كتاب الصلاة من المحرر في الحديث - 47

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

وعن أم هشام بنت حارثة بن النعمان قالت: لقد كان تنورنا" التنور الذي يُخبز فيه، الذي يوضع فيه الخبز لينضج، الذي فيه النار -نسأل الله السلامة- من نار الدنيا والآخرة.

"لقد كان تنورنا وتنور رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واحداً" مشتركاً، تنور مشترك، كلهم يخبزون فيه، وينضجون فيه الطعام "سنتين أو سنة وبعض سنة" شكت لأنها حدثت بعد مدة طويلة، فشكت في المدة التي كانوا يجتمعون فيها على هذا التنور "سنتين أو سنة وبعض سنة" هذا يدل على قربها من منزله -عليه الصلاة والسلام-، ومن مسجده -صلى الله عليه وسلم-، قالت: "وما أخذت {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [(1) سورة ق] إلا على عن لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأها كل يوم جمعة" قدمت بهذه المقدمة فيما يتعلق بالتنور، واشتراكهم فيه؛ لتبين أنها قريبة منه -عليه الصلاة والسلام-، وأن ما تذكره فيما بعد ليس بواسطة، وإنما هو عنه -عليه الصلاة والسلام- مباشرة لقربها من منزله، ومسجده -عليه الصلاة والسلام- "وما أخذت {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [(1) سورة ق]" سورة ق سورة عظيمة، يقرأها النبي -عليه الصلاة والسلام- يوم الجمعة على المنبر إذا خطب الناس، يعني في أثناء الخطبة، وهل كان يقرأها كاملة، أو يجزئها في كل خطبة؟ آيات مقطع متناسب فيفسره ويشرحه ويبينه للناس، اللفظ محتمل، أنها أخذتها دفعة واحدة أو دفعات، واللفظ محتمل، والسورة عظيمة اشتملت على مهمات من مهمات الدين، فيما يتعلق بأمور الدنيا والآخرة، فيما يتعلق بحياة المسلم الدينية في دنياه وفي مآله إذا مات، وابن القيم -رحمه الله تعالى- جعل السورة مثالاً لتدبر القرآن، وتكلم عليها بكلام قوي، كلام عظيم في أول كتابه الفوائد، فعقد فائدة عظيمة وقاعدة لتدبر القرآن، وضرب لذلك مثلاً بسورة (ق) تكلم عليها بكلام غاية في النفاسة، وختمت السورة بقوله -جل علا-: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [(45) سورة ق] وهذه السورة من أعظم ما يذكر به الناس، ولذا كان -عليه الصلاة والسلام- يقرأها في خطبة الجمعة، وموضوع الخطبة التذكير والتعليم، وقد اشتملت هذه السورة العظيمة على شيء عظيم من ذلك فيما يتعلق بالتعليم والتذكير، فيشرع ويسن لكل خطيب أن يقرأ هذه السورة، وإن لم يلتزمها في كل جمعة، فإن أخذ منها دفعات على فترات في هذه الجمعة آيتين أو ثلاث أو أكثر أو أقل حسب ما يقتضيه المقام، وفسرها بكلام النبي -عليه الصلاة والسلام-، وبكلام أهل العلم الموثوقين، ثم في الجمعة التي تليها يأخذ المقطع الثاني وهكذا أو يقرأها كاملة، ثم يفسر منها ما تيسر، أو ينتقي من آياتها ما يفسره اللفظ يحتمل، المقصود أن هذه السورة لأهميتها وعظمتها كان -عليه الصلاة والسلام- يقرأها على المنبر ليذكر بها الناس.

"رواه مسلم".

"عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت)) متفق عليه" الاستماع لخطبة الجمعة واجب، والإخلال بهذا الاستماع والإنصات يعرض أجر الإنسان للذهاب والضياع، ويذهب تعبه سدىً، لو افترضنا أن شخصاً تكلف وبكر إلى الجمعة وجلس ينتظر الصلاة يذكر الله -جل وعلا-، ويصلي، ثم إذا جاء الإمام ودخل الإمام وشرع في الخطبة رأى شخصاً يتكلم قال له: أنصت، هذا أمر بالمعروف، ومع ذلك حسماً لهذا الباب، وسداً للتشويش وعدم الاستماع والإنصات مُنع حتى الأمر بالمعروف.

((إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت)) ومعلوم أن من لغا فلا جمعة له، كما سيأتي في الحديث الذي يليه، ليست له جمعة.

"متفق عليه" وليس معناه أنه ليست له جمعة أن صلاته باطلة، أو أنه يؤمر بإعادتها، إنما هو نفي للثواب المرتب عليها، وإلا فالجمعة صحيحة ومسقطة للطلب.

ثم قال -رحمه الله تعالى-:

"وعنه -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من توضأ فأحسن الوضوء))" يعني توضأ نحو وضوئه -عليه الصلاة والسلام-، ثم أتى الجمعة: ((من توضأ)) مما يدل على أن الوضوء يكفي، ويرتب عليه هذا الثواب العظيم، وهذا من أدلة عامة أهل العلم وجماهيرهم على أن غسل الجمعة ليس بواجب، وتقدم حديث: ((غسل الجمعة واجب على كل محتلم)) وأن المعنى المراد به الوجوب اللغوي، يعني متحتم، متأكد؛ لكنه لا يعني الوجوب الشرعي، قد يقول قائل: إن الشرع جاء لبيان مصطلحاته لا المصطلحات العرفية أو اللغوية، لكن هذا المصطلح الوجوب، هذا مصطلح حادث، وقد لا يعنى به الوجوب الذي يأثم تاركه كما أن الكراهة لا تعني أن صاحبها لا يأثم، ولذلك يقول الله -جل وعلا-: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [(38) سورة الإسراء] وفيها عظائم وموبقات منها الزنا والشرك وغيرها، يعني إذا قال قائل: كيف ألقى الله بقولي غسل الجمعة مندوب وسنة ورسوله -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((واجب))؟ نقول له أيضاً: كيف تقول: إن الزنا محرم والشرك محرم والله -جل وعلا- يقول: مكروه؟ هناك فرق بين الاصطلاحات العرفية الخاصة عند أهل العلم الذين اصطلحوا عليها، وتواضعوا عليها مع الألفاظ الشرعية، هناك فروق، والذي يبين ويحدد ويبين المراد هو الأدلة الأخرى، والنصوص الأخرى ((من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل)) وهنا يقول: ((من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة، فاستمع وأنصت للخطيب غُفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام)) ذلكم لأن الحسنة بعشر أمثلها، فيغفر له عشرة أيام، ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام.

((ومن مس الحصى فقد لغا)) يعني إذا أمر بمعروف قيل له: لغوت، يعني لا جمعة لك، إذا مس الحصى وفي حكمه العبث بجميع أشكاله حتى السواك أثناء الخطبة مثل مس الحصى ((فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له)) وهذه المغفرة إنما هي عند جمهور أهل العلم للصغائر دون الكبائر؛ لأنه جاء في أحاديث كثيرة التقييد بما اجتنبت الكبائر ((ما لم تغشَ كبيرة)) {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [(31) سورة النساء]... إلى آخره، فدل على أن الكبائر كما هو قول جمهور أهل العلم أنها لا تغفر إلا بالتوبة، وأما هذه المكفرات إنما تكفر الصغائر، (لجمعة إلى الجمعة، ورمضان، والصلوات الخمس والعمرة إلى العمرة كلها مكفرات ((ما اجتنبت الكبائر)) ((ما لم تغشَ كبيرة)) لكن ما هذه الأعمال التي تكفر هذه الذنوب الصلوات الخمس تكفر، ورمضان إلى رمضان يكفر، والعمرة إلى العمرة تكفر، والجمعة إلى الجمعة تكفر، لكن المراد بهذه الأعمال التي تؤدى على الوجه الشرعي مخلصاً فيها لله -جل وعلا-، موافقاً فيها لما جاء عن نبيه -عليه الصلاة والسلام-، أما الصلاة التي لا يكتب لصاحبها من أجرها إلا عشرها، أو ربعها، أو سدسها هذه يقول شيخ الإسلام: "إن كفرت نفسها فبها ونعمت" هذه الصلاة، وقل مثل هذا في سائر العبادات، فضل الله عظيم ولا يحد، لكن مع ذلك هناك نصوص تدل على أن إتقان العمل هو المؤثر {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} [(45) سورة العنكبوت] كثير من المسلمين يصلي، لكن لا تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر لضعفها، لا يخرج ليس له من صلاته إلا ما عقل، فقد يخرج بنصف الأجر، وقد يخرج بربعه، وقد يخرج بالعشر، وقد يخرج بمجرد إسقاط الطلب بحيث لا يمر بها ثانية، وليس له من صلاته إلا ما عقل، وكثير من الناس يدخل في صلاته ويخرج لم يعقل منها شيء، الصلاة التي تترتب عليه آثارها هي الصلاة التي يعقلها صاحبها، ويؤديها مخلصاً فيها لله -جل وعلا- متبعاً فيها لسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وشرط التقوى مطلوب في جميع العبادات للقبول الذي تترتب عليه آثار {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [(183) سورة البقرة] {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [(203) سورة البقرة] فلا يرتفع الإثم عن الحاج سواء تعجل أو تأخر إلا إذا اتقى {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] فالتقوى شرط للقبول، بمعنى ترتيب الثواب على العمل، لا المراد به القبول المرادف للصحة، العمل صحيح ولا يطالب بإعادته مرة ثانية، وهو مسقط للطلب ولو لم يكن تقياً، ولذلك الإجماع قائم على أن الفساق لا يطالبون بإعادة العبادات؛ لأن الأجور المرتبة على هذه العبادات لا تتحقق إلا بالتقوى، فيتنبه لمثل هذه النصوص ((غُفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام)) العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، الصلوات الخمس ننتبه لهذه الأمور، ما هذه العبادات التي تكفر هذه الذنوب؟

أولاً: الذنوب المراد بها الصغائر عند الجمهور، وإن كان فضل الله -جل وعلا- أعظم من ذلك، لكن يبقى أن القيد معتبر ((ما لم تغشَ كبيرة)) ما اجتنبت الكبائر {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ} [(31) سورة النساء]... إلى آخره، المقصود أن الكبيرة لا بد لها من توبة.

الأمر الثاني: أن هذه الأعمال المكفرة لا بد أن يراعى فيها شروط القبول من الإخلاص والمتابعة والتقوى لترتيب الثواب عليها ((من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غُفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصى فقد لغا)) كثير من الناس دائم الحركة حركته تلقائية في صلاته، وفي جميع عباداته وأعماله، مثل هذا على خطر عظيم من مثل هذا الحديث ((من مس الحصى فقد لغا)) يعني كم يعدل ثوبه! وكم يدل شماغه! وكم يعبث بكمه أو بشيء آخر! هذا العبث لا شك أنه يقضي على الأجر المرتب على الجمعة ((فقد لغا ومن لغا فلا جمعة له)) على ما سيأتي.

"رواه مسلم، وفي لفظ: ((من اغتسل ثم أتى الجمعة))" من اغتسل بدل من توضأ، فدل على أن الوضوء مجزئ، والغسل لا شك أنه أفضل للأمر به والحث عليه ((من غسّل واغتسل، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب كان له بكل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها)) فضل عظيم من الله -جل وعلا- لا يُحد، لكن من تجد من الناس من يعمل بمثل هذا إلا القليل النادر الموفق، وكثير من الناس إنما يأتي على حدود دخول الإمام إذا طويت الصحف، وحُرم من كل أجر تجده يدخل مع الإمام، أو قبيل الإمام، وأحياناً بعد الإمام، وهذه المسألة تحتاج إلى جهاد عظيم، يعني فيها أجور عظيمة لا يُشك فيها ((من جاء في الساعة الأولى فكأنما قدم بدنة)) كأنك ذهبت إلى السوق، واشتريت بدنة بثلاثة آلاف أو أربعة آلاف وذبحتها ووزعتها على المساكين والفقراء، هذا المبلغ تحتاج في جمعه إلى مدة، وهنا تأتي في الساعة الأولى بعد ارتفاع الشمس، وهذا في تصور كثير من الناس ضرب من الخيال، وإلا هم يسمعون هذه الأحاديث، ويصدقون بها، ويجزمون بها، ومع ذلك في أفعالهم كأنهم مكذبون، ويوجد من الموفقين جملة صالحة يعني عدد لا بأس به، وأنا انتظر ارتفاع الشمس في مسجد في جامع قبل أن أخرج امتلأ الصف الأول ونصف الثاني انتظاراً للجمعة مع ارتفاع الشمس، الصف الأول ونصف الثاني الناس جالسون ينتظرون الجمعة، ويدخل الشيخ الكبير والشاب ومجموعة من الشباب يسكنون في أقصى مكان في البلد، ثم يجلسون لانتظار طلوع الشمس في مسجد الحي، ثم إذا طلعت الشمس ذهبوا وتأهبوا لصلاة الجمعة بمقدار نصف ساعة، ثم ذهبوا على الأقدام مسافة طويلة إلى مسجد يصلى فيه على جنائز مشياً، مسافة طويلة لا تتصور أن المسألة عشرة كيلو أو أكثر، يعني حدود عشرين كيلو، هذا يحتاج إلى وقت طويل، يحتاج إلى ساعتين أو أكثر مشي، ثم بعد ذلك يذهبون إلى مسجد ينتظرون الجمعة، ويصلون على الجنائز، ويجلسون وينتظرون ساعة الاستجابة، فإذا صلوا المغرب رجعوا، يعني الخير موجود في أمة محمد وهؤلاء من الشباب، ويوم الجمعة يوم عبادة، نعم لا يخص بصيام، لكنه فيه هذه الساعة التي هي ساعة الاستجابة على ما سيأتي، المقصود أن الخير موجود في أمة محمد، لكن الحرمان لا نهاية له حتى في صفوف طلاب العلم، موجود.

وفي لفظ لهم: ((من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قُدر له)) ما في حد؛ لأنه ما في راتبة قبل صلاة الجمعة ما في راتبة، يصلي ما قدر له، وكان الصحابة -رضوان الله عليهم- يصلون حتى يدخل الإمام ((ثم أنصت)) أستمع ((حتى يفرغ الإمام من خطبته ثم يصلي معه)) بهذه القيود مجتمعة ((غفر له ما بينه وما بين الجمعة الأخرى، وفضل ثلاثة أيام)) كالحديث السابق، يعني يغفر له عشرة أيام، قد يقول قائل: لماذا أهتم بهذا الأمر وأنا مغفور لي من الصلوات الخمس وأعتمر فيغفر لي؟ لماذا أكلف نفسي، وأنا مغفور لي في الصلوات الخمس؟ بالعمرة إلى العمرة؟ وليس فيه حد محدد من العمرة إلى العمرة؟ المقصود أن مثل هذا الكلام لا يليق بمسلم فضلاً عن طالب علم؛ لأن فيه تزكية للنفس أن سيئاتك تكفيها الصلوات الخمس، ما عندك سيئات أخرى تحتاج إلى غفران، وتحتاج إلى تخفيف، وليس في علمك وتقديرك أن هذه العبادات تقربك إلى الله -جل وعلا- وتزيد من درجاتك عنده، وتخفف من سيئاتك التي لا تكفرها هذه الأعمال، فليحرص الإنسان على هذه المكفرات، يقول: أنا أصوم رمضان احتساباً، وأقوم رمضان احتساباً ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) ((من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) ((يوم عرفة أحتسبُ على الله أن يكفر السنة الماضية والباقية)) قد يقول قائل: ما بقي شيء؛ لماذا نتعب؟ لو بقيت أشياء..، وما تدري قد يكون بعض الأعمال التي تحتسب أجرها عند الله -جل وعلا- تجدها غداً في ميزان سيئاتك، والسلف لمعرفتهم بحقيقة الأمر ما يمر عليهم مثل قوله -جل وعلا- {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [(47) سورة الزمر] ما يمر مرور لا يفقهون معناه، مثل ما يمر علينا، يعني قد يقول الإنسان مثل هذا الكلام: أنا والله المكفرات كثيرة وواحد يكفي، نقول: لا، لعل وعسى، وافعل كل ما أمرت به، واجتنب كل ما نهيت عنه، وافعل كل ما حثك الشرع على فعله وعسى، وليس هذا من باب التيئيس، لكن الإنسان المعول على هذه النية وعلى هذا القلب، وعلى هذا الإخلاص قد يفلت منه الإنسان وهو لا يشعر، يفلت منه القلب، وتجتمع عليه الذنوب، ويجتمع عليه الران إلى أن يصبح منكوساً -نسأل الله السلامة والعافية-، وهو لا يشعر، وهو في تقديره أنه من خيار الناس، هناك أمور خفية تخفى على الإنسان، لكن عليه أن يجتهد، وعليه أن يبذل مخلصاً لله -جل وعلا- متبعاً في ذلك السنة.

"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً، والذي يقول له: أنصت ليس له جمعة)) رواه أحمد من رواية مجالد وليس بالقوي" مجالد بن سعيد مضعف عند أهل العلم، ولا شك أن الذي يتكلم يوم الجمعة والإمام يخطب، والذي يقول لصاحبه: أنصت ليست له جمعة، هذا له شواهد، وأما قوله: ((فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً)) هذا من حيث المعنى له وجه باعتبار أن هذا الذي يحضر إلى الجمعة، ويتكلف الحضور إليها، ويقوم من نومه إن كان نائماً، أو يترك أعماله إن كان عاملاً، ثم يأتي إلى الجمعة ثم بعد ذلك يتكلم، مثله في عدم إفادته من عمله ومشقته التي ارتكبها مثل الحمار يحمل أسفاراً، كتب كبار ومع ذلك لا يستفيد منها، وهذا يعمل الأعمال العظيمة ومع ذلك لا يستفيد منها، وإن كان بعضهم يحكم على هذه اللفظة بأنها غير محفوظة، وأن راويها ليس بالقوي، المقصود أن الكلام والإمام يخطب حتى الأمر بالمعروف بقول الإنسان لصاحبه: أنصت هذا له ما يشهد له في الصحيح، وأما الجملة التي مُثّل فيها بالحمار فمعناها صحيح، وإن كان فيها مقال لأهل العلم.

قال -رحمه الله-:

"وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "دخل رجل يوم الجمعة والنبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب" دخل رجل المسجد والنبي -عليه الصلاة والسلام- يخطب، قالوا: هو سُليك الغطفاني، كما جاء مصرحاً به في الصحيح، والحال أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب "فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((أصليت؟))" في بعض الروايات: ((ركعتين؟)) يعني تحية المسجد "((أصليت؟!)) قال: لا، قال: ((قم فصلِ ركعتين))" سأله النبي -عليه الصلاة والسلام- هل صلى احتمال أن يكون صلى في مكان بحيث لا يراه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا من أدب التعليم والتوجيه؛ لأنه لو قيل له: قم فصلِ مباشرةً يستثقلها على نفسه ولو لم يكن قد صلى، لكن إذا جيء له بالإنكار على صفة السؤال، وهذا أدب ينبغي أن يستصحبه طالب العلم، يسمع فتوى من عالم يستنكرها ويستنكرها غيره فيذهب إليه قال: أنت أفتيت بكذا، وهذا لا يجوز والدليل كذا، هذا يقبل منه وإلا لا؟ لا يمكن أن يقبل منه مهما كانت منزلته، إذا قيل له: سمعنا من يفتي بكذا، فما رأيك؟ أو ما رأيك بقول كذا؟ أو بقول الإمام الفلاني الذي أفتى بموجب قوله؟ لو افترضنا أن شخصاً من أهل العلم في هذه البلاد سُمع عنه أو أشيع عنه أنه يفتي بالنكاح بلا ولي، ما يؤتى إلى هذا الشخص ويقال: أنت أفتيت بجواز النكاح بلا ولي، وهذا قول مخالف مصادم للنص ((لا نكاح إلا بولي)) وجمهور أهل العلم على بطلان النكاح وهكذا، أنت الآن تتسبب في عدم رجوعه، لو قلت: ما رأيك في قول أبي حنفية مثلاً في صحة النكاح بلا ولي؟ ثم بيقول لك: قول صحيح ووجيه وإلى آخره، ثم يأتي بالأدلة التي يستدل بها، ثم تناقشه وترد عليه إلى أن يقتنع؛ لأن مسألة الإلزام بما تراه، أو ما يترجح عندك أو عند شيوخك هذا ليس بوارد، والإنسان عليه أن يعرف قدر نفسه، يعني بعض الناس يبلغه بعض الأحاديث وبعض الأخبار من الكبار، ثم يطبقها وهو صغير لا تليق به، شخص يُعدل الناس ويقوم الصفوف بالعصا، موجود، شيخ كبير إذا ما تعدل يقول: كان عمر يضرب الناس بالدرة، طيب وين عمر؟ أنت عمر؟! أنت ولي أمر؟! شاب صغير في العشرين من عمره أو يزيد قليلاً، ما زال في الجامعة يلقي درس فإذا بشيخ كبير على عمود ينعس، قم يقول للشايب، يقول للشيبة الكبير: قم، أجب، طيب وشلون؟ قال: ابن عثيمين يفعل هذا، يا أخي أين أنت من ابن عثيمين؟! هل الإنسان أن يعرف قدر نفسه من أجل أن يعمل بأقواله وتوجيهاته ونصحه وإرشاده، شيخ كبير بعمر جده يقول له: قم أجب، حتى لو صارت من صغير من قبل وأنت صغير، محتجاً بأن الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- يفعل ذلك، إذا صرت مثل ابن عثيمين أصنع ما شئت، مع أن الشيخ ليس بمعصوم، لكن يبقى أنه له قدره ووزنه، فالأمور تقدر بقدرها.

النبي -عليه الصلاة والسلام- قال له: ((أصليت؟)) قد يقول الخطيب: أنا في المحراب وفي المنبر وأنظر هذا الشخص ما إن دخل مع الباب جلس، يحتاج أن أقول له: صليت وأنا أجزم أنه ما صلى؟ نقول: قل له: أصليت ركعتين وما يضرك؟! ثم هو بنفسه يراجع نفسه، لكن إذا قلت له: قم فصلِ ركعتين مباشرة وبين الناس، هذا يمكن لا يستجيب؛ لأنه يتأول يقول: جمهور أهل العلم على أن الركعتين سنة، وأنا مصلٍ، يمكن يقول هذا الكلام، لكن إذا جئته بطريق الاستفهام قبل منك، وأذعن لك، ولا يرى أنك ترفعت عليه، أو أمرته بأمر صريح مباشر يثقل عليه، قال: ((أصليت؟!)) قال: لا، قال: ((قم فصلِ ركعتين)) هذه تحية المسجد، وسبق الكلام فيها، وأنها من ذوات الأسباب، وأن الجمهور على أنه لا يفعل شيء من النوافل حتى ما له سبب ولا تحية المسجد ولا غيرها في أوقات النهي مطلقاً، وقال الشافعية: أن ذوات الأسباب تفعل في أوقات النهي، والمسألة سبق بحثها.

"قال: لا، قال: ((قم فصلِ ركعتين))" وهو من أدلة من يوجب تحية المسجد كالظاهرية، وعامة أهل العلم على أن تحية المسجد سنة.

"متفق عليه".

"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة {الم* تَنزِيلُ} [(1-2) سورة السجدة] السجدة و{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ} [(1) سورة الإنسان] وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يقرأ في صلاة الجمعة سورة الجمعة والمنافقين" النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل ذلك ديمة، يعني يداوم على قراءة {الم* تَنزِيلُ} [(1-2) سورة السجدة] السجدة وسورة الإنسان، وكثير من الأئمة بحجة أنه لا يرغب في الإطالة على المأمومين، فإذا قرأ: {الم} السجدة وهي في ثلاث صفحات، ثم قرأ: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ} [(1) سورة الإنسان] وهي في صفحة ونصف قد يقول: قد أشق على المأمومين إلا أن أقرأها سرداً، نقول: لا، اقرأ كما أمرك الله، واقرأ بها، وداوم عليها تصيب السنة، وما عليك من نظر آخر؛ لأن هذا هو الثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، الذي يشق عليه القيام يجلس، الذي لا يستطيع القيام يجلس له خيار، وهذا لا يدخل في ((أيكم أم الناس فليخفف)) بل قال بعضهم: إن هذا من التخفيف، ما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو داخل في دائرة التخفيف، يقرأ {ألم} السجدة {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ} [(1) سورة الإنسان] لأن يوم الجمعة يوم عظيم، اكتمل فيه الخلق، وفيه تقوم الساعة، وفيه البعث، وهو يوم المزيد، فهذا اليوم في هاتين السورتين ما يشير إلى ذلك، فالمناسبة في قراءتهما ظاهرة، يقرأ أيضاً في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين؛ لأن سورة الجمعة فيها الأمر والحث والسعي إليها، قد يقول قائل: إنه ما الفائدة من حث أناس قد حضروا؟ يعني كما قال أهل العلم فيما سيأتي في خطبة عيد الفطر أنه يحثهم على الصدقة صدقة الفطر، صدقة الفطر انتهى وقتها، فكيف يحثهم عليها؟ وكيف يحث أناس لصلاة الجمعة وقد حضروا؟ الذي ما حضر ما يسمع هذه الخطبة، على كل حال هذا هو الثابت عنه -عليه الصلاة والسلام-، ومناسبتها ليوم الجمعة أظهر من ظاهرة؛ لأنها خاصة في هذا اليوم، وكذلك سورة المنافقين لما عُرف من أن المنافقين الذين يتخلفون ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى، ويتخلفون عن الفجر، يتخلفون عن العشاء، يتخلفون عن كثير من الصلاة، يراءون الناس يحضرون لصلاة الجمعة، فتقرأ عليهم هذه السورة، وتقرأ على غيرهم ممن حضر خشية أن يوافق المنافقين وهو لا يشعر، يتساهل في أمر الصلاة، ويكسل فيها، ففيها التحذير من النفاق والمنافقين، وفيها حث للمنافقين على التوبة، وإتيان النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يستغفر لهم.

"رواه مسلم".

"وله عن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في العيدين وفي الجمعة بـ{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] و{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [(1) سورة الغاشية] وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد يقرأ بهما أيضاً في الصلاتين" هذا عند مسلم من حديث النعمان بن بشير قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في العيدين وفي الجمعة" يعني إضافة إلى ما تقدم من سورة الجمعة والمنافقين بـ{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [(1) سورة الغاشية] قال: ((وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد يقرأ بهما أيضاً في الصلاتين)) لأهميتهما في هذه المناسبة، وقد يقرأ بـ(قاف) واقتربت كما حصل في بعض الأعياد.

سم.

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى-:

وعن إياس بن أرملة الشامي قال...

ابن أبي رملة.

عف الله عنك.

وعن إياس بن أبي رملة الشامي قال: شهدت معاوية بن أبي سفيان، وهو يسأل زيد بن أرقم هل شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عيدين اجتمعا في يوم؟ قال: نعم، قال: فكيف صنع؟ قال: "صلى العيدين، ثم رخص في الجمعة" فقال: ((من شاء أن يصلي فليصلِ)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة والحاكم وصححه.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا صلى أحدكم الجمعة فليصلِ بعدها أربعاً)) رواه مسلم.

وعن عمر بن عطاء بن أبي الخوار أن نافع بن جبير أرسله إلى السائب بن أخت نمر، يسأله عن شيء رآه منه معاوية في الصلاة، فقال: نعم، صليت معه الجمعة في المقصورة، فلم سلم الإمام قمت في مقامي فصليت، فلما دخل أرسل إلي فقال: لا تعد لما فعلت، إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تكلم أو تخرج، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرنا بذلك أن لا توصل صلاة حتى نتكلم أو نخرج. رواه مسلم.

وعن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- رأى حلة سيراء عند باب المسجد...

سِيَراء.

عف الله عنك.

رأى حلة سيراء عند باب المسجد فقال: يا رسول الله لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة وللوفود إذا قدموا عليك...

وللوفد.

وللوفد إذا قدموا عليك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة)) ثم جاءت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منها حلل، فأعطى عمر بن الخطاب منها حلة، فقال عمر: يا رسول الله كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إني لم أكسكها لتلبسها)) فكساها عمر بن الخطاب أخاً له بمكة مشركاً. متفق عليه، واللفظ للبخاري.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام طووا الصحف، وجاءوا يستمعون الذكر، ومثل المهجر كمثل الذي يهدي البدنة، ثم كالذي يهدي بقرة، ثم كالذي يهدي الكبش، ثم كالذي يهدي الدجاجة، ثم كالذي يهدي البيضة)) رواه مسلم.

وعنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر يوم الجمعة فقال: ((فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله -عز وجل- شيئاً إلا أعطاه إياه)) وأشار بيده يقللها. متفق عليه، وزاد مسلم "يزهدها" وفي رواية: ((وهي ساعة خفيفة)).

رواية له.

وفي رواية له: ((وهي ساعة خفيفة)).

وعن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري قال: قال لي عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: أسمعت أباك يحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شأن ساعة الجمعة؟ قال: قلت: نعم سمعته يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة)) رواه مسلم، وقال الدارقطني: لم يسنده غير مخرمةٍ عن أبيه عن بردة.

غير مخرمةَ.

غير مخرمةَ عن أبيه عن بردة.

عن أبي.

غير مخرمةَ عن أبيه عن بردة.

عن أبي بردة.

عن أبي بردة.

ورواه جماعة عن أبي بردة من قوله، ومنهم من بلغ به أبا موسى ولم يرفعه، والصواب أنه من قول أبي بردة.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"وعن إياس بن أبي رملة الشامي قال: "شهدت معاوية بن أبي سفيان وهو يسأل زيد بن أرقم" معاوية هو الخليفة، وهو من جلة الصحابة ومن فضلائهم وعلمائهم، كتب الوحي، ومع ذلك لم يستنكف ولم يأنف أن يسأل من هو أعلم منه من صحابة النبي -عليه الصلاة والسلام-، "وهو يسأل زيد بن أرقم هل شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عيدين اجتمعا في يوم واحد؟" عيدين! كيف يجتمع عيدان؟ ممكن أن يجتمع الفطر والأضحى؟ إنما يجتمع الأضحى، أو الفطر مع الجمعة "هل شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عيدين اجتمعا في يوم واحد، قال: نعم، قال: فكيف صنع؟ قال: صلى العيدين ثم رخص في الجمعة" نعم صلى العيد، عندنا العيدين...

إيش عندك؟

طالب:.......

نعم هذا هو الصحيح، صلى العيد الذي هو إما فطر وإما أضحى، ثم رخص في الجمعة "فقال: ((من شاء أن يصلي فليصلِ))" لأن المطلوب سماع الذكر والخطبة والاجتماع، فإذا حصل بصلاة العيد رخص في العيد الثاني الذي هو الجمعة؛ لأن الجمعة إنما شرعت من أجل الاجتماع وحصل هذا الاجتماع، ومن أجل التذكير وحصل هذا التذكير، فتغني صلاة العيد عن صلاة الجمعة.

"قال: ثم رخص في الجمعة فقال: ((من شاء أن يصلي فليصلِ))" لكن من لم يصلِ، الإمام لا بد أن يصلي، ولا بد أن يصلي معه من تقوم به الجمعة، وأما من صلى العيد فلا يلزمه أن يصلي الجمعة على أن يصلي فرض الوقت التي هي الظهر، يعني الجمعة يرخص فيها، لكن إلى بدل وهو الأصل الذي هو صلاة الظهر...

فيصلي الذي لا يصلي الجمعة يصليها ظهراً؛ لأن ما شرعت من أجله الجمعة حصل بحضور صلاة العيد، ومن صلى الجمعة والعيد كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو أكمل.

"رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة والحاكم وصححه" ومن أهل العلم من ضعفه، لكن له طرق يشد بعضها بعضاً، يصل فيها إلى درجة الصحيح لغيره، فصلاة الجمعة على أهميتها وتأكدها تسقط عمن حضر صلاة العيد، لكن الذي لا يصلي العيد أو لم يحضر صلاة العيد فإنها تلزمه صلاة الجمعة، ومعنى سقوط صلاة الجمعة أنها يسقط وجوبها ويبقى استحبابها، ويبقى بدلها وهو صلاة الظهر.

 قال: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا صلى أحدكم الجمعة فليصلِ بعدها أربعاً)) رواه مسلم" هذا الأمر فيه دليل على تأكد واستحباب صلاة أربع ركعات بعد صلاة الجمعة، والأمر بهذا صريح ((فليصلِ بعدها أربعاً)) والنبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت عنه أنه إذا صلى الجمعة دخل بيته فصلى ركعتين، وشيخ الإسلام يجمع بين هذا الأمر وبين فعله -عليه الصلاة والسلام- بصلاة ركعتين أن راتبة الجمعة إن صليت في المسجد الراتبة..، عرفنا أنها ليس لها راتبة قبلية يصلي ما شاء، يصلي ما كتب له من غير حد، لكن البعدية إن صلى في المسجد صلى أربعاً، وإن صلى في البيت صلى ركعتين، وبهذا تجتمع النصوص، وبعضهم قال: يصلي بعد الجمعة ستاً، أربعاً في المسجد لأمره -عليه الصلاة والسلام-، وركعتين في بيته لفعله -عليه الصلاة والسلام-، لكن جمع شيخ الإسلام -رحمه الله- متجه إذ لم يحفظ أنه -عليه الصلاة والسلام- صلى في المسجد.

"وعن عمر بن عطاء بن أبي الخوار أن نافع بن جبير أرسله إلى السائب بن أخت نمر يسأله عن شيء رآه منه معاوية في الصلاة، فقال: نعم، صليت معه الجمعة في المقصورة، فلم سلم الإمام قمت في مقامي فصليت" وأنتم ترون في المسجد الحرام بكثرة من إذا صلى لم يستغفر، لا يستغفر ولا ثلاث، يقوم مباشرة إلى الراتبة، وهذا ظاهر عند الحنفية من الأتراك والهنود والباكستانين وغيرهم، يصلون الفريضة ثم يقومون مباشرة إلى النافلة.

قال: "فلما سلم الإمام قمت في مقامي فصليت، فلما دخل أرسل إليّ، فقال: لا تعد لما فعلت، إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تكلم أو تخرج" إذا حصل الفاصل بين الفريضة والنافلة بكلام أو انتقال من المكان أو خروج من المسجد أمن اللبس الذي قد ينشأ عند بعض من يرى هذا الذي يصلي الصلاة بالصلاة أنه يزيد في فرضه، وأن ما فعله تابع لفريضته، ينبغي أن يفصل، ولا توصل صلاة بصلاة، ولا توصل صلاة الجمعة بنافلتها.

قال: "إذا صليت الجمعة" ومثلها جميع الصلوات لا توصل بصلاة أخرى، بل عليه أن يتكلم "نعرف انقضاء صلاته -عليه الصلاة والسلام- بالتكبير" "وكان إذا سلم استغفر ثلاثاً، يقول: ((استغفر الله، استغفر الله، استغفر الله)) ثم يأتي بالأذكار المتعلقة بالصلاة، ثم يأتي بعد ذلك بالراتبة بعد أن يتكلم، أو ينتقل من مجلسه الذي صلى فيه.

جاء في الصحيح في البخاري يُذكر عن أبي هريرة: "لا يتطوع الإمام في مكانه" ولم يصح، يعني ما صح في الأمر بالانتقال من المكان إلى مكان آخر، هذا الخبر الذي ذكره الإمام البخاري لم يصح، وعلى هذا لو تكلم وفصل بين الفريضة بالأذكار، ثم صلى في مكانه الذي صلى فيه لا إشكال في ذلك، ما في إشكال؛ لأن الخبر لم يصح، لكن أهل العلم يستحبون مثل هذا لتكثير مواضع الصلاة التي تشهد للمصلي، فكونه يصلي في أكثر من مكان هذه المواضع تشهد له يوم القيامة {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [(12) سورة يــس] وهذا من آثارهم. "فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرنا بذلك أن لا توصل صلاة" يعني بصلاة أخرى، راتبة بنافلة، "حتى نتكلم أو نخرج" حتى الفريضتين المجموعتين يفصل بينهما بالإقامة للثانية.

وأما ما يتعلق بأذكار الصلاة الأولى من المجموعتين فنظراً للجمع المقتضي عدم التفريق إلا بشيء يحقق ما جاء في هذا الحديث فإن أذكارها تسقط، وتكون من السنن التي فات محلها، والأذكار يؤتى بها بعد الثانية.

"رواه مسلم".

"وعن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- رأى حلة سيَراء" يعني حريراً خالصاً "حلة سيَراء عند باب المسجد" يعني تباع "فقال: يا رسول الله لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة" النبي -عليه الصلاة والسلام- يتنظف ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه للجمعة وللعيد "فلبستها يوم الجمعة، وللوفد إذا قدم" يعني التجمل للوفود هذا من السنن؛ لئلا يزدرى المسلم ويحتقر، فمن السنن أن يتجمل للوفد إذا قدموا عليك، "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما يلبس هذه))" من الحرير الخالص "من لا خلاق له في الآخرة" فالذهب والحرير حرام على ذكور الأمة حل لإناثها ((إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة)) لا نصيب له في الآخرة من الكفار، هذا وعيد شديد على من يتساهل في هذا الأمر، فيلبس ما يلبس من الذهب أو من الحرير، هذا حرام -نسأل الله السلامة والعافية- على الذكور من هذه الأمة.

"ثم جاءت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منها حلل" من هذا الحرير الخالص جاءه حلل "فأعطى عمر بن الخطاب منها حلة" أعطاه منها حلة، عمر يذكر ما قال له في الحلة التي تباع عند المسجد "فأعطى عمر بن الخطاب منها حلة، فقال عمر: يا رسول الله كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت؟" أنه ((إنما يلبسها من لا خلاق له في الآخرة)) "فكيف تكسونيها؟" فكيف تعطيني إياها وهي حرام على من له خلاق في الآخرة، ويلبسها من لا خلاق له في الآخرة، وأنا لست منهم.

"قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إني لم أكسكها لتلبسها)) فكساها عمر بن الخطاب أخاً له بمكة مشركاً" لأنه لا خلاق له في الآخرة فليلبسها، المشرك لا خلاق له في الآخرة، وحينئذٍ يلبسها.

وجاء في الحديث الصحيح من حديث حذيفة: "هي لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة" لهم في الدنيا ولكم في الآخرة، وعمر كساها أخاً له مشرك، مما يدل على أن المشرك لا يمنع من لبس ما حُرم على المسلمين، وإن كان مخاطباً بفروع الشريعة وهذه منها، هو مخاطب بفروع الشريعة، لكن لا يؤمر بها؛ لماذا؟ لأنها لا تصح منه لتخلف شرط القبول وهو قصد الامتثال، هو مطالب بالصلاة {لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [(43) سورة المدثر] مطالب بالصلاة، مطالب بالزكاة، مطالب باجتناب المحرمات، لكنه لا يطالب بها في الدنيا؛ لأنها لا تصح منه لو فعلها؛ لتخلف شرط القبول، وهو مطالب بها بمعنى أنه مطالب بجميع فروع الشريعة عند الجمهور، منهم من يقول: إنه ليس بمطالب مطلقاً كالحنفية، ومنهم من يقول: إنه مطالب بالنواهي دون الأوامر كما هو قول عند المالكية "فكساها عمر بن الخطاب أخاً له بمكة مشركاً" لأنه يدخل في الخبر السابق ((لا خلاق له في الآخرة)).

"متفق عليه، واللفظ للبخاري".

"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام طووا الصحف))" الأصل أن الجمعة إنما تقام في مسجد واحد، ولا يجوز إقامتها في أكثر من مسجد إلا إذا دعت الحاجة الماسة لذلك لمشقة عظيمة تلحق المصلين، أو لضيق المصلى مع عدم إمكان توسعته، أما إذا أمكن توسعته فإن هذا لا يبرر إقامة الجمعة في أكثر من موضع، وأهل العلم يحكمون بأن الصلاة الثانية باطلة، الأولى هي الصحيحة والثانية باطلة، ونرى التوسع غير المرضي، وإن كانت الحاجة داعية إلى إقامة أكثر من جمعة، لكن ما معنى أن يقام في كل حي خمسة مساجد تقام فيها الجمعة، ويقام في البلد أربعين جامع خمسين جامع مائة جامع، الأصل عدم التعدد، والحاجة تقدر بقدرها، ولا مانع أن يبعد المسجد عن منزل الإنسان كيلو أو أكثر؛ لأن الناس يتضايقون ويتذمرون إذا كان المسجد يبعد مائة متر، ويجعلون هذا ذريعة في مطالبة الجهات في إقامة جامع آخر، المسألة أشد مما يتصوره الناس، الجمعة الثانية باطلة عند أهل العلم إذا كان لا مبرر لها، ولو كان في تقدير بعض الناس ممن ألف الراحة والكسل وعدم المشقة المحتملة، ولو ألف أن مثل هذا مشقة ليس بمشقة، إذا وجد أكثر من مسجد بل وجد مساجد، ونحن نعرف أن بعض المساجد على ما هو معروف عند الحنابلة يدخل الإمام قبل الزوال، والآن الفتوى عممت على أن الصلاة لا تصح إلا بعد الزوال، فصار بعضهم يدخل مع الزوال، وبعضهم يتأخر قليلاً، وبعضهم يتأخر ربع ساعة مثلاً، فهل العبرة بالمسجد الذي تقصده في العادة فيكون دخول الإمام هو الحاسم في هذا المسجد الذي تقصده؟ وإلا بإمكانك أن تقول: هذا المسجد دخل أركب السيارة وأذهب إلى مسجد آخر لم يدخل؛ لأنه يقول: ((إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة، يكتبون الأول فالأول)) وعلى هذا فهل الأفضل للإنسان إذا سمع المسجد القريب دخل إمامه وشرع في الخطبة أن يركب السيارة ويذهب إلى مسجد أبعد ليدخل قبل الإمام، فعله أن يدخل في مثل هذا الحديث؟ نقول: يرجى، وإلا فما الداعي لمثل هذا التأخير إلا الحرمان الظاهر ((يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام)) يعني على المنبر ((طووا الصحف)) إذا دخل الإمام خلاص انتهت كتابة الفضائل المرتبة على التبكير، وهي تبدأ من ارتفاع الشمس؛ لأنه قبل ارتفاع الشمس هناك وظائف شرعية جاءت بها النصوص، ثم إذا ارتفعت الشمس بدأت الساعة الأولى ((فإذا جلس الإمام طووا الصحف، وجاءوا يستمعون الذكر)) يعني الخطبة ((ومثل المهجر الذي يأتي في الساعة الأولى)) يعني المبكر ((الذي يأتي إلى الجمعة في الساعة الأولى كمثل الذي يهدي البدنة)) من الإبل ((ثم كالذي يهدي بقرة)) وهذا الذي يأتي في الساعة الثانية ((ثم كالذي يهدي الكبش)) ((ثم كالذي يهدي الدجاجة)) ((ثم كالذي يهدي البيضة)) ثم بعد ذلك يدخل الإمام بعد ذلك في الساعة السادسة كما يختاره كثير من الحنابلة، وبعد الزوال كما هو قول الجمهور، وعلى هذا تكون الساعات غير منضبطة بدقائق معلومة، قد تزيد على الساعة الفلكية المعروفة، وقد تنقص عنها تبعاً لطول النهار وقصره.

يُذكر عن مالك أن هذه الساعات الخمس هي كلها ساعات لطيفة تكون بعد الزوال، يعني يتأخر الإمام يسيراً تأخر يسير بحيث يستوعب خمسة أوقات زمنية يصح أن يطلق على كل وقت منها ساعة من غير تحديد، ساعات لطيفة بعد الزوال، لكن هذا القول ظاهر الضعف، والمرجح هو قول الجمهور، وأنها تبدأ من أول النهار.

"رواه مسلم".

"وعنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر يوم الجمعة فقال: ((فيه ساعة))" يعني ذكر فضائل الجمعة وخصائص الجمعة وذكر من خصائصها وفضائلها ((أن فيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم)) ساعة وقت من الزمان لا يقدر بقدر معين كما هو معروف عندنا، ((ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله -عز وجل- شيئاً إلا أعطاه إياه)) ساعة الاستجابة "وأشار بيده يقللها" متفق عليه، وزاد مسلم "يزهدها" يزهدها لا يزهد فيها وفي الأجر، وفي قبول الدعوة وإجابة الدعوة فيها، لا، هذا مما ينبغي أن يتحرى ويحرص عليه، وأما التزهيد يعني التقليل، تفسرها الرواية الأخرى، يعني شيء يسير، وقت قصير والخلاف في وقت ساعة الاستجابة على ما سيأتي في الأحاديث اللاحقة، لكن فيه من صفتها "أنه قائم يصلي" في الحديث الذي يليه حديث "أبي بردة ابن أبي موسى الأشعري قال: قال لي عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: أسمعت أباك يحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟"

"عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري قال: قال لي عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: أسمعت أباك" يعني أبا موسى الأشعري "يحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شأن ساعة الجمعة؟ قال: نعم، سمعته يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة)) رواه مسلم، وقال الدارقطني: لم يسنده غير مخرمة عن أبيه عن أبي بردة، ورواه جماعة عن أبي بردة من قوله، ومنهم من بلغ به أبا موسى ولم يرفعه، والصواب أنه من قول أبي بردة" هذا الحديث أولاً: هو في صحيح مسلم الذي تلقته الأمة بالقبول، وإن قال من قال كالدارقطني وغيره ما قال، هذا الحديث اختلف فيه بين أهل العلم هل هو مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من حديث أبي بردة عن أبي موسى عنه -عليه الصلاة والسلام- كما هو مقتضى صنيع الإمام مسلم في صحيحه، أو أنه موقوف على أبي موسى، أو أنه مقطوع من قول أبي بردة؟

أولاً: المرجح ما جاء في صحيح مسلم؛ لأن ما في الصحيح مرجح على قول كل قائل، يعني: لو أن البخاري -رحمه الله تعالى- سُأل عن هذا الحديث في جامع الترمذي أو غيره فقال: موقوف، فعندنا قول البخاري وعندنا ما خرج في صحيح مسلم، رجحنا ما في صحيح مسلم، لكن لو كان التعارض بين ما في صحيح البخاري وصحيح مسلم رجحنا ما في صحيح البخاري، فما في الصحيحين لا يتقاول عليهما؛ لأننا إذا طعنا في الصحيحين لم يبقَ لنا شيء إلا ويمكن الطعن فيه، فصيانة لهذين الكتابين اللذين تلقتهما الأمة بالقبول، وأجمعت على قبول ما فيهما لا يتطاول أحد عليهما لا الدارقطني ولا غيره، فالقول الذي يختاره الإمام مسلم أن الحديث مرفوع من حديث أبي بردة عن أبيه عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومنهم من بلغ به أبا موسى ولم يرفعه، فجعله موقوفاً من قوله، ومنهم من قطعه فوقفه على أبي بردة، إذا تنزلنا وقلنا: إنه من قول أبي موسى، هل يمكن أن يقوله أبو موسى من تلقاء نفسه أو أن له حكم الرفع؟ هذا لا يمكن أن يقوله أبو موسى من تلقاء نفسه، بل له حكم الرفع، ولذا جزم جمع من الأئمة، بل قطعوا بل صرحوا بأنه هو الصواب أن ساعة الإجابة في يوم الجمعة هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة، طيب هل يدعو الإنسان في هذا الوقت يتحين سكتات الإمام قبل أن يشرع الإمام في الخطبة، وبعد أن يجلس بين الخطبتين، وبعد أن تنتهي الخطبة إلى أن يشرع في الصلاة، وفي أثناء الصلاة يتحرى الدعاء في هذه المواطن.

طيب ((لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي)) هذا وقت خطبة وقت إنصات، قالوا كما جاء في الحديث ((الذي ينتظر الصلاة فهو في صلاة)) ومنهم من قال: ((قائم يصلي)) يعني يدعو، والصلاة في اللغة الدعاء، هذا قول ومعتبر عند أهل العلم؛ لأنه مخرج في مسلم، ومرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، والقول الثاني وهو ما يختاره الإمام أحمد وجمع من أهل العلم الكبار، قالوا: إن ساعة الإجابة في يوم الجمعة هي آخر ساعة من عصر يوم الجمعة، وبهذا قال عبد الله بن سلام الصحابي الجليل، وكلامه مخرج في الصحيح إلا أنه من لفظه، ولكنه أيضاً يحتمل أن يكون مرفوعاً؛ لأنه لا يقال بالرأي، وهو صحيح إليه، وهو مرجح عند جمع من أهل العلم آخر ساعة من يوم الجمعة، طيب ((قائم يصلي)) مثل ما قيل في السابق ينتظر الصلاة فهو في صلاة، وعلى هذا فعلى المسلم الحريص تحري هذين الوقتين، فيستغل سكتات الإمام من دخوله وجلوسه على المنبر إلى أن تقضى الصلاة، وأيضاً يتحرى النفحات في آخر ساعة من يوم الجمعة فيجلس في المسجد ينتظر الصلاة ليكون في صلاة، ويشغل وقته بالذكر والدعاء، عله أن يصادف هذه النفحة الإلهية فيمحى عنه ما اقترفه من كبائر ومن صغائر.

المؤلف ترك أحاديث تتعلق بالجمعة، وذكرها الحافظ ابن حجر في البلوغ، وذكرها أيضاً غيره، منها: مسألة العدد، وأنه مضت السنة أنه في كل أربعين جمعة، يعني أن الجمعة لا تصح إلا من أربعين، يعني من العدد أربعين، لكن الحديث متفق على ضعفه، وإن عمل به الشافعية والحنابلة، فاشترطوا الأربعين، لكن الحديث متفق على ضعفه، المالكية عملوا بحديث جابر السابق لما خطب النبي -عليه الصلاة والسلام- جاءت عير فانصرف الناس إليها وانفضوا إليها، وتركوا النبي -عليه الصلاة والسلام- يخطب فلم يبقَ معه إلا اثنا عشر صحابياً، فقالوا: العدد المطلوب اثنا عشر، ولو كان العدد المطلوب أربعين ما صحت الخطبة، ثم ما صحت الجمعة؛ لأنه لم يبقَ معه في الخطبة إلا اثنا عشر، لكن ماذا لو بقي أقل من اثنا عشر؟ الحديث ليس فيه تحديد للعدد، إنما اتفق أنه بقي هذا العدد، ولذا فلا دلالة فيه على التحديد، ما جاء في الأربعين متفق على ضعفه، في الاثنا عشر ما فيه دلالة على التحديد، إذاً ما العدد المطلوب للجمعة؟ لم يصح فيه شيء، لكن هل تصح من الواحد الجمعة؟ لو تصح من الواحد لكان من فاتته الجمعة يصلي جمعة، يخطب لنفسه ويصلي، لكن مجمع على أن من لم يدرك الجمعة يصلي ظهراً، إذاً الواحد لا تصح منه، الاثنان فما فوقهما جماعة، هل تصح منهما الجمعة كسائر الصلوات؟ المرجح عند جمع من أهل التحقيق أن أقل عدد للجمعة ثلاثة، ومنهم من قال: أربعة، بما استدل هؤلاء؟ قالوا: الآية: {إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [(9) سورة الجمعة] اسعوا جمع، ما قيل: فاسعَ، اسعوا، والجمع أقله اثنان أو ثلاثة على الخلاف في ذلك، فعندنا اثنان أو ثلاثة يسعون، وفي آخر أو ثالث أو رابع يذكر الله -جل وعلا- وهو الخطيب، يعني الجماعة الذين يسعون غير الخطيب؛ لأن الخطيب لم يؤمر بالسعي، إنما أمر بالسعي إليه فهو غير من أمر بالسعي، فعندنا أقل الجمع اثنين يسعون إلى هذا الذي يذكر الله وهو الثالث، أو ثلاثة يُسعون إلى هذا الذي يذكر الله وهو الرابع، ومنهم من قال: الرابع حتى على القول بأن أقل الجمع اثنين؛ لأن عندنا اثنان مأموران بالسعي، ونودي في شخص ينادي وهو المؤذن، وشخص يذكر الله وهو الخطيب، إذاً كما عندنا؟ أربعة، أقل من تنعقد بهم الجمعة أربعة، شيخ الإسلام -رحمه الله- يرجح الثلاثة؛ لماذا؟ لاحتمال أن يتولى الأذان الخطيب، إذا نودي نادى الخطيب وذكر الله تعالوا، فأقل من تنعقد بهم الجمعة ثلاثة، أخذاً من هذه الآية، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله.

طالب:.......

... صلاة الجمعة، الأولى أن يصلي العيد ويصلي الجمعة كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-.

لعل الباقي يكون في درس الغد والذي يليه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

"