شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (334)
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحبًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.
مع مطلع هذه الحلقة نرحب بضيف البرنامج فضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ.
حياكم الله، وبارك فيكم، وفي الأخوة المستمعين.
المقدم: كنا توقفنا، ووعدنا الإخوة والأخوات أن نجمع أطراف الموضوع في الإشكال بدل الكل من الكل في قوله: «وفي شأنه كله».
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
نقل الحافظ ابن حجر عن الطيبي، شرف الدين الطيبي شارح المشكاة، وهو من أهل العلم المعروفين في التصنيف والتعليم، له جلد على التعليم قد لا يوجد له نظير، بحيث كان يجلس بعد صلاة الصبح إلى وقت الظهر يُفسر القرآن بدون فاصل، ثم بعد ذلك بعد صلاة الظهر يجلس لصحيح البخاري إلى وقت صلاة العصر، والعصر أيضًا لكتاب آخر، وهكذا، هذا ديدنه فيما ذكره من ترجم له، ومات- رحمه الله- وهو ينتظر صلاة الظهر في يوم من الأيام للدرس الثاني، والله المستعان.
الطيبي هذا يقول: قوله: «في شأنه كله» في شأنه بدل من قوله: «في تنعله» بإعادة العامل الذي هو الجار، والجار والمجرور لا بد له من متعلق، إذًا كأنه قال: كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره، ويعجبه التيمن في شأنه كله، بدل من قوله في تنعله بإعادة العامل، لو تأملنا قال الطيبي: قوله: «في شأنه» بدل من قوله في تنعله بإعادة العامل، كون في شأنه بدلًا من تنعله يقتضي أيهما المقدم في كلام الطيبي؟ دعنا نناقش كلام الطيبي البدل هو المتقدم أو المتأخر؟
المقدم: الأصل المتأخر.
البدل هو التابع.
يتبع في الإعراب في الأسماء الأول |
نعت وتوكيد وعطف وبدل |
فإذا قلنا: إن شأنه بدل من تنعله صار المقدم في شأنه أم في تنعله؟ لأننا نناقش كلام الطيبي لننظر مدى دقة كلام العيني، الطيبي يقول: قوله: «في شأنه» بدل من قوله في تنعله بإعادة العامل، يعني لو أن الطيبي قال: في تنعله بدل من شأنه كله بإعادة العامل، قلنا: إن التنعل بدل من شأن يكون المبدل منه شأنه والبدل تنعله، وما دام الطيبي يقول: «في شأنه كله» بدل من قوله: في تنعله بإعادة العامل هل يظن من ابن حجر حينما نقل كلام الطيبي أنه قدَّم وأخَّر؟
المقدم: لا.
ما يُظن، لكن قد يغفل أن الطيبي يتكلم على رواية مسلم؛ لأنه ينقل من شرح المشكاة بغض النظر، وإن كان هذا بعيدًا لكنه مُتصور، لكن ما يتصور أنه يقول: «في شأنه» بدل من قوله: «في تنعله» بإعادة العامل، والطيبي قال: «في تنعله» بدل من قوله: «في شأنه» بإعادة العامل.
المقدم: يعني أنت يا شيخ، تلتمس الآن لابن حجر صواب ردّه عليه أم...؟
نحاسب الكلام بتجرد، قال: وكأنه ذكر إلى آخره.. فيكون كبدل الكل من الكل، يقول العيني: قلت: هذا لم يتأمل كلام الطيبي؛ لأن كلامه ليست على رواية البخاري، رواية البخاري فيها «يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله».
المقدم: أخره.
نعم، رواية مسلم التقديم، ليس على رواية البخاري، وإنما هو على رواية مسلم، وهي: «كان رسول الله- صلى عليه وسلم- يعجبه التيمن في شأنه كله في تنعله وفي ترجله»، لكن هل هذا يمشي مع كلام الطيبي، قوله: في شأنه بدل من قوله في تنعله.
المقدم: ما يمشي.
ما يمشي إلا لو قال في تنعله بدل من قوله في شأنه، وإنما هو على رواية مسلم وهي: «كان رسول الله-صلى عليه وسلم- يعجبه التيمن في شأنه كله في تنعله وترجله»؛ لأن صاحب المشكاة نقل عبارة مسلم، وقال الطيبي في شرحه بهذه العبارة أقول: قوله: «في طهوره وترجله وتنعله» بدل من قوله «في شأنه» بإعادة العامل، وقال الطيبي في شرحه بهذه العبارة أقول: قوله: «في طهوره وترجله وتنعله» بدل من قوله: «في شأنه»، وما نقله ابن حجر: قال الطيبي: قوله: «في شأنه» بدل من قوله: «في تنعله» بإعادة العامل، كلام العيني موافق لرواية مسلم، ونقل الحافظ عن الطيبي موافق لرواية البخاري.
المقدم: أيهما أصح في كلام الطيبي؟
أنا أقول: ما دام العيني قاصدًا الرد ورجع إلى الأصل، فلا يمكن أن يحرف، ولعل الحافظ ابن حجر نقل من حفظه، ليس بعيدًا أنه يكون نقل من حفظه ونقل ما يناسب رواية البخاري، يعني الإنسان قد يمر به مقروء، ويفهم مسألة ويحرر مسألة من كتب أهل العلم، ويتصور أنه نقل من الكتاب الفلاني ومن الكتاب الفلاني، ويعرف أنه في الكتاب الفلاني كذا، لكن لا ينقله بدقة.
المقدم: شرح الطيبي مطبوع؟
نعم مطبوع.
المقدم: والموجود الآن؟
ما رجعت إليه، وقال الطيبي في شرحه بهذه العبارة أقول: قوله: «في طهوره وترجله وتنعله» بدل من قوله: «في شأنه» بإعادة العامل، ولعله إنما بدأ فيها بذكر الطهور؛ لأنه فتح لأبواب الطاعات كلها، وثنى بذكر الترجل، وهو يتعلق بالرأس، وثلث بالتنعل وهو مختص بالرجل؛ ليشمل الأعضاء، فيكون كبدل الكل من الكل، هذا كلام الطيبي، ولعل العيني نقله بحروفه؛ لأنه يريد الرد، فالذي يريد الرد لا يمكن أن يفتح على نفسه ثغرات، والعجب من هذا الناقل أنه لما نقل كلام الطيبي على رواية مسلم ثم قال: ووقع في رواية مسلم، يعني ما خفيت عليه رواية مسلم. والعجب من هذا الناقل أنه لما نقل كلام الطيبي على رواية مسلم ثم قال: ووقع في رواية مسلم بتقديم قوله: في شأنه كله على قوله: في تنعله إلى آخره قال: فيكون بدل البعض من الكل، فكأنه ظن أن كلام الطيبي من الرواية التي فيها ذكر الشأن متأخرًا، كما هي رواية البخاري هنا. قال: ووقع في رواية مسلم بتقديم قوله: في شأنه، وهذا كما ترى فيه خبط ظاهر، الكلام هذا كله يتجه إذا قلنا بحصر البدل في الأنواع الثلاثة بدل كل من كل، بدل بعض من كل، ولا يأتي العكس بدل كل من بعض، وبدل اشتمال، يعني لو قلنا: إن هناك رابعًا، وهو بدل الكل من البعض ما صار لهذا الكلام أثر، وسيأتي مزيد إيضاح.
قلت: القائل ابن حجر وقع في رواية مسلم بتقديم قوله: في شأنه كله على قوله: في تنعله، وعليها شرح الطيبي.
المقدم: هذا الذي أشار إليه العينى قبل قليل.
وعليه شرح الطيبي، يعني هل ابن حجر حينما نقل عن الطيبي خفي عليه أنه يشرح مسلمًا؟ يشرح رواية مسلم؛ لأنه قال: وعليها شرح الطيبي، وجميع ما قدمناه مبني على ظاهر السياق الوارد هنا، أنا أقول: لعل ابن حجر نقل من حفظه، وإلا فهو مستحضر النقل على رواية مسلم، وعلى رواية مسلم بالتقديم أيضًا، وجميع ما قدمناه مبني على ظاهر السياق الوارد هنا، لكن بيّن المصنف في الأطعمة من طريق عبد الله بن المبارك عن شعبة: أن أشعث شيخه كان يحدث به تارة مقتصرًا على قوله: في شأنه كله، وتارة على قوله: في تنعله؛ لأنه سيأتينا في بعض الأطراف أن أشعث كان يحدث به بواسط، يعني كاملًا وناقصًا، قال بواسط قبل هذا في شأنه كله سيأتي في الطرف الثالث. لكن بيّن المصنف في الأطعمة من طريق عبد الله بن المبارك عن شعبة: أن أشعث شيخه كان يحدث به تارة مقتصرًا على قوله: في شأنه كله، وتارة على قوله: في تنعله إلى آخره، وزاد الإسماعيلي من طريق غُندر عن شعبة أيضًا: أن عائشة كانت تجمله تارة، وتبينه أخرى، فعلى هذا يكون أصل الحديث ما ذُكر من التنعل وغيره، ويؤيده رواية مسلم من طريق أبي الأحوص، وابن ماجه من طريق عمرو بن عبيد كلاهما عن أشعث بدون قوله: في شأنه كله، وكأن الرواية المقتصرة على «في شأنه كله» من الرواية بالمعنى، ووقع في رواية لمسلم: «في طهوره ونعله» بفتح النون وإسكان العين أي هيئة تنعله، وفي رواية ابن ماهان في مسلم «ونعله» بفتح النون.
يقول الكرماني: قوله «في شأنه» وفي بعضها: وفي شأنه بالواو العاطفة إن قلت: ما وجهه على تقدير عدمها، يعني: ما وجه الكلام على تقدير عدم الواو؟ يقول الكرماني: قلت: فيه غموض؛ لأن ظاهره البدل بإعادة تكرير العامل، ولا يصح أن يكون بدل الكل من الكل؛ لأن الشأن أعم من هذه الثلاثة، ولا بدل البعض؛ لأنه ليس بعضًا من المتقدم ولا بدل اشتمال إذ شرطه أن يكون بينهما ملابسة بغير الجزئية والكلية، والملابسة بين ما ذُكر في تنعله وترجله وطهوره مع الشأن، هل هي جزء من بعض، بدل بعض من كل؟
المقدم: لا، ما يمكن تصير.
الآن بدل الاشتمال يعجبني زيد علمه، الآن نقول: علمه بدل اشتمال من زيد، لماذا؟ فيه ملابسة بين زيد والعلم الذي أُضيف إليه، لكن هل العلم جزء من زيد؟
المقدم: ما يكون.
هذا بدل اشتمال، فإذا كان البدل جزءًا من المبدل لا يمكن أن يكون بدل اشتمال، وإنما يكون بدل...
المقدم: جزء من كل.
جزء من كل، بعض من كل، ويدخل في هذا قولهم: شبه الجزء {اتبع ملة إبراهيم حنيفًا}، نقول: إن الشأن ليس بجزء ليكون بدل بعض من كل بينهما ملابسة، لكن ليست الجزئية مع الكلية.
يقول الكرماني: قوله: «في شأنه»، وفي بعضها أي في بعض النسخ: وفي شأنه بالواو العاطفة فإن قلت: ما وجهه على تقدير عدمها؟ قلت: فيه غموض؛ لأنه ظاهره البدل بإعادة تكرير العامل، ولا يصح أن يكون بدل الكل من الكل، يعني الموجود عندنا لا يصح أن يكون بدل الكل من الكل. لأن الشأن أعم من هذه الثلاثة، ولا بدل البعض؛ لأنه ليس بعضًا من المتقدم، هذا ظاهر، ولا بدل اشتمال؛ إذ شرطه أن يكون بينهما ملابسة بغير الجزئية والكلية؛ لأن الملابسة بالجزئية بدل بعض من كل الملابسة بالكلية بدل كل من كل، وها هنا الشرط منتفٍ ولا بدل الغلط؛ لأنه لا يقع في فصيح الكلام، يعني هل نقول: إن النبي-عليه الصلاة والسلام- قال هذا الكلام من باب بدل الغلط؟
المقدم: لا.
لا يمكن لأنه معصوم فيما يبلغه عن الله-جل وعلا-؛ لأنه لا يقع في فصيح الكلام، فإن قلت: فما قولك فيه؟.. لكن عند أهل العلم ما يُعرف بشبه الجزء شبه البعض.
المقدم: لكن عفوًا يا شيخ، هذا لو افترضنا أن هذا من كلامه- صلى الله عليه وسلم- استقام هذا، وهو من كلام عائشة.
في شأنه كله يأتي أنها فهمت ذلك من عادته المطردة، أو أنه قال لها ذلك. هناك ما يُعرف بالجزء وما يُعرف بشبه الجزء، فهل نقول: إن هذا بشبه الجزء شأن شبه جزء من الإنسان كما في قوله جل وعلا: {اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا } [سورة النحل 123]، فملة أُضيفت إلى إبراهيم.
ولا تجز حالًا من المضاف له |
إلا إذا اقتضى المضاف عمله |
أو كان جزءَ ما له أُضـيفَ |
أو مثل جزئه فلا تحـــيفَ |
قُطعت يد زيد قائمًا، اليد بعض من زيد، واتبع ملة إبراهيم حنيفًا، وإذا اقتضى المضاف عمله إليه مرجعكم جميعًا، لكن قوله: {اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا } [سورة النحل 123] هل الملة جزء من إبراهيم أو شبه جزء؟ لأن الإنسان إذا اعتاد شيئًا، وصار ديدنه الذي لا يفارقه صار كأنه منه، ولذلك جاء في الحديث الصحيح: «يشب ابن آدم، ويشب منه خصلتان» هاتان الخصلتان كأنهما صارتا شيئًا.. بعضًا منه؛ لأنهما تدرجتا معه من الصغر إلى الهرم، {اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا }[سورة النحل 123] الملة ليست بجزء من إبراهيم، لكنها شبه جزء، هل نقول: إن الشأن شبه جزء؛ لأنه يقول: ولا بدل اشتمال؛ إذ شرطه أن يكون بينهما ملابسة بغير الجزئية والكلية، نعم ليس بجزء ولا كل، هل نقول: إنه شبه جزء، كما في قوله تعالى: {اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا }[سورة النحل 123]، وأجازوا الحال من المضاف إليه؛ لأنه شبه جزء أو مثل جزء، فهل نقول: إن الشأن مثل الجزء، فيكون مما يسوغ في هذا الباب في بدل الاشتمال مثل ما جوزوا الحال من المضاف إليه مثل الجزء، هذا قابل للنظر لا سيما في مثل هذه الإشكالات، يعني يمكن أن يرفع الإشكال بمثل هذا، ولا يكون من بدل غلط؛ لأنه لا يقع في فصيح الكلام، فإن قلت: ما قولك فيه؟
يعني ما الحل؟ ما التوجيه؟ والعيني هذه عادته يورد إشكالات، ويجيب عليها، قلت: هو بدل الاشتمال، ومراده من انتفاء الجزئية والكلية بينهما هما المذكورتان في بدل الكل وبدل البعض، وهو ألا يكون الثاني عين الأول ولا بعض الأول، وهذا بعكس ذلك؛ إذ الأول بعض الثاني، يعني الأقسام بدل كل من كل بدل بعض من كل بدل اشتمال بدل غلط، وهذا لا يقع، ولا يرد هنا، بقي القسيم لبدل البعض من الكل بدل الكل من البعض هم لم يذكروه بدل الكل من البعض، وإنما كأن الكرماني يقول: إن هذا يمكن أن يدخل في بدل الاشتمال.
قلت: وبدل الاشتمال ومراده من انتفاء الجزئية والكلية بينهما هما المذكورتان في بدل الكل وبدل البعض، وهو ألا يكون الثاني عين الأول ولا بعض الأول، وهذا بعكس ذلك؛ إذ الأول بعض الثاني، أو هو بدل غلط، هو قال في الإشكال الأول: ولا هو بدل الغلط؛ لأنه لا يقع في فصيح الكلام، ثم قال: أو هو بدل الغلط، وقد يقع في الكلام الفصيح قليلاً، ولا منافاة بين الغلط والبلاغة، لكن هذا إذا تصورناه في كلام الفصحاء، الفصحاء والبلغاء من عموم الناس تصورنا هذا أنه يغلط وهو فصيح، ومع ذلك يكون كلامه فصيحًا أو غير فصيح إذا غلط؟ الغلط مخل بالفصاحة مهما كان، فضلًا على أن يكون في كلام المعصوم، قال: أو بدل غلط وقد يقع في الكلام الفصيح قليلاً، ولا منافاة بين الغلط والبلاغة، يقول العيني: قلت: لا يقع بدل الغلط الصِّرف ولا بدل النسيان في كلام الفصحاء وإنما يقع بدل البداء في كلام الشعراء للمبالغة والتفنن وبدل البداء أن يُذكر المبدل منه عن قصد وتعمد، ثم يُتدارك بالثاني، الآن إذا أردت أن تختبر من أمامك تأتي بجملة مغلوطة لتعلم مدى انتباهه هل هو معك أم ما هو معك، تأتي بجملة مغلوطة قصد، ومن هذا يحصل القلب في أحاديث الامتحان، وجاء في كتب الفرائض في بعضها لا سيما قسم الفرائض من الموطأ قال: وولد الأم للذكر مثل حظ.. كل الطلاب قالوا: الأنثيين.
المقدم: الأنثيين قالوا حفظًا.
نعم حفظًا.
المقدم: وحظهما واحد.
نعم مثل حظ الأنثى، وهذا مما يؤيد أن الجادة لا شك أنها غالبة وقاهرة، مما يدل على كلام المحدثين أن الكلام إذا جاء من ثقة ضابط حافظ على غير الجادة قُدم على ما كان على الجادة، وضربنا مثالًا أنه لو جاء في إسناد مالك عن نافع عن ابن عباس، وجاء في إسناد آخر مالك عن نافع عن ابن عمر، وكلاهما ثقتان، مالك عن نافع كلاهما ثقة، نقدم غير الجادة؛ لأن اللسان يسبق..
المقدم: ابن عمر.
مالك عن نافع عن ابن عمر تلقائيًّا، في كلام العيني قلت: لا يقع بدل الغلط الصرف ولا بدل النسيان في كلام الفصحاء، وإنما يقع بدل البداء في كلام الشعراء للمبالغة والتفنن وبدل البداء يُذكر المبدل منه عن قصد وتعمد، وتعمد ثم يُتدارك بالثاني وبدل الصرف، وهو يدل على غلط صريح فيما أردت أن تقول: جاءني حمارٌ فيسبقك لسانك إلى رجل، ثم تداركت الغلط فقلت: حمار، وبدل النسيان أن يُتعمد ذكر ما هو غلط، ولا يسبقك لسانك إلى ذكره، لكن تنسى المقصود، ثم بعد ذلك تتداركه بذكر المقصود، فمن هذا عرفت أن أنواع بدل الغلط ثلاثة، لكن مثل هذه الأمور تقع في كلام المعصوم-عليه الصلاة والسلام-؟
المقدم: ما يمكن.
لا تقع، لماذا؟ حتى لو قلنا: إن البدل الذي يؤتى به بدل الأول...
المقدم: بدل الغلط والا غيره.
بدل الغلط.
المقدم: أو بدل البداء الذي يقع في كلام الفصحاء.
الذي يقع في كلام الفصحاء هو مقصود، لكن البداء فيما يظهر منه أنه غير مقصود أو أنه بدا له أن يعدل عنه، يقصده ثم يعدل عنه فلا يكون مقصودًا لذاته، على كل حال الكلام في هذا المسألة طويل.
ثم يقول الكرماني: أو هو بدل الكل من الكل؛ إذ الطهور مفتاح العبادات كلها، والترجيل يتعلق بالرأس، والتنعل يتعلق بالرجل، فكأنه شمل جميع الأعضاء من الرأس إلى القدم، فهو بدل الكل من الكل، كأنه قال: الشأن كله من الرأس إلى القدم، وإذا أرادوا أن يمدحوا شخصًا بالعلم، وأنه قد امتلأ قالوا: من هامه إلى إبهامه، أو قسم آخر خامس هذا أيضًا كلام الكرماني أو قسم آخر خامس للأبدال الأربعة على ما بينه بعض النحاة متمسكين بقولهم: نظرت إلى القمر فلكه، الآن الفلك غير القمر، فليس ببدل بعض ولا بدل كل ولا بدل اشتمال، لكن بين القمر والفلك مناسبة، فقربهم من بدل اشتمال ظاهر، وفي قول الشاعر:
نضر الله أعظمًا دفنوها بسجستانا طلحة الطلحات
طلحة الطلحات بدل من أعظم، وأعظم بعض طلحة، يعني لو قال: نضر الله طلحة الطلحات أعظمًا، ما فيه إشكال بدل بعض من كل، لكن هنا يقتضي أن يكون بدل كل من بعض أو يكون بدل اشتمال على ما وجهه الكرماني، أو هو قسم خامس وإن لم يُذكر وهو بدل الكل من البعض قسيم بدل البعض من الكل، وإن أمكن الجواب عنهما، وسموه بدل الكل عن البعض، ما دام سموه بدل الكل عن البعض، وهو لم يذكر في أنواع البدل، ما المانع أن يكون بدل كل من بعض، أو يقدر لفظ «يعجبه التيمن» قبل لفظ في «شأنه»، فتكون الجملة بدل جملة، أو هو عطف على ما تقدم بتقدير الواو كأنه قال: وفي شأنه عطفًا للعام على الخاص، يعني الواو وإن لم تُذكر إلا أنها مقدرة، وقد جوّز بعض النحاة تقدير الواو العاطفة إذا قامت قرينة عليه، أو هو متعلق بيعجبه لا بالتيمن، أي يعجبه في شأنه كله التيمن في هذه الثلاث أي لا يترك التيمن في الثلاث في سفره وحضره وفراغه واشتغاله وغير ذلك.
المقدم: أحسن الله إليكم، نكتفي بهذا، ونستكمل بإذن الله ما تبقى في حلقة قادمة.
أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة في شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، لنا بكم لقاء بإذن الله في الحلقة القادمة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.