شرح الموطأ - كتاب حسن الخلق (2)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لشيخنا والحاضرين والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.

قال المؤلف -رحمه الله- تعالى: باب ما جاء في المهاجرة

وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يحل لمسلم أن يهاجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)).

وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهاجر أخاه فوق ثلاث ليال)).

قال مالك -رحمه الله-: لا أحسب التدابر إلا الإعراض عن أخيك المسلم فتدبر عنه بوجهك.

وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً)).

وحدثني عن مالك عن عطاء بن أبي مسلم عبد الله الخراساني قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تصافحوا يذهب الغل، وتهادوا وتحابوا وتذهب الشحناء)).

وحدثني عن مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد مسلم لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال أنظروا هذين حتى يصطلحا أنظروا هذين حتى يصطلحا)).

وحدثني عن مالك عن مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: تعرض أعمال الناس كل جمعة مرتين يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد مؤمن إلا عبداً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: اتركوا هذين حتى يفيئا أو اتركوا

اركو، نعم. فيقال؟

فيقال: اتركوا هذين حتى يفيئا.

أو اركو

في سقط.

"أو اركوا هذين حتى يفيئا"

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله- تعالى: باب ما جاء في المهاجرة

المهاجرة: مفاعلة من الهجر، وهو الترك، ومنه الهجرة، الهجرة الممدوحة من الترك أيضاً، ترك بلاد الكفر إلى ديار الإسلام، وعموم الترك فيه ما يمدح، وفيه ما يذم، والمهاجرة هنا مفاعلة من الهجر الذي هو ترك الصلة، فالمهاجرة في مقابل الصلة، وكل من الهجر والصلة في الشرع علاج إذا وجد السبب المقتضي للهجر ترجح، وإلا فالأصل أن المسلمين أخوة، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (10) سورة الحجرات، لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، هذا هو الأصل لكن إذا ارتكب ما يقتضي الهجر فالهجر شرعي، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- هجر الذين تخلفوا عن غزوة تبوك خمسين يوماً، فالهجر لأمر شرعي لمخالفة شرعية لبدعة أو ارتكاب محظور حتى يفيء، حتى يرجع، وكان هذا الهجر وترك الصلة أنفع وأجدى بالنسبة لهذا الشخص فهو شرعي، مطلوب، أما إذا كانت الصلة أنفع له وأقرب إلى أن يؤلف قلبه بهذه الصلة ويرجع ويفيء عما كان عليه من مخالفة فالصلة أرجح من المهاجرة.

يقول: حدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يحل لمسلم أن يهاجر أخاه)) يعني في الدين، ومن باب أولى أخوة النسب إذا اجتمعت مع الدين، فإذا اجتمعت مع الدين كان الحق أعظم، وإذا وجدت أخوة الدين فهي أقوى من أخوة النسب، وأخوة النسب المجردة عن الدين لها حقها من الصلة، يعني لا يمنع أن يصل أخاه ما لم يكن محارباً للمسلمين، المقصود أنه يقول: ((لا يحل)) يعني لا يجوز بل يحرم للمسلم ((أن يهاجر أخاه فوق ثلاث ليال)) يهاجر سواءً كانت المهاجرة من الطرفين، بمعنى أن كل واحد منهما يهجر الآخر ولا يصله، أو من طرف واحد، أو من طرف واحد، بمعنى أن أحدهما هاجر لأخيه والثاني واصل، فالهاجر هو الذي لا يجوز له هذا الفعل، والثاني إن وصلهم مع القطيعة من قبلهم فكأنما يسفهم المل كما في الحديث الصحيح.

((لا يحل لمسلم أن يهاجر أخاه فوق ثلاث ليال)) فوق ثلاث ليال مفهومه أن الثلاث الليال تجوز المهاجرة فيها، تجوز القطعية فيها، ثلاث ليال، ولو كان مقصود القطع إن كان القطع مقصود، وعدم الصلة مقصودة لمشاحنة بينهما، فالنفس لها حظ، النفس لها حظ تركت لها هذه الفرصة ثلاث ليال، وإلا فقد يهجر الإنسان أخاه شهراً ولا يأثم بمعنى أنه مجرد ترك من غير قصد للهجر، يعني كون الإنسان ما يزور أخاه إلا في الشهر مرة من بين مقتض لهذا الهجر، ومن غير مقصد، من غير قصد لهذا الهجر وهذا الترك، والنفوس سليمة لم يداخلها شيء فلا مانع، بل الإنسان يرتب مع أخيه ويقول: والله أنا مشغول، وأنت مشغول لو تكون لنا دورية في الشهر مرة، هل نقول إن هذا هجر أخاه فوق ثلاث؟ نعم؟ إنما المقصود به الهجر مع القطع، مع قطع الرحم الذي يقتضي القصد لهذا الهجر.

((فوق ثلاث ليال)) فالثلاث فما دون جائزة بمفهوم هذا الحديث؛ لأن النفس لها حظ، يعني تأخذ النفس شيئاً من حظها مما جبلت عليه في الشرع، كما أنه لا يجوز لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا أن يكون الزوج، فالنفس أيضاً لوحظ حقها في مثل هذا.

((فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)).

الترك من غير قصد ومن غير هجر لا يمكن أن يوجد منه هذا الأثر يعرض هذا ويعرض هذا، بل إذا التقيا تبادلا ما يدل على المحبة والمودة بينهما، لكن الهجر المقصود ولو كان فوق ثلاث ليال شيئاً يسيراً؛ فإنه يحرم؛ لأنه يلزم منه أن يعرض هذا إذا التقيا، ويعرض هذا عن أخيه، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام، خيرهما الذي يبدأ بالسلام وواقع كثير من الناس لا سيما من العامة، وقد يوجد من بعض الخاصة أن الكبير يستنكف أن يبدأ الصغير، نعم الصغير في الشرع عليه أن يحترم الكبير، ويسلم الصغير على الكبير نعم لكن لو سلم الكبير على الصغير لا شك أن مثل هذا يكون خيرهما، ((فخيرهما الذي يبدأ بالسلام)) وكثير من الناس إذا قيل له: بينك وبين أخيك قطيعة، قال: أنا أكبر منه، الحق لي، أنا لي الحق، أو أنا العم، لي الحق، أو أنا الخال لي الحق، لا، لا ((خيرهما الذي يبدأ بالسلام)).

ومع أن العم له حق، وعم الرجل صنو أبيه، والخال أيضاً له حق، والأخ الكبير له حق، والوالد أعظم، والوالدة أشد، والأجداد والجدات كذلك، لكن القاعدة الشرعية: ((خيرهما الذي يبدأ بالسلام)) سواءً كان أكبر أو أصغر أو السبب الجامع بينهما في حقه وفي جانبه أقوى كالعم والخال وما أشبه ذلك، ((خيرهما الذي يبدأ بالسلام)).

يذكر في كتب الأدب أنه صار بين الحسن والحسين شيء من القطيعة اليسيرة يعني يومين أو ثلاث أو شيء من هذا لا تصل إلى حد الممنوع، لكنه مع ذلك قيل للحسن: ألا تذهب فتصالح أخاك، أو قيل للحسين، قيل لأحدهما، نعم، فقال: الإيثار مطلوب، الإيثار مطلوب، ومدح الأنصاب الإيثار، وأؤثره بهذه الخيرية، كلام صدق ما هو بدعوى، لكن بعض الناس قد يقول: أنا أؤثره بهذه الخيرية ليكمل ما قال أن الحق لي، على شان يجي أخوه ويسلم عليه، أنا أؤثره، هذا من باب الإيثار؟ لا، ليس من باب الإيثار.

وعلى كل حال القاعدة المطردة الشرعية ((خيرهما الذي يبدأ بالسلام)) وقد تكون القطيعة عن لا شيء، أمر يسير جداً، وقد يكون وهمياً، وتستمر السنين الطويلة على هذا، والشيطان واقف بينهما، لا يريد الإصلاح، وعلى كل حال لا يجوز الهجر فوق ثلاث فإذا وجد فأعرض هذا وأعرض هذا لا شك أن هذا من تحريض الشيطان بين الأخوة ليقعوا في المحظور العظيم الذي هو القطيعة، ومع ذلك على الإنسان أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ويتنازل، ويؤثر أخاه، أو يؤثر نفسه، وهذا أولى؛ لأن الإيثار بالقرب عند أهل العلم الإيثار بالقرب مكروه عند أهل العلم، ولا يجوز الإيثار بالواجبات، فـ ((خيرهما الذي يبدأ بالسلام)) فعليه أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ويذهب إلى أخيه ويسترضيه ليكون خيرهما، والحديث متفق عليه، نعم.

طالب:......

نعم الإشكال أن العبرة بما في القلوب، العبرة بما في القلوب، تجد بعض الأسر بينهم بغضاء وشحناء من أجل موروثات وأسبال وما أشبه ذلك وأوقاف، ثم بعد ذلك يسعى المصلحون لجمعهم في اجتماع شهري أو ما أشبه ذلك للأسرة أو للعائلة فتجدهم يجتمعون وينصرفون على ما كانوا عليه، كل واحد يسلم على الثاني ويبش في وجهه وقلبه مشحون بالبغضاء والتدابر والتقاطع وإذا خلا بعضهم وانفرد أكل عرض هذا وما أشبه ذلك، وسب هذا، هذا لا يجدي شيئاً، هذا لا يجدي، العبرة بما في القلوب.

طالب:......

نعم، أهل العلم يقولون: إن السلام يقطع الإثم، السلام يقطع الإثم، لكن إذا تحدث بما في قلبه يؤاخذ عليه، إذا تحدث بما في قلبه يؤاخذ عليه.

طالب: المسائل الشرعية؟

المسائل الشرعية مطلوب فيها الهجر، هجر المبتدع أمر مقرر في الشرع، المخالف أيضاً، العاصي يهجر ليرتدع أما إذا كان يزداد شره ويتعدى ضرره إذا هجر فالمداراة مطلوبة، المداراة مطلوبة.

طالب:......

والله ما في شك أن هذا جاء من قبل الشارع، والشرع لا شك أنه يدرك ما في أنفس الناس وقلوبهم وعاداتهم، فحد هذا الحد فلا شك أن النفس يتدرج فيها الحقد من أعلى مستوياته وقت النزاع إلى أن اليوم الأول أشد، والثاني أخف، والثالث أقل، فتعطى النفس شيء من حظها، ولو حصلت الصلة من أول لحظة، وغلب الإنسان نفسه الأمارة بالسوء هذا أفضل بلا شك، لكن الجواز إلى ثلاث فقط.

طالب:......

لا، التأديب يقولون: لو زاد، لو زاد بقدر الجرم، لو زاد، النبي -عليه الصلاة والسلام- آلى شهراً ألا يكلم نساءه شهراً، كما في الحديث الصحيح، وأيضاً الأب له أن يهجر ولده لكي يرتدع؛ لأن هؤلاء القلوب في الغالب سليمة، إنما المقصود من هذا الهجر هو التأديب، وليس ما ينطوي عليه القلوب من حقد وغل وتدابر وتقاطع، لا، إنما للأب أن يهجر ولده فوق ثلاث، لكن ليس للولد أن يهجر أباه، ليس له أن يهجر أباه؛ لأن داعي الأب هو المصلحة، وداعي الابن هو التشفي؛ لأن قلوب الآباء والأمهات تختلف عن قلوب الأولاد.

قال: وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تباغضوا)) ((لا تباغضوا)) يعني لا تتباغضوا، أي: لا يبغض بعضكم بعضاً، وهذه مفاعلة من طرفين كما هو الأصل، لكن لو وقعت من طرف واحد دخلت فيها، شخص يبغض أخاه، وأخوه لا يبغضه، لا شك أن مثل هذا آثم، إذا لم يكن سبب ومبرر للبغض؛ لأن البغض، الحب في الله والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان، إذا كان يبغضه لله لما عنده من مخالفة، فإن هذا من أوثق عرى الإيمان.

الإشكال إذا وجد التباغض والتهاجر بسبب أمور الدنيا.

((لا تباغضوا)) يعني لا تتعاطوا أسباب البغض؛ لأن البغض له أسباب، ولا يحد هكذا فجأة من غير سبب، نعم بعض الأنفس، بعض أنفس الناس تجده مجرد ما يرى الشخص يقول: أنا والله ما دخل قلبي، لا أحبه، ما لي، عرفته، في سبب؟ ما في سبب، بس ما لي والله خلقه، يقولونه الناس، هذا موجود في قلوب الناس، هو له أصل وإن لم يكن له أثر شرعي يعني الأرواح جنود مجندة يعني ما تعارف ائتلف، قد تعرف ترى الإنسان من أول وهلة وتحبه، وترى الثانية من أول وهلة وتكرهه، لكن مع ذلك الآثار المترتبة على مثل هذا لا يجوز تعليقها إلا بسبب شرعي.

((لا تباغضوا ولا تحاسدوا)) الحسد المحرم الذي يأكل الحسنات هو: أن يتمنى المسلم زوال النعمة عن غيره، يتمنى زوال النعمة عن غيره، لكن إذا كان الغير يستعمل هذه النعمة فيما لا يرضي الله -جل وعلا-، كما يوجد الآن من أثرياء اليوم، تجده مفسد في ماله، ألا يتمنى المسلم أن يزول عنه هذا المال من أجل إفساده؟ نعم؟ لا لمجرد الحسد الذي لا مبرر له ولا سبب، لكن شخص مفسد عرف بالإفساد بسبب ماله فإنما هذا، هذا يدعا عليه، وموسى -عليه السلام- دعا {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ} (88) سورة يونس، فهذه الدعوة لا بأس بها إذا وجد مبرر، أما إذا لم يوجد مبرر فإن هذا لا يجوز بحال، وهو الحسد المذموم.

طالب:.....

هذا إذا أمكن، وإلا المفسد فساداً علانية كما يلعن المؤذي من الكفار يدعى على هذا إذا آذى وبذلت الأسباب في حقه ولم يرتدع يدعى عليه.

((لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا)) بمعنى أن كل واحد يولي الآخر دبره لما بينهم من الشحناء والبغضاء، يعرض هذا ويعرض هذا عن الثاني، كل واحد يولي الثاني دبره.

((وكونوا عباد الله إخواناً)) عبادَ منصوب، ونصبه هل هو لكونه خبر كان؟

طالب: اسم منادى

هو منادى، لكن بحذف حرف النداء، كونوا يا عباد الله إخواناً، ألا يصلح أن يكون خبر كان؟ يصلح وإلا ما يصلح؟ ما يصلح، لماذا؟ هم عباد الله، فلا يؤمروا بأن يكونوا عباداً لله، هم عباد لله هنا الأصل، كونوا إخواناً، هذا خبر كان، وإلا كونوا عباداً لله، هم عباد لله فلا يؤمر بمثل هذا، وعباد الله هذا لا شك أنه منادى، منادى مضاف.

طالب: يشمل على التحقيق والعبودية عباد الله؟؟

وإخواناً؟

طالب:......

ما تجي، كونوا يا عباد الله إخواناً.

((ولا يحل لمسلم أن يهاجر أخاه فوق ثلاث ليال)) وهذا تقدم.

قال مالك: لا أحسب التدابر إلا الإعراض عن أخيك المسلم فتدبر عنه بوجهك.

تلتفت، وهذا يلاحظ في بعض المجالس أنه إذا وجد اثنان بينهما شحناء تجده لا يطيق النظر إليه، وتجده منصرف عنه طيلة الجلسة، فمثل هذا لا يجوز.

طالب:......

على كل حال إذا وجد المبرر فلا حد له، حتى ينتهي السبب.

طالب:......

على كل حال إذا كان، الناس منازل، إذا وجدت المخالفة من كبير ما هي مثل المخالفة من شخص صغير، هذه تختلف باختلاف حال الإنسان، نعم.

طالب:......

لا هو على سبب ما يبعث عليه، إن احتجت جارك الذي عن يمينك وتحدث معه، وترتب على ذلك أنك تنصرف، هذا ما له أثر، أو كان فيك ألم في ظهرك تحتاج إلى أن تلتفت أحياناً يمنياً وأحياناً شمالاً، هذا ما له أثر، الكلام على التدابر الذي ينبعث عن شيء في النفس.

قال -رحمه الله-: وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إياكم والظن)) إياكم والظن تحذير احذروا الظن، والسبب في ذلك ((فإن الظن أكذب الحديث)).

الظن له استعمالات يبدأ من كونه أكذب الحديث إلى كونه لا يغني من الحق شيئاً، إلى كونه مرادفاً للشك، إلى كونه الاحتمال الراجح إلى أن يصل إلى درجة العلم واليقين، {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ} (46) سورة البقرة، فاستعماله في النصوص وفي لغة العرب ليس على وتيرة واحدة، بل هو على حسب السياق الذي يقتضيه حسب ما يقتضيه السياق.

وهنا: ((إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث)) ما المراد بالحديث هنا؟ يعني ما يتحدث به أكذب الكلام؟ هذا ليس بكلام، هو ظن في النفس، فهو أكذب حديث النفس؛ لأنه يوجد في الحديث الذي يتحدث به ما هو أعظم من الظن، الله -جل وعلا- يقول: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} (12) سورة الحجرات، مفهومه أن البعض الثاني ليس بإثم، وهناك مما يتحدث به ما هو شر من مجرد ظن، هناك قطع، وهو أشد من الظن، إذا ظننت بأخيك أو غلب على ظنك أو شككت في أخيك في أمر من الأمور أسهل من كونك تجزم وترتب الآثار على هذا الجزم، فكونه أكذب الحديث المراد به حديث النفس؛ لأنه ما يزال يتردد في النفس، الله -جل وعلا- يقول: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} (12) سورة الحجرات، لو قال قائل: إن بعض الظن ليس بإثم، يجوز وإلا ما يجوز؟ نعم؟ يستفصل، إن كان يقصد ما أثبته الله -جل وعلا- البعض الذي أثبته الله وأنه إثم، قال: ليس بإثم، هذا تكذيب لله -جل وعلا-، الله -جل وعلا- يقول: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} (12) سورة الحجرات، وهو يقول: إن بعض الظن ليس بإثم، إن كان يريد ما أثبته الله -جل وعلا- هذه مصادمة وتكذيب لله -جل وعلا-، وإن قال: لا، أنا أريد؛ لأنه قد يوجد الآن من يكتب، من يكتب كتابات موهمة ثم بعد ذلك قد يحكم عليه بالردة بسببها، إلا أنه إذا وجد الاحتمال يستفصل في مثل هذا ما مرادك بالظن الذي أثبت أنه ليس بإثم، والله -جل وعلا- يقول: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} (12) سورة الحجرات؟، إن قال: أنا أريد البعض الذي لا يريده الله -جل وعلا-، بل البعض الذي يفهم مفهوم مخالفة مما ذكر، قلنا: كلامك صحيح، لكن إن قال إن الله -جل وعلا- يقول: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} (12) سورة الحجرات، وأنا أقول: ليس بصحيح، إن بعض الظن ليس بإثم، ويريد ما أثبته، نقول: لا، أنت ترتد بهذا، مكذب لله -جل وعلا-، هذه ردة، فمثل هذا يحتاج إلى استفصال.

((فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا)) هما في هذا السياق مترادفان، معناهما واحد؛ لأنهما سيقا على جهة المنع.

أما في قول الله -جل وعلا- على لسان يعقوب {يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ} (87) سورة يوسف، التحسس هنا هو المنهي عنه هنا؟ لا، يختلف، التحسس وهو البحث والتحري هذا ما فيه إشكال، البحث والتحري لإرادة الخير، وأما التجسس وهو لإرادة الوقيعة والشر للناس هذا لا يجوز بحال، والنبي -عليه الصلاة والسلام- نهى أن يخبر عن أصحابه، ليخرج إليهم سليم الصدر، الحديث في صحيح مسلم، نهى أن يخبره أحد عن أصحابه، يجي واحد يقول: والله فلان ترى فعل فلان كذا، لكن إذا فعل أحد ما يضر بالعامة فلا بد من الإخبار.

قال الصحابي: في مواطن لأخبرن بك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهذا يختلف باختلاف المخبر عنه، فإن كان المخبر عنه قد ارتكب شيئاً لا يضر بالناس، مثل هذا ينصح ولا يخبر عنه، وإن كان ما يرتكبه مما ينفع الناس أو ينتفع به في آخرتها فمثل هذا لا يجوز بحال أن يخبر عنه، وإن كان يتضرر به العامة فلا بد من الإخبار عنه، ينصح إن انتصح وارتدع وإلا يخبر عنه، فمثل هذه الأمور تحتاج إلى تفصيل، وكثيراً ما يسأل عن حكم العمل في هذا المجال، من اتخذه للوقيعة وللإضرار بالمسلمين لا يجوز بحال، ومن اتخذه للنصح لأئمة المسلمين وعامتهم هذا لا شك أنه عمل طيب، النبي -عليه الصلاة والسلام- نهى أن يخبر عن أصحابه، لكن الصحابي قال: لأخبرن بك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ما يتضرر به الناس لا بد من الإخبار، ولا بد قبل ذلك من بذل النصيحة لهذا الشخص الذي يراد الإخبار عنه.

أما إذا كان مراده الإضرار بالمسلمين بعامة المسلمين لا بد أن يخبر عنه، وإلا فكيف يقضى على الشرور في مهدها إلا بهذه الطريقة، فلا بد من التفصيل في مثل هذا العمل، وبعض الناس يتخذه وسيلة للكسب من غير نظر للهدف، يأت ليعمل في هذا المجال ما همه إلا الراتب، نقول: يا أخي على حسب ما تزاوله من عمل، فإن كان قصدك الإضرار بالمسلمين لا سيما بخاصتهم فعليك الإثم العظيم -نسأل الله السلامة والعافية-.

((ولا تجسسوا ولا تحسسوا، ولا تنافسوا)) نعم.

طالب:......

ابن عبد البر يقول في هذا الحديث واحد، يقول: ما بينهم فرق.

((ولا تنافسوا)) ألمنافسة المذمومة هي المنافسة في أمور الدنيا، ومعلوم أن المنافسة إذا وجد أطراف يتنافسون في أمور الدنيا لا شك أنهم يسترسلون في أمور الدنيا، ويغفلون عما خلقوا من أجله، لكن المنافسة في أمور الدين والعبادة مطلوبة، والمسارعة والمسابقة كلها مطلوبة، لكن في أمور الدنيا تمنع لما يترتب عليها؛ لأن الإنسان في وقت المنافسة يريد أن يحصل على أكبر قدر من صاحبه بأي وسيلة كانت، فتجده يستغل الوقت، وتجده يستغل الوسائل التي تكسبه هذا المتنافس عليه سواءً كان بحق أو بغير حق.

((ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا)) كله على تنافسوا، منافسة مفاعلة، ومحاسدة، كل واحد يحسد الثاني ولو حصل من طرف واحد دخل في المنع، وعرفنا أن الحسد هو تمني زوال النعمة عن الغير، وعرفنا أنه إذا كان هذا الغير يستعملها فيما لا يرضي الله، ويؤذي الناس، ويفسد على الناس أديانهم فإن مثل هذا لا مانع من تمني زوال النعمة عنه.

((ولا تحاسدوا)) أما الغبطة تمني مثل مال الغير هذه لا تدخل في هذا النهي، لا حسد إلا في اثنتين.

((ولا تباغضوا)) هذا تقدم، ((ولا تدابروا)) كذلك، ((وكونوا عباد الله إخواناً)).

قال -رحمه الله-: وحدثني عن مالك عن عطاء بن أبي مسلم عبد الله الخراساني، هكذا أورده الإمام مرسلاً، وإن شئت فقل: معضلاً كما قاله المنذري، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تصافحوا يذهب الغل)).

((تصافحوا)) المراد كل واحد يفضي إلى أخيه بصفحة يده، بصفحة يده، يعني بطون الأصابع مع الراحة على الطريقة المأثورة، فالمصافحة وسيلة إلى إذهاب الغل من القلوب، والحقد، والحديث هنا معضل، مرسل، وهو يتصل من وجوه عند ابن عدي، والأصبهاني في الترغيب، وأما قوله: ((تهادوا وتحابوا)) هذا في الأدب المفرد عند الإمام البخاري بسند حسن، والحديث بكامله من حديث أبي هريرة عند ابن عساكر، أيضاً سنده لا بأس به، فبمجموعه وما يشهد له يصل إلى درجة الحسن لغيره.

((تصافحوا يذهب الغل)) المصافحة معروفة، وهناك استعمالات كثيرة للمصافحة، في بعض البلدان تختلف عن بعض، لكن مع ذلك هي الأمر المتوارث من القدم هي الإفضاء بصفحة اليد، يعني داخل اليد إلى صفحة يد أخيه.

((يذهب)) فعل مضار مجزوم جواب الطلب، أو بشرط مقدر إن تتصافحوا يذهبِ، وحرك بالكسر لالتقاء الساكنين، وإلا فهو مجزوم، الغل، فاعل، والغل والحقد والضغينة بمعنىً واحد.

((وتهادوا تحابوا)) ((وتهادوا تحابوا)) من الهدية ولا شك أن الهدية تسل السخيمة، وتذهب ما في النفس؛ لأنها ضرب من الإحسان، والنتيجة المودة والمحبة.

((وتذهب الشحناء)) والمراد بها العداوة والبغضاء، والأحقاد والضغائن، إذا وجدت الهدية، فالإحسان إلى الإنسان يملك به

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم          لطالما استعبد الإنسان إحسان

من هي له القصيدة هذه؟

طالب:......

لا، ليست لأبي البقاء لا، لصالح بن عبد القدوس، صالح بن عبد القدوس.

طالب:......

إي نعم، عند ابن عدي وعند أيضاً عند أبي يعلى، وعند البخاري في الأدب المفرد، أسانيد متصلة وحسنة.

طالب:......

لا، لا معضل هذا حديث الباب معضل، لكنه من وجوه كثيرة متصل.

قال: وحدثني عن مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس)) وفي الحديث الآخر: ((ترفع الأعمال)) وفي الحديث الثالث: ((تعرض الأعمال على الله يوم الاثنين والخميس)) وذا جاء الحث على صوم هذين اليومين؛ لأنهما يومان ترفع فيهما الأعمال، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم)) وإن كان ما جاء في الاثنين أقوى مما جاء في الخميس؛ لأن له أكثر من علة، وأكثر من سبب.

((تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد مسلم لا يشرك بالله شيئاً)).

((لا يشرك بالله شيئاً)) والشرك هنا يتناول الأكبر والأصغر؛ لأن شيئاً نكرة في سياق النفي تعم أي شيء يسمى شرك، فيدخل في هذا الأكبر والأصغر، كما قال بعضهم في قول الله -جل وعلا-: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} (48) سورة النساء، فالشرك ليس بقابل للغفران كبيره وصغيره عند جمع من أهل العلم، إلا أن الصغير لا يقتضي التخليد بخلاف الكبير، ومنهم من يقول: إن الصغير تحت المشيئة كالكبائر.

((فيغفر لكل عبد مسلم لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء)) وبين أخيه، فضلاً عن أن تكون بينه وبين أبيه، أو أمه، أو جده أو جدته فإذا وجدت هذه الشحناء وهي العداوة ((فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا)) فالأمر ليس بالسهل كون الناس يغفر لهم إلا هذا القاطع، هذا الأمر ليس بالهين أن الإنسان ديدنه سؤال الله المغفرة إن لم يغفر له عطب، فيقال أنظروا، يعني أخروا وأجلوا أمر هذين حتى يصطلحا، حتى يتفقا، ويزول ما في أنفسهما.

((أنظروا هذين حتى يصطلحا)) تأكيد لفظي للاهتمام به والعناية بشأنه.

ثم قال: وحدثني عن مالك عن مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أنه قال: "تعرض أعمال الناس كل جمعة مرتين" يعني كل أسبوع، يعني تعرض يوم الجمعة مرتين؟ لا، الأسبوع يقال له جمعة، كما أنه يقال له: سبت، ما رأينا الشمس سبتاً، يعني أسبوع من الجمعة إلى الجمعة.

"تعرض أعمال الناس كل جمعة مرتين، يوم الاثنين ويوم الخميس" هذا يوضح المراد، وأن المراد بذلك في الأسبوع كالحديث السابق.

"فيغفر لكل عبد مؤمن إلا عبداً كانت بينه وبين أخيه شحناء" من كان بينه وبين أخيه شحناء وترتب عليها القطعية هل يقال له مؤمن وإلا مسلم؟ هاه؟ يعني عنده أصل الإيمان، عنده مطلق الإيمان لا الإيمان المطلق، وعلى كل حال الذي يفرق بين الإيمان والإسلام، ويقول: إن الإسلام الإيمان لا يستحقه مثل هذا الذي ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب يعني مطلقه يقول: إن الاستثناء متصل وإلا منقطع؟ منقطع؛ لأن هذا مسلم، واستثناءه من الإيمان استثناء من الغير عند من يقول بالمغايرة، وإذا قلنا إنه مؤمن عنده أصل الإيمان، وعنده مطلق الإيمان، لا الإيمان المطلق قلنا: الاستثناء متصل.

"إلا عبداً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: اتركوا هذين حتى يفيئا" حتى يرجعا، حتى يصطلحا كما في الحديث السابق "أو اركوا" يعني أخروا "هذين حتى يفيئا" يعني يرجعا، والفيئة هي الرجوع.

سم.

طالب:......

ليكون صائماً، ليكون صائماً.

طالب:......

ويش المانع؟

طالب:......

ما في بأس إن شاء الله.

طالب:......

لا، لا بعض الناس ما يصوم إلا الاثنين فقط من كل أسبوع، ولا تجتمع له هذه الأعمال إلا يوم الاثنين، أو الخميس؛ لأنه موظف مثلاً يشق عليه الصيام أثناء الدوام، والجمعة لا يجوز إفرادها فيصوم الخميس ويش المانع.

طالب:......

إيه.

طالب:......

لا، القصد أعظم أجراً؛ لأنه يتم فيه اجتماع هذه الأعمال مع الامتثال.

طالب:......

لا، لا.

طالب: في درجات دون الهجر، يعني سمعت أحد طلبة العلم يعبر بهذا التعبير، تقول له يعني: بينك وبين فلان شيء، يقول: المسلم ما يغل قلبه على أخيه المسلم، لكن اللي بيني وبينه الوحشة، أنا نسلم بعضنا على بعض لكن الانبساط في الحديث وكذا ما هو موجود.

 

هو ما يلزم المسلم أن يعامل الناس على درجة واحدة ما يلزم أن يعامل زيد وعمرو وعبيد على درجة واحدة يتفاوتون في معاملاتهم على حسب تفاوتهم منه قرباً وبعداً، واتفاقاً واختلافاً لكن الكلام على النفوس لا تكون فيها شيء من هذا نعم.