شرح المنظومة الميمية في الآداب الشرعية (5)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول الناظم الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي -رحمه الله- في وصيته النافعة الماتعة الجامعة الميمية، في وصيته لطالب العلم بكتاب الله -عزَّ وجل- الذي قرأنا منه ما قرأنا بالأمس، وبدأنا بشرحه ولم نكمل، يقول:

وبالتدبر والترتيل فاتلُ كتا

 

ب الله لا سيما في حندس الظلمِ

 

هذا وقفنا عنده بالأمس وقفة مناسبة، وفيه الحث على قراءة القرآن على ما جاء في النصوص، وبينا بعض ذلك، وقلنا: إن التدبر والترتيل هو الوجه المأمور به، يعني قراءة القرآن على الوجه المأمور به، يعني بالتدبر والترتيل، وأما من قرأ بخلاف ذلك دون تدبر ولا ترتيل فقد يحصل له أجر الحروف؛ لأن أجر الحروف مرتب على مجرد القراءة ((من قرأ القرآن فله بكل حرف حسنة، والحسنة بعشرة أمثالها، لا أقول: الم حرف، بل ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)) فـ(الم) فيها ثلاثون حسنة.

والخلاف بين أهل العلم في المراد بالحرف هل هو حرف المبنى أو حرف المعنى؟ مسألة خلافية بين أهل العلم، والأثر المترتب على الخلاف كبير؛ لأنه إذا قلنا: إن المراد بالحرف حرف المبنى فالختمة الواحدة كما ذكرنا بالأمس فيها أكثر من ثلاثة ملايين حسنة، وإذا قلنا: إن المراد الحرف، حرف المعنى قلنا: إنه لا يثبت ولا الربع من هذا الأجر، يعني سبعمائة ألف حسنة الربع تقريباً، وكثير من أهل العلم يرجح حرف المبنى، وهذا الذي يتمناه كل قارئ للقرآن لتكثر حسناته، ومنهم من يقول: إن المراد بالحرف حرف المعنى، وكلام شيخ الإسلام يومئ ويرشد إليه، كأنه يميل إلى أن المراد بالحرف حرف المعنى، وابن الجزري في النشر أيضاً كأنه يميل إليه، بدليل المثال الذي ذكره النبي -عليه الصلاة والسلام- (الم) كم حرف هذه؟ في الحديث ثلاثة حروف، لكن لو نظرنها من حيث المبنى وجدناها تسعة حروف، ألف حرف، لكن فيها الهمزة واللام والفاء، لو أردنا حروف المبنى صارت ثلاثة حروف، وهي في الحديث حرف واحد، ألف حرف، لام حرف، وهي من حروف المبنى ثلاثة حروف، ميم حرف مثلها، فإذا قلنا: إن المراد بالحرف حرف المبنى قلنا: تسعة حروف وليست ثلاثة حروف، ولذلك هناك فرق بين أن تقول: (الم) و(ألم) {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [(1) سورة الفيل] ألم ثلاثة حروف مبنى، لكنها في حروف المعاني اثنان، الهمز همزة الاستفهام و(لم) النافية، حرفان.

(كيف) حرف واحد باعتبار المعنى، وثلاثة حروف باعتبار المبنى، والترجيح في مثل هذا فيه صعوبة؛ لأن الحرف كما يطلق على هذا يطلق على هذا على حد سواء، لكن ثقتنا بفضل الله -جل وعلا- وجوده وكرمه أعظم من ثقتنا بعلم شيخ الإسلام، ولا نستطيع أن نقول أكثر من هذا، فعلى الإنسان أن يستكثر وأجره على الله -جل وعلا-، ولن يقف الأمر عند هذا، يعني المسألة تحتاج تتوقف على القدر الذي يقر في قلب الإنسان من تعظيم لكلام الله تعالى، ومن تدبر وترتيل وفهم واعتبار، تصل المضاعفات إلى سبعمائة، إلى أضعاف كثيرة.

يقول -رحمه الله تعالى-:

حكم براهينه واعمل بمحكمه

ج

 

...................................

"حكم براهينه" الأدلة التي تدلك على ما يطلب منك، عليك أن تحكمها في نفسك وفي غيرك.

"واعمل بمحكمه" المحكم الواضح البين "واعمل بمحكمه" النصوص المحكمة الواضحة البينة التي لا خفاء فيها عليك أن تعمل بها، بخلاف المتشابه، فسلم ولا تتبع هذا المتشابه كما يفعل أهل الزيغ فتهلك.

....................واعمل بمحكمه
 

 

حلاً وحظراً وما قد حده أقمِ

"وما قد حده أقمِ" يعني أقم حدوده ولا تتعد حدوده.

واطلب معانيه بالنقل الصريح ولا

 

تخض برأيك واحذر بطش منتقمِ
ج

"واطلب معانيه بالنقل الصريح" مثل ما ذكرنا بالأمس أن التفسير ينبغي أن يكون على الجادة عند أهل التحقيق يُفسر القرآن بالقرآن، ثم بالسنة، ثم بأقاويل السلف من الصحابة والتابعين والأئمة.

واطلب معانيه بالنقل الصريح ولا

 

تخض برأيك.......................
ج

لأن التفسير بالرأي مذموم.

................................ولا

 

تخض برأيك واحذر بطش منتقمِ

وتكلمنا أمس عن التفسير بالرأي والتفسير بالأثر، وجاء في الحديث: ((من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار)) خرجه الترمذي عن ابن عباس، وعن جندب قال: "من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ".

فما علمتَ بمحض النقل منه فقل

 

ج

 

...................................

يعني بمحض النقل لا تقل برأيك يعني المجرد؛ لأنه فرق بين أن يفسر القرآن من لا عنده شيء من الآلة التي يجب أن تتوافر في مفسر القرآن، هذا لا يجوز له أن يفسر، لكن شخص قرأ التفاسير، وعنده من العلوم ما يؤهله للتفسير، قرأ التفاسير، تفاسير السلف، والتفاسير الأخرى المتعلقة بفنون من فنون القرآن، متعلق بإعجاز، متعلق بإعراب، متعلق بأحكام، متعلق بالفروع الكثيرة التي فُسر بها القرآن، قرأ منها ما يكفيه، فهذا إذا سُئل عن معنى آية ولم يستحضر ما قاله شخص بعينه إنما تكوّن لديه ملكة من خلال نظره في التفاسير الموثوقة عند أهل العلم تتكون لديه ملكة يستطيع أن يفهم القرآن بها، ولو لم يستطع أن يرد كل كلمة استفادها إلى مصدرها، يعني فرق بين هذا وبين من يأتي ولا علاقة له بالقرآن، ولا بالعلم الشرعي، ثم يقول: الكلام عربي ونحن نفهم، نقول: لا، فرق بين هذا وهذا، يعني إدامة النظر في كلام أهل العلم في تفسير كلام الله -جل وعلا- أو في شرح كلام رسوله -عليه الصلاة والسلام- هذه تولد ملكة عند طالب العلم يستطيع أن يتعامل مع النصوص من خلالها، لا سيما إذا كانت لديه الأهلية، يعني أخذ من كل فن ما يكفيه، وصار يضرب من الفنون بما يعينه على فهم كلام الله وكلام رسوله -عليه الصلاة والسلام-، ولو قال في القرآن من خلال هذه الملكة بكلام لم يُسبق إليه، ويدل على هذا: ((رب مبلغ أوعى من سامع)) لكن لا يأتينا من لا علاقة له بالعلم لا من قبيل ولا من دبير، ويقول: الكلام عربي، ونحن عرب ونفهم، ثم ينزل الحقائق العرفية في بلده بعد المسخ وبعد الاختلاط بالأمم الأخرى، وينزل هذه الحقائق على الحقائق الشرعية التي قد تكون موافقة للحقائق اللغوية، وقد تكون مخالفة، ووجد من بعض المفسرين المعاصرين الذين فسروا القرآن بالرأي العجائب؛ لماذا؟ لأنهم لم ينطلقوا من تفاسير الأئمة، لكن طالب العلم الذي له عناية بتفاسير الأئمة وسُئل عن معنى آية وأجاب هذا عنده الأهلية، ولو لم يُسبق إلى هذا القول، لكن لا يأتي من فراغ، والأحوط في حقه أن يقول: لعل المراد كذا؛ لأن الإتيان بحرف الترجي يُخرج من العهدة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما ذكر السبعين الألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، ودخل ولم يبين الصحابة منهم من قال: لعلهم كذا، ومنهم من قال: لعلهم من ولد في الإسلام، ولعلهم من صحب النبي، ولعلهم كذا، فخرج عليهم النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يثرب عليهم؛ لأن الإتيان بحرف الترجي لا يعني الجزم، الإشكال في الجزم بمراد الله -جل وعلا-، المقصود أنه يفرق بين من له عناية بكتاب الله -جل وعلا-، وتكونت لديه الأهلية من خلال الخبرة والدربة والممارسة لكلام الأئمة، وبين شخص ليس له أدنى ارتباط بكلام الأئمة.

فما علمتَ بمحض النقل منه فقل

 

وكل إلى الله معنى كل منبهمِ

يعني فوض الأمر إلى الله -جل وعلا-، لا تخض في الأمور المنبهمة المستغلقة التي لا تستطيع أن تدرك كنهها ومداها، هذا اتركه إلى الله -جل وعلا-، فلا تقل برأيك ((فمن قال في القرآن -برأيه- بغير علم فليتبوأ مقعده من النار)).

ثم المرا فيه كفر فاحذرنه ولا

 

يستهوينك أقوام بزيغهم

"ثم المرا فيه كفر" وجاء في الحديث: ((المراء في القرآن كفر)) خرجه أبو داود والحاكم عن أبي هريرة، والمراد بالمراء إما الامتراء وهو الشك، الامتراء فيه والشك، والقرآن لا ريب فيه، ولا شك ولا ارتياب، أو المراء الجدال العقيم الذي يوصل في نهايته إلى جحد ما أثبته الله -جل وعلا- في كتابه.

ثم المرا فيه كفر فاحذرنه ولا

 

يستهوينك أقوام بزيغهم

أهل الزيغ الذين يتتبعون المتشابه، أو الذين أشار إليهم فيما تقدم.

دع عنك ما قاله العصري منتحلاً

 

...................................

يعني بعض المعاصرين أعمل رأيه في النصوص، فصار يضرب يميناً وشمالاً ولا يصيب المراد، قد يصيب المراد لكن هذا بغير علم يتخبط في كلام الله -جل وعلا-، وكلامه قد يستهوي السامع، يكون لديه من البيان ولديه من البلاغة ما يستطيع فيه سبك الكلام وضبط الكلام، فالقارئ يستهويه مثل هذا الكلام، وإن كان في الحقيقة زائغاً.

وعن مناهيه كن يا صاح منزجراً

 

...................................
ج

يعني يا صاحبي، ورخم فحذفت الياء ياء المتكلم وآخر الكلمة التي هي الباء.

وعن مناهيه كن يا صاح منزجراً

 

والأمر منه بلا ترداد فالتزمِ
ج

"بلا ترداد فالتزم" يعني امتثل الأمر بدون تردد، واجتنب النهي بدون خيرة، كما قال ابن مسعود وغيره: "إذا سمعت الله -جل وعلا- يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} فإنما هو إما أن يكون خير تؤمر به، أو شر تنهى عنه" وحينئذٍ لا تتردد في الامتثال.

وما تشابه فوض للإله ولا

 

تخض فخوضك فيه موجب النقمِ
ج

وما تشابه، المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله هذا لا تتعب في إدراكه، فالقول في المتشابه وإن اختلف أهل العلم يعني هل الراسخون في العلم يعلمون المتشابه أو لا يعلمون؟ وهذا يتبع الوقف في {إِلاَّ اللّهُ} وهل الواو في {وَالرَّاسِخُونَ} [(7) سورة آل عمران] عاطفة أو استئنافية؟ فالذي يقول: عاطفة يقول: الراسخون في العلم يعلمون المتشابه، والذي يقول: استئنافية يقول: لا يعلم المتشابه إلا الله -جل وعلا-، حتى الراسخين في العلم دورهم يقولون: آمنا به فقط، وعلى كل حال التشابه والإحكام أمور نسبية، فينظر في أقوال أهل العلم في مراد الله -جل وعلا- في هذه الآية، فإذا استغلقت عليه، ولم يستطع الوصول إلى قول راجح صائب فيها، صارت بالنسبة له من المتشابه، وإذا بان له معناها من خلال كلام أهل العلم صارت من المحكم.

وما تشابه فوض للإله ولا
ولا تطع قول ذي زيغ يزخرفه

 

تخض فخوضك فيه موجب النقمِ
من كل مبتدع في الدين متهمِ

يعني البدع لها بريق، ولها نفوذ إلى القلوب، وأهل البدع وأهل الزيغ تجد كثيراً منهم قد أعطي من الذكاء ما يستطيع به الولوج إلى القلوب، لكنه لم يعطَ الزكاء الذي به يفرق بين القول الحق والباطل، وإذا قرأت في كلام أهل الكلام انبهرت، لكن إذا عرضته على ميزان الكتاب والسنة ما وجدت شيء، ووجدت في نهايته الضلال المبين، حتى أن هؤلاء المتكلمين كثير منهم رجع، كثير منهم ندم عند موته.

ولا تطع قول ذي زيغ يزخرفه
حيران ضل عن الحق المبين فلا 

 

من كل مبتدع في الدين متهمِ
ينفك منحرفاً معوج لم يَقُمِ

أو لم يُقم، المعوج يحتاج إلى إقامة، ويحتاج إلى استقامة، لكنه مع ذلك اتباعه للمتشابه وانصرافه عن النصوص المحكمة عن نصوص الوحيين، وعنايته بغيرهما، وطلبه الحق من غيرهما، يجعله يصل إلى هذا الحد حيران، كثير منهم أعلن الحيرة في آخر حياته.

حيران ضل عن الحق المبين فلا 
هو الكتاب الذي من قام يقرؤه

 

 

ينفك منحرفاً معوج لم يَقُم
...................................

القرآن كلام الله.

هو الكتاب الذي من قام يقرؤه
 
جج

 

كأنما خاطب الرحمن بالكلمِ

ج

يعني وأنت تقرأ القرآن كأنك تخاطب الرحمن لأنه كلامه، يعني إذا أرسل لك شخص كتاب خط رسالة أرسلها لك بخطه وقلمه ووجهها إليك من فلان إلى فلان هو يخاطبك بهذا الكلام، الله -جل وعلا- يخاطبك بكلامه، بكتابه.

هو الكتاب الذي من قام يقرؤه
 
جج

 

كأنما خاطب الرحمن بالكلمِ

ج

كأنه يشافه الرحمن لأنه كلامه، فأنت تقرأ كلام الله بدون واسطة منه إليك، لكن مع الأسف أننا لا نقيم وزناً لهذا الكلام، ونقرأه ولا نتأثر، ولا يحرك فينا ساكناً، ولا فرق بين أن نقرأ سورة هود أو أي سورة من القرآن، أو نقرأ في جريدة أو نسمع شريط، أو نسمع أخبار ما في فرق عندنا، نقرأ القرآن وكأنه لا يعنينا، وقلت مراراً: إن المسئولين إذا جاءهم نظام جديد ممن فوقهم يرسل هذا النظام إلى الجهات الرسمية للعمل بموجبه، يستلمه مدير هذه الجهة، يستلمه في آخر الدوام، يقول: نتركه إلى الغد؟ لا، مباشرة يفتحه ويشوف هذا جاء من الجهات العليا، ويتأمله حرفاً حرفاً، هذا في آخر الدوام، من الغد يجمع له الوكلاء ورؤساء الأقسام يقرأ عليهم ويقرؤون عليه، ويتدارسونه فيما بينهم، إن فهموه بها ونعمت وإلا طلبوا اللوائح التفسيرية، هذا ما هو الواقع؟ هذا الواقع، لكن جاءنا هذا الكتاب من الله -جل وعلا- هل نصنع فيه شيء مما نصنعه في مثل هذه الأنظمة؟ هذه أنظمة مخلوقين، وقد يبدو لك ملاحظات على هذا النظام ترفعها إلى الجهات يدرسونها ويعدلون، لكن هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

هو الكتاب الذي من قام يقرؤه
هو الصراط هو الحبل المتين هو الـ

 

كأنما خاطب الرحمن بالكلمِ
ميزان والعروة الوثقى لمعتصمِ
ج

 

هذه صفاته، الصراط المستقيم القرآن، فإذا امتثلت القرآن فأنت على الجادة على الصراط المستقيم، والمستقيم أقرب طريق يصل بين نقطتين، يعني بدلاً من أن تذهب يمين وشمال، وتطلب مرضاة الله -جل وعلا- في كتب فلان وعلان من أهل العلم، فأقرب طريق يوصل إلى الله -جل وعلا- إلى الصراط المستقيم هو القرآن "هو الصراط هو الحبل المتين" الذي من تمسك به لن يضل ولن يقطع لأنه متين.

......... هو الحبل المتين هو الـ

 

ميزان والعروة الوثقى لمعتصمِ

هو الميزان الذي توزن به الأعمال بدقة، ولما كانت الموازين شرعية صارت الرفعة لأهل الدين وأهل الفضل وأهل الخير، ولما اختلت الموازين اختلت النتائج تبعاً لها، فرفع الأسافل ووضع الأعالي، والله المستعان.

"هو الـ * ميزان والعروة الوثقى لمعتصمِ"

والاعتصام به مع السنة هو الكفيل بالثبات للإنسان على الجادة.

هو البيان هو الذكر الحكيم هو التـ

 

 تفصيل فاقنع به في كل منبهمِ

 

البيان قد يكون فيه إجمال، لكن من أين نطلب البيان؟ نطلب البيان من القرآن في موضع آخر، فإن لم نجد فمن سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي وظيفته البيان، بيان ما جاء عن الله -جل وعلا-.

هو البصائر والذكرى لمدكرٍ
 
ج

 

هو المواعظ والبشرى لغير عمي

 

{فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ} [(45) سورة ق] لكن من؟ {مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [(45) سورة ق].

هو المنزل نوراً بيناً وهدى

 

وهو الشفاء لما في القلب من سقمِ

{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء} [(82) سورة الإسراء] {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء} [(44) سورة فصلت].

لكنه لأولي الإيمان إذ عملوا
ج

 

بما أتى فيه من علم ومن حكمِ

{قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء} [(44) سورة فصلت] {وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} كما جاء {فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} [(44) سورة فصلت].

أما على من تولى عنه فهو عمىً

 

لكونه عن هداه المستنير عمي

الذي يعمى عن القرآن يحشر يوم القيامة أعمى {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [(124) سورة طـه] يعني وإن كان مبصراً في الدنيا يحشر يوم القيامة أعمى؛ لأنه عمي عن القرآن وأعرض عن القرآن، كما أن من حارب الله -جل وعلا- هذا يبعث أعمى، ومن حارب الله -جل وعلا- بالربا يبعث يوم القيامة مجنوناً كالذي يتخبطه الشيطان من المس.

فمن يقمه يكن يوم المعاد له
ج

 

خير الإمام إلى الفردوس والنعمِ

يعني يقوده إلى جنات النعيم، يكون القرآن قائداً له إلى الفردوس وجنات النعيم.

كما يسوق أولي الإعراض عنه إلى
 

 

دار المقامع والأنكال والألمِ
ج

إما أن يكون سائقاً وقائداً إلى جنات النعيم، أو يكون يتبع المعرض عنه فيزج في قفاه إلى النار -نسأل الله العافية-.

وقد أتى النص في الطولين أنهما

 

ظل لتاليهما في موقف الغممِ

أخرج الإمام مسلم وأحمد والترمذي عن النواس بن سمعان قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((يؤتى بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمهم سورة البقرة وآل عمران)) قال: وضرب لهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعد، قال: ((كأنهما غمامتان)) أو ((كأنهما غيايتان)) أو ((كأنهما ظلتان سوداوان)) أو ((كأنهما فرقان من طير صواف، تحاجان عن صاحبهما)).

وحلتان من الفردوس قد كُسيت

 

لوالديه لهما الأكوان لم تقمِ

ج

يعني من حرص على أن يحفظ ولده القرآن يكسى يوم القيامة حلتان من الفردوس.

وحلتان من الفردوس قد كسيت

 

لوالديه لهما الأكوان لم تقمِ

ج

هذا إذا سعيا في حفظه للقرآن، ولا شك أن الله -جل وعلا- لا يخيب الآمال ولا يضيع الأعمال؛ لأن بعض الناس يحرص أشد الحرص، ويبذل جميع الأسباب من أجل أن يحفظ ولده القرآن ولا يتم ذلك، وله أجر المجاهدة، وبعض الناس مهمل لأولاده، وقد حدثني بنفسه يقول: والله ما علمت أن الأولاد يحفظون القرآن حتى دعيت إلى الحفل وكُرمت وكان من بين الحفظة اثنان من أولاده، على كل حال فضل الله لا يحد، لكن الذي لا يبذل لا يستحق، والذي يبذل ويعجز {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] والنتائج بيد الله -جل وعلا-.

قالا: بماذا كسيناها؟ فقيل: بما

 

أقرأتما ابنكما فاشكر لذي النعمِ
ج

الولد حينما يدعو لوالديه، وجاء في الحديث: ((إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث)) ومنها: ((أو ولد صالح يدعو له)) إذا لم يكن بذل السبب في صلاح هذا الولد أو العكس بذل ما يعينه على الفساد، فالوصف الذي هو الصلاح لا شك أن الولد إذا كان صالحاً مظنة أن تجاب دعوته، ما لم يكن ثم مانع من قبل الوالد، ولذا جاء في قول الله -جل وعلا-: {وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [(24) سورة الإسراء] يعني لهذه العلة، لكن إذا كان الوالد ما رباه صغيراً، أهمله وضيعه، وخان الأمانة فيه، لا يستحق مثل هذه الدعوة، وإن وجد السبب بدعوة الولد لكن المانع من قبل الأب قد يُحول دون الاستجابة، فهناك أسباب وهناك موانع.

انتهى المقروء؟

طالب:.......

إلى أين قرأت؟

طالب:.......

قالا: بماذا كسيناها؟ فقيل: بما

 

أقرأتما ابنكما فاشكر لذي النعمِ
ج

كمل.

طالب:.......

إي نعم.

وقد أتى النص في الطولين أنهما
وأنه في غد يأتي لصاحبه
ج

 

ظل لتاليهما في موقف الغممِ
مبشراً وحجيجاً عنه إن يقمِ

أن يقم بحدوده، ويقم به ولا ينام عنه، يأتي حجيجاً عنه مخاصماً يوم القيامة، وكما جاء في سورتي البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما، والقرآن إما حجة لك أو حجة عليك.

والملك والخلد يعطيه ويلبسه تاج

 

الوقار الإله الحق ذو الكرمِ

يلبس تاج الوقار كما أن الوالدين أيضاً يكسون الحلتين اللتين سبق الكلام عنهما.

يقال: اقرأ ورتل وارق في غرف الـ

 

جنات كي تنتهي للمنزل النعمِ

المنزل الذي فيه النعم النعيم المقيم، يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة: اقرأ واصعد، فيقرأ ويصعد بكل آية درجة، حتى يقرأ آخر شيء معه، ويقال لصاحب القرآن أيضاً: ((اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في دار الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرأها)) فالذي معه من القرآن الكثير يستمر يقرأ ويرقى ويرتل كما كان يرتل في الدنيا، والذي معه من القرآن ويسرع في قراءته في الدنيا يسرع في قراءته في الآخرة، ولا شك أن القرآن بالترتيل تطول مدته، فتطول مدة الصعود، والذي يقرأ في القرآن هذاً في الدنيا يقرأه في الآخرة هذاً فينتهي ما عنده، أو يكون ما عنده إلا شيء يسير، فينتهي ما عنده في مدة يسيرة، فلا يستمر صعوده، وقد جاء في الحديث عند أحمد والدرامي: ((اقرأ كما كنت تقرأ في الدنيا هذاًَ كان أو ترتيلاً)) لا شك أن الذي يقرأ ترتيلاً يستمر يقرأ لأنه تطول القراءة كما كان يقرأ في الدنيا، لكن الذي يقرأ هذاً تنتهي القراءة عنده بسبب سرعته أو بسبب قلة ما عنده من القرآن، فلا يستمر في صعوده مثل الذي يقرأ القرآن كاملاً على طريق الترتيل، نعم؟

طالب:.......

نعم هذا سؤال وارد، يقول: من الذي يقال له: اقرأ وارق ورتل؟ هل هو الحافظ أو غير الحافظ أو الجميع؟ يعني هل يوجد هناك لغير الحفاظ مصاحف يقرؤون وهم يرقون ويصعدون؟ يعني لا شك أن ظاهر اللفظ أنه للحافظ، لكن من كانت له عناية في القرآن، وحاول حفظ القرآن وعجز، لا شك أن فضل الله -جل وعلا- لن يقصر دون هذا، لكن عليه أن يبذل السبب، نعم.

سم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال العلامة حافظ -رحمه الله تعالى- في ميميته:

كفى وحسبك بالقرآن معجزة
لم يعتره قط تبديل ولا غير
مهيمناً عربياً غير ذي عوج
فيه التفاصيل للأحكام مع نبأ
فانظر قوارع آيات المعاد به  
وانظر به شرح أحكام الشريعة هل
أم من صلاح ولم يهدِ الأنام له
أم كان يغني نقيراً عن هدايته
أخباره عظة أمثاله عبر
لم تلبث الجن إذ أصغت لتسمعه
الله أكبر ما قد حاز من عبر
والله أكبر إذ أعيت بلاغته
كم ملحد رام أن يبدي معارضة
هيهات بعداً لما راموا وما قصدوا
خابت أمانيهم شاهت وجوههم
كم قد تحدى قريشاً في القديم وهم                    
بمثله وبعشر ثم واحدة

الجن والإنس لم يأتوا لو اجتمعوا
أنى وكيف ورب العرش قائله
ما كان خلقاً ولا فيضاً تصوره
بل قاله ربنا قولاً وأنزله                     
والله يشهد والأملاك شاهدة

                 

 

دامت لدينا دوماً غير منصرمِ
وجل في كثرة الترداد عن سأم
مصدقاً جاء في التنزيل في القدم
عما سيأتي وعن ماض من الأمم
وانظر لما قص عن عادٍ وعن إرم
ترى بها من عويص غير منفصم
أم باب هلك ولم يزجر ولم يلم
جميع ما عند أهل الأرض من نظم
وكله عجب سحقاً لذي صمم
إن بادروا نذراً منهم لقومهم
ومن بيان وإعجاز ومن حكم
وحسن تركيبه للعرب والعجم
جفعاد بالذل والخسران والرغم
وما تمنوا لقد باؤوا بذلهم
زاغت قلوبهم عن هديه القيم
أهل البلاغة بين الخلق كلهم
فلم يروموه إذ ذا الأمر لم يرم
بمثله ولو انضموا لمثلهم
سبحانه جل عن شبه له وسمي
نبيناً لا ولا تعبير ذي نسم
وحياً على قلبه المستيقظ الفهم
والرسل مع مؤمني العربان والعجم

ج

يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:

كفى وحسبك بالقرآن معجزة

 

...................................
ج

الإعجاز في القرآن أمر أذعن له كل فصيح، وطأطأ رأسه كل بليغ، والعرب عرفوا بالبلاغة والفصاحة، وتحداهم الله -جل وعلا- أن يأتوا بمثله، ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور، ثم تحداهم أن يأتوا بسورة من مثله، فما استطاعوا، ولو كان بمقدورهم مجتمعين أن يأتوا بمثله ما قصروا؛ لأن الإنسان في موضع التحدي لا سيما من مخالفه لا شك أنه سوف يبذل أقصى ما يستطيع، ومع ذلك أعلنوا العجز ولم يستطيعوا، ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً، لو تظاهروا، لو اجتمعوا، لو اجتمع الإنس والجن على أن يأتوا بمثله ما استطاعوا، فهو معجزة النبي -عليه الصلاة والسلام- الخالدة، وهو المناسب لنبوته التي لها البقاء إلى يوم القيامة، الدائمة المستمرة إلى قيام الساعة، والأنبياء لهم معجزات تناسب أوقاتهم، وتناسب عصورهم، وتنقضي بانقضاء أدوارهم، لكن لما كانت رسالة النبي -عليه الصلاة والسلام- خالدة إلى قيام الساعة، وإلى الناس أجمعين صارت المعجزة الكبرى هذه المعجزة القرآن الكريم الخالد إلى قيام..، إلى أن يرفع في آخر الزمان، قد يقول قائل: الله -جل وعلا- تحدى بالقرآن، وتحدى بعشر سور، وتحدى بسورة، لماذا لم يتحدى بآية؟ لأن الآية منها القصيرة جداً {ثُمَّ نَظَرَ} [(21) سورة المدثر] {مُدْهَامَّتَانِ} [(64) سورة الرحمن] يعني العربي لا يعجز أن يقول: ثم نظر، ولا يعجز أن يقول: مدهامتان، فلم يقع التحدي بآية، لكن آية بقدر أقصر السور يقع التحدي بها، وأيضاً {ثُمَّ نَظَرَ} [(21) سورة المدثر] في موضعها لا يمكن أن يقوم غيرها مقامها، فهي معجزة من هذه الحيثية، وكل من حاول معارضة القرآن والإتيان بمثله أتى بما يضحك منه الصبيان، وما يؤثر عن مسيلمة شيء لا يقوله ولا المجانين، ويذكر عن أبي العلاء المعري أنه ألف كتاباً أسماه: الفصول والغايات في معارضة الآيات، كتاب مطبوع، لكنه عُدل اسمه إلى (الفصول والغايات في مواعظ البريات) قالوا: إنه أراد أن يعارض به القرآن، وهو ملحد يعني معروف.

على كل حال من قرأ الكتاب يجزم بأنه ليس في مقدور أبرع الناس وأفصح الناس معارضة شيء يسير من القرآن الكريم، وإعجاز القرآن بجميع نواحيه، إعجازه بنظمه، إعجازه بحكمه، إعجازه بأحكامه، إعجازه بقصصه، فهو معجز من كل وجه، ومع ذلك طلب وتحدي العرب أن يأتوا بمثله، أو بسورة منه فلم يستطيعوا.

كفى وحسبك بالقرآن معجزة

ج

 

دامت لدينا دوماً غير منصرمِ

إلى الآن والتحدي قائم إلى الآن والتحدي قائم.

لم يعتره قط تبديل ولا غير

 

وجل في كثرة الترداد عن سأم
ج

القرآن محفوظ عن التبديل والتحريف والزيادة والنقصان {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [(9) سورة الحجر].

لم يعتره قط تبديل ولا غير

 

...................................

ما غُير، كما حصل للكتب السابقة؛ لأنهم استحفظوا فلم يحفظوا، وكتابنا تولى الله -جل وعلا- حفظه، والقصة التي حصلت على يد يحيى بن أكثم حينما دعا اليهودي فلم يسلم، وجاء بعد سنة معلناً إسلامه فسأله يحيى بن أكثم فقال: ما الذي جعلك ترفض الإسلام في العام الماضي وتأتي مسلماً طائعاً مختاراً في هذا العام؟ قال: نعم، أنا خلال العام المنصرم نسخت نسخ من التوراة وحرفت وزدت ونقصت وقدمت وأخرت فتلقفها مني أحبار اليهود دون تردد، وصاروا يقرؤونها ويعملون بها، ثم فعلت مثل هذا في الإنجيل كتبت نسخ من الإنجيل وقدمت وأخرت وزدت ونقصت ونفس الشيء اشتراها أحبار النصارى وعملوا بها، وقرؤوها فأتيت إلى المصحف فغيرت تغييراً يسيراً جداً لا يدركه إلا الحذاق، فلما جئت به إلى سوق الوراقين من المسلمين وعرضت عليهم، كل من نظر فيه رماه في وجهي، فعرفت أن هذا هو الدين الحق المحفوظ بالعناية الإلهية، ثم حج يحيى بن أكثم والتقى بسفيان بن عيينة، وذكر له القصة، قال: هذه في القرآن، ما تحتاج إلى يهودي ولا غير يهودي، الله -جل وعلا- قال عن الكتب السابقة {بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء} [(44) سورة المائدة] وكل إليهم الحفظ فما حفظوا، وقال في كتابنا: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [(9) سورة الحجر] تكفل الله بحفظه، فلا يستطيع أحد أن يعتدي عليه أو يحرف.

لم يعتره قط تبديل ولا غير

 

وجل في كثرة الترداد عن سأمِ
ج

يعني أهل القرآن الذين لهم عناية بتلاوة القرآن منهم من يختم كل يوم، ومنهم من يختم كل ثلاث، ومنهم من يختم كل سبع، فالذي يختم كل سبع يقرأ القرآن في السنة خمسين مرة، والذي يختم في ثلاث يختم في السنة أكثر من مائة وعشرين مرة، والذي يختم في كل يوم يختم ثلاثمائة وخمسين مرة، ومع ذلك كلما قرأ كأنه يقرأ جديد، يعني أنت لو تمسك أي كلام من كلام البشر فتقرأه مرة قد تتلذذ به، تقرأه ثانية تستفيد منه، ثالثة خلاص تمله، ما يمكن تقرأ رابعة.

...................................

 

وجل في كثرة الترداد عن سأمِ
ج

وجاء في الخبر: ((لا يخلق)) يعني لا يقدم كالثوب الخلق البالي الذي يمل ((مع كثرة الترداد)).

مهيمناً عربياً غير ذي عوج

 

 

...................................
ج

مهيمن على جميع الكتب السابقة، محتوٍ عليها، مشتمل على جميع ما فيها "عربياً" بلسان عربي مبين غير ذي عوج.

...................................

 

 

مصدقاً جاء في التنزيل في القدمِ

يعني تصدقه جميع الكتب السماوية.

فيه التفاصيل للأحكام مع نبأ

ج

 

...................................
ج

الأحكام مفصلة في القرآن تفصيلاً نسبياً، وإن كان في بعضها شيء من الإجمال جاء بيانه بالوحي الثاني السنة، ولا أدل على هذا التفصيل لهذه الأحكام من كتب آيات الأحكام، وتفاسير آيات الأحكام التي بلغ بعضها العشرين مجلداً، يعني الجامع لأحكام القرآن للقرطبي في عشرين مجلداً، وكتب أحكام القرآن كثيرة جداً تبين عناية القرآن بالأحكام.

فيه التفاصيل للأحكام مع نبأ

ج

 

...................................
ج

يعني من الأخبار أخبار الأمم السابقة وأخبار ما سيأتي.

.............................مع نبأ
فانظر قوارع آيات المعاد به

 

عما سيأتي وعن ماض من الأمم
...................................

 

يعني ما يكون في الآخرة، القوارع التي تقرع القلوب بأهوالها، مما يقصه الله -جل وعلا- مما يحصل في يوم القيامة "وانظر لما قص" عن الأمم السابقة "عن عاد وعن إرمٍ".

وانظر به شرح أحكام الشريعة هل

 

ترى بها من عويص غير منفصمِ

الظاهر أنه غير منفهم، نعم "من عويص غير منفهم" كأن هذا أقرب، العويص المستغلق الذي لا يفهم، يعني آيات الأحكام هل أشكلت على أهل العلم؟ ما وجدوا لها حل؟ وقفوا أمامها حائرين؟ أبداً، تكلموا فيها، وإن اختلفت فهومهم، لكنهم يفهمون.

أم من صلاح ولم يهدِ الأنام له

 

 

...................................
ج

لا خير إلا دل الأمة عليه، لا خير إلا دل عليه.

...................................

 

أم باب هُلكٍ ولم يزجر ولم يلمِ

ج

وهذا في القرآن واضح، أبواب الخير دل الناس عليها، وأرشدهم إليها، وأبواب الشر أوصدها، وزجر عنها.

...................................
أم كان يغني نقيراً عن هدايته
 

 

أم باب هلك ولم يزجر ولم يلمِ
جميع ما عند أهل الأرض من نظمِ

 

من نَظم أو من نُظم، أما ما نظمه البشر في كلامهم ومؤلفاتهم المنظومة والمنثورة، أو من نُظم تفرض على الناس وتسن على الناس هذه لا تغني نقيراً عما جاء في القرآن.

أخباره عظة أمثاله عبرٌ

 

وكله عجب سحقاً لذي صممِ

يعني من صم أذنيه عن سماع القرآن وعن فهم القرآن.

لم تلبث الجن إذ أصغت لتسمعه

 

إن بادروا نذراً منهم لقومهم

يعني في سورة الأحقاف، نعم {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ} [(29) سورة الأحقاف] يقول:

لم تلبث الجن إذ أصغت لتسمعه
الله أكبر ما قد حاز من عبر

 

إن بادروا نذراً منهم لقومهمِ
ومن بيان وإعجاز ومن حكمِ

 الله أكبر ما قد حاز القرآن من عبر وعظات ومن بيان وبلاغة وإعجاز، ومن حكم وأحكام.

والله أكبر إذ أعيت بلاغته

 

وحسن تركيبه للعرب والعجمِ

"الله أكبر" تعجب.

................... إذ أعيت بلاغته

 

وحسن تركيبه للعرب والعجمِ

ما استطاع، وكل ينهل من معينه ولم ينضب، وكل من جاء على تتابع العصور وعلى مر القرون والدهور كل من جاء فسر القرآن وأتى بالعجائب ولن تنقضي هذه العجائب.

كم ملحد رام أن يبدي معارضة

 

فعاد بالذل والخسران والرغمِ

وذكرنا ما أثر عن مسيلمة، وما ألفه أبو العلاء المعري في هذا الباب وغيرهما.

هيهات بعداً لما راموا وما قصدوا

 

 

...................................
ج

هيهات مستحيل بعيد.

هيهات بعداً لما راموا وما قصدوا
خابت أمانيهم شاهت وجوههم

 

 

وما تمنوا لقد باؤوا بذلهمِ
زاغت قلوبهم عن هديه القيمِ

"خابت أمانيهم" خابوا وخسروا حينما قصدوا إلى المعارضة "وشاهت وجوههم".

"زاغت قلوبهم عن هديه القيمِ" مثل هؤلاء لا يوفقون إذا كان مجرد الإعراض عنه {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} [(124) سورة طـه] فكيف بمن تصدى لمعارضته أو لنقده؟! وقد أثر عن بعض الأدباء المعاصرين من يقول: إن قلمي الأحمر معه قلم أحمر يعدل فيه الكتب يصحح، ومن حقه أن يصحح؛ لأنه متمكن في علمه في الأدب في العربية في غيرها يصحح، يقول: لم يسلم من قلمي الأحمر ولا القرآن -نسأل الله السلامة والعافية-، هذا ضلال، وهذا زيغ، نسأل الله الثبات.

كم قد تحدى قريشاً في القديم وهم

 

أهل البلاغة بين الخلق كلهمِ
جج

تحداهم فلم يستطيعوا أن يعارضوه، وأعلنوا الفلس والعجز، وهو معجز بذاته لا بما تقوله المعتزلة أنه معجز بالصرفة، هم قادرون على معارضته، لكن الله صرفهم عن ذلك، إذا كانوا قادرين ما صار معجزاً، يعني كعجز الأعمى عن القراءة القراءة في مقدور الناس كلهم، لكن الأعمى مصروف عن القراءة، فيكون العرب عن معارضته بمثابة الأعمى، هو ممكن معارضته والإتيان بمثله ممكن لكن الله -جل وعلا- صرفهم، هذا ما يصير فيه إعجاز للقرآن، هذا قول باطل.

بمثله وبعشر ثم واحدة

 

...................................

"بمثله" أن يأتوا بمثله، أو يأتوا بعشر سور، أو يأتوا بسورة واحدة.

...................................
ج

 

فلم يروموه إذ ذا الأمر لم يرمِ

 

لم يقصد مثل هذا الأمر؛ لأنهم عجزوا وأعلنوا عجزهم.

الجن والإنس لم يأتوا لو اجتمعوا

 

 

...................................

{وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [(88) سورة الإسراء].

الجن والإنس لم يأتوا لو اجتمعوا

 

 

بمثله ولو انضموا لمثلهم

 

يعني ولو مثلهم معهم ما استطاعوا.

أنى وكيف ورب العرش قائله!

ج

 

...................................
ج

يعني شخص يخفى عليه ما بين يديه وما بين جنبيه كيف يأتي بكلام يعارض فيه كلام من يعلم السر وأخفى، ومن خلق الخلق وعرف ما جبلهم عليه كيف يقارن هذا كلامه بكلام الله -جل وعلا-.

أنى وكيف ورب العرش قائله!

ج

 

سبحانه جل عن شبه له وسمي
ج

"ما كان خلقاً" يعني ما كان القرآن خلقه الله في شيء ثم نطق به، أبداً، بل هو كلامه المسموع بحرف وصوت، قديم النوع، تكلم في الأزل، حادث متجدد الآحاد، يتكلم متى شاء إذا شاء بما شاء.

"ما كان خلقاً" يعني ما كان مخلوقاً كما تقول الجهمية والمعتزلة.

"ولا فيضاً تصوره نبينا" كما تقول الفلاسفة أنه فاض على قلبه من العقل الفياض الذي هو جبريل.

..................ولا فيضاً تصوره

 

نبينا لا ولا تعبير ذي نسمِ

ليس من كلام المخلوق، ولا من كلام البشر "ولا من تعبير ذي نسم" ذي نفس من المخلوقين.

بل قاله ربنا قولاً وأنزله

 

وحياً على قلبه المستيقظ الفهمِ

على قلب محمد بواسطة جبريل -عليهما الصلاة والسلام-.

والله يشهد والأملاك شاهدة

 

والرسل مع مؤمني العربان والعجمِ

الكل يعترف بهذا ويشهد به، والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"