شرح علم التفسير من النقاية (2)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فنحيي فضيلة شيخنا في هذه الليلة الثانية من درسه المبارك في شرح رسالة أصول التفسير المستلة من كتاب الحافظ السيوطي (النقاية) نقرأ يا شيخ.
فقط نريد أن ننبه إلى أن الطلب ملح إلى إكمال الكتاب، نعم.
طيب جزاكم الله خيراً.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الطلب من كثير من الإخوة ملح على أن نكمل الكتاب، وهذا يترتب عليه الاختصار الشديد في الشرح، وعدم الاستطراد إلا عند الحاجة، إذا دعت الحاجة إلى ذلك ووجدت فائدة يناسب ذكرها، وإلا فالأصل هو الاختصار لكي نجمل الكلام، وننهي الكتاب، ويكون دراسة هذا الكتاب كالتوطئة لشرح موسع -إن شاء الله تعالى-، يصدر–للمنظومة- منظومة هذا الكتاب، منظومة التفسير، للحاجة الماسة إليها، فأنا قلت: إن مثل هذا الكتاب يكون كالتوطئة لحفظ المنظومة وقراءة شروحها، ويكون هناك شرح -بإذن الله- موسع على هذه المنظومة يجمع ما يحتاجه طالب العلم في هذا الفن -إن شاء الله تعالى-، بقدر المستطاع -إن شاء الله-.
أنواع القرآن:
سم.
بسم الله، والحمد لله، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله، أما بعد:
فقال الحافظ جلال الدين السيوطي -رحمه الله تعالى-:
الأنواع: منها ما يرجع إلى النزول، وهو اثنا عشر نوعاً: الأول والثاني: المكي والمدني، الأصح أن ما نزل قبل الهجرة مكي، وما نزل بعدها مدني، وهو البقرة وثلاث تليها، والأنفال وبراءة والرعد والحج النور، والأحزاب والقتال، وتاليها والحديد...
كذا تاليها؟
نعم.
أو تالياها؟ ها؟ سورتان.
سم.
سورتان، الفتح والحجرات؟ ماذا نقول؟ تالياها؟
الذي تراه.
هما اثنتان.
يعني يصلح تالياها بـالنوع، تالياها اثنان.
تاليها لا ينحصر، إذا قلنا: بالنوع لا ينحصر، لا ندري أنه بواحدة أو ثلاث أو خمس أو أكثر، هما اثنتان.
نعدلها تالياها؟
نعم.
طيب: "وتالياها والحديد والتحريم، وما بينهما، والقيامة والقدر والزلزلة والنصر والمعوذتان، قيل: والرحمن والإنسان، والإخلاص والفاتحة من المدني، وثالثها: نزلت مرتين، وقيل: النساء والرعد والحج والحديد، والصف والتغابن، والقيامة والمعوذتان مكيات، والله أعلم.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في بيان الأنواع، وهذا شروع منه في بيان الأنواع الخمسة والخمسين التي أشار إليها إجمالاً أخذ يفصلها، فقال -رحمه الله تعالى-: "منها ما يرجع إلى النزول" يعني فيما يتعلق بوقته وزمانه وكيفيته، إلى غير ذلك من المباحث المتعلقة بالنزول، "منها ما يرجع إلى النزول، وهو اثنا عشر نوعاً: الأول والثاني: المكي والمدني"، يعني الأول: المكي، والثاني: المدني، ضابط المكي على ما رجحه المؤلف وهو الراجح: ما نزل قبل الهجرة، والمدني: ما نزل بعد الهجرة، الحد الفاصل بين المكي والمدني الهجرة، فما نزل قبلها مكي، ولو كان نزوله خارج مكة، وما نزل بعد الهجرة مدني ولو نزل بمكة، ومن أهل العلم من يرى أن المكي ما نزل بمكة ولو كان بعد الهجرة، والمدني ما نزل بالمدينة ولو كان..، ولا يمكن أن يقال ماذا؟ لتتم المقابلة، لا يمكن أن تتم المقابلة هنا، إذا قلنا: إن المكي على القول الثاني، ما نزل بمكة ولو كان بعد الهجرة، فالمدني ما نزل بالمدينة حسب، لا نستطيع أن نتم المقابلة، نعم، وعلى هذا نثبت الواسطة أن هناك ما ليس بمكي وما ليس بمدني، هناك قرآن ليس بمكي ولا مدني، وهو ما نزل خارج مكة وخارج المدينة، فنثبت الواسطة، ولذا المرجح عند أهل العلم؛ لأنه ينضبط أن المكي ما نزل قبل الهجرة، وما نزل بعد الهجرة يكون من المدني، "وهو" أقرب المذكورين المدني، الضمير هو يعود إلى المدني؛ لأنه أقرب المذكورين، "وهو البقرة وثلاث تليها"، البقرة، آل عمران، النساء، المائدة، والأنفال، وبراءة، والرعد، والحج، والنور، والأحزاب، والقتال التي هي ماذا؟ محمد، "وتاليها" الفتح والحجرات "والحديد والتحريم وما بينهما"، الحديد، المجادلة، الحشر، الممتحنة، الصف، الجمعة، المنافقون، التغابن، الطلاق، التحريم، "والقيامة والقدر والزلزلة والنصر والمعوذتان"، يكون المجموع كم؟ تسعاً وعشرين، يكون المجموع تسعاً وعشرين سورة، والباقي؟ مكي، كم يكون الباقي؟ خمسة وثمانين؟ كم؟
طالب:.......
خمسة وثمانون، كلها مكية، وهذا على القول الراجح في الطرفين، وإلا هناك بعض السور مختلف فيها هل هي من المكي أو من المدني؟ ولذا قال: "قيل -يعني هذا قول مرجوح-: والرحمن"، تكون مدنية على هذا القول، وإلا فهي مكية على القول الراجح، من الأدلة على اعتبارها مكية: لما قرأها النبي -عليه الصلاة والسلام- على الصحابة قال -عليه الصلاة والسلام- الجن نعم، موقفهم لما قرأها -عليه الصلاة والسلام- عليهم كان موقفهم أفضل؛ لأنه كلما قال: {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(13) سورة الرحمن]؟ قالوا: ولا بشيء من آلائك ونعمك ربنا نكذب، فينبغي أن يقال مثل هذا لا سيما خارج الصلاة، ولقاؤه -عليه الصلاة والسلام- بالجن إنما كان بمكة، والإنسان والإخلاص قيل: الإنسان مدنية، والأصح أنها مكية، والإخلاص قيل: مدنية، والأصح أنها مكية، ويذكر في سبب نزولها أن قريشاً قالوا: انسب لنا ربك، فنزلت سورة الإخلاص، والفاتحة من المدني، قيل: الفاتحة من المدني وإلا فهي على القول الراجح مكية.
"وثالثها" ثالث الأقوال بالنسبة للفاتحة: أنها نزلت مرتين، "ورابعها" رابع الأقوال بالنسبة للفاتحة أنها نزلت نصفين، نصف بمكة، ونصف بالمدينة.
ثالثها: يعني من شدة الاختصار يقعون في مثل هذا اللبس، القارئ هل يفهم أن ثالثها نزلت مرتين؟ ثالثها؟ ثالث ماذا؟ نعم، ثالثها احتمال ثالث السور نعم التي ذكرت، التي هي سورة الإخلاص احتمال هذا، نعم، لكن من شدة الاختصار يسلكون مثل هذا، والشيخ يعرف الخلاف في الأصل هل هي (إنّ) أو (أنّ)؟ في بعض المختصرات يسوق الخلاف بهذه الطريقة: إنّ وأنّ والثالث وأصلان، نعم؟
صحيح.
من شدة الاختصار، وهذا بقدر ما فيه من صعوبة الأسلوب إلا أنه يربي طالب علم، يعني مثل هذا يسلك عند أهل العلم ولا يعاب عليهم؛ لأنهم إذا فهموا مثل هذه الاصطلاحات يسهل عليهم فهم الكلام الواضح.
ثالثها: يعني ثالث الأقوال في سورة الفاتحة أنها نزلت مرتين، وهذا القول يسلكه بعض أهل العلم صيانة لما ورد، أو صيانة للرواة؛ لئلا يحكم على بعضهم بالوهم، يعني إذا جاءت قصة بسياقين مثلاً ولو كان هذا الاختلاف من بعض الرواة، بعضهم يجبن أن يقول: وهم فلان، أو رواية فلان أرجح، لا سيما إذا كانت الرواية الثانية في الصحيح، فيقول: تعددت القصة، على سبيل المثال قصة الكسوف، كسوف الشمس في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، المقرر عند أهل العلم أنها كسفت مرة واحدة يوم مات إبراهيم ابن النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن لما تعددت الصفة الذي في الصحيحين: أنه صلاها بركوعين، ركعتين كل ركعة فيها ركوعان، وجاءت في بعض الروايات عند مسلم: أنه صلاها بثلاث ركوعات وأربعة، وعند غيره بخمسة ركوعات، فقالوا: تعدد القصة، كسفت الشمس أكثر من مرة، تبعاً لهذا الاختلاف الذي وقع من الرواة، وصيانة الصحيح أمر مطلوب، لكن في مثل هذا المحفوظ عند أهل السير قاطبة أن الشمس لم تكسف إلا مرة واحدة، ولذا شيخ الإسلام -رحمه الله- يرد هذا القول بشيء من السخرية بأصحابه -رحمه الله تعالى-، يقول: "الشمس لم تكسف إلا مرة واحدة، وإبراهيم ابن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يمت إلا مرة واحدة" نعم، نعم صيانة الصحيح أمر مطلوب، لكن عند تعذر الجمع، تعذر الجمع مشكل، لا بد أن يحكم..، وليسوا بمعصومين، الرواة ليسوا بمعصومين، يحصل الوهم، يحصل الخطأ، ومن يعروا من الخطأ والنسيان، وحصل الوهم من بعض الصحابة، إحنا لا ندعي العصمة لأحد، فهنا يقولون: نزلت مرتين، صيانة لما ورد هذا وهذا، لكن مثل هذا..، ما ورد أنها نزلت في المدينة موقوف ليس بمرفوع، نعم، موقوف، فهذا على حد....، موقوف أيضاً على تابعي، على مجاهد، فهذا على حد علمه، هذا اجتهاد منه.
"وقيل: النساء"، القول الأول خلاف ما سيق قبل سيقت السور المدنية، وقيل: أن هذه السور أيضاً مدنية، وهنا قيل: النساء، وقد سيقت في المدني لتكون هنا في القول الثاني مكية، "وقيل: النساء، والرعد والحج والحديد، والصف والتغابن، والقيامة والمعوذتان مكيات"، الخلاف موجود بين أهل العلم، لكن هل يترتب على معرفة المكي و المدني فائدة، أو لا فائدة منها إلا مجرد الإلمام والمعرفة بجميع ما يدور حول كتاب الله -عز وجل- ليكون هذا من النفل؟ من نفل العلم، ومن ملحه لا من متينه؟ نقول: لا، هذا من متين العلم، طالب العلم لا بد أن يعرف السور المكية من السور المدنية، وإذا وجد آية مدنية في سورة مكية على طالب العلم أن يعرفها؛ لأنه يترتب عليه معرفة المتقدم من المتأخر، الناسخ من المنسوخ، هذا مهم جداً.
النوع الثالث والرابع: وهو متعلق بالنزول: الحضري والسفري، يعني ما نزل في الحضر في حال الإقامة، والسفري: ما نزل في حال السفر.
يقول -رحمه الله تعالى-: "الأول كثير" لماذا؟ لأن الإقامة هي الأصل، الإقامة هي الأصل، السفر طارئ خلاف الأصل، فالأول الذي هو الحضري كثير ولذا لا يمثل له، "والثاني -وهو السفري- سورة الفتح" سورة الفتح، وقد نزلت بين مكة والمدينة منصرف النبي -عليه الصلاة والسلام- من الحديبية، ولذا يجزم أهل العلم أن الصلح هو الفتح، نعم، الصلح هو الفتح؛ لأنه ترتب عليه مكاسب عظيمة للدين، فهو فتح وإن قال بعضهم: إن مقدمات الفتح فتح، والصلح مقدمة للفتح.
"والثاني: سورة الفتح"، يعني السفري، "والتيمم في المائدة بذات الجيش أو البيداء"، والقصة معروفة حينما فقدت عائشة العقد، حبست النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في الصحيح، ليسوا على ماء، وليس معهم ماء، وبعث النبي -عليه الصلاة والسلام- في طلب هذا العقد، ثم نزلت...
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة التفسير للسيوطي (2)
شرح [النوع الخامس والسادس: النهاري والليلي، والنوع السابع والثامن: الصيفي والشتائي، والنوع التاسع: الفراشي، والنوع العاشر: أسباب النزول...]
"والثاني: سورة الفتح"، يعني السفري، "والتيمم في المائدة بذات الجيش أو البيداء"، والقصة معروفة حينما فقدت عائشة العقد، حبست النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في الصحيح، ليسوا على ماء، وليس معهم ماء، وبعث النبي -عليه الصلاة والسلام- في طلب هذا العقد ثم نزلت، آية التيمم، حتى قال أسيد بن حضير: "ليست هذه بأول بركتكم يا آل أبي بكر".
"{وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ} [(281) سورة البقرة] بمنى"، نزلت هذه الآية بمنى، وهي من آخر ما نزل إن لم تكن الآخر، على الخلاف الآتي -إن شاء الله تعالى- في حجة الوداع.
"{آمَنَ الرَّسُولُ} [(285) سورة البقرة] إلى آخرها"، يعني آخر سورة البقرة نزل يوم الفتح، هذا قاله المؤلف تبعاً لجلال الدين البلقيني، وإن لم يقف على ما يؤديه من الخبر.
"{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ}[(1) سورة الأنفال]، و{هَذَانِ خَصْمَانِ}[(19) سورة الحـج] ببدر"، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ} في غنائم بدر كما هو معروف، نزلت في بدر، وبدر حال سفر، و{هَذَانِ خَصْمَانِ} أيضاً في المبارزة التي حصلت يوم بدر أيضاً.
"و{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}[(3) سورة المائدة] نزلت بعرفات"، وهذا في الحديث الصحيح لما قال اليهودي: "لو علينا نزلت معاشر اليهود، لو علينا نزلت هذه الآية معاشر اليهود لاتخذنا ذلك اليوم عيداً"، فقال عمر -رضي الله عنه-: "والله إني لأعلم الزمان والمكان نزلت بعرفة وهو عيد"، والخلاف في تسميته عيد يعني معروف عند أهل العلم، وإن كان العيد عيد الحج الذي يليه.
"{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ}[(126) سورة النحل] بأحد"، {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ}[(126) سورة النحل] يعني مماثلة، مماثلة في القتل، وليس مثلة، وذلكم بأحد لما رأى التمثيل، لما رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- التمثيل بعمه حمزة.
النهاري والليلي:
"النوع الذي يليه وهو الخامس والسادس: النهاري والليلي"، يعني ما نزل بالنهار وما نزل بالليل، يقول: "الأول كثير"؛ لأن النهار هو وقت اليقظة، هو وقت اليقظة، "والثاني قليل" لأنه في الغالب وقت النوم، عكس ما عليه الناس اليوم، انتشار الناس في الليل، وسكونهم وراحتهم في النهار.
فالأول الذي هو النهاري ما نزل بالنهار كثير؛ لأنه وقت اليقظة والانتشار، والليلي قليل، لكن له أمثلة كثيرة، يعني كثير كثرة نسبية، إيش معنى كثرة نسبية؟ له أمثلة كثيرة لكنها أقل بكثير من الأول، له أمثلة، يعني لو صار له عشرة أمثلة مثلاً عشرين مثال صارت كثيرة، لكن بالنسبة لعدد آي القرآن قليلة، وسور القرآن قليلة،
"منها سورة الفتح"، ((لقد أنزل علي الليلة سورة هي أحب علي مما طلعت عليه الشمس)) فقرأ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا}[(1) سورة الفتح] "وآية القبلة"، آية القبلة آية التحويل، حيث صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- صلاة الصبح، على خلاف بين أهل العلم في الصلاة التي صلاها أول صلاة صلاها إلى الكعبة، لكنه قال: ((أنزل علي الليلة قرآن)) يعني وجه، {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(144) سورة البقرة] فنزلت عليه ليلاً -عليه الصلاة والسلام-.
"وآية القبلة، و{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ} [(59) سورة الأحزاب] الآية"، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ} [(59) سورة الأحزاب] لما خرجت سودة تقضي حاجتها، متحجبة حجاباً كاملاً، لكن غيرة عمر -رضي الله عنه- على نساء النبي -عليه الصلاة والسلام- جعله يقول: "قد عرفناك يا سودة" هي تضايقت من هذا الكلام، فعرض ذلك على النبي -عليه الصلاة والسلام- فأنزلت هذه الآية، آية الحجاب، وأخذ كونها نزلت ليلاً من كون النساء في ذلك الوقت لا يخرجن لقضاء الحاجة إلا ليلاً، كما في حديث عائشة، يعني أخذ كونها نزلت ليلاً من هذا، يعني لا يعرف أن النساء يخرجن بالنهار يتسكعن في الشوارع ذهاباً وإياباً بين..، يختلطن بالرجال، ويضطررن الرجال أحياناً إلى لزوم أصول الحيطان ولهن أوساط الطرق، لا، جاء النهي عن ذلك، فللمرأة حافت الطريق إذا اضطرت إلى الخروج، وإلا فالأصل: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [(33) سورة الأحزاب] هنا يخرجن في الخفاء، في الظلام لقضاء الحاجة، والبيوت ليس فيها كنوف، هذه ضرورة.
"وآية الثلاثة الذين خلفوا في براءة"، الثلاثة الذين خلفوا في غزوة تبوك، {وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} [(118) سورة التوبة] إلى آخرها، وقصتهم معروفة في الصحيح، وهم كعب بن مالك، ومرارة بن ربيع، وهلال بن أمية، نزلت توبتهم في الثلث الأخير من الليل، وبشرهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بذلك في صلاة الصبح، فهذا من الليلي.
الصيفي والشتائي:
"والنوع السابع والثامن: الصيفي والشتائي: الأول كآية الكلالة" الصيفي، واقتصروا من فصول السنة على هذين مع أن الفصول أربعة، الفصول أربعة: الصيف والخريف والشتاء والربيع، أو العكس الصيف والربيع والشتاء والخريف، هي أربعة على كل حال، فاقتصروا منها على هذين إما لأن كل واحد من الاثنين الآخرين لاحق وتابع للذي قبله، أو لأنه لم يرد أن هذه نزلت في الربيع وهذه نزلت في الخريف، بينما في الصيفي آية الكلالة قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لعمر بن الخطاب: ((ألا تكفيك آية الصيف؟)) وهي التي في آخر سورة النساء، {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ} [(176) سورة النساء].
"والثاني: الشتائي كالآيات العشر في براءة عائشة"، ذكرت عائشة -رضي الله عنها- أنها لما نزلت الآيات العشر في براءتها أنه يتحدر منه العرق مثل الجمان، في يوم شاتٍ، وإن نازع بعضهم، نازع بعضهم أن تكون هذه..، هذا الحديث نص في كونها نزلت في الشتاء، وإنما تشرح الواقع أنه إذا نزل عليه الوحي أصابه العرق والرحضاء حتى في اليوم الشاتي، لكن ظاهر النص يدل على أنها نزلت في الشتاء.
يمثل بعضهم بالصيفي والشتائي بآيتي الكلالة، فالتي في أوائل سورة النساء شتائية، والتي في آخرها صيفية.
الفراشي:
"النوع التاسع: الفراشي، كآية الثلاثة الذين خلفوا" تقدم أنها نزلت في الثلث الأخير من الليل، وهو في فراشه -عليه الصلاة والسلام-، ويلحق به ما نزل وهو نائم كسورة الكوثر؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في صحيح مسلم قرأها لما أغفى إغفاءة وهو في المسجد: ((لقد أنزلت علي آنفاً سورة)) ثم تلاها، بسم الله الرحمن الرحيم: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [(1) سورة الكوثر] إلى آخره.
أغفى إغفاءة ثم انتبه استيقظ فقال: ((لقد أنزلت علي آنفاً سورة))، وإن كان الاحتمال قائم أنها أنزلت عليه قبل النوم، ثم بعد ذلكم عرض عليه ما تضمنته من الكوثر في النوم، هذا يخرجه بعض أهل العلم ليخرج من كون بعض الوحي نزل في حال النوم، وإن كانت رؤيا الأنبياء وحي، بل يريد أن يطرد أن كل الوحي في حال اليقظة.
بعضهم يقول: لا يلزم أن تكون نزلت عليه السورة في حال النوم، إنما نزلت قبل ذلك، ولما أغفى -عليه الصلاة والسلام- عرض عليه الكوثر، فانتبه من نومه وهو يقرأ السورة، ((لقد أنزلت علي آنفاً)) فلا يلزم أن تكون في النوم، وعلى كل حال، رؤيا الأنبياء وحي، فلا مانع من أن تكون نزلت عليه وهو في النوم -عليه الصلاة والسلام-.
النوع العاشر: أسباب النزول:
"النوع العاشر: أسباب النزول"، وبعضهم يقول: إن معرفة أسباب النزول قيمتها لا تعادل التعب من ورائها، هي مجرد سرد تاريخي لما حصل، وهذا الكلام ليس بصحيح وإن قيل؛ لأن معرفة السبب تورث العلم بالمسبب، وكم من كلام يستغلق في كتاب الله -عز وجل-، وفي سنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وفي كلام الناس العادي يستغلق، كم من بيت شعر لا يفهم إلا بسببه، فإذا عرف السبب -كما يقولون- بطل العجب، أيضاً معرفة السبب وذكر السبب يدل على أن الراوي ضبط ما روى، وهذا في غير القرآن، ومن فوائد معرفة الأسباب: قصر عموم اللفظ عليه عند الحاجة، أهل العلم يطبقون والخلاف لا يكاد يذكر أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، بعضهم ينقل الإجماع على ذلك، والخلاف معروف في مذهب مالك، وإن لم يكن هو المعتمد، لكنه معروف.
من فوائد معرفة السبب: إدخال السبب في النص، فلا يتطرق إليه إخراج بحال من الأحوال؛ لأن دخوله قطعي.
الفائدة التي أشرنا إليها قبل وهو أنه قد يقصر النص على سببه عند التعارض، فمثلاً في قوله -جل وعلا-: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ} [(115) سورة البقرة] عمومه يدلك على أي جهة اتجهت صلِ، نعم، عموم، فهل نعمل بهذا العموم؟ نعم لماذا؟ لأن السبب، السبب احتجنا إليه، وهو أنهم اجتهدوا فصلوا فتبين أنهم صلوا إلى غير القبلة، فنزل قوله: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ} [(115) سورة البقرة] يعني بعد التحري والاجتهاد إذا تبين أنك أخطأت صلاتك صحيحة، {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ} [(115) سورة البقرة] لكن بعد الاجتهاد والتحري، وإلا فالأصل أن استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة لا تصح إلا بها، هذا الأصل، فقصرنا الحكم على سببه، قصرنا النص على سببه؛ لأن عموم النص معارض، معارض، عمومه معارض فاحتجنا للتوفيق بين هذه النصوص أن نقصر الحكم على سببه، ومثال من السنة يوضح المراد: في حديث عمران بن حصين: ((صلِ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)) دل هذا الحديث بعمومه على أن المتستطيع لا تصح صلاته إلا من قيام، لا تصح صلاته إلا من قيام، ويشمل جميع الصلوات، الفريضة والنافلة، العادية ذات الركوع والسجود، الطارئة صلاة جنازة، صلاة كسوف، أي صلاة لا تصح إلا من قيام، هذا بعمومه يتناول جميع الصلوات، لكن عندنا حديث آخر: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) لا بد أن نتصرف أمام هذين النصين؛ لأن هذا بعمومه يشمل جميع أنواع الصلاة فلا تصح مع الاستطاعة إلا من قيام، والثاني أيضاً بعمومه؛ لأنه مفرد مضاف ((صلاة القاعد)) فيعم، على النصف من أجر صلاة القائم يدل على صحة الصلاة جميع الصلوات، لكن الأجر نصف أجر، نحتاج إلى سبب لنقصر الحكم على سببه.
النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل المسجد والمدينة محمة، فيها حمى، فوجدهم يصلون من قعود، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) فتجشم الناس الصلاة قياماً، فسبب الورود -وهو نظير سبب النزول بالنسبة لعلوم القرآن- أن الصلاة كانت نافلة بدليل أنهم صلوا قبل حضوره -عليه الصلاة والسلام-، ولا يصلون الفريضة قبل حضوره.
الأمر الثاني: أنها بالنسبة للقادر على القيام نافلة للقادر على القيام، فإذا صلى نافلة هو قادر على القيام له من الأجر النصف، لكن إن صلى نافلة وهو عاجز عن القيام أجره كامل، إن صلى فريضة وهو قادر على القيام صلاته غير صحيحه لحديث عمران، فقصرنا الحديث الثاني على سببه؛ لأن عمومه معارض بنص آخر، فنحتاج للتوفيق بين النصوص أن ننظر في سبب الورود أو سبب النزول كما هنا، ونسلك قصر النص على سببه لوجود المعارض.
المصنفات في أسباب النزول:
"أسباب النزول، وفيه تصانيف"، الأسباب: هي البواعث للنزول وللورود بالنسبة للحديث، وفيه تصانيف كثيرة من قبل أهل العلم، "وما روي فيه عن صحابي فمرفوع"، ما روي فيه عن صحابي فمرفوع، يعني إذا قال الصحابي: نزلت هذه الآية في كذا، أو سبب نزولها كذا فحكمه حكم الرفع، لماذا؟ لأن النزول النبي -عليه الصلاة والسلام- طرف فيه، النزول عليه، فهو ينسب شيئاً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ولو لم يصرح برفعه، فمادام النبي -عليه الصلاة والسلام- طرف في الموضوع إذاً الصحابي ينسبه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو مرفوع، وقال بهذا جمع من أهل العلم، وإن رأى بعضهم أنه من قبيل الموقوف حتى يصرح بأن هذا هو السبب، وأنه ليس ناتج عن استنباط؛ لأنه أحياناً قد يستروح الصحابي إلى أن هذا هو السبب، وهو في الحقيقة ناتج عن اجتهاد كما يقول بعضهم.
الحاكم يرى أن تفسير الصحابي، تفسير الصحابي له حكم الرفع، وَحَمَلَه..، حمل أهل العلم كلامه على سبب النزول، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
وعدُّ ما فسره الصحابي |
| رفعاً فمحمول على الأسبابِ
|
يورد على حمله على الأسباب كونك تجد في الآية الواحدة أكثر من سبب، وقد يقول الصحابي: فنزل قوله تعالى، وإذا بحثت في الطرق الأخرى وجدت أن الآية نزلت قبل القصة، فمثلاً في الصحيح لما استشكل الصحابة الظلم "وأينا لم يظلم نفسه؟" لما نزل قوله -جل وعلا-: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} [(82) سورة الأنعام] بظلم: نكرة في سياق النفي فهي تعم جميع أنواع الظلم، استشكلوا، وأينا لم يظلم نفسه؟ فقال: ((الظلم))..، فنزل قوله تعالى -نعم هذا المراد- فنزل قوله تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [(13) سورة لقمان] هذه رواية صحيحة، {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}، وفي رواية أخرى وهي صحيحة أيضاً: ((ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}؟، وهنا تفسير منه -عليه الصلاة والسلام- للظلم ببعض أفراده، تفسير للظلم ببعض أفراده، وتفسر العام ببعض أفراده لا يقتضي الحصر ولا القصر، فالآية يدخل فيها الشرك دخولاً أولياً، لتفسير النبي -عليه الصلاة والسلام- الظلم به، ويدخل فيها أنواع الظلم الأخرى، النبي -عليه الصلاة والسلام- فسر القوة بالرمي، {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [(60) سورة الأنفال] فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((ألا إن القوة الرمي)) هل يعني هذا أننا لا نستعد إلا بالرمي؟ أو نستعد بجميع أنواع ما يعنينا على قتال العدو؟ يعني تفسير العام ببعض أفراده نعم يدل على الاهتمام بهذا الفرد والعناية به، لكن لا يعني قصر الحكم عليه، الأمثلة كثيرة، يعني تفسير المفلس نعم من يأتي بكذا وكذا، نعم المفلس له..، الإفلاس له صور، فهذه ننتبه لها، فتفسير العام ببعض أفراده لا يعني قصر الحكم عليه، وهذا استطراد، فالذي يهمنا أن الصحابي قال: فنزلت فنزل قوله تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [(13) سورة لقمان]، مع قوله -عليه الصلاة والسلام- في الرواية الأخرى: ((ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح؟)) فدل على أنه قد يدخله الاجتهاد، قد يدخله الاجتهاد، لكن على كل حال اجتهاد الصحابي إذا لم يعارض كما هنا هو الأصل، ويتجه قول من يقول: له حكم الرفع.
"فمرفوع، فإن كان بلا سند فمنقطع"، إن كان بلا سند يعني ساقه المفسرون أو في كتب أسباب النزول بلا سند إلى الصحابي، قال ابن عباس: نزل قوله تعالى كذا في كذا، أو قال ابن عمر، أو قال أحد الصحابة فمنقطع، "أو تابعي فمرسل" أو تابعي فمرسل كيف؟ "فإن كان بلا سند" يعني يروى عن الصحابي بلا سند "فمنقطع"، وعلى هذا يكون مردوداً "أو تابعي فمرسل"، يعني إذا قال التابعي: نزلت هذه الآية في كذا بسند متصل إلى التابعي فيكون حينئذ مرسل، لماذا؟ لأننا افترضنا المسألة في سبب نزول، وسبب النزول عندهم لا يقال بالرأي، فله حكم الرفع، وما له حكم الرفع إذا روي عن الصحابي بسند متصل مرفوع انتهى الإشكال، حكمه حكم الرفع، إذا روي عنه بسند منقطع فهو أيضاً مرفوع، لكنه يبقى أنه..، له حكم الرفع لكن يبقى أنه منقطع، ويرد للانقطاع.
إذا قاله التابعي بسند متصل عنه وقاله..، وافترضنا أن سبب النزول لا يقال بالرأي، نعم، فله حكم الرفع، لكنه يبقى أنه مرسل لسقوط الواسطة وهو الصحابي، وعلى هذا لا إشكال في العبارة، وإن أشكلت على كثير ممن تكلم على هذا الفن، لكن يبقى أنها لا إشكال، إذا تصورنا أنهم بحثوا أسباب النزول على أساس أنها لا تدرك بالرأي، لا تدرك بالرأي، نعم، فإن ثبتت عن الصحابي بسند متصل صحيح إليه فلها حكم الرفع، وحينئذ تكون مقبولة، لكن إن قاله الصحابي ووري عنه بإسناد فيه انقطاع، أو بلا سند أصلاً فهو مردود للانقطاع، وإن كان له حكم الرفع ما كل مرفوع مقبول، أيضاً إن كان عن التابعي بسند متصل، نعم، له حكم الرفع، لكن يبقى أنه مرسل لعدم ذكر الصحابي، فيكون التابعي كأنه رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-،
مرفوع تابع على المشهورِ |
| فمرسل أو قيده بالكبيرِ ج |
وإن ثبت عن تابعي..، وإن نقل عن تابعي بلا سند يجتمع فيه الإرسال والانقطاع فهو أسوأ من الذي قبله. "وصح فيه أشياء"، وصح فيه أشياء في أسباب النزول صح كثير، وكتب التفسير لا سيما التي تعنى بالآثار مملوءة من أسباب النزول ومنها الصحيح ومنها الحسن والضعيف، فيها المقبول والمردود، فيها ما يتعدد فيه السبب لنازل واحد، وأهل العلم يختلفون في هذا إذا تعدد السبب، وألفت فيه المصنفات المستقلة.
يقول: "صح فيه أشياء"، يعني كثيرة، "كقصة الإفك"، قصة الإفك، يعني قصة الإفك التي حصلت لما فقدت عائشة العقد ونامت وذهبوا وتركوها نعم، فرآها مسطح، نعم.
طالب:........
كيف؟
طالب:........
نعم، اجهر، اجهر.
طالب: صفوان.
صفوان نعم، صفوان ابن أمية؛ لأن مسطح وقع في الإفك، نعم، رآها صفوان، ولا هو ابن أمية، صفوان بان المعطل نعم، رآها فحملها على جمله، فوقع المنافقون فيما وقعوا فيه من الإفك، وولغوا فيه، وغُمت عائشة لذلك، واهتمت وتأثرت، وتأخر نزول الوحي لشدة البلوى، ليعظم الأجر، ويعظم الوزر، ثم نزلت براءتها في عشر آيات تتلى إلى يوم القيامة من سورة النور، والصبر والاعتماد والتوكل على الله -جل وعلا- يفرج الكربات.
قلنا في مناسبات كثيرة: إنه قد تتعرض العفيفة لمثل هذا، لا سيما في مثل الظروف التي نعيشها، يمكن أن تحضر مناسبة فتصور، والآلات الآن تخدم الفساد وأهل الفساد، يُدبلج على صورتها صورة عارية، ثم بعد ذلك يدبلج معها من يزاول الفاحشة معها، وهي بريئة، ثم بعد ذلكم من الأساليب الإبليسية الضغط عليها بهذه الصورة، فنقول لمن يحصل لها مثل ذلك: أن تعتصم بالله وتتوكل عليه، ولا تستجيب بحال من الأحوال، وسوف يبرأها الله -جل وعلا- مما نسب إليها، هذه عائشة رغم ما قيل وما استفاض وما لاكته الألسنة والرسول -عليه الصلاة والسلام- لا ينتصر لنفسه، فبعد مدة نزلت براءتها من السماء، وطول المدة ليعظم الأجر لمن ابتلي، ويعظم الوزر على من ولغ، والمسألة ابتلاء، والقصة معروفة في الصحيح.
"والسعي" السعي {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [(158) سورة البقرة] والآية قد يستدل بها من لا يرى وجوب السعي، لكن إذا عرفنا سبب النزول زال الإشكال، سبب النزول: أن عرف في جاهليتهم يهلون للأصنام، وقد وضعوا على الصفاء واحد وعلى المروة ثاني، وكانوا يسعون بين الصفاء والمروة لهذين الصنمين، فتأثم الصحابة، تحرجوا أن يسعوا، وقد أمرهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بالسعي فنزل قوله -جل وعلا-: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ} [(158) سورة البقرة] ، يعني لا إثم، ولا..، التحرج هذا لا قيمة له؛ لأنكم مأمورون بهذا، نعم نحن مأمورون بمخالفة المشركين، لكن فيما لم يرد فيه نص، ما لم يرد فيه أمر توجيه شرعي، إذا جاءنا أمر..، نحن مأمورون بمخالفة المشركين، لكن قد يقول قائل: كثير من اليهود يعفون لحاهم لماذا لا نخالفهم لأننا مأمورون بمخالفتهم؟ نقول: يا أخي جاءك النص بالأمر بإعفاء اللحية، فلو أطبق اليهود كلهم والنصارى على إعفاء لحاهم ما خالفناهم؛ لأننا مأمورون بإعفاء هذه الشعيرة.
"والسعي وآية الحجاب -وآية الحجاب- والصلاة خلف المقام، و{عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ} [(5) سورة التحريم] الآية"، الثلاث الآيات من موافقات عمر، فجاء في الصحيح أن عمر -رضي الله عنه- قال: "وافقت ربي في ثلاث: في الحجاب، والصلاة خلف المقام، وقال: إن نساءك يراهن البر والفاجر فلو حجبتهن، وقال: لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، وقال لنسائه لما رفعن أصواتهن عليه -عليه الصلاة والسلام-: "عسى ربه إن طلقكن" ونزلت الآيات الثلاث موافقة لعمر، وموافقات عمر أكثر من الثلاث، تبلغ نحو الشعرين، جمعت في مصنف للسيوطي وغيره.
"النوع الحادي عشر: أول ما نزل" الأصح وعليه الأكثر أن أول ما نزل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [(1) سورة العلق] أولاً: بداية التنزيل في رمضان، بداية التنزيل في رمضان، والنبي -عليه الصلاة والسلام- بُعث على رأس الأربعين، ومقتضى ذلك أن تكون بعثته في ربيع، هذه الستة الأشهر التي من ربيع إلى رمضان، من ربيع إلى رمضان هذه الستة الأشهر كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يرى فيها الرؤيا الصالحة، كان الوحي إليه من طريق الرؤيا، ورؤيا الأنبياء وحي، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح؛ لأنه قد يقول قائل: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، فماذا عن الستة الأشهر الأولى؟ نقول: إنها هي وقت الرؤيا الصادقة، الصالحة، وجاءت بها النصوص، وبهذا يتجه قول من يوجه حديث: ((الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزاءً من النبوة)) لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- عاش ثلاثاً وعشرين سنة بعد النبوة إلى وفاته -عليه الصلاة والسلام-، والرؤيا ستة أشهر يعني نصف سنة، فإذا نسبنا الستة الأشهر إلى الثلاث والعشرين، تطلع نسبتها واحد على ستة وأربعين، فهي جزء من ستة وأربعين جزاءً.
الأصح أنه {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}[(1) سورة العلق]، وهذا قول الأكثر، ثم المدثر، وجاء في الصحيح عن جابر: "أن أول ما نزل المدثر"، أول ما نزل المدثر، لكن في الحديث ما يدل على أن أول ما نزل {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [(1) سورة العلق] سئل جابر: ما أول ما نزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [(1) سورة المدثر] ثم ساق القصة، وفيها: ((فإذا الملك الذي جاءني بحراء)) ومعروف أذاً أن حراء قبل نزول المدثر، وحراء القصة التي نزلت فيها سورة اقرأ، من لازم ذلك أن تكون سورة اقرأ قبل المدثر، ويكون قول جابر: "أن أول ما نزل على النبي -عليه الصلاة والسلام- المدثر" يعني بعد فترة الوحي، بعد فترة الوحي، ولذلك في قصة البعثة: "ثم فتر الوحي" فتكون الأولية أولية نسبية، يعني بالنسبة لما بعد فترة الوحي، وأولية اقرأ باسم ربك أولية مطلقة، وبهذا تتفق النصوص وإلا فحديث جابر في الصحيح، هذا على الإطلاق، أول ما نزل مطلقاً اقرأ.
المدثر أول ما نزل بالنسبة لما بعد انقطاع..، أو من فترة الوحي، وأول ما نزل بالمدينة {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ} [(1) سورة المطففين] وقيل: البقرة أول ما نزل بالمدينة، يقابل أول ما نزل آخر ما نزل، وهو النوع الثاني عشر، وهو النوع الثاني عشر.
قيل آخر ما نزل، يقول المؤلف: "آية الكلالة" آخر سورة النساء، "وقيل: آية الربا، وقيل: {وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ} [(281) سورة البقرة] وقيل آخر: براءة، وقيل..، يقول عندكم إيش؟
طالب:.......
سورة النصر في آخر؟ ما نحتاجها سورة النصر حتى إيش آخر براءة؟ وقيل: براءة، قيل: آية الكلالة، وهي آخر سورة النساء، وهي آية الصيف، التي تقدم ذكرها، وقيل: آية الربا، والمقصود بها ما جاء في أواخر سورة البقرة، وقيل: {وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ} [(281) سورة البقرة] ولا معارضة بين هذا القول والذي قبله؛ لأن هذه الآية هي التي تلي آيات الربا فعلها نزلت معها، وقيل: آخر براءة، {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ} [(128) سورة التوبة] نعم، كمل؟ {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم} [(128) سورة التوبة] نعم {فَإِن تَوَلَّوْاْ} [(129) سورة التوبة] نعم، "وقيل: سورة النصر" وهي التي نعت النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأخبرت بدنو أجله، كما في حديث ابن عباس، "وقيل: براءة آخر ما نزل" وقيل: براءة آخر ما نزل، النبي -عليه الصلاة والسلام- أرسل أبا بكر أن ينذر الكفار في..، قبل حجة الوداع سنة كم؟ سنة تسع من الهجرة، سنة تسع من الهجرة، بعثه ببراءة للتبري من المشركين، ثم أردفه بعلي -رضي الله عن الجميع-، فكونه بعث بها أبا بكر سنة تسع، ونزل بعدها قرآن كثير آيات وسور، سورة النصر قطعاً بعدها؛ لأنها أبانت عن دنو أجله -عليه الصلاة والسلام-، ولذا القول بأن براءة آخر ما نزل فيه ما فيه.
انتهينا مما يتعلق بالنزول على هذا الوجه المجمل الذي سمعتموه ويقتضيه الحال وهو طلب إكمال الكتاب.
منها ما يرجع إلى السند، وهذا بحث مستقل لا علاقة له بما قبله، إن رأيتم أن نشرع فيه لا بأس، الرأي نشوف الشيخ؟
أحسن الله إليكم وأثابكم على هذا الشرح الموجز الوافي.
اللهم صلِ على عبدك ورسولك، خلاص.
أحسن الله إليكم، وأثابكم على هذا الشرح، وهذه الفتاوى الموفقة المسددة، ولنا -إن شاء الله- موعد مع فضيلة شيخنا في الغد، نسأل الله -جل وعلا- أن يحفظه بحفظه، ويكلأه برعايته، ويثيبه ويجزيه أحسن الجزاء.
وأطلب من الإخوة الذين هم قريبون من جامعة الإمام أن يحملوا معهم إخوانهم من الجامعة، فمن أراد أن يفضل على إخوانه فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: ((من كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له)) لأن حافلة الجامعة اليوم لن تأتي، فأثابكم الله.
"