التعليق على تفسير سورة الفاتحة من تفسير الجلالين (03)

 مسألة الجهر بالبسملة، أولاً: من يرى أنها آية من الفاتحة معروف أنه يرى الجهر بها، ويكون معنى الحديث: صليت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكرٍ وعمر فكانوا يفتتحون القرآن بالحمد لله" يعني بالسورة، بما في ذلك البسملة عند من يقول: بأنها آية منها، الذي يقول: بأنها ليست بآية من الفاتحة، وليست بآية من القرآن مطلقاً كالمالكية مثلاً إلا في سورة النمل، يقول: لا تقرأ لا سراً ولا جهراً؛ لأنهم لا يرون حتى دعاء الاستفتاح ولا التعوذ ولا غيره، الذين يرون أنها قرآن نزل للفصل بين السور، أنها ليست من الفاتحة بعينها يختلفون أيضاً، منهم من يرى الجهر، ومنهم من يرى الإسرار تبعاً للنصوص المختلفة في ذلك، فجاء في النصوص ما يدل على عدم الجهر وهو الأكثر والأصح، وجاء ما يدل على الجهر، وإن لم يكن في الصحيحين منه شيء، وجاء نفي الذكر، ذكر البسملة أصلاً، وهو في صحيح مسلم، وجاء في الحديث السابق: لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول القراءة ولا في آخرها، ومُثّل بهذا الحديث في علوم الحديث لعلة المتن؛ لأن الراوي لما سمع أنهم كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين فهم أنهم لا يقولون: بسم الله الرحمن الرحيم لا سراً ولا جهراً، فقال: لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- في ألفيته:

وعلة المتن كنفي البسملة

 

إذ ظن راوٍ نفيها فنقله

ظن الراوي أن مراد الصحابي حينما قال: يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين أنهم لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم، فصرّح بنفيها، المقصود أن هذه المسألة مسألة الجهر وعدمه الشافعية يقولون: بالجهر، والحنابلة وغيرهم يقولون: بالإسرار لأنها تقال: سراً، وهو المروي، السرية هو المروي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بالأسانيد الصحيحة، وعن الخلفاء الأربعة، وطوائف من السلف من الصحابة والتابعين فمن بعدهم.

ففي الصحيحين عن أنس بن مالك قال: "صليت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكرٍ وعمر فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين" لكن لو جهر بها أحياناً لا تثريب عليه، لو جهر الإمام أحياناً بالبسملة لا تثريب عليه، ويتابع أيضاً، ولا ينكر على الإمام الذي يجهر بها، ولذا جاء في رسالة الشيخ عبد الله بن محمد بن الوهاب إلى أهل مكة قوله: "ولا ننكر على الشافعي جهره بالبسملة، ولا قنوته في صلاة الصبح، وننكر على الحنفي ترك الطمأنينة" فرق بين المسألتين.

سورة الفاتحة:

سورة الفاتحة: السورة جمعها سور كخطبة وخطب، وغرفة وغرف، يقول ابن جرير في تفسيره: "السورة بغير همز المنزلة من منازل الارتفاع، ومن ذلك سور المدينة، سمي بذلك الحائط الذي يحويها لارتفاعها على ما يحويها" انتهى كلامه، أقول: ومن ذلكم قوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} [(21) سورة ص] تسوروا: يعني علوه وتسلقوه، يقول ابن جرير: "ومن الدليل على أن معنى السورة المنزلة من الارتفاع قول نابغة بني ذبيان:

ألم تر أن الله أعطاك سورةً

 

ترى كل ملْكٍ دونها يتذبذبُ

أعطاك منزلة رفيعة، يقصر دونها ملوك الدنيا، وقد همز بعضهم السورة وتأويلها في لغتهم القطعة التي أفضلت من القرآن عما سواها، وأبقيت، وذلك أن سؤر الشيء البقية منه تبقى بعد الذي يؤخذ منه، ولذلك سميت الفضلة من شراب الرجل يشربه ثم يفضلها فيبقيها في الإناء سؤراً، وأما الآية من آي القرآن، فقد قال ابن جرير: "تحتمل وجهين في كلام العرب، أحدهما: أن تكون سميت آية لأنها علامة يعرف بها تمام ما قبلها وابتداؤها، كالآية التي تكون دلالةً على الشيء يُستدل بها عليه، قال الله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ} [(248) سورة البقرة] يعني علامة ملكه، وقال تعالى في المائدة: {رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ} [(114) سورة المائدة] يعني علامة لإجابتك دعاءنا، وإعطاءك إيانا سؤلنا، لكن هل نزلت المائدة أو لم تنزل؟ أو فيه خلاف؟ المسألة فيها خلاف، هل نزلت أو لم تنزل؟ لأن الخبر، قال الله: {قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ} [(115) سورة المائدة] خبر مقرون بهذا الشرط، وتمامه يتوقف على التزامهم بهذا الشرط، ما في احتمال أنهم قالوا: لا، إذا كانت مقيدة بهذا الشرط لا نريدها قال الله: {إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا} [(115) سورة المائدة] كأنه قال: إن أردتم إنزالها فإني أنزلها بهذا الشرط، وإن كان الأكثر على أنها نزلت، وذكروا من أوصافها ما ذكروا على ما سيأتي -إن الله تعالى- في سورة المائدة.

والمعنى الآخر للآية: القصة، يقول كعب بن زهير:

ألا أبلغا هذا المعرّضَ آيةً

 

أيقضان قال القول إذ قال أم حلم

يعني هل قال قوله هذا في الحلم أو في العلم؟ في الرؤيا أو في اليقظة؟ أبلغوه آية، يعني بقوله آية، رسالة مني وقصةً وخبراً عني، فيكون معنى الآيات القصص، قصةً تتلو قصة بفصولٍ ووصول، والبيت في ديوان كعب روي:

ألا أبلغا هذا المعرّضَ إنه

 

أيقضان قال القول إذ قال أم حلم

وهذا تصحيف يذكرنا بتصحيف العكبري لحديث: ((آية الإيمان حب الأنصار)) حيث رواه: (إنه الإيمان حب الأنصار).

وقال ابن كثير -رحمه الله تعالى-: "وقيل: لأنها جماعة حروف من القرآن، وطائفة منه، كما يقال: خرج القوم بآيتهم، أي بجماعتهم" ثم استدل على ذلك بقول الشاعر:

خرجنا من النقبين لا حيّ مثلنا

 

بآيتنا نزجي اللقاح المطافلا

يعني بجمعنا.

ما ورد في فضل الفاتحة:

ثم بعد هذا الفاتحة، وورد في فضلها ما لا يخفى عليكم، مما رواه البخاري وغيره من حديث أبي سعيد ابن المعلى -رضي الله عنه- قال: "كنت أصلي فدعاني النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم أجبه، قلت: يا رسول الله إني كنت أصلي، قال: ((ألم يقل الله {اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} [(24) سورة الأنفال] ثم قال: ((ألا أعلمك أعظم سورةٍ في القرآن قبل أن تخرج من المسجد؟)) فأخذ بيدي، فلما أردنا أن نخرج قلت: يا رسول الله: إنك قلت: ((لأعلمنّك أعظم سورةٍ في القرآن)) قال: ((الحمد لله رب العالمين، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته)) هذا مخرج في البخاري وغيره، ورواه مسلم والنسائي وغيرهما عن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- قال: "بينما جبريل قاعد عند النبي -صلى الله عليه وسلم- سمع نقيضاً من فوقه فرفع رأسه فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم، فسلم وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك، -وإن شئت فقل- فاتحة الكتاب، يعني هما، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرفٍ منهما إلا أعطيته" وهذا في مسلم والنسائي وغيرهما.

والأحاديث الدالة على فضل سورة الفاتحة كثيرة، ولو لم يكن من شأنها وعظمها إلا أنها لم يفرض من القرآن شيء في الصلاة سواها، وهي ركن على ما سيأتي تقريره -إن شاء الله تعالى-.

ولها أسماء فمن أسماءها الفاتحة، وهذا هو المشهور، وبها يفتتح الكتاب، وبها تفتتح القراءة في الصلاة وخارجها، وفي الحديث السابق سميت فاتحة الكتاب.

طالب:.......

في الصلاة وخارج الصلاة، يفتتح القراءة، قراءة القرآن بها، وبها افتتح القرآن كتابةً.

طالب:.......

يعني لو أراد أن يقرأ من المائدة مثلاً؟ قال: اقرأ الفاتحة؟

طالب:........

هذا له أصل وإلا ما هل أصل؟ يعني ما في شك أن الصحابة أجمعوا على كتابتها في أول المصحف تفتتح بها القراءة لمن أراد أن يقرأ القرآن من أوله، تفتتح بها القراءة في الصلاة كما هو معروف، أما أن يفتتح بها في كل قراءة من أثناء القرآن هذا يحتاج إلى نقل.

سميت أيضاً أم الكتاب عند جمهور العلماء، وكره أنس والحسن وابن سيرين تسميتها بذلك، قال الحسن وابن سيرين: "إنما ذلك اللوح المحفوظ"، إنما ذلك.. وعنده إيش؟ أم الكتاب، يعني اللوح المحفوظ، فكره أن يطلق على الفاتحة أم الكتاب، قال البخاري في صحيحه -رحمه الله تعالى-: "سميت أم الكتاب أنه يُبدأ بكتابتها في المصاحف، ويبدأ بقراءتها في الصلاة" فكونها يبدأ بها استحقت أن تسمى أماً، كما سميت مكة أم القرى، سميت مكة أم القرى، لماذا؟ لماذا سميت أم القرى؟ نريد أن نربط التسمية بالتسمية، قالوا: سميت أم الكتاب أنه يبدأ بكتابتها في المصاحف، ويبدأ بقراءتها في الصلاة، فهل أم القرى سميت بذلك لأنه بدئ بها؟

طالب: الإسلام بدأ منها يا شيخ.

الإسلام بدأ منها {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ} [(96) سورة آل عمران] يقولون أيضاً: أنه بدئ بدحوها قبل غيرها {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [(30) سورة النازعات] فبدئ بمكة لأنها كما قالوا: هي المركز، والله أعلم.

ثالثاً: تسمى أيضاً أم القرآن، ثبت هذا في الترمذي من حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الحمد لله أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني، والقرآن العظيم)) أم القرآن وأم الكتاب وهو دليل لما قبله، والسبع المثاني، والقرآن العظيم، ويدل له أيضاً، ويشهد له حديث أبي سعيد سابق الذكر، وتسمى أيضاً سورة الحمد، نظراً لأول كلمة فيها؛ لأنها افتتحت بالحمد يقال لها: سورة الحمد، ويقال لها أيضاً: الصلاة لحديث: ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين)) ثم ذكر الفاتحة، ويقال لها أيضاً: الشفاء، لما روى الدارمي عن أبي سعيد مرفوعاً: ((فاتحة الكتاب شفاء من كل سم)) وقد جرب ذلك من؟ أبو سعيد، حينما رقى اللديغ، وتسمى أيضاً الرقية لحديث أبي سعيد في الصحيح حيث رقى بها الرجل السليم فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((وما يدريك أنها رقية)) لكن هذا استفهام وإلا إقرار؟ لو كان استفهام أجاب، إقرار نعم، روى الشعبي عن ابن عباس أنه سماها أيضاً أساس القرآن، وسماها سفيان بن عيينة بالواقية، وسماها يحيى بن أبي كثير بالكافية، وذلكم لأنها تكفي عما عداها ولا يكفي ما سواها عنها، وذكر الزمخشري في كشافه أنها تسمى الكنز، وفي حديث أبي سعيد السابق أنها السبع المثاني، أي السبع آيات، اختلف في سبب تسميتها بذلك، فقيل: لأنها تثنى في كل ركعة، وقيل: لأنها يثنى بها على الله تعالى، وقيل: لأنها استثنيت لهذه الأمة لم تنزل على من قبلها، هي السبع المثاني هذا الحديث في الصحيح، وروى النسائي بإسنادٍ صحيح عن ابن عباس أن السبع المثاني هي السبع الطوال، روى النسائي بإسنادٍ صحيح عن ابن عباس أن السبع المثاني هي إيش؟ السبع الطوال، يعني السبع السور الطوال، وهي إيش؟ البقرة، آل عمران النساء، المائدة، الأنعام، الأعراف، الأنفال مع التوبة، والفاتحة...

طالب: قول .... السبع المثاني..... هل نزلت في مكة؟

لا.

طالب: ليش.......... نزلت في المدينة.....؟

لكن هذا كلام ابن عباس، كلام ابن عباس، يضعف كلام ابن عباس، يضعف قول ابن عباس ويدل للقول الأول الحديث الصحيح في البخاري وغيره، حديث أبي سعيد، هي السبع المثاني، هي السبع المثاني، وتأتي الإشارة إلى الآية عند تقريرها هل هي مكية أو مدنية؟ والسورة مكية في قول ابن عباس وقتادة وأبي العالية والجمهور، وقيل: مدنية، ونسب القول بذلك ابن كثير إلى أبي هريرة ومجاهد وعطاء بن يسار والزهري، وإن كان الحافظ ابن حجر -رحمه الله- يقول: "أغرب بعض المتأخرين فنسب القول بذلك لأبي هريرة والزهري وعطاء بن يسار" الحافظ ابن كثير: "وقيل: مدنية قاله أبو هريرة ومجاهد وعطاء بن يسار والزهري" هذا كلام ابن كثير، والحافظ يقول: "وأغرب بعض المتأخرين -ولعله يقصد ابن كثير- فنسب القول بذلك لأبي هريرة والزهري وعطاء بن يسار" إذاً من يبقى ممن يقول: بأنها مدنية؟ مجاهد، وقيل: نزلت مرتين، مرة بمكة ومرة بالمدينة، حكاه القرطبي عن بعضهم، وفي تفسير أبي الليث السمرقندي أن نصفها نزل بمكة، ونصفها الآخر نزل بالمدينة، وهذا غريب جداً، ابن ليث السمرقندي ذكر في تفسيره أن نصفها نزل بمكة، ونصفها الآخر نزل بالمدينة، وهذا غريب جداً بلا شك، قول ابن كثير والأول أشبه، يعني كونها مكية، لأن قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [(87) سورة الحجر] في سورة الحجر، وهي مكية اتفاقاً، آياتها اقرأ.

طالب:.......

وكل من، مثل من قال: أنها الكافية، يحيى بن أبي كثير قال: تكفي عن غيرها فهي كافية، من قال: أنها واقية يظهر إلا أنها تنفع في الرقية وتقي المريض من استمرار المرض مثلاً.

طالب: يا شيخ أحسن الله إليكم هل أسماء السور توقيفية وإلا اجتهادية؟

هو لا شك أنه جاءت تسميات في الأحاديث المرفوعة، وجاءت من قبل الصحابة، "هذا موقف من أنزلت عليه سورة البقرة" ولذا من كره أن يقال: سورة كذا، وإنما ينبغي أن يقول: السورة التي يذكر فيها كذا، رد عليه بمثل كلام ابن مسعود، على كلٍ التسميات جاءت في النصوص، جاء في الأحاديث الصحيحة تسمية بعض السور، والصحابة سموا، ولا شك أن التسميات مطابقة للمضمون، وإن كانت أحياناً التسمية بالجزء، يطلق الجزء على الكل، قصة البقرة شيء يسير من السورة.

طالب:.......

لا توقيفية، ((سورة هي ثلاثون آية)) يعني سورة الملك، هي ثلاثون آية، السبع المثاني، السبع آيات.

طالب:.......

التحزيب هذا من الحجاج.

طالب:.......

لا الترتيب على الخلاف بينهما، هل هو اجتهادي أو توقيفي؟ لكن الأكثر على أنه توقيفي.

طالب: ما يحصل يا شيخ في اختلاف عدد الآيات، بعض السور يكون.......

على اعتبار أن الحروف المقطعة تعدّ آية مثلاً مستقلة مثل (ق) هل هي آية؟ البسملة هل هي من السورة أو ليست منها؟ هذا خلاف عاد ما يترتب عليه شيء.

طالب: هل لمتأخرٍ أن يسمي مثلاً سورة البقرة بسورة الدين؟

لا، ليس له ذلك؛ لأنه يخالف ما اتفق عليه، كما أنه ليس له أن يرتب القرآن غير هذا الترتيب، ولو كان على النزول، لو قال مثلاً: أول ما نزل اقرأ، أنا بحط اقرأ أول المصحف، تبعاً للنزول، نقول: لا، لا يجوز ذلك، وهو موجود في بعض...

طالب:.......

يعني مثلاً يقرأ ألهاكم ثم يقرأ القارعة، لا، لا ينكر عليه؛ لأنه ثبت في الصحيح أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قدم النساء على آل عمران، لكن منهم من يقول..، الحنابلة يكرهون مثل هذا كراهة شديدة، ويقولون: إن قراءة النبي -عليه الصلاة والسلام- للنساء قبل آل عمران قبل أن يستقر الاتفاق على هذا الترتيب، نعم، اقرأ.

طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال -رحمه الله تعالى-:

سورة الفاتحة مكية، سبع آيات بالبسملة إن كانت منها، والسابعة: صراط الذين إلى آخر غير.

إلى آخرها، إلى آخرها.

إلى أخرها.

كيف إلى آخر غيرها عندكم؟

طالب: إلى خير غير يا شيخ.

تجي إلى آخر غيرها؟

طالب: إلى آخر غير المغضوب عليهم؟

إلى آخر غيرها، هو كذا مطبوع، لكن مو بصحيح

طالب: إلى آخر غير.

طالب آخر: صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين.

وإن كانت البسملة منها فالسابعة: صراط الذين أنعمت عليهم إلى وين؟ إلى آخر السورة.

طالب: إلى آخر آية غير، هو يقصد كذا يعني، يقصد إلى آخر جملة (غير) بس التعبير قد يكون فيه...

إلى آخر غيرها؟

طالب: ما في هاء.

إلا في، هذا المطبوع، لا تقول: ما فيه.

طالب: ما عندنا هنا؟

وين ما عندك؟

طالب: إلى غير.

نفس الطبعة، بس مسحت عندك، وإلا نفس الطبعة، إلى آخر غيرها، حتى افرض أنها إلى آخر غير، إيش اللي إلى آخر غير؟ هو لو شال غير وترك (هاء) كان أفضل من أن يشيل (هاء) ويترك غير.

طالب:......

إلى آخرها؟ هذا هو الصحيح، هذا هو الصحيح، الآن عندنا في الطبعة هذه من طبعة ابن كثير التي على المصحف "إلى آخر غيرها" طبعتهم هم أنفسهم مو طبعة ابن كثير، وش شالوا؟ شالوا الهاء، فصارت إلى آخر غير، والأولى أن يشيلوا غير، تبقى الهاء ليكون إلى آخرها هذا الصحيح، يعني إلى آخر السورة.

طالب: وإن لم تكن منها فالسابعة غير المغضوب إلى آخرها، ويقدر....

لحظة لحظة، الفاتحة سبع آيات نقل عن ذلك الاتفاق، وحديث: (هي السبع المثاني) يدل على ذلك، وقال عمرو بن عبيد: هي ثمان، وقال حسين الجعفي: هي ست، قال عمرو بن عبيد: هي ثمان، وقال حسين الجعفي: هي ست، وهذان القولان شاذان، وقول عمرو بن عبيد: هي ثمان بناءً على أن البسملة آية، والآية الأخيرة السابعة: غير المغضوب عليهم، فهو موافق لقول من يقول في عدّ الآيات: إن البسملة ليست بآية وهي سبع إلا أنه أضاف البسملة فتكون ثمان، قول حسين الجعفي أنها ست موافق لقول من يقول..، الذي يقول: إنها ست، أن البسملة آية، لكنه يحذفها، فتكون ست، يعني عدّه موافق لمن قال: إن البسملة آية، وحينئذٍ يكون آخر السورة، صراط الذين أنعمت عليهم إلى آخرها إلا أنه حذف البسملة فتكون ست، هما قولان شاذان غريبان من حيث العدد، لكن من حيث المضمون يرجع إلى قول الغير، فكون عمرو بن عبيد يعد البسملة آية، ويقسم الآية الأخيرة إلى آيتين، يكون المجموع ثمان، وكون حسين الجعفي يقول: إن البسملة ليست بآية فله سلف، وكونه يجمع الآيتين أيضاً له سلف، فتكون ست، أظن هذا ظاهر.

قال ابن حجر: "ونقلوا الإجماع على أنها سبع آيات"، يقول: "لكن جاء عن حسين بن علي الجعفي أنها ست آيات؛ لأنه لم يعد البسملة، وعن عمرو بن عبيد أنها ثمان آيات لأنه عدها.. الخ، الآن الإجماع على أنها سبع على العدد فقط، على أنها سبع، لكن ما في اتفاق على كيفية العدد، إنما هما جاءا بقولين منتزعين من الأقوال السابقة، يعني الخلاف مثلاً في رضاع الكبير يجوز وإلا ما يجوز؟ عائشة تقول: يجوز مطلقاً، ويحرم، والجمهور يقولون: لا يحرم، ولا قيمة له مطلقاً، يعني من جاء بقولٍ وسط بين هذين القولين فقال: إنما جوازه للحاجة، حينما قيد هذا التحريم بالحاجة خالف قول عائشة؛ لأنها أطلقت، وحينما قال بأنه ينشر الحرمة خالف قول الجمهور، يكون جاء بقولٍ جديد أو ملفق بين القولين؟ وهذا اختيار شيخ الإسلام -رحمه الله-، أنا أسأل سؤال؛ لأنه على الخلاف أيضاً في إحداث قولٍ ثالث بعد الاتفاق على قولين هل لعالمٍ من العلماء أن يحدث قولاً ثالثاً، يعني إذا انحصرت أقوال العلماء في قولين مثلاً فجاء عالم فلفّق من القولين أو من غيرهما قول ثالث، باعتبار أن خلافهم، وعدم الاتفاق على قولٍ واحد يجعل الإنسان في سعة أن ينظر في النصوص ويرجح ما يشاء، إذا كان أهل للنظر، وباعتبار أنه جاء بقولٍ لم يسبق إليه فقد تولى غير سبيل المؤمنين؛ لأن المؤمنين اتفقوا على قولين فقط فأحدث ثالث، احدث قول غير أقوال من تقدموا، المسألة خلافية، لكن المتجه؟

طالب:.......

كيف؟ هو ما في شك أن الحجة الملزمة التي لا تجوز مخالفتها الإجماع، فهل حصل إجماع لنسد الباب على من جاء بعد هذا الإجماع؟ هذا الاتفاق؟ حصل إجماع وإلا لا؟ ما حصل إجماع، فمن أتى بقول وهو من أهل النظر، نظر في الأدلة فجاء بقول ولا هناك ما يعارضه ولا ما يخالفه، يعني أن الأمة في وقتٍ من الأوقات ظلت عن الحق، يعني شيخ الإسلام -رحمه الله- حينما قال بأن رضاع الكبير يحرم وينشر والحرمة للحاجة، قيّد قول عائشة نظراً لحال الواقعة التي حصلت، سالم مولى أبي حذيفة احتيج إليه فأرضع، وعلى هذا من عنده سائق يحتاج إليه يجعل أحد محارمه ترضع هذا السائق، ويرتاحون منه، أو نقول: إنه لا رضاع إلا في الحولين، ورضاع الكبير لا ينشر الحرمة ولا قيمة له ((إنما الرضاعة من المجاعة)) وغير ذلك من النصوص، التقييد بالحاجة ما قال به أحد، ولذا شيخ الإسلام تنقسم اختياراته إلى أربعة أقسام: القسم الأول عُد فيها أنه خالف فيها الإجماع، مسائل قال بها شيخ الإسلام وندر فيها المخالف حتى نسب إلى شيخ الإسلام أنه خالف الاتفاق، والقسم الثالث: خالف فيها الأئمة الأربعة كلهم، القسم الثالث: خالف المشهور من المذهب، الرابع: خالف المذهب، المقصود أن شيخ الإسلام وهو إمام من أئمة المسلمين، وإحاطته واطلاعه على أقوال العلماء من السلف والخلف من المعاصرين ومن تقدمهم، إضافةً إلى أحاطته بالنصوص، شيء لا يمكن أن يقدح به في مثل هذا المجال، حتى سئل محمد رشيد رضا في فتاويه عن شيخ الإسلام هل هو أعلم من الأئمة الأربعة أو هم أعلم منه؟ نعم، فصّل، فقال: لكونه تخرج على كتبهم، وكتب أتباعهم فلهم الفضل عليه من هذه الحيثية، وكونه أحاط بكلامهم كلهم، وكلام أتباعهم فهو أوسع منهم، وأشمل وأعلم من هذه الجهة، المقصود أن هذا يمكن أن يقال في غيره ممن جمع أطراف العلوم، لكن إحاطة شيخ الإسلام شيء لا..، مذهل، إحاطته بالأقوال من النصوص والآثار، وأقوال المخالفين، والأقوال التي قد لا يستطيع الإنسان ولا حكايتها من أهل الخلاف والشقاق.

طالب:......

لا هو مثل ما قال الإخوان يترتب عليه أن الأمة ظلت في وقتٍ من الأوقات عن الوصول إلى الحق والصواب، ويمنع للازمه، وإلا ليس له دليل بذاته؛ لأن الدليل في الإجماع، هو الحجة الملزمة، ولا إجماع.

طالب: من يقول: أن كل طائفة معها جزء من الحق...... ولا يكون الحق بعد عنهم.....

إيه، لكن من قال: إنه يجوز مطلقاً معه حق؟ من وجهة نظر شيخ الإسلام؟ ومن قال: إنه لا يجوز مطلقاً معه حق؟ على كلٍ المسألة مبحوثة في كتب الأصول، من أرادها والتمثيل عليها موجودة بكثرة، قبل أن يقدم الإنسان على بحث مسألة عليه أن ينظر في أقوال العلماء، وينظر إلى مواطن الإجماع والخلاف؛ لئلا يخالف الإجماع؛ لأن مخالفة الإجماع وإن كان كثير من دعاوى الإجماع حقيقةً لا أصل لها، كثير ممن ينقل الإجماع ويدعيه يشهد الواقع بخلافه.

طالب: ومن الأئمة المشهورين بنقل الإجماع ممكن أن تدرس إجماعاتهم.

كلهم عليهم...

طالب: إيه، أنا أقول: نعم، أنا أقول: يعني بإمكان مثل ما قلتَ: تدرس مواطن الإجماع.

لكن ما في شك أن حتى نقل الإجماع، وإن كان فيه شيء من الخلل، وعليه شيء من الاستدراك إلا أنه يجعل طالب العلم يهاب، يهاب هذه الجماهير، لا شك أنه إذا نقل الإجماع هو قول الجمهور بلا شك، وإن وجد في مسائل، وهي نادرة جداً أن ينقل الإجماع على الطرفين، فمثلاً ابن خير نقل الإجماع على أنه لا يجوز لأحدٍ أن ينقل أو يستدل أو يعمل بخبرٍ ليست له به رواية، وابن برهان نقل الإجماع على خلافه.

قلت ولابن خيرٍ امتناعُ

 

نقل سوى مرويه إجماعُ

ابن برهان نقل الإجماع على خلافه، معنى هذا أنك إذا وجدت حديثاً في صحيح البخاري، وأنت ما تروي صحيح البخاري بالسند، ما عندك سند منك إلى البخاري، ثم من البخاري إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يجوز لك أن تنقل، ولا تستدل، ولا تستشهد، ولا تعمل، ولا تفتي، بمضمون هذا الخبر، حتى تكون لك به رواية، هذا نقل عليه الاتفاق، ونقل الاتفاق على خلافه، هذه مسائل نادرة، معدودة، مسائل يسيرة جداً نقل..، لكن الغالب، والأصل أنه إذا نقل الإجماع إما أن يكون له حقيقة، وهو إجماع بالفعل، أو يكون قول الأكثر، وعلى كلٍ قول الأكثر ليس بحجة، قد يكون الحق والصواب مع الأقل.

طالب: في خضم الإجماع هل له ضوابط بالنسبة للمخالف....

يعني هل يشترط في انعقاد الإجماع انقراض العصر؟ هل يشترط انقراض العصر؟ وهل تموت الأقوال بموت أصحابها؟ يعني هل يشترط أن ينقرض العصر وهم ما زالوا مجمعين؟ وهل يموت القول بموت صاحبه؟ نعم وجد مسائل وجد فيها الخلاف في الصدر الأول، ثم اتفق العلماء على قول من الأقوال، مثل كتابة الحديث مثلاً، ومثل المتعة، متعة النساء، وجد الخلاف في الصدر الأول ثم انعقد الإجماع على جواز الكتابة، كتابة الحديث، وعلى حرمة نكاح المتعة، ولذا يختلفون في ناكح المتعة، هل يعزر أو يحد؟ من قال إن الإجماع بعد الخلاف إجماع معتبر قال: يحد؛ لأن الخلاف الأول ارتفع ولا قيمة له، ماتت أقوالهم أو ماتت الأقوال بموت أصحابها، ثم انعقد الإجماع، والذي يقول: لا إن الخلاف معتبر، ولأقوال تبقى وإن مات أصحابها ولو انعقد الاتفاق بعد ذلك قال: يعزر ولا يحد؛ لأن عنده شبهة.

طالب:.......

على كلٍ المسائل واقعة، يعني الخلاف موجود بين الصحابة في حكم الكتابة، كتابة السنة.

طالب: إيه المخالف نفسه هل له ضوابط.......

المخالف إذا كان من أهل النظر، من أهل الاجتهاد، ولذا عرفوا الإجماع بأنه اتفاق مجتهدي العصر، ما قالوا: مجتهدي الأمة، ولذا هل نقول مثلاً: إن هيئة كبار العلماء اتفاقهم على مسألة إجماع؟ لا ليس بإجماع، ولذا في رواية في مذهب الحنابلة أنه لا إجماع بعد عصر الصحابة.

طالب:.......

إيه ما يمكن ضبط الأقوال، الأمة تفرقت شرقاً وغرباً، وصار من العلوم في المغرب ما يخفى على أهل المشرق، والعكس فلا إجماع حينئذٍ، والإجماع المعتبر هو إجماع الصحابة، هذه رواية في المذهب، وهي قائمة أيضاً، ولها حظها من النظر، على كلٍ الاطلاع على الأقوال، على مذاهب العلماء، الاطلاع على مواطن الخلاف والإجماع أمر لا بد منه لطالب العلم، لئلا يقع في مخالفة إجماع ولا يشعر، ولئلا يخرج عن مجموع أقوالهم في الجملة.

طالب: بما ..... النووي.....

لا لا، ما هو منضبط، النووي يقول: وعيادة المريض سنة بالإجماع، والبخاري يقول: باب وجوب عيادة المريض، صلاة الكسوف سنة اتفاقاً، وأبو عوانة في صحيحه يقول: باب وجوب صلاة الكسوف، تراجم كبار.

طالب:.......

لا، لا، منخرم، منخرم، قد ينقل الخلاف بنفسه في الكتاب نفسه، وأحياناً في غيره من كتبه، لا، ما هي منضبطة، ولذا لكثرة الخوارق التي تخرق الإجماعات التي ينقلها كثير من أهل العلم قال الشوكاني: "وجميع هذا يجعل طالب العلم لا يهاب الإجماع" هو ما في شك أنه إذا أكثر الإنسان من ذكر إجماعاً، واتفاقاً، وهو مخروم بكثرة، تجعل الطالب يستصحب أن كل إجماع مخروم.

طالب:.......

إيه، هذا من جهة، من جهة نظر ابن عبد البر فقط، لكن إجماعات النووي لو تُجمع وشاف خوارمها وجد الكثير، ابن المنذر كذلك، ابن قدامة كذلك، كلهم مستدرك عليهم.

طالب: نقول: لو ينتهج منهج هذا الباحث في بقية إجماعات الأئمة....

إيه، لكن وش صفى له من إجماعات ابن عبد البر؟ هو أولاً: لا بد أن ندرس طريقة هذا العالم الذي هو منهجه الذي ينقل الإجماع، هل هو يرى مثل الجمهور أن الإجماع قول الكل، أو قول الأكثر؟ الترمذي ينقل الإجماع، وأحياناً يقول: هذا قول عامة أهل العلم، واتفاق أهل العلم، والخلاف موجود، فهو قول الأكثر، الطبري في تفسيره ينقل الإجماع ومراده بذلك قول الأكثر، وعرف قوله من كتب الأصول، أيضاً ذكروا أن الطبري يرى أن الإجماع قول الأكثر، أحياناً يرجح، يذكر خلاف في مسألة، سواء كان معنى من المعاني أو قراءة من القراءات، أو حكم شرعي، ثم يقول: والصواب في ذلك عندنا كذا لإجماع القرأة على ذلك، كيف إجماع وأنت سقت الخلاف بنفسك؟ لكنه يرى الإجماع قول الأكثر، أما البقية ابن المنذر والنووي وابن عبد البر كلهم يروا أن الإجماع قول الكل، ما عرف لهم قول يخالف هذا، لكن لا نغفل أن النووي لا يعتد بأقوال بعض الناس، فلا يستدرك عليه مثلاً أنه نقل الإجماع في مسألة، ثم ذكر خلاف داود مثلاً، لماذا؟ لأنه لا يعتد برأي داود، وصرّح في شرح مسلم في الجزء الرابع عشر صفحة تسعة وعشرين أنه لا يعتد بقول داود لماذا؟ لأنه لا يرى القياس الذي هو أحد أركان الاجتهاد، يعني فلا نكثر من انتقاد النووي بهذا، انتهى، استغفر الله، استغفر الله، والله ما أدري عن الفاتحة متى تبي تكمل؟ اقرأ.

"وان لم يكن منها فالسابعة غير المغضوب إلى آخرها، ويقدَّر في أولها: قولوا؛ ليكون ما قبل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [(5) سورة الفاتحة] مناسباً له بكونها من مقول العباد".

ويقدّر في أولها: قولوا؛ ليكون ما قبل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} مناسباً له بكونها من مقول العباد، في أول السورة يعني قبل البسملة عند من يقول بأنها آية من الفاتحة وبعدها عند من يقول: أنها ليست بآية تقدر قولوا، وهذا أمر من الله -سبحانه وتعالى- بأن نقول: الحمد لله رب العالمين، وقوله: ليكون ما قبل إياك نعبد مناسباً، الحمد لله رب العالمين، هنا هل يناسب قول الحمد لله رب العالمين يناسب إياك نعبد وإياك نستعين؟ لكن إذا كان القائل هو العبد، هو القائل الحمد لله رب العالمين، يعني إذا كان القائل ابتداءً هو الله -سبحانه وتعالى- حمد نفسه في مطلع هذه السورة، القائل هو الله -سبحانه وتعالى- من غير تقدير قولوا، ابتداءً قال: الحمد لله رب العالمين، وفيما بعد ذلك قال: إياك نعبد، ما في مناسبة، لكن إذا قدر قولوا الحمد لله رب العالمين فنحن نقول، العبد يقول، الحمد لله رب العالمين، إياك نعبد، يكون الكلام متسق، ولذا قال: ليكون ما قبل إياك نعبد مناسباً له بكونها من مقول العباد، فالعباد هم الذين يقولون الحمد لله رب العالمين امتثالاً للأمر المقدر، أي لتكون السورة كلها من مقول العباد، ولو ترك هذا التقدير لاحتمل أن قوله الحمد لله رب العالمين إلى آخرها ثناء من الله -سبحانه وتعالى- على نفسه، فيكون من مقوله، فيكون بعض السورة من مقول الله، وبعضها من مقول العباد، وهو صحيح في حد ذاته، صحيح في حد ذاته، يعني جاء في بعض السور ما يتعين أنه من مقول الله -سبحانه وتعالى-، وتلاه ما يتعين أنه من مقول العباد، هذا صحيح بحد ذاته، لكن سلوك التقدير يؤدي إلى التوافق في كون الكل من مقول العباد، والتوافق على ما قالوا أبلغ من التخالف، يقول ابن جرير: "فإن قال لنا قائل: وما معنى قوله: الحمد لله، أحمد اللهُ نفسه جل ثناؤه فأثنى عليها، ثم علمناه لنقول ذلك كما قال ووصف به نفسه؟ يقول: "فإن كان ذلك كذلك فما وجه قوله تعالى ذكره إذاً: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [(5) سورة الفاتحة] وهو عز ذكره معبود لا عابد، يقول: إذا كان السورة مساقها واحد، وهي كلها من مقول الله، يعني يتصور أن الله -سبحانه وتعالى- يثني على نفسه بقوله: الحمد لله رب العالمين، لكن هل يتصور الله -سبحانه وتعالى- من تلقاء نفسه: إياك نعبد وإياك نستعين؟ يقول: "فما وجه قوله تعالى ذكره إذاً {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [(5) سورة الفاتحة] وهو عز ذكره معبود لا عابد، أم ذلك من قيل جبريل أو محمد -صلى الله عليهما وسلم-، يقول: "فقد بطل أن يكون ذلك لله كلاماً، قيل: بل ذلك كله كلام الله جل ثناؤه، ولكنه جل ذكره حمد نفسه، وأثنى عليها بما هو له أهل، ثم علّم ذلك عباده، وفرض عليهم تلاوته، اختباراً منه لهم وابتلاءً فقال لهم: قولوا الحمد لله رب العالمين، وقولوا: إياك نعبد وإياك نستعين، فقوله: إياك نعبد مما علمهم -جل ذكره- أن يقولوه، ويدينوا له بمعناه، وذلك موصول بقوله: الحمد لله رب العالمين، وكأنه قال: قولوا هذا وهذا فأفضى كلام ابن جرير -رحمه الله- إلى أنه لا بد من التقدير كما في كلام المفسر عندنا.

طالب: وكلام ابن جرير يعني أوضح من كلام السيوطي على طوله...

لا، لا، ما هو بطويل، سطر، ولا بالسيوطي بعد، المحلي.

طالب: قصدي المحلي، كلام ابن جرير الطويل....

لا، "ويقدر في أولها قولوا؛ ليكون ما قبل إياك نعبد مناسباً له بكونها من مقول العباد" هذا كلام ابن حجر.

طالب: أقول: يا شيخ كلام ابن جرير أطول وأوضح.

لكن هذا واضح كلام السيوطي، وكلام ابن جرير معروف رزالته وزنته عند أهل العلم، التفسير كله بهذه الطريقة، ولذا استحق أن يسمى إمام المفسرين، كلام متين، ورصين، وغالبه منقول، إما من الأحاديث المرفوعة، أو من أقوال السلف من الصحابة والتابعين فمن بعدهم ممن له عناية بالتفسير، ويأتي بكلامٍ يوفق به بين النصوص ويوجه بكلام متين لا مثيل له عند غيره.

طالب: يا شيخ........ نقل الآثار عن ابن كثير....

لا، لا، ابن كثير جزء، لا، لا، ما بينهما نسبة.

طالب: يعني يستحق إمام المفسرين (ابن جرير)؟

إمام المفسرين بلا شك، بلا شك نعم، وفيه نظر أيضاً، الآن الحمد لله جملة خبرية وإلا إنشائية؟ خبرية باعتبار أنها مركبة من مبتدأ وخبر، لكن ماذا قصد بها؟ قصد بها الإنشاء، الآن القائل: الحمد لله رب العالمين، نعود إلى التقدير، قولوا: الحمد لله رب العالمين، وهذا ما اختاره المفسر عندنا، واختاره الطبري أيضاً، ومنهم من يقول: لا مانع من أن يكون أولها من قول الله -سبحانه وتعالى- يثني به على نفسه، وآخرها من مقول العباد، وحينئذٍ يكون فيها الالتفات، لكن إذا قلنا: الحمد لله رب العالمين من مقول العباد أيضاً، امتثالاً للأمر المقدر قولوا ما في التفات، كله كلام متسق من كلام العباد.

طالب: ما هي الحاجة للتقدير، والرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث: ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي..)) فهذا خبر أنها قسمت.. فما لها حاجة إلى هذا...؟

هم يقولون: ليكون الكلام كله متناسق، لا يوجد ما يمنع من أن يكون أولها من كلام الله، وآخرها من كلام العباد.

طالب: أين تقدر (قولوا) على هذا القول؟

في أولها، قولوا الحمد لله رب العالمين، وقولوا: إياك نعبد وإياك نستعين.

طالب: إذا قلنا: تقدر (قولوا) في أولها يصبح أولها من مقول العباد، قولوا: الحمد لله..

لا، قولوا أمر من الله -سبحانه وتعالى-، ويكون الحمد لله رب العالمين، امتثال من العباد من مقول العباد امتثال لذلك الأمر.

طالب: إذاً من مقول العباد، عندنا أحسن الله إليك قولين.

إذا قلت لك: سم، فقلتَ: بسم الله الرحمن الرحيم، أيهما من مقولك؟

طالب: بسم الله الرحمن الرحيم.

وقولي؟

طالب: مقولك: سم.

سم، سم مقولي، أمرك بالتسمية من مقولي، وامتثالك لهذا الأمر وقولك: بسم الله الرحمن الرحيم من مقولك، فحينما نقدر قولوا من الذي يقولوا: الحمد لله رب العالمين؟

طالب: الله -سبحانه وتعالى- يأمر عباده.

نعم يأمر عباده بأن يقولوا الحمد لله رب العالمين، فمقول العباد امتثال هذا الأمر.

طالب: إذاً ما فرق بين أن تكون الفاتحة كلها من مقول، في الجزء الأول منها ما في فرق بين أن تكون كلها من مقول العباد، أو أولها من مقول الله، كلاهما يبدأ بكلمة قولوا، أو يقدر بكلمة قولوا.

لا،..... ما يحتاج إلى تقدير.

طالب: وين؟

ما نحتاج إلى تقدير الله -سبحانه وتعالى- في أولها أثنى على نفسه.

طالب: هذا سؤالي أنا أقول: على القول الذي يقول: أن أولها من كلام الله -سبحانه وتعالى- لا نحتاج (قولوا) في أولها؟ أين نقدر؟

توك تفهم هذا الكلام، وتوك تقرره، وإلا قبل ما...؟

طالب: أقول أين نقدر...

لا تقدر.

طالب: حتى في آخرها؟

إيه، إياك نعبد معروف أنه ليس من مقول الله.

طالب: يعني نقدر (قولوا) على هذا القول عند إياك نعبد، قولوا إياك نعبد وإياك نستعين؟

إيه، لكن كونك تقدر من أول السورة يقولوا: على شان تكون مساقها واحد، كلها من مقول العباد أولى، وهذا ما قرره ابن جرير وغيره، وعرفنا أنه لا مانع من أن يكون أولها من قول الله، وآخرها من مقول العباد يعني، والقائل هو الله -سبحانه وتعالى-، وهو المتكلم بالقرآن أوله وآخره، يعني ما يتصور أن القرآن بعضه من الله، وبعضه حكاية عن الله، وما أشبه ذلك، كله من كلام الله -سبحانه وتعالى-، فقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [(5) سورة الفاتحة] الله -سبحانه وتعالى- هو الذي قاله على لسان خلقه، وفي أيضاً في القرآن ما جاء على ألسنة الكفار، وهو من مقول الله -سبحانه وتعالى-، ولمن قرأه بكل حرف عشر حسنات، يعني حينما يقول فرعون: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [(24) سورة النازعات] حينما يقول: {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [(38) سورة القصص] تقول: لا هذا شرك ما يجوز أقوله؟ لا، الله الذي قاله، وأنت مأمور بقراءته، وأيضاً تؤجر على قراءته، والله -سبحانه وتعالى- هو الذي نطق به على لسان فرعون، هذا ظاهر، يعني لا نقول: إن مثل هذا الكلام حكاية عن الله -سبحانه وتعالى- لا، بل هو حكاية الله -سبحانه وتعالى-، وقوله على ألسنة من نسب إليهم.

البسملة تقدم الحديث عنها من حيث المعنى والحكم، وهل هي آية أو ليست بآية؟ ومن حيث الجهر وعدمه؟

طالب: يمكن لمتكلم أن يقول مثلاً: فرعون قال: ذروني أقتل موسى وليدع ربه، بدون ابتداء يا شيخ؟

قالها بالعربية؟

طالب: لا، يعني ابتداءً يعني كخطيب أو كذا؟

لكن هل قالها بالعربية؟ أو الله -سبحانه وتعالى- قالها بالعربية على لسانه؟ الله الذي قاله، هذا كلام الله، يعني هل يجوز للجنب أن يقرأ مثل هذا الكلام؟ إذاً هو كلام الله بلا شك.

طالب:.......

الآن استدلوا به على أن كلام أهل الجنة بالعربية أو ليس بالعربية؟

طالب:.......

وجه الدلالة؟

طالب:.......

إيه هل قالها مرة أو مرتين؟ {فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى} [(25) سورة النازعات] الأولى {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [(38) سورة القصص] والثاني: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [(24) سورة النازعات] وكان بينهما على ما قيل أربعون سنة {فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى} [(25) سورة النازعات] كونه اختلف مرة قال كذا، ومرة قال كذا، هو مرة قال كذا، ومرة قال كذا، ظاهر؟

طالب: أحسن الله إليك، سمعت أحدهم يقول وهو يرغّب في الحفظ، يقول: إن القرآن عبارة، المصحف هذا عبارة عن ملك يحوله الله -سبحانه وتعالى- يوم القيامة يدافع عن أصحابه هل هذا صحيح؟ الأمر الثاني: هل يلزم على قوله القول أن القرآن مخلوق؟

القرآن يحول إلى ملك؟! القرآن نفسه يحاجّ عن أصحابه، البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما.

طالب: كيف تحاجان؟

القدرة الإلهية تنطقه.

طالب: السورة نفسها تنطق؟

سبحان الله القادر على أن يقول للسماء والأرض ائتيا طوعاً أو كرها قالتا أتينا طائعين، وش قالوا؟ وشلون تكلموا؟ لهم لسان يتكلمون؟

القدرة الإلهية صالحة لكل شيء، ما تتخيله وما لا تتخيله.

طالب: يعني إذاً كلامه هذا يعتبر خطأ أن يقال: أنه يتحول إلى ملك؟

ملك، ليس بملك أبداً، القرآن هو القرآن.

طالب: لكن يلزم على كلامه....

لكن هل الكلام والمحاجة حقيقية أو مجازية؟ هذا محل الكلام، يعني هل حقيقة يتكلم بحرف وصوت ويحاجّ؟ نقول: لا مانع أن يتكلم بحرف وصوت ويحاج ويجادل عن صاحبه،

طالب:.......

يعني ليش نحوله لملك؟

طالب: لا، أنا أقول: يعني إذا كلامه خطأ، هل يلزم عليه أن القرآن مخلوق؟

لا، لا، ما يلزم أبداً.

طالب: والصحيح أن المحاجة حقيقية؟

حقيقية إيه وش اللي يمنع؟ لا مانع منها.

كأنك مليت أنت يا أبو عبد الله، ضامر، الله المستعان، محنا مسوين شيء؟ أطول من الأول، بس أننا اللغة خففناه وإلا أطول من الأول.

طالب:.......

والله الأسئلة أنا حقيقةً منعها فيه ما فيه؛ لأنها توضح بعض المراد، أحياناً أنا ما أستطيع أن أبين عما في نفسي فيسأل سائل يكون سبب في الإيضاح، وأحياناً أنا أغفل عن بعض الشيء يكون السائل سبب..، وإن كان العلم ما ينتهي، الفاتحة عند الرازي في مجلد، واستنبط منها عشرة آلاف مسألة، وهي محتملة لأضعاف ذلك، لكن العلم ما ينتهي، لا بد من الحسم، إن أردتم النهاية لا بد من الحسم، وإن أردتم الفائدة المسألة مفتوحة.

"