شرح جوامع الأخبار (10)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

سم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على محمدٍ وآله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان، وصدق اتباعٍ إلى يوم الدين، أما بعد:

فيقول العلامة المؤلف الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي -عليه رحمة الله-، وغفر له، ولنا، ولشيخنا أجمعين.

الحديث السابع والثمانون: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏‏(({‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏}‏ تعدل ثلث القرآن))‏ [رواه مسلم].

نعم هذا الحديث العظيم الذي فيه أن سورة الإخلاص على قصرها تعدل ثلث القرآن، ولا شك أن هذا من فضل الله -جل وعلا-، ورحمته بعباده، ثلث القرآن كم تستغرق من الوقت؟ لو قرأ الواحد قل هو الله أحد عشر مرات، أو أكثر، أو مائة، ما تأخذ وقت، ومع ذلكم قراءتها مرة واحدة تعدل ثلث القرآن، والتمس أهل العلم لهذا التعديل وجه، فرأوا من ذلكم شيخ الإسلام ابن تيمية، وله مصنف في هذه المسألة، جواب أهل العلم والإيمان فيما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بأن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن، مصنف نفيس، وله أيضاً تفسير سورة الإخلاص؛ لكن التعديل يرى جمع من أهل العلم أن القرآن مشتمل على أحكام، ومشتمل على قصص، ومشتمل على عقائد تتعلق بالله -جل وعلا-، وهذا هو أعظمها، وهو الذي اشتملت عليه هذه الآية، فما يتعلق بتوحيد الله -جل وعلا-، وإثبات ما يجب إثباته له، وإفراده بالوحدانية فهو الأحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، هذه تضمنته هذه السورة، وتضمن قسم آخر من القرآن الأحكام الشرعية الظاهرة والباطنة، وقسم ثالث اشتمل على القصص والأخبار التي ذكرت للعظة والاعتبار {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ} [(111) سورة يوسف] ما كان حديثاً يفترى، ما هو مجرد قصص وتسلية، لا، للعبرة والاعتبار، قد مضى القوم كما قال عمر -رضي الله عنه-: مضى القوم ولم يرد به سوانا، فعلينا أن نعتبر بما قصه الله -جل وعلا- في كتابه، وعلينا أن نعمل بما جاء في الكتاب من الأوامر والنواهي، وعلينا أن نعتقد ما تضمنه هذا الكتاب العظيم من عقائد فيما يتعلق بالله -جل وعلا- بأسمائه وصفاته وتنزيهه ومماثلة المخلوقين له.

الحديث الثامن والثمانون: عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:‏ ‏((‏لا حسد إلا في اثنتين‏:‏ رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق‏،‏ ورجل آتاه الله الحكمة، فهو يقضي بها، ويعلمها‏))‏ [متفق عليه‏].‏

((لا حسد إلا في اثنتين)) جاءت النصوص الشرعية في الكتاب والسنة في ذم الحسد، وجاء ما يدل على أنه يأكل الحسنات، وأنه داء من أدواء القلب، ويحتاج إلى علاج، وأن القلب السليم المنجي النافع بريء من الحسد، وهنا النبي -عليه الصلاة والسلام- أثبت الحسد في مسألتين: ((لا حسد إلا في اثنتين)) الحسد إن كان الحاسد يتمنى زوال النعمة عن المحسود، فهذا هو المذموم، وإن كان الحاسد لا يتمنى زوال النعمة عن المحسود، بل يتمنى لنفسه نظير هذه النعمة فهذه هي الغبطة المحمودة الواردة في هذا الحديث، ((لا حسد)) يعني لا غبطة بأن يتمنى الإنسان أن يكون له مثل ما لفلان، ((لا حسد إلا في اثنتين، رجل آتاه الله مالاً فسلطته على هلكته في الحق)) يعني يدور مع الحق حيثما دار من غير إسرافٍ ولا تقتير، يعطي فلاناً ويعطي فلاناً المحتاج، ويعطي.. ينفقه في سبيل الله، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كما في الحديث: ((ما يسرني أن لي مثل أحدٍ ذهباً تأتي عليّ ثالثة وعندي منه دينار، إلا ديناراً أرصده لدين، أقول به هكذا وهكذا وهكذا)) عن يمينه وشماله ويساره وأمامه ومن خلفه، هذه فائدة المال، أما المال يكنز ويدخر في البيوت ويراقب زاد وإلا نقص، هذا وبال على صاحبه، ما فائدة المال الذي إذا زاد شيئاً يسيراً احتاج صاحبه إلى علاج، إذا نقص شيئاً يسيراً احتاج إلى علاج، يراقب الشاشات زاد الضغط يحتاج إلى حبة هذه للضغط، نزل يحتاج إلى حبة سكر، هذا مال؟ هذا وبال على صاحبه، عذاب في الدنيا قبل الآخرة؛ لكن وجود المال الصالح عند الرجل الصالح ينفقه على المحتاجين، ينفع به نفسه، يقدمه لآخرته نعم، هذا المغبون، ((فسلطه الله على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها)) الحكمة إذا اقترنت مع القرآن، فالمراد بها السنة، وإذا تفردت شملت ما جاء في الكتاب والسنة، يعني رجلاً آتاه الله علماً شرعياً، مستمداً من كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- استفاد من هذا العلم في نفسه، وأفاد غيره، علمه الناس، وقضى بينهم، فقد تعلم، ثم عمل، ثم علّم، وبهذا استحق أن يكون ربانياً إذا كان مخلصاً لله -جل وعلا-، هذا الذي يستحق أن يحسد، هذا الذي يستحق أن يغبط، أما شخص تعلم علماً مهما حصل بواسطته من وظائف الدنيا؛ لكنه لا يعمل به، ولا يعلمه، هذا وبال عليه، والله المستعان.

الحديث التاسع والثمانون: عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-‏:‏ ‏"‏أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو، فيقول‏:‏ ((اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى‏))[رواه مسلم]‏.‏

هذا الحديث عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو بهذا الدعاء الجامع لخيري الدنيا والآخرة، الهدى والتقى، يسأل الله -جل وعلا- الهدى، وأن يهديه إلى الصراط المستقيم، والتقى أن ييسر له فعل الأوامر، ويكفه عن فعل ما حرمه عليه، هذا بالنسبة لأمور الدين، وأن يرزقه العفاف، والعفاف في الكفاف كما تقدم، يعفه عما في أيدي الناس، والغنى يغنيه عما في أيديهم، فلا يحتاج إلى أن يتكفف الناس، وينزل بهم حوائجه، إنما يرتبط بربه -جل وعلا-، الذي أغناه عنهم.

الحديث التسعون: عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏((‏من أحب أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة‏، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر‏،‏ وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه‏))‏ [رواه مسلم]‏.‏

حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أحب أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة)) فمن زحزح عن النار، وأدخل الجنة فقد فاز، الذي يسمع هذا الكلام في كتاب الله -جل وعلا- تتوق نفسه إلى هذه الزحزحة، وإدخال الجنة، تتوق نفسه إلى هذا الفوز؛ لكن بالأماني؟ يتمنى فقط؟ ((من أحب أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر)) لا بد من الإيمان بالله -جل وعلا-، وإلا إذا كان غير مؤمن بالله -جل وعلا-، الجنة عليه حرام، مصيره إلى النار، نسأل الله العافية، خالداً مخلد؛ لأن الإيمان إذا أفرد دخل فيه الإسلام؛ لأنه لا يقول قائل: قد لا يتصف بالإيمان، ويتصف بالإسلام، ومآله إلى الجنة، نقول: الإيمان إذا أفرد دخل فيه الإسلام، فمن ليس بمسلم، وليس بمؤمن هذا من أهل النار، فإذا أراد أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة يأتي بالشرط الأول وهو الإيمان، لا بد أن يكون متلبساً بهذا الوصف الذي هو الإيمان بالله واليوم الآخر، ((وليأت إلى الناس)) هذا بالنسبة لمعاملة الخالق الإيمان، ومعاملة المخلوق يكون محسناً في تعامله مع ربه، ومع خلقه بأن يأتي للناس الشيء الذي يحب إن يؤتى إليه، أي تصرف تتصرفه مع أخيك المسلم لا بد أن تعرضه على نفسك، وتفكر فيه لو أن هذا التصرف صدر منه إليّ، هل أقبل هذا التصرف وإلا لا؟ إن كنت تقبله لا بأس، إن كنت لا تقبله توقف، إذا كنت تمزح مع صاحبك، وتثقل عليه بالمزح، هل أنت ترضى مثل هذا المزح لنفسك؟ يعني لو صدر منه تتحمل؟ إذا كنت تتحمل فالمسألة مرفوعة، الكلفة مرفوعة بينك وبين صاحبك، امزح معه، إذا كنت لا تتحمل مثل هذه التصرفات فلا تتصرف فيها مع إخوانك، ((وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه))، والله أعلم.

الحديث الحادي والتسعون: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏((‏إن الله يرضى لكم ثلاثاً، ويكره لكم ثلاثاً‏:‏ فيرضى لكم أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً، ولا تفرقوا‏، ويكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال‏))‏ [رواه مسلم]‏.

نعم، هذا الحديث يقول فيه الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((إن الله يرضى لكم ثلاثاً)) يعني ثلاثاً من الخصال، ويكره ثلاثاً، والكراهية أعم من أن تكون كراهية اصطلاحية أو شرعية؛ لأن فيها محرمات، نعم قد تصل هذه الأوصاف المكروهة أو الخصال المكروهة إلى حد الكراهة الاصطلاحية، وقد ترقى إلى حد التحريم، فالكراهة بعمومها تتناول الأمرين، وتشمل الأمرين، إن الله يرضى ويكره، فيه إثبات صفة الرضا والكراهية لله -جل وعلا-، على ما يليق بالله -جل وعلا- بجلاله وعظمته من غير مشابهةٍ للمخلوق،   {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [(11) سورة الشورى] إن الله يرضى لكم ثلاثاً، يعني من الخصال ويكره لكم ثلاثاً منها: ((فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً)) تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً ومقتضاه كلمة التوحيد، وهذا هو حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، ((وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً)) لا بد من الاعتصام بحبل الله -جل وعلا-، بالكتاب والسنة، كما جاء عن نبيه -عليه الصلاة والسلام- على هديه، وكتب السنة فيها كتاب اسمه كتاب الاعتصام في الكتاب والسنة، الاعتصام بالكتاب والسنة يتأكد لا سيما في مثل هذه الأيام إدامة النظر في مثل هذه الأبواب، فالاعتصام {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} [(103) سورة آل عمران] وقد جاء الأمر بذلك في الكتاب والسنة، اعتصموا بالدين، اجتمعوا على الدين الحق، ولا تتفرقوا، تختلفوا، تنازعوا، تفرق بكم السبل فتفشلوا، ولا شك أن القوة في الاعتصام والاجتماع، والضعف لا شك أنه في التفرق، ((ويكره لكم قيل وقال)) الكلام قيل وقال، قيل كذا وقيل كذا، الأخبار قالت كذا، القنوات قالت كذا، الصحف قالت كذا، وكلها إشاعات، لا تستند إلى حقائق، إشاعات ممرضة مقلقة، تبعث على اليأس، وعلى الخمول، قيل وقال، يعني ظهر هذا الإعجاز النبوي في هذه العصور، في أجلى صوره، الناس مجالسهم كلها قيل وقال، وهذا مكروه عند الله -جل وعلا-، فعلى الإنسان أن يحفظ نفسه من هذه الأمور، وهذه التصرفات، ((يكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال)) فعلى الإنسان أن يحفظ لسانه، ويحفظ سمعه، ويحفظ بصره، يحفظ جوارحه؛ لأن هذا القيل سُمع، ثم تٌكلم به، وقد يكون رٌؤي، وقد يكون القائل كافر، وقد يكون بغي من خلال هذه القنوات، كم من مصيبة، وكم من مشكلة أورثتها هذه القنوات، والإشاعات التي لا تستند إلى أصل لا تفيد العلم، ما تفيده شيئاً، إنما ضررها محقق، ونفعها مظنون إن وجد، ((وكثرة السؤال، وإضاعة المال)) لا شك أن الشرع عظم من شأن المال، وحفظ الأموال من حفظ الضرورات التي جاءت الشرائع بها، فلا يجوز للإنسان أن يضيع ماله فيما لا ينفع، بل عليه أن يحفظ ماله عن السفهاء {وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ} [(5) سورة النساء] وهذا في المباحات، يجب حفظه وتبليغه في المباحات فضلاً عن المحرمات، فإضاعة المال حرام، وإذا كانت في أمورٍ محرمة زاد الأمر تحريماً.

الحديث الثاني والتسعون: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت‏:‏ ‏"‏دخلت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت‏:‏ يا رسول الله: إن أبا سفيان رجل شحيح، لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بنيَّ، إلا ما أخذته من ماله بغير علمه‏، فهل عليَّ في ذلك من جناح‏؟‏ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ((خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك‏))[متفق عليه]‏.

النفقة على الزوجة وعلى الأولاد وعلى الأقارب واجبة في حق الزوج، الوالد، الولد إن كان قادراً وأبواه عاجزان عليه نفقتهم، تجب عليه النفقة، ويأثم بالبخل بها، وعدم أدائها إلى مستحقها، كما أنه يأثم أيضاً بالتقصير فيها، لا بد أن يؤدي ما أوجب الله عليه، هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان صخر بن حرب جاءت إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وشكت عليه، شكت زوجها، وذكرت أنه رجل شحيح، ولا شك أنه يكره هذه الكلمة؛ لكن الحاجة داعية إليها، في حال الاستفتاء، وفي حال القضاء، وفي حال المشورة وغيرها، لا مانع أن يذكر الإنسان بما يكره إذا لم يقصد بذلك عيبه وتنقصه، إنما هو تصوير للواقع؛ لأن الفتوى لا بد أن تكون بعد فهم السؤال، لو قالت: إن أبا سفيان لا يعطيني من النفقة ما يكفيني إذا كان، لاحتمل أن يكون أحياناً دون أحيان؛ لكن ما دام رجل شحيح صارت هذه عادته المضطردة، فتتغير الفتوى تبعاً لذلك، "لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني" ونفقتهم واجبة عليه، "إلا ما أخذته من ماله بغير علمه، فهل عليّ في ذلك من جناح؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((خذي من ماله بالمعروف))" لا تجوز الزيادة على ما يكفي أبداً؛ لأن الزيادة من مال الزوج أو من مال الوالد أكثر من الحاجة، حاجة النفقة، هذه خيانة واختلاس، ((خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك)) ومثل هذه الأمور في أبواب النفقات وغيرها متروكة إلى العرف؛ لأنه ما تحدد بمبلغ معين قد يكون في وقتٍ من الأوقات قليل جداً، أو لا يكون شيء النسبة إلى ما يستحق، وأحياناً يكون كثيراً، إن مثل هذه الأمور متروك تحديدها إلى العرف، مسألة عند أهل العلم مسألة الظفر هذه مسألة معروفة عند أهل العلم، لك مال عن شخصٍ من الأشخاص فجحد هذا المال قال: أنا ما عندي شيء، لا شيء لك عندي، فظفرت بشيءٍ من ماله، أقرضت زميلك مائة ريال، قلت له قال: أبد ما عندي لك شيء، ظفرت من ماله كتاب يسوى له مائة، قلت: جت فرصة آخذه، يجوز وإلا ما يجوز؟ من غيره علمه، وليس عندك ما تثبت به حقك لإقامة الدعوى المسألة خلافية، من أهل العلم أخذاً من هذا الحديث يقول: يأخذ، على أن لا يتعدى ولا يزيد على ما له عنده، عليه أن يأخذ بقدر ما عليه، وحينئذٍ أخذ، حصل وظفر بحقه كما هنا، ومنهم من يقول: أبداً ليس له ذلك البتة، استدلالاً بحديث: ((أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك)) لكن هذا الحديث يدل على أنه إذا كان السبب ظاهراً، إذا كان السبب ظاهر، مثل النفقة، السبب ظاهر بحيث لا تنسب إلى خيانة إذا أخذ جاز لك ذلك، وإلا فلا، وهذا هو القول الوسط في هذه المسألة.

الحديث الثالث والتسعون: عن أبي بكرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول‏:‏ ‏((‏لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان‏))‏ [متفق عليه]‏.‏

نعم هذا الحديث حديث أبي بكرة النفيع بن الحارث -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا يحكم أحدكم بين اثنين وهو غضبان)) الغضب لا شك أنه يحول بين المرء وبين التصور الصحيح، يغطي العقل، أو شيئاً من العقل؛ لأنه يتفاوت من شخص إلى آخر؛ لأنه لا يمكن من النظر الصحيح في القضية، فلا يجوز للإنسان أن يقضي بين اثنين وهو غضبان؛ لأنه لا يتمكن من النظر في الصحيح في القضية، وقل مثل هذا في الإفتاء مثلاً، والتدريس إذا كان غضبان قد يتكلم بكلام غير مناسب، وإذا كان السبب التشويش على الذهن وعدم الاستيعاب، مثله أيضاً الجوع الشديد، الحر الشديد، البرد الشديد، وغير ذلك من المؤثرات؛ لكن إذا قضى بين اثنين وهو غضبان، وصار حكمه وقضاؤه صحيحاً مثل هذا ينفذ حكمه، وليس بباطل؛ لكنه ارتكب محرماً.

الحديث الرابع والتسعون: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏((‏كُلْ واشرب، والبَسْ وتصدق، من غير سَرَف ولا مَخيلة‏))‏ [رواه أحمد وأبو داود‏،‏ وعلقه البخاري]‏.‏

علقه البخاري بهذا الإسناد أو عن عبد الله بن عمرو؟ إيش يقول؟

طالب: يقول حيث  قال في تبويبه: باب قول الله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [(32) سورة الأعراف] وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-.

بدون إسناد، يحذف الإسناد؛ لأن هذا الإسناد ليس على شرطه.

حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كل واشرب)) هذا أمر معلوم أن كل إنسان لا بد أن يأكل، ولا بد أن يشرب، ولا بد أن يلبس، وعليه أن يتصدق؛ لكن مع ذلكم لا بد أن يتوسط في أموره كلها من غير سرفٍ ولا مخيلة، عليه أن يأكل ويشرب {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ} [(31) سورة الأعراف] ولذا قال: ((من غير سرف)) من غير مجاوزة للحد، من غير تبذير، فإن المبذرين كانوا إخوان الشياطين، ((ولا مخيلة)) لا تختال في ذلك على الناس، ولا تتكبر عليهم، ولا تغتر بمدحهم ولا ثنائهم، إنما عليك أن تلاحظ خالقك وما يرضيه، أما أن تأكل وتشرب من أجل أن يقال، ومن أجل أن، تلبس ومن أجل أن يقال، كل هذا لا قيمة له، عليك أن تتوسط في أمورك كلها، في أكلك، في شربك، في لبسك، في صدقتك، يأتيك الرجل يطلب، محتاج مبلغ يسير تعطيه أضعاف أضعاف مضاعفة لهذا المبلغ، القدر الزائد اصرفه لآخر، لا تسرف في مثل هذا، ((ولا مخيلة)) لأن بعض الناس وجد، نسأل الله العافية من بعض التجار أنه إذا كان بين زملائه وأقرانه يأتيه الفقير يعطيه المبالغ الكبيرة، وإذا كان بمفرده قد لا يعطيه شيئاً، أو يعطيه شيء يسير، هذا أمر خطير، بل تعدى الأمر عند بعضهم أن يصرف للفقير شيك، اصرفوا لأمر فلان مبلغ مائة ألف، ينصرف المسكين، ويدخل هذا يكلم على التلفون يحجز المبلغ، نسأل الله السلامة والعافية، يصل الأمر إلى هذا الحد عند بعض الناس؟ واحد بين الزملاء جاءه سائل، فأحضر له كيساً كبيراً مملوء بالدراهم مربوط، وقال: استلم، يوم طلع الفقير هذا وإذا هن ريالات، الحاضرين يظنونها مليون، وهي ثلاثة آلاف من فئة ريال، مثل هذه الأمور يخشى على الإنسان من أن ينتكس، من أن يسلب هذه النعمة، من أن يتكفف الناس بدلاً من أن يكون محسناً إليهم، نسأل الله العافية والسلامة.

الحديث الخامس والتسعون: عن أبي ذرٍّ -رضي الله عنه- قال‏:‏ ‏‏قيل‏:‏ يا رسول الله، أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده -أو يحبه- الناس عليه‏؟‏ قال‏:‏ ((تلك عاجل بشرى المؤمن‏))[رواه مسلم]‏.‏

نعم، يعني بالمقابل بدلاً من أن يسعى أن يحمده الناس على ذلك، ويعمل من أجل الناس إذا مدحه الناس وحمدوه من غير سببٍ منه، هو يفعل الخير لله -جل وعلا-، يعمل الخير، "أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير" مخلصاً في ذلك لله -جل وعلا- ثم بعد ذلك الناس يمدحونه، ترتب على ذلك مدح الناس وحمدهم، قال: إذا لم له سبب من ذلك، ولا أثر له في نفسه، لا شك أن هذه عاجل بشرى المؤمن؛ لأن الناس إذا اتفق ألسنتهم على مدح شخص، هم شهود الله في أرضه، شهداء الله في أرضه، لما أثنوا على الجنازة خيراً قال -عليه الصلاة والسلام-: ((وجبت، وجبت، وجبت)) يعني وجبت له الجنة، هذا إذا لم يكن بتعرضٍ منه؛ لأن بعض الناس يحب المدح والثناء، ولا شك أن هذا قادح، أما إذا حصل المدح والثناء من غير تعرضٍ ومن غير محبة، ومن غير تأثير عليه، فلا شك أن هذه عاجل بشرى المؤمن، يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى- في الفوائد: "إذا حدثتك نفسك بالإخلاص، فاعمد إلى حب المدح والثناء فاذبحه بسكين علمك أنه لا أحد ينفع مدحه ولا يضر ذمه إلا الله -جل وعلا-" كما قال الأعرابي للنبي -عليه الصلاة والسلام-: "أعطني يا محمد فإن مدحي زين وذمي شين" قال: ((ذاك الله -عز وجل-)) مو بأنت، فالإنسان يكون على بينةٍ من هذا، والقلوب بيد الله -جل وعلا-، يعني شخص ما نفعك بشيءٍ طول عمرك، أو ما تعدى نفعه إلى كثيرٍ من الناس؛ لكن بينه وبين ربه معاملة خفية، تجد جنازته مشهودة، تذهل كيف حضر الناس؟ من أجل إيش؟ الناس شهداء الله في أرضه، والله -جل وعلا- هو الذي يصرف ألسنة الناس، وأفعال الناس، الناس ما يساقون بالعصي، جاء شخص إلى يزيد بن عبد الملك فقال له: إن أباك أعطاني أرضاً في المحل الفلاني -عبد الملك- فجاء عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- فأخذها، قال: عجب، الذي أعطاك ما قلت: رحمه الله، والذي أخذها تقول: رحمه الله؟ قال: يا أخي ما هو أنا الذي أقول، الناس كلهم تقوله؟ نعم يا أخي الإنسان ما يستطيع أن يقدم لنفسه شيء؛ لكن عليه أن يقدم ما يرضي الله -جل وعلا-، والله -جل وعلا- هو الذي يجعل الناس يحبونه ويمدحونه؛ لكن لا، الحذر من أن يكون لهذا المدح أو الأثر أثر، أن يكون له أثر، أو استشراف، أو يحب أن يمدحه الناس، في الحديث: ((ما ذئبان جائعان أرسلا في زريبة غنم فأفسد لهما على العبد المؤمن من حب الشرف والمال)) حب رئاسة، يحب مال، وده يصير رئيس، يصير مدير، على شان إيش؟ والله المستعان.

الحديث السادس والتسعون: عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏((‏رضا الله في رضا الوالدين‏،‏ وسخط الله في سخط الوالدين‏))‏ [أخرجه الترمذي‏،‏ وصححه ابن حبان والحاكم]‏.

هذا حديث من أدلة البر الكثيرة، بر الوالدين والإحسان إليهما، فكل ما يكون سبباً في رضا الوالدين فهو مرضٍ لله -جل وعلا-، وكل ما يكون مسخطاً للوالدين فهو مسخط لله -جل وعلا-، شريطة أن يكون الوالدان أهل خير وفضل واستقامة، أما إذا كانوا أهل فساد، يأمرون الولد، ويرضيهم ما يسخط الله -جل وعلا-، فلا رضي البتة، لا رضى لهما، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق؛ لكن المسألة في والدين مسلمين محبين للخير، يبغضان عن الشر وأهله، لا يأمران بمعصية، فمثل هؤلاء رضا الله في رضاهم، فلا بد من إرضائهم، ولا يجوز إسخاطهما البتة؛ لكن إذا أمرا بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

الحديث السابع والتسعون: عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏((‏ثلاث لا يَغُلُّ عليهن قلب مسلم‏:‏ إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمور، ولزوم جماعة المسلمين؛ فإن دعوتهم تحيط من ورائهم‏))‏ [رواه الترمذي والشافعي وغيرهما].

كذا عندكم؟ التخريج وش يقول؟

طالب: هنا يا شيخ يقول: أخرجه الترمذي.

أنا عندي رواه مسلم.

طالب: عندي رواه الترمذي يا شيخ هنا.

طالب: يقول: وقد ورد في بعض نسخ الكتاب أن المؤلف عزاه إلى صحيح مسلم، وليس بصواب، والصحيح ما أثبته، والله أعلم.

يعني أثبته من نسخة وإلا تصحيح منه؟

طالب: تصحيح تخريج يمكن.

ما ينفع تخريج يتصرف في الكتاب، يبقى كما هو (رواه مسلم) ويعلق يقول: الصواب كذا، هذا الأصل، لا يتصرف في كتب الناس، يبقى كما هو، يقول: رواه مسلم، ولم أجده في صحيح مسلم، والصواب كذا، على كل حال الحديث لا إشكال فيه، صحيح، ((ثلاث لا يغل)) يعني لا يبقى في قلب مؤمن غل معها، إذا اجتمعت في قلب مؤمن فإنه لن ينطوي على غل، ((لا يغل عليهن قلب مسلم)) يعني معهن قلب مسلم، ((إخلاص العمل لله)) إخلاص العمل هذا شرط في صحة كل عبادة، هذا بالنسبة لما يتعلق بمعاملة الخالق، وأيضاً ((مناصحة ولاة الأمور)) وقد سبق هذا الأمر في الدين النصيحة لأئمة المسلمين ((مناصحة ولاة الأمور، ولزوم جماعة المسلمين)) لأن الشذوذ على المسلمين خطر، والذئب إنما يأكل من الغنم القاصية، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم، لا يجوز للإنسان أن يشذ عن عموم المسلمين، لا برأيه، ولا بفعله، ولا بنفسه، إلا في أوقات الفتن التي يخشى على نفسه منها، فيوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع فيها شعف الجبال، فإذا توافرت هذه الأمور: الإخلاص، والمناصحة، ولزوم الجماعة، فإن قلب هذا المسلم الذي توافرت لديه لا ينطوي على غل، فلنحرص على ما ذكر.

الحديث الثامن والتسعون: عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏((‏إنما الناس كالإبل المائة‏،‏ لا تكاد تجد فيها راحلة‏))‏ [متفق عليه]‏.

هذا الحديث يبين أن الناس عددهم كثير، كما أن الإبل عدد كثير، وصاحب الإبل تجد عنده مائة رأس من الإبل، ويريد أن يرتحل واحدةً منها لا يكاد يجد واحدة، وما كل الإبل، ما كل الجمال، ما كل النوق تصلح لأن تركب، الراحلة أحياناً تكون واحدة في الذود، في القطيع، في المجموعة، فالناس مثله، تبحث عن شخص يصلح لهذا المنصب تتعب، ومن ولاه أمر المسلمين يجد مشقّة حينما يفقد شخص كفؤ في مكانٍ مناسب يضع مكانه آخر؛ لكن مع ذلك عليه أن يسدد ويقارب، وأن يمحظ النصح للأمة، وأن يختار لهذا العمل أفضل الناس، وأولى من يقوم به، لماذا؟ لأنه إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة، نعم كثير من الأعمال قد يصعب أن تجد من تتوافر فيه الشروط، انزل درجة، لأنه لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فالناس كما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((كالإبل المائة)) يعني تبحث في مجموعة، بلد كامل تريد أمير عليهم قد لا تجد، تجيب لهم أمير من غيرهم، تجد قاضي من هذا البلد، قد لا تجده، تأتي من بلدٍ آخر، هذا لا تتوافر في الشروط، هذا ما يصلح، هذا اختل فيه شرط هذا كذا؛ لكن عليه أن يسعى جاهداً في اختيار الأصلح، لمن يصلح لأمور الناس، ويصلح شؤون الناس، ويسير أمور الناس، ويقيم حدود الله -جل وعلا- في الناس، فإذا تعدينا مثل هذا، وعيّن غير الأكفأ فقد وسد الأمر إلى غير أهله، وهذا لا يجوز بحال؛ لكن إذا لم نجد من تتوافر فيه الشروط ننزل في الشروط، اتقوا الله ما استطعتم.

الحديث التاسع والتسعون: عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏((‏يأتي على الناس زمان القابض على دينه كالقابض على الجمر‏))‏ [رواه الترمذي]‏.

الحديث الأخير حديث أنس -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يأتي على الناس زمان القابض على دينه كالقابض على الجمر)) يعني الشخص المستقيم على دين الله -جل وعلا- في بعض الأوقات، وفي بعض الأماكن لا سيما في آخر الزمان حينما تكثر الفتن، لا شك أن الملتزم المتمسك بدينه وضعه شديد، وحياته مقلقة، تجده في نزاع، وفي صراع مع أهله، مع جيرانه، مع نفسه الأمارة، مع.. كالقابض على الجمر، فهو مع قبضه على الجمر يصارع ويعاني بس متى يفلت يده من هذا الجمر؟ على مشقة، وعلى شدةٍ شديدة، فعلى الإنسان أن يسعى جاهداً أن يحافظ على دينه، وأن لا يتنازل عن شيءٍ من دينه مهما كلفه الأمر حتى يلقى الله -جل وعلا-، أما من يتنازلون عن.. نسأل الله السلامة والعافية عن دين، عن عرض، في مقابل عرض الدنيا، وأخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- عن فتن تكون في آخر الزمان، يصبح الرجل مؤمن ويمسي كافر، يمسي مؤمن ويصبح كافر، كل هذا من المغريات والملهيات والضغوط الشديدة، الضغوط النفسية، الضغوط الأسرية، الضغوط الاجتماعية، تجد من...، لا يجد من يعينه على الثبات، فليحرص الإنسان على أن يعتصم بكتاب الله -جل وعلا-، وأن يكون ديدنه النظر في كتاب الله، وأن يقرأ القرآن على الوجه المأمور به، وهذا هو المعين، وهو المثبت بإذن الله -جل وعلا-، والمخرج فيه من جميع الفتن.

وهذا أخ من الإخوان يطلب كلمة توجيهية للطلاب عوضاً عن إجابة الأسئلة، وتوديعاً للطلاب، وهم على أهبة السفر إلى أقطارهم البعيدة، حاجتهم الماسة إلى وصيةٍ عن طلب العلم، وتعليم الناس، ودعوتهم، وتحمل مسؤولية ما تعلموا، فقد جاءت عدة أوراق تطلب ذلك.

 

هذا يطلب كلمة توجيهية للطلاب، لا شك أن الطلاب سمعوا ما سمعوا من الحث على تعلم العلم، مخلصين في ذلك لله -جل وعلا-، حريصين على التطبيق، تطبيق ما تعلموا؛ لأنه لا فائدة من العلم بدون عمل أبداً، علم بدون عمل لا قيمة له، فعلينا أن نسعى جاهدين بأخذ العلم من مصادره، من الكتاب والسنة، وما يعين على فهم الكتاب والسنة، من أهله المعروفين بالعلم والعمل والتحقيق، على الجادة المعروفة عند أهل العلم، على الترتيب المرتب عند أهله، على..، مع الرفق واللين والحرص على نفع الناس بقدر الإمكان، يسعى المسلم جاهداً في نفع الخلق، وخير الناس أنفعهم للناس، ولا شك أن هذا النفع المتعدي لا يقدر قدره، ومن دل إلى هدى كان له مثل أجر فاعله، من دل على هدى فله مثل أجر فاعله، فبعض الناس يلقي كلمة في المسجد بين عوام، يظن أنها في خمس دقائق، أو ثلاث دقائق، تخرج من قلب ينتفع بها شخص واحد، ما تتصور كيف تنفع هذا الشخص؟ وكيف يكون أثرها في حياة هذا الشخص؟ فكيف إذا انتفع بها أكثر من واحد؟ فكيف إذا تكرر هذا الفعل من هذا الفاعل أكثر من مرة؟ فعلينا أن لا نحتقر أنفسنا، أولاً: نتحصن بالعلم النافع، بالعقيدة الصحيحة الصافية، نحقق التوحيد من شوائب الشرك والبدع والمعاصي، ثم بعد ذلك ندعو إلى الله على بصيرة، نتعلم أحكام العبادات، لنعبد الله على ما يريد، نتعلم أحكام المعاملات؛ لكي نتعامل مع الناس على مقتضى الشرع، ونوجه الناس؛ لتكون معاملاتهم صحيحة سليمة، وغير ذلك من أبواب الدين، والمعنى في أبواب الدين المهجورة، كأبواب الدعوات مثلاً، أبواب الدعوات، لا تجد درس في دروس أهل العلم يدرس كتاب الدعوات، لا تكاد تجد درس يدرس كتاب الرقاق، لا تجد من يدرس الفتن إلا القليل النادر، الناس في أمس الحاجة إلى هذه الأمور، وكلها من أبواب الدين، ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"