شرح مختصر الخرقي - كتاب الطهارة (10)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مسألة: إزالة النجاسة الخارجة من المخرج الذي هو السبيل من بول أو غائط، وهل يشترط إزالتها قبل الوضوء والتيمم، أو يجوز سائر النجاسات على سائر البدن؟ مسألة ذكرناها في الدرس الماضي، وأن المقرر عند الحنابلة أنه لا يصح قبل الاستنجاء والاستجمار وضوء ولا تيمم.
وبعض الإخوان كتب في هذه المسألة فيقول: هذه المسألة تقديم الوضوء على إزالة النجاسة على أحد السبيلين قال في الفروع: ولا يصح تقديم الوضوء عليه، اختاره الأكثر، وعنه يصح، وكذا التيمم، وفي الشرح الكبير: إن توضأ قبل الاستنجاء لا يصح؛ لأنها طهارة يبطلها الحدث فاشترط تقديم الاستنجاء عليها كالتيمم، والثانية: يصح، وهي أصح، الثانية يصح في الشرح الكبير، وهذا كلام صاحب المغني بحروفه، وهي مذهب الشافعي؛ لأنها إزالة نجاسة فلم تشترط لصحة الطهارة كالتي على غير الفرج، فالنتيجة أن القول بصحة الطهارة قبل إزالة الخارج هو قول الجمهور، والقول بعدم صحتها رواية عند الحنابلة، قال في الإنصاف: إنها المذهب، وعليها جمهور الأصحاب.
وهذا آخر يقول: قوله: ولا يصح قبله أي قبل الاستنجاء بماء أو حجر ونحوه وضوء ولا تيمم لحديث المقداد المتفق عليه ((يغسل ذكره ثم يتوضأ)) ولو كانت النجاسة على غير السبيلين أو عليهما غير خارجة منهما صح الوضوء والتيمم قبل زوالها.
قال ابن قاسم في حاشيته: وهذا لفظ النسائي، قال الحافظ: منقطع، ولفظ مسلم: ((يغسل ذكره ويتوضأ)) ولأبي داود نحوه، والواو لا تقتضي الترتيب، بل لمطلق الجمع على المشهور، قال النووي: والسنة أن يستنجي قبل الوضوء ليخرج به من الخلاف، ويأمن انتقاض طهره.
قال الشيخ ابن سعدي -رحمه الله-: الصحيح ما قالوه أنه لا يصح قبل الاستنجاء أو الاستجمار وضوء ولا تيمم للعالم والجاهل والناسي؛ لأن تقديم الاستنجاء لصحة الوضوء -كأنه شرط لصحة الوضوء- هذا من فتاوى ابن سعدي -رحمه الله-.
مسألة يقول هذا: حكم الوضوء قبل الاستنجاء في هذه المسألة قولان للعلماء: الأول: عدم صحة الوضوء قبل الاستنجاء، وهي رواية عند الحنابلة واختارها الأكثر، ومنهم المجد ابن تيمية كما في المنتقى، واقتصر عليها صاحب الكشاف، واستدلوا بحديث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: "كنت رجلاً مذاءاً، وكنت أستحي أن أسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمكان ابنته، فأمرت المقداد ابن الأسود فسأله فقال: ((يغسل ذكره ويتوضأ)) متفق عليه، ورواه النسائي بلفظ: ((يغسل ذكره ثم يتوضأ)) قال الحافظ: منقطع، واستدلوا بأن هذا فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- الدائم.
القول الثاني: يصح تقديم الوضوء على الاستنجاء مع استحباب تقدم الاستنجاء، وهذا قول الحنفية والشافعية والمالكية والرواية الثانية عند الحنابلة، واختاره الموفق، وقال: هذه الرواية أصح، وصاحب الشرح الكبير، فهؤلاء يرون أن الاستنجاء سنة من سنة الوضوء قبله، فلو أخره جاز و فاتته السنية؛ لأنه إزالة النجاسة بما لم تشترط لصحة الطهارة كما لو كانت على غير فرج، غير أن المالكية صرحوا بأنه لا يعد من سنن الوضوء، وإن استحبوا تقديمه عليه، واستدل هؤلاء القائلون بجواز تقديم الوضوء بحديث علي بن أبي طالب أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال له: ((توضأ وانضح فرجك)) وللبخاري: ((توضأ واغسل ذكرك)) قال النووي: السنة أن يستنجي قبل الوضوء ليخرج من الخلاف وليأمن انتقاض طهره.
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: وهذه المسألة إذا كان في حال السعة فإننا نأمره أولاً بالاستنجاء ثم بالوضوء، لفعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأما إذا نسي أو كان جاهلاً فإنه لا يجسر الإنسان على إبطال صلاته، أو أمره بإعادة الوضوء والصلاة.
وهذا أيضاً كتب في المسألة وأطال، وهي مسألة في غاية الأهمية، مسألة مهمة؛ لأنه يجتمع عندنا شرط ومانع، فهل يلزم تقدم المانع أو لا يلزم؟ إذا كانت الموانع تمنع من ترتب الأثر على الشيء فهل يجوز تأخيرها عليه أو لا يجوز؟ كأن المتجه عند كثير من أهل العلم أن المسألة في التيمم لا يجوز تقديم التيمم على الاستنجاء أو الاستجمار لا سيما عند من يقول بأن التيمم مبيح؛ لأن الإباحة لا تكون مع وجود المانع حتى يرتفع.
وهذا أيضاً كتابة لبعض الإخوان يقول: قال في الإنصاف: قولهم: إن توضأ قبله هل يصح وضوؤه؟ على روايتين، وأطلقهما في الهداية والوصول والإيضاح والمذهب والمستوعب والكافي والهادي والتلخيص والبلغة، وابن منجه في شرحه، وابن تميم، وتجريد العناية وغيرهم.
إحداهما: لا يصح، وهو المذهب، وعليه جمهور الأصحاب، قال المجد في شرح الهداية: هذا اختيار أصحابنا، قال الشيخ تقي الدين في العمدة: هذا أشهر، قال الزركشي: هذا اختيار الخرقي والجمهور، وقال في الحاوي الصغير: لا يصح في أصح الروايتين، وصححه الصرصري في نظم زوائد الكافي، وهو ظاهر ما جزم به الخرقي، وجزم به في الإفادات والتسهيل، وقدمه في الفروع والرعايتين والحاوي الكبير، ومسبوك الذهب والخلاصة، وابن رزين في شرحه وغيرهم.
والرواية الثانية: يصح جزم به في الوجيز ونهاية ابن رزين والمنور والمنتخب، وصححه في النظم والتصحيح، قال في مجمع البحرين: هذا أقوى الروايتين، واختارها المصنف والشارح والمجد وابن عبدوس في تذكرته والقاضي وابن عقيل، وقدمها في المحرر.
فائدة: لو كانت النجاسة على غير السبيلين أو على السبيلين غير خارجة منهما صح الوضوء قبل زوالها على الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به أكثرهم، وقيل: لا يصح، قاله القاضي في بعض كلامه، قال ابن رزين: ليس بشيء، قال في المغني: والرواية الثانية يصح الوضوء قبل الاستنجاء ويستجمر بعد ذلك بالأحجار، أو يغسل فرجه بحائل بينه وبين يديه، ولا يمس الفرج، وهذه الرواية أصح، وهي مذهب الشافعي؛ لأنها إزالة نجاسة، فلم تشترط لصحة الطهارة كما لو كانت على غير فرج.
قال الشيخ تقي الدين شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في شرح العمدة: "السنة أن يستنجي قبل الوضوء، فإن أخره إلى بعده أجزأه في إحدى الروايتين؛ لأنها نجاسة فصح الوضوء قبل إزالتها كما لو كانت على البدن، فعلى هذا إذا توضأ استفاد بذلك مس المصحف ولبس الخفين، ويستمر وضوؤه إذا لم يمس فرجه، والرواية الأخرى: لا يصح وضوؤه وهي أشهر؛ لأن في الحديث: ((إلا المذي يغسل ذكره ثم يتوضأ)) رواه النسائي؛ ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه لم ينقل عنهم أنهم يتوضئون إلا بعد الاستنجاء، وفعله إذا خرج امتثالاً للأمر فحكمه حكم ذلك الأمر؛ ولأنهما محلان وجب غسلهما بسبب واحد في بدن واحد، فكان الترتيب بينهما مشروعاً كمحال الوضوء.
يقول: قال الشيخ عثمان في حاشيته على المنتهى: والفرق بين ما إذا كانت النجاسة على السبيل خارجة منه وبينما إذا كانت عليه غير خارجة منه أنها في الأولى موجبة للطهارة فاشترط زوال عينها، فاشترط زوالها عيناً وأثراً، بخلاف الثانية فهي غير موجبة للطهارة، فلم يشترط لصحتها زوالها، ولهذا لا يجزئ الاستجمار فيها بخلاف الأولى، ندرك الفرق هذا، يقول: الفرق بينما إذا كانت النجاسة على السبيل خارجة منه، وبينما إذا كانت عليه غير خارجة منه، أو على غيره من الأعضاء أنها في الأولى موجبة للطهارة، فاشترط زوالها عيناً وأثراً، بخلاف الثانية فهي غير موجبة للطهارة فلم يشترط لصحتها، يعني صحة الطهارة زوالها، يعني زوال النجاسة، ولهذا لا يجزئ الاستجمار فيها بخلاف الأولى.
قال ابن حزم في المحلى: فإذا تم حدثه فحينئذٍ جاز له الوضوء والمسح ولا يبالى بالاستنجاء؛ لأن الاستنجاء بعد الوضوء جائز وليس فرضه أن يكون قبل الوضوء ولا بد؛ لأنه لم يأت بذلك أمر في قرآن ولا سنة، وإنما هي عين أمرنا بإزالتها بصفة ما للصلاة فقط، فمتى أزيلت قبل الصلاة وبعد الوضوء أو قبل الوضوء فقد أدى مزيلها ما عليه، وليس بقاء البول في ظاهر... يقول: وبقاء النجو في ظاهر المخرج حدثاً إنما الحدث خروجهما من المخرجين فقط، فإذا ظهرا فإنهما خبثان في الجلد تجب إزالتهما للصلاة فقط، فمن حينئذٍ يعد سواء كان وقت صلاة -في سقط- أو لم يكن؛ لأن التطهر للصلاة قبل دخول وقتها جائز.
يقول: قال في بدائع الصنائع: فالاستنجاء سنة عندنا، وعند الشافعي فرض، حتى لو ترك الاستنجاء أصلاً جازت صلاته عندنا، ولكن مع الكراهة، وعنده لا يجوز، والكلام فيه راجع إلى أصل -إن شاء الله-سنذكره وهو أن قليل النجاسة الحقيقية في الثوب والبدن عفو في حق جواز الصلاة عندنا، وعنده ليس بعفو، ثم ناقض في الاستنجاء فقال: إذا استنجى بالأحجار، ولم يغسل موضع الاستنجاء جازت صلاته، وإن تيقنا ببقاء شيء من النجاسة، إذ الحجر لا يستأصل النجاسة، وإنما يقللها، وهذا تناقض ظاهر.
كأنه يسوي بين اختيارهم في العفو عن النجاسة من غير معالجة لها كما هو رأي الحنفية، وبين بقاء شيء من النجاسة الذي هو أثرها بعد معالجتها، وفرق بين الأمرين، الاستنجاء ثابت بالدليل القطعي من فعله -عليه الصلاة والسلام-، ومعلوم أن الاستنجاء لا بد أن يبقى منه أثر، ومن النجاسة أثر لا يزيله إلا الماء، وهذا ضابط الاستنجاء المجزي على ما سيأتي، ففرق بين أن يبقى شيء بعد معالجة النجاسة كما جاء في أثر الدم تفعل المرأة ما أمرت به بالنسبة لدم الحيض، ثم بعد ذلك إذا بقي الأثر فإنه لا يضر.
قال في حاشية ابن عابدين: أقول: قد يقال: إن النجاسة مادامت في محلها لا عبرة لها، ولذا كان الاستنجاء سنة للرجال والنساء بغير غسل مع أن الخارج نجس باتفاق.
وقال ابن أبي زيد في رسالته: باب صفة الوضوء ومسنونه ومفروضه، وذكر الاستنجاء والاستجمار، وليس الاستنجاء مما يجب أن يوصل به الوضوء لا في سنن الوضوء ولا في فرائضه، وهو من باب إيجاب زوال النجاسة به، أو بالاستجمار لئلا يصلي بها في جسده.
في الفواكه الدواني يقول: ولما اعتاد الناس تقديم الاستنجاء على الوضوء وكان ذلك المظنة مظنة اعتقاد وجوب تقديمه على الوضوء قال: وليس فعل الاستنجاء مما يجب أن يوصل به الوضوء، إذ لم يعد لا في سنن الوضوء المحل ماذا؟ للإضمار فكان الأولى أن يقول: لا في سننه، ولا في فرائضه، وإنما هو عبادة مستقلة يستحب تقديمها على الوضوء عند مالك -رضي الله تعالى عنه-، فلو توضأ قبل الاستنجاء واستنجى بعد تمام الوضوء صح وضوؤه بشرط ألا يمس ذكره عند الاستنجاء بأن يلف خرقة على يديه حين فعله، ويشترط ألا يخرج منه حدث عند فعله.
على كل حال مثلما سمعتم الخلاف في المسألة كبير وظاهر، لكن التفريق الذي أبداه في حاشية المنتهى عثمان النجدي في غاية الأهمية لأنه ما الذي أبطل الوضوء؟ هو الحدث، خروج الخارج هو الذي أبطل الطهارة فكيف نقول: بصحتها مع بقائه؟ مع بقاء هذا المبطل، ولذا قال: الفرق بينما إذا كانت النجاسة على السبيل خارجة منه، بينما إذا كانت عليه غير خارجة منه أنها في الأول موجبة للطهارة فاشترط زوالها عيناً وأثراً بخلاف الثانية فهي غير موجبة للطهارة فلم يشترط لصحتها زوالها، ولهذا لا يجزئ الاستجمار فيها بخلاف الأولى.
على كل حال ذكرنا في الدرس الماضي أن القول باشتراط زوالها قول الجمهور، لا شك أنه قول جمهور الحنابلة، يعني إن لم يكن قول جمهور أهل العلم، لكنه قول جمهور الحنابلة، واختاروه وصححوه، وانتصروا له.
واحد سأل سؤال يقول: كيف يجاب عن حديث أبي هريرة في تقديم الميامن عند أبي داود وأحمد: ((إذا توضأتم فابدءوا بميامنكم))؟
وعرفنا أن قول جماهير أهل العلم أنه يجوز تقديم اليسرى على اليمنى من اليدين، وكذلك الرجلين، كما أنه يجوز تقديم جانب الوجه الأيسر على جانبه الأيمن، وإن كانت السنة تقديم الميامن.
يقول: ما الصارف للأمر هنا؟
الحديث عند أبي داود: ((إذا لبستم وإذا توضأتم فابدءوا بميامنكم)) إذا لبستم يعني ثيابكم أو نعالكم كل ما يلبس يبدأ بالميامن، ((إذا لبستم وإذا توضأتم فابدءوا بميامنكم)) ولا قائل بوجوب البداءة بالميامن في اللبس، فكذلك ما عطف عليه.
طالب:......
إيه نعم للاستحباب.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب فرض الطهارة"
قال: "وفرض الطهارة ماء طاهر" وعرفنا أن المراد به الطهور؛ لأنه ممن يفرق، وهذا المذهب "وإزالة الحدث" وهذا هو الذي فيه الكلام الكثير، والمتجه أنه لا بد من إزالة الحدث الناقض للوضوء قبله "والنية للطهارة" وهذا تقدم "وغسل الوجه" وهذا أيضاً تقدم "وهو من منابت شعر الرأس إلى ما انحدر من اللحيين والذقن وإلى أصول الأذنين" يعني من الأذن إلى الأذن "طولاً من منابت شعر الرأس إلى ما انحدر من اللحيين والذقن" هذا الطول، والعرض من الأذن إلى الأذن، إلى أصول الأذنين، ويتعاهد المفصل، وهو ما بين اللحية والأذن؛ لأن كثير من الناس يكتفي بغسل وجهه مع لحيته ولا يتعاهد ما بين الشعر والأذن؛ لأنه ما دام الحد عرضاً من الأذن إلى الأذن فلا بد من استيعاب هذا المحدود، إذا كان الحد في العرض من الأذن إلى الأذن فلا بد من استيعاب المحدود من الأذن إلى الأذن، ويدخل في ذلك ما بين الشعر إلى الأذن، والفم والأنف من الوجه، وعلى هذا تجب المضمضة والاستنشاق، وجاء الأمر بهما ((إذا توضأت فمضمض)) كل من وصف وضوء النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر أنه أدخل الماء في فمه تمضمض، وأما ما جاء في الاستنشاق فهو أكثر ((وبالغ في الاستنشاق)) ((إذا توضأ أحدكم فلينتثر)) ((فليجعل في منخريه من الماء)) المقصود أنه في الاستنشاق أكثر.
والمذهب وجوب المضمضة والاستنشاق تبعاً لغسل الوجه؛ لأنهما في حدوده في داخله، فغسلهما داخل في مسمى الوجه، ويقولون: إن حكم الفم والأنف حكم الخارج لا حكم الداخل، ولذلك يستدرك عليهم بغسل داخل العينين كما كان ابن عمر يفعل، يقولون: لا، فرق بين العين وبين الفم والأنف، فحكم الفم والأنف حكم الخارج لا حكم الداخل، بدليل أن وصول الماء إلى الفم والأنف لا يفطر الصائم، ووصول القيء إلى الفم يفطره، فدل على أن حكمه حكم الخارج، وعندهم المسألة مطردة، عندهم أن ما يدخل في العين يفطر الصائم لأنها منفذ، فحكمها حكم الداخل، فحكم الفم والأنف حكم الخارج فيغسلان مع الوجه، هذا بالنسبة لما قرره المؤلف، وأن المضمضة والاستنشاق لا بد منهما في الطهارتين الكبرى الغسل، والصغرى الوضوء، لا بد من المضمضة والاستنشاق في الطهارتين لما ذكرنا، ومنهم من يقول: يجب الاستنشاق دون المضمضة؛ لأن ما ورد فيه أكثر، ومنهم من يفرق بين الطهارتين فيقول: تجب المضمضة والاستنشاق في الغسل دون الوضوء؛ لأن أمر الغسل أشد؛ لأنه يجب إيصال الماء إلى أصول الشعر بخلاف الوضوء، والفم والأنف في حكم أصول الشعر؛ لأنهما مستتران، ومنهم من يقول: المضمضة والاستنشاق سنة مطلقاً، وما ورد من الأمر بذلك فهو على سبيل الاستحباب، وأما كونهما داخلين في مسمى الوجه فالوجه عندهم ما تحصل به المواجهة ولا تحصل المواجهة في داخل الأنف أو باطن الفم، بدليل أنه لو أن أحداً استقبل غيره فاغراً فاه لعيب بذلك، فلا تحصل المواجهة بالفم والأنف، وعلى كل حال الفيصل في هذا ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من قوله وأمره بالمضمضة والاستنشاق، ومن استمرار فعله -عليه الصلاة والسلام-، فكل من وصف فعله -عليه الصلاة والسلام- ذكر أنه تمضمض واستنشق، وفعله بيان للواجب المذكور في الآية، قالوا: وبيان الواجب واجب، فالمتجه الوجوب، لكن هل الوجوب في مثل هذا المختلف فيه مثل الوجوب في الفروض الأربعة المذكورة في الآية صراحة؟ لا؛ لأن الواجب متفاوت؛ لأن أربعة فرائض، فرائض وإن شئت فقل: أركان في الوضوء، والأركان غير الواجبات، يعني نظير ذلك غسل الجنابة وغسل الجمعة عند من يقول بوجوبه، عند من يقول بوجوبه لا يبطل الصلاة، إنما يأثم من يتركه بخلاف غسل الجنابة، وقل مثل هذا في ستر العورة شرط لصحة الصلاة، لكن ستر المنكب واجب في الصلاة، لكن لا يبطلها، ليس بشرط، فالواجبات متفاوتة منها ما يبطل الصلاة، ومنها ما لا يبطلها، نعم؟
طالب:......
الفم والأنف؟ إيه نعم، أولاً: ما جاء أمر بغسل العينين إطلاقاً، وعُدَّ من شذوذ ابن عمر غسله داخل العينين حتى عمي، نعم، الأمر الثاني: أن مذهبهم مطرد، تدخل الماء في فمك ما تفطر وأنت صائم، تدخله في عينك تفطر، يعني مذهبهم مطرد في هذا، وإن كانوا ينازعون في مسألة الفطر بقطرة العين والكحل، وما أشبه ذلك.
المضمضة إدخال الماء داخل الفم وإدارته وتحريكه، ثم مجه على خلاف في المج، هل هو من مسمى المضمضة أو لا؟ منهم من يدخل المج في مسمى المضمضة، وهذا موجود في بعض كتب اللغة، ومنهم من يجعل المضمضة تحريك الماء في داخل الفم ولو ابتلعه، وعلى كل حال مجه هو الأولى؛ لأنه ماء استعمل في نظافة، ماء استعمل في تنظيف، فمجه أولى من ابتلاعه، وأما بالنسبة في للاستنشاق فهو جذب الماء بالنفس، وإخراجه إلى داخل الأنف ثم إخراجه.
طالب:......
الأصل في المضمضة أنها تدل على شيء من التحريك، يعني الصيغة تدل على شيء...، المضمضة كالخضخضة تدل على شيء من التحريك، فهي من مسماه لغة.
الفم والأنف من الوجه، وعرفنا المضمضة والاستنشاق، وما قيل فيهما من حيث الحكم، وأما بالنسبة لكيفية المضمضة فهي إدخال الماء وإدارته ثم مجه، وأما بالنسبة للاستنشاق فهو جذب الماء إلى داخل الأنف بالنفس، ثم الاستنثار الذي هو إخراج الماء، وجاء إطلاق الاستنثار على الاستنشاق؛ لأنه من لازمه، جاء في بعض الأحاديث الصحيحة إطلاق الاستنثار على الاستنشاق؛ لأنه من لازمه، ويتمضمض ويستنشق ثلاثاً ثلاثاً؛ لأن هذا أكمل، يتمضمض ويستنشق من كف واحدة، ثم يتمضمض ويستنشق من كف واحدة، ثم يتمضمض ويستنشق من كف واحدة يعني بثلاث غرفات، وإن تمضمض بكف واحدة ثلاثاً واستنشق من كف واحدة ثلاثاً فلا بأس، وإن تمضمض واستنشق ثلاثاً ثلاثاً من كف واحدة فلا بأس، لكن مثل هذا يحتاج إلى كف كبيرة تستوعب الماء الذي يكفي، وإن تمضمض ثلاثاً بثلاثة أكف، واستنشق ثلاثاً بثلاثة أكف أجزأ، فهذه صور كلها جائزة، والسنة أن يتمضمض ويستنشق من كف واحدة، كما جاء في وصف وضوئه -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:......
كيف يدخل باليد؟ لا، يمكن يصير العكس، ولو أتى ببخاخ ووضع فيه ماء، ووضعه في فمه، يصل أكثر، يكفي إذا وصل إلى أعلى الأنف بالبخاخ، يعني هل تقوم الآلات مقام اليد، تريد هذا أنت؟
طالب:......
هو لن يصل بمجرد اليد، لا بد من النفس أو يكون الإنسان مستلقي، إن كان مستلقيا يدخل وإلا وهو واقف ما يمكن.
طالب:......
لا، لا بد من الخياشيم، فيجعل في منخريه من الماء، فإن الشيطان يبيت على خياشيمه، وهذا لا بد منه ((بالغ في الاستنشاق)).
طالب:......
يعني مجرد خارج هذا أو قريب منه ما يجزئ هذا، هذا ليس باستنشاق، لكن لو أتى ببخاخ بآلة بإمكانه أن يضع فيها الماء ويبخ في فمه في أنفه، هل تحصل بذلك السنية أو لا تحصل؟ لا شك أن الوجوب يسقط، لكن الأولى محاكاة فعله -عليه الصلاة والسلام- باليد.
طالب:......
لا، ما يكفي، هو يسمى استنشاقا.
"وغسل اليدين إلى المرفقين" غسل اليدين إلى المرفقين، ويدخل المرفقين في الغسل، غسل اليدين هذا هو الفرض الثاني من فرائض الوضوء من فرض الطهارة، غسل اليدين إلى المرفقين، ويدخل المرفقين في الغسل، هذا كما جاء في الآية {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [(6) سورة المائدة] السياق يدل على أن البداءة بالمرافق أو بالأصابع؟ بالأصابع، واليد من رؤوس الأصابع إلى المرفق، من رؤوس الأصابع إلى المرفق؛ لأن بعض الناس إذا غسل يديه قبل غسل الوجه ظنه أنه يكفي هذا الغسل، فيكتفي بغسل الذراعين، وهذا لا يكفي، لا بد من استيعاب اليد من أطراف الأصابع إلى المرفقين، لا بد من هذا، واليد مقيدة بالمرفق كما هنا، وجاء إطلاقها في التيمم، وجاء إطلاقها أيضاً في القطع في السرقة، وهي هنا مقيدة بالمرافق، وهي مع آية السرقة {فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} [(38) سورة المائدة] لا يتفقان لا في حكم ولا في سبب، وعلى هذا الاتفاق حاصل على أن اليد لا تقطع إلى المرفق، وإنما تقطع إلى المفصل، مفصل الكف، ولا يقال: يحمل المطلق على المقيد للاختلاف في الحكم والسبب، لكن بالنسبة للتيمم جاءت مطلقة، وجاءت مقيدة في آية الوضوء والسبب واحد، وهو الحدث، لكن الحكم مختلف هذا غسل وهذا مسح، ولذا الجمهور لا يحملون المطلق على المقيد هنا للاختلاف في الحكم وإن اتحد السبب، ومنهم من يرى أنه يحمل المطلق على المقيد لوجود الاتحاد ولو في السبب، وهذا معروف عند الشافعية أنهم يمسحون في التيمم إلى المرافق.
"وغسل اليدين إلى المرفقين" المرفقين تثنية مرفق كمنبر، ومرفِق كمجلِس، لكن الأفصح مرفَق، مرفق كمنبَر، والقراءة على هذا: {إِلَى الْمَرَافِقِ} [(6) سورة المائدة] المرفق هو ما يصل الذراع بالعضد، و(إلى) هنا حرف غاية، والخلاف في دخول المغيا في الغاية معروف لغة، وأيضاً بين أهل العلم، بينهم علماء الشرع، وكلهم يحتكموا في هذا إلى اللغة، وإلى ما ورد عنه -عليه الصلاة والسلام-.
"إلى المرفقين" (إلى) هذه كما سمعنا حرف غاية، والمرجح عند كثير من أهل العلم أن الغاية لا تدخل في المغيا مطلقاً، ومنهم من يقول: إن كانت من جنس المغيا دخلت وإلا فلا، ومنهم من يرى أنها تدخل مطلقاً، لكن المرجح أنها لا يحكم بدخولها ولا بخروجها مطلقاً، وإنما يترك الحكم للقرائن المرجحة، فهنا {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [(6) سورة المائدة] المرجح لدخول المرافق، ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه كان إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه، وهذا فيه ضعف حديث جابر، وأما حديث أبي هريرة حتى أشرع في العضد هذا صحيح، وهذا بيان للواجب المجمل في الآية، وغسل اليدين إلى المرفقين، على هذا البداءة بأطراف الأصابع والنهاية التي هي الغاية إلى المرفقين، منهم من عكس يقول: يبدأ بالمرفق ثم ينتقل منها إلى أن يصل إلى الأصابع، ولكن هذا خلاف ما تدل عليه الآية؛ لأن الغاية هي النهاية، بعضهم يقول: (إلى) هنا بمعنى (مع) وليست حرف غاية بمعنى (مع) {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [(6) سورة المائدة] هل من دليل يدل على ذلك من الكتاب والسنة؟ {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [(2) سورة النساء] يعني مع أموالكم، وليست الغاية إلى أن تصلوا إلى أموالكم، إنما تأكلوا أموالهم يعني اليتامى إلى أموالكم.
على كل حال المرجح أن المرافق داخلة، المرفقين يدخلان في المغسول وجوباً، لما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه بين المجمل في الآية بفعله، ويدخل المرفقين في الغسل هذا اختيار المؤلف وهو المرجح، وهو المذهب أيضاً، وهو قول أكثر أهل العلم.
طيب "ومسح الرأس، وغسل الرجلين إلى الكعبين" الفرض الثالث مسح الرأس {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ} [(6) سورة المائدة] هذا هو الفرض الثالث "امسحوا برؤوسكم" الباء هذه منهم من يقول: للإلصاق، ومنهم من يقول: للتبعيض، وكل من وصف وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام- بالأدلة الصحيحة الصريحة ذكر أنه استوعب جميع الرأس بأن أقبل بيديه لا بيده، أقبل بهما وأدبر، بدأ من مقدم رأسه، فأقبل بهما، يتكلفون يقولون: أقبل بهما إلى قفاه وأدبر عنه، وهذا خلاف المعروف الظاهر من الإقبال والإدبار، فإن الإقبال إلى جهة الوجه، والإدبار الانصراف عنه، وأحسن ما يقال في "أقبل بهما وأدبر، بدأ من مقدم رأسه" أن يقال: إن الواو لا تقتضي الترتيب، وقوله: بدأ من مقدم رأسه، يعني أنه أدبر بهما إلى جهة قفاه، وأدبر بهما إلى جهة وجهه، والواو لا تقتضي ترتيب، وعلى هذا الاستيعاب هو المطلوب في مسح الرأس، منهم من يقول: إن الباء هذه للتبعيض، وتأتي الباء للتبعيض، فيكفي مسح بعض الرأس، ويختلفون في تحديد ما يجزئ مسحه من الرأس، فمن قائل: قدر الربع، ومن قائل: يكفي شعرات ولو ثلاث، إلى غير ذلك من الأقوال، ومنهم من زاد على المطلوب، فمسح مع الرأس العنق، وأوردوا في ذلك أحاديث ضعيفة "حتى بلغ القذال" وأيضاً: ((مسح الرقبة أمان من الغل يوم القيامة)) كلها ضعيفة، المقصود أن الرأس المراد به المعروف في حقيقته اللغوية والعرفية ما يكسوه الشعر مما يعلو البدن.
النبي -عليه الصلاة والسلام- مسح على الناصية، ولم يرفع العمامة، وهذا مما يدل على أنه اكتفى ببعض الرأس، وهذا يستدل به من يقول: إن الباء للتبعيض، وأنه يكفي مسح بعض الرأس، وابن القيم -رحمه الله- في الهدي يقول: لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه اكتفى بمسح الناصية، مسح الناصية، وأكمل المسح على العمامة، والمسح على العمامة ثابت، فلم يكتف بمسح بعض الرأس، وإنما مسح على العمامة.
"ومسح الرأس، وغسل الرجلين إلى الكعبين، وهما العظمان الناتئان، وغسل الرجلين إلى الكعبين" {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} [(6) سورة المائدة] هذه قراءة النصب، وقراءة الجر وهي متوترة: "وأرجلِكم إلى الكعبين" والكلام في هذه المسألة يطول جداً؛ لأن النزاع فيها كبير، نعم؟
طالب:......
نعم يمسح رأسه بماء جديد، يمسح رأسه بماء غير فضل يديه كما جاء في الحديث، ومسح رأسه بماء غير فضل يديه، ومن الرأس أيضاً الأذنان فتمسحان بماء الرأس، ولا يحتاج إلى ماء جديد على ما تقدم في قول المؤلف "وأخذ ماء جديد للأذنين"، "من سنن الوضوء أخذ ماء جديد للأذنين ظاهرهما وباطنهما" والمرجح في هذا أن الماء الجديد إنما هو للرأس كما جاء في الحديث، ومسح رأسه بماء غير فضل يديه، يعني يكتفي ببل اليدين بالماء ثم يمسح بهما رأسه وأذنيه؛ لأنهما من الرأس فلا يحتاجان إلى ماء جديد، وتقدم الكلام فيهما.
طالب:......
إيه، لا، هو أخذ ماء جديد للأذنين لا يدل على أنه واجب ولا ليس بواجب، لا يدل على ذلك، لكنه لم ينص على أنهما من الرأس، والفقهاء قاطبة يقولون: ومسح الرأس، ومنه الأذنان، وجاء في الحديث: ((الأذنان من الرأس)) والحديث فيه كلام، نعم؟
طالب:......
أي حاشية؟
طالب:......
هذا سيأتي في محظورات الإحرام، وأن تغطية الأذنين من تغطية الرأس، هذا يأتي، فيدل على أنه هنا اقتصر على الرأس ولم يفصل، وكونهما من الرأس، جزء منه لا يحتاج إلى تنصيص، يعني إذا قرر في مكان أنهما من الرأس، ولو ذكره هنا لكان أولى؛ لأن العادة التنبيه على الموضع الأول لا على الثاني، يعني لو ذكره هنا ومسح الرأس ومنه الأذنان، اكتفينا عن تكراره في الحج.
"ومسح الرأس، وغسل الرجلين إلى الكعبين" عرفنا أن الآية آية الوضوء في أوائل المائدة فيها: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} [(6) سورة المائدة] والقراءة الأخرى: "وأرجلِكم" فقراءة النصب تكون الرجلان معطوفتين على الغسل، على غسل اليدين، وأيديكم، اغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم، وعلى قراءة الجر تكون الرجلين معطوفتين على الرأس، ومن هنا نشأ الخلاف في الرجلين، هل يكفي مسحهما لقراءة الجر، أو لا بد من غسلهما لقراءة النصب؟
طالب:......
حتى الحنفية وغيرهم.
طالب:......
لا، هم يختارون هذا، ويستدلون بالنص على الناصية فقط، يجعلون هذا مرجحا من باب التبعيض.
طالب:......
لو قاله الشافعي حجة، نعم؟
طالب:......
نقول: لو نص على هذا هنا في الموضع الأول لكان أولى.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وغسل الرجلين إلى الكعبين" وعرفنا أن منشأ الخلاف في وجوب الغسل أو الاكتفاء بالمسح هو ورود القراءتين قراءة النصب عطفاً على المغسولات، وقراءة الجر عطفاً على الممسوح، وجماهير أهل العلم على أنه لا يجزئ المسح، بل لا بد من غسلهما، والمبالغة في ذلك، والغاية الكعبان، {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} [(6) سورة المائدة] وهما العظمان الناتئان في جانبي القدمين، لا العظم الناتئ على ظهر القدم عند معقد الشراك كما يقول المبتدعة، يقولون: المراد بالكعبين العظمان الناتئان على ظهر القدم عند معقد الشراك، والذين يقولون بهذا هم الذين يقولون بالمسح، ويكتفون به عن الغسل.
التثنية هنا "إلى الكعبين" تؤيد ما ذكره المؤلف أو تؤيد القول الثاني؟ يعني على ما اختاره المؤلف كعبين وإلا أربعة؟
طالب:......
وهما العظمان الناتئان، لو قال: غسل الرجل إلى الكعبين فيه إشكال أو ليس فيه إشكال؟
طالب:......
لا، لا تأملوا يا الإخوان، على كل حال هو قول باطل مقدماً ويأتي الرد عليه، لكن دعونا نحلل اللفظ إذا قلنا: الكعبين المراد بهما العظمان الناتئان في جانبي القدمين قلنا: كعبين أو كعاب؟
طالب:......
إيه لأن المنصوص الرجلان وليس رجلا واحدة.
طالب:......
لو قال: وغسل الرجل إلى الكعبين الآن ما فيه إشكال غسل اليدين إلى المرفقين ما في إشكال، لماذا؟ لأن في كل يد مرفق واحد، فما فيه إشكال، لكن غسل الرجلين إلى الكعبين، هما كعبان أو أربعة؟ إذا نظرنا إلى الرجلين المنصوص عليهما؟
طالب: أربعة.
أربعة، فكيف نخرج ما رجحناه من أنهما العظمان الناتئان؟
طالب:......
هاه؟
طالب:......
الجنس قال: إلى الكعب لو أراد الجنس؛ لأن التثنية دلالتها في اللغة أقوى من دلالة المفرد والجمع.
طالب: أقل الجمع.
يريد بالاثنين الجمع؟
طالب:......
لا، هو لو جاء العكس لو قال: إلى الكعاب ونريد اثنين، قلنا: أقل الجمع اثنين.
طالب:......
لا، هذا الكلام ما يؤخذ من المسألة.
طالب: يا شيخ الكعب الأعلى.
وين؟
طالب:......
هما العظمان الناتئان.
طالب:......
لا هو تبع النص، تبع الآية.
طالب:......
لو قال: وغسل الرجل إلى الكعبين، قلنا: قصد جنس الرجل، وفيها كعبان.
طالب:......
نعم لو قال: غسل الرجل، ما قال: غسل الرجلين، يعني إذا قلنا: مقابلة الجمع بالجمع تقتضي أفراد وآحادا، لكن مقابلة التثنية بالتثنية إذا قلت: مع الزيدين قلمان.
طالب: يعني مع كل واحد قلم.
مع كل واحد واحد، يعني تقتضي أفرادا مثل الجمع بالجمع، كما في ركب القوم دوابهم، كل واحد ركب دابته، نعم؟
طالب:......
هم يقولون: الكعبان هما العظمان الناتئان في جانب أو جانبي القدمين؟ لو أردنا أن نخرج أن في كل قدم كعبا واحدا، واعتبرنا الأكثر بروزا هو المقصود ومشينا الكلام على هذا الأساس ويمشي، لكن يقولون: في جانبي القدمين، نعود مرة ثانية إلى الإشكال.
طالب: كل واحد ناتئ من الجهتين.
وهما العظمان، عظمان ليس واحدا.
طالب: عظم في هذه وعظم في تلك، كل عظم ناتئ من الجانبين.
يا إخوان لتعلموا أن المسألةَ مفروغٌ منها مقدماً، هذا المطلوب، وهذا المقصود، ولن نختلف في هذا، والقول الثاني باطل، لكن لا مانع أننا نحلل اللفظ حتى نخرج على بينة، نعم، وإلا المسألة مفروغ منها ومرتاحين منها؛ لأن عندنا من الأدلة من قوله وفعله -عليه الصلاة والسلام-ما يكفي، بل يفيد القطع بالمراد، وما ينسب لبعض الأئمة يأتي أيضاً ذكره، نعم؟
طالب:......
الكعبان هما العظمان الناتئان في جانبي القدم أو القدمين؟ يا الله يا إخوان اسعفونا.
طالب:......
نعم واحدة إذاً، يعني ليس بواحد أرفع من الثاني.
طالب:......
أيديهما، جمع مضاف إلى مثنى، وهذا هو الأفصح، أن يضاف إذا أريد التثنية يجمع كما في {صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [(4) سورة التحريم] الأفصح أن يؤتى بلفظ الجمع.
طالب:......
معروف.
طالب:......
نعم؟
طالب:......
هذا عكس ما نريد،.
طالب:......
لا تلزم المطابقة، إلا المطابقة الأصل المطابقة، ما خرج عنها، لا بد من الجواب عنه.
طالب:......
هاه؟
طالب:......
لا، لا، أنت إذا قلت: والسارق والسارقة.
طالب:......
طيب وأيديهما اثنتان، مقابلة تثنية بتثنية، لا، لا، تقول: جمع يا أخي هي تثنية في الحقيقة؛ لأن الجمع المضاف إلى مثنى مثنى، كما في {صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [(4) سورة التحريم] لهم أربعة قلوب أو خمسة؟ اثنين ما في غيرها.
طالب:......
لا، لا، الجمع إذا أضيف إلى المثنى فهو مثنى، هذا الأفصح فيه.
طالب: لو كان جمع كان وعظامهم الناتئة، العظام الناتئة، يعني كثير العظام.
لا، لا هما العظمان الناتئان في جانبي القدم.
طالب:......
كيف؟
طالب:......
الأصل أن يكون جمعا، يعني الإشكال في كونه تثنية.
طالب: اللفظ الذي بعده.
والذي بعده؟
طالب: وهما العظمان الناتئان.
يا أخي هذا لفظ الآية، ما يحتاج المراعاة، لفظ الآية {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} [(6) سورة المائدة] نعم؟
طالب:......
إلى الكعب، تمام.
طالب:......
فهمنا يا إخوان؟ أنه لو أراد أن لكل رجل كعب كما أن لكل يد مرفق لجمع، قال: إلى الكعاب، كما قال: إلى المرافق، فلما أراد حقيقة التثنية، وأنه لكل قدم أو لكل رجل كعبين قال: إلى الكعبين، فإرادة التثنية التنصيص على التثنية، لا شك أنه أبلغ من المفرد والجمع؛ لأن المفرد قد يراد به الجنس، والجمع يراد به ما زاد على الاثنين.
طالب: هذا كلام في المغني.
ماذا يقول؟
يقول: فأما قول الخرقي وهما العظمان الناتئان فأراد أن الكعبين هما اللذان في أسفل الساق من جانبي القدم، وحكي عن محمد بن الحسن أنه قال: هما في مشط القدم، وهو معقد الشراك من الرجل، بدليل أنه قال: {إِلَى الْكَعْبَينِ} [(6) سورة المائدة] فيدل على أن في الرجل كعبين لا غير، ولو أراد ما ذكرتموه كانت كعاب الرجلين...
رجلين، رجلين.
طالب: عفواً.
الذي قبله.
طالب: يدل على أن في الرجلين كعبين لا غير.
نعم.
طالب: ولو أراد ما ذكرتموه كانت كعاب الرجلين أربعة، فإن لكل قدم كعبين، ولنا أن الكعاب المشهورة في العرف هي التي ذكرناها.
قال أبو عبيد: الكعب الذي في أصل القدم منتهى الساق إليه، بمنزلة كعاب القنا، كل عقد منها يسمى كعباً، وقد روى أبو القاسم الجدلي عن النعمان ابن بشير قال: كان أحدنا يلزق كعبه بكعب صاحبه في الصلاة، ومنكبه بمنكبه.
نعم، وهذا علقه البخاري عن الصحابة.
طالب: رواه الخلال وقاله البخاري.
علقه البخاري عن الصحابة، نعم.
طالب: وروي أن قريشاً كانت...
هل يمكن إلزاق الكعب الذي على ظهر القدم بكعب جاره في صلاته لا يمكن مستحيل، نعم.
طالب: وروي أن قريشاُ كانت ترمي كعبي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ورائه حتى تدميهما من ورائه قوله من ورائه.
الإضمار واضح.
طالب: ومشط القدم أمامه.
وقوله تعالى: {إِلَى الْكَعْبَينِ} [(6) سورة المائدة] حجة لنا؛ فإنه أراد أن كل رجل تغسل إلى الكعبين، إذ لو أراد كعاب جميع الأرجل لقال: الكعاب، كما قال: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [(6) سورة المائدة] انتهى.
على كل حال المقصود ظاهر وواضح، والغسل هو قول الجمهور من الصحابة والتابعين، ومن يعتد بقوله من أهل العلم، وأنه لا بد من غسل الرجلين إلى الكعبين، و(إلى) هذه حرف غاية، ويأتي ويرد فيها ما جاء إلى المرافق، فلا نحتاج إلى إعادته، وأن (إلى) الاحتمال قائم كما تقدم في دخول المغيا وعدم دخوله، إلا أن النصوص الصحيحة عنه -عليه الصلاة والسلام-تدل على أنه يدخل الكعبين، ويزيد عليهما، وغسل رجليه حتى أشرع في الساق.
هذه القراءة قراءة النصب يستدل بها من يقول بوجوب الغسل، وقراءة الجر يستدل به من يقول بالاكتفاء بالمسح، والمرجح هو الغسل كما هو معروف لأدلة كثيرة قطعية في السنة النبوية من فعله وقوله -عليه الصلاة والسلام-، فقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ويل للأعقاب من النار)) نص قاطع في رد قول من يقول بالاكتفاء بالمسح؛ لأن المسح لا يتناول الأعقاب، لا سيما مع تحديدهم إلى العظم الناتئ على ظهر القدم، لا يتناول الأعقاب بحال، وويل وعيد، فدل على وجوب غسل الأعقاب، وإذا غسل العقب دل على أن الواجب الغسل، وهو قول الجمهور، وعند الشيعة وطوائفهم الاكتفاء بالمسح اعتماداً على قراءة الجر.
ويذكر في كتب الخلاف عن الإمام المفسر أبي جعفر محمد بن جرير الطبري أنه يرى المسح، أو أنه يقول بالتخيير، بالتخيير بين الغسل والمسح، ومنهم من يرى الجمع بين الغسل والمسح، فالغسل بقراءة النصب، والمسح بقراءة الجر، أما ما ينسب إلى الإمام ابن جرير -رحمه الله تعالى- فكلامه صريح في أن مراده بالمسح الغسل، وأنه لا يكفي إمرار الماء على الرجل ولو سال، ولو تردد عليها وهو غسل، بل لا بد من المسح الذي هو الدلك في حقيقته، يعني مع مكاثرتها بالماء وجعل الماء يتقاطر منها، وهذا هو الغسل، هذه حقيقته الغسل، وليس من مسمى الغسل الدلك، بدليل أنهم يقولون: غسله المطر، وغسله العرق، وليس فيه دلك، فهو يريد مع الغسل الذي هو إسالة الماء على القدم بحيث يتردد عليها ويتقاطر منها، يريد إضافة إلى ذلك المسح، وهو إمرار اليد على هذا الماء وهو المعروف عند المالكية بالدلك، وهم يوجبونه، والجمهور لا يوجبون الدلك، فدل على أن اختيار ابن جرير -رحمه الله- المبالغة في غسل الرجل لا الاكتفاء بالمسح، بدليل أنه أورد حديثا والدليل على ذلك ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم سرد حديث: ((ويل للأعقاب من النار)) بطرقه الذي يورد حديث: ((ويل للأعقاب من النار)) هل يظن به أنه يكتفي بالمسح؟ لا يظن به هذا أبداً، وأشار في روح المعاني أن المراد بابن جرير الذي يرى المسح هو محمد بن جرير بن رستم الطبري، وهو شيعي رافضي، وليس بغريب أن يقول بالمسح، فالتبس اسمه باسم هذا الأمام من أئمة المسلمين، فلا يظن بالإمام، وكلامه الذي يقرأه ولا يفهم ما وراءه؛ لأنه نص على المسح زيادة على الغسل والمكاثرة بالماء، فلا بد أن يقول: إنه يرى أنه يجزئ المسح، أو يقول: بالجمع بين الغسل والمسح، والمراد بالمسح في كلامه هو الدلك الذي يقول به المالكية، نعم؟
طالب:......
كيف؟
طالب:......
لكن فيه غسل ومسح، لو كان فيه غسل ومسح قلنا: الدلك.
طالب:......
ما سمعت كلام صاحب المغني، يقول: لو أراد الاثنين في كل رجل كعب لقال كما قال في المرفقين "إلى المرافق" قال: إلى الكعاب، ما قال إلى الكعبين، ودلالة التثنية أقوى من دلالة الجمع ودلالة الإفراد، كما قرره أهل العلم في هاه؟
{لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [(75) سورة ص] {وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} [(47) سورة الذاريات] قالوا: دلالة المفرد أعظم من دلالة التثنية، دلالة التثنية أعظم من دلالة الجمع.
طالب:......
ماذا يقول؟
طالب: يقول: نص عبارة الطبري: فإذا كان المسح المعنيان اللذان وصفنا من عموم الرجلين بالماء وخصوص بعضهما به، وكان صحيحاً بالأدلة الدالة التي سنذكرها بعد أن مراد الله من مسحهما العموم وكان لعمومهما بذلك معنى الغسل والمسح، فبين صواب قراءة القراءتين جميعاً، أعني النصب في الأرجل والخفض؛ لأن في عموم الرجلين بمسحهما بالماء غسلهما، وفي إمرار اليد، وما قام مقام اليد عليهما مسحهما، فوجه صواب قراءة من قرأ ذلك نصباً لما في ذلك من معنى عمومهما بإمرار الماء عليهما، ووجه صواب قراءة من قرأه خفضاً لما في ذلك من إمرار اليد عليهما، أو ما قام مقام اليد مسحاً بهما.
يعني الدلك، من أهل العلم من يرى أن القراءتين لحالتين، وأن قراءة النصب لغسل الرجلين المكشوفتين، وقراءة الجر لمسح ما يغطي القدمين كالخفين، فيكون في القراءتين دلالة على الغسل للرجل، وعلى مسح الخفين.
انتهى الوقت؟
طالب: انتهى.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك....
"