شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (194)
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين، أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمه الله وبركاته، وأهلا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم، شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، مع بداية هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.
حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
المقدم: لازلنا في باب إثم من كذب على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي حديث علي -رضي الله عنه- نستكمل ما تبقى من ألفاظ، وما جاء أيضًا من فوائد، أحسن الله إليكم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد، فقد مضى في آخر الحلقة السابقة تفريق بعض الناس بين من كذب علي...
المقدم: ومن كذب لي.
ومن كذب لي، الكذب عليه والكذب له، وهل هناك فرٌق أو لا؟ وذكرنا قول الكرماني، في قوله: معنى كذب عليه.
المقدم: نسب الكلام.
نسب الكلام إليه سواء كان له أو عليه، وفي كلام الغزالي أيضًا ما نقلناه سابقًا، يقول: قد ظن ظانون أنه يجوز وضع الأحاديث في فضائل الأعمال، وفي التشديد في المعاصي، وزعموا أن القصد صحيح، وهو خطأ محض، ثم أورد الحديث. وفي كلام الحافظ ابن حجر أيضًا رد عليهم حيث قال: قوله لا تكذبوا عليّ، هو عام في كل كاذب، مطلق في كل نوع من الكذب، مطلق في كل نوع من الكذب، يقول: وقد اغتر قوم من الجهلة، فوضعوا أحاديث في الترغيب وفي الترهيب، وقالوا: نحن لم نكذب عليه، بل فعلنا ذلك لتأييد شريعته، وما دروا أن تقويله -عليه الصلاة والسلام- ما لم يقل يقتضي الكذب على الله تعالى؛ لأنه إثبات حكم من الأحكام الشرعية، سواء إن كان في الإيجاب أو الندب، وكذا مقابلهما وهو الحرام والمكروه، ولا يعتد بمن خالف ذلك من الكرّامية، حيث جوزوا وضع الكذب في الترغيب والترهيب، وفي تثبيت ما ورد في القرآن والسنة.
واحتُج بأنه كذب له لا عليه، قال: وهو جهل باللغة العربية، وتمسّك بعضهم بما ورد في بعض طرق الحديث، من زيادة لم تثبت، وهي ما أخرجه البزار من حديث ابن مسعود بلفظ: «من كذب علي يضل به الناس»، الحديث، وقد اختلف في وصله وإرساله، ورجَّح الدارقطني والحاكم إرساله، وأخرجه الدارمي من حديث يعلى بن مرة بسند ضعيف، وعلى تقدير ثبوته، فليست اللام فيه للعلة "ليضل الناس"، بل للصيرورة، كما فسّر قوله تعالى:{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَ الْنّاسَ} [الأنعام:21] ، والمعنى أن مآل أمره إلى الإضلال، أو هو من تخصيص بعض أفراد العموم بالذكر، فلا مفهوم له، كقوله تعالى: {لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً }[آل عمران:130] ، {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ}[الأنعام:151]، فإن قتل الأولاد ومضاعفة الربا والإضلال في هذه الآيات، إنما هو لتأكيد الأمر فيها، لا لاختصاص الحكم، ولذا، يخطئ من يورد الأحاديث الموضوعة مهما صلحت نيته، وقد وجد ذلك على لسان قُصاص كثر، وقد وضعوا بأنفسهم، أما مجرد إيراد الموضوع، فهو موجود عند بعض الفقهاء، يستدلون بالأحاديث من غير النظر في أحكامها، وهو موجود وجود كثرة مع الأسف الشديد في كتب التفسير.
والحديث المنسوب إلى أبي الطويل في فضائل السور، موجود في بعض التفاسير، موجود عند الزمخشري وعند البيضاوي، وهو معروف أنه موضوع، مجمع على وضعه، وكونه يذكر فلا شك أنها جريمة، من غير بيان لوضعه، وأسوأ من هذا أن تبرر رواية الموضوع، إسماعيل حقي في كتابه، في تفسيره الكبير روح البيان، يذكر هذه الأحاديث الموضوعة، يقول: إن صحت، أو ثبتت، فبها ونعمت، وإن لم تثبت، فقد قال الأول إننا لم نكذب عليه، بل كذبنا له، ويرد من الرد عليه ما ورد، ما ذكرناه سابقًا في الرد على الكرّامية، ولا شك أن هذه جريمة- نسأل الله السلامة- وموبقة من الموبقات الكذب على النبي-عليه الصلاة والسلام-، ولم يهمل أهل العلم هذا الأمر، بل بينوا الموضوعات، وتصدوا لها، وانبروا لها، حتى أُلفت فيها المُؤلفات. من أفضل ما كتب في الموضوع "الموضوعات" لابن الجوزي، لولا أنه تساهل في إدخال بعض الأحاديث الضعيفة التي لا تصل إلى درجة الوضع، وهذا كثير، وبعض الأحاديث الحسنة، بل أدخل بعض الصحيحة في الموضوعات، وهو بهذا أخطأ، يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- في ألفيته:
وأكثر الجـامـع فيـه إذ خـرج |
لمطلق الضعف عنى أبا الفرج |
يعني مطلق الضعف جعله في الموضوعات، وكما ذكرنا أدخل بعض الأحاديث الحسنة في السنن وفي المسند، وأدخل بعض الأحاديث الصحيحة، بل أدخل حديثًا في صحيح مسلم؛ لأنه مجرد ما يرد هذا من طريق شخصٍ اتُهم بالكذب أو وصف بالكذب، يحكم عليه بأنه موضوع ولو كان المتن معروفًا من طرق أخرى، ولذا تعقبه السيوطي في اللآلئ المصنوعة في مواضع كثيرة، وهناك أيضًا موضوعات الملا علي القاري وهناك أيضًا الفوائد المجموعة للشوكاني، ومن أجمعها كتاب السيوطي اللآلئ المصنوعة، فليحرص عليها، وقال ابن حبان في صحيحة، فصل في ذكر إيجاب دخول النار لمن نسب الشيء إلى المصطفى- صلى الله عليه وسلم-، وهو غير عالم بصحته، ثم روى حديث أبي هريرة «من قال علي ما لم أقل، فليتبوأ مقعده من النار».
المقدم: إيجاب هكذا يا شيخ؟
نعم، فليتبوأ، لكن هذه عقوبته على ما سيأتي، هذه عقوبته، يعني إن عوقب.
المقدم: إن عوقب، لكن هم يستخدمون كلمة إيجاب يا شيخ، إذا ورد النص بالتهديد؟
قد وجبت، وجبت، وجبت، يعني إن عوقب. قال الكرماني: فإن قلت: الكذب على الله داخل تحت الكذب على الرسول -صلى الله عليه وسلم- أم لا؟ قلت: نعم، إذ المراد من الكذب عليه، الكذب في الأحكام الدينية، وأقول: من الكذب على الله تعالى، الفتوى بغير علم، {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ } [النحل:116]، وهو داخٌل في قوله- عز وجل- في سورة الزمر: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ }[الزمر:60]؛ الكذب على الله أنواع، وله أمثلة كثيرة جدًّا.
المقدم: تحريف القرآن، تحريف ما أنزل الله.
نعم، وأيضًا نسبة الولد إليه، نسبة الشريك إليه، عبادة غيره معه، ومن ذلك القول عليه بغير علم، كما جاء في قوله: { وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ }[النحل:116]، فتدخل الفتوى بغير علم بهذا دخولًا أوليًّا، يقول الكرماني: فإن قلت الكذب من حيث هو معصية، فكل كاذب عاصٍ، وكل عاصٍ يلج النار، لقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ}[الجن:23] ، فما فائدة "علي"، فإن الحكم عام في كل من كذب على كل أحد، يعني مستحق العقاب. قلت: لا شك أن الكذب على الرسول -عليه الصلاة والسلام- أشد من الكذب على غيره؛ لكونه مقتضيًا شرعًا عامًّا باقيًا إلى يوم القيامة، فخصص بالذكر لذلك، أو الكذب عليه كبيرة وعلى غيره صغيرة، والصغائر مكفرة عند اجتناب الكبائر، هذا كلامه، أو المراد من قوله: "ومن يعص الله" الكبائر.
وأقول: أجمع من يعتد بقوله من المسلمين، على تحريم تعمد الكذب، على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنه كبيرة من كبائر الذنوب، بل نقل أبو المعالي الجويني عن أبيه، تكفير من يضع الحديث، لكن أبا المعالي ضعّف هذا القول، وقال: إنه لم يره لأحد من الأصحاب، وأنه هفوةٌ عظيمة، ونقل الذهبي في الكبائر عن ابن الجوزي قوله: ولا ريب أن الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في تحليل حرام أو تحريم حلال كفرٌ محضٌ، وإنما الشأن في الكذب عليه فيما سوى ذلك؛ يعني الكذب عليه في التحليل والتحريم كفر فيما نقله الذهبي عن ابن الجوزي، وهو أيضًا مخالف لما عليه عامة أهل العلم.
«فإنه من كذب علي»، جواب النهي فلذلك دخلته الفاء، والضمير في «فإنه» للشأن، وهو اسم إن، وقوله «من كذب علي» في محل الرفع، على أنه خبر إن، وكلمة «من» موصولة تتضمن معنى الشرط، قاله العيني، «فليلج النار» قال ابن حجر: جعل الأمر بالولوج مسببًا عن الكذب؛ لأنه لازم الأمر، لأنه لازم لهذا الأمر، والإلزام بولوج النار مسببه الكذب عليه، أو هو بلفظ الأمر ومعناه الخبر، «من كذب علي» أو «لا تكذبوا علي فإنه من كذب علي يلج النار»، يقول ابن حجر: جُعل الأمر بالولوج، جعل الأمر بالولوج مسببًا عن الكذب؛ لأنه لازم الأمر الإلزام، والإلزام بولوج النار، سببه الكذب عليه، أو هو بلفظ الأمر ومعناه الخبر، ويؤيده رواية مسلم عن طريق غُندر عن شعبة بلفظ: «من يكذب علي، يلج النار» ولابن ماجه من طريق شريك عن منصور قال: «الكذب علي يولج»، أي يدخل النار، وقوله: «فليلج» جواب الشرط، فلذلك دخلته الفاء فليدخل، من ولج، يلج، ولوجًا، ولجة، إذا دخل، وأصله "فليولج"، حذفت الواو لوقوعها بين الياء والكسرة، من باب ضرب يضرب، وكذلك "لجة" أصلها "وُلجة"، مثل "عده" أصلها "وُعدة"، فلما حذفت الواو تبعًا لفعلها، عوضت عنها الهاء.
«النار» منصوب بتقدير في، كقولك: "دخلت الدار"، التقدير دخلت في الدار؛ لأن ولج ودخل لازم، واللازم لا ينصب إلا بالصلة، الأصل أن الفعل اللازم لا مفعول له، وإنما يتعدى بالحرف، وهنا قدّر الحرف؛ لأنه لازم، فلما حذف الحرف انتصب، ينصبون على نزع الخافض. قال النووي في شرح مسلم: معنى الحديث أن هذا جزاؤه، وقد يجازى به، وقد يعفو الله الكريم عنه، ولا يَقطع عليه بدخول النار، وهكذا سبيل كل ما جاء من الوعيد بالنار، لأصحاب الكبائر غير الكفر، فكلها يقال فيها هذا جزاؤه، وقد يجازى، وقد يعفى عنه، يعني مثل ما يقولون، تحت المشيئة، تحت المشيئة، { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } [النساء:48]، وقد يجازى، وقد يعفى عنه، ثم إن جُوزي وأدخل النار، فلا يخلد فيها، بل لا بد من خروجه منها بفضل الله ورحمته، ولا يخلد في النار أحد مات على التوحيد، وهذه قاعدة متفق عليها عند أهل السنة، والحديث لم يخرّجه البخاري في غير هذا الموضع، والحديث إذا قيل الحديث، معناه حديث "علي" حديث من طريق هذا الصحابي، ولو جاء بلفظه عن صحابة آخرين، فلم يخرجه البخاري في موضع آخر.
والحديث أيضًا خرجه الإمام مسلم في مقدمة صحيحة، فهل نستطيع أن نقول متفق عليه؟ لماذا؟
المقدم: لأن المقدمة ليست على شرط مسلم.
نعم؛ لأن المقدمة لا تلحق أحاديثها بأحاديث الصحيح التي تلقتها الأمة بالقبول؛ لأن فيها بعض ما فيه من الضعف، أو من الكلام لأهل العلم، لكن هذا الحديث في المقدمة، خرجه الإمام مسلم بإسناد يخرّج له في الصحيح، بإسناد يخرّج له في الصحيح.
المقدم: إلى "علي".
نعم، إلى "علي"، بنفس الإسناد الذي رواه البخاري، فهل نقول متفق عليه؟ أو نقول: إنه في الصحيح ينتقي من أحاديث الرواة، ولا يلزم من كونه يخرّج لهم في الصحيح أن يحتاط لمروياتهم في المقدمة، فتطرد المسألة، هل نقول هذا؟ أو نقول: إن الحديث مادام في البخاري، وخرّج له مسلم بسند يخرّج له في الصحيح، فالانتقاء حاصل. المقصود أن هذه المسألة اصطلاحية، هم يقولون خرجه البخاري، ومسلم في مقدمة الصحيح، ولا يكون في مثل هذا متفق عليه، ومن قال: متفق عليه في حديث خرّجه البخاري، وخرّجه مسلم في المقدمة، فقد تساهل، تساهل في النسبة.
المقدم: قال -رحمه الله- عن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من يقل علي ما لم أقل، فليتبوأ مقعده من النار».
راوي الحديث سلمة بن عمرو بن الأكوع، واسم الأكوع سنان بن عبد الله، وقيل: اسم أبيه وهب وقيل غير ذلك، وأول مشاهده الحديبية، وكان -رضي الله تعالى عنه- من الشجعان، يسبق الفرس عدوًا، بايع النبي-صلى الله عليه وسلم- عند الشجرة على الموت، نزل المدينة ثم تحول إلى الربدة بعد قتل عثمان، ثم رجع إلى المدينة قبيل وفاته، فمات بها سنة أربع وسبعين على الصحيح، كما في الإصابة.
المقدم: يعني من أهل البيعة إذًا؟
نعم، من أهل البيعة -رضي الله عنهم-، والحديث ضمن الترجمة السابقة، باب إثم من كذب على النبي- صلى الله عليه وسلم-، ومطابقته للترجمة ظاهرة؛ لأن القول عليه مما لم يقله كذب عليه، وقد توعد عليه بالنار، فثبت إثمه بذلك، من يقل علي ما لم أقل، معناه أنه كذب، والتوعد «فليتبوأ مقعده من النار»، يدل على أنه ارتكب إثمًا؛ لأن القول عليه مما لم يقله كذب عليه، وقد توعد بالنار، فثبت بذلك إثمه، وهذا الحديث أول الثلاثيات في صحيح البخاري، هذا الحديث أول ثلاثيات البخاري، ما معنى ثلاثيات؟
المقدم: إلى الصحابي ثلاثة.
مع الصحابي.
المقدم: مع الصحابي.
الوسائط بين البخاري وبين النبي-عليه الصلاة والسلام- ثلاثة، يقال: هو ثلاثي.
المقدم: بدون البخاري وبدون طبعًا الرسول -عليه الصلاة والسلام- وسائط ثلاثة من الصحابة.
نعم، الوسائط ثلاثة، وهذه أعلى ما في الكتب الستة، الثلاثيات، وعدتها في صحيح البخاري اثنان وعشرون حديثًا بالمكرر، يعني في أحاديث مكررة، لكن ذكرها من باب الاختلاف في السند، المقصود أنها أعلى ما في الصحيح، بل أعلى ما في الكتب الستة.
المقدم: عددها في البخاري كم قلت؟
اثنان وعشرون حديث.
المقدم: مع المكرر.
يأتي تفصيلها، بأسانيدها ومتونها، لأهميتها؛ لأن الأحاديث العوالي لها شأن عند أهل العلم.
المقدم: وأُلف فيها كتب العوالي.
وأُلف، المقصود أن هذه أعلى ما في الكتب، وعدتها كما ذكرنا، وأنزل ما في الصحيح حديث زينب «ويل للعرب من شر قد اقترب» تُساعي؛ يعني بين البخاري وبين النبي -عليه الصلاة والسلام- تسعة، وفيه ثمانيات، وفيه ما بين ذلك، لكن العوالي هي الثلاثيات، ومسلم ليس فيه أحاديث ثلاثية؛ لتأخره عن البخاري، ابن ماجه فيه ثلاثيات، سنن أبي داود فيه حديث واحد، حديث أبي برزة في الحوض، اختلف فيه هل هو ثلاثي أو رباعي، لكن القصة ثلاثية، والحديث رباعي، الحديث المرفوع، لهذا اختلفوا فيه، ولا ينبغي أن يختلف في مثله؛ لأن العبرة بالمرفوع، النسائي ليس فيه ثلاثيات، المسند فيه ثلاثمائة وواحد وثلاثون حديثًا ثلاثيًّا، مسند الإمام أحمد فيه ثلاثمائة وواحد وثلاثون حديثًا ثلاثيًّا، لماذا؟
المقدم: تقدم عليهم.
لأنه تقدم عليهم، الموطأ فيه ثنائيات، نافع عن ابن عمر، في ثنائيات بين مالك وبين النبي -عليه الصلاة والسلام-، المقصود أنه كلما تأخر المؤلف طالت الأسانيد والعلو والنزول نسبي، قد يكون التساعي عند الحافظ العراقي عاليًا جدًّا، وعند الإمام البخاري نازل جدًّا، لماذا؟ لأن الحافظ العراقي في أوائل المائة التاسعة، توفي سنة ثمانمائة وستة، فرق بينه وبين البخاري، يعني خمسة قرون ونصف بينهم، فهذه عوالي بالنسبة له، وهذا نازل بالنسبة للبخاري، والعوالي لها شأن عند أهل العلم عمومًا، حتى تمنى الإمام علي بن المديني في مرضه، لما قيل له، طلب منه أن يتمنى، قال: بيت خالٍ، وسند عالٍ، بيت خالٍ، وسند عالٍ، أما السند العالي فمعروف السبب؛ أنه إذا قلَّت الوسائط، قلّ احتمال الضعف؛ لأنه ما من راوٍ من الرواة إلا ويحتمل أن يرد الضعف في الحديث بسببه، وأما البيت الخالي فـ لكي يتفرغ للأنس بالله -جل وعلا- مع الأسف أننا لم نمرن أنفسنا على هذا، ولذلك إذا كان البيت خاليًا تضيق بنا الدنيا ذرعًا، ونستوحش؛ لأننا ما عودنا أنفسنا على الأنس بالله -جل وعلا-.
المقدم: يمكن مقصودهم بالخالي ليس فقط من الناس، حتى خالٍ من الملهيات، التي بدأ الناس الآن يتسابقون فيها.
من كل شيء، من كل شيء، خلو مطلق. بعض المتكلمين الذين لا علاقة لهم بهذا الشأن، قال: النازل أفضل من العالي، لماذا؟ لأنك تدرس السند العالي، مثلًا، افترضنا أن كل راوٍ يحتاج لخمس دقائق، فالعالي يحتاج إلى ربع ساعة، النازل يحتاج إلى ضعف هذا الزمن، أو أكثر من ضعفه، فالتساعي يحتاج إلى ثلاثة أضعاف دراسة سند الحديث الثلاثي، والأجر على قدر النصب، هذا بعض المتكلمين، "ومن تعاطى غير فنه أتى بالعجائب"؛ لأن العبرة بنظافة الأسانيد، ونظافتها كلما قلت الوسائط، قل احتمال الضعف.
العلو يقسمه العلماء إلى: علو مطلق وعلو نسبي، علو مطلق بقلة الوسائط إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعلو نسبي بأن تقل الوسائط إلى إمام من أئمة الحديث، أو إلى كتاب من الكتب المصنفة، ففي زمننا هذا الذي يروي البخاري بواسطة خمسة عشر راويًا مثلًا، أعلى ممن يرويه بواسطة عشرين، والذي يرويه بأقل أعلى، فالمسألة نسبية.
المقدم: لكن العوالي الآن تنسب إلى الراوي نفسه، إلى صاحب الكتاب، وليس إلى...
لكن أيضًا هناك علو نسبي، هناك علو نسبي، أنا بالنسبة لإسنادي في الصحيح، أنزل ممن يرويه برجال أقل منه، وأعلى ممن يرويه برجال أيش؟ أكثر مني، فإذا فاتني مثلًا السماع من بعض الشيوخ، أو إجازة لبعض الشيوخ وماتوا، واضطررت إلى أن آخذ من...
المقدم: من تلاميذه.
ممن أخذ منهم، ولو كانوا من أقراني، هو صار أعلى مني، وأنا أنزل منه، والعكس، وتفصيل الحديث العوالي الثلاثيات في الحلقات اللاحقة، إن شاء الله.
المقدم: وسنشير يا شيخ إلى ما تفضلتم بذكره في عوالي البخاري في اثنين وعشرين موضعًا إن شاء الله.
نذكرها إن شاء الله بالتفصيل، بالتفصيل لأهميتها.
المقدم: جيد جيد، لعل الأخوة يتابعونا بإذن الله؛ لكون هذا موضوع مهم جدًّا، وهو ما سيتفضل فضيلة الدكتور في الحديث عنه في حلقة قادمة بإذن الله، شكرًا لطيب متابعتكم، أيها الأخوة والأخوات، نلقاكم وأنتم على خير في حلقة قادمة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.