بلوغ المرام - كتاب البيوع (06)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مسألة بيع الحاضر للبادي التي جاء النهي الصحيح الصريح عنها، والتي قد تستشكل فيما يتعامل به ويتداوله الناس، وهذه الموسوعة الفقهية تكلموا عن المسألة، أحضره بعض الإخوان مصوراً، وفيه المذاهب منقولة من كتب أربابها، والحاضر: لا شك أنه من يسكن المدن، والبادي: من يسكن البادية، ويقول: غير أن الحنابلة اعتبروا البدوي شاملاً للمقيم في البادية، ولكل من يدخل البلدة من غير أهلها، سواءً كان بدوياً أو من قرية أو بلدة أخرى، الجامع بين هؤلاء الجهل بثمن السلعة.

يقول: والمراد ببيع الحاضر للبادي عند الجمهور أن يتولى الحضري بيع السلعة للبدوي، بأن يصير الحاضر سمساراً للبادي البائع، يقول: قال الحلواني: هو أن يمنع السمسار الحاضر القروي من البيع، ويقول له: لا تبع أنت أنا أعلم بذلك، فيتوكل له ويبع ويغالي، ولو تركه يبيع لنفسه لرخص على الناس، فالبيع على هذا هو من الحاضر للحاضر نيابة عن البادي بثمن أغلى.

وذهب بعض الحنفية كصاحب الهداية إلى أن المراد بالحديث أن يبيع الحضري سلعته من البدوي؛ وذلك طمعاً في الثمن الغالي فهو منهي عنه، لما فيه من الإضرار بأهل البلد، وعلى هذا التفسير تكون اللام في: ((ولا يبع حاضر لباد)) بمعنى (من).

ذكروا عن أبي يوسف: لو أن أعراباً قدموا الكوفة، وأرادوا أن يمتاروا –يتزودوا- من الطعام منها، ألا ترى أن أهل البلدة يمنعون عن الشراء للحكرة فهذا أولى.

يعني أهل البلدة يمنعون عن الاحتكار ويلزمون ببذل هذه الأموال لمشتريها، وسيأتي ما في الاحتكار.
فإذا كان الحضري يمنع من الاحتكار، يترك البدوي والوافد على البلد يبيع بالسعر الذي يريده هو، وإن كان نازلاً، نعم ليكتسب من في البلد، فإذا أمر صاحب البلد بعدم الاحتكار، وحرم عليه الاحتكار، ومنع السلع -على ما سيأتي- أيضاً يترك له فرصة ليستفيد ويكسب.

النهي عن هذا البيع: يقول: لا يختلف الفقهاء في منع هذا البيع، فقد ورد النهي عنه في أحاديث كثيرة منها: وذكر حديث أبي هريرة، وحديث ابن عباس، وحديث أنس.

ثم ذكر علة النهي عن بيع الحاضر للبادي، يقول: اختلف الفقهاء في علة هذا النهي، فمذهب الجمهور بناءً على التفسير الأول: أن المعنى في النهي عن ذلك هو ما يؤدي إليه هذا البيع من الإضرار بهذا البلد، والتضييق على الناس، والقصد أن يبيعوا للناس برخص.

يعني إذا نظرنا إلى الحديث بجميع جمله: النهي عن تلقي الركبان، فلا يجوز للشخص أن يتلقى الركبان فيشتري منهم برخص قبل أن يعرفوا السعر، وعندنا طرفان مشتري وبائع، المسألة مفترضة في مشتري فرد، وبائع فرد، وليست حينئذٍ مصلحة المشتري بأولى من مصلحة البائع، نعم، فتلاحظ مصلحة البائع؛ لأنه هو الذي يجهل السعر، أما المشتري يعرف السعر، فتلاحظ مصلحته -أعني البائع-، المشتري لن يشتري السلعة بأكثر من قيمتها، لكنه يتوقع أن يشتري السلعة بأقل من قيمتها فيتضرر البائع، فمصلحة فرد في مقابل فرد لا ترجح مصلحة أحدهما على الآخر، فتلاحظ مصلحة البائع؛ لأنه هو الذي يجهل السعر.

إذا نظرنا إلى مصلحة الفرد في مقابل مصلحة الجماعة، قُدمت مصلحة الجماعة، وهذا ما يدل عليه الجملة الثانية في الجملة: ((ولا يبع حاضر لباد، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض)) يعني اترك هذا الأعرابي الذي السلعة هذه ما كلفته شيء يذكر؛ لأنه هو الذي أنتجها، وهو الذي استخرجها، وهو الذي صنعها، نعم ما راح يشتريها بمبلغ كبير، ثم اشتريت منه بمبلغ ضعيف فيتضرر، يترك فرصة لهؤلاء الذين يبيعون على الناس في الأسواق ليرتزقوا، ((دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض)) فيعم الرخص بهذه الطريقة، لكن لو تولى الحاضر البيع للبادي ما ترك فرصة لأهل السوق ولا للمستهلكين، هذا هو الملحوظ في الحديث، لكن هناك أدلة أخرى مثل أدلة الوكالة، لو جاء حاضر بادي ووكل حاضر ببيع السلعة، ماذا نقول؟ نقول: فعله معارض بهذا الحديث الصحيح الصريح، وقد تكون المعارضة بالأدلة الأخرى من جواز الوكالة وغيرها صارفاً للنهي من التحريم إلى الكراهة.

يقول: لما في ذلك من الإضرار بأهل البلد، والتضييق على الناس، والقصد أن يبيعوا للناس برخص.
قال ابن القاسم: "لم يختلف أهل العلم في أن النهي عن بيع الحاضر للبادي إنما هو لنفع الحاضرة؛ لأنه ما ترك البدوي يبيع سلعته اشتراها الناس برخص، ويوسع عليهم السعر، فإذا تولى الحاضر بيعها...، شوف الآن البادي يبيع على الحاضر في السوق برخص، والحاضر بدوره يبيع على المستهلك، فيتجه إليه أمر أخر، وهو أنه لا يجوز له أن يحتكر هذه السلعة حتى يرتفع السعر، فترخص الأسعار على المسلمين عموماً، ويستفيد البائع والشاري والمستهلك.

فإذا تولى الحاضر بيعها وامتنع من بيعها إلا بسعر البلد ضاق على أهل البلد، وقد أشار النبي –صلى الله عليه وسلم- في تعليله إلى هذا المعنى.

ومذهب بعض الحنفية كصاحب الهداية والكساني، وكذلك غيرهما فيما يبدو بناء على التفسير الثاني، أن المعنى في النهي عن ذلك وهو الإضرار بأهل المصر -يعني أهل الاستهلاك-، من جهة أخرى غير الرخص، وهي أن يكون أهل البلد في حال قحطٍ وعوز إلى الطعام والعلف فلا يبيعهما الحضري مع ذلك إلا لأهل البدو بثمن غالٍ، عوز إلى الطعام والعلف، يعني ننظر إلى ما يعبر به العلماء، أو ما يعبر عنه أهل العلم بالقوتين، قوت الآدميين، وقوت الحيوان.

هذا الذي يتجه فيه الأمر، الحوائج التي يحتاجها الإنسان ويحتاجها الحيوان، ويتضرر بارتفاع سعرها، وهي التي نهي فيها عن الاحتكار، لكن الكماليات لو شخص عنده مستودع تحف، وقال: أنا ما أنا ببايع هذه السنة هذه التحف حتى تنقطع من السوق وأرفع ثمنها، قلنا: افعل، الناس ما هم بحاجة إلى تحف، أو مناظر طبيعية أو غيرها، لكن قوت، الناس يموتون جوع ويتضررون بالاحتكار، هذا الذي يأتي فيه المنع، وهو الذي يرد فيه نهي بيع الحاضر للبادي في هذه النصوص.

قيود النهي: قيد جهور الفقهاء النهي عن بيع الحاضر للبادي بقيود وشروط شتى منها: أن يكون ما يقدم به البادي مما تعم الحاجة إليه، سواءً كان مطعوماً أو غير مطعوم، فما لا يحتاج إليه إلا نادراً لا يدخل تحت النهي، افترض أن مصنع المشروبات الغازية مثلاً ببسي وإلا سفن وإلا غيرها، وإلا ميرندا، احتكر قال: أنا هذه السنة ما أنا ببايع حتى يرتفع السعر، الناس بحاجة إلى هذه الأشياء؟ مثل التحف ليسوا بحاجة، بل لو منعت لكان أفضل للناس، الناس يعيشون بدونها، فهذا قيد لا شك أنه معتبر، وعرفنا بالأمس أن عمر -رضي الله تعالى عنه- يفرق بين ما يأخذه ممن يقدم البلد بالأموال، بين الحاجات الضرورية فيخفف العشور، وبين ما لا يحتاجه الناس فيزيد في العشور، وهذه سياسة من عمر شرعية، ما يستعمله الناس في حياتهم اليومية متفاوت تفاوت بين، هناك الضروريات، وهناك الحاجيات، وهناك الكماليات، فالضروريات هي محل هذا النهي، وهي أقوات الآدميين، وأقوات الدواب.

القيد الثاني: أن يكون قصد البادي البيع حالاً أو حالّاً، يعني يريد البادي أن يبيعها ويرجع، ما يقول البادي: أنا والله أبا استأجر لي محل، وأبيعها بالتدريج، حينئذٍ لا يختلف وضعه عن وضع الحاضر، فترتفع العلة.

يقول: وهو ما عبروا عنه بالبيع بسعر يومه، فلو كان قصده البيع على التدريج فسأله البلدي تفويض ذلك إليه فلا بأس به؛ لأنه لم يضر بالناس، ولا سبيل إلى منع المالك منه، يعني لو جاء البادي بسلعته إلى السوق وقال: أنا أبي استأجر محل وأبيعها بالتدريج، يمنع من هذا وإلا ما يمنع؟ ما يمنع، وهو في هذه الصورة لا يختلف عن الحاضر.

يقول: وهذان الشرطان للشافعية والحنابلة، وأن يكون البيع على التدريج بأغلى من بيعه حالاً أو حالّاً، كما استظهره بعض الشافعية، قالوا: لأنه إذا سأل الحضري أن يفوض له بيعه بسعر يومه على التدريج لم يحمله ذلك على موافقته، فلا يكون سبباً للتضييق، بخلاف ما إذا سأله.

المقصود هم نظروا إلى العلة، فإذا ارتفعت ارتفع معها الحكم، لكن العلل التي تكون بهذه المثابة هي العلل المنصوصة، أما العلل المستنبطة فشأنها غير هذا، نعم لها أثر لكنه لا يصل إلى ارتفاع الحكم بارتفاعها، قالوا: لأنه إذا سأله حضري أن يفوض له بيعه بسعر يومه على التدريج لم يحمله ذلك على موافقته، فلا يكون سبباً للتضييق، بخلاف ما إذا سأله أن يبيعه بأغلى فالزيادة ربما حملته على الموافقة فيؤدي إلى التضييق.

يعني مسألة التدريج لا أثر لها إلا إذا ترتب عليها زيادة في السعر، لو قدم البادي بمائة تنكة من السمن، وسيمت بالجملة، التنكة بألف ريال أو خمسمائة ريال مثلاً، بخمسمائة ريال، أو بألف، بما تستحقه جملة، وجاء حاضر، وقال لهذا البادي: دعني أبيعها لك على التدريج بهذا السعر، هذا ما في تضييق على الناس، فارتفعت العلة، ويبقى أن الملحوظ فيما لو باع البادي، الملحوظ التاجر الذي يشتريها جملة، فإذا باعها مفردة اكتسب وانتفع، والملحوظ في عرض الحاضر على البادي أن يبيعها بنفس السعر على التدريج، الملحوظ المستهلك، ولا شك أن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة.

قالوا: وأن يكون البادي جاهلاً بالسعر؛ لأنه إذا علمه لم يزده الحاضر على ما عنده، يكون جاهل بالسعر، أحياناً يكون البادي ومن في حكمه أشد في السعر من السعر الحقيقي المتداول في السوق، ضربنا مثال بالأمس بالكتب مثلاً، يرد بها الورثة إلى المكتبات أو إلى أسواق الحراج فيبيعونها بثمن بخس، افترضنا أن هذا الولد الوارث يسمع عن المخطوطات أنها عالية الأقيام، فيرد بكتابه فيقول: هذا الكتاب بعشرة آلاف، وهو ما يستحق إلا ألف، مثل هذا لو بيع له بالثمن المعتاد العلة منتفية وإلا غير منتفية؟ منتفية.

وأن يكون البادي جاهلاً بالسعر؛ لأنه إذا علمه لم يزده الحاضر على ما عنده؛ ولأن النهي لأجل أن يبيعوا للناس برخص، وهذا العلة إنما توجد إذا كانوا جاهلين بالأسعار، فإذا علموا بالأسعار فلا يبيعون إلا بقيمتها، كما يبيع الحاضر، فبيع الحاضر حينئذٍ بمنزلة بيعهم، وهذا الشرط للمالكية والحنابلة.

ومع ذلك فقد أطلق الخرشي النهي سواء أكان البدوي جاهلاً بالأسعار أم لا.

واختلف في المعتمد عند المالكية، فالمعتمد عند العدوي شرط الجهل بالأسعار هو الذي نص عليه ابن جزيء، والمعتمد عند الآخرين كما نقله الدسوقي هو الإطلاق.

واشترط الحنابلة أن يكون البادي قد جلب السلع وحضر لبيعها؛ لأنه إذا حضر لخزنها، أو أكلها فقصده الحاضر وحضه على بيعها كان توسعة لا تضييقاً.

يعني جاء بادي ليسكن الحاضرة مثلاً ومعه من السمن أو الأقط أكثر من حاجته..... قال: والله عندي هذا للاستعمال، ما أنا ببايع شيء، فيقول الحاضر: بع منه ما يزيد على حاجتك، وأنت يكفيك نصفه، دعنا نبيع النصف الثاني لتستفيد ويستفيد الناس، مثل هذا ينتفي المحظور عندهم.

يقول: واشترط المالكية أن يكون البيع لحاضر، فلو باع الحاضر لبدوي مثلاًَ فإنه يجوز؛ لأن البدوي لا يجهل أسعار هذه السلع، فلا يأخذها إلا بأسعارها سواءً أشترها من حضري أم بدوي، فبيع الحضري له بمنزلة بدوي لبدوي، واشترط الحنابلة أن يقصد البدوياً حاضرٌ عارف بالسعر، فإن قصده البادي لم يكن للحاضر أثر في عدم التوسعة، يعني المحظور أن يكون هذا الحاضر هو الذي يقصد البدوي، البدوي جاء على وجه يبيع بأي قيمة، فقصده الحضري، لكن فيما لو تصور أن البدوي هو الذي قصد الحضري، ليحتاط لنفسه فينتقل من كونه بيع حاضر لبادي إلى كونه توكيل بادٍ لحاضر، البادي وهو بهذا التصور جاء قاصد الحضري لئلا يغلب في السعر نعم يقولون: ترتفع العلة بهذا، ويكون من باب التوكيل لا من باب...

فإن اختل شرط من شروط المنع لم يحرم البيع من الحاضر للبادي عند القائل بذلك بتلك الشروط، والحنفية الذي صوّر بعضهم النهي بأن يبع حاضر طعاماً أو علفاً للبادي طعماً في الثمن الغالي قيد التحريم بأن يضر البيع بأهل البلد، بأن يكون في قحط من الطعام والعلف، فإن كانوا في خصب وسعة فلا بأس به لانعدام الضرر، وعبارة الحصكفي: وهذا في حال قحط وعوز وإلا لا لانعدام الضرر، أم الذين صوروا منهم النهي بأن يتولى الحاضر بيع سلعة البدوي ويغالي فيها -وهذا هو الأصح- فقد قيدوه بأن تكون السلعة بما تعم الحاجة إليها كالأقوات، فإن كانت لا تعم أو كثر القوت واستغني عنه ففي التحريم تردد، وبما إذا كان أهل الحضر يتضررون بذلك.

ثم قال: حكم بيع الحاضر للباد: ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه محرم مع صحته، وصرح به بعض الحنفية وعبر بعضهم بالكراهة وهي للتحريم عند الإطلاق، كما صرح به المالكية والشافعية والحنابلة، لكنه مع ذلك صحيح عند جمهورهم، وهو رواية عند الإمام أحمد، وعرفنا أن النهي إذا كان عائداً إلى أمر خارج عن ذات العقد وشرطه فإن العقد يكون صحيحاً مع التحريم، والنهي عنه لا يستلزم الفساد والبطلان؛ لأنه لا يرجع إلى ذات البيع؛ لأنه لم يفقد ركناً ولا إلى لازمه؛ لأنه لم يفقد شرطاً، بل هو راجع لأمر خارج غير لازم كالتضييق والإيذاء، قال المحلي: والنهي للتحريم فيأثم بارتكابه العالم به، ويصح البيع.

وفي رواية عن أحمد أن البيع صحيح ولا كراهة فيه، وأن النهي اختص بأول الإسلام لما كان عليه من الضيق قال أحمد: كان ذلك مرة، يعني ثم نسخ، مذهب المالكية والمذهب عند الحنابلة والأظهر عندهم أن هذا البيع حرام، وهو باطلً أيضاً وفاسد كما نص عليه الخرقي؛ لأنه منهي عنه، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه، وكما نص عليه البهوتي بقوله: فيحرم ولا يصح لبقاء النهي عنه، وقال أحمد لما سئل عن هذا البيع: أكره ذلك، وأرد البيع في ذلك، وفصّل المالكية في هذا وقرروا أولاً: أنه يفسخ البيع ما دامت السلعة قائمة لم تفت ببيع أو عيب أو موت أو نحو ذلك.

ثانياً: فإن فاتت مضى البيع في الثمن الذي وقع بالبيع وهذا هو المعتمد، وقيل بالقيمة، يقول: وفيما يلي بعض الفروع التفصيلية عند غير الحنفية في هذا البيع:

أولاً: نص المالكية على أنه مع فسخ هذا البيع بشرط عدم فوات المبيع يؤدب كل من المالك والحاضر والمشتري إن لم يعذر أحد منهم بجهله بأن كان عالماً بالحرمة، ولا أدب على الجاهل لعذره بالجهل، لكن هل يؤدب مطلقاً أم يؤدب إن اعتاد هذا البيع، قولان للمالكية في هذا، والشافعية قرروا الإثم على العالم بالتحريم كما قال المالكية، وكذا الجاهل والمقصر، ولو فيما يخفى غالباً، قالوا: وللحاكم أن يعزر في ارتكاب ما لا يخفى غالباً، وإن ادعى جهله، قال القليوبي: إن الحرمة مقيدة بالعلم أو التقصير، وإن التعزير مقيد بعدم الخفاء غير أن القفال من أئمة الشافعية جعل الإثم هنا على البلدي دون البدوي، وقرر أنه لا خيار للمشتري، يعني البدوي يطلب لنفسه ويحتاط لنفسه وهو في مثل هذا لا يُلام والنهي في الحديث لم يتجه إليه، إنما اتجه للحاضر، ثم عمم الشافعي في اشترط العلم بالحرمة في كل منهي عنه، قال ابن حجر: ولا بد هنا في جميع المناهي أن يكون عالماً بالنهي أو مقصراً في تعلمه كما هو ظاهر أخذاً من قولهم: يجب على من باشر أمراً أن يتعلم جميع ما يتعلق به، مما يغلب وقوعه، يعني الإمام يجب عليه أن يتعلم ما يتعلق بالإمامة، وما يصحح الصلاة وما يبطلها، وعموم المسلمين يجب عليهم أن يتعلموا ما يصحح الواجبات من العبادات والمعاملات، والبائع عليه أن يتعلم أحكام البيع، والمشتري كذلك، وصاحب الذهب عليه أن يتعلم، بائع الأطعمة عليه أن يتعلم ما يتعلق بها، وبائع الحيوانات عليه أن يتعلم ما يتعلق بها، وهكذا.

يقول: يجب على من باشر أمراً أن يتعلم جميع ما يتعلق به، الموظف عليه أن يعرف حدود صلاحياته، ويعرف الأنظمة المتعلقة به التي تسير أمور المسلمين، مما لا مخالفات فيه، يجب على من باشر أمراً أن يتعلم جميع ما يتعلق به مما يغلب وقوعه، أما الأمور النادرة فهذا تبقى مما يتميز به أهل العلم.

ثانياً: بما أن النص ورد في النهي عن البيع للبادي فقد اختلف في حكم الشراء له، مذهب المالكية التفصيل بين الشراء له بالنقد أو بالسلع، فمنهم من يرى جواز الشراء له بالنقد، وبالسلع مطلقاً سوء أحصل السلع بنقد أم بغير نقد، وهو ظاهر كلام خليل.

وقال آخرون: ظاهر كلام الأئمة أنه لا يجوز الشراء له إلا بالنقد لا بالسلع، ويش الفرق؟ لأن الشراء له بالنقد لا يختلف فيه الحاضر عن البادي، لكن لو ورد البادي بسلعة، جاء بسمن وأراد أن يشتري بهذا السمن طعاماً يصير مثل البيع، مثل البيع له؛ لأن الشراء له بهذه السلعة مثل بيعه بالدراهم.

وهو ممنوع مطلقاً على المعتمد كما تقدم، واستوجه هذا الدسوقي، ومذهب الشافعية متردد في التأثيم به أيضاً، يعني إذا قدم الإعرابي بدراهم يريد الشراء هو كالحاضر، ما في فرق، يتوكل عنه الحاضر، لكن لو ورد بسلعة يشتري بها سلعة أخرى، كما لو ورد لبيعها يتجه إليه النهي، ومذهب الشافعية متردد في التأثيم به أيضاً، فلو قدم من البدو من يريد الشراء فتعرض له من الحضر من يشتري له رخيصاً فابن يونس قال: هو حرام، بحث الأذرعي الجزم بالإثم، وله وجه كما قال ابن حجر، وهو القياس على البيع، قال الشرواني: وهو المعتمد، لكن قيده بأن يكون الثمن مما تعم الحاجة إليه، السلعة التي أوردها البادي ليشتري بها سلعة أخرى ليتجه إليها ما اشترط في البيع له، من كون السلعة مما يحتاجه الناس، والقول بالمنع  نقله ابن هانئ أيضاً من الحنابلة، وله رواية معروفة عن الإمام أحمد، وجمع من المتأخرين اختاروا عدم الإثم في الشراء؛ لأن النص في البيع "لا يبع" أما يشتري له لا بأس، وفرقوا بين البيع والشراء للبدوي بأن الشراء غالباً بالنقد ولا تعم الحاجة إليه، لكن إذا كان الشراء بسلعة صار حكمه حكم البيع، أما ابن حجر فذهب مذهب التوفيق بين القولين، فحمل القول الأول بالإثم على ما إذا كان الشراء بمتاع تعم الحاجة إليه، وحمل القول بعدم الإثم على خلافه، وما إذا كان الشراء بمتاع لا تعم الحاجة إليه، ومذهب الحنابلة في الشراء للبادي أنه صحيح رواية واحدة، وذلك لأن النهي غير متناول للشراء بلفظه، وإن كان البيع من الأضداد، يطلق على البيع حقيقة، ويطلق على الشراء.

يقول: وذلك لأن النهي غير متناول للشراء بلفظه، وله في معناه، فإن النهي عن البيع للرفق بأهل الحضر ليتسع عليهم السعر، ويزول عليهم الضرر، وليس ذلك في الشراء لهم إذا لا يتضررون في عدم الغبن للبادين، بل هو دفع الضرر عنه، والخلق في نظر الشارع على السواء، فكما شرع ما يدفع الضرر عن أهل الحضر لا يلزم أن يُلزم أهل البدو الضرر.

ثالثاً: هناك مسألة تتصل ببيع الحاضر للبادي والشراء له وهي: ما لو أشار الحاضر على البادي من غير أن يباشر البيع له: فقد نقل ابن قدامة أنه كرهه مالك والليث أو استشاره مجرد استشارة جاء يبيع قال: ويش رأيك؟ كم نبيع كرهوه لأنه في حكم البيع له.

وقال الشافعية: في وجوب إرشاده إلى الادخار أو البيع وجهان: أوجههما أنه يجب إرشاده؛ لوجوب الإشارة بالأصلح عليه، ونقل ابن قدامة أيضاً أنه رخص فيه طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه-, والأوزاعي وابن المنذر، قال ابن قدامة: وقول الصحابي حجة ما لم يثبت خلافه.

رابعاً: نص ابن جزيء من المالكية على أن تعريف البادي بالسعر هو كالبيع له فلا يجوز. انتهى كلام أرباب الموسوعة.

وهو كلام شامل، ويوضح شيء من المعالم، فإذا ثبت النهي عن هذا البيع من قبل الحاضر للبادي، وقد ثبت بالنص الصحيح الصريح وهو محكم خلافاً لمن يقول: بأنه منسوخ، لا بد من تقييده بالقيود التي ذكرت؛ لأن المعنى واضح، المعنى من نهي الحاضر للبادي واضح، وهو مصلحة أهل السوق، ومصلحة المستهلك الذي يشتري من هذا السوق، وهو لا يرد على هذا أن البادي يبيع برخص على التجار والتجار يرفعون الأسعار على المستهلكين يعني مسألة مفترضة إذا ساد هذا وعرف أنه تكثر السلع في الأسواق برخص، ويحرم على التاجر الاحتكار فيضطر أن يبيعها برخص، فالنصوص متوازنة ومتعادلة نظرت إلى مصلحة الجالب: ((لا تلقوا الركبان)) ونظرت إلى مصلحة أهل السوق: ((لا يبع حاضر لباد)) ونظرت إلى مصلحة المستهلك في تحريم الاحتكار، وهذا في الأقوات كما هو معلوم، وما يحتاج إليه الناس أم الأمور الكمالية فالأمر فيها سعة كما يقرره عامة أهل العلم.

الإمام البخاري ترجم على الحديث بتراجم وهي عادته في بيان فقهه لهذه التراجم، يقول في الترجمة الأولى:

باب: هل يبيع حاضر لباد بغير أجر؟ وهل يعينه أو ينصحه؟ وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا استنصح أحدكم أخاه فلينصح له)) ورخص فيه عطاء، النصيحة الآن الترجمة على سبيل التردد، هل يفعل كذا؟ هل يفعل كذا؟ ما جزم البخاري بشيء، لكن العادة أن المرجح عنده ما يردفه به من حديث أو خبر موقوف، ثم أورد ((لا تلقوا الركبان)) و((لا يبع حاضر لباد)) قال: لا يكون له سمساراً، والسمسار إنما هو من يبيع بأجرة، فمفهوم هذا أن الذي يبيع بغير أجر يجوز عند الإمام البخاري، هذه ترجمة، الترجمة الثاني: باب: من كره أن يبيع حاضر لباد، الترجمة الثالثة: باب: لا يشتري حاضر للباد بالسمسرة، وكرهه ابن سيرين وإبراهيم للبائع والمشتري، وقال إبراهيم: إن العرب تقول: بع لي ثوباً، وهي تعني به الشراء، فقوله: ((لا بيع حاضر لباد)) والبيع من الأضداد يطلق على البيع والشراء، فلا يبيع للبادي ولا يشتري للبادي، وهذا اختيار الإمام البخاري.

يقول: باب النهي عن تلقي الركبان، وأن بيعه مردود؛ لأن صاحبه عاص آثم إذا كان به عالماً، وهو خداع في البيع والخداع لا يجوز، ثم ذكر باب منتهى التلقي.. إلى آخره.

المسألة التي صورناها بالأمس من التفريق بين الأخوين، وقلنا: إنه لو عرض أخوين على سبيل التفريد فسيم واحد منهما بعشرين ألف، والثاني بعشرين..، سام زيد هذا بعشرين وسام عمرو هذا بعشرين، والنهي ثابت من الأحاديث السابقة من فرق بين والدة، وفرق بين أخوين غلامين، كما في حديث علي قال: لا أريد أن أفرقهما، أحدكما يأخذهما بأربعين، قال هذا المعروض عليه: أنا لا أريد إلا واحد، وحاجتي واحد، والثاني يكلفني، ولا أستطيع أن اشتري الاثنين معاً إلا بعشرة، بدلاً من أن يكون الواحد بعشرين؛ لأنه يحتاج إلى نفقة عليه، هل له أن يفرق؟ ليس له أن يفرق؛ لأن النهي ثابت، إذاً ماذا يصنع؟

يقول أحد الإخوة: بدلاً من أن يبيعهما بعشرة، وقد سيم كل واحد منهما بعشرين يبيع واحد بعشرين ويعتق الثاني، والعتق مأمور به، نقول: نعم له أن يعتق، والتفريق بينهما ببيع أحدهما وعتق الآخر ليس كالتفريق بينهما ببيعهما على أكثر من جهة؛ لأن بيعهما على أكثر من جهة يقتضي بقاء الرق وانشغال الرقيق بخدمة سيده، فلا يتمكنان من الاتصال ببعضهما، الذي من أجل القطيعة والتفريق بينهما حصل المنع، أما لو كان أحدهما حر فإنه يزور أخوه متى ما أراد، أيضاً هذا المشتري الثاني احتمال أن يبيعه على مشترٍ ثاني ببلد آخر وهكذا، فله أن يعتقه، ولعل هذا الحديث والذي قبله من الأساليب التي جاءت عن الشارع في التشوف إلى العتق، يعني أنها وسيلة من وسائل العتق، باع الأم لا يجوز له أن يبيع ولدها، له أن يعتقه، هذا المنفذ له أن يعتقه وهكذا، نعم.  

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:

وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "غلا السعر بالمدينة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال الناس: يا رسول الله غلا السعر, فسعِّر لنا, فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله هو المسعر, القابض, الباسط, الرازق, وإني لأرجو أن ألقى الله تعالى وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال)) رواه الخمسة إلا النسائي, وصححه ابن حبان.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "غلا السعر بالمدينة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال الناس" أولاً: غلاء الأسعار بسبب قلة الموارد وقلة المواد التي يحتاجها الناس، فالبضائع والسلع أسعارها مرتبطة بالعرض والطلب، فإذا زادت في الأسواق رخصت، وإذا قلت في الأسواق غلت أثمانها، خلاف لما يفعله الناس في هذه الأيام من ارتكاب بعض الأساليب التي يتوصلون بها إلى غلاء الأسعار، أو رخصها في الدعاية مثلاً يتوصلون إلى خداع الناس والتمويه عليهم إلى أن تشترى هذه السلع، وإن كانت أقل من غيرها بأقيام أرفع، هذا هو أثر الدعاية، وقد تنزل الأسعار بسبب صنيع بعض التجار للإضرار بغيرهم كما يقولون: لإسقاط بعض التجار الصغار على اصطلاح التجار يأتي التاجر الكبير فيضرب السوق؛ لأنه ما يهمه أن يخسر في هذه البضاعة في سبيل أن بعض المحلات تغلق ليتجه الناس إليه، فالغلاء والرخص سببه الزيادة في العرض والطلب والنقص فيه، المقصود أن الأساليب التي تستعمل في التجارة الآن أكثرها وافدة من غير المسلمين، فعلى المسلم أن يتحرى في طيب المطعم، وتبذل الآن على الدعايات الملايين، وكلها على حساب المستهلك، شخص يتخذ محل لبيع الأقمشة هذا المحل يكفيه خمس من اللمبات مثل هذه من باب الدعاية، وإخراج هذه الأقمشة بشكل غير حقيقتها وضع مائتين، وفي هذا ما فيه الإسراف، وفيه تغرير للمشتري، وتلبيس عليه، المقصود أن مثل هذه الأساليب هي وافدة، واردة على المسلمين وليست من أعمالهم وطبائعهم، فعليهم أن يجتنبوها ويتقوا الله -جل وعلا- في طيب المطعم.

"غلا السعر في المدينة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال الناس: يا رسول الله غلا السعر, فسعر لنا" سعر لنا حدد الأسعار بحيث لا يتجاوزه التجار، سعّر "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله هو المسعر القابض الباسط)) كل شيء بيده -جل وعلا-، هو الذي ينعم على الناس فيكثر الخير ويعم الرخاء، وهو الذي يقبض فتقل الأسعار، وتقل الموارد..، تقل السلع والموارد فترتفع الأسعار، ((الباسط الرازق)) الله -جل وعلا- هو المعطي المانع ((وإني لأرجو أن ألقى الله تعالى, وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال)) إذا سعّر المسعر من سلطان ونحوه، وألزم الناس بهذا السعر، فيتصور الظلم على البائع وعلى المشتري، ولذا قال: ((وليس أحد منكم)) لا باعة ولا مشترين، ((يطلبني بمظلمة في دم ولا مال)) نعم إذا حدد سعر هذا الكتاب من قبل ولي الأمر لا يزيد عن مائة ريال، السوق قابل للزيادة والنقصان، فإذا قلت النسخ، وزادة الأسعار، وزادة التكاليف على صاحب الكتاب، واحتاج أن يستأجر له المخازن وغيرها، وارتفعت عليه الكلفة صار ظالم للتاجر، ولو طبع الكتاب مراراً، وصار بدلاً من أن كان يبيعه التجار من مائة وخمسين، وسعره الوالي بمائة، طبع مرة ثانية وثالثة وعاشرة، وصار يباع بعشرين، واستمر السعر على مائة، نعم؛ لأن ما يتصور أن جهة من الجهات تبي تلاحظ الأسعار، وكل صباح تضع السعر الجديد، إذا ما يكون له قيمة التسعير، التسعير ليكون الأمر ثابت لا يتجاوزه البائع ولا يتجاوزه المشتري، وإثبات السعر والسلعة قابلة للزيادة والنقص لن يخلو عن ظلم، يعني افترضنا أن الكتاب ندر وتعب عليه صاحبه، وبذل في تحصيله الأموال الطائلة، ثم ثبت سعره بمائة، وصار يستحق ألف مثلاً، والوالي سعره بمائة هذا ظلم للتاجر، ولو طبع مراراً عشر مرات وصار بدلاً من أن سعره مائة يستحق عشرين ريال، أو يتكدس في المستودعات صار ظلم للمستهلك، ولذا قال: ((وإني لأرجو أن ألقى الله تعالى وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال)) أنتم تصوروا الظلم الحاصل على الطرفين في البلدان التي يحدد فيها الأجور مثلاً، بلدان وضعت فيها الأجور في ظرف من الظروف في وقت من الأوقات حددت من خمسين سنة، وما زالت إلى الآن، تجد البيت بدلاً من أن يؤجر أو الشقة بعشرة آلاف في عملاتهم هو يؤجر بعشرة فقط آحاد، بدلاً من الآلاف، وما زال الأمر جاري هذا ظلم لمن؟ ظلم لصاحب المال، ويكون سبباً في ظلم المستهلك؛ لأن صاحب المال بيضطر إيش يفعل؟ يغلق هذا البيت، لا يؤجره، يقول: بدلاً من أن أؤجر لا يؤجر، أيضاً من كانت عنده نية أن يتوسع ويوسع على الناس في البيوت والمساكن، يقول: ليش أعمر، وهو من دخله لا يخرج، ولا أستطيع أن أزيد عليه، خله يجلس، خلها أرض، حتى أن بعضهم يتحايل على بعض العمارات الفارهة الشاهقة يهدمها، فإلزام الناس بأسعار لا شك أنه ظلم لهم، نعم قد يتوقع أو يتوخى مصلحة في وقت من الأوقات في ظرف من الظروف لأمر طارئ ويزول ويزول هذا بزواله، ويجتهد إمام، أو يفتى بهذا شيء، نعم، ويبقى أن الله -جل وعلا- هو المسعر القابض الباسط المعطي المانع، فالأصل أن التسعير لا يجوز، طيب لو لاحظ ولي الأمر أن التجار يمنعون بيع السلع إلا بأسعار مرتفعة، نقول: يترك الأمر للسوق والعرض والطلب، إذا كثرت في الأسواق رخصت، ويحرم الاحتكار، يلزمون بالبيع، يحرم الاحتكار، فإذا ألزموا بالبيع رخصت السلع، لا يستطيعون أن يرفعوا الأسعار، تبيع أنت وإلا يبيع غيرك، نعم، فإذا نظرنا إلى التشريع في هذا المجال وجدناه على أدق وصف وعلى أكمله وأرحمه بالناس عموماً، البائع والمشتري والمستهلك كلهم لوحظت مصالحهم، فالبائع لوحظت مصلحته بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تلقوا الركبان)) المشتري لوحظت مصلحته ((لا يبع حاضر لباد)) المستهلك لوحظت مصلحته بتحريم الاحتكار، الذي يليه.

وعن معمر بن عبد الله -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يحتكر إلا خاطئ)) رواه مسلم.

هذا الحديث عن معمر بن عبد الله بن نضلة العدوي أسلم، قديماً وهاجر إلى الحبشة، المقصود أنه صحابي معروف، وإن كان مقل في الرواية "معمر بن عبد الله -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يحتكر إلا خاطئ)) رواه مسلم.

والخاطئ والمخطئ اسم فاعل، خاطئ من الثلاثي، ومخطئ من الرباعي، أخطأ، والخاطئ مرتكب الخطيئة، وهو الآثم العاصي، والمخطأ مرتكب الخطأ، من أخطأ فهو مخطئ، وقد يكون آثماً، وقد يكون غير آثم لجهله مثلاً.

((لا يحتكر إلا خاطئ)) لا يرتكب إلا خاطئ يعني آثم عاصي، وهذا الحديث في مسلم، وحمله الجمهور على ما يحتاجه الناس، ولذا جاء في الخبر ((من احتكر طعاماً)) أي اشتراه وحبسه حتى يقل في الأسواق فيغلو ثمنه، فحملوه على الطعام، وسبب الحمل تقييد الخبر بفعل الصحابي، راوي الحديث وهو أدرى بما روى.

أخرج مسلم عن سعيد بن المسيب أنه كان يحتكر فقيل له: فإنك تحتكر، قال: لأن معمر راوي الحديث كان يحتكر، قال ابن عبد البر: كانا يحتكران الزيت، وهذا ظاهر أن سعيداً قيد الإطلاق بعمل الراوي، وهو أدرى بما روى، فالأمور الضرورية الزيت ضروري وإلا ما هو بضروري؟ نعم؟ في وقتهم ليس بضروري؛ لأن عندهم السمن، لكن عندنا الآن هو حل محل السمن الذي لا يقوم الطعام إلا به، ولو احتكر وارتفع الناس إلى أسعاره رجع الناس إلى السمن، المقصود أن المنع هنا إنما يكون فيما يضطر إليه الناس، في أقواتهم، وهنا الشرع يلاحظ المستهلك، فلا يمكن أن يضطر المسلم إلى طعام والمخازن والمستودعات مملؤة بهذا الطعام، فمن احتكر مع حاجة الناس إلى هذا الطعام آثم عاصي خاطئ، ويلزمه ولي الأمر ببيعه، نعم.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تصروا الإبل والغنم, فمن ابتاعها بعد فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها, إن شاء أمسكها, وإن شاء ردها وصاعاً من تمر)) متفق عليه.

ولمسلم: ((فهو بالخيار ثلاثة أيام)).

وفي رواية له علقها البخاري: ((ورد معها صاعاً من طعام لا سمراء)) قال البخاري: "والتمر أكثر".

وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: "من اشترى شاة محفلة فردها فليرد معها صاعاً" رواه البخاري.

وزاد الإسماعيلي: "من تمر".

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تصروا الإبل والغنم))" الإبل والغنم، وفي حكمها البقر، والمراد بالتصرية ربط أخلاف الناقة، يعني ربط ثدي الناقة لئلا تحلب فيجتمع فيها اللبن، ولو اجتمع من غير ربط كان له نفس الحكم، المقصود أنه ترك اللبن في ضرع الناقة والبقرة والشاة حتى يجتمع فيراه المشتري كثيراً، فيظن أن هذه عادتها، أنها ذات لبن كثير، فيقدم عليها، فنهي عن ذلك.

((فمن ابتاعها)) من اشتراها وقد اغتر بما في ضرعها من اللبن الكثير ((فهو بخير النظرين)) له الخيار من إمضاء البيع أو ردها، ((فهو بخير النظرين بعد أن يحلبَها)) بعض الروايات: ((يحلبُها)) و(أن) ناصبة للفعل المضارع، وقد يلغى عملها.

أن تقرآن على أسماء ويحكما

 

...................................

المقصود أن الأصل فيها النصب، وجاء في بعض الروايات الصحيحة بالرفع، وهذا إلغاء لها، لعملها، وقد جاء فيه الشعر.

إن شاء بعد النظرين أن يحلبها، ((إن شاء أمسكها)) إذا قبلها وعرف وأقدم على الشراء مع علمه بهذا الغرر الأمر لا يعدوه، أحياناً تكون السلعة في نظر المشتري رخيصة جداً، ولو تبين فيها عيب أيضاً تبقى رخيصة فله أن يمسكها، اشتريت كتاب مثلاً يباع بألف قيمته ألف فوجدته بثمانمائة رخيص، لما رجعت إلى البيت وجدت فيه سوس خفيف هذا عيب، لكن إن شئت أن تعيده باعتبارك ما وقعت ولا رأيت هذا العيب، وإن شئت أن تمسك؛ لأنه أيضاً رخيص بهذه القيمة، فلك ذلك، الأمر لا يعدوك، يقول: ((إن شاء امسكها، وإن شاء ردها)) لأن خيار العيب ثابت في الشرع، وهذا عيب، وهذا يثبت به خيار التدليس، هذا تدليس، وهو إظهار السلعة بمظهر غير مظهرها الحقيقي.

((وإن شاء ردها وصاعاً من تمر)) قد يكون هذا اللبن يعدل صاعين من التمر، قيمته تعدل صاعين أو ثلاثة، وقد تكون قيمته لا تعدل ربع صاع، لكن لا يمكن ضبط هذه الأمور إلا بهذه الطريقة، يُجعل قدر وهو هنا متوسط، هذا في الأمور العامة لا بد من إرجاع الناس إلى شيء منضبط، ما يترك للاجتهاد؛ لأنه حلب هذه الناقة، فإن ادعى أنه مثلاً لتر، وقال صاحبها: لا هو عشر لتر، تعطينا قيمة عشرة لترات، من يحل مثل هذا الإشكال؟ في مثل هذه الأمور يرد الناس إلى أمر منضبط، ولا يترك لاجتهادهم؛ لأن اجتهادهم يفضي إلى النزاع الذي لا ينحل، يعني حينما -وهذا تقدم- أُمر الأب أن يأمر ابنه لسبع سنين بالصلاة، وأن يضربه لعشر، ما صار مرد الأمر والنهي إلى التمييز، لماذا؟ لأن التمييز متفاوت بعض الأطفال يميز لأربع، وبعضهم ما يميز إلا لثمان، تسع، ثم إذا قلت لفلان: لماذا لا تأمر ولدك؟ قال: والله ما ميز، عمره عشر سنين، والله ما ميز يا أخي، مرده إلى التمييز، لا، لا يوضع شيء قاعدة عامة تعم الناس كلهم، أما بالنسبة للأمور التي ليس فيها إلزام وتكليف عام يترك للتمييز، طلب العلم مرده إلى التمييز، ميز لأربع دعه يطلب العلم من أربع، ما ميز إلا لعشر لا يطلب العلم إلا لعشر، لا تكلفه بما لا يطيق، فالشرع في الأمور العامة التي تشمل الناس كلهم يضع قاعدة عامة، وإن كان الأصل أرفع أو أقل، أو أحياناً أرفع وأحياناً أقل.

متفق عليه، ولمسلم: ((فهو بالخيار ثلاثة أيام)) ثلاثة أيام من الشراء أو من الحلب وتبين العيب؟ قيل هذا وقيل هذا، لكن المفترض أنه لا يتبين أنها مصراة إلا بثلاثة أيام من حلبها، الحلبة الأولى تبين أن فيها عشر لترات، حلبة ثانية فيها خمسة لترات، حلبة ثلاثة فيها ثلاث لترات وهكذا، قد يكون مرد النقص في الحليب نعم التغذية، وهذه تختلف من شخص لأخر، لكن المصرات لا شك أن عيبها يبين للتفاوت الكبير بين اليوم الأول والثاني والثالث تركت فرصة ثلاثة أيام ليتأكد من هذا الأمر.

"وفي رواية له علقها البخاري" لأبي هريرة ((ورد معها صاعاً من طعام لا سمراء))" طعام مطلق، والطعام يشمل جميع ما يطعم، قال –الإمام- البخاري: "والتمر أكثر" ويش معنى أكثر؟ يعني أكثر في الرواية فهو أرجح، نعم، وقال بعضهم: عن ابن سيرين: "صاع من طعام، وهو بالخيار ثلاثاً" وقال بعضهم: عن ابن سيرين: صاع من تمر ولم يذكر ثلاثاً، والتمر أكثر، يعني أرجح في الرواية، وأكثر في الرواة.

يقول بعد هذا..، في كلام طويل لأهل العلم في حديث..، في المصارات، وأن من الأئمة من العلماء من رد العمل بهذا الحديث، وأنه يخالف القياس، وأن فيه غرر وجهالة، وكيف يرد صاع بدل عشرة لترات أو لتر واحد أو كذا؟ هذا كله جعل بعض العلماء يردون هذا الحديث، وأنه على خلاف الأصل، لكن الحديث هو الأصل، وأنه لا قياس في مقابل هذا النص، فالأقيسة تكون فاسدة الاعتبار عند مخالفتها للنصوص الصحيحة، وجماهير أهل العلم على العمل به.

"وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: "من اشترى شاة محفلة" وهي التي جمع لبنها في ضرعها "فردها فليرد معها صاعاً" هكذا مطلق، صاعاً من إيش؟ ما بُين، لكن هو في الحديث السابق حديث أبي هريرة -هذا حديث ابن مسعود- مبين بالتمر.

"زاد الإسماعيلي: "من تمر" الإسماعيلي في مستخرجه على البخاري زاد: "فليرد معها صاعاً من تمر"، وهذه من فوائد المستخرجات، المستخرجات والاستخراج أن يعمد عالم حافظ يروي بأسانيده إلى كتاب معتبر من كتاب الحديث، فيخرج أحاديث الكتاب بأسانيده هو، من غير طريق صاحب الكتاب، من فوائد هذه المستخرجات قد يقول قائل: لماذا الإسماعيلي يضع مستخرج على البخاري يكفينا البخاري؟ إذا كانت الأحاديث هي أحاديث البخاري لكنها بأسانيد الإسماعيلي يكفينا البخاري، لسنا بحاجة إلى مستخرجه، نقول: لا هذا المستخرجات فيها فوائد كثيرة، أوصلها بعضهم إلى عشرين فائدة، منها الزيادة في المتون، تزيد جمل، وقد تزيد قيد، وقد تزيد ما يحتاج إليه في فهم النص، من فوائدها أيضاً تصريح المدلسين بالسماع وبالتحديث، وأيضاً تعيين المبهمات سواء كانت في الأسانيد أو في المتون، وتمييز المهملات في الأسانيد، المقصود أن لها فوائد كثيرة.

واستخرجوا على الصحيح كأبي
عزوك ألفاظ المتون لهما

 

عوانة ونحوه واجتنبِ
إذ خالفت لفظاً ومعنى ربما

المقصود أن هذه المستخرجات استفاد منها هذه الفوائد، لكن إذا أخذت الحديث من مستخرج الإسماعيلي ما تقول: رواه البخاري بناء على أن الأصل في البخاري؛ لأنها خالفت وزادت ونقصت، فلا بد إذا عزوت لكتابٍ أن ترجع إلى الكتاب نفسه، نعم لا بد أن ترجع إلى الكتاب نفسه.

...................................
وما تزيد فاحكمن بصحته
والأصل يعني البيهقي ومن عزا

 

إذ خالفت لفظاً ومعنى ربما
فهو مع العلو من فائدته
وليت إذ زاد الحميدي ميزا

لأن من أهل العلم من اعتمد على المستخرجات وعزا للصحيحين، البيهقي يصنع هذا، يسند للبخاري، يضيف للبخاري ما في مستخرج أبي عوانة، الحميدي في الجمع بين الصحيحين كذلك مع أنه ميز وحاول يميز لكن ما دام مرجعه الفرع يصعب عليه التمييز، تمييز كل لفظة بعينها، وقل مثل هذا في جامع الأصول؛ لأن بعض الناس يعتمد على جامع الأصول بناء على أنه جمع الكتب الستة، الصحيحين وأبي داود والترمذي والنسائي والموطأ، يقول: خلاص أنا ليش أرجع إلى الكتب الستة هذه يكفيني جامع الأصول، نقول: لا يا أخي لا بد إذا قال لك: خرجه البخاري ترجع إلى البخاري فتتأكد أن هذا لفظه؛ لأنه يعتمد على المستخرجات، فمن فوائد المستخرجات زيادة في اللفظ: "من تمر" وهذه فائدة مهمة في الحديث، نعم جاءت في أحاديث أخرى، لكنها في حديث ابن مسعود ما جاءت إلا في المستخرج، فيستفاد من المستخرجات مثل هذا، نعم.

طالب: طيب ما يحمل المطلق على المقيد، الصاع يكون من تمر.

صاعاً؟

طالب: إيه يكون مطلق يحمل على المقيد.

هو قيد بكونه من تمر.

طالب: يحمل وإلا لا.

نعم؟

طالب: يحمل؟

لا بد، نعم.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مر على صبرة طعام, فأدخل يده فيها, فنالت أصابعه بللاً, فقال: ((ما هذا يا صاحب الطعام?)) قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال -صلى الله عليه وسلم-: ((أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس? من غش فليس مني)) رواه مسلم.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مر على صبرة" وهي الكوبة المجتمعة من الطعام "فأدخل يده فيها" ليختبر -عليه الصلاة والسلام- "فنالت أصابعه بللاً" معروف أن التمر إذا جاءه الماء يفسد مع الوقت ما لم ينشف حالاً، لكنه يفسده الماء، وقل مثل هذا فيما يتلفه الماء كالورق مثلاً أو الحبر المكتوب، المقصود أن مثل هذا إخفاؤه عن المشتري غش، "فنالت أصابعه بلالاً، فقال: ((ما هذا يا صاحب الطعام؟)) قال: أصابته السماء" يعني أصابه الماء، المطر (إذا نزل السماء بأرض قومٍ) فالمراد بالسماء هنا المطر.

"أصابته السماء يا رسول الله، قال: ((أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟)) أما أن يخفى بحيث لا يراه المشتري هذا هو الغش، وفي الحديث: ((من غش فليس مني)) وفي رواية: ((من غشنا فليس منا)) يعني ليس على هدي، وليس على طريقتي، وليس من المقتدين بي، والمؤتسين بعملي، هذا معناه، وجمع من أهل العلم يكرهون تفسير مثل هذه النصوص؛ لأن عدم تفسيرها أبلغ في الزجر عن هذا العمل.

وعلى كل حال الغش حرام، ويكثر تداول هذا اللفظ بين الطلاب أيام الامتحانات ينظر في ورقة زميله أو يطلب من زميله أن يساعده ويقول: غششني، أو يقال: إنه غش فلان من فلان، لا شك أن هذه خيانة، خيانة للشخص نفسه ولغيره ممن..، أقول: هذا الشخص سوف يتولى أعمال ووسيلته في هذا العمل والوصول إليه محرم، أمر مبني على خيانة، ولذا بعض أهل العلم يرى أنه يحرم عليه أن يعمل بهذه الشهادة التي نالها بهذه الطريقة، وبعض الناس يقول: أنا أعمل بعمل لا علاقة له بالعلم الذي تعلمت، يعني كوني غشيت في مادة حديث وإلا تفسير وإلا..، وأنا أشتغل في شركة الكهرباء، كيف يؤثر هذا على..؟ نقول: ما مكنت من هذا العمل إلا بهذه الشهادة التي هذا العمل الذي عملته جزء منها، ولا شك أن الأمر يختلف فيمن كان ديدنه الغش يعني جميع سنواته يستعمل الغش، وفي جميع المواد هذا لا شك في تحريم ما يكسبه من جراء هذه الشهادة، لكن يبقى أنه لو غلبته نفسه الضعيفة في مادة من المواد، وأخذ كلمة أو شبهها وتاب منها وإلا فشهادته على الجادة، ولا غش غير هذه المرة قد، وإن كان الأمر محرم وخيانة، أما تحريم الكسب لأنه زل في كلمة أخذها أو شيء من هذا، نعم قد يفتى بذاك من باب الاهتمام بشأن هذا الأمر، والتهويل من شأنه ليترك ويجتث من أساسه، لكن من قال: إنه فعل هذا مرة في عمره في كلمة واحدة، في مادة واحدة، في فصل واحد، وتاب وأناب إلى الله -جل وعلا-، التوبة تهدم ما كان قبلها، وليس معنى هذا أنه يقدم على هذا العمل مع الإصرار ليتوب منه، لا، المسألة مفترضة في عمل حصل وتاب منه، كمن زنا وتاب، أو سرق وتاب، ليس معنى هذا أن هذا يهيأ له أن يزني ثم يتوب، لا، يختلف الأمر، فلا يفهم من هذا أن الإنسان يتجاوز ويتسامح في الغش، أبداً، لكن فرق بين من كانت شهادته مبنية على هذه الخيانة، وبين من حصلت منه هفوة أو زلة واستفاد كلمة أو نحوها، ثم تاب منها، تاب يتجاوز عنه أثر المعصية، التوبة تهدم الذنب، لكن العمل المنوط به بسبب هذه الشهادة لا يجوز، يعمل بدون شهادة، يعمل سادة، نعم؟

طالب: ما في قاعدة.

معروف أنه لا يقصد من مثل هذا الكلام خروجه من الدين، معلوم هذا أنه لا يقصد خروجه من الدين، وإن كان فاعله مرتكباً لأمر محرم، نعم.

وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من حبس العنب أيام القطاف حتى يبيعه ممن يتخذه خمراً فقد تقحم النار على بصيرة)) رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه" بريدة بن الحصيب الأسلمي الصحابي معروف -رضي الله عنهما- "قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من حبس العنب أيام القطاف)) تركه أيام القطاف ((حتى يبيعه)) من يهودي أو نصراني، أو ((ممن يتخذه خمراً)) من فساق المسلمين، يستعمله في محرم ((فقد تقحم النار على بصيرة)).

أولاً: هذا الحديث باطل، لا يصح، قاله أبو حاتم، وقال الذهبي في الميزان: موضوع، وقول الحافظ بإسناد حسن ليس بحسن، فهذا الحديث ليس بصحيح، لكن مقرر عند أهل العلم من عمومات الشريعة أن من اشترى شيئاً ليتوصل به إلى محرم يحرم بيعه عليه، إذا عرف ذلك البائع، فلا يجوز بيع العنب ممن يتخذه خمراً، ولا بيع التمر، ولا بيع السلاح لمن أراد أن يتقل به مسلماً، ولا بيع آلة التصوير لمن أراد أن يصور بها ذوات الأرواح.. إلى آخره، فكل هذه الأمور محرمة دلت العمومات على تحريمها، جاء شخص يشتري سكين الناس يبيعون السكاكين من غير نكير؛ لأن غالب استعمالها في المباح، لكن عرفنا أن شخص اشترى سكين ليطعن بها مسلماً يحرم البيع عليه؛ لأن هذا من التعاون معه على الإثم والعدوان، ومثله بيع السلاح في الفتنة، وبيع العنب لمن يتخذه خمراً وهكذا، المقصود إذا كان يعرف أن المشتري يستعمله في محرم لا يجوز له أن يبيعه عليه، والحديث عرفنا أنه باطل، نعم.

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الخراج بالضمان)) رواه الخمسة, وضعفه البخاري وأبو داود، وصححه الترمذي وابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان والحاكم وابن القطان.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الخراج بالضمان))" يقول: "رواه الخمسة, وضعفه البخاري وأبو داود، وصححه الترمذي وابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان والحاكم وابن القطان".

وهؤلاء يعني الترمذي وابن حبان والحاكم وابن خزيمة قد يتساهلون في التصحيح، لكن اجتماعهم على تصحيح خبر لا سميا وقد انضم إليهم ابن الجارود وابن القطان، لا يقل عن مرتبة ولا ينزل عن مرتبة الحسن، وتضعيف البخاري لرواية الترمذي المطولة التي فيها مسلم بن خالد الزنجي، وهو ضعيف، لكن الرواية المختصرة عند الترمذي وغيره يعني ليس فيها هذا المقدوح فيه، فأقل أحواله الحسن، والحديث قاعدة عامة من قواعد الشرع ((الخراج بالضمان)) قد تقدم لنا النهي عن بيع ما لم يضمن، فالربح مربوط بالضمان، اشتريت سلعة واشترط الخيار لمدة شهر لك ذلك، لكن هل لك أن تعرضها على المشترين بمعنى أنها إن جاءت بثمن مرتفع تجزم على شرائها أو تردها على صاحبها، لا يجوز لك أن تبرم هذا العقد، ولك أن تستشرف وتستطلع الآراء تشوف كم تسوى؟ وتتحرى في قيمتها لك ذلك، إما أن تبيعها في مدة الخيار وهي ليست من ضمانك من ضمان البائع فليس لك ذلك، والربح الذي يحصل منها في حال الخيار قبل أن تكون من ضمانك الربح لصاحبها لأن الخراج بالضمان، المرتهن يجوز له أن يركب ما يركب، ويحلب ما يحلب، لماذا؟ لأنه ينفق عليه، لو كان الرهن سيارة يركبها، لماذا؟ لأنه هو الذي يضع فيها البنزين والزيت ويلاحظها، فالخراج بالضمان، الدابة له أن يركبها، وله أن يحلبها؛ لأنه هو الذي يعلفها، فالخرج بالضمان وصور ذلك كثيرة جداً لا تنتهي، المقصود أن هذا القاعدة لها فروع كثيرة، وهي من ضمن القواعد الفقيه التي يذكرها أهل العلم، نعم.

وعن عروة البارقي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعطاه ديناراً يشتري به أضحية أو شاة, فاشترى به شاتين, فباع إحداهما بدينار, فأتاه بشاة ودينار, فدعا له بالبركة في بيعه, فكان لو اشترى تراباً لربح فيه. رواه الخمسة إلا النسائي.

وقد أخرجه البخاري ضمن حديث, ولم يسق لفظه، وأورد الترمذي له شاهداً من حديث حكيم بن حزام -رضي الله عنه-.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"وعن عروة البارقي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعطاه ديناراً يشتري به أضحية أو شاة" للأكل أو لغيره، شك الراوي، "فاشترى به شاتين فباع أحدهما بدينار فأتاه بشاة ودينار" الآن المصلحة من هذا التصرف ظاهرة، تصرف وتعدى ما حد له، أعطي دينار ليشتري شاة، فاشترى شاتين، هل نقول: إن مثل هذا التصرف يجوز؛ لأن المصلحة جلية وظاهرة، افترض أنه اشترى شاتين، وجاء بهما لمن وكله، يختلف الحكم فيما لو باع أحداهما بدينار كما هنا؟ الآن المصلحة ظاهرة، المصلحة مقطوع بها، الدينار الذي أعطيه رده، ومعه شاة، لكن لو اشترى شاتين بدل شاة، وجاء بهما لصاحب الدينار الحكم واحد وإلا يختلف؟ احتمال أن تكون هاتين الشاتين أقل من الشاة الواحدة التي يرغب فيها صاحب الطلب، ولا شك أن هذا يسمى عند أهل العلم التصرف إيش؟ الفضولي، ويسمونه أيضاً العقد الموقوف، والحديث دليل على جوازه بإجازة صاحب الشأن، أعطيت واحد مائة ريال قلت له: هات لي صحيح البخاري، راح ووجد فتح الباري بمائة ريال قال: فرصة الكتاب الذي أنت تريده كامل ومشروح وزيادة، نعم؟ مصلحة راجحة، لكن يبقى أن المسألة موقوفة على إجازتك، تقول: والله ما عندي محل لفتح الباري، وفتح الباري عندي لا أريد نسخة ثانية، أنا أريد نسخة من البخاري صغيرة أحملها في الأسفار، فلك أن ترد ذلك، ولو كانت المصلحة راجحة، فأنت الذي تقدر مصلحتك.

يقول: "فاشترى به شاتين فباع إحداهما بدينار, فأتاه بشاة ودينار, فدعا له بالبركة" لأنه جاء له بما أعطاه وزيادة، صارت الشاة ربح، "بالبركة بالبيع، فكان لو اشترى تراباً لربح فيه" ويوجد على مر العصور من التجار بهذه المثابة، لو قلب حجراً لوجد تحته ما يربحه، وواحد من التجار أراد أن يشيد عمارة أو عمائر على أرض كبيرة، فحفر لها في الأرض للقواعد والأخبية، فاجتمع التراب الكثير بحيث امتلأت الأسواق منه فأحضر شركة لتقوم بنقل هذا التراب، فقالوا: ننقل هذا التراب بثلاثمائة ألف، قال: ما عندي ألا مائة ألف تنقلون هذا التراب، وانفضوا على هذا، في نفس اليوم في آخر يوم جاءت شركة أخرى تشتري هذا التراب بمائتي ألف، وعليهم النقل، أقول: بعض الناس لا شك أن التجارات حظوظ من الله -جل وعلا-، وإنسان من أذكى الناس وأنبههم يتعرض للتجارة وهو في...... كل يوم أردى من الثاني، ورجل لا يحسن شيء، بل علامة التغفيل عليه ظاهرة والأرباح تزداد، وابن آدم لا يفعل شيئاً، الله -جل وعلا- هو الذي يوسع، وهو الذي يضيق، وهو الذي يرزق، وهو الذي يبسط، وهو الذي يقدر الأرزاق، المقصود أن الإنسان عليه أن يبذل السبب؛ لأنه مأمور به، وأما النتائج فهي بإذن الله -جل وعلا-، وهذا كان لو اشترى تراباً لربح فيه ببركة الدعوة النبوية منه -عليه الصلاة والسلام-.

"رواه الخمسة" أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد "إلا النسائي، وقد أخرجه البخاري ضمن حديث, ولم يسق لفظه" بل ساق لفظه برقم (3642)، "وأورد الترمذي له شاهداً من حديث حكيم بن حزام" لكنه ضعيف، وعلى كل حال الحديث صحيح، نعم.

وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع, وعن بيع ما في ضروعها, وعن شراء العبد وهو آبق, وعن شراء المغانم حتى تقسم, وعن شراء الصدقات حتى تقبض, وعن ضربة الغائص" رواه ابن ماجه والبزار والدارقطني بإسناد ضعيف.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع..." الحديث.

يقول الحافظ: "بإسناد ضعيف" لأن فيه شهر بن حوشب، والجمهور على تضعيفه، فإسناده ضعيف، وقصة تضعيفه، وقصة السرقة وما أشبه ذلك، وما حيك حولها، قد لا يثبت، لكن الجمهور على تضعيفه، فالحديث ضعيف، وفي جمله الست ما لبعضها شواهد، يقول: "نهى عن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع" وذلك للغرر، ونهى عن بيع حبل الحبلة، وتقدم هذا، والحمل في البطن لا يجوز بيعه لوجود الغرر.

"وعن بيع ما في ضروعها" يعني من الألبان، ما يدرى كمية اللبن الذي في ضرعها، فالغرر موجود، "وعن شراء العبد وهو آبق" فلا يجوز بيعه؛ لأنه غير مقدور على تسليمه "وعن شراء المغانم حتى تقسم" لأنها قبل تمام الملك، يبيع نصيبه قبل أن تقسم ويقبضه بيع قبل تمام الملك، فيشمله ((لا تبع ما ليس عندك)) "وعن شراء الصدقات حتى تقبض" كذلك ما تم الملك حتى تقبض "وعن ضربة الغائص" لما فيها من الغرر، الغائص الذي يغوص في البحر، يقول: أغوص أعطني مائة ريال وأعطيك ما أحصله في هذه المرة، قد يحصل حوتاً كبيراً بعشرة أضعاف ما دفع، وقد لا يحصل شيئاً، وقد يحصل شيئاً صغيراً لا يستحق، ولا عشر القيمة، فالغرر موجود، والحديث ضعيف، نعم.

وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر)) رواه أحمد، وأشار إلى أن الصواب وقفه.

هذا الحديث كسابقه في ضربة الغائص، وهو غرر، والعلة مذكورة، يقول: "وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر))" لا سيما وأن الجرم في الماء يبدو أكبر من حقيقته، وأحياناً يبدو أصغر السمك في الماء لا يجوز بيعه؛ لأنه لا يجزم بالاستيلاء عليه، قد ينزل ليمسكه فيعجز عنه، هو غير مقدور على تسليمه من وجه، والأمر الثاني: أن فيه غرر وجهالة، فلا يجوز بيعه، والحديث مضعف مرفوع، والصواب وقفه، نعم.

طالب:.......

لا هو إذا كان مقدور عليه تسليمه يعني في مزرعة صغيرة أو في ظرف صغير فيه ماء، ومعلوم يجوز بيعه نعم على أن للمشتري الخيار إذا ظهر خلاف مرآه، إذا رآه ورأى أن وزنه عشرة كيلو ثم لما خرج من الماء تغيرت حقيقته فإذا وزنه خمسة كيلو له الخيار، وسبق أن قلنا في الطير في الهواء يختلف الهواء المفتوح الذي لا يقدر على تسليمه، وبين الهواء مثل هذا المكان وهذا الظرف، إن لم يقدر على تسليمه في الحال قدر عليه بعد ساعة، هذا يختلف عن هذا، نعم.

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تباع ثمرة حتى تطعم, ولا يباع صوف على ظهر, ولا لبن في ضرع" رواه الطبراني في الأوسط والدارقطني.
وأخرجه أبو داود في المراسيل لعكرمة, وهو الراجح، وأخرجه أيضاً موقوفاً على ابن عباس بإسناد قوي, ورجحه البيهقي.

يقول المؤلف -رحمة الله عليه-:

"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تباع ثمرة حتى تُطعِم" أما الحديث المذكور فالمرجح أنه موقوف، وأما المرفوع فهو مرسل، لا تقوم به حجة، فالمرفوع ضعيف، وجمله يُنظر فيها، لها ما يشهد لبعضها من المرفوع، وبعضها يندرج تحت قواعد شرعية.

يقول: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تباع ثمرة حتى تُطعِم" فالنهي عن الطعام حتى يبدو الصلاح ويحمر أو يصفر على ما تقدم، وعلى ما سيأتي في النصوص، والعنب يتموه حلو، والحب حتى يشتد، لا بد أن يبدو الصلاح، فهذه الجملة لها ما يشهد لها، وتحمل على ما ثبت في النصوص الصحيحة.

"ولا يباع صوف على ظهر" صوف على ظهر فيه غرر؛ لأنه إذا بيع الصوف على الظهر صاحب الدابة يبي يترك من الصوف أكبر قدر يستطيعه، والمشتري يريد أن يستوفي جميع الصوف، ولو أمكنه ذلك بالنتف لفعل، إن لم يمكن النتف فبالموسى، نعم، فيحصل الخلاف والشقاق، هذا يقول: لا نستطيع -اللي هو البائع- أن نترك هذه الدابة دون شعر نعطيك من أطرافه، فتكون المسألة تقصير، وذاك يريد الحلق، فيحصل الخلاف والشجار والنزاع، فلذا لا يجوز بيع الصوف على الظهر؛ لأنه لا يوصل فيه إلى حل متفق عليه.

"ولا لبن في ضرع" وقد سبق الكلام في هذا، وأنه فيه غرر، "رواه الطبراني في الأوسط والدارقطني وأخرجه أبو داود في المراسيل لعكرمة وهو الراجح" وهو مرسل "وأخرجه أيضاً موقوفاً على ابن عباس بإسناد قوي، ورجحه البيهقي" فعندنا الموقوف مرسل وهو ضعيف، وعندنا الموقوف صحيح على ابن عباس وجمله يمكن أن يشملها نصوص أخرى، وقواعد عامة، نعم.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع المضامين والملاقيح" رواه البزار, وفي إسناد ضعف.

وهذا أيضاً حديث ضعيف، "عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع المضامين" والمراد بها: ما في بطون الإبل، المضامين ما في بطون الإبل، وتقدم النهي عن بيع حبل الحبلة، والحمل في البطن "والملاقيح" ما في ظهور الجمال يبع على المشتري نعم؟

طالب:.......

إيش؟

طالب:.......

المضامين ما في بطون الإبل، والملاقيح ما في ظهور الجمال، فيأتي المشتري ويقول: أشتري أول نتاج لهذا الجمل، هذا إيش؟ ملاقيح؛ لأن الجمل يلقح الناقة، والناقة ما في بطنها وفي ظرفها وفي جوفها في حكم المضمون، المضمون من قبلها؛ لأن تحميه؛ لأن ظرفها وبطنها تحمي ويضمن بقاء هذا الجنين فيه، بخلاف ما لو كان خارج البطن، وعلى كل حال الحديث ضعيف، نعم.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أقال مسلماً بيعته أقال الله عثرته)) رواه أبو داود وابن ماجه, وصححه ابن حبان والحاكم.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أقال مسلماً)) وفي رواية: ((من أقال نادماً)) وهو أعم من كونه مسلماً أو غير مسلم، فمن ندم على شراء سلعة لارتفاع سعرها مثلاً، أو لتبين الأمر بالنسبة له أنه ليس في حاجة إليها، فندم على شرائها من أقاله ((أقال الله عثرته)) يوم القيامة، وهو في أمس الحاجة إلى أن تقال عثرته، وبمثل هذا التعامل الشرعي يسود الحب والوفاق بين المسلمين، أما إذا اشترى سلعة فذهب بها إلى بيته فوجد أنه ليس بحاجة إليها، أو استغنى عنها، أو وجد في بيته ما يغني عنها، أو أهدي إليه مثلها، أو اشترى ابنه أو أخوه مثلها، فوجدها زائدة عن حاجته فندم على شرائها، ثم ذهب إلى البائع قال: أبداً اشتريت وتفرقنا تبي نشتري منك نشتري، وهذا يصنعه كثير من الناس، والجشع قد استولى على قلوبهم، تريد نشتري منك نشري، ثم لا يشتري منه إلا بثمن بخس، فإقالته ودفع ما دفعه كاملاً هو المرغب فيه بهذا الحديث, ((أقال الله عثرته)) يوم القيامة، "رواه أبو داود وابن ماجه, وصححه ابن حبان والحاكم" وهو صحيح، والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.