شرح ألفية الحديث للحافظ العراقي (48)

بسم الله الرحمن الرحيم

شرح ألفية الحافظ العراقي (48)

(تابع: باب: آداب المحدث)

الشيخ/ عبد الكريم الخضير

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. فيقول الناظم -رحمه الله تعالى- في باب: آداب المحدث

يقول -رحمه الله تعالى-:

وَاعْقِدْ لِلاِمْلاَ مَجْلِسًا فَذَاكَ مِنْ
تَكْثُرْ جُمُـوْعٌ فَاتَّخِذْ مُسْتَمْلِيَا


 

أَرْفَعِ الاسْمَاعِ وَالاَخْذِ ثُمَّ إِنْ
مُحَصِّلًا ذَا يَقْظَـةٍ مُسْتَـوِيَا


نحن وقفنا على هذا.   

يقول -رحمه الله تعالى-: "واعقد للإملا" الإملاء: ضرب ونوع وقسم من أقسام التحمل، بل فرع من فروع القسم الأول، من أقسام التحمل الثمانية، القسم الأول: السماع من لفظ الشيخ، وتقدم شرحها مفصلًا أعني الأقسام الثمانية، فالأول منها: السماع من لفظ الشيخ، وقلنا في وقتها كما قال أهل العلم: إنه أرفع أنواع التحمل، وأرفعه الإملاء، أرفع أنواع هذا القسم الإملاء، لما يلزم فيه من تحرز الشيخ والطالب، الشيخ يملي والطالب يكتب، كلاهما متحرز، الشيخ منتبه لما يقول، والطالب منتبه لما يكتب.

واعقد للإملا مجلسًا فذاك من
ج  

 

أرفع الاسماع......................
 
ج

يعني أرفع أنواع السماع من لفظ الشيخ، وإذا كان السماع من لفظ الشيخ أرفع طرق التحمل فيكون الإملاء -إملاء الشيخ على الطلاب، والطلاب يكتبون- أرفع الأنواع مطلقًا، إذ هو أرفع الأرفع، الإملاء سنة متبعة عند أهل الحديث لا يقصد بها السنة الشرعية؛ لأن العلم كله سنة، نعم لكن سنة وطريقة متبعة عند أهل الحديث، يعقدون مجالس للإملاء ينتقون فيها بعض الأحاديث يهتمون بها، ويعتنون بها، مما لها صفة تميزها، ينتقي من أحاديث شيوخه التي يرويها بأسانيده العوالي مثلًا، أو القصار من الأحاديث، أو ذات الموضوع الواحد من أحاديث شيوخه، أو لها صبغة معينة، أو وصف يشملها، وتكون من نوادر حديثه.

الإملاء كان معروفًا عند المتقدمين، ثم انقطع فترة من الزمن، فأعيد، أعاده الحافظ العراقي، والحافظ ابن حجر، والولي ابن الحافظ العراقي، والسخاوي والسيوطي، كلهم أملوا بعد انقطاعه، إلى منتصف القرن أو إلى أواخر القرن الثامن، الإملاء مثلما ذكرنا ينتقي من أحاديثه من مروياته عن شيوخه من الأحاديث التي يرويها بأسانيده أحاديث لها صفة تميزها، يعني غير مجالس التحديث، يعني يوم في الأسبوع مثلًا يقول: عندكم يوم الاثنين بعد صلاة العصر، أو يوم الثلاثاء أو يوم الجمعة مجلس إملاء، غير الدروس العامة التي يلقيها على طلابه، أو يُقرأ عليه فيها.

واعقد للإملا مجلسًا فذاك من
ج 

 

أرفع الاسماع والأخذ...............
 
ج

يعني أرفع طرق التحمل والأداء الإملاء، وذكرنا السبب في ذلك أنه يلزم عليه تحرز كل من الشيخ والطالب؛ لأنه ما يمكن يملي الشيخ وهو غافل، ولا يمكن أن يكتب الطالب وهو غافل، إلا إذا كانت الغفلة ملازمة له، أما إذا كان من أهل اليقظة والتحفظ هذا لا يمكن أن يملي أو يكتب وهو غافل.

...................................

تكثر جموعٌ........................

 

..............................ثم إن
...................................

يعني يكثر الطلاب، الطلاب إذا كانوا في حدود ما يسمع من لفظ الشيخ يُكتفى بهذا، لفظ الشيخ يبلغهم ويصل إلى أقصاهم وأدناهم، وينفذهم صوته، لكن إذا كثرت الجموع، يعني ذكروا جموعًا هائلة عند بعض المحدثين، الألوف المؤلفة وبدون ألآت مكبرة مثل هذه التي نستعملها ماذا يصنعون؟ يعني تسمعون في الصلاة إذا كثرت الجموع في الصلاة اتخذ الإمام الذي يبلغ عنه التكبير لتتم المتابعة، وإلا إذا كثر الجموع من غير مبلغ فيحصل الخلل في صلاة المأمومين، كثيرًا ما ينقطع التيار الكهربائي في صلاة الجمعة مثلًا، والمسجد طوابق مثلًا، الإمام على مستوى الأرض، وناس في أسفل وناس في أعلى، فإذا انقطع التيار الكهربائي تجد الإمام يقول: الله أكبر رافعًا من السجود، والذين فوق أو تحت يقولون: آمين، هذا حصل، هذا خلل في الصلاة، فلا بد من اتخاذ من يبلغ صوت الإمام، وهنا إذا كثرت الجموع فصار الطلاب لا يسمعون صوت الشيخ المملي؛ لأنهم ذكروا أرقامًا تصل أحيانًا إلى مائة ألف، أربعين ألف، خمسين ألف، جموع غفيرة ما ينفذهم الصوت، فمثل هذا يأخذ مستمل، ما معنى المستملي؟ المستملي الذي يبلغ صوت الشيخ، يسمع من الشيخ فيبلغه، ثم يسمعه المستملي الثاني فيبلغه إلى من..، قد يحتاج عدة من المستمليين، ينتشرون بين الطلاب، يعني بعض الأمراء قبل وجود هذه الآلات -آلات الاتصال- يعني في القديم، تجده في محل عمله في العمارة، كيف يطلب من في الأسفل؟ يعني على سبيل المثال القهوة كيف يؤتى بها ويطلبها من المطبخ؟ تجد الأمير يصوت: قهوة مثلًا على طريقة الأمراء العرب هنا، فتجد الذي في الدرج، في أعلى الدرج يقول: قهوة مثلًا يسمعه من أسفل يقول كذلك، ثم يسمعه من في المطبخ، ويحضرون القهوة وهكذا، هذه معروفة عند الناس قبل وسائل الاتصال، وافرض أنه يطلب غير القهوة مثلًا، المعاملة الفلانية، الكتاب الفلاني، أي شيء، فإذا كثر الجموع بحيث لا يصلهم ولا ينفذهم صوت الشيخ على هذا الشيخ أن يتخذ المستملين الذين يبلغون صوته.

...................................

تكثر جموع فاتخذ مستمليًا
 
ج

 

..............................ثم إن

محصلًا............................
 

يعني ما تأتي بعامي لا يعرف شيئًا، لا يقرأ ولا يكتب تجعله مستمليًا من هذا، هذا أولًا لا يفهم الكلام على وجهه ولا يبلغه على وجهه، لا بد أن يكون لديه أهلية، يعني ما يلزم أن يكون عالمًا، لكن يميز أقل الأحوال، "ذا يقظة" يعني نبيه، ما تمر الكلمات بحيث تفوته بعض الكلمات، أو يؤولها ويأتي بمعناها، لا، بل لا بد بأن يكون محصلًا يعني لديه أهلية لفهم ما يقال، وتبليغه على وجه، ثم بعد ذلك يكون يقظًا، ما يكون مغفلًا، يعني ذكروا من المستملين طرائف، قال الشيخ: "حدثنا عدة" وسكت، قال المستملي: "حدثنا عدة" لما سكت الشيخ قال المستملي: عدة ابن من؟ قال: "عدة ابن فقدتك" يعني غباء هذا، ذكروا من هذا النوع من الضرب طرائف، يعني يمكن أن يتندر بها في المجالس، ولا يستبعد أن يقع مثل هذه الأشياء؛ لأن الناس يتفاوتون في إفهامهم.

...................................
بعالٍ...............................

 

محصلًا ذا يقظة مستويا
...................................
 

لأنه يبلغ البعيد، فيكون في موضع مرتفع أو يقف؛ لأن هذا التبليغ والأصل في هذا العلو هو علو المؤذن الذي يبلغ أنحاء البلد، وهذا يبلغ عموم الطلاب، فلا شك أنه إذا كان في محل مرتفع فإنه يبلغ أكثر، يكون تبلغه أكثر، أما الجالس بين الناس فتبليغه ضعيف.

بعالٍ أو فقائمًا.....................

 

...................................

يعني إذا لم يكن يوجد مكان مرتفع فيبلغ قائمًا؛ ولذا القيام في الخطبة واجب؛ لأنه لو جلس بين الناس وصار يخطب ما سمع الناس، حتى القريب منه قد لا يسمع؛ لأن رؤية المتكلم تعين على فهم كلامه.

بعالٍ أو فقائمًا يتبع ما

 

يسمعه.............................
ج

من الشيخ، مبلغًا عنه أو مفهمًا له؛ لأنه قد يبلغ ما يسمع بحروفه، وقد يحتاج إلى أن يفهم من لا يفهم، "أو مفهمًا".

كانت الدروس قبل وجود هذه الآلات متعبة جدًّا، الشيخ يحتاج إلى أن يرفع صوته ويتكلف في هذا، ولما تيسرت هذه الألآت، وإن كانت في أول الأمر أول ما وجدت أنكرها جمع من أهل العلم؛ لأنها أمور محدثة، وتستعمل في عبادة في صلاة، في علم شرعي، في تدريس القرآن، في تدريس السنة، فقالوا: محدثة، ومنهم من مات ولم يستعملها وهي موجودة، ومنهم من تلقاها بصدر رحب، واستفاد منها، وتتابع الناس عليها، فالآن قد لا يوجد من ينكرها إلا نادرًا، وهي نعمة من نعم الله لا سيما إذا احتيج إليها، لكن مع الأسف أننا نجدها في أماكن لا يحتاج إليها، قد يوجد من الطلاب خمسة ستة ويتخذ مكبرًا، أو الإمام ما عنده ولا نصف صف ويتخذ مكبرًا، ويرفع عليه، ومؤثرات، ويزعج، بل يصدع المأمومين وأهل الحي والجيران، وهو ليس بحاجة إليها، نعم هي محدثة، لكن مثل هذه المحدثات احتيج إليها فتكون بقدر الحاجة.

طالب:.........

تتخذ لكن بدون إزعاج.

طالب:.........

في الصلاة، وفي القراءة، وفي الإقامة، وفي الأذان، كلها تتخذ، ما فيه إشكال، هذه مما يعين الناس، لكن أنا أقول: رفع الصوت أكثر من اللازم ليست سمة محمودة، ونبه عليها أهل العلم عند تفسير قوله -جل وعلا- {إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [(19) سورة لقمان] قالوا: إن ارتفاع الصوت ليس بمحمدة، يعني من عرف بجهور الصوت هذا ليس بمحمدة، وإن ذكروا عن العباس بن عبد المطلب أنه يبلغ صوته الفراسخ، نعم الناس بحاجة إلى من ينبههم في الأذان، وفي الإقامة أيضًا؛ لأنه في الحديث الصحيح: ((إذا سمعتم الإقامة)) دل على أن الإقامة تُسمع، وابن عمر كان يسمع الإقامة وهو يأكل، وفلان وفلان، المقصود أن سماع الإقامة معروف في عهد الصحابة -رضوان الله عليهم-، والحديث دل عليه: ((إذا سمعتم الإقامة فلا تأتوها وأنتم تسعون)) وكم من إنسان يعني بعض المشايخ اجتهد -رحمه الله- وقال: إن الإقامة بالمكبر تحمل على الكسل، ناس كسلانين، الكسلان كسلان، لكن كونه يخرج مع الإقامة ويدرك شيئًا من الصلاة أفضل من كونه إذا خرج يقابلونه في الطريق.

طالب:.........

هذا من التعاون على البر والتقوى، أما كوننا نقول: نعينهم على الكسل هو الكسلان كسلان، يعني ما فيه حيلة، وحديث: ((إذا سمعتم الإقامة)) نص في الموضوع، ما يحتاج إلى إغراب في الفهم، أو استنباط بعيد.

طالب:........

هي للحاضرين والغائب يعان على ذلك؛ لأن كلمة "إذا سمعتم الإقامة" و"كان ابن عمر يسمع الإقامة" دل على أنها تسمع من بُعد، وبلال كان يقيم في مكان الأذان، بدليل قوله: ((لا تسبقوني بآمين)).

واستحسنوا البدء بقارئ تلا
ج

 

...................................

يتلو شيئًا من القرآن، ولو قرأ سورة كاملة كان أولى، لا سيما من القصار، ويستحسن أن يكون نفس الشيخ المحدث المملي أو المستملي، أو من حضر من أرباب الأصوات المؤثرة.

"واستحسنوا البدء -بدء الإملاء- بقارئ تلا" وهذا مأثور عن الصحابة ومن بعدهم أنهم إذا اجتمعوا أمروا واحدًا منهم أن يقرأ عليهم، بعضهم يستحب أن تكون القراءة -قراءة سورة الأعلى- سبح اسم ربك الأعلى، لا يوجد لها دليل شرعي، نعم ليس له دليل، وإنما هو مجرد استحسان واسترواح {سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى} [(6) سورة الأعلى] يعني مالوا إلى هذا، {صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} [(19) سورة الأعلى] وأنكم تكتبون بأيدكم صحفًا، وما أشبه ذلك، لكن لا أصل له، هذا الاستحسان لا أصل له.

طالب: القراءة يا شيخ من الصحابة بلا مخالف.......؟

على كل حال هو أثر أنهم إذا اجتمعوا أمروا قارئًا أن يقرأ القرآن.

طالب: لكن لو فعلت الآن يا شيخ باستمرار؟

أين؟

طالب: المدرس الآن يدرس طلابه في الفصل، في المدرسة، في الكلية وقال لأحد طلابه: اقرأ واتخذها عادة....

أما اتخاذ عادة دون أصل مرفوع شرعًا هذا لا ينبغي، الأصل عدمه، لكن أيضًا بعد الاقتداء بمن سلف، إذا كانت سنة من سلف لا تنكر.

طالب:..... القراءة يا شيخ لأنهم كانوا يتدارسون الآيات ويقرؤون ما سيتدارسونه وما يدرسونه؟

لا لا في جلسة عادية، لو جلسوا جلسة عادية قالوا: يا فلان اقرأ، وهذا متداول إلى يومنا هذا، أهل العلم إذا جلسوا أي مجلس قالوا: سم، اقرأ.

طالب:........

هذا الموجود إلى الآن، والذي ما يسويها يعتبرونه تقصير منه، يعني إذا وجد من أهل العلم في مجلس وما في أي فائدة، يعني أقل الأحوال يقرأ له آيات ثم يفسرها، هذه طريقة من سلف، وعهدنا شيوخنا على هذا، لكن لما غلب الهزل، وصار بعض الناس يتذرع بأدنى شيء، فإذا كان في مناسبة أي مناسبة من المناسبات قال: أنا لا أعرف لمثل هذا أصل، الله أعلم بما في قلبه، لكن في الغالب أنه يتنصل من المسؤولية.

طالب:.........

إيه، والله المتسعان.

طالب:.........

على كل حال إسماع الناس القرآن أمر شرعي ومطلوب، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يغشى الناس ويسمعهم القرآن.

طالب:.........

على حسب الحكم، يعني ما الذي تهرب منه هل هو واجب عليه في الأصل أو ليس بواجب؟ أقل أحواله الحرمان، أنه محروم.

...................................

 

وبعده استنصت ثم بسملا

استنصت يعني السين والتاء للطلب، يعني طلب الإنصات، وجاء في الحديث الصحيح في حجة الوداع: ((استنصت الناس)) يعني أمرهم أن ينصتوا، أن يسكتوا ليسمعوا.

...................................
فالحمد فالصلاة....................

 

وبعده استنصت ثم بسملا
...................................

كل هذا عملًا بالأحاديث الواردة في هذا، الفعلية، وإلا القولية فيها ضعف، على أن الجمهور يحتجون بها في مثل هذا الموضع؛ لأنه من الفضائل، ((كل عمل ذي بال لا يُبدأ فيه ببسم الله)) ((كل عمل ذي بال لا يُبدأ فيه بحمد الله ثم الصلاة عليه)) كثير من أهل العلم حكموا على الحديث بجميع ألفاظه وطرقه أنه ضعيف، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- يصدر كتبه ومراسلاته بالبسملة، والقرآن مفتتح بالحمدلة، والخطب تفتتح بالحمد، والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- مأمور بها، كل هذه تجعل كلام أهل العلم يستقيم في مثل هذا، وأنه يبدأ بالبسملة ثم الحمدلة، ثم الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-.

فالحمد فالصلاة ثم أقبل
 
ج

 

بقول من..........................

هذا المستملي، المستملي يستنصت الناس، الشيخ يبسمل ويحمد ويصلي، وكذلك المستملي.

............................ثم أقبل
له.................................
 
ج

 

بقول من أو ما ذكرت وابتهل
...................................

إذا قال الشيخ: حدثنا، يقبل المستملي على الشيخ ويقول: من حدثك؟ أو ما الذي ذكرته؟ هذا قبل أن يبدأ الشيخ أو بعد المستملي؟ الأصل أن الشيخ يبدأ قبل، ثم المستملي يبلغ ما يسمع، لكن المستملي إذا استنصت الناس بقوله: ما ذكرتَ؟ أو من ذكرتَ؟ كأنه يبلغ الشيخ أنهم سكتوا، الآن الطلاب على أتم استعداد للتلقي، فيقول: من ذكرت؟ أو ما ذكرت؟ أو من حدثك؟ فيقول: حدثني فلان عن فلان ثم يبلغ، "وابتهل ** له" يقول: أنت ذكرت -رحمك الله- يدعو له، والشيخ حاجته إلى الدعاء أكثر من حاجته إلى الثناء، الشيخ يحتاج إلى دعاء أكثر من حاجته إلى الثناء، "وابتهل" يعني دعا له "وصلى وترضى رافعًا" صلى على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويثني على الله -جل وعلا- إذا مر ذكره، ويصلي عن النبي، ويترضى عن الصحابة، رافعًا صوته بذلك، ويترحم على من بعد الصحابة، يعني العرف عند أهل العلم الذي جروا عليه أن الرب -جل وعلا- يقال فيه: عز وجل، وجل وعلا، وتبارك وتعالى، ولا يقال لمحمد -عليه الصلاة والسلام-: "عز وجل" وإن كان عزيزًا جليلًا؛ لأن العرف عند أهل العلم المتفق عليه بينهم أن هذا لا يقال إلا في حق الله -جل وعلا-، ثم بعد ذلك الصلاة، وهي خاصة بالنبي -عليه الصلاة والسلام- على سبيل الاستقلال، والأنبياء ومن عطف عليه -عليه الصلاة والسلام- من آله وأصحابه.

..............وصلى وترضى رافعًا
ج

 

والشيخ ترجم الشيوخ ودعا
ج

الشيخ ترجم الشيوخ، يعني إذا نقل عن شيخه يذكر اسمه كاملًا، حدثنا فلان ابن فلان ابن فلان، أبو محمد الفلاني، يعني يذكر الاسم كامل.

...................................
ج

 

والشيخ ترجم الشيوخ ودعا
ج

يعني دعا لهم، الشيوخ أيضًا هم بحاجة أن يُدعى لهم كما يُدعى له، وقد يحتاج إلى شيء من الثناء عليهم لا سيما فيما يميز منازلهم؛ لأن هذا محل رواية، وإذا أثنى على الشيوخ قبلت رواياتهم، وهذا طريق مسلوك متبع، يعني بدءًا من الصحابة حينما يقول: "حدثني الصادق المصدوق" "أوصاني خليلي"، والتابعي يثني على الصحابي ومن بعده، "حدثني أصدق من رأيت من البشر"، "حدثني فلان وهو ثقة"، لا سيما إذا كان في اسمه ما يدل على عدمها، يعني في البخاري: حدثني حجاج الشاعر وكان ثقة؛ لأن السامع يقول: شاعر هذا ما الذي أتى به للحديث؟ نعم، والشعراء يقولون ما لا يفعلون، ويتبعهم الغاوون، ثم بعد ذلك قد يتطاول عليه أحد، فرفعًا لمثل هذا أردفه بقوله: "وكان ثقة".

وذكر معروفٍ بشيء من لقب
ج

 

...................................

اللقب الذي يشعر بمدحٍ أو ذم، يعني قول الرب -جل وعلا- {اسْمُهُ الْمَسِيحُ} [(45) سورة آل عمران].

طالب:.........

نعم، {اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} [(45) سورة آل عمران] الاسم هل هو المسيح أو عيسى؟ أو هما اسمان؟ أو المسيح وصف نعت لقب واسمه العلم عيسى؟ يعني من حيث تطبيق التعاريف فالمسيح لقب، والعلم عيسى، لكن الله -جل وعلا- قال: {اسْمُهُ الْمَسِيحُ} [(45) سورة آل عمران] أو نقول: له اسمان؟ لا شك أنه لما يقال: المسيح لأنه يمسح الأكمه والأبرص والأعمى والمريض ويشفى سمي المسيح بهذا يكون لقبًا ما يكون علمًا، أو لأنه ممسوح أخمص القدمين، وأمور كثيرة يعني ذكروها في سبب تسميته بالمسيح، وأعني بذلك مسيح الهداية عيسى ابن مريم، بخلاف مسيح الغواية الدجال، هل هذا لقب وإلا اسم؟ يعني لو لم يرد قول الله -جل وعلا-: {اسْمُهُ الْمَسِيحُ} [(45) سورة آل عمران] ما ترددنا في كونه لقبًا، ما يُتردد في كونه لقبًا؛ لأن هذا مدلول اللقب، وهذا الذي ينطبق عليه حده.

طالب: يا شيخ في حالة النداء ناداه الله -جل وعلا- في عدة آيات غير الآية هذه "يا عيسى بن مريم" "يا عيسى" فبدأ باسمه....

وأسند إليه الفعل، وأسند إليه الخبر بعيسى، لكن قوله -جل وعلا-: {اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} [(45) سورة آل عمران] لا يستطيع أحد أن يخالف ما جاء في كلام الله -جل وعلا-، اللهم إلا أن يقال كما قيل في غيره من أن هذه حقيقة شرعية والحقيقة العرفية كذا؛ لأنه قد تختلف الحقائق الشرعية مع العرفية.

وذكر معروفٍ بشيء من لقب
ج

 

كغندر..............................

لقب لمحمد بن جعفر، وممن يروي عنه غندار، غندار محمد بن بشار، وهناك ألقابٌ كثيرة، وألف في الألقاب كتب، الحافظ ابن حجر اسم كتابه ماذا؟ (نزهة الألباب في ذكر المعروفين بالألقاب) مطبوع في مجلدين، هناك كتب كثيرة في الألقاب، مثل: (صاعقة) محمد بن عبد الرحيم، ومثل: (دحيم) ومثل: (مُطيّن) ألقاب كثيرة عند أهل الحديث، هذه الألقاب منها ما يشعر بذم، ومنها ما يشعر بمدح، ومنها ما هو لا هذا ولا هذا، يعني بيان واقع، ما فيه ذم ولا مدح.

وذكر معروفٍ بشيء من لقب
لأمه...............................
ج

 

كغندر أو وصف نقصٍ أو نسب
...................................

ابن علية، عبد الله بن بحينة، سهيل بن بيضاء، ابن البرصاء، ابن كذا، ابن كذا، ابن أم مكتوم، نعم؟

طالب:........

كذلك، المقصود أنه من نسب إلى أمه كثير في الصحابة والتابعين ومن بعدهم، هذا إذا لم يقصد بذلك العيب والشين للراوي، ولا يُعرف بغيره ولو أشعر بنقص أو ذم كالأعمش والأعرج والأعمى والضرير والأحدب والأحول هذه موجودة في ألقاب المحدثين، وتذكر في كتب السنة.

طالب:........

عن عبد الله بن بحينة، أمه أشهر من أبيه.

"وهو حامل أمامة بنت زينب" هذا في الصحيح.

طالب:........

ماذا؟

طالب:........

لماذا؟

طالب:........

يعني هناك قول ضعيف عند أهل العلم أن الناس يدعون يوم القيامة بأمهاتهم، فلان ابن فلانة، فلان ابن فلانة كلهم يدعون على هكذا، وعللوا ذلك بأن قالوا؟

طالب:........

لا، قالوا: تشريفًا لعيسى ابن مريم، وسترًا على أولاد الزنا، واستدلالًا بقوله: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [(71) سورة الإسراء] جمع أم، ولكنه كما جاء في الحديث: ((يُدعى –لا سيما أهل الجنة- بأحب الأسماء إليهم)) هنا في الألقاب.

وذكر معروفٍ بشيء من لقب
ج
ج

 

كغندر أو وصف نقصٍ ...........
 
ج

وصف نقص: الأعمى والأعرج والأحول والأحدب.

...................................
لأمه...............................
ج

 

...........................أو نسب
...................................

كابن بحينة على ما ذكرنا، وعبد الله بن مالك اسمه، ابن القشب، أمه بحينة، ابن أم مكتوم، والأصل في التلقيب ما جاء في حديث: ((أكما يقول ذو اليدين؟)) النبي –عليه الصلاة والسلام- ذكره بلقبه لأمه، إلا إذا كان لا يرضى بذلك كابن علية مثلًا، فإن الإمام أحمد بن حنبل أنكر على يحيى بن معين نسبته لأمه؛ لأنه يكره الانتساب إليها، والشافعي يقول: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم الذي يقال له: ابن علية؛ لأنه مشهور بأمه.

لأمه فجائزٌ ما لم يكن
 
ج

 

يكرهه كابن عليةٍ فصن

يعني صن لسانك عن النطق بما يكره الإنسان؛ لأن هذه حقوق العباد، وإذا كان الاختلاف في الضبط منه ما هو مكروه عند صاحبه، ومنه ما هو محبوب كابن المسيِّب والمسيَّب فيحرص الإنسان على أن يأتي بما يرضي صاحبه، كثير ما يردد أهل العلم: "خطأ مشهور خير من صحيح مغمور" الآن صاحب المستصفى والإحياء اشتهر على ألسنة الناس التخفيف: (الغزالي) والأصل فيه التشديد (الغزّالي)، وأيضًا (الباقِلاني) يعني العكس، الناس ينطقونه بالتشديد وهو بالتخفيف حقيقتها، (الباقلاني) بدلًا من (الباقلّاني) فيرون أن هذه الأمور التي درج عليها الناس ولو كانت خلاف الأصل، ولا تغير المعنى، ولا توقع في لبس؛ لأنها تتحدث عن ذات واحدة سواء شددت أو خففت، يتسامحون في مثل هذا.

...................فجائزٌ ما لم يكن
وارو في الإملا عن شيوخ قدمِ
 
ج

 

يكرهه كابن عليةٍ فصن
أولاهم وانتقه وأفهمِ

"وارو في الإملا عن شيوخ قدمِ ** أولاهم" يعني ابدأ بالأقدم فالأقدم من شيوخك، ما تأتي إلى شيخ أخذت عنه حديثًا، أو صغير السن قد أخذت قبله عمن هو أكبر منه، ومن هو أفضل منه وأحفظ، على أي وصف كان يقتضي التقديم يقدم الشخص.

وارو في الإملا عن شيوخ قدمِ
 
ج

 

أولاهم.............................

أولاهم بالتقديم، سواء كانت هذه الأولية بسبب كبر السن، أو قدم السماع، أو كونه أضبط وأحفظ، وأتقن من غيره.

...................................
ج
 
ج

 

......................وانتقه وأفهمِ

يعني انتقِ من أحاديث الشيوخ وأفهم، يعني لا تركز على حديث واحد من الشيوخ وتترك الباقي؛ لأن الإملاء يختلف عن التحديث، يعني أنت في دروس التحديث بصدد أن تملي جميع ما عندك، أو تحدث بجميع ما عندك، لكن دروس الإملاء التي يتخللها ما يتخللها من طرائف وأشعار ونوادر وحكايات، هذه ما يلزم فيها الاستيعاب، وعلى هذا ينتقي من كل شيخ حديثًا، يعني في تذكرة الحفاظ للحافظ الذهبي -رحمه الله- ينتقي من مروياته عن طريق هذا المترجم حديثًا واحدًا، ففي الإملاء يُنتقى من أحاديث كل شيخ من الشيوخ حديث واحد، لا سيما إذا كان مكثر من الشيوخ، أما شخص ما له إلا شيخ واحد فمثل هذا ينتقي من أحاديث شيوخ شيوخه، وكذلك من بعده، يترقى فيها، يعني يأتي يومًا بحديث من أحاديث شعبة، وحديث من أحاديث الزهري، وحديث من أحاديث ابن كيسان، وحديث من أحاديث الثوري، من حديث ابن عيينة، ينتقي من أحاديث الشيوخ.

...................................
 
ج

 

أولاهم وانتقه وأفهمِ

"أفهم" يعني لا تهذرم ولا تسرع في الإملاء، ومما يوقع الطالب في الحرج لعدم فهمه ما يملأ، فتجده يكتب خطأ؛ ولذا تجدون في الدروس -في الدراسة النظامية- المدرس يشرح والطلاب يكتبون، وأفهامهم متفاوتة، الشيخ لا يملي إملاء بمعنى أنه يبسط كتابه ويملي عليهم إملاءً، هذا سهل، يعني الطالب قد يكتب كتابة صحيحة، لكن إذا كان يملي والطالب يكتب، فإذا قابلت كتابات بعض الطلاب على بعض وجدت بينهم بونًا شاسعًا، وجدت بونًا شاسعًا، فرق كبير، كل ذلك بسبب عدم تأني الشيخ وإفهامه.

...................................
ما فيه من فائدة ولا تزد
 
ج

 

............................. وأفهمِ
عن كل شيخ فوق متن واعتمد

وأفهم ما فيه من فائدة، يعني أنت مر عليك هذا الحديث، وقرأته وأمليته على الطلاب بصوت واضح وكتبوه، وهذا الحديث فيه فائدة، يعني لا تشرح الحديث شرح بإسهاب وإطناب بحيث لا يكفي الدرس الواحد حديث واحد؛ لأن المسألة مسألة إملاء وانتقاء من أحاديث الشيوخ ما فيه فائدة لهم، وبعضهم كما قال الخطيب وغيره في مثل: "أفهم ما فيه من فائدة" يعني الذي يستفيد منه جميع الناس أحاديث الأحكام، فجميع الناس بحاجة إليها، أحاديث الأحكام ينتقى منها، لكن أبواب الدين كلها مطلوبة لطالب العلم وللشيخ، أحاديث الترغيب، أحاديث الفضائل، أحاديث الفتن، أحاديث كثيرة، أحاديث الإيمان، أحاديث العقائد في غاية الأهمية، المغازي والسير أيضًا مهمة، "وأفهم ** ما فيه من فائدة" يعني استنبط لهم فائدة من هذا الخبر، سواء كانت في متنه أو في إسناده، أو في مناسبة حصلت لها عُلقة بهذا الخبر، أو حكاية تحكى عن هذا الشيخ الذي يروى من طريقه، أو عن شيخ في أثناء إسناده.

...................................
ما فيه من فائدة ولا تزد
 
ج

 

............................. وأفهمِ
عن كل شيخ فوق متن واعتمد

لأنك لو أكثرت من أحاديث الشيخ الواحد فإنك لن تستوعب جميع أحاديث الشيوخ، فأنت تجمع شيوخك وتلقي على الطلاب عن كل شيخ حديثًا واحدًا، وتذكر ما يتعلق بهذا الحديث من استنباط، أو فائدة، أو طرفة، أو شعر، أو ما أشبه ذلك، أو حكاية تتعلق بهذا الخبر، أو براوٍ من رواته.

............................ولا تزد
عاليَ إسناد قصير متن
 
ج

 

عن كل شيخ فوق متن واعتمد
...................................

"عالي إسناد" يعني تقل الوسائط فيه بينك وبين النبي -عليه الصلاة والسلام- "قصير متن" يعني ما تملي عليهم الأخبار الطويلة بحيث ينتهي مجلس الإملاء بحديث واحد، إنما تأتي بالأحاديث العوالي قصيرة الإسناد، قصيرة المتن.

عالي إسناد قصير متن
 
ج

 

واجتنب المشكل خوف الفتن
 
ج

يعني ما لا تحتمل عقول الطلاب الحاضرين، قد تأتي بشيء لا تبلغه عقولهم فتكون فيه فتنة لهم، والشراح كلهم في مثل هذا يركزون على أحاديث الصفات، ويجعلونها من المتشابه الذي لا يلقى على العامة، أو على أنصاف المتعلمين الذين قد يفهمون منها التشبيه، تشيبه الخالق بالمخلوق، لكن هذا الكلام ليس بصحيح، فأحاديث الصفات من المحكم، وما يقال مما قد يفهمه بعض الناس يرد بما قد يفهمونه من الآيات، فهل يحجب عنهم القرآن أيضًا؟ لا يمكن حجب القرآن ولا عن العامة، وفيه من آيات الصفات ما فيه، فلو حجبنا أحاديث الصفات للزم أن نحجب أيضًا آيات الصفات.

...................................
 
ج

 

واجتنب المشكل خوف الفتن
 
ج

لئلا يفتنن به من لا يحتمله علقه، "حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟!" نعم؟

طالب:........

لا، لو رجعت إلى الشراح الشيخ سليمان بن علي في فتح المجيد ذكر ما يذكر عن مالك أن أحاديث الصفات من المتشابه ولا تلقى على العوام، ورد عليها ردًا قويًّا، وإن كان لا يثبت عن مالك، لكن مع ذلك القول مردود، ذكره في الشروح كلها، حتى في فتح المجيد وغيره، لكن الأصل تيسير العزيز الحميد.

هذا يقول: لماذا أسهب الشيخ في ذكر آداب مجلس الإملاء مع أنه حالة خاصة؟

يعني مجالس التحديث العامة غير مجالس الإملاء يخدمها كثير من الأبواب السابقة، يخدمها جميع الأبواب السابقة تخدم التحديث، تحملًا وأداءً، لكن الإملاء ما مر ما يخدمه إلا في هذا الباب، مع أنه سنة قد تكون مهجورة، والآن يختلف الوضع عن السابق، الإشكال لو اتخذ مجلسًا للإملاء كان يكتفي الناس بآلات التسجيل، يعني الشيخ يحرر ما يريد أن يمليه، ويأتي إلى الطلاب ويملي عليهم إملاء من غير زيادة ولا نقصان، ويقول لهم: المسجل يكفي، أو يكتب واحدًا وراء الشيخ ويصور للبقية، قبل ما في مثل هذا، في السابق ما في مثل هذا؛ ولذا ما أدري ما مصير الطلاب؟ وما مصير وضعهم لو عقد مجالس للإملاء من هذا النوع؟ هل يثبتون؟ انظر في الجامعة الذي يملي على الطلاب يملونه، يعني مجرد إملاء من أن يدخل إلى أن يخرج وهو يملي يملونه، ولو كان علمًا نافعًا، يكتفي بواحد يكتب والبقية يصورون.

طالب: لكن يا شيخ الإملاء الذي يُذكر عن أهل العلم إملاء المرويات، وليس إملاء كلام يُنشأ ثم يُلقى على هيئة الإملاء.

إملاء، إملاء سواء كان من حفظه أو من كتابته، ويزينه بالحكايات والطرائف والقصص، ويستطرد فيه، وأشعار.

طالب: لا أقصد الأغلب فيما يذكر عن الإملاء أنه المرويات.

إيه في المرويات، لكن المرويات مع الإجازة إذا كتب واحد وأجيز الجميع به انتهوا يروح يصوره وخلاص.

طالب: السبب أنت ذكرت يا شيخ -الله يحفظك- الآن من النادر أن يوجد الآن من يملي بسبب حفظ المرويات.

لا ما هي مسألة حفظ، سواء كان من حفظه أو من كتابه، أنا أقول: ما أدري هل عند الطلاب استعداد أن يكتبوا مع الشيخ مجلس إملاء؟ يعني لو أنا حررت على هذه الطريقة وخصصت يومًا في الأسبوع، وقلت: تعالوا -يا الله- احضروا كل واحد يحضر قلمًا وأوراقًا يكتبون كلهم؟! ما أظنهم يكتبون، ما أظن يكتب إلا واحد أو اثنان، والبقية يصورون، حتى سماع الإملاء ما هو مقبول، ما هو مثل الإلقاء الذي ينتابه ما ينتابه، ويتغير فيه الوضع، والكلام نبرته تتغير، وتدخل فائدة، وتأخذ من كتاب، لا؛ لذلك التعليم بالإملاء هذا لا شك أنه ممل، لكنها سنة معروفة عند أهل العلم حُفظ بها كثير من المصنفات، يقول:

واستحسن الإنشاد في الأواخرِ
 

 

بعد الحكايات مع النوادرِ
 

استحسن الإنشاد مع حكايات ونوادر؛ لأن هذه تنشط طالب العلم، لا شك أن الدرس إذا كان جادًّا تمله الأسماع، تمجه الأسماع، فيحتاجون إلى ما يستجمون به من حكايات وأشعار ونوادر وطرائف، يعني يستجمون بها، ويروحون ويريحون العقل من العلم الجاد المتين، يحتاجون إلى شيء من ملح العلم وطرائفه لينشطوا؛ ولذا نوصي طلاب العلم باستمرار أن ينظروا في كتب التواريخ؛ لأن فيها شيء من هذا، وكتب الأدب أيضًا فيها شيء من الاستجمام يعني ينوع طالب العلم، أما إذا كان جادًّا فإن العقول تكل وتمل، قد تحمله على الترك.

واستحسن الإنشاد في الأواخرِ
 

 

بعد الحكايات مع النوادرِ
 

تجدون بعض أهل العلم وهذه موجودة، وبعضهم يشكو منها، وبعضهم يشكو من عدمها، بعض المشايخ تجده بصدد ما بين يديه من علم، لا يخرج لا يمين ولا شمال، لا يتعدى هذه الأسطر التي يشرحها، في أي كتاب، وفي أي فن، تجد بعض الطلاب يطالبونه بشيء مما يريح عقولهم من الاستطرادات التي تفيدهم من جهة وتشدهم لاستماع الدرس؛ لأن ما يخدم الكتاب موجود في الشروح، يعني لو افترضنا أن شيخًا يشرح زاد المستقنع مثلًا بقدر ما بين يديه، لا يخرج لا يمين ولا يستطرد ولا...، يقولون: الشروح عندنا كافية، ما نحتاج إلى مثل هذا الشرح، لو وجد أخر مثلًا يشرح هذا الكتاب بما في الشروح وبما في الكتب الأخرى، مما يخدم هذا المتن بالاستطرادات، بالنكت، بالطرائف التي تنشط طالب العلم هذه يرغبها كثير من الطلاب، لكن الإشكال أن بعض الطلاب يذكر أنها تعوقهم عن تكميل الكتاب؛ ولذا المطالبة كثيرة ومتضادة ومتقاربة يعني، بعضهم يقول: نريد استطرادات مما لا نجده في الشروح، وبعضهم يقول: لا نريد هذه الاستطرادات التي تعوقنا عن تحصيل أو تكميل الكتاب.

وعلى كل حال كل له منهجه وطريقته، إذا لم تعجبك طريقة هذا الشيخ الذي يلزم هذا الكتاب ولا يتعداه، يعني وجد بعض الشيوخ يشرح زاد المستقنع إذا انتهى الشرح أو انتهى الكتاب قارنته في الشروح ما وجدت فرقًا، اللهم إلا مجرد اختصار لبعض الشروح الموجودة هذا ما يفيد كثيرًا، لكن لو كان هناك استطرادات ويربط العلوم بعضها ببعض، ويفرع، ويربط الفروع بأصولها وبقواعدها، وإذا مر به فائدة في كتاب ليس بمظنة أفاد بها الطلاب، هذا يستمسك به، لكن صحيح أنه........ كامل، الكتاب يحتاج إلى مدة متطاولة، فإذا ما أعجبتك طريقة هذا الشيخ انتقل إلى شيخ آخر لعلها تعجبك طريقته، مسألة تكميل الكتاب هذه إذا كان النظر إليها على أي وجه كان هذه مشكلة، بعض الناس يستعجل ختم الكتب هذا ما يدرك في الغالب، ختم الكتب عندك شروح، عندك حواش، وعندك شيوخ أيضًا يشرحون على هذه الطريقة التي تريدها، فلا تكلف غيرهم مثلما يصنعونه، ولا تكلفهم أيضًا أن يسلكوا ما يسلك غيرهم؛ لأنه إذا بغى يستطرد يمكن ما يقدر؛ لأنه تحتاج إلى سعة اطلاع وتفنن، وتحتاج إلى تفنن، بعض الناس تخصص في هذا الفن ما يعرف غيره، ماذا يطلع؟ ومن أنفع الأمور لطالب العلم ربط الفروع بالأصول، والتفريع على القواعد، هذا مهم جدًّا بالنسبة لطالب العلم؛ لأنه بدلًا من أن يفهم مسألة واحدة يفهم القاعدة التي تنضوي تحتها، أو الأصل الذي تحته فروع كثيرة جدًّا.

واستحسن الإنشاد في الأواخرِ
 

 

بعد الحكايات مع النوادرِ
 

لا شك أن الدرس مثلما ذكرنا أنه إذا كان علمًا محضًا متينًا خالصًا، هذا كثير من الناس يمله، الناس مجبولة على الملل، مجبولة على هذا، وإذا ملت كلت، قد تترك، قد يؤدي ذلك إلى الترك.

وإن يخرج للرواة متقنُ
 
ج

 

مجالسَ الإملاء فهو حسنُ
ج

الشيخ قد يكون عنده طيلة أيام الأسبوع دروس، وله ارتباطات والتزامات، وله أعمال أخرى، فمجلس الإملاء تمر فيه أثار، تمر فيه أحاديث مرفوعة وأثار وأخبار وأشعار، وكل هذه تحتاج إلى تخريج وعزو إلى مصادرها، قد لا يتيسر للشيخ لضيق الوقت عليه أن يخرجها بنفسه، فلا مانع أن يسند هذا التخريج إلى شخص متقن.

وإن يخرج للرواة متقنُ
 
ج

 

مجالسَ الإملاء فهو حسنُ
ج

يعني يعان على هذا؛ لأن وقته لا يستوعب، والواقع من حال أهل العلم قديمًا وحديثًا أنهم يستفيدون من طلابهم، يعني كان الحافظ ابن حجر يكلف طلابه ببحث المسائل التي يحررها، ويعيد النظر فيها ويصوغها ويثبتها في فتح الباري، وأكثر فتح الباري إملاء، أكثره إملاء، وأشار إلى هذا الحافظ، قال: "كنت أمليت في كتاب الوضوء كذا"... قال: "وقصة الإفك قبل نزول الحجاب" هذا في كتاب الوضوء، ثم في قصة الإفك في حديث في الأخير يعني في حديث السيرة قال: "وكنت أمليت أن قصة الإفك قبل نزول الحجاب، والصواب أنها بعد نزول الحجاب" وهذا صريح كلام عائشة "كان يعرفني قبل أن ينزل الحجاب" فدل على أنه قد نزل الحجاب "كنت أمليت" فدل على أن الكتاب إملاء، ولا شك أن الحافظ ابن حجر يستفيد من الطلاب ويكلفهم، لكن الطلاب النبلاء منهم الطلاب المتقنين ما يسند لأي طالب يقوم بهذا العمل.

وإن يخرج للرواة متقنُ
 
ج

 

مجالسَ الإملاء فهو حسنُ
ج

يعني يستفيد من طلابه، يستفيد من أقرانه، يستفيد ممن يخرج له، هذا إذا كان العمل حسبةً لله -جل وعلا-، أما إذا كان في مثل الرسائل العلمية يريد أن يستفيد من غيره، أو يستأجر من يخرج له، هذا لا يجوز بحال؛ لأنها ورقة امتحان، ينظر فيها قدرته، لا يجوز أن يكلف أحدًا أن يخرج عنه أبدًا.

وليس بالإملاء حين يكملُ
 

 

غنى عن العرض لزيغ يحصلُ

"وليس بالإملاء حين يكملُ" أكمل الشيخ ما يريد إملاءه، يعني الشيخ يريد إملاء مثلًا تخريج أحاديث تفسير الجلالين مثلًا، أملاها على الطلاب وانتهى، هذا ما دونه الطلاب عن شيخهم في حال الإملاء قد يهم الطالب في كتابته فلا يستغني حينئذٍ عن عرض ما كتبه على الشيخ.

وليس بالإملاء حين يكملُ
 

 

غنى عن العرض لزيغ يحصلُ

تعطيه الشيخ يراجع ويطالع وإذا كان فيه خلل وإلا شيء يصحح ويقوم، ولا بد من وجود الخلل، لا بد؛ لأن ما دام الكتابة عن الأصل، وهو بين يديك تنظر فيه وتكتب منه حرفًا حرفًا لا بد من مقابلته على الأصل؛ لأن العين قد تزيغ عن الموضع المطلوب فتكتب غيره، ويحصل نقص، يحصل زيادة، وهذا كثير في النسخ -نسخ الكتب-، فلا بد من مقابلتها على أصله، فلا تجوز الرواية من الكتاب غير المقابل، إلا على رأي الخطيب ومن يقول بقوله ممن يقول: لا مانع من الرواية من كتاب غير مقابل إذا كان الناسخ متقنًا، وبين حال الرواية أنه غير مقابل، إذا كان هذا في النسخ من الأصل فكيف بالنسخ أو النسخ في حال الإملاء؟ النسخ في حال الإملاء لا شك أنه عرضة لمثل هذا النقص، ولهذا الخلل، ولهذا الزيف من النقل من الكتاب، وعلى هذا لا بد أن يعرض على الشيخ، ولا تجوز الرواية منه إلا بعد عرضه، وإذا كان الناسخ متقنًا وماهرًا فلعل البيان حال الرواية يعني: "لم أعرضه على الشيخ" يكون مثل البيان حال الرواية من الكتاب المنسوخ من الأصل، ولا يقابل عليه.

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك.

سم.

طالب: تخصيص يوم الثلاثاء.......

ما له علة إلا أنهم يقلد بعضهم بعضًا في هذا، وجاء في حديث يرفعونه ضعيف أو موضوع، لكن منهم من يقول: إنه بعد صلاة الجمعة أفضل وأوفر؛ لوجود الناس في المسجد، ويستفيد منه أكبر قدر ممكن، وكان شيخ الإسلام -رحمه الله- يفسر القرآن بعد صلاة الجمعة...

"