كتاب الإيمان (26)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فامتدادًا لشرح الحديث السابق حديث أنس: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان»، هذا شرح العيني، تعرفون أنه شرح مرتب، فيبدأ بمناسبة الباب لما قبله، ويشرح الترجمة، ثم يتكلم عن رجال الحديث وأنسابهم ولطائف الإسناد وتعدد مواضع التخريج للحديث عند البخاري، ثم يتكلم عن لغات وغريب الحديث، ثم في إعرابه مفردات وجمل، ثم يقول: بيان المعاني.

يقول: (بيان المعاني: قال النووي: هذا حديث عظيم، أصل من أصول الإسلام، قلتُ: كيف لا، وفيه محبة الله ورسوله النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- وهي أصل الإيمان بل عينه، ولا تصح محبة الله ورسوله حقيقة ولا حبٌّ لغير الله ولا كراهة الرجوع في الكفر إلا لمن قوي الإيمان في نفسه وانشرح له صدره وخالطه دمه ولحمه، وهذا هو الذي وجد حلاوته، والحب في الله من ثمرات الحب لله.

وقال ابن بطال: محبة العبد لخالقه التزام طاعته، والانتهاء عما نهى عنه، ومحبة الرسول- صلى الله عليه وسلم- كذلك، وهي التزام شريعته. وقال بعضهم: المحبة مواطأة القلب على ما يُرضي الرب سبحانه، فيحب ما أحب، ويكره ما يكره. قال القاضي عياض: ومعنى حب الله الاستقامة في طاعته)، والعادة جرت عند العيني أنه إذا قال: (بعضهم) يريد به ابن حجر، لكن هو يريد ابن حجر إذا أراد الرد عليه، إذا أراد الرد عليه قال: (بعضهم) ثم يرد عليه، لكن هنا ما رد، وإذا لم يرد الرد نقل من غير عزو، ينقل من ابن حجر من غير عزو ولا يسميه ولا في موضع واحد، يقول: قال ابن حجر، لا، لكن يقول: (قال بعضهم) إذا أراد به ابن حجر، فيكون مقرونًا بالرد عليه، أما إذا لم يرد فإنه ما يقول: (قال بعضهم) إنما ينقل من غير عزو.

(قال بعضهم: المحبة مواطأة القلب على ما يُرضي الرب سبحانه، فيحب ما أحب، ويكره ما يكره. قال القاضي عياض: ومعنى حب الله الاستقامة في طاعته والتزام أوامره ونواهيه في كل شيء. والمراد ثمرات المحبة، فإن أصل المحبة الميل لما يوافق المحبوب، والله سبحانه منزَّه أن يميل أو يمال إليه، وأما محبة الرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- فيصح فيها الميل؛ إذ ميل الإنسان لما يوافقه إما للاستحسان كالصورة الجميلة والمطاعم الشهية وشبههما، أو لما يستلذّه بعقله من المعاني والأخلاق كمحبة الصالحين والعلماء وإن لم يكن في زمانهم، أو لمن يُحسن إليه ويدفع المضرة عنه، وهذه المعاني كلها موجودة في حق النبي -صلى الله عليه وسلم- من كمال الظاهر والباطن، وجمعِه الفضائل وإحسانه إلى جميع المسلمين بهدايته إياهم وإبعادهم عن الجحيم).

يقول: (والله سبحانه منزّه أن يميل أو يمال إليه)، الله -جَلَّ وعَلا- يحب ويبغض على ما يليق بجلاله وعظمته، فلا نقول: إن محبة الله هي ميله، لا، ولا إرادة الإنعام كما يؤولها المبتدعة كالأشاعرة وغيرهم، إنما نقول: محبة تليق بجلاله وعظمته. وأما ميل الإنسان إلى الله وإيثاره إياه على غيره فهذه لائقة بالمخلوق، أما قوله: (لا يميل ولا يمال إليه) هذا ليس على إطلاقه.

(قوله: «وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله» هذا حث على التحاب في الله، لأجل أن الله جعل المؤمنين إخوة، قال الله تعالى: {فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103]، ومن محبته ومحبة رسوله محبة أهل ملته، فلا تحصل حلاوة الإيمان إلا أن تكون خالصة لله تعالى، غير مشوبة بالأغراض الدنيوية ولا الحظوظ البشرية، فإن مَن أحب لذلك انقطعت تلك المحبة عند انقطاع سببها)، إذا كانت المحبة مشوبة بالأغراض الدنيوية والحظوظ البشرية، يقول: (فإن من أحب لذلك انقطعت تلك المحبة عند انقطاع سببها)؛ لأن من أحبك على شيء أبغضك على فقده.

(قوله: «وأن يكره...» إلى آخره، معناه أن هذه الكراهة إنما توجد عند وجود سببها، وهو ما دخل قلبه من نور الإيمان، ومن كُشف له عن محاسن الإسلام وقبح الجهالات والكفران، وقيل: المعنى أن من وجد حلاوة الإيمان، وعلم أن الكافر في النار يكره الكفر؛ لكراهته لدخول النار.

قلت: وقائل هذا المعنى حافظ على بقاء لفظ العود على معناه الحقيقي، ومعناه هنا معنى الصيرورة، قال تعالى: {وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا} [الأعراف: 89])، هذه الكراهة يقول: («وأن يكره...» إلى آخره، معناه أن هذه الكراهة إنما توجد عند وجود سببها، وهو ما دخل قلبه من نور الإيمان، ومن كُشف له عن محاسن الإسلام وقبح الجهالات والكفران، وقيل: المعنى أن من وجد حلاوة الإيمان، وعلم أن الكافر في النار يكره الكفر؛ لكراهته لدخول النار).

 هو يكره الكفر بلا شك، لكن يكره أيضًا من تلبس بهذا المكروه وهو الكفر؛ لأن الكافر الحربي بصدد أن يجاهَد: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 73]، فهل مثل هذا التصرف تكون معه شيء من المودة؟ ما يمكن. الصحابة حقَّقوا مثل هذا بأجل الصور، منهم من قتل ابنه، ومنهم من حاول قتل أبيه، ومنهم من قتل أقرب الناس إليه. هذا تحقيق عملي لهذا الكلام.

ثم قال: (بيان المعاني)، المعاني الذي هو العلم، ما هو معاني الكلمات، معاني الكلمات في الذي تقدم الذي هو المفردات والغريب.

يقول: (بيان المعاني: قوله: "حلاوة الإيمان" فيه استعارة بالكناية؛ وذلك لأن الحلاوة إنما تكون في المطعومات، والإيمان ليس مطعومًا، فظهر أن هذا مجاز؛ لأنه شبه الإيمان بنحو العسل، ثم طوى ذِكر المشبه به؛ لأن الاستعارة هي أن يُذكر أحد طرفي التشبيه مدعيًا دخول المشبه في جنس المشبه به، فالمشبه: إيمان، والمشبه به: عسل ونحوه، والجهة الجامعة وهو وجه الشبه الذي بينهما: هو الالتذاذ وميل القلب إليه، فهذه هي الاستعارة بالكناية، ثم لما ذكر المشبه أضاف إليه ما هو من خواص المشبه به ولوازمه، وهو الحلاوة على سبيل التخيل، وهي استعارة تخييلية، وترشيح للاستعارة.

قوله: «كما يكره أن يقذف في النار» تشبيه وليس باستعارة؛ لأن الطرفين مذكوران. فالمشبه هو: العود في الكفر، والمشبه به هو: القذف في النار، ووجه الشبه هو: وجدان الألم وكراهة القلب إياه).

ثم بعد ذلك يأتي بأسئلة وإشكالات ويجيب عنها، وهذه ليست طويلة، نقرأها.

يقول: (الأسئلة والأجوبة: منها ما قيل: ما الحكمة في كون حلاوة الإيمان في هذه الأشياء الثلاثة؟ وأجيب: بأن الأمور الثلاثة هي عنوان كمال الإيمان المحصل لتلك اللذة؛ لأنه لا يتم إيمان امرئ حتى يتمكن في نفسه أن المنعم بالذات هو الله -سُبحانه وتعالى-، ولا مانع ولا مانح سواه، وما عداه تعالى وسائط ليس لها في ذاتها إضرار ولا إنفاع)، يعني ما عدا الله- جَلَّ وعَلا- ولو ظهر منه شيء من الشفقة والعطف والرحمة والإحسان، إلا أنه واسطة، بدليل أنه يدخل الشخص على هذا الغني، ثم يعطيه ما كُتب له، ثم يدخل من هو أشد منه حاجة فلا يعطيه شيئًا، وهو أولى بالعطاء منه، دليل على أن هذا على أن المعطي الحقيقي هو الله -جَلَّ وعَلا-، والرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- يقول: «إنما أنا قاسم والله المعطي».

(وأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو العطوف الساعي في صلاح شأنه، وذلك يقتضي أن يتوجه بكليته نحوه، ولا يحب ما يحبه إلا لكونه وسطًا بينه وبينه، وأن يتيقن أن جملة ما أوعد ووعد حق تيقنًا يخيل إليه الموعود كالواقع، والاشتغال بما يؤول إلى الشيء ملابسة به، فيحسب مجالس الذكر رياض الجنة، وأكل مال اليتيم أكل النار، والعود إلى الكفر إلقاء في النار)، يعني يصور هذه المعاني محسوسة، يعني يتلذذ برياض الذكر، كما يتلذذ بالرياض التي هي الأراضي الخصبة تكثر فيها أنواع الخضرة والزهور والورود. بعض الناس إذا دخل المكتبة يسميها: خريم، يعني روضة خريم؛ لأنه يتلذذ بها. لكن يبقى أن هذا التلذذ بهذه المكتبة هل التلذذ بما يطلع عليه مما يقربه إلى الله -جَلَّ وعَلا- أو التلذذ بمنظر الكتب وتجليد الكتب وطبعات الكتب؟

هذا يختلف عن هذا، صحيح لنكن واقعيين؛ لأن بعض الناس يتلذذ بالكتاب، وينبسط للأشياء، ولكن على أي وجه يتلذذ به، هل لأنه استفاد منه فائدة كبرى تعينه على تحقيق ما خُلق من أجله، تحقيق العبودية لله -جَلَّ وعَلا-، أو لأنها طبعة نادرة وطبعة فاخرة وتجليد ممتاز؟ فرق بين هذا وهذا.

يعني يبقى أنه إذا كان حظه من هذا الكتاب هذا التصور الطباعة الفاخرة والندرة والتجليد وكذا، الآن يوجد في الأسواق أشكال كتب ما هي بكتب، لكن على شكل منظر، مجسم على شكل كتاب، ومصنوع بطريقة أفخر أنواع التجليد، التجليد الأوروبي القديم، يباع في الأسواق، ويوضع على الطاولات، ويستمتع الإنسان برؤيته، ما فيه كتاب. يعني إذا وصلنا إلى حد أن هذا يكفينا ما فيه، ما فيه كتاب، فقط منظر كتاب، ويباع أغلى من الكتب بأضعاف. نقول: إننا نتلذذ بهذه الكتب، ونزعم أن هذا نتصور أننا في روضة من رياض الجنة؟ لا، يبقى أنه كما يستمتع غيره بأمور أخرى من أمور الدنيا، وكل له وجهة.

بعض الناس يتلذذ بالقطع البالية من المأثور الموروث، إما تجد عنده شن معلق أو سملم بالٍ من فُرش أو من لحف أو من شيء، تجده معلقًا على الجدران أشياء وهو يتلذذ بها؛ لأنه ملحق طين أو شيء متحف هذا يتلذذ به، هذا مثل ما يتلذذ صاحب الكتب بالتجليد والطباعة وما أدري، صارت هي مجرد هواية، ومثله ما يتلذذ صاحب الغنم بغنمه وأنواع الطيور ومنها أنواع غالية جدًّا، طيور تباع بعشرين ألفًا، ثلاثين ألفًا، وغنم وصلت إلى مائة ألف ومائتي ألف، والإبل حدث ولا حرج، والمزايين وما أشبه ذلك. نوع من متع الدنيا، لكن يبقى أن العبرة بما يقرب إلى الله -جَلَّ وعَلا-، ويعينك على تحقيق ما خُلقت من أجله.

طالب: ..........

من أجل ماذا؟

طالب: ..........

نعم.

طالب: ..........  

نعم. بالنسبة للنساء المكتبة لا شك أنها متعبة؛ لأنها تأخذ جل الوقت، هذا إذا كان طالب علم جادًّ تأخذ جل الوقت، ولا شك أن الإفادة من الكتب تستهوي طالب العلم أن يجعل جل وقته للكتب، ما فيه شك، وهذا مر به كل من زاول المهنة حتى وصل إلى حد أن يكون وقت القراءة خمس عشرة ساعة، لكن مثل هذا إذا انقطع، إذا كمل الكتاب الذي بيده، ثم أراد أن يبدأ بكتاب ثانٍ إما شرع مباشرة أنه يفتر فترة ومرت بنا، ومرت بغيرنا هذه، يعني ما هي بمسألة يوم أو يومين، لا، ولذلك ينبغي أن يكون الجدول مرتبًا بحيث إذا انتهى هذا الكتاب مباشرة تأخذ كتابًا ثانيًا، نظير من أراد أن يواصل الدراسة، من أراد أن يواصل الدراسة مجرد ما ينتهي من الجمع يقدم على الدراسات العليا، لكن إذا فتر يضعف ويصعب عليه، وإلا فالكتب لها شِرة، والعلم له شرة.

 يعني إذا استرسلت معه لا شك أنه يستولي على وقتك وجهدك ومالك، وليس في هذا تثريب ولا ضير؛ لأن هذا علم، هذا أولى ما تُنفق فيه الأعمار والأموال، واحد من كبار المشايخ توفي قبل سبعين سنة توفي، في ليلة زواجه لما دخل على العروس وجلس في الفراش تذكر آية مشكلة عنده، نزل إلى المكتبة ومن تفسير إلى تفسير إلى أن أذن الفجر! في ليلة الزواج ما هي بالمسألة يعني. فأقول مثل هذا يعني لطالب العلم عليه بالقصد؛ لأنه يُخشى أن ينقطع، ثم لا يواصل.

طالب: ..........

ما فيه شك أنه يلام، لكن إذا أبقى لهم ما يكفيهم من الوقت فالعلم خير ما تنفق فيه الأموال، الأموال والأوقات، لكن بعض الناس يزهد في مثل هذا، وألا يشدد في أمره، والدين يسر، وتجده ينفق الأموال في أمور لا تعود إليه بنفع لا في دنيا ولا في آخرة، والأوقات أيضًا بالقيل والقال في استراحات وطلعات ومع الإخوان ومع الزملاء.

طالب: ..........

على كل حال إذا أرصدت الكتاب؛ ليكون مرجعًا بحيث إذا أشكل عليك شيء تعود إليه فهذا مقصد صحيح ما يخالف، تكون هناك كتب تقرأ وتدرس دراسة وتحفظ، وهناك كتب مراجع، التفاسير الكبار والشروح وكتب اللغة وغيرها من الكتب هذه مراجع، من الذي يمسك لسان العرب يقرأ فيه كل يوم؟ لا، إذا أشكل عليك ترجع إليه.

(ومنها ما قيل: لِم عبّر عن هذه الحالة بالحلاوة؟ وأجيب: لأنها أظهر اللذات المحسوسة، وإن كان لا نسبة بين هذه اللذة واللذات الحسية)، يعني من ذاق هذه الحلاوة، طعم هذه ما عدل بها شيء، وقل مثل هذا في التعبُّد والزيادة منه والإكثار منه من صلاة وصيام، وكثير من السلف يبكي عند وفاته؛ لأنه ينقطع من قيام الليل ومن صيام الهواجر، وبعضهم ينقطع من الإحسان إلى الناس والصدقة عليهم، وبعضهم تُحبّب إليه أنواع من العبادات أو نوع، ولا شك أن تنوع العبادات من نعم الله -جَلَّ وعَلا- على المسلمين؛ لأن الإنسان قد لا يُيسَّر له أن يضرب من كل شيء بسهم، وإنما يُحبّب إليه شيء، فبعض الناس تحبب إليه الصلاة، الإمام أحمد يصلي في اليوم والليلة ثلاثمائة ركعة، ومن الناس من يقرأ في القرآن، فإذا مرت آية سجدة كأنها جبل أثقل من جبل عليه، وهي سجدة تلاوة، الناس يتفاوتون، وبعض الناس في خصال الكفارة مثلاً فيه صيام أو إطعام، بعض الناس مستعد يصوم الدهر، ولا يطعم صاع، وبعض الناس مستعد يدفع نصف أمواله، ولا يصوم يومًا، فتنوّع العبادات في الشريعة من نعم الله -جَلَّ وعَلا-؛ لكي يكثر الإنسان مما يُسر له وسهل عليه.

(ومنها ما قيل: لِمَ قيل: «مما سواهما»، ولم يقل: ممن سواهما؟ وأجيب: بأن: ما أعم بخلاف مَن، فإنها للعقلاء فقط. ومنها ما قيل: كيف قال: «سواهما» بإشراك الضمير بينه وبين الله -عزَّ وجلَّ-، والحال أنه -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- أنكر على من فعل ذلك وهو الخطيب الذي قال: ومن يعصهما فقد غوى، فقال: «بئس الخطيب أنت؟»)، فيه الكلام الذي ذُكر في الشروح السابقة.

قال: (وأجيب: بأن هذا ليس)، فيه كلام زائد (وأجيب: بأن هذا ليس من هذا؛ لأن المراد في الخطب الإيضاح، وأما هنا فالمراد الإيجاز في اللفظ ليُحفظ، وما يدل عليه ما جاء في سنن أبي داود: «ومن يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فلا يضر إلا نفسه». وقال القاضي عياض: وأما تثنية الضمير هاهنا فللإيماء على أن المعتبر هو المجموع المركب من المحبتين لا كل واحدة، فإنها وحدها ضائعة لاغية، وأُمر بالإفراد في حديث الخطيب إشعارًا بأن كل واحد من العصيانين مستقل باستلزامه الغواية؛ إذ العطف في تقرير التكرير، والأصل استقلال كل من المعطوفين في الحكم.

وقال الأصوليون: أُمر بالإفراد؛ لأنه أشد تعظيمًا، والمقام يقتضي ذلك، ويقال: إنه من الخصائص، فيمتنع من غير النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يمتنع منه؛ لأن غيره إذا جمع أوهم إطلاقه التسوية، بخلاف النبي -صلى الله عليه وسلم- فإن منصبه لا يتطرق إليه إيهام ذلك)، إذا كان القصد من أو منع الخطيب من أن يجمع بينها التعظيم، إذا كان سبب منع الخطيب من جمع الضميرين هو تعظيم الله -جَلَّ وعَلا-، فالنبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- أولى به؛ لأن كل وصف كمال يُطلب من الأمة لا شك أن النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- أحق به وأكمل، وتحقيقه له أشد، وهو أعلم بالله -جَلَّ وعَلا- وأتقى لله وأخشى لله.

فهناك مسالك يسلكها بعض أهل العلم للتوفيق بين النصوص المتعارضة بين فعله -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- وقوله، ثم يلجئون إلى أن الفعل خاص به، والقول للأمة، مثل ما قالوا في استدبار الكعبة الذي فعله النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- في حديث ابن عمر لما رقي على بيت له، بيت حفصة، فوجده قبل أن يُقبض بعام يبول مستدبر الكعبة. قالوا: هذا خاص بالنبي- عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-.

نقول: ما سبب المنع من استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط؟ هو تعظيم الجهة، تعظيم الشعيرة، {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]، والنبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- أولى بذلك من غيره، فمثل هذا الجمع لا يمكن أن يُقبل.

ومثله قالوا أيضًا في مسألة كشف الفخذ: «حسر النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- عن فخذه»، حديث أنس، وقال أيضًا في حديث جرهد: «الفخذ عورة»، قالوا: هذا خاص بالنبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-.

نقول: هل الكشف أكمل أو الستر والتغطية أكمل؟ بلا شك أن الستر أكمل، وهو أولى -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- بالكمال من غيره. مثل هذا ما يمكن أن يقال: إن الخطيب يُمنع من أجل تعظيم الله -جَلَّ وعَلا- والرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- يفعله وهو أولى بالتعظيم، وقد يتحرز عن أشياء يبيحها لأمته من هذا الباب. أما ما وقر في قلبه -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- من زيادة في التعظيم لربه وهو اللائق به -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، فيمنعه من أن يُخيل إليه شيء من التشريك بينه وبين ربه -جَلَّ وعَلا-، هذا معنى صحيح.

(ويقال: إن كلامه -صلى الله عليه وسلم- هنا جملة واحدة، فلا يحسن إقامة الظاهر فيها مقام المضمر، وكلام الذي خطب جملتان لا يكره إقامة الظاهر فيها مقام المضمر، ويقال: إن المتكلم لا يتوجه تحت خطاب نفسه إذا وجهه لغيره).

 هذه مسألة خلافية في علم الأصول: هل المتكلم يدخل في خطاب نفسه، فإذا مَنع يتناوله المنع أو يكون المنع لمن وُجه إليه الخطاب؟ كالأب يقول لأولاده: لا تفعلوا كذا، أو افعلوا كذا، هل يدخل معهم أم ما يدخل؟ هل يدخل معهم أم ما يدخل؟ أنت إذا قلت لأولادك: لا أحد يقتني جوالًا من النوع كذا، حيث فيه ما ييسر له أمر الفساد، أنت منعتهم، أو تقول: لا واحد من الأولاد يقتني جوالًا فيه كاميرا؛ خشية أن يصوروا ذوات الأرواح، وأنت واثق من نفسك أنك لن تصور، وقد تحتاجه في تصوير بعض الأمور والوثائق وما أشبه ذلك، هل في ذهنك أنك داخل في هذا المنع؟

هو ما فيه شك أن من أمر بشيء أو نهى عن شيء مما يحبه الله أو يكرهه الله أنه ينبغي أن يكون أول المبادرين إليه، إذا كان مضمنًا معصية محققة لا شك أنه يجب أن يكون أول الممتثلين، وأن يكون هو القدوة للمأمورين والمنهيين. لكن إذا كان المحظور بالنسبة له منتفيًا ويخشى عليهم ويغلب على ظنه أنهم يستعملونه فيما لا يرضي الله -جَلَّ وعَلا-، وهو عنده يقين أنه لا يستعمله إلا في المباح.

الأجهزة التي يسمونها: سلاحًا ذا حدين، من الناس من لا يستطيع ولا يملك نفسه الاقتصار على المباح فيها، فتجده يتعدى المباح إلى الحرام، وبعضهم يملك نفسه، لكنه مع ذلك يحوم حول الحمى، يرعى حول الحمى، يوشك أن يواقعه. فحسم المادة في هذا هو الأولى، ويبقى أن الخطاب هل يدخل فيه المتكلم؟ هل يتوجه إلى المتكلم كالمخطابين أو لا يختص بهم؟ يعني إذا أمر النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- بأمر هل يتناوله؟

طالب: إن كان واجبًا.

نعم؟

طالب: إن كان واجبًا.

افترض أنه واجب، هل الأصل أنه يتناوله ما لم يدل دليل على الخصوصية، هذا الأصل أنه يتناوله؛ لأن الأمر في الأصل من الله -جَلَّ وعَلا-، وهو مطالب بالعبودية كغيره. لكن إذا دل الدليل على شيء من الخصوصية له -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- خرج بهذا الدليل.

(ويقال: إن المتكلم لا يتوجّه تحت خطاب نفسه إذا وجَّهه لغيره، ويقال: إن الله تعالى أمر نبيه -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- أن يُشرِّف من شاء بما شاء، كما أقسم بكثير من مخلوقاته، وكذلك له أن يأذن لنبيه -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- ويحجره على غيره)، الرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- له من المنزلة ما ليست لغيره، وجاء في تفسير: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4]، قال: «لا أُذكر إلا وتذكر معي»، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله. ولذلك في بعض المساجد في الحرمين وغيرهما تجدون في دوائر: الله، وفي موازيها: محمد -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، بعض الناس يقول: إن هذا فيه بعض تسوية وتشريك، يعني افترضنا هذا المحراب في زاويته عند الساعة هناك دائرة مكتوب عليها: الله، وفي الثانية: محمد، يقول: هذا تشريك، ما يمكن أن يوضع مثل هذا موازيًا بنفس الطريقة وبنفس الخط لاسم الله -جَلَّ وعَلا-، هذا فيه نوع تشريك مثل أو قريب من جمع الضمير. وبعضهم يقول: إن هذا مثل أو مما أشير إليه بقوله: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4]، «لا أُذكر إلا وتذكر معي».

بخلاف ما يذكر في بعض الجهات وبعض الدوائر: الله، المليك، الوطن، هذه لا، هذه ما تُقبل بحال، يعني في مصف واحد. بينما ذِكر النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- له وجه أخذًا من هذه الآية، واستدلالاً بها، مع أن سد باب سد الذرائع الموصلة إلى الغلو والإطراء، وكذا معروف أنه هو المطلوب.

قال -رَحِمَهُ اللهُ-: (ويقال: العمل بخبر المنع أولى؛ لأن الخبر الآخر يحتمل الخصوص، ولأنه ناقل، والآخر مبني في الأصل، ولأنه قول، والثاني فعل)؛ لأن الخبر الآخر يحتمل الخصوصية، يعني جمعه -عليه الصلاة والسلام- في حديث الباب وفي غيره يحتمل الخصوصية، والثاني ما يحتمل خصوصية؛ لأنه موجّه إلى مكلف غيره -عليه الصلاة والسلام-، (ولأنه ناقل) ناقل عن الأصل مانع، والثاني جارٍ على الأصل، ولا شك أن ما ينقل عن الأصل مرجّح على ما يُبقي عليه.

 (ولأنه قول)، والقول له صفة العموم، (والثاني فعل)، والفعل لا عموم له، وهو بمعنى القول بالخصوصية. ولو قيل إضافة إلى ذلك: أن الأول حاظر، والثاني مُبيح، والحظر مقدم على الإباحة عند أهل العلم، وهذا كلام مقرر عند أهل العلم، وهذا مما يُزاد على ما جاء به المؤلف.

***

هذا يسأل عن شرح النووي على صحيح مسلم يقول: صدر عن دار السلام شرح النووي على صحيح مسلم، وهي طبعة مقابلة على مخطوطتين، والأحاديث مرتبة على حسب ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي بتحقيق موفق مرعي، فما رأيكم بهذه الطبعة؟

ما رأيتها ولا اقتنيتها.

يقول: سمعت أحد طلبة العلم في حديث إذاعي يقول عن حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: «كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها»، يقول: هذه القاعدة النبوية تشبه صورة التُقتت من السماء لأهل الأرض تبين حالهم أو كما قال؟

هذا تجاوز وتساهل وتسامح في التعبير، وإلا مثل هذا الكلام لا يليق بكلامه -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، وهو أسلوب مخترع ما سلكه أهل العلم. ولذلك في الكلام على شرح كلامه -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- وشرح غريبه ينبغي أن يُقتدى بمن سلف، ولا شك أن الكلام في الكتاب أو السنة الأصل فيه أن يكون عن توقيف، وهذا لا يعني منع الاجتهاد في هذا الباب، لكنه اجتهاد مؤطر ما هو باجتهاد منفلت، يعني فرق بين أن يتكلم في القرآن أو في السنة من لا عناية له بالكتاب والسنة كما يفعله كثير ممن يكتب أو يتحدث في وسائل الإعلام وليس من أهل العلم، لو سئلوا عن مسائل يسيرة في الطهارة وفي العبادات ما أجاب؛ لأنه ليس من أهل العلم ولا من طلاب العلم، ثم إذا وُجدت آية مشكلة أو حديث معضل فهمه أعيا أهل العلم فمن السهل أن يتكلم فيه، وبين شخص يتكلم يفسر الآية بكلام لا يسنده لأهل العلم، وقد يكون جديدًا تبحث عنه في الكتب ما تجده، سواء كان الكلام في آية أو في حديث. وقد جاء المنع من التفسير بالرأي، ومثله الكلام في السنة في الحديث في الرأي، كما قال الإمام أحمد وغيره في غريب الحديث.

لكن فرق بين من له عناية ومعاناة لكتب أهل العلم في بيان معاني الكتاب والسنة، ومن لا خبرة له ولا دربة ولا عناية، هذا يأوي إلى أصل، وتكونت لديه ملكة يستطيع أن يتعامل بها مع نصوص الكتاب والسنة، وينطلق منها، ولو لم يكن عنده في هذه الكلمة أو في هذا الحديث أو في هذه الآية شيء يخصه.

يعني شخص قرأ الشروح، شروح كتب السنة، ثم جاء لحديث في البيهقي أو في الدارقطني ما له شرح، هل نقول: إن هذا يُحجر عليه أن يتكلم، خلاص الحديث هذا ما له شرح انتهينا منه؟ ألغاز؟ لا، هذا رجل عنده أرضية وعنده أهلية، عنده أصل يركن إليه ويرجع إليه، عرف المراد من النصوص، وينطلق من قواعد كلية في الشريعة، ما هو بإنسان خالي الوفاض ما عنده شيء ويجيء يتكلم في النصوص، فرق بين هذا وهذا.

طالب: ..........

نعم.

طالب: ..........

نعم.

طالب: ..........

حسية.

طالب: ..........

أو إذا وصل الإنسان إلى مرحلة يتذوق هذه الحلاوة الحسية، كما قال النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- في مسألة الوصال: «أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني»، يعني لو كان الحس، لو كان يطعمه ويسقيه مثل هذا أو طعام مثلنا، يصير وصالاً؟ ما هو بوصال، لكنه طعام يتلذذ به وشراب يتلذذ به لا على أنه شيء محسوس مأكول محسوس واللذة محسوسة، اللذة محسوسة والمأكول والمشروب غير محسوس؛ لأنه لو كان محسوسًا ما كان وصالاً.

يقول: ما هي أفضل طبعة لعمدة القاري؟

عمدة القاري طُبع أول ما طُبع في تركيا، وقلنا: إن الأتراك ما طبعوا فتح الباري ولا إرشاد الساري ولا الكرماني ولا، إنما طبعوا عمدة القاري؛ لأنه يوافقهم في المذهب، حنفي، كما أن بولاق ما طبعت عمدة القاري. ولا شك أن المذاهب لها تأثيرها. وبولاق التي طبعت فتح الباري مرة واحدة، طبعت إرشاد الساري سبع مرات، وهذا ما جاء من فراغ، إرشاد الساري يحقق لك النص بما لا نظير له لا عند ابن حجر ولا غيره، من هنا جاءت عناية الشيوخ المصريين بإرشاد الساري، طبعوا فتح الباري، وبعدُ فتح الباري يستحق أكثر من ذلك، وما طبعوا عمدة القاري؛ لأن المعروف أن غالبهم، جلهم شافعية، وبعضهم من اللجان في بولاق منهم أيضًا مالكية، لكن غالبهم شافعية.

عمدة القاري طُبعت أولاً في تركيا؛ لأنهم حنفية، وما طبعوا كتب الشافعية. المقصود أن طبعة تركيا لعمدة القاري على ندرتها وأنها لا يمكن أن تتيسر لكثير من طلاب العلم، على ندرتها فيها أخطاء، أحيانًا الأتراك يتولى الطبع منهم من لا يحسن العربية، فتجده يطبع على فهمه للنص، ما يحسن العربية، والمخطوط قد لا يحسن قراءته، كما أنه وُجد في مخطوطات غير العرب آية وبراعة في حسن الخط، لكن فيه ضعف من حيث الصحة والدقة في التصويب، جاءت كتب تحف في خطها، لكن فيها أخطاء وأوهام ما تمشي ولا على آحاد المتعلمين؛ لأنه خطاط يرسم، والأتراك لهم نصيب وافر من الخط، وأكثر الخطوط للمصحف عندهم، وأجملها عند الأتراك، ولهم معارض ولهم شيء ما يخطر على البال، يجيؤون بالمعارض المصاحف مذهلة في جودة الخط. القرآن محفوظ ما يحصل فيه شيء من هذا، لكن تجيء مخطوطات أخرى حتى في صحيح البخاري مكتوب في تركيا مثل كتابة المصحف في غاية الجمال، لكن فيه كلمات ما يمكن أن تمشي ولو على صغار المتعلمين، خطأ، رسموها رسمًا مثل ما وجدوا في المخطوط، عجزوا أن يقرءوا فرسموا، هذه اجتهادات أفراد، ما قلنا مؤسسات ولا جمعيات، لا. طُبع بعد ذلك في الطبعة المنيرية، وهي طبعة جميلة، وتعين على القراءة ومرتبة ومفصلة، وفيها بعض الأخطاء، لا تسلم من الأخطاء، وهي أفضل من التركي من حيث التصويب. طُبع في مطبعة الحلبي بعد ذلك قبل أربعين سنة طبعة مأخوذة عن المنيرية، فيها بعض الأخطاء، لكنها في الجملة لا بأس بها.

يقول: ما هي أفضل طبعة للبداية والنهاية لابن كثير؟

تعرفون أن الطبعة القديمة التي في المطبعة السلفية ومطبعة السعادة للبداية والنهاية فيها أوهام، وفيها أسقاط، وفيها إضافات، بعضها تُكتب في الحواشي ثم تُلحق بالكتاب، حتى جرؤ بعضهم إلى قال: إن الكتاب ليس من تأليف ابن كثير؛ لأن فيه كلامًا منقولًا عمن جاء بعد ابن كثير! هذه إلحاقات ما تضر الكتاب، ينبه عليها، ولا تضر الكتاب.

وعلى كل حال هذه الطبعة يعني من حيث فن الطباعة ممتازة مع ندرتها. وهناك طبعة لدار هجر بإشراف الدكتور عبد الله التركي، طبعة جيدة ومقابلة على نسخ، لكن وقفت فيها على بعض الأخطاء، ومنها الوثيقة المزعومة التي كُتبت في خيبر، قال: وكتب علي بن أبي طالب، وهذه الوثيقة ذكرها الحافظ ابن كثير في تاريخه وفي تفسيره من أجل إبطال هذه الوثيقة؛ لأن الوثيقة مكتوب فيها: وكتب علي بن أبو طالب، هم صححون، يظنون أن هذا من التصحيح خطأ، لا، هو مقصود لابن كثير ليستدل بذلك على إبطالها، فكونهم صححوا ذهب المعنى الذي من أجله أورد ابن كثير هذه الوثيقة. وكذلك في التفسير، كل طبعات التفسير صححوا علي بن أبي طالب، ما يمكن أن يلحن يقال: علي بن أبو طالب، وابن كثير أورده لبيان أن هذه الوثيقة ليست صحيحة. طُبع عند دار ابن كثير، وهذه طبعة في تقديري أجود الطبعات وهي موجودة في الأسواق بعد طبعة الدكتور عبد الله التركي.

يقول: بعد قراءة النخبة وما عليها وسماع شرح اللؤلؤ المكنون، هل أنتقل إلى الألفية وأفضل طريقة لدراستها؟

رتبنا في مقدمة الألفية التي كتبناها الكتب التي يُتعلم بواسطتها علم مصطلح الحديث، وقلنا: إن المبتدئ الصغير يبدأ بالبيقونية، ثم إذا أتقنها يقرأ النخبة مع شروحها، ثم يقرأ اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير مع ما كُتب عليه، ثم الألفية. ولا يحسن لطالب العلم إذا كانت حافظته متوسطة أن يحفظ متنين منظومين، يحفظ البيقونية أولاً ثم يحفظ المثال الذي أريده. نظم النخبة للصنعاني مثلاً ثم يحفظ الألفية، هذا إذا كانت الحافظة ما هي قوية جدًّا بحيث يستطيع أن يميز بين هذه الأبيات لا يحسن به أن يحفظ كل هذه المنظومات، يحفظ واحدة فقط. لماذا؟

 لأن هذا شيء جربناه، تبغي بيتًا من ألفية العراقي يسبقه بيت الصنعاني، أو العكس، إذا كانت الحافظة ما هي من القوة بحيث يتمكن في مثل هذه الظروف إذا أراد أن يرشح بيتًا للصنعاني كأنه يقرأه من الكتاب؛ لأن الأبيات مضامنها واحدة، والتمييز بينها في كثير من الأوقات قد لا يتيسر، فيترك الحفظ لمتن واحد منظوم، ويردده ويكفيه، فإن كانت الحافظة متوسطة فنظم النخبة جيد، إن كانت الحافظة تسعف لحفظ الألفية، ولو على النصف الأول فألفية العراقي لا يعدلها شيء. اللؤلؤ المكنون نظم أيضًا للشيخ حافظ الحكمي فيما يقرب من ثلاث مائة بيت، ونظم فيه فوائد وزوائد، وعليه شروح، أنا ممن شرحه في حدود ثلاثمائة صفحة، لكن لم يُقدر له أن يُنشر إلى الآن.

نعم؟

طالب: ..........

ما هو؟

طالب: ..........

الألفية لها خلاصة لواحد من الشناقطة اسم هذه الخلاصة طلعة الأنوار، وعليها شرح للمشاط اسمه: كشف الأستار عن محيا طلعة الأنوار، لكنه اختصار مخل، قليلة جدًّا.

يقول: يطرح بعض المنتسبين لأهل العلم أن الواجب على المسلم تجاه الكافر من ناحية الولاء والبراء بغض عمل الكافر لا بغض ذاته، بدليل جواز زواج المسلم بالكتابية، والزواج قائم على المودة بين الزوجين، فكيف يجاب عن هذا؟

أنت الآن إذا أحلت على معنى من المعاني، ما أحلت على محسوس، كيف تحقق المحال؟ كيف تبغضه؟ يعني ما فيه ارتباط بين العمل والعامل؟ ارتباط وثيق بينهما، بل العكس: العمل يتمثل بالعامل، فكيف تستطيع أن تجمع بين معاداتك لعمله مع أنه شخص عادي بالنسبة لك، أقصد العامل؟

ما يمكن، ما يمكن أن تبغض الكفر إلا ببغض الكافر؛ لأنه هو المتصور به، وهو الماثل أمامك والذي يقبل الحب والبغض، أما المعاني ما تقبل هذه الأمور.

طالب: ..........

ماذا؟

طالب: ..........

نعم، يعني وما معنى أن الكافر بصدد أن يجاهَد، بصدد أن يُغلظ عليه: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 73]؟ ما معنى أنك تقصده بالقتل وأنت لا تبغضه؟ إذًا اقتلوا الكفر لا تقتلوا الكافر! هذا كلام ما هو بصحيح.

يقول: ما رأيكم بكتاب التاريخ الإسلامي للعلامة المؤرخ الشيخ محمود شاكر الشامي؟

التاريخ موسوعة في ثمانية عشر مجلدًا، وموسوعة من أجود ما كُتب عند المتأخرين، فيها تحقيقات وتحريرات وأشياء يستفيد منها طالب العلم، والأسلوب سهل وميسر، ومحمود شاكر هذا حرستاني، من حرستا من الشام، وبعض طلاب العلم حتى من الكبار يخلط بينه وبين محمود شاكر المصري أبو فهر المحقق المعروف، بينهما فرق محمود شاكر المصري أكبر بكثير، وتوفي- الله المستعان- قبل خمس عشرة سنة أو شيء من هذا، وهو شيخ للمحققين المتأخرين: عبد السلام هارون وجماعته وطبعته، هو شيخ لهم، هذا غير هذا. فمحمود شاكر هذا الشامي الحرستاني لا شك أنه عنده نفس وحس يسمونه إسلاميًّا، عنده تدين، ويكتب من خلال هذا النفس.

الشيخ الكبير محمود المصري هو كان أديبًا لا علاقة له بالشرع ولا بالعلوم الشرعية، لكنه في آخر عمره سلك مسلكًا طيبًا، واتجه واعتدل، يعني فارق الأدباء؛ لأن الأدباء لا سيما أدباء القرن الماضي من المصريين صار لهم أشياء غير محمودة، ولهم اجتماعات ليست طيبة، وبعضهم يعمد إلى أن يكون الاجتماع في وقت صلاة الجمعة، ولا عندهم إشكال لنقد أي كلام، حتى إن بعضهم تطاول على القرآن وأن قلمه الأحمر لا يسلم منه شيء. هذه موضة مرت ومرت، ولله الحمد، وإن جاء الخبث من جهات أخرى وجاءت الإباحية في الروايات يعني أكثر من ذي قبل، لكن الله المستعان.

الشيخ محمود شاكر في آخر عمره اتجه وتدين وسلك المسلك السوي والأعمال بالخواتيم، فنرجوا أن يكون خُتم له بخير، إن شاء الله.

وهذا للتمييز بينه وبين محمود شاكر الحرستاني بالنسبة لسعة الاطلاع وجودة التحقيق محمود شاكر المصري يعد إمامًا في هذا الباب، وأما محمود شاكر الثاني الشامي هذا مثل ما قلنا شخص إلى الدعوة والتدين والفضل أقرب، ومع ذلك يكتب من خلال هذا النفس، وكتب في مواطن الشعوب كتبًا جغرافية نافعة جدًّا، ويبين فيها الأقليات، ويبين فيها مشاكلهم، ويبين كتابات نافعة لطلاب العلم.

والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

طالب: يا شيخ أحسن الله إليك، ابن ماجه ..........