم: لكن التطويل يشق عليه؟
يشق عليه، نقول: هذا باعث نفسي وليس خارجي، يعني القسمة التي حصر فيها الكرماني.
المقدم: طيب ما يدخل في المريض يا شيخ؛ يعني هذا مرض في قلبه؟
لكن الظاهر من المقصود من الحديث أنَّه المرض الحسي، يعني لا يستطيع معه القيام أو يشق عليه مشقة كبيرة، على كل حال مثل هذه الأمور مقتضية، الأجوبة للنبي -عليه الصلاة والسلام- أو توجيهاته -عليه الصلاة والسلام- للأئمة تقتضي أن يراعى نفس التوجيه ولو لم يجد الثلاثة. هل لإمام مثلًا الآن نظر في المأمومين فما وجد فيهم لا ضعيفًا ولا مريضًا ولا ذا حاجة، يريد أن يطول انتفت العلة، والحكم يدور مع علته.
المقدم: وجودًا وعدمًا.
نعم، عموم قوله- عليه الصلاة والسلام-: «أيكم أمّ الناس فليخفف».
المقدم: هذا جزء.
نعم، لا، هذه قاعدة عامة تكون هي الأصل.
المقدم: طيب، قصدي أن يكون..
وإن كان الدافع لها الضعيف والمريض وذا الحاجة؛ لأن الحكم قد يشرع لعلة، الآن هذا الكلام شرع من أجل هذه الشكاوى، قد يشرع لعلة ولكن ترتفع العلة ويبقى الحكم.
الأخ الحاضر:....
قلنا الرمل في الطواف، شرع لعلة وهي قول المشركين يأتي محمد وأصحابه إلى آخره، الآن ما فيه أحد يقوله، هل نلغي الرمل؟ لا، مثله أيضًا قصر الصلاة في السفر الأصل فيه أنه مشترط فيه الخوف.
المقدم: إن خفتم.
إن خفتم، ومع ذلك ارتفع الخوف وبقي الحكم. هنا قد يرتفع من يشتكي ومع ذلك «أيكم أم الناس فليخفف، إن منكم منفرين»، فلابد من تحبيب الناس في الصلاة، يبقى هنا قضية تتباين فيها الأنظار وتظهر كثيرًا في صلاة التراويح، تجد مثلاً أناسًا لو طول الأئمة ما صلوا صلاة التراويح، إذا خففوا صلوا، تجد شخصًا يقصد هذا الأمر يقول: نجمع هؤلاء..
المقدم: في مسجد معين.
لا، نقول: بصنيعه، ما يقول اجتمعوا ولا احضروا، ولا ينبه عليهم، لا بصنيعه يجتمعون، يقول: أنا هدفي أن يجتمع هؤلاء؛ لأنني أخفف، لكن لو طولت ما جاؤوا، وبالفعل يعني تجد بعض المساجد.
المقدم: كمساجدنا هذه.
تكتظ بأناس حقيقة تفرح أنك تراهم بالمساجد.
المقدم: جاؤوا من أجل هذا التخفيف.
نعم، هل هذا يكون مقصدًا لجمع الناس؟ على كل حال ما جاءت به الأحاديث تجب مراعاته، يعني التخفيف بحدود المحافظة على..
المقدم: السنن.
الشروط والأركان والواجبات وسنن الصلاة، ويبقى أنَّ ما زاد على ذلك إذا أراده أناس وقصد بعض الناس أن يطول من أجل بعض من عنده رغبة في الخير واجتمعوا عنده أيضًا هذا هدف في السنن.
المقدم: طيب شيخنا أحسن الله إليك، في الحديث عن التخفيف هنا، أين التخفيف ماذا يطال، هل يطال القراءة فقط أم يطال الركوع والسجود والجلوس؟
ستأتي إشارة إليها الآن.
المقدم: طيب.
وقال العيني: الفرق بين الضعف والمرض؛ أن الضعف أعم من المرض، فالمرض ضد الصحة يقال: مرض يمرض مرضًا فهو مريض ومارض، ويقال: المرْض بالإسكان مرض القلب خاصة. مرض القلب خاصة، وإذا أدخلنا مرض القلب في المرض العام قلنا تجب مراعاة هؤلاء، قال الصاغاني: وأصل المرض الضعف، وكل من ضعف فقد مرض، وقال ابن الأعرابي: أصل المرض النقصان، يقال: بدن مريض أي ناقص القوة، وقلب مريض أي ناقص الدين. والضعف خلاف القوة، وقد ضَعُفَ وضَعَفَ الفتح عن يونس، فهو ضعيف وقوم ضعاف وضعفة، وفرّق بعضهم بين الضَّعف والضُّعف؛ فقال بعضهم: الضَّعف بالفتح في العقل والرأي، والضُّعف بالضم في الجسد.
يقول النووي في شرح مسلم: معنى الحديث الأمر للإمام بتخفيف الصلاة بحيث لا يخل بسننها ومقاصدها، وأنه إذا صلى لنفسه طوَّل ما شاء، وتقدم أن الطول والقصر من الأمور النسبية الإضافية فقد صلى النبي- عليه الصلاة والسلام- في المغرب بسورة الطور، هذا تخفيف أو تطويل؟
أحد الحضور: تطويل.
المقدم: المغرب.
فهل يقول النبي: « فليخفف» ويخالف؟
أحد الحضور: لا يُمكن.
إذًا داخل في التخفيف. وصلى في فجر الجمعة ب ألم السجدة وسورة الإنسان، وفي صلاة الجمعة بالجمعة والمنافقين، وقرأ في المغرب بسورة الأعراف لكن هذا نادر، وغير ذلك مما يدل على التحين ومراعاة حال المأمومين، بعضهم أراد تطبيق هذه السنة قراءة سورة الأعراف في المغرب فاضطر ألا يصلي خلفه مريض أو ضعيف أو ذو حاجة فكتب إعلانًا في المسجد أنه في يوم كذا أريد أن أصلي في المغرب بسورة الأعراف، فالنبي- عليه الصلاة والسلام- هل تقدم أن أخبرهم بأنَّه سوف يصلي أو لم يتقدم، المقصود أن هذه أمور لابد من مراعاة حال المأموم، ولابد من ملاحظة تطبيق السنن؛ فالإمام عليه أن يسدد ويقارب ويجمع بين هذه الأمور.
وليس في الحديث حجة للنقّارين، «أيكم أم الناس فليخفف» ليس فيه حجة للنقارين، الذي قال: «أيكم أم الناس فليخفف» هو الذي قرأ سورة الطور في المغرب، هو الذي قرأ بـ ألم السجدة وسورة الإنسان في صلاة الفجر، وقرأ بسورة المؤمنون، وقرأ بيوسف، المقصود أنه ليس فيه حجة للنقارين كما نقل ذلك الشيخ فيصل بن مبارك عن الشيخ سعد بن عتيق رحم الله الجميع؛ لأنه وجد في بعض العصور من ينقر الصلاة، وأدركنا من يصلي صلاة غير مجزئة في صلاة التراويح، يعني كان يصلي عشرين ركعة في مدة يسيرة جدًّا، لا، القراءة الطويلة يقرأ في العشرين جزءًا كاملًا، لكن مع ذلك ينقر الصلاة نقرًا، ويخرج مع أول الناس، ومما يؤسف له تلاعب بعض الأئمة بهذه الشعيرة لا سيما في صلاة التراويح، والهدف من ذلك أن يقال: إن فلان أول من يخرج، أول من ينتهي من الصلاة؛ هل هذا هدف شرعي؟
المقدم: أبدًا.
يتلاعبون بهذه الشعيرة ليقال: إن فلانًا أول من ينتهي من الصلاة في بلد كذا، حتى سُئلنا سؤالًا في غاية الغرابة في هذه السنة، جاء سؤال، السائل يسأل عن آية الدين.
المقدم: آية طويلة هذه.
هل يجوز قسمها بين ركعتين؟
المقدم: لا حول ولا قوة إلا بالله.
المقدم: إمام مسجد.
إمام مسجد يسأل هل يجوز؛ لأنه عوَّد المأمومين على قراءة آيتين ثلاث.
المقدم: بالأسطر يقيس، سطرين ثلاثة ويقف.
نعم، لا شك أن هذا تلاعب، والمصطفى- عليه الصلاة والسلام- قام حتى تفطرت قدماه، وقال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا»، وبمثل هذا يتم الشكر العملي، وبه تستقر النعم وتزداد، وثبت عنه- عليه الصلاة والسلام- أنه قال: «أرحنا يا بلال بالصلاة»، ولسان حال بعض الناس: يقول أرحنا...
المقدم: من الصلاة.
نعم، وكثيرًا ما نسمع الجدال الطويل في المساجد في بيوت الله؛ بسبب زيادة آية أو آيتين في الصلاة. والله المستعان، إذا سلم الإمام قال له: أنت طولت، أنت قصرت، أنت فعلت، يحصل جدال وترتفع الأصوات من أجل زيادة آية، لا شك أن هذه الشعيرة وبيوت الله محترمة، ينبغي أن تُصان عن مثل هذا التلاعب.
المقدم: أحسن الله إليكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم لكل خير، لعلنا نكتفي بهذا، على أن نستكمل بإذن الله في الحلقة القادمة.
أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام حلقتنا من برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.
لقاؤنا يتجدد بكم، بإذن الله، في حلقة قادمة، وأنتم على خير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.