كتاب المرضى والطب - 2

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين بعد أن انتهى الكلام على الترجمة الأولى والثانية تجدون في المختصر بعدها الترجمة السادسة فماذا عن الثالثة والرابعة والخامسة؟ هذه مما حذفه المختصِر حذف هذه التراجم بأحاديثها لأن أحاديثها مكررة، ولا مانع من أن نشير إشارة مختصرة إلى هذه التراجم والعناوين المحذوفة فالترجمة الثالثة: يقول الإمام البخاري- رحمه الله تعالى- باب أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل وذكر فيه حديث ابن مسعود أن النبي عليه الصلاة والسلام يوعك كما يوعك الرجلان منكم، هذا الحديث مكرر، والمختصِر غرضه التيسير على طلاب العلم وتقليل الحجم بقدر الإمكان، فحذف هذا لأنه مكرر، لكن البخاري ذكره بترجمة مستقلة بعد أن ذكره في الترجمة السابقة، حديث ابن مسعود يدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام أشد الناس بلاءًا لأنه يوعك كما يوعك الرجلان وذلك لأن له أجرين على ما تقدم. الترجمة الرابعة: قال- رحمه الله- باب وجوب عيادة المريض يعني عيادة المريض هل يمكن أن يستغنى عنها في مثل هذا الكتاب وما جاء فيه؟ لا يمكن، فدل على أن طالب العلم لا يمكن أن يستغني عن الأصول بالمختصرات باب وجوب عيادة المريض وفيه حديث أبي موسى: "أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكوا العاني" عودوا المريض أمر والأصل في الأمر الوجوب، وذكر فيه حديث البراء بن عازب قال: أُمرنا بسبع أو أمرنا صلى الله عليه وسلم ونهانا عن سبع وفيه: أمرنا أن نتبع الجنائز ونعود المريض ونفشي السلام"، أمرنا والأمر الأصل فيه الوجوب، والبخاري- رحمه الله تعالى- صرح بوجوب عيادة المريض مع أن عامة أهل العلم على أن عيادة المريض سنة وليست بواجبة بمعنى أنه لو لم يزر أو يعد المريض فإنه لا يأثم، بل نقل النووي- رحمه الله تعالى- الإجماع على أن عيادة المريض سنة، كيف يتم نقل الإجماع من قبل النووي والإمام البخاري من كبار الفقهاء المحدثين يقول باب وجوب عيادة المريض لا شك أن نقل الإجماع فيه شيء من التساهل، هذه الترجمة الرابعة، وأما الخامسة فقال: باب عيادة المغمى عليه وهذه الترجمة في غاية الأهمية باب عيادة المغمى عليه، النبي عليه الصلاة والسلام عليه زار جابر بن عبدالله وهو مغمى عليه، والحديث الذي في الترجمة مكرر وسوف يأتي لكن هل يستغنى عن هذه الترجمة؟ باب عيادة المغمى عليه؛ لأن كثيرا من الناس يقول مادام فلان في العناية المركزة فلايشعر بي سواء أتيت أولا ما جيت فلماذا أزوره؟ لأن القصد من زيارة المريض تخفيف المصاب عليه فهو لا يستفيد من هذه الزيارة، نقول لا، فهناك فوائد عظيمة من الزيارة تعود إلى الزائر وفوائد تعود إلى المزور ولو كان مغمى عليه، وذكر في ذلك حديث جابر: "مرضت مرضا فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني وأبو بكر وهما ما شيان فوجداني أغمي عليه فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم ثم صب علي وَضوءه فأفقت"، الحديث سيأتي في الترجمة الخامسة عشرة، هنا الترجمة باب عيادة المريض راكبًا وماشيًا ورِدفًا على الحمار هل هذه الترجمة أهم أو عيادة المغمى عليه أهم؟ يعني كون زائر المريض يأتي راكبا أو ماشيا أو بمفرده أو معه جماعة هل هذا يؤثر أو لا يؤثر؟ مثل تأثير الترجمة الأولى باب عيادة المغمى عليه، هذه في غاية الأهمية لماذا؟ لأنها تكشف لبسا عند الناس، فبعض الناس يقول: يا أخي المريض بالعناية المركزة لماذا أزوره؟ نقول نعم تزوره فالنبي عليه الصلاة والسلام زار جابرا وهو مغمى عليه فمثل هذه التراجم على طالب العلم أن يعنى بها وهي من أدق ما يسطر في الفقه الإسلامي المبني على الأصل الصحيح وهو السنة بل أصح ما جاء في السنة وهو صحيح البخاري، ويطلق أهل العلم أن فقه الإمام البخاري في تراجمه فالعناية بهذه التراجم أمر لا يستغني عنه طالب علم نعم الترجمة السادسة .

باب فضل من يصرع من الريح

عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال لبعض أصحابه ألا أريك امرأة من أهل الجنة قال بلى قال هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي قال إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك فقالت إني أصبر فقالت إني أتكشف فادع الله ألا أتكشف فدعا لها.

يقول المؤلف- رحمه الله تعالى- يعني في أصل الترجمة باب فضل من يصرع من الريح، وهذه كما كررنا مرارًا أنها لا توجد في المختصر لكن المحققون أدرجوها في المختصر وزادوها وليتهم إذ زادوها جعلوها في الحاشية يعني على جنب ولم يدخلوها في صلب الكتاب، باب فضل من يصرع من الريح، يقول الحافظ ابن حجر: انحباس الريح قد يكون سببًا للصرع وهو علة يعني الصرع تمنع الأعضاء الرئيسة عن انفعالها منعًا غير تام؛ لأن المصروع قد يحس بمن حوله وقد يفهم ما يقال له، يقول: وهو علة يعني الصرع تمنع الأعضاء الرئيسة عن انفعالها منعا غير تام وسببه ريح غليظة تنحبس في منافذ الدماغ أو بخار رديء يرتفع إليه يعني يرتفع إلى الدماغ من بعض الأعضاء وقد يتبعه تشنج في الأعضاء، وقد يكون الصرع من الجن والأول هو الذي يثبته الأطباء يذكرون علاجه والثاني يجحده كثير منهم يعني تأثير الجن على بني آدم أو تلبس الجن بالإنسي والثاني الذي هو بسبب الجن يجحده كثير منهم وبعضهم يثبته ولا يعرف له علاجًا، وممن نص على ذلك منهم أبقراط، المقصود بالأطباء القدامى، وقد يوجد من الأطباء على مر العصور- وقد تأثروا بكتب الطب القديم- من ينكر تلبس الجني بالإنسي ولا شك أن الواقع يثبته وكم من جني تلبس بإنسي أو إنسية ثم بعد ذلك بالرقية الشرعية يخاطب الراقي ويعاهده ويخرج ويتخلص منه هذا الإنسي كأن لم يكن به شيء، يقول باب فضل من يصرع من الريح "عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لبعض أصحابه ألا أريك امرأة من أهل الجنة" أهل السنة والجماعة لا يشهدون لأحد بجنة ولا نار إلا من شهد له النبي عليه الصلاة والسلام كالعشرة والحسن والحسين وثابت بن قيس بن شماس وعبدالله بن سلام وعُكَّاشة وغيرهم، ومنهم هذه المرأة التي تصرع "ألا أريك امرأة من أهل الجنة قال بلى قال هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي" من أجل أن يشفيني "قال إن شئت صبرت" يعني على ذلك الصرع ولك الجنة "وإن شئت دعوت الله أن يعافيك" وأن يخلصك من هذا الصرع "فقالت إني أصبر" لماذا؟ لأن الجزاء عظيم وأثره دائم بخلاف هذا الصرع وما يتبعه  ثم بعد ذلك "قالت إني أتكشف" إذا فقد الإنسان وعيه لا شك أنه يصدر أمور لا تليق به في حالة ما لو كان عقله موجودًا تتكشف ينكشف بعض بدنها ولا يتصور أن مثل هذه تنكشف عورتها أو ما يقرب منها أبدًا لأنهم أهل ستر ولباس، المسلمين إلى وقت قريب لو سقطت من الدابة ما بان منها شيء والله المستعان، تتكشف يمكن يظهر منها يد أو رجل أو شيء أو الخمار يسقط عن وجهها ممكن "فادع الله ألا أتكشف" يعني ما طلبت إلا هذا الطلب أولاً هذا الطلب لا يؤثر بوعدها بالجنة الأمر الثاني أن هذا من أهم المهمات بالنسبة للمرأة المسلمة المحافظة على دينها وعفافها وإذا عرفنا أن أوَّل مقصد وهدف من مقاصد الشيطان قبل نزول آدم من الجنة ليبدي لهما ما ووري عنهم من سوآتهما فالدعوة إلى السفور هي دعوة الشيطان الأولى يعني بعد التسويل لهما من الأكل من الشجرة فادع الله ألا أتكشف لئلا يظهر من من جسدها شيء "فدعا لها" عليه الصلاة والسلام، ابن القيم في زاد المعاد يقول: من حدث له الصرع وله خمس وعشرون سنة بسبب دماغي أيس من برئه، وكذلك إذا استمر به إلى هذا السن يعني أصيب بالصرع ثم استمر معه إلى أن بلغ الخامسة والعشرين لكن ما حجة ابن القيم على هذا ولا شك أن مثل هذا داء وما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء، إن كانت العادة جرت بذلك فليست بحجة قد تنخرم هذه العادة وقد وجد وإن كان هذا لا يصدقه بعض الإخوان، وجد ممن أثبت الأطباء أنه مات دماغيًا وكتبت له الحياة فكيف بالصرع الذي يتحرك ويروح ويجي يعني مرض يطرؤ ويزول كيف يقال أنه ميؤوس منه؟ وسيأتي في كتاب الطب- إن شاء الله تعالى- شيء مما تقرر به هذه المسألة- إن شاء الله تعالى- في الحديث ما يدل على أن الأخذ بالشدة أفضل من الأخذ بالرخصة من أين؟ الرخصة أن يدعوَ لها وتعافى من هذا البلاء والشدة قال اصبري واحتسبي ولو لازمك الصرع إلى آخر يوم من أيامك ولك الجنة فالصبر على مثل هذه الشدة أفضل من الأخذ بالرخصة لكن هل هذا أمر مطرد في الشرع أو غير مطرد؟

طالب: ..................

غير مطرد بدليل أن الصيام مثلاً في السفر رخصة إذا كان لا يشق على المسافر فالصوم أفضل؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام صام في السفر، إذا كان يشق عليه مشقة محتمَلة يعني يسيرة فالفطر أفضل، إذا زادت المشقة جاء (ليس من البر الصيام في السفر) فإن زادت: (أولئك العصاة أولئك العصاة) كما قال النبي عليه الصلاة والسلام، فالمشقة ليست مطردة والمشقة لذاتها ليست من مقاصد الشرع، نعم قد تحصل المشقة مصاحبة لعبادة فتكون مطلوبة تبعًا لعبادة كالمشقة في الحج مثلاً أو في الصيام في أيام الصيف وطول النهار هذه مشقة شديدة لكنها تابعة للعبادة وليست مقصودة لذاتها، وفي الحديث أن الأخذ بالشدة أفضل من الأخذ بالرخصة لمن قوي على ذلك، وفيه دليل على ترك التداوي كيف؟

طالب: ..................

نعم قال "إن شئتِ صبرتِ ولكِ الجنة" صبرت على هذا الأمر وعلى هذا المرض ولم تطلبي كشفه لا بأسباب مادية ولا معنوية تصبرين عليه ولك الجنة، وشيخ الإسلام- رحمه الله تعالى- يقول: ولا أعلم سالفًا أوجب العلاج فالأمر متروك للمكلف إن شاء أن يعالج وإن شاء ما يعالج ولذا بعض الناس يحرج المريض لماذا لا تذهب تعالج وإذا غلب على الظن هلاك هذا المريض ألجؤوه وأحرجوه إحراج يقرب من الإكراه يعني تجد رجلا له أولاد يقرر الأطباء أن فيه سرطان لا بد من استئصاله يقول أنا أصبر واحتسب لو مت يقول لا ما يمكن بل بعضهم قد يقول تأثم إذا مت وأنت تستطيع العلاج، شيخ الإسلام يقول لا أعلم سالفًا أوجب العلاج، نعم من كان عقله ثابت ويتصرف تصرف العقلاء يؤخذ رأيه ويمكن أن يحسّن له الأمر ويزين له وتذكر له العواقب سواء كانت في العلاج أو في تركه وأنه قد يكون سببًا لإطالة بقائه في هذه الدنيا مما يكتسب به الحسنات ولعله أن يستعتب إن كان عنده شيء من المحظورات أو المخالفات، لكن إلجاء وإكراه وإجبار لا، مادام عقله ثابتًا في جسده، لا يمكن إكراهه، وفي الحديث أيضًا أن علاج الأمراض كلها بالدعاء والالتجاء إلى الله تعالى أنجع وأنفع من العلاج بالعقاقير، وعموم الناس اليوم إذا أصيب بأي مرض فزع إلى الأطباء فإذا أيس من علاج الأطباء جاء إلى الرقاة، ما هو هذا الواقع يا إخوان هذا الواقع، مع أن العلاج بالرقية أنفع وأنجع لكن بشروط الرقية المعروفة عند أهل العلم أن تكون بالقرآن بالآيات القرآنية والأحاديث والأدعية النبوية وأن تكون أيضا بالكلام العربي وما يفهم معناه وأن يعتقد الراقي والمرقي أن الرقية سبب وأن الشفاء بيد الله جل وعلا وجاء ما يدل على أن طلب الرقية مفضول في حديث السبعين الألف: ولا يسترقون فدل على أن التوكل وتفويض الأمر إلى الله جل وعلا أفضل لمن قدر على ذلك وقوي عليه، لكن بعض الناس يقول لا والله لا أسترقي لكنه في كل مجلس وفي كل محفل يقول: أنا لا أسترقي أنا لا أفعل أنا ما أدري إيش أنا أتوكل ويتشكى لا، نقول له استرقي وعالج والأمر أيسر لك هذا والله المستعان. طلب الرقية هو الاسترقاء لأن السين والتاء للطلب، وبعض الناس وهذا وجد من كبار يعني ما هو من طلاب علم ومن عوام لا، من كبار، من علماء كبار وأهل علم وعمل والمظنون بهم أنهم يدخلون في الحديث لكن إذا أقبل من يتوسمون فيه الخير فتحوا الأزرار من أجل إيش؟ يقولون ما نطلب الرقية هل يدخل هذا في الطلب أو لا يدخل؟

طالب: ..................

داخل؟ هو ما قال ارقني ولا شيء هو فتح الأزرار.

طالب: ..................

لكن ما الذي جعله يعدل من قوله ارقني إلى مجرد فتح الأزرار المحتمل وإن كان الغالب على الظن أنه يحتاج إلى رقية هو ما طلب وهو يقرب من الطلب بلا شك وقد يقوى إلى أن يصل إلى حد الطلب إذا احتفت به القرائن وفي الأصل أنه ليس بطلب هذا الأصل.

طالب: ..................

لا شك أن النية موجودة لكن ما الذي جعله يعدل من الطلب الصريح إلى مجرد الفعل؟ هو رجاء الدخول في حديث السبعين الألف وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

باب فضل من ذهب بصره

 عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن الله تعالى قال إذا ابتليت عبدي بحبيبته فصبر عوضته منهما الجنة يريد عينيه.

ترجم الإمام البخاري رحمه الله تعالى على هذا الحديث بقوله "باب فضل من ذهب بصره" من ذهب بصره يعني فعمي مع أن الحديث أعم من العمى إذاابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر واحتسب عوضته عنهما الجنة ابتليته بحبيبتيه ويقصد بذلك العينين بالتثنية لأنهما أحب الأعضاء إلى الإنسان لما يحصل بسببهما من رؤية ما ينفع فيطلب ومن رؤية ما يضر فيجتنب، ولا شك أن الاستمتاع بمتع الدنيا إنما يكمل بالعينين من ابتليته هل يلزم منه العمى؟ لو ضعف النظر هذا ابتلاء لو ابتلي بوجع في العينين مع بقاء البصر هذه بلوى لكن الروايات بمجموعها مع قوله عوضته منهما الجنة دليل على أنه يذهبهما فيعوَّض عنهما، والمعاوضة لا تبقي من العِوض شيء في الأصل كما هو معلوم "إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه" يعني "فصبر" واحتسب "عوضته منهما الجنة" وهذا أعظم العوض لماذا؟ لأن الدنيا فانية مؤقتة مدة يسيرة والآخرة باقية ولا نسبة لبقاء الإنسان في الدنيا بالنسبة لبقائه في الآخرة، فالدنيا كلها كلا شيء بالنسبة للآخرة، وكم انتفع الإنسان مع فقده لعينيه وكم نفع الله بمن فقد عينيه وإذا استعرضت كتب التراجم التي تحفل بالعلماء من الصدر الأول إلى يومنا هذا تجد من الجِلة من الكبار من الأئمة من هو أعمى بل ذكروا من الأنبياء من هو أعمى كشعيب والله أعلم بصحة ذلك لكن ذكروا ذلك، لكن لم يذكروا من هو أصم لا في الأنبياء ولا في العلماء الكبار والنصوص كلها تقدم السمع على البصر لماذا؟ لأن أثر البصر على الدنيا وأثر السمع على الآخرة، وهذا قبل وجود الوسائل التي تم بها تحصيل الصم من العلم ما حصّلوا الآن، الأصم يستفيد لوجود الوسائل والطرق والإشارات التي تفيده وكم من أصم الآن يحسن كثيرا من الأمور التي لا يحسنها بعض المبصرين، بل وجد ممن هو أصم وأعمى من يستفيد ويفيد والله المستعان، فإذا أصيب الإنسان بحبيبتيه فصبر له الجنة فماذا عمن أصيب بسمعه؟ هل نقول أن هذا من باب قياس الأولى والضرر اللاحق بسبب السمع أعظم من الضرر اللاحق بسبب البصر فيكون أجره أعظم أو نقول النص ورد في البصر والإنسان يفقد بفقد بصره ما كان يستمتع به بخلاف الأصم فإنه لا يفقد إلا الكلام وتقوم الإشارة مقامه مع أن أهل العلم يقررون أن أثر السمع أعظم من أثر البصر، فإما أن يقال: إن هذا الذي فقد السمع الضرر عليه أبلغ فيكون أجره أعظم ويكون من باب قياس الأولى، أو نقول أن النص ورد في البصر وفقد السمع مصيبة من المصائب التي يؤجر عليها أجرًا الله جل وعلا يقدره بقدره وبقدر ما يحتف به من صبر واحتساب إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه الواضح من الحديث أنه كان مبصرًا ثم فقد البصر فماذا عمن ولد أكمه؟ هل يعوض الجنة أو لا يعوّض؟ وهل الضرر اللاحق لهذا الذي ولد أكمه مثل الضرر اللاحق لشخص كان مبصرًا ثم عمي أيهما أشد ضررًا؟ من فقد بصره لا شك أنه أعظم ضررا باعتبار أنه ذاق لذة البصر ثم فقدها بخلاف من ولد أكمه يعني من عاش في نعيم ثم فقده أعظم ممن ولد فقيرا وعاش فقيرا ومات فقيرا، من ابتلي بفقد الحبيبتين  فتسنَّى له العلاج، ثم قال الأطباء عندنا لك علاج هل الأفضل أن يعالج ليبصر أو يصبر ويحتسب ويعوض الجنة؟ هل نقول في مثل هذا مثل ما قلنا في المرأة التي تصرع هل الأفضل لهذا أن يعالج أو يترك؟ الشيخ ابن باز رحمة الله عليه عرض عليه العلاج فرفض العلاج قال إنه صابر ومحتسب ويرجو الجزاء المذكور في مثل هذا الحديث، هل نقول لكل أعمى اصبر واحتسب ولك الجنة؟ أو نقول عالج وتستفيد من بصرك؟ كل هذا يترتب على الأثر من العلاج وتركه، إذا كان شخص لايحفظ القرآن ويقرأ القرآن من المصحف وعمي فخسر القرآن فإذا قيل له عالج قال نعم أعالج لأقرأ القرآن وأكسب في كل ختمة ثلاثة ملايين حسنة، وإذا  استمر العمى معي ما استفدت نقول الأثر المترتب على العلاج إن كان بالغًا بمثل هذه الصورة فنقول عالج ولا يمنعه أحد من العلاج، لكن المسألة مسألة مفاضلة هل نقول احتسب كما قال النبي عليه الصلاة والسلام للمرأة التي تصرع أو نقول للآثار المترتبة على ذلك؟ وهي أعظم من كونك أعمى وإن كان العمى أحيانًا فيه فائدة وفيه منفعة ولا شك أن الله- جل وعلا -إذا سلب شيئًا عوض عنه، وقال شخص لأعمى هل استفدت من العمى كأنه مستخف به قال نعم استفدت فائدة عظيمة ألا أراك ولا أرى أمثالك، فلا شك أن العمى أحيانًا فيه فائدة لكنه مصيبة وبلوى، على كل حال كما جاء في الحديث وأحيانًا يبتلى الإنسان فيصبر ويحتسب ويكون له الجزاء، وأحيانًا يمن عليه بهذه النعمة نعمة البصر ثم لا يستعملها فيما يرضي الله جل وعلا إما يهدرها فلا يستفيد منها أو يستعملها فيما يحرم عليه من النظر إلى المحرمات، وقد تيسر ذلك اليوم والإنسان في قعر بيته ينظر إلى المحرمات فيكون بصره وبالاً عليه وعاش الناس مدة ومع الأسف أن بيوت المسلمين غزيت، عوام المسلمين غزيت بيوتهم برؤية المحرمات برؤية السفور بل الفجور، غزيت بالشهوات، غزيت بالشبهات، ثم بعد ذلك جاءت الطامة الكبرى غزيت بالشرك الأكبر قنوات السحر في بيوت المسلمين نسأل الله السلامة والعافية فنقول من يستعمل بصره لمشاهدة هذه الأمور نقول العمى خير له بكثير من هذا البصر، وقل مثل هذا في السمع إذا كان يسمع كلام الله جل وعلا ويسمع الذكر ويسمع المواعظ السمع ينفعه لكن إذا كان يسمع به ما حرم الله جل وعلا صار السمع وبالاً عليه .

باب عيادة المريض

 عن جابر رضي الله عنه قال جاءني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني ليس براكب بغلٍ ولا برذون.

هذه الترجمة في الصحيح هي الخامسة عشرة والتي قبلها هي السادسة وبينهما تراجم ونشير إليها بسرعة لأن الوقت قد لا يستوعب الترجمة الثامنة بعد السابعة، يعني باب فضل من ذهب بصره هي السابعة والثامنة باب عيادة النساء الرجال، يقول ابن حجر بالشرط المعتبر لا تعود الرجال لتحصل سنة وترتكب محرما، يعني بالشرط المعتبر، يقول: وعادة أم الدرداء رجلاً من أهل المسجد من الأنصار وذكر فيه حديث عائشة حينما عادت أباها وبلالاً فدخلت عليهما وقالت يا أبت كيف تجدك ويا بلال كيف تجدك؟ يعني تسألهما عن حالهما وسيأتي في ترجمة في آخر الباب ذكر هذا الحديث بتمامه- إن شاء الله تعالى- الترجمة التاسعة باب عيادة الصبيان النبي عليه الصلاة والسلام لما دعته بنته وولدها في السياق جاء عائدًا لهذا الصبي فدل على أن الصبيان يعادون وعيادتهم سنة مشروعة، وبعض الناس لما يقال له ولد فلان مريض قال هذا رضيع ما يستحق الذهاب إلى المستشفى، الإشكال أن أمور المسلمين في الغالب صارت معاوضة، هذا الصبي لو مرضت ما زرني إذن لست بزايره، صارت معاوضة، فلان مات ولدي ما صلى عليه لماذا أصلي على ولده، صارت أمورنا كثير منها بهذه الطريقة، وكثير من الناس يصرح بمثل هذا ولا يرجو ثواب الله جل وعلا المرتب على هذه الأمور.

 العاشرة باب عيادة الأعراب، مرض أعرابي بالحمى فزاره النبي عليه الصلاة والسلام وقال لا بأس طهور فقال الأعرابي حمى تفور تزير القبور قال له ذلك، فالنبي عليه الصلاة والسلام زار الأعرابي وبعض الناس لما يقال له فلان قال هذا أعرابي ما يسأل عنه، مثل ما يقول في الصبي، الأجر المرتب على الزيارة ثابت لكل أحد وإذا عرفنا أن الأمر في أكثر من نص عودوا المريض، أمرنا بعيادة المريض، ونفرِّط في مثل هذه الأمور ويوجد من الموفقين من الكبار والشباب من يوفِق في يومه وليلته بفضائل كثيرة جدًا، فتجده يحضر الدروس، تجده يصوم النوافل، ويكثر من الصلاة، ويتتبع المساجد التي يصلى فيها على الجنائز، ويتبع الجنائز، ويزور المرضى، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، ولا يعوقه ذلك عن أي مصلحة دينية أو دنيوية؛ لأن بعض الناس إذا قلت له اقرأ القرآن في سبع قال أين الوقت ما عندنا وقت، ما فيه وقت نقول عندك وقت اجلس بعد صلاة الصبح ساعة وتقرأ القرآن في سبع تحصل في كل أسبوع ثلاثة ملايين حسنة وتنصرف من المسجد قبل الدوام، بإمكانك أن تجلس مع أهلك وتفطر معهم وتروح الدوام أو تروح لمدرستك إن كنت طالبًا ما يعوقك هذا عن شيئ، لكن المسألة مسألة احتساب ومسألة عزيمة ونظر للآخرة لأن بعض الناس ما يلقي بالا للآخرة مع أنه إنما خلق من أجل تحقيق العبودية لله جل وعلا فعلى الإنسان أن يجعل مثل هذه الأمور نصب عينيه.

 الحادية عشرة عيادة المشرك، ومعلوم أن عيادة مثل هذا أشمل من ذلك وأعم، والصلة والهجر بالنسبة للمشرك وللمخالف هي علاج إن كانت الصلة أنفع له ولذويه وأقاربه بمعنى أننا بزيارته ندخل إلى قلبه فنستطيع دعوته، إذا كان بزيارتنا له يتشبث بشركه ويقول لولا أني على حق ما زاروني ويصاب أهله بشيء من الغرور وبالاحتجاج على بعض الناس من المسلمين بزيارة فلان، لو عندنا مخالفة ما زارنا الشيخ فلان أو فلان أو علان فالمسألة مسألة علاج، النبي عليه الصلاة والسلام زار هذا المشرك فدعاه فأسلم وهذه مسألة كبرى يحتاج إليها من يتعامل معهم، يعني شخص عنده عمال مشركون أوشخص يتعامل مع طوائف مبتدعة كيف يتعامل معهم؟ نقول عندك باب الصلة وباب الهجر إن كانت الصلة أجدى وأنفع للدعوة فالصلة، إن كان الهجر أجدى وأنفع للدعوة فالهجر؛ لأن بعض الناس لئام فمثل هذا يهجر لئلا يتذرع هو أو غيره أو يحتج بمثل هذه الزيارة والله المستعان. الترجمة الثانية عشرة بابٌ إذا عاد مريضًا فحضرت الصلاة فصلى بهم جماعة، يعني هل يلزم من هذا أن يترك الصلاة في المسجد؟ هذه الأمور تقدر بقدرها ولا تعارض بنصوص أخرى محكمة، يعني الأصل في الصلاة أنها في المسجد حيث ينادى بها لكن إذا عاد مريضًا وفي طريقه زحام مثلاً أو يوجد بعد في المسافة وغلب على ظنه أن الناس قد صلوا أو صلوا بالفعل يصلي وإذا أمكن أن يجمع بين الحسنات كلها فيصلي في المسجد جماعة ويعود المريض، يعني لو قيل مثلاً أن الزيارة تنتهي الساعة تسع وصلاة العشاء تقام تسعة إلا عشر الأصل أن تقدم الصلاة لكن إذا رجى وجود جماعة يصلي معهم ويسقط الواجب بهذه الجماعة يصلون في مسجد يتأخر لا شك أن تقديم ما يفوت من العبادات لا سيما وأن السنة في صلاة العشاء التأخير إذا اجتمعت هذه الأمور نقول أخر لا سيما إذا ارتفعت منزلتك عن الظِنة، لوقيل مثلاً أن الشيخ فلان يزور المرضى وترك الصلاة ويتذرع به آحاد الناس ويتخذونها طريقة وديدن وعادة نقول لا والله هذه أمور تدرس بعناية والنصوص الشرعية لا يضرب بعضها ببعض، النبي عليه الصلاة والسلام لما دعاه عتبان بن مالك ليتخذ مسجدًا في داره صلى به، وعتبان بن مالك يستدل بحديثه من يرى أن صلاة الجماعة سنة ويغفل عن حديث ابن أم مكتوم الذي قال له النبي عليه الصلاة والسلام بعد أن أبدى ما أبدى من الأعذار أتسمع النداء قال نعم قال أجب لا أجد لك رخصة، عتبان من خلال حديثه لا يسمع النداء بعيد، يعني هو إلى قباء أقرب منه إلى المسجد النبوي ومع ذلك لا يسمع هذا ولا هذا فيصلي الذي لا يسمع النداء لأن الوجوب عُلق بسماع النداء، لما أبدى الأعذار وقال أنه شاسع الدار وفي طريقه هوام وليس له قائد يلائمه أتجد لي رخصة أن أصلي في البيت قال نعم فلما ولى دعاه قال له أتسمع النداء قال نعم قال أجب لا أجد لك رخصة. الترجمة الثالثة عشرة باب وضع اليد على المريض ابن مسعود وضع يده على النبي عليه الصلاة والسلام وقال إنك توعك كما يوعك الرجلان منكم فهذه سنة لكن ما يتذرع بهذا أن يقال وضع اليد على المريض سنة فيضعه على مرأة تحرم عليه، أو على صبي يفتنه لا؛ لأن درأ المفاسد مقدم على جلب المصالح، ومع الأسف يذكر عن بعض الرقاة أنهم يتصرفون تصرفات محرمة يضع يده على المريضة ويقول نطبق السنة، وقد يضعه عليها بدون حائل وهذه خطوات الشيطان شيئًا فشيئًا إلى أن وجد من زاول الفاحشة مع من يرقيها نسأل الله السلامة والعافية فخطوات الشيطان لا شك أن الشيطان يستدرج فيلبس على الناس بمثل هذه الترجمة، نعم وضع رجل على رجل يضع يده عليه ما المانع؟ امرأة على امرأة تضع، لكن رجل يده على امرأة أو العكس لا. الترجمة الرابعة عشرة يقول: باب ما يقال للمريض وما يجيب المريض، يعني المريض يقال له كذا إنك توعك كما يوعك الرجلان منكم، إنك توعك وعكًا شديدًا، يقال للمريض كذا ويجيب أجل إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم، على كل حال يقال له أنت والله الحرارة مرتفعة اليوم يقول نعم مرتفعة ما المانع؟ وينظر في التقرير ويقول والله اليوم الضغط مناسب أو السكر مناسب يجيب المريض والحمد لله، والتسلية للمريض مطلوبة وإدخال ما يسره مطلوب لكن ما كل شيء يقال للمريض بحيث يزيد مرضه إنما يقال له ما يدخل السرور عليه، وأما قول ابن مسعود إنك توعك وعكًا شديدًا فهل يؤثر هذا في قلب النبي عليه الصلاة والسلام لا يمكن. الترجمة الخامسة عشرة بعد أن انتهينا من الرابعة عشرة "باب عيادة المريض راكبًا وماشيًا وردفًا على الحمار" وردفًا على الحمار إذا كان المكان بعيدًا ويشق المشي فالركوب لأنه أرفق وإذا كان قريبًا ولا يشق المشي فيأتي ماشيًا والخيار إليه، نعم المشي إلى الصلاة أفضل من الركوب؛ لأن الخطى تكتب، والنبي عليه الصلاة والسلام كما في حديث "جابر يقول جاءني النبي عليه الصلاة والسلام يعودني ليس براكب بغل ولا بِرْذَون" يعني هل المفهوم من هذا أنه كان راكب حمارا أو أنه كان ماشيًا؟ ليس براكب بغل ولا برذون يعني إذا نفي البغل والبرذون، والبغل معروف أنه متولد بين الفرس والحمار.

طالب: .................

نعم الفرس والحمار على ما قالوا والبِرْذَون نوع من الخيل جافي الخلقة كبير الحجم يستعمل في حمل الأمتعة الثقيلة مع الصعود بها إلى الجبال ومُرِّن على هذا، مفهوم قوله يعني جابرًا "جاءني النبي عليه الصلاة والسلام يعودني ليس براكب بغل ولا برذون" أنه جاء ماشيًا ولا يقال احتمال أنه جاء على راحلة، على ناقة، أو على جمل، أو على حمار، يعني كما جاء في حديث صلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى غير جدار هل مفهومه أنه صلى إلى سهم أو إلى سترة غير جدار؟ ابن عباس يقول يعني إلى غير سترة، وهنا نقول إنه- عليه الصلاة والسلام- جاء ماشيًا ولا شك أن الخطى تحسب بحيث لا يشق على نفسه فالمشقة ليست مقصودة في الشرع.

باب ما رخص للمريض أن يقول إني وجع أو وارأساه أو اشتد بي الوجع وقول أيوب عليه السلام إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين

 عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت وارأساه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك فقالت عائشة واثكلياه والله إني لأظنك تحب موتي ولو كان ذلك لظللت آخر يومك معرسًا ببعض أزواجك فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل أنا وارأساه لقد هممت أو أردت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه وأعهد أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون ثم قلت يأبى الله ويدفع المؤمنون أو يدفع الله ويأبى المؤمنون.

يقول المؤلف رحمه الله تعالى في الأصل في ترجمة البخاري "باب ما رخص للمريض أن يقول إني وجع" إني وجع ، يعني على سبيل الإخبار لا على سبيل الشكوى، وإخبار الطبيب بالعلة محل اتفاق يعني لو ذهب للستشفى للعلاج سأله الطبيب فقال إنه يشكو رأسه مثلاً أو يده أو رجله أو ظهره هذا لا شك أنه إخبار غير مقترن بالتشكي، القرائن تدل على هذا لكن لو كان على فراشه في بيته ثم جاءه من يزوره فقال إني وجع، البارحة ما نمت ويتشكى، لكن لمجرد الإخبار من غير تشكي ومن غير تسخط ومن غير اعتراض هذا لا بأس به "ما رخص للمريض أن يقول إني وجع أو وارأساه أو اشتد بي الوجع" وقول أيوب عليه السلام (أني مسني الضر) (وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين) قول أيوب أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين يدخل في الترجمة أو ما يدخل؟

طالب: .................

لماذا؟

طالب: .................

لأنه يدعو لكن لو كان على فراشه ودخل عليه شخص وقال أني مسني الضر دخل؛ ولذا اعترض ابن التين على ذكره في هذه الترجمة وقال هذا لا يناسب التبويب لأن أيوب إنما قاله داعيا ولم يذكره للمخلوقين، ابن حجر قال لعل البخاري أشار إلى أن مطلق الشكوى لا يمنع ردًا على من زعم من الصوفية أن الدعاء بكشف البلاء يقدح في الرضا والتسليم، يعني بعض غلاة الصوفية يقولون لا تدعو الدعاء ما له قيمة لا يغير من القدر شيء وتوكل على ربك ولا تدعو، فجعلوا مثل قول أيوب (أني مسني الضر) تشكي لكن تشكي لمن؟ التشكي الذي يمنع هو التشكي إلى المخلوق أما التشكي إلى الخالق الذي بيده كشف الضر هذا مطلوب هذا دعاء والدعاء عبادة؛ ولذا يقول ردًا على من زعم من الصوفية أن الدعاء بكشف البلاء يقدح في الرضا والتسليم فنبه على أن الطلب من الله ليس ممنوعًا بل فيه زيادة عبادة لما ثبت مثله عن المعصوم وأثني عليه وأثبت له معه اسم الصبر (إنا وجدناه صابرًا نعم العبد إنه أواب) مع قوله (أني مسني الضر) فمثل هذا لا ينافي الصبر ثم قال "عن عائشة رضي الله عنه قالت وارأساه" ندبت نفسها وأشارت إلى الموت من شدة الألم في رأسها والأصل في هذه الكلمة وارأساه أنه تفجع على الرأس من شدة الصداع، والنبي عليه الصلاة والسلام فهم من قوله أنها تقول أنها تعاني الموت "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاكِ" يخاطب أنثى فالكاف مكسورة "ذاكِ لو كان" يعني لو حصل الموت "وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك" لو أنا حي أدعو لك "فقالت" يعني الغيرة عندها برزت، يعني فهمت من كلامه أنه سواء ماتت أو حييت إن مات وهو حي دعا لها ما تريد هذا هي، ولذلك "قالت عائشة واثكلياه" والثكل الموت والهلاك وفقد الولد والوالد ثكلتك أمك يعني فقدتك "والله إني لأظنك تحب موتي" شكت عليه الموت فقال إن متي اليوم دعوت لك  كأنه ما أبدى تجاوبا مناسبا لهذا الظرف ففهمت هذا الفهم، فوالله إني لأظنك تحب موتي يعني أخذت ذلك من قوله لو مت وأنا حي "ولو كان ذلك" يعني "لو مت لظللت آخر يومك" من نفس يوم الموت يعني تدفنني في النهار "وتظل معرِّسًا ببعض نسائك" يعني تنام مع بعض نسائك ما كأن شيئًا حصل "لظللت آخر يومك" اليوم الذي ماتت فيه "معرسًا" يعني نائمًا مجامعًا لإحدى "ببعض نسائك" يعني ونسيتني ما كأنك فقدت شيئًا، وهذا يدل على عدم الاهتمام وعدم الاكتراث على حسب فهمها وعلى حسب ما تبادر إلى ذهنها "فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل أنا وارأساه" معنى ذلك أي دعي واتركي ما تجدينه من وجع رأسك واشتغلي بي فإنك لا تموتين بل تعيشين بعدي، وقد علم ذلك عليه الصلاة والسلام بالوحي، لقد هممت اللام واقعة في جواب قسم مقدر والله لقد هممت والهم هو العزم أو دونه من مراتب القصد كما هو معروف.

مراتب القصد خمس هاجس ذكروا

فخاطر فحديث النفس فاستمعا

يليه هم فعزم كلها رفعت

إلا الأخير ففيه الإثم قد وقعا

لقد هممت أوأردت والنبي عليه الصلاة والسلام لا يهم إلا بما يجوز له فعله "لقد هممت أو أردت" وهذا شك من الراوي هل قال النبي عليه الصلاة والسلام "هممت أو أردت؟ أن أرسل إلى أبي بكر وابنه" كأن النبي عليه الصلاة والسلام قال هذا في مرض موته "هممت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه وأعهد" يعني أوصي بالخلافة لأبي بكر كراهة "أن يقول القائلون" الخلافة لفلان أو فلان أو يتمنى المتمنون الخلافة "كراهة أن يقول القائلون" الخلافة لفلان وفلان "أو يتمنى المتمنون" أن تكون الخلافة لأنفسهم "ثم قلت يأبى الله" يعني الخلافة إلا لأبي بكر "ويدفع المؤمنون" خلافة غيره لاستخلافي له في الإمامة الصغرى، يعني النبي عليه الصلاة والسلام استخلفه في الصلاة، ولو وجد أفضل منه لما استخلفه؛ ولذا قال الصحابة في حال الاختيار قالوا رضيه الرسول- عليه الصلاة والسلام- لديننا أفلا نرضاه لدنيانا فهذا دليل على أنه مقدم على غيره في الخلافة "أو يدفع الله ويأبى المؤمنون" هذا شك من الراوي هل قال هذا أو هذا، قدم أو قال أو قدم هذا قول لقد هممت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه وأعهد، يعني أوصي إليه بالخلافة إرسال لأبي بكر وحضور أبي بكر ليكتب له الوصية بالخلافة ظاهر لكن ماذا عن حضور ابنه؟ كل هذا من باب استمالة قلب عائشة رضي الله عنها لأنها غارت وغضبت وحصل منها ما حصل، تحتاج إلى شيء يمتص ما عندها من أثر ما فهمته من كلام النبي عليه الصلاة والسلام، وهكذا ينبغي أن يكون التعامل مع الأزواج ومع الأولاد ومع الجيران ومع الزملاء ومع كل أحد إذا نطق إنسان بكلمة فهمت على غير قصده فالمطلوب أن يأتي بكلمة تمتص ما أثّرت تلك الكلمة، ويكون التعامل بين الناس مثل تعامل معاوية- رضي الله عنه- مع رعيته أنه كان كأنه وضع بينه وبينهم شعرة يعني لو جذبها بقوة وجذبوها بقوة ما الذي يصير تنقطع، لكن إذا جذبوها أرخى قليلاً وإذا جذبها أرخوا قليلاً فيحصل بذلك الاستمرار في العشرة الطيبة، والمرأة لا شك أنها مجبولة على شيء من الغيرة لا سيما إذا وجد معها ضرات تكون حساسة حساسية شديدة تحسب لكل كلمة حساب، وحينئذٍ على الزوج أن يتعامل معها على قدر عقلها.

باب تمني المريض الموت

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه فإن كان لا بد فاعلاً فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني ما كانت الوفاة خيرًا لي". "وعن خباب رضي الله عنه أنه اكتوى سبع كيات فقال إن أصحابنا الذين سلفوا مضوا ولم تنقصهم الدنيا وإنا أصبنا ما لا نجد له موضعًا إلا التراب ولولا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا على أن ندعو بالموت لدعوت به". وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "لن يدخل أحدًا عملُه الجنة قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة فسددوا وقاربوا ولا يتمنين أحدكم الموت إما محسنا فلعله أن يزداد خيرًا وإما مسيئا فلعله أن يستعتب".

هذه الترجمة هي التاسعة عشرة في الصحيح باب تمني المريض الموت وأما الترجمة السابعة عشرة كما في الصحيح: باب قول المريض قوموا عني. النبي عليه الصلاة والسلام في مرض موته أراد أن يوصي ويعهد ويكتب كتابا لا يختلفون بعده فتلاحى فلان وفلان فقال عمر رضي الله عنه حسبنا كتاب الله، فقال النبي عليه الصلاة والسلام قوموا عني قوموا عني لا شك أنه إذا حصل شيء يضجر المريض، والمريض في حالة نفسية تجعله يضجر لأدنى شيء بخلاف السليم الصحيح فإنه يتحمل، والمريض لا يتحمل فمن حقه أن يقول قوموا عني وإذا احتاج إلى الراحة من حقه أن يقول قوموا عني ولا يلام مثل ما يلام السليم. والترجمة الثامنة عشرة باب من ذهب بالصبي المريض ليدعى له، إذا كان عندك ولد صبي أو بنت مريض أو مريضة تذهب به لمن يدعو له بأن يرفع عنه هذا المرض أو يرقيه هذا مشروع، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يؤتى بالصبيان وكان خيار الأمة أيضًا كذلك، وليس هذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام كما يقال في التبريك والتحنيك وما أشبه ذلك الذي لم يفعله خيار الأمة مع أبي بكر وعمر إنما الدعاء أمره واسع، والنبي- عليه الصلاة والسلام- قال لعمر إذا رأيت أويسًا فقل له يستغفر لك فدعاء الأخيار لغيرهم سواء كانوا أخيارا أو دون ذلك سواء كانوا كبارا أو صغارا أمر مشروع، وليس من باب المسألة المنهي عنها قيل وقال وكثرة السؤال هذا ليس من المسألة؛ لأن المقصود بالمسألة المنهي عنها ما يتعلق بأمور الدنيا، أما المسألة في مسائل العلم مثلاً أو مسائل الدعاء له بأن يوفَّق في دينه ودنياه هذا ما فيه إشكال، بعد هذا باب تمني المريض الموت وتمني معروف مصدر مضاف إلى فاعله والمصدر يعمل عمل فعله ولذلك نصب به الموت باب تمني المريض الموت، أي هل يمنع مطلقًا أو يجوز مطلقًا أو يمنع في حال دون حال ثم ساق الحديث "عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يتمنين" والخطاب في أحدكم للصحابة ومن بعدهم في حكمهم؛ لأن هذا خطاب شرعي تكليفي، نهي وليس خاصًا بالصحابة وإنما هو للأمة ممن يأتي بعدهم كهم "لا يتمنين أحدكم الموت لضرٍ أصابه" ويقيد هذا الضر بالضر الدنيوي بخلاف الضر الأخروي فإذا خشي على نفسه فتنة في دينه لا مانع أن يتمنى الموت لئلا يحصل له ما يفتله ويفتنه عن دينه، والدين رأس المال ولا خير في الحياة بدونه "فإن كان لا بد فاعلاً" يعني لهذا التمني "فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي" وبعض الروايات ما كانت كالأولى، قوله فليقل يدل على أن النهي عن التمني مقيد بما إذا لم يكن على هذه الصيغة، يعني هذه الصيغة جائزة فإن كان لا بد فاعلاً للتمني وهذا يدل على أن قوله اللهم أحيني تمني لكنه تمني مستثنى من النهي عن تمني الموت، فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي فيرد الأمر إلى الله جل وعلا وهو أعلم بالعواقب فإذا كانت العاقبة خيرًا فيطلب أو يدعو بالحياة وإذا كان الموت خيرًا له ويخشى عليه في مقتبل عمره من زيغ أو ضلال أو ردة أو تغييرٍ أو تحريف أو تبديل فالوفاة خيرٍا له ثم بعد هذا قال "عن خباب" وهو ابن الأرت رضي الله تعالى عنه "أنه اكتوى سبع كِيّات" يعني في بطنه اكتوى سبع كيات، في بعض الروايات فقال ما أعلم أحدًا لقي من البلاء ما لقيت، اكتوى سبع كيات وقال إنه ما لقي أحد من البلاء ما لقيت، والسياق ظاهر في أنه لقي من البلاء في بدنه ويقول بعضهم أنه أراد بالبلاء ما فتح عليه من المال بعد أن كان لا يجد درهمًا ولا شك أن انفتاح الدنيا بلاء وابتلاء من الله جل وعلا ويقل ويندر من يجتاز هذا البلاء بنجاح، اكتوى سبع كيات وجاء النهي عن الكي على ما سيأتي، وفي حديث السبعين الألف لا يكتوون، وجاء أيضًا أن الشفاء في ثلاث، ومنها: الكي وسيأتي الحديث عن الكي- إن شاء الله تعالى- عمران بن حصين في مرضه كان يُسلَّم عليه، تسلم عليه الملائكة عيانًا السلام عليك ثم اكتوى فانقطع التسليم، ثم ندم على ذلك فعاد التسليم،  وعمران بن حصين من جلة الصحابة يسلم عليه في مرضه عيانًا يعني تسلم عليه الملائكة بصوت يسمعه، فلما اكتوى دل على أن الكي مفضول لكنه قد يضطر إليه الإنسان لكنه ليس بحرام على ما سيأتي في حكمه، انقطع التسليم فندم على ذلك فعاد التسليم وسيأتي الكلام على الكي بشيء من التفصيل- إن شاء الله تعالى- فقال "إن أصحابنا الذين سلفوا" يعني من الصحابة الذين مضوا قبله وماتوا قبله "مضوا ولم تنقصهم الدنيا" يعني ما فتحت عليهم الدنيا فإذا كان الإنسان يسأل عن النعيم ثم لتسألن يومئذٍ عن النعيم لا شك أن هذا على حساب ما اكتسبه من أجر، يعني المعاوضة في الدنيا لكن لو لم يفتح شيء من أمور الدنيا ولا تنعم بالدنيا كمن مضى من أصحابه فإن هذا لا شك أنه يوفر له الأجر يوم القيامة، لم تنقصهم الدنيا أي لم تنقص أجورهم بمعنى أنهم لم يتعجلوها في الدنيا، والدنيا لا شك أن من عجل له شيء منها صار على حساب ما يدخر له يوم القيامة "وإنا أصبنا ما لا نجد له موضعًا إلا التراب" ما لا نجد له موضعًا إلا التراب، منهم من يقول إن المراد به الإنفاق في البنيان الإنفاق في البنيان، ومنهم من يقول إنه لا يوجد له موضع إلا أن يكنزه تحت التراب من كثرته "ولولا أن النبي عليه الصلاة والسلام نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به" الدعاء بالموت أخص من تمني الموت لأنه قد يتمنى ولا يدعو لكنه لا يدعو إلا إذا تمنى وكل دعاء تمني، يعني مشتمل يكون بعد التمني دعاء من غير عكس، فلذلك أدخله في هذه الترجمة لا يقال أن الترجمة باب تمني الموت وهذا أنا دعوت به، يقول الراوي ثم أتيناه مرة أخرى خباب وهو يبني حائطًا له فقال إن المسلم ليؤجر في كل شيء ينفقه إلا في شيء يجعله في هذا التراب يعني تبني قصر أكثر من حاجتك ما تؤجر عليه بل يعد هذا إسرافا، كل إنفاق تصحبه النية الصالحة يؤجر عليه إلا ما يجعل في التراب لكن لو اشترى أرضًا مساحتها عشرة آلاف متر ويكفيه مع أسرته خمسمائة متر وقال زيادة هذه المساحة أجعلها لضيوفنا وأبناء السبيل وطلاب العلم يعتبر نفسه مأوى للغرباء مثلاً ويبني بهذه النية لا شك أنه يؤجر عليها، لكن إن تظاهر للناس بهذا وفي قرارة نفسه العكس لا شك أنه يذم بهذا القصد كمن هاجر للدنيا والأصل في الهجرة من أجل الدنيا ما فيها إشكال وشخص ما وجد عمل في هذا البلد وانتقل إلى بلد آخر يوجد فيه عمل لايلام، وجد شخص بحث عن زوجة في هذا البلد ما وجد، فسافر إلى بلد آخر ليتزوخ ما يلام لكن يلام إن تظاهر بأنه إنما هاجر لله ورسوله وهو في حقيقة الأمر إنما هاجر من أجل المرأة أو الدنيا، وهكذا إذا وسّع البيت وقال يريده مأوى لأبناء السبيل ثم بعد ذلك يغلق الأبواب ويجعله منتزهًا له ولأولاده يزاول فيه الرياضات ويزاول فيه المشي والجري هذا لا يؤجر عليه، ثم قال رحمه الله: "عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لن يدخل أحدًا عملُه الجنة" لن يدخل أحدًا عملُه الجنة، الله جل وعلا يقول: (وتلك الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون) والرسول عليه الصلاة والسلام يقول "لن يدخل أحدًا عملُه الجنة" فيه تعارض أو ما فيه تعارض؟ الظاهر فيه تعارض، (أورثتموها بما كنتم تعملون)، (ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) هذا ظاهره التعارض لكن أهل العلم يقولون: إن دخول الجنة بفضل الله ورحمته والمنازل منازل الجنة ودرجات الجنة تنال بالأعمال "قالوا ولا أنت يا رسول" لا ينجيك عملك مع عظم قدره عند الله- جل وعلا- "قال لا ولا أنا إلا أن يتغمدني" يعني يسترني الله جل وعلا "بفضل ورحمة" وفي رواية: إلا أن يتداركني الله برحمته "فسددوا" اقصدوا السداد أي الصواب "وقاربوا" يعني دون تفريط ولا إفراط فسددوا وقاربوا "ولا يتمنين أحدكم الموت" لماذا؟ لأنك لا تخلو من حالين "إما محسنًا" إما أن تكون محسنًا فلعلك أن تزداد خيرًا "إما محسنا فعله أن يزداد خيرًا وإما أن يكون مسيئًا فلعله أن يستعتب" فلعله أن يستعتب يعني يطلب العُتبى والإرضاء بالتوبة مما صدر منه وبدر من السيئات ورد المظالم إلى أهلها وتدارك ما فات من عمره؛ لأنه كان مسيئًا فمثل هذا زيادة العمر له بهذا القصد نافع، لكن زيادة العمر له مع استمراره في عصيانه خيركم من طال عمره وحسن عمله وشركم من طال عمره وساء عمله.

باب دعاء العائد للمريض

 عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى مريضًا أو أتي به إليه قال أذهب البأس رب الناس اشف وأنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاءً لا يغادر سقمًا.

نعم هذه الترجمة العشرون في الصحيح "باب دعاء العائد للمريض" يعني بالشفاء ونحوه وزيادة الأجر وقالت عائشة بنت سعد يعني ابن أبي وقاص وهذا في الصحيح عن أبيها أن النبي عليه الصلاة والسلام قال اللهم  اشف سعدًا دعا لسعد اللهم اشف سعدا "عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى مريضًا أو أُتي به إليه" أو هذه شك من الراوي أو تقسيم؟ الشراح يقولون شك من الراوي والذي يظهر أنها تقسيم تنويع لأن من المرضى من يأتيه النبي عليه الصلاة والسلام يزوره، ومن المرضى من يؤتى به إليه فهي تقسيم وليست بشك "قال أذهب الباس رب الناس" دعاء يا رب الناس أذهب الباس وتقديم "أذهب الباس رب الناس" وجاء في بعض الروايات رب الناس أذهب الباس فيكون التقديم من باب الاهتمام بالذهاب، إذهاب البأس مع أن تصدير الكلام بالرب أولى لتكون "أذهب رب الناس" أذهب الباس "اشف" يعني ارفع المرض عن هذا المريض "وأنت الشافي" وأنت الشافي اشف، هذه همزة وصل، وإذا جعلت همزة قطع انقلب المعنى أشفي، بعض الأئمة يدعو فيقول: اللهم أشفي مرضانا هذا دعاء عليهم، اشف وأنت الشافي، وأنت الشافي مبتدأ وخبر، وتعريف الخبر باللام يدل ويفيد الحصر وأكد هذا الحصر بالجملة التي تليها لا شفاء إلا شفاؤك "لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر" يعني لا يترك "سقمًا" بفتح السين والقاف سَقَمًا ويروى بضم السين وسكون القاف سُقْما وهو نكرة تفيد العموم، يعني سقمًا لا صغيرًا ولا كبيرًا لا يسيرًا ولا عظيمًا، لا يغادر سقمًا أي سقما لا يترك في البدن سقما، لأنه قد يدعى برفع مرض يأتي المريض ويقول ظهره يوجعه، يؤلمه ظهره يشكو إلى الطبيب ويقول: إن ظهره يؤلمه، ويقول الطبيب الذي يحس به من مرض في ظهره ثم يعالجه أو يأتي للراقي فيقول أن ظهره يؤلمه فينفث على ظهره، وهناك أمراض أخرى يتناولها العموم شفاء لا يغادر سقما، يعني هذا الذي ذكرت وغير من الأمراض يمكن هناك أمور وأمراض لا يدركها المريض فقد يحصل الشفاء من ذلك المرض فيخلفه مرض آخر، فالدعاء بهذا للمريض يكون بالشفاء المطلق لا مطلق الشفاء، يعني بالشفاء المطلق لجميع الأمراض لا مطلق الشفاء من هذا المرض بعينه، اشف أنت الشافي هذا يدل على أن تدبير الطبيب والدواء النافع المجرب لهذا المرض لا يفيد ولا ينجع في المريض إذا لم يقدر الله له الشفاء، يقول ابن حجر: استشكل الدعاء للمريض بالشفاء لماذا؟ لأن المرض كفارة للذنوب كيف يطلب رفع هذه الكفارة عنه؟ والجواب أن الدعاء عبادة ولا ينافي الثواب والكفارة لأنهما يحصلان بأول المرض والصبر عليه والاحتساب فيه والداعي يجمع بين حسنتين: إما أن يحصل له المقصود وهو الشفاء أو يعوَّض عنه بجلب نفع أو دفع ضرٍّ والكل بفضل الله تعالى؛ لأن الداعي إذا دعا بإخلاص لله جل وعلا لن يخيب، (ادعوني أستجب لكم) لن يخيب فإما أن يجاب فيحصل له ما طلب أو يرفع عنه من البلاء ما هو أعظم منه أو يدخر له في القيامة. الترجمة التي بعد هذه الترجمة الحادية والعشرون يقول رحمه الله: باب وضوء العائد للمريض، وذكر فيه حديث جابر الذي تقدم في الترجمة رقم خمسة وأن النبي عليه الصلاة والسلام زاره وهو مغمى عليه فتوضأ النبي عليه الصلاة والسلام فصب عليه من وَضوئه فأفاق، لكن هل هذا يحسن من كل أحد، كل عائد يتوضأ ويصب على المريض؟ هذا خاص بمن جعل الله فيه البركة وهو النبي عليه الصلاة والسلام. الترجمة الثانية والعشرون: باب من دعى برفع الوباء والحمى، وذكر حديث عائشة رضي الله عنها قالت لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وُعك أبو بكر وبلال قالت فدخلت عليهما فقلت يا أبت كيف تجدك ويا بلال كيف تجدك؟ وكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول

كل امرئ مصبّح في أهله    .

 

والموت أدنى من شراك نعله

كل امرئ مصبّح في أهله    .

 

والموت أدنى من شراك نعله 

الموت قريب وكان بلال إذا أقلع عنه يعني خفت عليه الحمى يرفع عقيرته يعني يرفع صوته فيقول:

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة

بواد وحولي إذخر وجليل

يعني بمكة لأن المدينة لما هاجروا إليها كانت محمّة يعني فيها حمى وفيها وباء لكن النبي عليه الصلاة والسلام دعا برفع هذا الوباء وهذه الحمى إلى الجحفة وانقل حماها إلى الجحفة، والجحفة كانت مأهولة بيهود تنقل هذه إلى الجحفة واشتهرت بالحمى بعد الدعوة النبوية.

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة

 

بواد وحولي إذخر وجليل .

يتغنى ببلده الذي هاجر منه والحنين إلى الأوطان معروف لكن هؤلاء الصحابة الأجلة تركوا هذا البلد الطيب الطاهر الذي هو أفضل البقاع على الإطلاق تركوه وهاجروا مع النبي عليه الصلاة والسلام نصرة لدينه ولنبيه عليه الصلاة والسلام، ثم قال وهل أرد يومًا مياه مجنة

مجنة معروف سوق من أسواق العرب مثل ذي المجاز وعكاظ، وهل تبدون لي شامة وطفيل جبلان بمكة، والخطابي يقول إنهما ماءان على مقربة من مكة..

 والله وصلى الله وسلم وبارك  على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

فيه سؤال ملح يا شيخ بارك الله فيك ذكرتم أحسن الله إليكم أن في شرح حديث المرأة السوداء دليل على ترك التداوي وذكرتم كلام شيخ الإسلام لا أعلم سالفًا أوجب العلاج قد يحدث هذا إشكال الحقيقة لأنه أيضًا ورد عن شيخ الإسلام ابن تيمية أنه قال ومن العلاج ما يكون منه واجبًا ومنه ما يكون مستحبًا ومنه ما يكون مباحًا ومنه ما يكون مكروهًا ومنه ما يكون حرامًا وهناك بعض الأمراض كالنزيف مثلاً الذي قد يودي بحياة المريض هل يقال في مثل هذه الحالات أن التداوي متروك للإنسان أن يتخذها قارة ويقال أنه يجوز التداوي ويجوز تركه؟

أما بالنسبة لحكم التداوي فالأصل فيه أنه مباح وقد تنتابه الأحكام الخمسة إذا كان تركه يوقع في محرم، من جزع شديد وتسخط واعتراض على القدر نقول تعالج يا أخي يلزمك العلاج، وإذا كان يوقع في مكروه فيستحب العلاج إذا كان يترتب عليه الصبر والاحتساب فلا شك أن تركه أولى ولذلك في حديث المرأة قالت أصبر، "إن شئت صبرت ولك الجنة" هذا دليل ظاهر على أن ترك العلاج في مثل هذه الحالة فيمن يقدر على الصبر والاحتساب أنه أفضل بلا شك وكثير من الأمور المباحة قد يحتف بها تقول الأصل فيها الإباحة ثم قد يحتف بها ما يجعلها واجبة وقد يحتف بها ما يجعلها محرمة وقد يحتف بها ما يجعله بين الأمرين.

فضيلة الشيخ هل طلب المريض الدعاء من أشخاص آخرين بالشفاء يدخل في حكم طلب الرقية؟

 

نعم يدخل في طلب الرقية لأن الرقية هي عبارة عن دعاء الرقية عبارة عن دعاء. والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"
فيه سؤال ملح يا شيخ بارك الله فيك ذكرتم أحسن الله إليكم أن في شرح حديث المرأة السوداء دليل على ترك التداوي وذكرتم كلام شيخ الإسلام لا أعلم سالفًا أوجب العلاج قد يحدث هذا إشكال الحقيقة لأنه أيضًا ورد عن شيخ الإسلام ابن تيمية أنه قال ومن العلاج ما يكون منه

فيه سؤال ملح يا شيخ بارك الله فيك ذكرتم أحسن الله إليكم أن في شرح حديث المرأة السوداء دليل على ترك التداوي وذكرتم كلام شيخ الإسلام لا أعلم سالفًا أوجب العلاج قد يحدث هذا إشكال الحقيقة لأنه أيضًا ورد عن شيخ الإسلام ابن تيمية أنه قال ومن العلاج ما يكون منه واجبًا ومنه ما يكون مستحبًا ومنه ما يكون مباحًا ومنه ما يكون مكروهًا ومنه ما يكون حرامًا وهناك بعض الأمراض كالنزيف مثلاً الذي قد يودي بحياة المريض هل يقال في مثل هذه الحالات أن التداوي متروك للإنسان أن يتخذها قارة ويقال أنه يجوز التداوي ويجوز تركه؟
أما بالنسبة لحكم التداوي فالأصل فيه أنه مباح وقد تنتابه الأحكام الخمسة إذا كان تركه يوقع في محرم ترك العلاج يوقع في محرم من جزع شديد وتسخط واعتراض على القدر نقول تعالج يا أخي يلزمك العلاج وإذا كان يوقع في مكروه فيستحب العلاج إذا كان يترتب عليه الصبر والاحتساب فلا شك أن تركه أولى ولذلك في حديث المرأة قالت أصبر إن شئت صبرت ولك الجنة هذا دليل ظاهر على أن ترك العلاج في مثل هذه الحالة فيمن يقدر على الصبر والاحتساب أنه أفضل بلا شك وكثير من الأمور المباحة قد يحتف بها تقول الأصل فيها الإباحة ثم قد يحتف بها ما يجعلها واجبة وقد يحتف بها ما يجعلها محرمة وقد يحتف بها ما يجعله بين الأمرين.

فضيلة الشيخ هل طلب المريض الدعاء من أشخاص آخرين بالشفاء يدخل في حكم طلب الرقية؟

نعم يدخل في طلب الرقية لأن الرقية هي عبارة عن دعاء الرقية عبارة عن دعاء.