بلوغ المرام - كتاب الصلاة (10)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- في كتاب الصلاة في باب المساجد:

"وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) متفق عليه، وزاد مسلم: ((والنصارى)).

ولهما: من حديث عائشة -رضي الله تعالى عنها-: ((كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً)) وفيه: ((أولئك شرار الخلق)).

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن أبي هريرة" مر بنا مراراً أن الواو هذه تعطف محذوفاً تقديره: أروي أيضاً عن أبي هريرة "-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قاتل الله اليهود))" قاتل الله اليهود: يعني لعنهم، وهذا دعاء عليهم بالجملة، وعلى هذا يجوز الدعاء على طائفة بالجملة إذا استحقت هذا الدعاء، كما أنه يجوز الدعاء على قبيلة إذا استحقت هذا الدعاء، فقد دعا النبي -عليه الصلاة والسلام- على بعض القبائل، قاتل الله اليهود، والله -سبحانه وتعالى- أيضاً في كتابه لعن بعض الفرق.

((قاتل الله اليهود)) يعني لعنهم، وبعضهم يقول معنى قاتلهم: قتلهم وأهلكهم، والدعاء عليهم بالجملة لا معارضة له مع الأمر القدري؛ لأن من اليهود من أسلم، ومن القبائل التي دعا عليها النبي -عليه الصلاة والسلام- من أسلم، فالدعاء على فئة أو على قبيلة أو على طائفة استحقت هذا الدعاء لا معارضة فيه للأمر القدري، بل الإنسان يدعو لنفسه، ويدعو لولده، ويدعو لمن شاء، ويدعو على من شاء، ولا راد لقضاء الله -عز وجل-.

"((قاتل الله اليود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) متفق عليه، وزاد مسلم: ((والنصارى))" ((قاتل الله اليهود والنصارى)) قاتل الله اليهود والنصارى، اليهود لهم أنبياء وماتوا وقبروا في الأرض، لكن النصارى ليس لهم إلا نبي واحد وهو عيسى -عليه السلام- وقد رفع ولم يقبر، قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد لا إشكال فيه، لكن قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد، والنصارى ليس لهم إلا نبي واحد، ومع ذلكم ليس له قبر، هذا النبي ليس له قبر، فكيف يقول في الحديث: ((قاتل الله اليهود والنصارى)) والرواية في صحيح مسلم، هذا أشكل على الشراح، فمنهم من قال: إن أنبياء اليهود أنبياء للنصارى؛ لأنهم مأمورون بالإيمان بهم، ومنهم من قال: إن في النصارى أنبياء غير عيسى وليسوا بمرسلين كالحواريين ومريم على قول، ابن حزم يرى أن من الأنبياء ست من النسوة، مريم ماتت وقبرت، والحواريون ماتوا وقبروا فلا إشكال.

الزيادة أو الرواية اللاحقة وهي في الصحيحين ولهما: من حديث عائشة: ((كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنو على قبره مسجداً)) ((أولئك شرار الخلق)) في رواية أيضاً: ((اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم)) ((قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم)) وصالحيهم، فيكون الأنبياء بالنسبة لليهود والصالحين بالنسبة للنصارى، على كل حال هذا موجود عندهم، فهم عباد قبور، وأشباههم -مع الأسف الشديد- كثير ممن ينتسب إلى الإسلام، فالمساجد شيدت على القبور في كثير من أقطار العالم الإسلامي، ويجد الذاهب إلى تلك الأقطار من الحرج الشديد في البحث عن مسجد ليس فيه قبر، وهذه فتنة عظيمة، وليست المسألة مسألة بدعة، المسألة مسألة الشرك الآن، جاء في الحديث حديث أبي مرثد الغنوي في صحيح مسلم: ((لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها)) فالصلاة إلى القبور ممنوعة، وبعضهم يعلل ذلك بنجاسة تربتها، فيفرق بين المقبرة المنبوشة والمقبرة غير المنبوشة، المنبوشة اختلطت بدماء الموتى وصديدهم فتنجست، وغير المنبوشة لا إشكال فيها، هم نظروا إلى النجاسة الحسية، ولذا يقول بعضهم: لو فرش على أرض المقبرة فراش صحت الصلاة فيه، ولكن الأمر فوق ذلك، المنظور إليه نجاسة الشرك المعنوية، فالصلاة في المقابر لا شك أنها وسيلة إلى الشرك بهؤلاء المقبورين، والأدلة على ذلك من شواهد الأحوال كثيرة، في سائر أقطار العالم الإسلامي ينتسب إلى الإسلام أضرحة شيدت عليها المباني، ودعي أصحابها من دون الله، ولجئ إليهم في أحوال الشدائد، وطيف بها كما يطاف ببيت الله، هناك أضرحة لأناس مشهورين، وهناك أضرحة لأناس مغمورين، وهناك دعاوى لأماكن أنه قبر فيها فلان أو علان، وقد وصلت الفتنة في هذا الباب إلى أن وجد ضريح من أكبر الأضرحة، يسمونه ضريح الشعرة، ضريح الشعرة، شيد بناء كبير على شعرة، وشعرة من؟ حين يزعمون أنها من شعرات عبد القادر الجيلاني، وهذا الضريح يباع التراب والغبار كما يباع الدواء في الصيدليات بل أشد، والماء الذي يدخل تحت الضريح ويخرج من الطرف الآخر يباع كما يباع دهن العود والمسك، وهي شعرة إن صحت، لا شك أن هذه فتنة عظيمة، وجاء التشديد في هذا الباب حماية لجناب التوحيد وسداً لذرائع الشرك.

((لا تصلوا إلى القبور)) فالصلاة في المقبرة باطلة، والصلاة في المسجد الذي فيه قبر قرر أهل العلم أنها باطلة، الصلاة في المقبرة، في المقبرة خرجت بالدليل الخاص من عموم حديث الخصائص: ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) وإن قال ابن عبد البر وابن حجر وبعض أهل العلم أن الخصائص لا تقبل التخصيص، الخصائص لا تقبل التخصيص إيش معنى هذا الكلام؟ يقول: صلِ في المقبرة لماذا؟ لأن حديث الخصائص: ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) لا يقبل التخصيص لماذا؟ قالوا: لأن الخصائص تشريف لهذا النبي العظيم -عليه الصلاة والسلام-، والتخصيص تقليل لهذا التشريف، فالخصائص لا تقبل التخصيص، لكن إذا تعارض حقه -عليه الصلاة والسلام- مع حق الله -عز وجل- فما الذي يقدم؟ نعم، حق الله -عز وجل-، بلا شك، والصلاة إنما هي لله -عز وجل-، وسد الذرائع الموصلة إلى الشرك من حق الله -عز وجل-، هذا بالنسبة للصلاة.

قراءة القرآن بدعة في المقبرة، لكن لو قال قائل: إن فلاناً من الناس بقي عليه شيء من ورده، أو من أذكار الصباح والمساء وهو في المقبرة افترض أنه خرج مع جنازة بعد صلاة الصبح أو في آخر النهار وعنده أذكار الصباح والمساء التي مشتملة على الآيات، أو تسبيح أو تهليل أو مزاولة أي عبادة في المقبرة، هل يمنع من هذا أو لا يمنع؟ لا شك أنه بعيد عن وسائل الشرك، فيه شيء من البعد لأنه مربوط بسبب كصلاة الجنازة لكن الاحتياط أولى، ألا يقرئ الورد المشتمل على قرآن في المقبرة، الورد المشتمل على دعاء الأولى ألا يكون في المقبرة حماية لجناب التوحيد؛ لئلا يسمعك أحد ويقول: إن فلاناً –لاسيما إذا كان الشخص ممن يقتدى به- فلان يقرأ القرآن في المقبرة، فلان يدعو الله في المقبرة، وإن كان أصل الدعاء للميت مثلاً ما فيه إشكال، لكن يخشى أن يظن لا سيما من يقتدى به أنه يقرأ القرآن أو يدعو الله عند القبور.

الطواف على المقابر بنية التخفيف هناك أرصفة حول المقابر والمقابر باعتبار أنها لا مساكن فيها ولا فيها سيارات مناسبة للمشي والجري ومساحات ومهيأة، وقد وجد من يجري حول المقابر بنية التخفيف لا نية له غير ذلك، لكن منْع هؤلاء حماية لجنابة التوحيد أولى، يبحثون عن مكان آخر؛ لئلا يقال فيما بعد: إن الناس كانوا يطوفون على المقابر وهو لا يعرف ما في نياتهم، لكن يتناقل الناس أنهم يطوفون على المقابر مع وجود الشيخ فلان أو علان ولم ينكر، فمثل هذا يبالغ في منعه؛ لئلا ينفتح باب ولو من بُعد، مثل هؤلاء ينبغي أن يمنعوا، ويبحثوا عن مكان آخر.

أصل الحديث أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- كنيسة رأتاها في الحبشة، فيها تصاوير وهذه عادة النصارى كنائسهم مملوءة بالتصاوير للمسيح -عليه السلام- ولأمه، وللحواريين وغيرهم، فذكرتا ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((إن أولئك كان إذا مات فيهم الرجل الصالح بنو على قبره مسجداً، وصوروا تلك التصاوير، أولئك شرار الخلق عند الله تعالى)) هؤلاء هم شرار الخلق، فالكنائس مملوءة بالتصاوير، وعباداتهم مقرونة بالمخالفات من الموسيقى وغيرها، ومما يؤسف له أن أماكن عبادات المسلمين لم تنزه من هذا، لا من التصاوير ولا من الموسيقى، تجد الإنسان لا يتورع أن يدخل في المسجد ومعه جريدة مملوءة بالصور، أو يزاول التصوير في المسجد نفسه، وإن كان التصوير المزاول مختلف فيه لكنه تصوير، فمواطن العبادة عندما تشبه بمواطن العبادة عند النصارى تصاوير! وفيها أيضاً موسيقى! ناس يصلون اتجهوا بقلوبهم إلى الله -عز وجل- ثم تسمع الموسيقى من هذه الجولات! هذا أمر عظيم يا الإخوان، يعني إذا كانت الموسيقى ممنوعة في كل وقت ففي وقت العبادة أمرها أشد وأعظم، فينبغي أن يُهتم لذلك، وهذه مسئولية إمام المسجد بالدرجة الأولى، ومسئولية كل من سمع هذا المنكر، من رأى وفي حكمه من سمع منكم منكراً فليغيره بيده، فالسماع له حكم الرؤية.

المقصود أنه إذا بلغه المنكر عليه أن ينكر، ولو قيد الإنكار بالرؤية لقلنا: الأعمى ما عليه أمر ولا نهي، فإذا سمع مثل هذه الأصوات المزعجة المحرمة وللجنة الدائمة فتوى في تحريم الموسيقى بما في ذلك ما في الجوالات، المقصود أن المنع من اتخاذ القبور مساجد من باب سد الذريعة والبعد عن التشبه بعبدة الأوثان، فالأمر فيها شديد ينبغي أن يحتاط لهذا الأمر أشد الحيطة، وإذا كان لمن يتعلق بالأولياء نوع شبهة بقصد تبرك وإجابة دعوة هذا الولي لكن هي ليست بشبهة مقبولة، لكن الشيطان لبس بها على كثير من الناس، استطاع الشيطان أن يلبس على مثل هؤلاء، ولبس على آخرين بأن شيدوا الأبنية على قبور الأولياء الشياطين، في تاريخ سيناء -تاريخ مطبوع- صورة لمقبرة فيها من يسمون بالأولياء اللي هم العباد، وفي الصورة لأولياء الشياطين كيف أولياء؟ نعم هم أولياء للشياطين لكن يستحقون أن يصرف لهم شيء؟ يعني إذا كانت الشبهة الشيطانية مشت على كثير من المسلمين بالنسبة للأولياء الصالحين فكيف ينطلي على من له أدنى مسكة من عقل أن يتقرب إلى الله بعبادة هؤلاء أولياء الشياطين، هي فتنة والشرك أمره عظيم، فإذا كان الشرك الأصغر لا يغفر عند جمع من أهل العلم فهو داخل في قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء] بما في ذلك الشرك الأصغر لا يغفر عند جمع من أهل العلم، لكنه لا يخلد كصاحب الشرك الأكبر، فأمر الشرك عظيم.

يبقى مسألة هؤلاء الذين يتقربون إلى الله -جل وعلا- ويجعلون هناك وسائط من المقبورين ما حكمهم؟ ما وضعهم؟ هل يعذرون أو لا يعذرون؟ الأئمة -أئمة هذه الدعوة السلفية المباركة- بحثوا هذه المسائل، وأفاضوا في بحثها، من أراد ذلك فليراجع الدرر السنية في الأجوبة النجدية.

يقول: "ولهما من حديث عائشة: ((كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنو على قبره مسجداً))" وفيه: ((أولئك شرار الخلق)) ((أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة)) هؤلاء هم شرار الخلق، ولا شك أن المشرك بلغ الغاية في الشر، بلغ الغاية في الشر، والمنافق تحته في النار -نسأل الله العافية- في الدرك الأسفل من النار، فالكل شرار الخلق، والشرار فيهم الشرير وفيهم الأشر، ومراتبهم ومنازلهم متفاوتة، لكن يجمعهم أن الله -جل وعلا- لا يغفر لهم إذا ماتوا على شركهم {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء] وبحث مسائل القبور وما يتعلق بها مستوفى في شروح كتاب التوحيد للإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-، وفي شروح كتب السنة.

البيضاوي له كلام حول الحديث، وتوجيه غير وجيه ولا مقبول، فيقول البيضاوي: "لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور أنبيائهم تعظيماً لشأنهم، ويجعلونها قبلة يتوجهون في الصلاة نحوها اتخذوها أوثاناً، لما كان أمرهم كذلك لعنهم ومنع المسلمين من ذلك.." ثم قال: "وأما من اتخذ مسجداً في جوار صالح، وقصد التبرك بالقرب منه لا لتعظيم له، ولا لتوجه نحوه فلا يدخل في ذلك الوعيد" الحديث عام، يشمل هذا وهذا، نعم عبادة الشخص المباشرة، وسؤاله الحاجات من دون الله -عز وجل- وهو في قبره شرك أكبر، لكن من قال: إن هذا المكان يعني لبس عليه الشيطان أن هذا المكان فيه هذا العبد الصالح، ودعا الله -جل وعلا- عند هذا القبر، أو قرأ القرآن عند هذا القبر، والمدعو والمتوجه إليه هو الله -عز وجل- أخف، لكن يبقى أن هذا أمره عظيم أيضاً؛ لأنه ذريعة للشرك، ذلك هو الشرك، وهذا وسيلة وذريعة إلى الشرك.

المسائل المتعلقة بالباب كثيرة، لكن شروح التوحيد كفيلة في بحث هذه المسائل بالتفصيل، نعم.

"وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- خيلاً, فجاءت برجل, فربطوه بسارية من سواري المسجد" الحديث متفق عليه".

بعض المؤرخين ممن عرفوا بسلامة المعتقد، عرفوا بسلامة المعتقد، إذا ترجموا لأحد من العلماء قالوا: إنه قبره في مكان كذا، وأن مشهده يزار، حتى قال بعضهم: إن قبره ترياق، لا شك أن هذا تجاوز، والمؤرخ وإن كان يكتب في التاريخ، والأديب وإن كان يكتب في الأدب، واللغوي وإن كان يكتب في اللغة والنحو والصرف وغيرها، الكل محكوم بأوامر ونواهي إلهية، ولا فصل بين العلوم، أحياناً ابن رجب في ذيل الطبقات يذكر بعض هذه الأمور، الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية يذكر بعض هذا وغيرهم، كأنهم يرون الفصل بين هذه العلوم،، شخص معروف بالعلم والعمل عالم من علماء المسلمين وقاضي ومفتي وعامل -ولا يلزم ذكر اسمه- يؤلف في المجون، لكنه يقول في مقدمته -وأي مجون؟ مجون من أبشع أنواعه وصوره- يكتب في المقدمة: إنه قد ينتقد بعض الناس أن يصدر مثل هذا الكلام من عالم مفتٍ قاضٍ كذا، لكن هؤلاء لا يدرون أن الأدب شيء والعلم شيء، ونحن نقول: أنت مكلف، لا يرتفع عنك قلم التكليف، سواءً كتبت في الأدب أو كتبت في الفقه أو في الحديث أو في التفسير أو غيره من العلوم، فأنت مكلف، قلم التكليف يجري عليك في كل وقت، وفي كل ظرف، أنت مؤاخذ ومحاسب لما تقول، يعني إذا كان هذا من أهل العلم فما بالكم بمن كان جهده كله منصب للأدب ولا عرف بعلم ولا بعمل، بل عرف بالفسق، وعرف بنعيه على من يغفل جانب المجون، حينما كتب مقدمة لزهر الآداب وزهر الآداب من أفضل كتب الأدب وأصفاها كتب يعتب عليه يقول: إنه أغفل جانب مهم من جوانب الأدب وهو المجون، في كلام قبيح، يقول: "إن الحياة تفقد حيويتها حينما تكون هدىً خالصاً" على كل حال مثل هذا ما نشرح عليه لكن عالم قاضٍ مفتٍ معروف بالعمل، معروف بكلماته الوعظية المؤثرة، بقصائده، ويكتب مثل هذا الكتاب، لا شك أن هذه زلة، زلة.

ويكتب آخر كتاباً في جانب من أقبح جوانب الأدب ويؤدي دور القنوات إلا أنه مقروء، ويقول: إنه ألف هذا لم يستعمله على الوجه الشرعي يعني مع زوجته، لا لمن يستعمله في الحرام، إسفاف في القول، المقصود أن الإنسان إذا كتب عليه أن يتقي الله -جل وعلا- فيما يكتب، هل هذه الكتابة تنفعه يوم القيامة أو لا تنفعه؟ فضلاً عن كونها تضر.

ونحن نقول: إن المؤرخين لا يبرءون من العهدة إذا فصلوا بين التاريخ والعلم، فإذا مروا بقبر يزار أو مشهد يدعى عنده أو يستشفى بترابه لا بد أن يبينوا، والعتب على مثل الحافظ ابن كثير والذهبي، ابن رجب، مثل هؤلاء أئمة في التحقيق، الشيء الموجود عندهم يسير، لكن عند غيرهم كثير، إذا فات هذا على صاحب الكتاب فلن تبرأ عهدة المحقق، فمثل هذا لا بد أن ينبه عليه، قبر فلان ترياق إيش معنى ترياق؟ يعني علاج يستشفى به، هذا إقرار لهذا العمل الخبيث.

الحديث حديث "أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- خيلاً فجاءت برجل" هو ثمامة بن أثال، ثمامة بن أثال، وقصته في الصحيحين، "فجاءت برجل فربطوه بسارية المسجد" ربطوه، وهذا من فعل الصحابة، لكنه بإقرار النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يمر به ثلاثة أيام، فأقرهم على ربطه في المسجد، وفي ذلك دليل على جواز ربط الأسير، الأسير يربط، ولا يقال: إن مثل هذا يخالف القوانين والأعراف الدولية، لا، الأسير يربط، وأيضاً يربط في المسجد، وفي هذا دليل على جواز دخول الكافر المسجد لكنه للحاجة، وليست لحاجته هو، إذا احتيج إلى ربطه في المسجد يربط في المسجد، على أنه لا يجوز له أن يدخل المسجد الحرام بحال {فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [(28) سورة التوبة] لا شك أن المسجد الهدف من بنائه لذكر الله -عز وجل- وطاعته، وأعمال البر والإحسان، لكن إذا احتيج إلى ربطه في المسجد لعدم وجود مكان ملائم من سجن أو غيره فإنه لهذه الحاجة يربط في المسجد، إذا كان الكافر له حاجة في المسجد الحاجة ليست للإسلام، المصلحة للإسلام والمسلمين هل يمكن من الدخول في المسجد؟ الآن تجدون كثير من قائدي السيارات عند الأسر إذا ذهبوا لإحضار الأولاد في الظهر بدلاً من أن ينتظروا -لا سيما إذا كان المسجد بجوار مدرسة- يدخلون المسجد ويجلسون، هل يمكن من هذا أو لا يمكن؟ {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [(28) سورة التوبة] والنص في المسجد الحرام {فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [(28) سورة التوبة] فهل يمكن النجس من اتصف بهذا الوصف..، دخول المسجد الحرام في النص قطعي لأنه منصوص عليه، لكن هل يمكن مع اتصافه بهذا الوصف -نجس- أن يدخل مواطن العبادات؟ الوصف يمنعه من دخول المساجد {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [(28) سورة التوبة] لكن الحاجة كما في حديث ثمامة هو مشرك ربط في المسجد، فإذا وجد مثل هذه الحاجة للمصلحة العامة، لمصلحة الدين وأهله لا بأس، لكن لمصلحته الخاصة، وهل الكلام موجه إليه أو إلى المسلمين من أجل منعه؟ شخص كافر له دين على مسلم والمسلم في المسجد وهذا المسلم بقاؤه في المسجد من أجل أن ينصرف الدائن، هل يقال له: ادخل لتقاضي خصمك أو نقول: انتظر حتى يخرج؟ الأصل أنه نجس والنجس لا يقرب أماكن العبادات.

لكن الحديث يدل على أنه إذا كان هناك حاجة للمصلحة العامة لا مانع حينئذٍ، لو قبل أن يعلن إسلامه أراد شخصاً يشهر إسلامه على يديه وقيل: الشيخ فلان هذا جالس في المسجد لا مانع من أن يدخل، هذه مصلحة راجحة، ويقاس على هذا ما في معناه، كثير من الشركات عندهم عمال كفار في مسجد يحتاج إلى ترميم وصيانة هل يقال: هذه مصلحة يدخل الكافر يرمم المسجد أو يشغل بعض الآلات الدقيقة التي لا يستطيع المسلم تشغيلها؟ هذه مصلحة لكن شريطة ألا يوجد مسلم يقوم مقام هذا الكافر، والأمور تقدر بقدرها.

الحديث الذي يليه:

"وعنه -رضي الله تعالى عنه- أن عمر مر بحسان ينشد في المسجد فلحظ إليه, فقال: "قد كنت أنشد وفيه من هو خير منك" متفق عليه".

"عنه" أي عن أبي هريرة راوي الحديث السابق "أن عمر -رضي الله عنه- مر بحسان" وعمر عرفت شدته في الحق وغيرته على الدين "مر بحسان وهو ينشد في المسجد" يعني حال كونه ينشد في المسجد "فلحظ إليه" نظر إليه نظر إنكار، فهم حسان -رضي الله عنه وأرضاه- "فقال: كنت أنشد -فيه- وفيه من هو خير منك" يعني النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالشعر يجوز إنشاده في المسجد لفعل حسان بإقرار النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجاء النهي عن تناشد الأشعار في المسجد عند أبي داود والنسائي وغيرهما، وهو حديث مقبول، يصل إلى درجة الحسن، لكنه محمول على الأشعار التي في ألفاظها ما فيه مما يقتضي المنع، أما الأشعار النافعة أو المباحة الألفاظ هذا لا بأس بها، يعني إذا كان المتن الذي يدرس في المسجد شعر، أراد شخص أن يشرح كتاب في علم من العلوم وهو نظم، في أي علم من العلوم هل نقول: نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن تناشد الأشعار؟ أو نقول: كنت أنشد فيه وفيه من هو خير منك؟

فحديث أبي هريرة في قصة عمر مع حسان دليل على جواز إنشاد الشعر المباح في المسجد، المباح فضلاً عن أن يكون نافعاً متضمن لعلم من العلوم، شخص يبي يدرس نونية ابن القيم نقول: لا يا أخي هذا شعر، هذا شعر وقد نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن تناشد الأشعار؟ نقول: لا، كان حسان ينشد بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا ينكر عليه.

لكن المعلقات مثلاً وفيها الفخر، وفيها وصف الخمر، وفيها أشياء ممنوعة، نقول: نهى عن تناشد الأشعار، وإن كانت من الناحية اللغوية فيها شيء من الفائدة، لكن الفائدة التي فيها مغمورة بالنسبة لما تشتمل عليه فنقول: فائدتها تستفاد خارج المسجد، قد يقول قائل نونية ابن القيم فيها بعض ما يلاحظ في مقدمتها ومطلعها تشبيب كعادة الشعراء، نقول: هذا شيء مغمور، تدرس نونية ابن القيم بلا إشكال في المسجد، غيرها من المنظومات العلمية، منظومة ابن عبد القوي في الفقه أو في الآداب كل هذه منظومات نافعة، في اللغة العربية، في النحو، في الصرف، في الفرائض، المقصود أن الشعر كلام..، كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح، فما كان منه من نوع الحسن لا مانع من تناشده بالمسجد.

بعض أهل العلم يبطل الخطبة، خطبة الجمعة إذا اشتملت على شيء من الشعر، والجمهور على جواز ذلك إذا كان فيه مصلحة من هذا الباب أن الشعر كلام، ولم يرد فيه نص بعينه فهو كلام، لكن الخطبة لا تتأدى بالشعر، يعني لو كانت كلها منظومة، مشتملة على المواعظ، ومضمنة للأبيات والأحاديث لا تجزئ خطبة؛ لأن الخطابة فن يختلف عن فن الشعر، نعم.

"وعنه -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك, فإن المساجد لم تبن لهذا)) رواه مسلم".

نعم، هذا الحديث "وعنه" يعني عن أبي هريرة كسابقه، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد)) ينشد: يعني يرفع صوته بالسؤال عما فقده، وضل عنه، وسواءً كان هذا المفقود في المسجد أو خارج المسجد، المقصود أنه لا ينشد ولا يبحث عن الضوال في المسجد، فإذا سمع مثل هذا مثلاً يقول: من رأى ساعة ضاعت فيه؟ فليقل: لا ردها الله عليك, من رأى البوك وفيه النقود والإثبات وغيره لا ردها الله عليك، اخرج خارج المسجد وأنشد كما شئت، لكن لو وجد حلقة الدرس وجاء الطلاب لكتبهم ليحجزوا الأماكن وهم في المسجد يؤدون الصلاة في جهة من المسجد والدرس في جهة، وبعد أن صلوا جاء واحداً منهم ما وجد كتابه في مكانه، فقال لزميله: أين كتابي؟ هل يقول: لا رده الله عليك؟ يتصور هذا، هذا ما هو بمتصور؟ الكتب في الأرض حتى تنتهي الصلاة يأتون كل واحد إلى مكانه الذي حجزه، واحد ما وجد كتابه يسأل زميله أين كتابي؟ هل يقول: لا رده الله عليك؟ أصل مادة الإنشاد مصحوبة برفع صوت، هو طلب مع رفع الصوت، فلو قال لزميله: أين كتابي؟ ماذا يقول زميله؟ بماذا يرد عليه زميله؟ لأن عندنا: ((فليقل)) هذا أمر، نعم؟

طالب:......

ماذا يقول؟ هو يبحث عن كتابه، وكتابه قد ضل حكماً فهو ضالة، وسؤاله عنه طلب إلا أنه بصوت منخفض نعم، نعم يا..؟

طالب:......

نعم، هذا من وسائل الآخرة، يعني يختلف عن أمور الدنيا، نعم؟

طالب:......

هو إذا كان المنظور لقيمته العلمية، هذا كتاب نفيس وعليه تعليقات لا توجد في غيره من قبل صاحبه، أما إذا كان مجرد كتاب يذهب إلى المكتبة ويشتري غيره فهو من أمور الدنيا ما يختلف، يكون سهل يعني؛ لأن الملحوظ ثمنه، أما إذا كان عليه تعليقات من الطالب نقلاً عن شيخه، هذا المسئول عنه العلم ليس الكتاب.

على كل حال إذا خلا ذلك عن رفع الصوت، وكان الهدف الدين والدنيا لم ينظر إليها بوجه من الوجوه فالأمر أخف.

وفي الحديث دليل على تحريم السؤال عن الضالة في المسجد سواءً كانت من الحيوان أو غيره من المتاع، من النقود أو غيره، إذا كان المحفوظ فيه أمر الدنيا، طيب، مثلنا بكتاب لو جاء واحد يبي يحجز مكان في الدرس قريب من الشيخ وضع الشماغ، أو بكر إلى الجمعة والصف الأول ما فيه ما يريح الجالس وضع شماغه في الصف الأول وإلا عصاه وتأخر ليسند ظهره لحاجته إلى ذلك، إن تقدم مع إقامة الصلاة قال: وين شماغي؟ وين عصاي؟ نقول: لا ردها الله عليك؟ نعم يا الإخوان؟ نعم؟

طالب:......

ما لقاه، ما لقاه ضال، إذا لم يجدها فهي ضالة، إذا لم يجدها فهي ضالة، نعم، قلنا: الكتاب لا سيما إذا كان معتنىً به ولا نظير له في السوق من أمور الآخرة، ماشي، لكن من حجز مكان بشماغ أو بعصا في ظرف يسوغ له فيه الحجز وإلا فأصل الحجز ممنوع، من تقدم إلى مباح، من سبق إلى مباح فهو أحق به، والحجز في المساجد أمره ليس بالسهل، لا سيما في الأماكن التي يستوي فيها الحاضر والباد {الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [(25) سورة الحـج] الملازم للمكان، والباد الذي يأتي ليصلي فرض ويرجع، فليس أحد بأولى من أحد، بل هو لمن سبق، نعم إذا كان الشخص داخل المسجد فقد تقدم ويستحق المكان المتقدم لتقدمه في الحضور، سبق إلى هذا المكان وكونه انتقل إلى مكان يريحه داخل المكان له الأحقية؛ لأنه قريب من مكانه، أما شخص يضع عصاه من صلاة الصبح إلى الجمعة، أو يبعث ولده أو خادمه يحجز له مكان، لا، تعدي؛ لأن من يحضر قبله أولى منه بهذا المكان، فإذا فقد العصا أو الشماغ هل له أن يسأل عنه؟ قد عرفنا أن نشدان الضالة النشيد لا بد فيه من رفع الصوت، النشيد والإنشاد والنشدان كلها مع رفع الصوت، يعني لو همس في أذن جاره قال: يا أخي ما شفت الشماغ؟ وين الشماغ؟ نعم يكون بحث عن أمر دنيا وإلا..؟ أو نقول: قصده في بحثه هذا الصلاة في الصف الأول وهذه قربة، الأمور بمقاصدها، إذا كان يسأل عن العصا لذات العصا شيء، إذا كان يسأل عن العصا باعتباره يمكنه من الصلاة في الصف الأول هذا شيء آخر، هذا أمر من أمور الآخرة، على أنه إذا سأل سؤال خفيف همس في أذن جاره لا يسمى إنشاد، بعضهم نظر إلى معنى الإنشاد وهو رفع الصوت، فمنع تعليم الصبيان القرآن في المسجد، قال: لأنهم يرفعون أصواتهم في المسجد، يرفعون أصواتهم في المسجد، أيضاً المعلم يحتاج له رفع صوت، يُمنع العلم؟ المنع لا وجه له؛ لأن حديث: ((جنبوا صبيانكم ومجانينكم ورفع أصواتكم المساجد)) هذا حديث ضعيف جداً، نعم على داخل المسجد أن يتأدب فإذا كان في طريقه إلى المسجد عليه أن يمشي بالسكينة والوقار، ولا يسعى إلى الصلاة إنما عليه أن يمشي وعليه السكينة، فإذا دخل المسجد من باب أولى، لكن الصوت إذا احتيج إليه في تعليم علم، أو تحفيظ قرآن، أو خطبة جمعة، ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يرفع صوته، يحمر وجهه -عليه الصلاة والسلام- حتى كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم، فرفع الصوت بالعلم لا بأس به، وإذا كان للعلم وطُلب له رفع الصوت للحاجة إليه استوى في ذلك المسجد وخارج المسجد، نعم.

 

"وعنه -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك)) رواه النسائي والترمذي وحسنه".

إذا قلنا: نِسائي نسبة إلى إيش؟ إلى النساء، وإذا قلنا: نَسائي نسبة إلى بلدة، بلده يقال له: نَسا، وهو من نَسا، وإذا قلنا: نِسائي وقد عرف الإمام بذلك، الإمام النسائي -رحمة الله عليه- عرف بكثرة علاقته بالنساء، المقصود أن في ترجمته ما يدل على ذلك، وهو إمام على كل حال، والنسبة إلى البلد، النسبة إلى البلد فهو مفتوح النون.

"وعنه" أي أبي هريرة، تلاحظون وعنه وعنه وعنه بالنسبة لأبي هريرة ما لا نظير له عند غيره من الصحابة لأنه حافظ الأمة، حافظ الأمة، ولذا أعداء الإسلام إذا أرادوا أن ينتقدوا الدين بأسلوب غير مباشر، أو أرادوا أن يهدموا الدين بأسلوب غير مباشر طعنوا في أبي هريرة؛ لأنه يحمل نصف الدين، والعدو يعرف كيف يطعن؛ لأنه إذا طعن في الدين مباشرة لا تنطلي شبهته على السذج وأهل الغفلة، لكن إذا غلف هذا الطعن مشى على بعض الناس، تلاحظون وعنه وعنه كم حديث مر علينا وعنه؟ لا يوجد لغيره من الصحابة مثل هذه المزية، وقد دعا له النبي -عليه الصلاة والسلام- وبسط رداءه وما نسي، فهو أحفظ الصحابة على الإطلاق.

"وعنه -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا رأيتم من يبيع))" يبيع سلعة في المسجد ((أو يبتاع)) أو يبتاع: يعني يشتري ((في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك)) هذا الحديث مخرج في السنن، سنن الترمذي، وهو في عمل اليوم والليلة للنسائي، ومصحح من قبل جمع من أهل العلم، وهذا يدل على منع البيع والشراء في المسجد، منع البيع والشراء في المسجد؛ لأن المساجد ما بنيت لهذا، الدعاء عليه بأن الله -سبحانه وتعالى- لا يربح تجارته كالدعاء على من ينشد ضالة: ((لا ردها الله عليك)) هذا من باب التعزير له؛ لأنه ارتكب أمراً محرماً فيستحق هذا الدعاء، فيستحق هذا الدعاء، لا أربح الله تجارتك، فدل على تحريم البيع والشراء في المسجد.

المفاوضة في المسجد وإبرام العقد خارج المسجد، البيع إنما يطلق ويراد به الإيجاب والقبول لا مقدماته، إذا كانت مقدمات البيع تستغرق وقتاً طويلاً جلسوا بعد صلاة العصر أنا عندي لك كذا، أنا عندي لك سيارة، أنا عندي لك بيت، هذا وصفه سين كذا، إلى أن بقي إبرام العقد وهو الإيجاب والقبول خرجوا من المسجد، هل نقول: إن هذه وسائل والوسائل لها أحكام المقاصد فيمنع حتى هذا؟ أو نقول: إن هذه لا يسمى بيع، هذه مفاوضة؟ هذه لا تسمى بيع والخبر جاء فيمن يبيع أو يبتاع؟ يعني لو قال طالب لزميله: ما شاء الله من أين أحضرت هذه النسخة؟ قال: عندي لك نسخة، عندي لك مثلها، لكن إذا انتهى الدرس وخرجنا من المسجد، هذه وسيلة للبيع، لكن هذه تختلف عن المفاوضة بكم؟ وكم تنزل؟ بنسبة كم؟ هذه تختلف.

وعلى كل حال المسجد لم يبنَ لهذا، لو حصل البيع عندي لك نسخة بمائة ريال، قال: أديك تسعين، يقول: لا، لا بخمسة وتسعين، ويتفقون ويدفع القيمة ويأخذ الكتاب، ارتكب كل منهما أمراً محرماً، واستحقا الدعاء عليهما، لكن هل يصح البيع أو لا يصح؟ يعني انعقد البيع أو لا ينعقد؟ ينعقد وإلا ما ينعقد؟ هاه؟

طالب:......

مع وجود النهي؟

طالب:......

نعم؟

طالب:......

البيع باطل؟ الإثم ما فيه خلاف، الإثم ارتكب كل منهما أمراً محرماً فلا إشكال فيه، كل منهما آثم ومستحق لهذا الدعاء، لكن هل ينفذ البيع أو لا ينفذ؟ ينعقد وإلا ما ينعقد؟ نعم؟

طالب:......

مطلقاً، كل نهي يقتضي الفساد؟ متى يقتضي النهي الفساد؟ نعم؟

طالب:......

إيه إذا عاد إلى ذات المنهي عنه أو إلى شرطه، نعم، وهل هناك..، هل هنا النهي يعود إلى ذات العقد أو إلى شرطه؟ أو إلى أمر خارج عن ذاته وشرطه؟ أمر خارج، إلى أمر خارج، فالبيع ينعقد حتى قال الماوردي: "اتفاقاً"، ينعقد اتفاقاً، وهذه قاعدة أهل العلم فيما إذا كان النهي يعود إلى ذات المنهي عنه أو إلى شرطه فإنه يبطل مع الإثم، أما إذا عاد إلى أمر خارج فالإثم مع انعقاد العقد والبيع.

الظاهرية عندهم أن كل نهي يقتضي الفساد، كل نهي يقتضي الفساد، ولو كان لا يعود إلى ذات المنهي عنه ولا إلى شرطه لو مع انفكاك الجهة، يعني من صلى وفي يده خاتم ذهب، أو على رأسه عمامة حرير صلاته صحيحة عند الجمهور، وباطلة عند الظاهرية؛ لأن صلاته اشتملت على قربة ومعصية في آن واحد، قربة ومعصية في آن واحد، وعرفنا أن الجمهور أنه ينعقد، ونقل الماوردي الاتفاق على أنه ينعقد، يعني مثله البيع بعد النداء الثاني يوم الجمعة، مثله البيع على البيع والشراء على الشراء، الخطبة على الخطبة، النهي كله لأمر خارج عن المنهي عنه فالتحريم ثابت.

 

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. 

هنا يقول: قد يأتي في....... لعله التفسير، لأنه قدم السين على الفاء، بيان كلمة أو لفظة فيستشهد بها، وقد يكون هذا البيت المستشهد به غزل أو هجاء كالبيت الذي يذكر عند تعريف الكتاب: لا تأمنن فزارياً خلوت به...

...البيت، وغير ذلك، الأبيات كثيرة من هذا النوع، فهل يكرم المسجد عن مثل هذه الأبيات؟ يكرم المسجد عن هذه الأبيات؟ أو يقال: هذا لبيان العلم وما كان في بيان العلم فهو علم ويتجاوز فيه؟ وإن أمكن الدلالة عليه من غير تصريح فقيل: يدل على ذلك البيت في هجاء بني فزارة، والطالب يبحث عنه بطريقته، أو يسأل عنه في مكان آخر فهو أكمل، أكمل وإلا فكتب أهل العلم مشحونة بمثل هذه الأبيات، فالشعر ديوان العرب، الشعر ديوان العرب، يفسرون به كتاب الله، و يشرحون به الأحاديث، فلا بد من مرور مثل هذه الأبيات في العلوم كلها.

يقول: ما قولكم فيمن ينشد ضالته في مصلى العيد وغيره من المصليات؟ وهل هناك فرق بين المصلى والمسجد من حيث عدد الصلوات؟ وهل حكمها واحد أم أن المصلى يخرج من بعض الأحكام المساجد من تحريم وغيره؟

المصلى -مصلى العيد- إذا عرفت حدوده، وسمي بهذا المسجد فإنه مسجد، ولذا جاء في الحديث في الصحيحين وغيرهما في أمر النساء بالخروج إلى صلاة العيد وفيه ((وليعتزل الحيض المصلى)) دل على أنه مسجد، كونه لا يصلى فيه إلا مرة أو مرتين في العام لا يخرجه عن كونه مسجد، فمسجد نمرة كم يصلى فيه في العام؟ مرة واحدة، وهو إجماع مسجد، فلا عبرة بإقامة جميع الصلوات إنما يصلى به عند الحاجة، وحدوده معروفة ومعالمه ظاهرة مسجد، لكن إذا كانت صحراء ليست لها حدود المسجد ولا معالمه كمصلى الجنائز مثلاً هذا لا بأس به، هذا ليس بمسجد، يختلف.

يقول: إذا حدد درس في طلب العلم بمبلغ من المال هل يعد ذلك من التجارة والاستئجار والبيع؟

نعم إذا كان التحديد..، جئت إلى شخص في المسجد وقلت له: أقرأ عليك هذا الكتاب بكم؟ فقال: مائة ريال، بألف ريال، هذا له حكم البيع، لكن إذا عرفت من حال هذا الرجل أنه يأخذ الأجر على التعليم وعلى التحديث وقبلت وأقدمت وأعطيته الأجرة هذا ليس بعقد، ليس بعقد، ولو كان السداد والوفاء بالمسجد.

ما حكم البيع داخل حدود المسجد؟

يعني داخل أسوار المسجد هذا هو البيع في المسجد.

يقول: إذا قام أحد المصلين بدفع نقود لآخر وهو قضاء دين يوم الجمعة في المسجد والإمام يخطب فكيف يكون إنكار ذلك مع أن الإمام لم ينتبه لذلك؟

لا ينكر عليه، لا ينكر عليه إلا بعد الصلاة، هو من فعل ذلك فقد لغى؛ لأنه أشد من مس الحصى، وللإمام أن ينكر، أما من عداه فعليه أن يسكت.

يقول: ما حكم رفع الصوت بطلب المال بعد الصلوات في المسجد؟

إيش طلب المال يعني سؤال الناس؟ يقوم رجل محتاج ويبين حاجته للناس بعد الصلاة.
وهل يقاطع كلامه وينهى عن الطلب أم يترك حتى نهاية كلامه؟
إذا منع الإنسان من طلب ماله الذي فقده فلأن يمنع من طلب ما ليس له من باب أولى، لكن نحن بين أمور: منها: أن هذا الشخص يطلب دنيا، وإن كان السؤال مباح بالنسبة له لحاجته، ومنها: أنه يقاطع المصلين وينازعهم في أذكارهم، إذا قام بعد الصلاة مباشرة ويشوش عليهم، وعندنا أيضاً ما جاء في نهر السائل {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} [(10) سورة الضحى] فنحن بين هذه الأمور على من يسمعه لا سيما إمام المسجد أن يسدد ويقارب، بمعنى أنه يرعى لهذا الشخص الذي نهينا عن نهره، يرعى له حقه، ويوجه التوجيه الحسن المقبول، وعلى السائل أيضاً ألا يقاطع الناس أذكارهم، بل يجلس في مكان يعرف فيه أنه محتاج، فعلى الجميع مسئولية، مسئولية الإمام وهي التوجيه، توجيه الناس إلى ما ينفعهم ولا يضر غيرهم، وعلى هذا السائل أيضاً أن يتأدب بالأدب الشرعي، فالإمام بأسلوبه وطريقته التي يرعى بها حرمة هذا الرجل الذي على الجميع احترامه، وعلى الجميع رفع ما به من ضر وحاجة، نعم فهو مأذون له في أن يسأل لحاجته، ومفروض على الغني الزكاة في أن يعطي هذا وأمثاله، لكن بما لا يعارض مصالح الآخرين، ولا شك أن تمام الأذكار المتعلقة بالصلاة من مصلحة المصلي، فعلى الإمام أن يسدد ويقارب يصرفه بأسلوب مناسب، وبطريقة حسنة، يلاحظ شعوره ومسكنته وحاجته، ولا ينهره، ولا يوبخه، ولا يكون الأسلوب أسلوب متضمن لاستهزاء أو سخرية أو نهر ورفع صوت عليه؛ لأن هذا الشخص الذي يتعرض لهذا المسكين لا يدري عله في يوم من الأيام أن يقف نفس الموقف، فعلينا جميعاً التسديد والمقاربة.

من وضع ورقة داخل المسجد مكتوب فيها النشد عن ضالة فهل يدخل...؟

يعني يكتب ورقة إعلان يبحث عن ضالته الحكم قريب من ذلك، الحكم واحد، وإن كان الأصل في نشدان الضالة رفع الصوت فهذا مثله، يبقى أنه إذا وجد الإمام ضالة في المسجد هل يعلن عنها أنه وجد كذا وكذا في المسجد؟ يعني هل المنع لصاحب الضالة أن يبحث عنها في المسجد أو المنع يشمل من وجد الضالة أن يسأل عن صاحبها؟ من وجد الضالة وسأل عن صاحبها هذا محسن، هذا محسن، لكن لو كان الإعلان خارج المسجد كان أحوط وأفضل.