تعليق على تفسير سورة الأنعام من أضواء البيان (04)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي –رحمه الله تعالى-: "قوله تعالى: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُمْ مَا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:94] ذكر في هذه الآية الكريمة أن الأنداد التي كانوا يعبدونها في الدنيا تضل عنهم يوم القيامة، وينقطع ما كان بينهم وبينها من الصلات في الدنيا، وأوضح هذا المعنى في آياتٍ كثيرةٍ جدًّا، كقوله: {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف:6] وقوله: {كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} [مريم:82]، وقوله: {وإِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [العنكبوت:25]، وقوله: {أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ} [الشعراء:92-93]، وقوله هنا: {وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ} [الأنعام:94] الآية".

طالب:.......

ماذا فيه؟

طالب:.......

جمع صلة "وبينها من الصلات في الدنيا" جمع صلة التاء مفتوحة.

كتاب للفيروزآبادي اسمه (الصِّلات والبُشر في الصلاة والسلام على خير البشر) الصِّلات جمع صِلة، وإلا فالصلاة معروفة.

طالب:......

عندنا من الصِّلات جمع صِلة، اسمه (الصِّلات والبُشر في الصلاة والسلام على خير البشر) الفيروزآبادي صاحب القاموس.     

"قوله تعالى: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا} [الأنعام:96] أي: مظلمًا ساجيًا؛ ليسكن فيه الخلق؛ فيستريحوا من تعب الكد بالنهار، كما بيَّنه قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا} [يونس:67]، وقوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ* وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [القصص:71-73]".

لو تصور الإنسان أن الدنيا كلها نهار بدون ليل أو ليل بدون نهار، من رحمة الله –جلَّ وعلا- بخلقه أن جعل الزمن ليل ونهار؛ لأن للنهار وظائفه التي لا تصلح في الليل، ولليل وظائفه مما لا تقوم حاجة البشر أو الخلق إلا به مما لا يصلح بالنهار {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ} [القصص:73] يعني الليل، {وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [القصص:73] يعني في النهار.

وكثير من الناس اليوم بعد إضاءة الليل بالإضاءة التي هي فوق ما يحتاجه الناس انقلبت موازينه، فصاروا يسهرون الليل كله، وينامون النهار، وهذا فيه من الأضرار الدينية، والصحية، والدنيوية الشيء الكثير، يعني انقلاب الموازين بهذه الصورة وبهذه الطريقة لا شك أنه ليس من مصلحة المسلم، يعني الكافر يُمكن أن يسهر بالليل إلى أن يأتي النهار وينام بالنهار إلى أن يأتي الليل، لكن أضراره الصحية عليه هو لا ينظر إلى أضرار دينية، ولا يحسب أي حساب لقيام الليل، واللجوء إلى الله –جلَّ وعلا- والانطراح بين يديه، ولا يتلذذ بمناجاته، حتى كثير من المسلمين هذه المعاني قد تكون غائبة عنهم، لكن الكلام على مَن مّنَّ الله عليه، ويُضيع بعض هذه الأشياء، فلا يكون بينه وبين غيره فرق ممن يسهرون الليالي الطوال، وإذا كان السهر في أمورٍ مُباحة فالأمر أخف، لكن الإشكال إذا كان السهر في أمورٍ مُحرَّمة، هذه الكارثة بالنسبة للمسلم.

طالب: ........

هذه الرحمة التي عمَّت من قُسِم يومه إلى ليلٍ ونهار هذا تخلفت عنه، وقد يُعطون من أنواع الرحمات ما لا يُوجد في غيرهم من البلدان، الله –جلَّ وعلا- حكيمٌ عليم ولا يصنع شيئًا إلا لحكمة، فكون هذه الحكمة تتخلف في الظاهر، وقد يعوِّضهم الله ما يقوم مقام هذه الحكمة هذا التقليب بالليل والنهار يعوِّضهم الله {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف:49]، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46].

كثير من الناس يحتج بأن بلاد الكفر في الغالب الأجواء أطيب من بلاد المسلمين، والأمطار دائمة والخُضرة، والنعيم في الدنيا، وغفل أن هذه «الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ» لا بُد للإنسان أن يستحضر النصوص، ولا يعترض على حكمة الله –جلَّ وعلا- في هذه الأمور.

طالب:.......

لا لا، لكنه ستة أشهر وستة أشهر.

طالب:.......

على كل حال هو ليس بدائم، ولكن مع ذلك كون الليل والنهار تتعاقب على المرء لا شك أنها من مصلحته.

"وقوله: {لِتَسْكُنُوا فِيهِ} [القصص:73] يعني الليل، {وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [القصص:73] يعني بالنهار".

يعني من باب اللف والنشر المرتب.

"{وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ} [فصلت:37] الآية.

قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الأنعام:97] الآية، ظاهر هذه الآية الكريمة أن حكمة خلق النجوم هي الاهتداء بها فقط، كقوله: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل:16] ولكنه تعالى بيَّن في غير هذا الموضع أن لها حكمتين أخريين غير الاهتداء بها، وهما تزيين السماء الدنيا، ورجم الشياطين بها، كقوله: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} [الملك:5] الآية، وقوله: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ * لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ * إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} [الصافات:6-10]، وقوله: {وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [فصلت:12]".

جاء في الأثر عن قتادة أن النجوم خُلِقت لثلاث:

زينة للسماء.               رجومًا للشياطين.             وعلامات يهتدي بها الناس.      

كما جاء في الآيات المذكور.

طالب:........

{وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا} [فصلت:12] عندك (ولقد)؟

طالب:.......

زائدة، نعم.

"قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ} [الأنعام:98] الآية لم يُبيِّن هنا كيفية إنشائهم من نفسٍ واحدة، ولكنه بيَّن في مواضع أُخر أن كيفيته أنه خلق من تلك الواحدة التي هي آدم زوجها حواء، وبثَّ منهما رجالاً كثيرًا ونساءً كقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء:1]، وقوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف:189]".

{فَمُسْتَقَرٌّ} [الأنعام:98] المستقر قرار المخلوقات على ظهر الأرض {وَمُسْتَوْدَعٌ} [الأنعام:98] إيداعٌ في بطنها بعد موته {فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَعٌ} [الأنعام:98].

"قوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام:103] الآية، أشار في مواضع أخر إلى أن نفي الإدراك المذكور هنا لا يقتضي نفي مطلق الرؤية، كقوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ* إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22-23]، وقوله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26] والحسنى الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الله الكريم، وقوله: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15] يُفهم منه أن المؤمنين ليسوا محجوبين عنه، وهو كذلك".

والرؤية أعظم نعيمٍ لأهل الجنة، وقد ثبتت بالقرآن –كما سمعتم- وبمتواتر السُّنَّة أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة لا يُضامون في رؤيته، كما يرون القمر ليلة البدر، وهذا كما هو معلوم تشبيهٌ للرؤية بالرؤية وليس من باب تشبيه المرء بالمرء، ومعلومٌ أن التشبيه لا يقتضي المشابهة بين المشبَّه به والمشبَّه من كل وجه، ولو بأدنى مشابهة يحصل التشبيه كما شُبِّه أول زمرةٍ تدخل الجنة وجوههم كالبدر، هل هذا التشبيه مطابق؟ ليس مطابقًا من كل وجه، إنما في النور والاستدارة وشيءٌ من هذا، أما البدر ليس له أنف، وليس له عيون، وليس له فم، فالتشبيه لا يقتضي المطابقة للمشبه والمشبه به من كل وجه.

"قوله تعالى: {وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ} [الأنعام:105] الآية، يعني ليزعموا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما تعلم هذا القرآن بالدرس والتعليم من غيره من أهل الكتاب، كما زعم كفار مكة أنه -صلى الله عليه وسلم- تعلم هذا القرآن من جبرٍ ويسار، وكانا غلامين نصرانيين بمكة، وقد أوضح الله تعالى بطلان افترائهم هذا في آيات كثيرةٍ، كقوله: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل:103]".

كيف يتم التفاهم بين عربيٍّ لا يعرف من الأعجمية شيئًا، وبين أعاجم لا يفهمون من العربية شيئًا؟ لا يُمكن التفاهم بينهم، فهم يزعمون أنه تلقاه من فلان وفلان وهم أعاجم، والقرآن عربي، والرسول –عليه الصلاة والسلام- عربي لو ادعوا ذلك بالنسبة لعربي، وأنَّى لهم أن يدعوا؟ وأنَّى لهم أن يصدقوا في دعواهم؟ والرسول –صلى الله عليه وسلم– إنما تلقى هذا القرآن عن ربه بواسطة جبريل- عليه السلام-.

"وقوله: {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ} [المدثر:24]".

{فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ} [المدثر:24].

"وقوله: {فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ* سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر:24-26] ومعنى يؤثر: يرويه محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- عن غيره في زعمهم الباطل، وقوله: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا * وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الفرقان:4-6] إلى غير ذلك من الآيات، وفي قوله: {دَرَسْتَ} [الأنعام:105] ثلاث قراءاتٍ سبعيات: قرأه ابن كثيرٍ، وأبو عمر دارست".

"دارست" بالمفاعلة.

"دارست بألفٍ بعد الدال مع إسكان السين وفتح التاء من المفاعلة بمعنى: دارست أهل الكتاب ودارسوك حتى حصَّلت هذا العلم. 

وقرأه بقية السبعة غير ابن عامر: درست بإسقاط الألف، مع إسكان السين وفتح التاء أيضًا، بمعنى درست هذا على أهل الكتاب حتى تعلمته منهم".

الثالثة "درست" نعم.

"وقرأه ابن عامر: دَرَسَت بفتح الدال والراء والسين وإسكان التاء على أنها تاء التأنيث، والفاعل ضميرٌ عائدٌ إلى الآيات المذكورة في قوله: {وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ} [الأنعام:105].

قال القرطبي: وأحسن ما قيل في قراءة ابن عامر أن المعنى: ولئلا يقولوا: انقطعت وانمحت، وليس يأتي محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- بغيرها. انتهى.

وقال القرطبي: {وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ} [الأنعام:105] الواو للعطف على مضمرٍ، أي: نُصرِّف الآيات لتقوم الحجة {وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ} [الأنعام:105]، وقيل: {وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ} [الأنعام:105] صرَّفناها.

قال مقيده -عفا الله عنه-: ومعناهما آيلٌ إلى شيءٍ واحد، ويشهد له القرآن في آياتٍ كثيرة دالةٍ على أنه يُبين الحق واضحًا في هذه الكتاب؛ ليهدي به قومًا، ويجعله حجةً على آخرين، كقوله: {لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا} [مريم:97]".

قول القرطبي: "{وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ} [الأنعام:105] الواو للعطف على مضمرٍ، أي: نُصرِّف الآيات لتقوم الحجة {وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ} [الأنعام:105]" العطف هنا الكلام مستقيم أين هو؟ ما يخالف في متعلق، لكن عطف {وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ} [الأنعام:105] لتقوم الحجة، {وَلِيَقُولُوا} [الأنعام:105] من أجل أن تقوم الحجة، ومن أجل أن يقولوا: {دَرَسْتَ} [الأنعام:105].

هل قيام تصريف الآيات من أهدافه قيام الحجة؟ هذا ما فيه إشكال، لكن هل من أهدافه أن يقولوا: {دَرَسْتَ} [الأنعام:105] أو العاقبة قولهم: {دَرَسْتَ} [الأنعام:105] تكون اللام لام العاقبة؟ نعم.

"وقوله: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ} [فصلت:44]، وقوله: {لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [المدثر:31] كما قال هنا: {وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأنعام:105] فالأشقياء يقولون: تعلمته من البشر بالدراسة، وأهل العلم والسعادة يعلمون أنه الحق الذي لا شك فيه.

قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ} [الأنعام:112] الآية، ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أنه جعل لكل نبيٍّ عدوًا، وبيَّن هنا أن أعداء الأنبياء هم شياطين الإنس والجن، وصرَّح في موضعٍ آخر أن أعداء الأنبياء من المجرمين، وهو قوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ} [الفرقان:31]".

ولا اختلاف ولا تضاد؛ لأن الشياطين من المجرمين سواءٌ كانوا من الإنس أو من الجن كلهم مجرمون.

"فدل ذلك على أن المراد بالمجرمين شياطين الإنس والجن، وذكر في هذه الآية أن من الإنس شياطين، وصرَّح بذلك في قوله: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ} [البقرة:14] الآية".

يقول بعض أهل العلم: إن شياطين الإنس أضر من شياطين الجن؛ لأن شيطان الجن إذا استعذت منه هرب، لكن شياطين الإنس تستعيذ أو ما تستعيذ هو موجود ما يفر بالاستعاذة وهو أضر من هذه الحيثية.

"وقد جاء الخبر بذلك مرفوعًا من حديث أبي ذر عند الإمام أحمد وغيره، والعرب تُسمي كل متمردٍ شيطانًا، سواءً كان من الجن أو من الإنس كما ذكرنا، أو من غيرهما، وفي الحديث: «الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ» وقوله: {شَيَاطِينَ} [الأنعام:112] بدلاً من قوله: {عَدُوًّا} [الأنعام:112] أو مفعول أول لـ{جَعَلْنَا} [الأنعام:112]، والثاني {عَدُوًّا} [الأنعام:112] أي: جعلنا شياطين الإنس والجن عدوًا".

بعض الاستعمالات للفظ شيطان قد تُساق مساق المدح، والآن في اصطلاحات الناس واستعمالاتهم العامية يقولون: شيطان، وقد يقولون: عفريت للذكي الحازم النبيه الذي لا تمشي عليه الحيَّل، يقولون: شيطان، قد يقولون: عفريت، ومن سياق ما ذكرناه سابقًا أن التشبيه بالشيطان والتشبيه بالعفريت في خفته وذكائه، ومعرفته لكثيرٍ من الأمور التي تخفى على كثيرٍ من الناس.

طالب:.......

السياق يدل على المراد.

"قوله تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116] ذكر في هذه الآية الكريمة أن إطاعة أكثر أهل الأرض ضلال، وبيَّن في مواضع أخر أن أكثر أهل الأرض غير مؤمنين، وأن ذلك واقع في الأمم الماضية، كقوله: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ} [هود:17]، وقوله: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:103]، وقوله: {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ} [الصافات:71]، وقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} [الشعراء:8] إلى غير ذلك من الآيات".

ولذا الاحتجاج بأن هذا فعل الناس وفعل أكثر الناس، وأكثر الأمم على هذا، وأكثر الناس على هذا، هذه ليست حُجة، بل حجةٌ داحضة، {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:103]، {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116].

فالعبرة بمن كان على الصراط المستقيم ولو واحد –كما يقول أهل العلم- فيكون هو الجماعة ولو كان واحدًا، إذا كان على الصراط المستقيم ومن عداه على الضلال ولو كثر، يقولون: لا تغتر بغير الحق أو بطريق أهل الضلال ولو  كثُر سالكوه، ولا تستوحش من طريق الحق ولو قَلّ سالكوه، فالعبرة بمطابقه الحق واتباع الدليل وإلا الكثرة الكاثرة من الخلق على غير هدى، وعلى غير دين الإسلام.

وبعض المسلمين –مع الأسف- أنه ينظر إلى هذه الكثرة ويُزكي نفسه أو يحكم لنفسه بأنه... سمعنا كلامًا كثيرًا، يقول: ذهبنا إلى الصين، وذهبنا إلى كذا، وذهبنا إلى كذا، وهؤلاء كلهم كفار وفي النار، ونحن قِلةٌ، أنت ما عليك من أحد، أنت انظر إلى نفسك وعملك، واحرص على نجاة نفسك، ثم بعد ذلك اسعَ إلى هداية غيرك بقدر استطاعتك، أما أن تقول: الصينيون مليار ونصف، والهنود كذلك أو قريبٌ منه وكذا وكذا، حتى قال بعضهم من الذين سافروا: نحن ما لنا مكان في النار، هو ما يدري أن بعث النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون، يعني ما نجي واحد من الألف من هؤلاء الأمم؟

بعض الناس تُسوِّل له نفسه، وتُملي له، ثم إذا جاء ما يُوعد ندم ولات ساعة الندم، والله المستعان.

طالب:.......

{وَإِنْ تُطِعْ} [الأنعام:116] أنا ما أرى إشكالًا في معنى الآية، أكثر من في الأرض ليسوا على هدى.

طالب:.......

نعم، وهم يكونون في دائرة المسلمين، الكثرة إذا لم تكن على هدى فوجودهم مثل عدمهم، واستعمال الكثرة والقلة عند أهل العلم هي أمور نسبية عندهم، إذا نظروا إلى كثرة الخطأ عند الراوي مثلًا لا يعني أنه أكثر من الصواب بحيث لا يُرد حديثه إلا إذا كان خطؤه أكثر من صوابه لا، بغض النظر عن الصواب؛ ولذلك قالوا: أن سُبع المرويات، مرويات الراوي إذا أخطأ في سُبع مروياته صار كثير الخطأ فيُرد حديثه، فإذا قلنا: السُّبع بالنسبة للألف نقول: مائة وخمسين مثلًا، وإذا كان ثمانمائة وخمسون على الصواب ومائة وخمسون خطأً قالوا: كثير الخطأ، فيُرد حديثه بهذا، ما يحتاج إلى أن نقول كطريقة الأصوليين: ننظر إلى الخطأ والصواب، ونقسم على اثنين، فإذا زاد أحدهما صار الحكم له، لا، هذا ليس صحيحًا، ما يمشي على اختيار المحدثين.

"قوله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام:119] الآية، التحقيق أنه فصَّله لهم بقوله: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} [الأنعام:145] الآية، ومعنى الآية: أي شيء يمنعكم أن تأكلوا ما ذكيتم، وذكرتم عليه اسم الله؟ والحال أن الله فصَّل لكم المحرم أكله عليكم".

يعني فما عداه ما فُصِّل من المحرَّم يكون من قسم المباح، هذه -كما تعلمون- الآية مكية، جاء بعدها من الأحاديث من الآيات من آيات المائدة وأحاديث أخرى فصَّلت أكثر، فصَّلت بأعيان وبقواعد.

"والحال أن الله فصَّل لكم المحرم أكله عليكم في قوله: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ} [الأنعام:145] الآية، وليس هذا منه، وما يزعمه كثيرٌ من المفسرين من أنه فصَّله لهم بقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة:3] الآية، فهو غلط؛ لأن قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة:3] من سورة المائدة، وهي من آخر ما نزل من القرآن بالمدينة، وقوله: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام:119] من سورة الأنعام، وهي مكية، فالحق هو ما ذكرنا، والعلم عند الله تعالى".

قد يُشار إلى التفصيل بآيةٍ مكية ويُذكر قد يأتي الإجمال بإشارةٍ إلى تفصيل يتأخر ذكره كما في الإماء {حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} [النساء:15]، متى فصِّل هذا وجاء السبيل؟ بعد في حديث عُبادة «خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا» فهذه إشارة إلى ما سيأتي قرب أو بعد، فالتفصيل حصل بالآية التي ذكرها الشيخ، وحصل بما جاء من بعدها باعتبار ما سيكون.

طالب:.......

لا يلزم أن يكون نزولها بعد، لا يلزم، في آيات الطلاق منها ما هو مذكور في المصحف قبل آيةٍ نزلت قبل ما يلزم.

"قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا} [الأنعام:123] الآية".

طالب:........

الأصل أن الإجمال قبل، والتفصيل بعد.

طالب:.......

هي الإشارة {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام:119] آية مكية، والتفصيل هذا المُفصِّل إشارة إجمالية إلى التفصيل، تطبيق هذا التفصيل بتفصيل المُجمل بيانه، جاء في آية {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة:3] وجاء في الأحاديث.

طالب:......

فيه ما فيه.

طالب:.......

إلى كل ما جاء فيه ذكر لمحرمات من آياتٍ وأحاديث، نعم.

"ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة: أنه جعل في كل قريةٍ أكابر المجرمين منها ليمكروا فيها، ولم يُبين المراد بالأكابر هنا، ولا كيفية مكرهم، وبيَّن جميع ذلك في مواضع أُخر، فبيَّن أن مجرميها الأكابر هم أهل الترف والنعمة في الدنيا، بقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [سبأ:34]، وقوله: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف:23] ونحو ذلك من الآيات".

الأكابر في عُرف الناس هم أهل السلطة، وأهل الثراء، والذين يقتدي بهم من يحتاج إليهم من الضعفاء يعني في عُرف الناس وعاداتهم، فتجد الضعيف يقتدي وينظر إلى القوي نظرة إذعان واحتياج واستكانة، وهذا على مستوى الأفراد ومستوى الدول.

فقد ذكر ابن خلدون في تاريخه أن الدول يقتدي المغلوب منها بالغالب، وينصاع له ولأوامره، ويُسلَّط عليه بغض النظر عن المقاييس الشرعية، هذا إذا تخلفت المقاييس الشرعية، فكما هو في كثيرٍ من الأحوال والأحيان، فالدولة المغلوبة تقتدي بالغالب، والشخص القوي الثري المؤثر في قومه هو هذا الغني، وأما الفقير فإنه لا يُنظر إليه، بل ينظر إلى غيره، هذا في مقاييس الناس، واقتداء الدول المغلوب منها بالغالب هذا شيء من حيث التاريخ وسياسات الدول هذا معروف، ولكن عندنا القوة المعنوية هي الأصل عند المسلمين، التي هي حبل الله بينه وبين خلقه {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً} [البقرة:249].

إذا تخلَّف هذا الحبل، وتخلفت هذه القوة لجئوا إلى القوة الأخرى، فإما أن يلتجئوا إلى شرقٍ أو إلى غرب كما هو واقع كثير من الدول الإسلامية، لماذا؟ لأن القوة الحقيقة التي هي حبل الله المتين الممدود بينه وبين خلقه؛ لأنه ما فيه قوة {إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ} [آل عمران:112]، فمن كان حبله ممدودًا مع الله –جلَّ وعلا- فلن يُغلب، أما إذا انقطع هذا الحبل والتفت إلى شرق أو غرب، ومد يده إلى المخلوق، فالله المستعان.

"وبيَّن أن مكر الأكابر المذكور هو أمرهم بالكفر بالله تعالى، وجعل الأنداد له بقوله: {وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ} [سبأ:33]، وقوله: {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا * وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ} [نوح:22-23] الآية.

وأظهر أوجه الإعراب المذكورة في الآية عندي اثنان:

أحدهما: أن أكابر مضافٌ إلى مجرميها، وهو المفعول الأول لجعل التي بمعنى صيَّر، والمفعول الثاني هو الجار والمجرور، أعني في كل قرية.

والثاني: أن مجرميها مفعولٌ أول، وأكابر مفعولٌ ثانٍ، أي: جعلنا مجرميها أكابرها، والأكابر جمع الأكبر".

طالب:........

المقدمة وحدها؟

طالب:.......

لكنها مقدمة للتاريخ فهي منه.

طالب:........

لا، لما أُفرِدت صارت مقدمة طُبِعت بمفردها؛ لأنها طُبِعت قبل التاريخ بعقود المقدمة.

طالب:.......

لا لا، هي المعروف أنها مقدمة، حتى الطبعة الأخيرة المُحققة جعلوا التاريخ أربعة أقسام، المقدمة في ثلاثة مجلدات، والقسم الأول أظن في مجلدين أو ثلاثة إلى أن بلغ ستة عشر مجلدًا، طبعة جديدة طبعة تونس مُحققة ومعتنىً بها باعتبار أنها جزء من تاريخ ابن خلدون، ويُقال: تاريخه.

طالب:........

هي في حقيقتها كالتي يُسمونها كالآلة مثل ما أدخلوا آلة لفهم التاريخ، مثل علوم القرآن، وعلوم الحديث، علوم الآلة كلها تحكي هذا، فهي بالنسبة للتاريخ مثل علوم الحديث بالنسبة للحديث أي اصطلاحات وقواعد يُطبق عليها ما سيأتي في التاريخ، وهي من أنفع ما يُقرأ في هذا الباب.

ولذلك طُبِعت في أوروبا قبل قديم، قديم جدًّا يسمونها مُقدمة؛ لأنها حقيقةً مقدمة، أنت لو تُريد أن تُفرد مائة صفحة من تفسير الطبري فماذا تُسميها؟ مُقدمة تفسير الطبري، قبل الدخول في التفسير، فهي مقدمة.

طالب:........

والله هو ليس بمعصوم، وعليه ملاحظات من أعظمها إثبات نسب العُبيديين، وأنه صحيح، وأنهم من أهل البيت الفاطميين، هذا من طوامه، لكن عنده أشياء ثانية، لكن في الجملة طريقته في سياق الأحداث وتحليل الأحداث على النظير؛ لأن غيره يسوق الحدث ويترك.

طالب:........

يُعقِّب على الخبر.     

"قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ} [الأنعام:124] يعنون أنهم لن يؤمنوا؛ حتى تأتيهم الملائكة بالرسالة، كما أتت الرسل، كما بيَّنه تعالى في آيات أُخر، كقوله: {وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا} [الفرقان:21] الآية، وقوله: {أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا} [الإسراء:92] الآية، إلى غير ذلك من الآيات.

قوله: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ } [الأنعام:125] الآية، جاء عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه سُئل عن هذه الآية الكريمة، فقيل: كيف يُشرح صدره يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟".

كيف؟

طالب: كيف يُشرح صدره؟

يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تجئ، نعم إذا مر ذكره –عليه الصلاة والسلام- تُصلي عليه في نفسك، أما في مثل هذا الموضع "كيف يُشرح صدره يا رسول الله؟" هو يُخاطب الرسول –عليه الصلاة والسلام- إذا كان الكاتب، الناسخ، المؤلِّف كذا يُصلي في مثل هذا الموضع في نفسه؛ لأن السياق ما يمشي على هذه الطريقة، لو أن المصلي بالفعل جاء عن النبي –صلى الله عليه وسلم – أنه سُئل عن السائل مثلاً يا رسول الله –صلى الله عليك وسلم- السائل يُصلي عليه هذا الأصل؛ لأن الكلام من كلام السائل، ليس من كلام المؤلف ولا من كلام الناسخ، الإنسان إذا مر عليه ذكر الرسول؛ لئلا يدخل في حديث «الْبَخِيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ» اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد.

طالب:.......

ماذا؟

طالب: الحديث.

ماذا فيه؟

"قَالَ: «نُورٌ يُقْذَفُ فِيهِ، فَيَنْشَرِحُ لَهُ، وَيَنْفَسِحُ» قَالُوا: فَهَلْ لِذَلِكَ مِنْ أَمَارَةٍ يُعْرَفُ بِهَا؟ قَالَ: «الْإِنَابَةُ إِلَى دَارِ الْخُلُودِ، وَالتَّجَافِي عَنْ دَارِ الْغُرُورِ، وَالِاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ لِقَاءِ الْمَوْتِ»، ويدل لهذا قوله تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} [الزمر:22]".

طالب:.......

وفي كتب الرقائق كثير ومشهور بينهم.

طالب:.......

إذا كان مع الحسن، وعائشة تقول: كلام الحسن يُشبه كلام النبوة.

طالب:........

يقول: حديث موضوع؛ لإعضاله، موقوفًا على ابن مسعود.

طالب:.......

أن جبريل قال: يا رسول الله؟

طالب:........

على كل حال هو ضعيف مرفوعًا، بل جدًّا ضعيف، وهو موقوفٌ على ابن مسعود فيما رواه الطبري وصححه.

طالب:.......

على ابن مسعود ننظر فيه ويُدقق فيه مثل ما يُنظر في الحديث.

طالب:.......

هذا ما ظهر، قلنا: ضعيف جدًّا مرفوعًا، وهو موقوفٌ.

طالب:.......

على كل حال إذا كان موقوفًا فتتبعه يُنظر في معناه ما يُنظر إلى صحته كما يُنظر إلى صحة المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي يجب التوقي فيه.

"قوله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام:130] الآية، قال بعض العلماء: المراد بالرسل من الجن نُذرهم الذين يسمعون كلام الرسل، فيُبلغونه إلى قومهم، ويشهد لهذا أن الله ذكر أنهم منذرون لقومهم في قوله: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} [الأحقاف:29]".

يعني مقتضى الآية {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام:130] أن من الجن رُسلًا كالإنس، والواقع أن الرسل من الإنس.

طالب:......

سيأتي، نعم.

"وقال بعض العلماء: {رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام:130] أي: من مجموعكم الصادق بخصوص الإنس؛ لأنه لا رسل من الجن، ويُستأنس لهذا القول بأن القرآن ربما أطلق فيه المجموع مرادًا بعضه، كقوله: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} [نوح:16]، وقوله: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا} [الشمس:14] مع أن العاقر واحد منهم، كما بيَّنه بقوله: {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ} [القمر:29].

 واعلم أن ما ذكره الحافظ ابن كثيرٍ -رحمه الله- وغيره من أجلاء العلماء في تفسير هذه الآية: من أن قوله: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن:22] يُراد به البحر الملح خاصَّةً دون العذب غلطٌ كبير، لا يجوز القول به؛ لأنه مخالفٌ مخالفةً صريحة لكلام الله تعالى".

الكلام لو أن هذا هو الواقع، أنه في الواقع لا يخرج إلا من الملح لتعين القول به، لكن إذا كان يخرج من الملح، ومن الحلو فسيتجه كلام الشيخ، لكن هل الواقع أن مثل ما قال الشيخ: "يُراد به البحر المالح خاصَّةً؟

طالب:.......

ستأتي هذه الآية.

إذا ثبت أن اللؤلؤ والمرجان يخرج من المالح والحلو اتجه كلامه في تفنيد كلام ابن كثير ومن معه، وإذا كان اللؤلؤ والمرجان لا يخرجان إلا من الملح اتجه كلامهم، كلام الأئمة الذين قاسوا الآية عليها.

طالب:.......

{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ} [الأنعام:130] {يَخْرُجُ مِنْهُمَا} [الرحمن:22] هل الرسل من الجن والإنس أو من الإنس فقط، يعني من مجموع الطائفتين؟

طالب:........

الملائكة منهم رسل {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا} [الحج:75] فالرسالة قد تكون أعم من الإرسال بالدين والرسالة.

طالب:........

{أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام:130] هو قال: نُذر.      

"لأنه مخالفٌ مخالفةً صريحة لكلام الله تعالى؛ لأن الله ذكر البحرين الملح والعذب بقوله".

الكلام يرد على الشيخ، فنقول: قولك مخالفٌ مخالفةً صريحة لكلام الله –جلَّ وعلا-؛ لأن الله ذكر الجن والإنس بعد، ألم يقل هو: لأن الله ذكر البحرين يخرج منهما، وأنتم تقولون: من الملح فقط مخالفة صريحة، والله –جلَّ وعلا- ذكر الجن والإنس ، وأنت تقول: من الإنس فقط.

طالب:........

هو سيأتي الكلام على الآية، لكن بهذه القوة يُلزم بلا شك رحمه الله.

"لأن الله ذكر البحرين الملح والعذب بقوله: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} [فاطر:12]".

يعني لو قُدِّر أنه طرح استفتاء على بلد أو على محل، وفيه أصناف ليُنتخب واحد مثلاً أو أكثر من واحد تنطبق عليهم شروطٌ مُعينة للرجال والنساء ما وجدنا هذه الشروط تنطبق إلى على الرجال، وانتخبنا من الرجال فقط، ما نقول: انتخبنا من البلد الفلاني من تنطبق عليه الشروط؟ تبعه... تبعه.

"{وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} [فاطر:12] ثم صرَّح باستخراج اللؤلؤ والمرجان منها جميعًا بقوله: {وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [فاطر:12] والحلية المذكورة هي اللؤلؤ والمرجان، فقصرُه على الملح مناقضٌ للآية صريحًا، كما ترى".

طالب:.......

هو لو جاء بلفظ ... الآية الأخيرة ما فيها إشكال، لكن من الاثنين فيكون الأمر أخص، ما هو مثل اللفظ العام الذي ينطبق على واحد في بعض الأسانيد ويصح.

طالب:.......

يبقى الاستقراء؛ لأنه مثل ما ذكرت في أول الكلام أنه إذا ثبت أنه لا يُستخرج إلا من الملح فكلام الأئمة صحيح، ما فيه إشكال، وإذا كان يُستخرج من الملح والحلو فكلام الشيخ متجه، نعم.

"قوله تعالى: {ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ} [الأنعام:131] النفي في هذه الآية الكريمة منصبٌّ على الجملة الحالية، والمعنى أنه لا يُهلك قومًا في حال غفلتهم، أي: عدم إنذارهم، بل لا يُهلك أحدًا إلا بعد الإعذار والإنذار على ألسنة الرسل- عليهم صلوات الله وسلامه- كما بيَّن هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:15]، وقوله: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165]، وقوله: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر:24]، وقوله: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36] إلى غير ذلك من الآيات.

قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} [الأنعام:132] بيَّن في موضعٍ آخر أن تفاضل درجات العاملين في الآخرة أكبر، وأن تفضيلها أعظم من درجات أهل الدنيا، وهو قوله: {انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا} [الإسراء:21]".

بين كل درجةٍ وأخرى خمسمائة سنة بين الدرجتين، وفي مائة في خمسمائة وفي مائة، المقصود أن بين كل سماءٍ وسماء كذا، وبين السماء والأرض كذا، وبين كل درجتين كما بين السماء والأرض، {وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا} [الإسراء:21]، وأهل العلم {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11].

 ما الدرجات؟ تظنها هذه الدرجة التي هي نصف ذراع خمسة وعشرون سنتيمترًا؟ درجات الآخرة.

واللهُ يقضي بهِبَاتٍ وافِرهْ

 

لي ولهُ في درجاتِ الآخِرَة

طالب:........

من أين هذا؟

طالب:.......

ماذا؟

طالب:......

نعم يتجه قول الأئمة الذين قالوا: يُطلق على الاثنين ويُراد أحدهما.

طالب:.......

هذا تواطؤ منهم، لكن الشيخ ما أدري ما اعتمد عليه.

طالب:......

كلٍّ، قال: {رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام:130] هذا كلامه مُصادم للآية، ولكن الذي يقضي على هذا كله الواقع.

طالب:.......

ما هي بأصرح من الآية الأولى؛ لأن هي مضافة إلى محذوف ترجع إلى آية الرحمن {يَخْرُجُ مِنْهُمَا} [الرحمن:22] ترجع إلى آية الرحمن.

"