شرح مختصر الخرقي - كتاب الطهارة (24)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "ويمسح على ظاهر القدم، فإن مسح أسفله دون أعلاه لم يجزه، والرجل والمرأة في ذلك سواء" يمسح على ظاهر القدم دون أسفله، ودون جوانبه، وفي الأثر المروي عن علي -رضي الله عنه-: "لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه" وهو عند أبي داود بسند حسن، جيد، حسن سنده، ثم يقول: "وقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح أعلى الخف، فالمسح للخف من أعلاه من الأصابع إلى أن يتجاوز الكعبين، إلى أن يشرع في الساق، ولا يستوعب أيضاً الأعلى بالمسح، وإنما يمسح بأصابعه خطوطاً، وليس المراد بهذا المسح التنظيف؛ لأن المسح مبناه على التخفيف، نعم قد يزيل هذا المسح يزيل الغبار اللاحق بظهر الخف ليظهر الخف مظهراً مناسباً بين الناس من غير غبار، وأما أسفله الذي يباشر الأرض، يباشر القاذورات فإنه لو مسح لانتشرت النجاسة، وليس بغسل يزيلها، ينتشر القذر الذي فيها، وأما النجاسة لا بد من إزالتها، لكن القذر الذي وطء به وباشر به الأرض لا يمسح بالماء؛ لأنه ينتشر ويزيد، أما بالنسبة لأعلاه فإنه يصيبه من الغبار ما يصيبه فيزيله بالمسح، ولذا قوله -رضي الله عنه-: "لو كان الدين بالرأي" يعني بالرأي المجرد الذي لا يستند إلى دليل، هذا الرأي المجرد الذي لا يستند إلى دليل لا عبرة به، ولا دخل له في الدين، والدين دين نص واتباع، ليس بدين آراء واجتهادات مجردة، واحتمالات عقلية مجردة، ابن حجر وغيره نصوا على أن الاحتمالات العقلية التي لا تؤيد بالدليل لا قيمة لها، نعم إذا خلت المسألة من الدليل ينظر فيها بالأقيسة والاجتهادات، وهل معنى هذا أن الدين يلغي العقل؟ لا، الدين لا يلغي العقل، بل لا بد أن يكون العقل تابعاً للنص، والنص يحكم على العقل ولا عكس، ولا شك أن العقل السليم الصريح هو موافق موافقة تامة للنقل الصحيح، وشيخ الإسلام له كتاب عظيم في هذا الباب، موافقة صريح العقل للنقل، فلا تعارض بين عقل صريح باقٍ على فطرته مع نقل صحيح، نعم قد يوجد التعارض في الظاهر وجوداً نسبياً عند بعض الناس دون بعض، ومثل هذا يزول بالبحث وبسؤال الأعلم ينتهي، ولا يوجد تعارض بين نصين أو بين نص ورأي صريح، سليم، باقٍ على الفطرة، أما الوجود عند آحاد الناس فإن هذا وجود نسبي يزول بالبحث، والأصل في المسألة النقل، وكونه يبحث عن علل وحكم هذا شيء طيب، لكن يبقى أنه إذا لم يوقف على العلة، أو كان الظاهر من العلة العكس، عكس ما جاء به الدليل، فإن مثل هذا لا أثر له، العبرة بالنص، قول علي -رضي الله عنه-: "لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى من المسح من أعلاه" يعني الرأي المجرد؛ لأن الإنسان في بادئ الأمر يظن أن المسح للأسفل الذي يباشر الأرض، وعرفنا أن المسح لا يزيل الأثر والأذى الذي لحق بالخف بسبب مباشرته الأرض، وما دام الأمر كذلك فإنه يكتفى بالظاهر، والأصل في المسألة الاتباع، وقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح أعلى الخف، هذا الأصل، وذكرنا أن الرأي لا يتعارض مع النص، كتاب شيخ الإسلام يعني لو أن بارعاً تصدى لاختصاره، وحذف منه الاستطرادات التي لا يفهمها كثير من أهل العلم، كثير من أهل العلم لا يفهمونها فضلاً عن المتعلمين، يعني أحياناً يمر أكثر من مائة صفحة كأنها طلاسم لقصور القارئ، ليس لخلل في الكلام، لا، ذكرت أنا في مناسبات أن في المجلد الأول من الرد على ابن مطهر في منهاج السنة ما يقرب من ثلاثمائة صفحة كلها لو تلغى من الكتاب ما صار فيه أثر لآحاد المتعلمين الذين لا يستفيدون من مثل هذا الكلام، والمجلد السادس فيه أيضاً أكثر من ثلاثمائة صفحة، أكثر من نصفه، فلا لخلل في كلام شيخ الإسلام، لا، إنما لقصور في كثير من المتعلمين، بالفعل أنا قرأت منهاج السنة في هذين الموضعين ما تفهم شيئا، لماذا؟ لأن المقدمات اللازمة لفهم مثل هذا الكلام ما نعتني بها، نصرف الهمة لما هو أولى منها، المقدمات التي تعيننا على فهم هذا الكلام ما نعتني بها، ولا نهتم بها، ولذا بعض العلماء يطلبون من طلاب العلم النظر في علم الكلام، وفي المنطق لفهم مثل هذا الكلام من شيخ الإسلام، وشيخ الإسلام -رحمه الله- يقول: إن مثل هذا العلم كلحم جمل غث على رأس جبل، وقال في موضع آخر: لا يستفيد منه الغبي، ولا يحتاج إليه الذكي، يعني بإمكانه أن يفهم النصوص من غير هذا العلم، وهو علم كَل، غث بلا شك، لكن من أراد أن يتصدى للردود على الطوائف المخالفة، وأمن عليه من أن يفتتن ببعض الأقوال مثل هذا يقرأ، وإلا فالنووي وابن الصلاح حرّما النظر في علم الكلام وفي المنطق، ومن أهل العلم من يرى أنه لا بد من قراءته ليتصدى للرد على المخالفين، فدرء تعارض العقل والنقل يعني لو يقتطف منه من الكلام الواضح من كلام شيخ الإسلام ما يجعل في مجلد لطيف انتفع الناس به انتفاعاً عظيماً، بحيث لا يجعل طالب العلم يقتحم غمرات هذا الكتاب العظيم، ولا يمكن أن يستغنى عنه بحال من الأحوال، ابن القيم يقول:

واقرأ كتاب العقل والنقل الذي  ج

 

ما في الوجود له نظير ثاني

 

ج

لكن تجعل طالب العلم يقرأ مثل هذا الكتاب مشكلة، دون تنقيح، وبدون حذف ما لا يفهم منه هذا لا شك أنه يحدث ردة فعل عند بعض طلاب العلم بحيث يترك القراءة بالكلية، فإذا سمع ابن القيم يثني على هذا الكتاب العظيم بادر إلى اقتنائه وقراءته، ثم لا يلبث أن يقرأ فيه يوما أو يومين ثم ينصرف........

العلل للدارقطني ذهب طالب العلم إلى هذا الكتاب، ثم بعد ذلك ما فهم منه شيئا، فيترك القراءة، لا، طالب العلم عليه أن يبدأ بالأسهل فالأسهل، يعني يترقى، يعني ما يصل السطح ثم يبدأ ينزل، لا، العكس من درجة إلى درجة من درجات السلم حتى يصل إلى المنتهى إلى السطح، أيضاً شيخ الإسلام من كتبه العظيمة وقد تم طبعه -ولله الحمد-ومحقق في ثمانية مجلدات الرد على التأسيس للرازي، تأسيس التقديس، الذي يقول فيه ابن القيم:

وكذلك التأسيس أصبح نقضه
ومن العجيب أنه بسـلاحهم  
ج

 

أعجوبة للعالم الرباني
أرداهم نحو الحضيض الداني

ج

ج

هذه الكتب يقرأها طالب العلم، لكن الطالب الذي قرأ قبلها من كتب شيخ الإسلام، وعرف أسلوب شيخ الإسلام، وصار يميز بين الكلام الذي يمكن فهمه والذي لا يمكن فهمه.

يقول المؤلف -رحمه الله-: "فإن مسح أسفله دون أعلاه لم يجزه" أوجب بعضهم أن يمسح الأسفل مع الأعلى، وأن يعمم الخف بالمسح كالرجل كتعميم الرجل بالغسل، وتعميم الرأس بالمسح، لكن الراجح أنه لا يلزم غسل الأسفل بل ولا يستحب، وإنما اللازم غسل ظاهر القدم "إن مسح أسفله دون أعلاه لم يجزه" لأن المطلوب غسل الأعلى دون الأسفل "والرجل والمرأة في ذلك سواء" فتمسح المرأة كالرجل على الخف يوما وليلة، كما أنها أيضاً تمسح على الخمار المحنك الذي يشق نزعه كالعمامة، يمسح على ما يشق نزعه، لكن كل فيما يخصه، هنا يقول في الخف: "الرجل والمرأة في ذلك سواء" لأن كلا منهما محتاج إلى الخف، لكن لو لبست المرأة عمامة أو لبس الرجل خماراً يمسح أو ما يمسح؟ ما يمسح؛ لأن هذا تشبه محرم، فلا تمسح المرأة على العمامة ولا يمسح الرجل على الخمار؛ لأنه في النهاية قال: "والرجل والمرأة في ذلك سواء" قد يقول قائل: إن هذا يشمل الممسوحات، نعم تمسح المرأة على الجبيرة، يمسح الرجل على الجبيرة للحاجة إليهما، والرجل يمسح على الخف، والمرأة تمسح على الخف للحاجة الداعية في الطرفين، أما في حال المخالفة فلا ؛ لأن هذا تشبه، ويجرنا هذا الكلام إلى ما قاله بعض أهل العلم في تحريم لبس المرأة العباءة على الكتفين؛ لأنه تشبه بالرجل؛ لأن لبس الرجل على الكتفين، نعم، يلبسون المشالح على الأكتاف، فهل يقال بمثل هذا فيما إذا لبس الرجل عباءته على الرأس؟ نقول: هذا تشبه بالنساء فيحرم؟

الطالب:.......

لأن المرأة تقول: ما دام أنا أصلي بالعباءة على الكتف، ولا أبرز لها للرجال، والرأس مغطى بالخمار والعباءة على الكتف؛ لأنه يتعبها لبس العباءة على الرأس، نقول: هذا تشبه، ولا شك أن مثل هذا الكلام يقال من باب الاحتياط، وسد الذريعة؛ لئلا تخرج بها بين الناس بهذه الحال، لكن إذا احتاج الرجل في البرد الشديد أن يضع بشته على رأسه، هل نقول: إن هذا تشبه بالمرأة فيمنع أو نقول: إن الرجل له هذا وهذا والمرأة ليس لها هذا؟ ينبغي إذا قلنا: إن تشبه المرأة بالرجال حرام، إذاً نقول: تشبه الرجل بالنساء حرام مثله؟ فهل يطرد هذا أو لا؟

الطالب:.......

هل يكفي في مخالفة النساء بالنسبة للرجل أن تكون مادة الملبوس غير مناسبة للنساء؟

نفس الشيء يعني إذا عكسناها انعكست، يقول القائل: إن لبس المرأة لمادة مخالفة لما يلبسه الرجال يكفي في المخالفة.

الطالب:.......

هذا قدر زائد؛ لأنه قد تقول: أنا ألبسها على الكتف، واسعة وفضفاضة ليس فيها إشكال؛ لأنها تمنع لوجوه، منها هذا الوجه، ولا بد من هذا الوجه في بعض الحالات، وإذا قلنا بمثل هذا نمنع الرجل من لبس عباءته على الرأس لعدم التشبه بالنساء، ولو أجزناه فتحنا بابا لمن يقول: لماذا يمنع في النساء دون الرجال؟ فإذا كان هذا من خصائص الرجال فالثاني من خصائص النساء، لا شك أنا نرى الرجال بكثرة لا سيما في شدة الحر أو شدة البرد يلبسون عباءتهم على الرأس لتقيهم شدة حر الشمس، وتقيهم أيضاً البرد، هذا موجود بكثرة، لكن هل هذا يكفي في مقابلة التشبه بالنساء؟ أو نقول: إن هذا من الأمور المشتركة التي لا يقع فيها التشبه؟

الطالب:......

هي تمنع لأمور كثيرة معروفة ومدونة، لكن مما قيل في ذلك تشبه النساء بالرجال، على كل حال لبس الرجل عباءته على رأسه للحاجة ليس هو الأصل، والحاجة ينبغي أن تقدر بقدرها، ثم يعود الحكم إلى أنه للنساء، فإذا لبسه للحاجة لا شك أن مثل هذا موجود وجود كثرة بالنسبة للرجال، وليس بوجود قلة بحيث لا يرتب عليه حكم.

أسئلة كثيرة جداً، وعلى هذا نقف على باب الحيض إلى الأسبوع الثاني من الدراسة من الفصل الثاني....