شرح منسك شيخ الإسلام ابن تيمية (03)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
منسك شيخ الإسلام في طبعته الأولى طُبع معه منسك للأمير الصنعاني -رحم الله الجميع-، ومعهما قصيدة ذكرى الحج وبركاته للأمير الصنعاني المذكور، هكذا طُبع، طبعت مراراً هذه الثلاثة مجموعة، الأول معروف أنه لشيخ الإسلام، والثاني للأمير الصنعاني، والثالث قصيدة ذكرى الحج منسوبة للصنعاني أيضاً، وتواطأ الطباعون على هذا، وسجلت في أكثر من شريط على أنها للأمير الصنعاني.
لكن هذه القصيدة مذكورة في شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام للتقي الفاسي المتوفى سنة (832هـ)، يعني قبل الصنعاني بثلاثمائة وخمسين سنة، فهذه القصيدة نسبها التقي الفاسي في شفاء الغرام في (2/285 -290) لأبي بكر محمد بن محمد بن مرشد البغدادي، في شفاء الغرام لم يبدأ من أولها، ترك الأبيات الثلاثة الأولى، وبدأ من البيت الرابع أو الخامس وساق منها ما يقرب أو ما يزيد على مائتي بيت، فالمقصود أنها ليست للصنعاني، وإن توطأ الطباعون على هذا، وكذلك من سجلها أو تداولها من أهل العلم اتباعاً لهذه الطبعة القديمة، ولعلها وجدت بخط الصنعاني فنسبت إليه، كثيراً ما يوجد شيء بخط فلان، ولا يذكر اسم القائل فينسب إلى الناسخ.
ومن ذلكم حاشية الشيخ سليمان بن عبد الله بن الإمام المجدد على المقنع قال الذي طبعها: وجدت بخط الشيخ سليمان، ولعلها من تأليفه، لا يبعد أن تكون من تأليفه؛ لكن إذا وجدنا خلاف ذلك جزمنا بأنها ليست له، إنما مجرد ناسخ، كما في هذه القصيدة، هذا مجرد تنبيه، والله المستعان.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: وثبت عنه في الصحيحين أنه قال: ((من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيومَ ولدته أمه)) كيوم الظرف إذا أضيف إلى جملة صدرها مبني بُني، كما هنا، وإذا أضيف إلى جملة صدرها معرب أعرب، قال الله تعالى: {قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ} [ سورة المائدة] صدرها معرب فأعرب، وهذه صدرها مبني فبني، ((كيومَ ولدته أمه)).
((خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه))، وهذا على قراءة من قرأ {فَلاَ رَفَثٌ وَلاَ فُسُوقٌ} [ سورة البقرة]. بالرفع، فالرفث: اسم للجماع قولاً وعملاً، والفسوق اسم للمعاصي كلها.
ثبت في الصحيحين من حديث عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((من حج فلم يرف ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) ويدل عليه أيضاً قوله -جل وعلا-: {وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} لكل الحاج أو لمن اتقى؟ {لِمَنِ اتَّقَى} [ سورة البقرة] فمن اتقى الله في حجه فلم يرفث ولم يفسق، ولم يزاول شيئاً من المنكرات، وأتى بجميع الواجبات، هذا يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، لمن اتقى، فلا إثم عليه، يعني يرتفع عنه الإثم كما في قوله: ((خرج من ذنوبه)) فإذا ارتفع عنه الإثم فحينئذ يكون خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.
وليس في الآية ما يدل على فضل التأخر إلى اليوم الثالث عشر، وإن فهم كثير من الناس ذلك، وإنما يؤخذ فضله من فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، والآية فيها أنه لا إثم عليه سواءً تعجل أو تأخر إذا كان قد اتقى الله -جل وعلا- في حجه، فتكون الآية موافقة للحديث.
يقول: وهذا على قراءة من قرأ {فَلاَ رَفَثٌ وَلاَ فُسُوقٌ} [ سورة البقرة] بالرفع، ما الفرق بين قراءة الرفع وقراءة النصب؟
طالب: الفرق بين قراءة النصب أنه هنا جاء نفياً لجميع الجنس.
لا للجنس؛ لأن (لا) إذا بني ما بعدها تكون نافية للجنس، بينما إذا رفع ما بعدها تكون نافية للوحدة للمفرد، فإذا قلنا: (لا رفثَ) لا بد من نفي جنس الرفث، (ولا فسوقَ) جنس الفسوق وهكذا، وإذا قلنا: (لا رفثٌ ولا فسوقٌ) نفي للوحدة، وإذا انتفت الوحدة هل يلزم منها انتفاء الجنس؟ يعني (فلا رفث) إذا قلنا: لا رفثَ يشمل جميع الرفث، مباحه وحرامه، وهو اسم للجماع وما دونه من مقدماته، وإن خصه ابن عباس -رضي الله عنهما- فيما يتعلق بمخاطبة النساء فقط ، أما مخاطبة الرجال فلا تدخل في الرفث، وينسبون له البيت، وهو أنشده، وإن لم يكن من قوله:
وهن يمشين بنا هميسا
|
|
...................... |
إلى آخر البيت الذي لا ينبغي ذكره.
المقصود أنه رفث صريح، وقاله ابن عباس وهو محرم؛ لأنه لم يخاطب به النساء، وهذا موجود ما يؤيده في بعض كتب اللغة؛ لكن هل مثل هذا الكلام يليق بابن عباس لا سيما وأنه في شطر البيت يقول: "إن تصدق الطير..."؟ نعم هذا تطير، يربأ بابن عباس مثله، وإن نسب إليه في التفاسير وكتب اللغة، وقد يكون ابن عباس حاكياً له، لا قائلاً له، والحاكي والقائل لا يدخل، لكن كون الإنسان يحكي ما فيه مخالفة شرعية، فالتطير ممنوع، فلا يجوز أن يحكى إلا ببيانه، فهذا البيت حينما ينسب إلى ابن عباس النفس فيها منه شيء، ويستدلون به على أنه لا رفث إلا إذا ووجهت النساء به، وأما إذا وجه به الرجال فلا.
(ولا فسوق) جنس الفسوق، وهو الخروج عن الطاعة بالمعاصي، بفعل المحظورات، أو ترك المأمورات.
"والجدال على هذه القراءة هو المراء في أمر الحج، فإن الله قد أوضحه وبينه، وقطع المراء فيه، كما كانوا في الجاهلية يتمارون في أحكامه، وعلى القراءة الأخرى قد يفسر بهذا المعنى أيضاً، وقد فسروها بأن لا يماري الحاج أحداً والتفسير الأول أصح، فإن الله لم ينه المحرم ولا غيره عن الجدال مطلقاً؛ بل الجدال قد يكون واجباً أو مستحباً كما قال تعالى: {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [125 سورة النحل] وقد يكون الجدال محرماً في الحج وغيره كالجدال بغير علم، وكالجدال في الحق بعد ما تبين".
يقول: "والجدال على هذه القراءة" قراءة الرفع التي تقتضي نفي الوحدة، ولا تقتضي نفي الجنس، على قراءة البناء على الفتح نافية للجنس، فيمنع جميع الجدال، وجميع ما يتعلق بالمراء والجدال يمنع، ولو تناقش اثنان في مسألة علمية يمنع، ولو جودل المخالف، وجدت مبتدعاً فجادلته بالتي هي أحسن يدخل في هذه الآية {وَلاَ جِدَالَ}
[197 سورة البقرة] وعلى قراءة الرفع لا يدخل إلا ما يتعلق بأمر الحج، فأمر الحج لا جدال فيه؛ لأنه بين وواضح، كما قال الشيخ -رحمه الله-: "كما كانوا في الجاهلية يتمارون في أحكامه".
فقال: "والجدال على هذه القراءة هو المراء في أمر الحج -قراءة الرفع-، فإن الله قد أوضحه وبينه، وقطع المراء فيه، كما كانوا في الجاهلية يتمارون في أحكامه" لكن على كلام الشيخ -رحمه الله- ألا يوجد من الأحكام في مسائل الحج ما يقتضي الجدال والنقاش العلمي الذي يتوصل به إلى إحقاق الحق وتقريره كغيره من أبواب الدين؟ فالأولى حمل الجدال على عمومه، على قراءة البناء، وأن (لا) نافية للجنس، ويكون المراد بالجدال المراء الممنوع، أما الجدال والمراء الممدوح والمناقشة التي يتوصل بها إلى إقرار الحق ودفع الباطل، فهذا مطلوب في كل وقت وفي كل زمان؛ لأنها ضرب من أضرب الدعوة والجهاد، مجادلة المخالف بالتي هي أحسن من الدعوة، والدعوة مأمور بها في كل مناسبة.
وقد يكون الجدال محرماً في الحج وغيره كالجدال بغير علم، فيدخل دخولاً أولياً، وكالجدال في الحق بعد ما تبين، يعني إذا قلنا: إن الجدال ممنوع من أصله، وأن لا نافية للجنس فيشمل الجدال المحمود والمذموم، قلنا: إن الإنسان لا يلجأ إلى الجدال بنفسه حتى يلجأ إليه، وإذا وجد من يكفيه يقتصر عليه، ولا يقحم نفسه في هذا الأمر، وإذا قلنا: إنه لا يدخل فيه إلا الممنوع فالجدال المحمود ضرب من أضرب الدعوة، فيتطلبه الإنسان، يذهب ليناقش أهل البدع ويناظرهم بالتي هي أحسن؛ ليحق الحق، ويدحض الباطل، وهذا المطلوب على كل حال وفي كل مكان، وفي كل مناسبة، "وكالجدال في الحق بعدما تبين.
"ولفظ الفسوق يتناول ما حرمه الله تعالى، ولا يختص بالسباب، وإن كان سباب المسلم فسوقاً، فالفسوق يعم هذا وغيره".
نعم الفسوق أصله الخروج، كما قيل للفأرة: فويسقة؛ لأنها تخرج من جحرها على غرة، وعلى غفلة ممن يرقبها، وكذلك فسقت الرطبة من قشرها يعني خرجت، فهذا هو أصله في المادة، فالخروج عن طاعة الله يسمى فسوق، وإن جاء التنصيص على سباب المسلم، كما في الحديث الصحيح: ((سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر)) والتنصيص على بعض أفراد العام لا يقتضي التخصيص، وهو شامل لسباب المسلم وغيره.
"والرفث هو الجماع، وليس في المحظورات ما يفسد الحج إلا جنس الرفث، فلهذا ميز بينه وبين الفسوق".
الرفث هو الجماع هذا هو الأصل فيه، وألحق به ما يدعو إليه من الكلام في مسائل الجنس، سواءً كان مع الرجال أو مع النساء، "وليس في المحظورات ما يفسد الحج إلا جنس الرفث" جنس الرفث هل المراد به ما فسره به وهو الجماع؟ أو أن المراد بجنس الرفث ما يشمل الجماع ومقدمات الجماع القولية والفعلية؟ نعم الجماع هو الذي يفسد، وأما الرفث بما دون الجماع فإن هذا ورد النهي عنه ولا يجوز؛ لكنه لا يقتضيه إبطال الحج، فلهذا ميز بينه وبين الفسوق وإن كان يدخل في عموم الفسوق؛ لأنه مخالفة، والفسوق الخروج عن الطاعة، وهذا خروج عن الطاعة.
"وأما سائر المحظورات: كاللباس والطيب فإنه وإن كان يأثم بها، فلا تفسد الحج عند أحد من الأئمة المشهورين، وينبغي للمحرم أن لا يتكلم"
ما دون الجماع من سائر المحظورات لا تفسد الحج عند أحد من الأئمة يعني بالاتفاق.
"وينبغي للمحرم أن لا يتكلم إلا بما يعنيه، وكان شريح إذا أحرم كأنه الحية الصماء، ولا يكون الرجل محرماً بمجرد ما في قلبه"
ينبغي للمحرم ألا يتكلم إلا بما يعنيه، وغير المحرم كذلك ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) والمحرم من باب أولى، وجاء الحث على حفظ الجوارح في الحج لتأكد ذلك، وأيضاً في سائر الأحوال والأوقات والأزمان؛ لكنه بالنسبة للحاج أولى، ليرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، كما قيل أيضاً مثل هذا بالنسبة للصائم، وكثير من الناس تسول له نفسه أو تمنيه أنه يسلك هذا المسلك إذا حج، لا سيما وأن الحج يمكن أن يُؤدَّى في أربعة أيام، فيقول الإنسان بإمكانه أن يملك نفسه ويملك جوارحه خلال الأربعة أيام لكن الواقع يشهد بهذا أو لا يشهد به؟ الواقع يشهد بضده ولو حرص، فالإنسان ما دامت أيامه معمورة بالقيل والقال فإنه لن يستطيع أن يملك نفسه في هذه الأيام، ولو اعتزل ولم يأته أحد لذهب يبحث عن من يتكلم معه فيما كان يتكلم به في طول حياته وأيام رخائه، وقد وجد من يغتاب الناس عشية عرفة، ووجد من يسب الناس ويشتمهم عشية عرفة؛ لأنه مشى على هذا في طول حياته، ما تعرف على الله في الرخاء ليعرف في مثل هذه الشدة، ويوجد من يتابع النساء في عرفة؛ لأنه في سائر أيامه مشى على هذا، ويوجد من ينام عشية عرفة إلى أن تغرب الشمس؛ لأنه مفرط في بقية الأيام، والجزاء من جنس العمل، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [ 46سورة فصلت] هذا ما قدمت يداك، وهذا ما جنيت على نفسك، فعلى الإنسان أن يحرص على حفظ جوارحه طول حياته ليحفظ في مثل هذه الأيام، إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يضبط نفسه عشية عرفة، أو في الاعتكاف، فقد وجد من يغتاب في الاعتكاف، ووجد من ينام عن ليلة ترجى أن تكون ليلة القدر وهو معتكف؛ لأنه طول أيامه على هذه الحالة، وإذا كان ديدنه التأخر عن الصلوات، وهذا أمر مشاهد ومجرب، نسأل الله -جل وعلا- أن يعفو عن الجميع، إذا كانت عادته أن يتأخر عن الصلوات وهذا ديدنه في شعبان وفي رجب وقبلها من أشهر ثم خرج بعد أن أعلن عن الشهر، مغرب آخر يوم من رمضان، أعلن عن يوم العيد في الغالب أنه إذا كانت تفوته شيء من الصلوات في شعبان تفوته العشاء أو يفوته شيء منها ليلة العيد، وهو الآن خرج من المعتكف لماذا؟ لأنه ما تعرف على الله في الرخاء.
والأمة ما زال فيها خير، نعرف أناسا لا فرق عندهم بين عشية عرفة وغيرها، ولا بين الاعتكاف وغيره،
طول العام هذه حاله، ولو قيل له: إن الروح تخرج الآن ما يمكن أن يزيد تسبيحة، وهذا موجود الآن
-ولله الحمد- والخير في أمة محمد، لكن الإشكال في عموم الناس، لا سيما كثير من طلاب العلم، والله المستعان.
شريح -رحمه الله- إذا أحرم صار كأنه الحية الصماء، لماذا؟ لأنه طول أيامه هذه صفته، كيف يعان على مثل هذا وهو طول أيامه مفرط؟ لا يمكن أن يعان، فالجزاء من جنس العمل {جَزَاء وِفَاقًا} [26سورة النبأ] وهل يقال: إن شريحا في هذه الصفة يمدح أكثر من غيره ممن يتصدى لإفتاء الناس كعطاء مثلاً ؟ السياق هنا سياق مدح، "وينبغي للمحرم ألا يتكلم إلا بما يعنيه، وكان شريحٌ إذا أحرم كأنه الحية الصماء" هذا سياق مدح أو ذم؟ مدح بلا شك؛ لكن شريح أو عطاء الذي يتصدى للناس ويبرز إليهم، ويفتيهم، ويصدرون عن رأيه في هذا الباب أو غيره من سادات الأمة من الصحابة والتابعين والأئمة إلى يومنا هذا، هل نقول: على الإنسان أن يحفظ نفسه، وينزوي في زاوية ويكون كالحية الصماء مجرد تسبيح وذكر وتهليل وتلاوة وقيام وما أشبه ذلك أو نقول: يبرز للناس وينفعهم إما ببدنه، وهذا موجود- ولله الحمد- بكثرة في الشباب، أو بعلمه وهذا موجود في الشيوخ، والأمة ما زال فيها خير، ويوجد من هذا النوع الشيء الكثير، يعني لو قيل إن بعض الناس -وهذا نادر لكن ليس مبالغة- يأتي إلى مكة ويصلي في صحن الحرم، ولا ينظر إلى الكعبة مطأطئ الرأس في جلوسه في مشيه، في صلاته، في سائر أحواله، هذا موجود بدون مبالغة، لكنه نادر، هل نقول: إن مثل شريح كأنه الحية الصماء لا يتكلم إلا بذكر أو تلاوة أفضل من عطاء الذي يصدر الناس عن رأيه في هذه المسائل؟ نعم النفع المتعدي أفضل من النفع القاصر، لكن مثل شريح في هذه الصفة لا شك أنه أفضل ممن يصرف وقته ويبذل جهده في المباح، في الكلام المباح فضلاً عن الكلام المكروه أو المحرم، والله المستعان.
طالب: يعني كون شيخ الإسلام يصف شريح أنه كان كالحية الصماء هذا يلزم أنه في كل أحواله ساكت.
"وكان شريح إذا أحرم كأنه الحية الصماء" هذا الذي يفهم أنه ساكت، ويوجد ناس على هذه الصفة،
ويوجد الثرثارون الذين لا يسكتون يشغلون أنفسهم ويشغلون غيرهم، يتأذى الناس بهم، هؤلاء موجودون بكثرة وليسوا بقلة.
طالب: لكن وجودها أفضل، يعني كون الإنسان يفعل فعل شريح أفضل؟
لا شك أنه أفضل من الكلام المباح فضلاً عن المكروه والمحرم؛ لكن كونه يبرز للناس وينفعهم، ولا يقول إلا حقا هذا هو الأصل، هذه وظيفة النبي -عليه الصلاة والسلام- منذ خرج إلى المدينة إلى أن رجع إليها وهو يفتي الناس في مسائل الحج، فمن يحمل العبء بعده هذا هو الوارث، والناس لا شك أنهم منازل.
طالب: يعني فيما يعنيه، هذا يكون العلم مما يعينه، من حسن إسلام تركه ما لا يعنيه، لأن كل العلم ما يعني؟
لكن طريقة السلف ليست مثل ما هو موجود الآن وقبل الآن ممن يتصدر للناس، وهو غير أهل ولا كفء، أو يتصدر للناس مع وجود من يكفيه المئونة أو يتصدر للناس بغير علم، هذا موجود، كل الأنواع موجودة،
لكن إذا وجد فالسلف طريقتهم التدافع، نعم لا يجوز كتمان العلم من الجميع، أن يطبق الجميع على أن يسألوا ولا يجيبوا هذا لا يجوز بحال، لكن إذا وجد من يكفيهم المئونة، واكتفى به باعتبار أن الواجب سقط عنه ولزم نفسه هذا حسن، وابن عمر لما جاء السائل يسأل عنه في المناسك، أين ابن عمر؟ أين ابن عمر؟ ، قال: عليك بابن عباس، رده لابن عباس، فهذا شخص من العامة، والعامة ينظرون إلى العمل أكثر من نظرهم إلى العلم؛ لأنه هو الذي يبرز للناس، فقال: "ذاك رجل مالت به الدنيا، ومال بها" يعني لا شك أن ابن عباس توسع أكثر من ابن عمر، ابن عمر ضيق على نفسه، وابن عباس توسع في المباح، وإن لم يغش المكروه فضلاً عن المحرم، لكن يبقى أن عامة الناس يثقون بأهل العمل، ولا يثقون بالعالم مهما كان علمه إذا كان عمله أكثر من علمه، والله المستعان، فعلى طالب العلم أن يجمع بين العلم والعمل، لينفع وينتفع، وينفع الله به.
"ولا يكون الرجل محرماً بمجرد ما في قلبه من قصد الحج ونيته، فإن القصد ما زال في القلب منذ خرج من بلده، بل لا بد من قول أو عمل يصير به محرماً، هذا هو الصحيح من القولين".
يعني إذا جاء ناوياً التمتع، ثم أحرم من الميقات بالعمرة فقط، وفي نفسه أنه إذا حل منها وجاء يوم التروية يحرم بالحج، هل يصير بذلك محرما بالحج؟ على كلام الشيخ الذي سمعناه لا يكون محرما بالحج، أحرم بالعمرة فقط، لكن إن قال: متمتعاً بها إلى الحج فهذا الذي يظهر أنه أشرك معها الحج، والذي يظهر أنه ليس له أن يرجع كما تقرر بالأمس، أما بالنسبة لمن أحرم بالعمرة فقط ولو كان في نيته أنه يحج من عامه لا أحد يلزمه بالحج، إذا فرغ من عمرته ورأى أن الزحام لا يطيقه، أو طرأ له ظرف يريد أن يرجع إلى أهله فلا يوجد ما يمنعه من ذلك.
"والتجرد من اللباس واجب في الإحرام، وليس شرطاً فيه، فلو أحرم وعليه ثياب صح ذلك بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وباتفاق أئمة أهل العلم، وعليه أن ينزع اللباس المحظور".
إذا احتاج إلى لباس، أو أحرم بلباسه جاهلاً أو احتاج إلى اللباس لبرد شديد أو نحوه، فإنه يصح إحرامه إذا نوى الدخول في النسك، ولو كان عليه لباسه؛ لكن عليه أن يفدي، عليه فدية أذى حينئذ، وكثير من الناس يتحايل الآن على الأنظمة بأن يحرم بثوبه ويدخل عادي، فإذا تجاوز التفتيش خلع الثياب، وارتكاب هذا المحظور هل يقابله فعل هذا المندوب، يعني التحايل بهذه الطريقة هل يبرر للإنسان كونه يريد الحج، وكونه مشتاقا إلى تلك الأماكن، ويريد ما رتب على الحج من فضل أن يرتكب هذا المحظور؟ المسألة محل نظر بلا شك، وهل يتكافأ هذا مع هذا؟ لكن عليه فدية الأذى إذا أحرم بثيابه، فدية للبس الثوب، وفدية لتغطية الرأس.
طالب: لبس التنورة؟
هذا سيأتي مع السراويل -إن شاء الله- .
"فصل في مستحبات الإحرام ومحظوراته: يستحب أن يحرم عقيب صلاة: إما فرض وإما تطوع، إن كان وقت تطوع في أحد القولين".
وهذا قول عامة أهل العلم يحرم عقب صلاة إما فرض وإما تطوع، فلا يحرم إلا بعد صلاة، هذا المستحب، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لما صلى الفرض ركعتين أحرم ولبى بالإحرام بعدهما، فإن كان بعد فريضة فهذا هو المطلوب، وإن لم يكن وقت فريضة فليصل ركعتين من غير فريضة، إذا لم يكن وقت نهي، وقد جاء الأمر بذلك ((صل في هذا الوادي المبارك وقل...)) وعلى كل حال القول بأن للإحرام صلاة قول عامة أهل العلم، والخلاف فيه يكاد يكون شاذاً لقلة من قال به، ونقل عليه النووي الاتفاق إلا عن واحد، لعله الحسن نسيته الآن من التابعين.
طالب: شيخ الإسلام يقصد الصلاة الخاصة بالحرم؟
نعم يستحب أن يحرم عقب صلاة ما معنى هذا؟
طالب: لكن الصلاة إما أن تكون فرضاً أو نفلا فإذاً مقرر، لكن على أن يكون خاصا بعلامات..
أي شيء مثل الخاص؟
طالب: يعني مثلاً الوتر، قضى سنة فاتت.
لا ما يقصد هذا، عامة أهل العلم على أن الإحرام له صلاة، حتى كلام الشيخ قال في أحد القولين وفي الآخر، يريد أن يقرر رأيه هو، هو ما انتهى من المسألة، هذا قول عامة أهل العلم أنه يصلي بعد صلاة سواءً كانت فريضة أو نافلة، وسيأتي قوله.
"وفي الآخر إن كان يصلي فرضاً أحرم عقيبه، وإلا فليس للإحرام صلاة تخصه، وهذا أرجح"
هذا رأي الشيخ؛ ولكن عامة أهل العلم على خلافه، وأن للإحرام صلاة تخصه.
"ويستحب أن يغتسل للإحرام، ولو كانت نفساء أو حائضاً، وإن احتاج إلى التنظيف: كتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة ونحو ذلك فعل ذلك، وهذا ليس من خصائص الإحرام، وكذلك لم يكن له ذكر فيما نقله الصحابة؛ لكنه مشروع بحسب الحاجة، وهكذا يشرع لمصلي الجمعة والعيد على هذا الوجه".
نعم عند الحاجة، إذا رأى أن الحاجة داعية لقص أظافره، أو الأخذ من شعره يفعل، ويؤكدون على هذا في العصور الماضية، لماذا؟ لأنه قد يحتاج بعد إحرامه لأخذ شيء من هذه التي يحتاج إلى أخذها مثل الأظفار والشعر، قد يحتاج لطول المدة، ثم لا يتسنى له فيكون ذلك قبيل الإحرام، أما الآن وهو يتحلل بعد يعني من الإحرام إلى أن يتحلل لا يجوز على ساعتين في مسألة العمرة، فلا يحتاجون إلى مثل هذا، و في الحج أيضاً إذا أحرم يوم التروية يتحلل يوم العيد، يومين فقط، فلا يحتاج إلى مثل هذا.
أما بالنسبة للسابق فقد يحتاج إلى عشرة أيام أحياناً، كما لو أحرم من ذي الحليفة، يحتاج إلى عشرة أيام حتى يصل إلى مكة، ثم بعد ذلك إلى أن يؤدي النسك إذا كان قارنا فإنه سيصل إلى مكة في اليوم الثالث أو الرابع فيحتاج إلى أن ينتظر إلى يوم العيد، قد يحتاج إلى عشرين يوماً، فمثل هذا ينصون عليه، وإلا ليس من متطلبات الإحرام، ولا ارتباط له بالإحرام، لكنه باعتبار أنه قد يحتاج إليه، ونحن نرى في أماكن الاغتسال وأماكن التنظيف في المواقيت آثار الأمواس والصابون والتقليم والحلق كأنه مقترن بالإحرام، فلو تنظف وأزال هذه الأمور في بيته، وجاء إلى الميقات وأحرم بعد ساعات هذا ما يؤثر ؛لأنه ليس من متطلبات الإحرام، الذي ينبغي أن يكون الإحرام عقيبه الاغتسال؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- تجرد واغتسل، فيغتسل في الميقات، ولو فعله في بيته مع قرب العهد، يعني لو جاء في طائرة بعد ثلاث ساعات أو أربع ساعات يحاذي المحراب وبعد ساعة واحدة مثلاً يحاذي الميقات ما يضره -إن شاء الله تعالى-؛ لأن هذه الأمور عللها مدركة.
طالب: الذي أراد المباح.
لا يأخذ قبل الإحرام، إنما يأخذ للعمرة؛ لأن الأخذ واجب.
"ويستحب أن يحرم في ثوبين نظيفين، فإن كانا أبيضين فهما أفضل".
يقول: "يستحب أن يغتسل للإحرام، ولو كانت نفساء أو حائضاً"؛ لأن الحائض والنفساء تفعلان ما يفعل الحاج غير ألا تطوفا بالبيت، وأسماء بنت عميس لما ولدت -أم حرام- محمد بن أبي بكر أمرت بالاغتسال، تستثفر وتغتسل مثل الطاهرات.
"ويجوز أن يحرم في جميع أجناس الثياب المباحة: من القطن والكتان والصوف، والسنة أن يحرم في إزار ورداء سواء كانا مخيطين أو غير مخيطين باتفاق الأئمة، ولو أحرم في غيرهما جاز إذا كان مما يجوز لبسه، ويجوز أن يحرم في الأبيض وغيره من الألوان الجائزة، وإن كان ملوناً".
يقول: "ويستحب أن يحرم في ثوبين نظيفين؛ لأنها عبادة، فالنظافة لها مطلوبة، نظافة البدن بالاغتسال ونظافة الثياب، فإن كانا أبيضين فهما أفضل، وجاء الأمر بلبس البياض: ((البسوا من ثيابكم البياض، وكفنوا فيها موتاكم، فإنها أطيب وأطهر)) فهذا أفضل بلا شك، ويجوز أن يحرم بجميع أجناس الثياب المباحة، يعني المباح مادتها، سواءً كان من قطن أو كتان أو صوف، حاشا الحرير بالنسبة للرجال.
يقول: "والسنة أن يحرم في إزار ورداء، الإزار الذي يغطي النصف الأسفل من البدن, الرداء الذي يغطي النصف الأعلى، سواءً كانا مخيطين أو غير مخيطين، ليس معناه أنهما مخيطان على قدر البدن أو على قدر العضو، لا، إنما فيهما فتوق وخروق وشقوق خيطت، ولو كانت من وصلتين، الرداء مقسوم قسمين، ثم بعد ذلك خيطت، أو من قطع متعددة فليس ثَمَّ ما يمنع أبداً؛ لأن الخياطة ليست مرادة لذاتها، فلو أن إنساناً لبس قميصاً منسوجا ، ليس فيه ولا خيط، يعني وضع هكذا ونسج نسجاً تاماً بدون خيوط، هذا مخيط حكماً، وإن لم يخطه الخياط، ولو وجد خف ليس فيه ولا غرزة خياط، قلنا: لا يجوز لبسه، ولو جد نعل مخيط، قلنا: يجوز لبسه؛ لأنه ليست العبرة بالخياط، وإنما على قدر العضو، إذا وجد على قدر العضو فإنه يسمى مخيط ويمنع، ويقول: سواءً كانا مخيطين أو غير مخيطين باتفاق الأئمة، المقصود أنه يحرم في إزار ورداء، ومعروف حقيقة الإزار، وحقيقة الرداء، "ولو أحرم في غيرهما جاز" في غير الإزار وغير الرداء، يعني مما يأخذ حكم الإزار والرداء، لو لف على بدنه الغطاء الذي يستعمله في النوم يسمونه شرشف أو ملاءة، أو أحرم في بشت مقلوب، أو بطانية، أو ما أشبه ذلك لا بأس، "ولو أحرم بغيرهما جاز إذا كان مما يجوز لبسه، ويجوز له أن يحرم بالأبيض وغيره من الألوان" لا يلزم أن يكون الرجل يلبس أبيض، والمرأة تلبس أخضر أو أسود، يجوز ما يلبسه في حال سعته، والألبسة مردها إلى الأعراف، ولذا نجد كثيرا من نساء المغرب ومصر وما والهما يحرمون في اللباس الأبيض وهن نساء؛ لأن عرفهن جرى على ذلك، فلا يقال: أن هذا لباس الرجال أو ذاك لباس النساء، إنما هناك ألبسة منعت للرجال، وألبسة وألوان منعت للنساء، فمثل هذا يتقى، وما عدى ذلك فمرده إلى العرف.
يقول: ويجوز أن يحرم في الأبيض وغيره من الألوان الجائزة، وإن كان ملوناً.
طالب: لو لبس البشت ووضع........
لا، لأنه وضع على الكتف، الكتف عضو فلا يصح مثل اليد، لكن لو قلبه وتلفع به وهو مقلوب، فلا بأس.
"والأفضل أن يحرم في نعلين إن تيسر، والنعل هي التي يقال لها: التاسومة، فإن لم يجد نعلين لبس خفين، وليس عليه أن يقطعهما دون الكعبين، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بالقطع أولاً، ثم رخص بعد ذلك في عرفات في لبس السراويل لمن لم يجد إزاراً، ورخص في لبس الخفين لمن لم يجد نعلين، وإنما رخص في المقطوع أولاً؛ لأنه يصير بالقطع كالنعلين، ولهذا كان الصحيح أنه يجوز أن يلبس ما دون الكعبين، مثل الخف المكعب والجمجم والمداس ونحو ذلك، سواءً كان واجداً للنعلين أو فاقداً لهما، وإذا لم يجد نعلين، ولا ما يقوم مقامهما، مثل الجمجم والمداس ونحو ذلك، فله أن يلبس الخف ولا يقطعه، وكذلك إذا لم يجد إزاراً فإنه يلبس السراويل ولا يفتقه، هذا أصح قولي العلماء؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- رخص في البدل في عرفات، كما رواه ابن عباس...."
أو ابن عمر؟ علق عليه بشيء؟
قال في التعليق: "وقع في جميع الأصول ابن عمر، والصواب ما أثبته، وحديث ابن عباس مخرج في البخاري برقم..... ومسلم برقم....."
هذا تصحيح من المحقق، لا من أصل الكتاب، وإلا في أصل الكتاب ابن عمر.
يقول -رحمه الله-: "والأفضل أن يحرم في نعلين إن تيسر، والنعل هي ما يُلبس دون الكعب، والنعل هي التي يقال لها: التاسومة، فإن لم يجد نعلين لبس خفين، وليس عليه أن يقطعهما دون الكعبين، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بالقطع أولاً" بالمدينة، فقد خطب النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال: ((إن من لم يجد النعلين له أن يلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين)) هذا في المدينة، "أمر بالقطع أولاً، ثم رخص بعد ذلك في عرفات" هل رخص أو سكت عن القيد؟ يعني في عرفات قال: ((من لم يجد النعلين فليلبس الخفين)) من دون تعرض للقطع، وفائدة حمل المطلق على المقيد ظاهرة في مثل هذا، ولذا الأكثر على أنه يقطع؛ لأن ما جاء في خطبة عرفات مطلق، وما قاله في المدينة مقيد، واتفقا في الحكم والسبب يحمل المطلق على المقيد، هذه هي الجادة عند أهل العلم؛ لكن من قال بعدم القطع لا يختلف مع بقية العلماء في أن حمل المطلق على المقيد في هذه الصورة هو الأصل؛ لكنه عورض، عورض بأي شيء؟ خطبة عرفة لا شك أنها مقام بيان، والناس بحاجة ماسة إلى هذا البيان؛ لأنه وجد وحضر هذه الخطبة من لم يحضر الخطبة الأولى، فلو كان مما يلزم بيانه، وما يجب فعله، لبينه النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، فمن قال بالقطع فهو على الأصل وعلى الجادة في قاعدة حمل المطلق على المقيد، ومن قال بعدمه قال خطبة عرفة قاضية على خطبة المدينة؛ لأنها متأخرة عنها والمقام مقام بيان، ولو كان القطع لازماً لبينه؛ لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، يدعم هذا الاختيار كون القطع إتلافا وتضييعا للمال، وقد نهينا عن إضاعة المال، وعلى هذا فقول شيخ الإسلام وجيه، وقال به جمع من أهل العلم.
ثم رخص بعد ذلك في عرفات، هل رخص فقال: لا تقطعوا، أو سكت عن ذكر القطع؟ سكت عن ذكر القطع، لكن ليس في هذا رخصة صريحة واضحة إنما هو مجرد سكوت عن البيان، ومثل هذا البيان لا بد منه؛ لأنه حضر في عرفة من لم يحضر في المدينة، ثم رخص بعد ذلك في عرفات في لبس السراويل لمن لم يجد إزاراً، ورخص في لبس الخفين لمن لم يجد نعلين، فمن لم يجد الإزار وقد وجد رداء وسروالا فإنَّه يلبس السروال والرداء، ولو لم يجد رداءً مثلاً، ووجد سروالا فهل يكتفي به أو لابد له من أن يلبس قميصا؟ لأن المطلوب ستر جميع البدن في إزار ورداء، والسروال يحل محل الإزار، والرداء لا يوجد ما يحل محله، هل نقول: من خلع ثيابه وتجرد للإحرام، وبحث عن الإزار والرداء فما وجدهما، فقدهما، ومعه سروال وفنيلة تغطي أعلى البدن، ومعه قميص يغطي أعلى البدن، ويقول: لو أمشي بين الناس بسروال وفنيلة فهذا ليس بمناسب أبداً، لا سيما للعلية من القوم فلهم ما يناسبهم، فلو لبس القميص بدل السروال والفنيلة ليقوم مقام الإزار و الرداء، فهل له ذلك أو ليس له ذلك؟.
طالب: إزار .... لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في السراويل.
السروال موجود، نعم لو لم يكن السروال موجوداً لبحثنا عن بدل له.
طالب: أنا أقصد أن النبي صلى الله عليه وسلم خص السروال لأنه ليس معه غيره، والسروال هو الذي يغطي العورة والإنسان مأمور أن يغطي عورته، أما بالنسبة للجزء الأعلى فليس من عورة الإنسان يعني لو تركه فلا بأس ؟
لكن الصلاة؟
طالب: هذا يكون له عذر.
يضع على عاتقه شيء، ولا إشكال.
طالب: الرداء يقوم مقام الإزار، لو كان عنده رداءً ومعه إزار، هذا لا عنده لا إزار ولا رداء، لذلك رخص له في لبس السراويل، بالتالي سيلبس السروال بدون أن يكون عليه رداء.
ويبقى الجزء الأعلى مكشوفا؟.
نفترض المسألة في شخص فقد الإزار والرداء وعنده سروال و فنيلة و قميص، فقيل له: البس السروال، فمرخص لك في لبس السروال، لكن بقية البدن؟ لا يمكن أن يمشي بدون رداء؟، نقول في مثل هذه الحالة يلبس السروال ويجعل القميص في منزلة الرداء، يلف به أعلى البدن.
طالب: وإن لم يكن إلا سروال فقط.
إن كان معه سروال فقط انتهى الإشكال، لكن هذا معه.
طالب: ... إذا حضروا الميقات وما عندهم إحرام يتخففوا من اللباس ما تقوم به الفنيلة والسروال مقام الإزار والرداء؟
يجعل السروال إزارا، ويجعل الثوب بمنزلة الرداء يلف به البدن ولا يلبسه.
يقول: "ثم رخص بعد ذلك في عرفات في لبس السراويل لمن لم يجد إزاراً" وما يلبس الآن يعني ما سأل عنه الأخ على هيئة لباس النساء هو ضرب من السراويل، ونص على ذلك الأزهري في التهذيب وغيره من أهل اللغة كابن سيده في المخصص وقال إنه ضرب من السراويل، ويسمونه النقبة، وهو من لباس النساء، وذكروا عن بعضهم أنه قال: "ألبستني أمي نقبتها" فهو من لباس النساء، ومعروف تداوله بين النساء قديماً وحديثاً، فهو ضرب من السراويل فيدخل في المنع من لبس السراويل.
طالب: شبيه بالتنورة يا شيخ؟
هو شبيه بالتنورة، ويلبسونه، فيه التكة، وهو مخيط بالكامل، كأنه سروال بدون كرسي على ما يقولون، وشرح هذا الأزهري بالتفصيل..
طالب: يعني يكون....
التشبه من جهة، وأيضاً هو سروال.
طالب: إذا كان مخيطاً بدون البنطال أو ما يسموه.... فهل هذا يعتبر....
نفسه، نفس الشيء.
طالب: أليس النخبة يا شيخ السروال القصير.
لا هذا تبان، السروال القصير يسمونه تبان، ورخصت فيه عائشة -رضي الله عنها- لمن يرحل راحلتها، وعامة أهل العلم على خلاف قولها، لا يجوز لبسه، كل المحرمين عرضة لأن تنكشف عوراتهم، وكلهم يرحلون، وكلهم يحملون، وكلهم يعملون، فهذا ليس بمبرر خاص، وهو مرجوح أيضاً، لم توافق عليها -رضي الله عنها-.
طالب: لبس التبان.
سيأتي ذكره عند الشيخ -رحمه الله تعالى-، ورخص في لبس الخفين لمن لم يجد نعلين، وإنما رخص بالمقطوع أولاً؛ لأنه يصير بالقطع كالنعلين، ولهذا كان الصحيح أنه يجوز أن يلبس ما دون الكعبين مثل الخف المكعب والجمجم والمداس؛ لأنها كلها دون الكعب، ونحو ذلك سواءً كان واجداً للنعلين أو فاقداً لهما، يعني في خطبة المدينة لما قال: ((من لم يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما)) لبس الخف المقطوع من خلال كلامه -عليه الصلاة والسلام- مباح مطلقاً أو بالنسبة لمن لم يجد النعلين؟
بحيث لو وجدنا خفا دون الكعب هل نقول: أنه بمثابة الخف المقطوع؟ نعم هو خف مقطوع؛ لكن هل الخف المقطوع يلبس في حال السعة أو مع عدم وجود النعل؛ لأن في الخطبة: ((من لم يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما)) ما قال: فليلبس نعلين، من أحرم فليحرم في نعلين أو في خفين مقطوعين دون الكعبين، ليتساوى الأمران، فدل على أن الخف المقطوع يعني ما دون الكعب ليس مساوياً للنعل، وإنما هو بديل عند عدمه، فقول الشيخ -رحمه الله-: "ولهذا كان الصحيح أنه يجوز أن يلبس ما دون الكعبين، مثل الخف المكعب والجمجم والمداس ونحو ذلك سواءً كان واجداً للنعلين أو فاقداً لهما" نقول: إذا كان واجداً للنعلين فلا يلبس إلا نعلين؛ لأنهما الأصل، ولذا لم يرخص في مثل هذا إلا لمن فقد النعلين، وإذا لم يجد نعلين ولا يقوم مقامهما مثل الجمجم والمداس ونحو ذلك، فله أن يلبس الخف، يعني الذي يغطي الكعبين، ولا يقطعهما.
وكذلك إذا لم يجد إزاراً فإنه يلبس السراويل ولا يفتقه، هذا أصح قولي العلماء، يعني إذا قلنا: بأنه يقطع الخفين على القول بأنهما خاصتين يلزمه أن يفتق السراويل، ولو لم يرد فيه ذكر ليقرب من الإزار؛ لأنه كلما قرب من الإزار كان أولى مما بعد عنه؛ فإنه يلبس السراويل ولا يفتقها؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- رخص في البدل في عرفات، كما رواه ابن عمر، والمحقق يقول: ابن عباس، وحديث صحيح بلا إشكال.
"وكذلك يجوز أن يلبس كل ما كان من جنس الإزار والرداء فله أن يلتحف بالقباء والجبة والقميص ونحو ذلك، ويتغطى به باتفاق الأئمة عرضاً، ويلبسه مقلوباً، يجعل أسفله أعلاه، ويتغطى باللحاف وغيره؛ ولكن لا يغطي رأسه إلا لحاجة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- نهى المحرم أن يلبس القميص والبرنس والسراويل والخف والعمامة، ونهاهم أن يغطوا رأس المحرم بعد الموت، وأمر من أحرم في جبة أن ينزعها عنه، فما كان من هذا الجنس فهو في معنى ما نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- فما كان في معنى القميص فهو مثله، وليس له أن يلبس القميص لا بكم ولا بغير كم، وسواء أدخل فيه يديه أو لم يدخلهما، وسواء كان سليماً أو مخروقاً، وكذلك لا يلبس الجبة ولا القباء الذي يدخل يديه فيه، وكذلك الدرع الذي يسمى (عرق جين) وأمثال ذلك باتفاق الأئمة".
عَرق جين، ما علق عليه؟ في الطبعة الأولى علق عليها الطابع يقول: "كلمة تركية معناها القميص الذي يلبس ليمتص العرق، فيكون فوق الركبة" يعني أقرب ما يكون إلى الفنيلة الطويلة التي تصل إلى الركبة، وفائدته امتصاص العرق، حتى لا يظهر على الثوب، "وكذلك الدرع الذي يسمى عرق جين وأمثاله" إلى آخره.
"وأما إذا طرح القباء على كتفيه من غير إدخال يديه ففيه نزاع، وهذا معنى قول الفقهاء: لا يلبس المخيط،، والمخيط ما كان من اللباس على قدر العضو، وكذلك لا يلبس ما كان في معنى الخف كالموق والجورب ونحو ذلك، ولا يلبس ما كان في معنى السراويل كالتبان ونحوه".
نعم يقول -رحمه الله-: "وكذلك يجوز أن يلبس كل ما كان من جنس الإزار والرداء، فله أن يلتحف بالقباء" القباء أقرب ما يكون في استعمالنا إلى البشت، يقول الشاعر:
خاط لي عمرو قباء |
|
ليت عينيه سواء |
والخياط أعور، فهذا مدح أو هجاء؟ ليت عينيه سواء، يمدح أو يذم؟ ما يدرى هل يريد أن تكون السليمة معيبة، أو العكس؟ ولذا يقول:
فسألوا الناس أشعري
|
|
أمديح أم هجاء؟ |
ما يدري إلا من رأى القباء؛ لأن القباء قرينة على المراد، إن كانت خياطته جيدة فهو يمدح، وإن كانت خياطته رديئة فهو يذم.
طالب: أو كان الشاعر ابن الرومي.
ما ميزته؟ ما مدح أحد؟ المقصود أن القباء يشبه في استعمالنا البشت والمشلح.
يقول: "فله أن يلتحف بالقباء والجبة و القميص في أي شيء يضعه على منكبيه ونحو ذلك ويتغطى به باتفاق الأئمة" يكون لحافاً وقت النوم، "باتفاق الأئمة عرضاً، ويلبسه مقلوباً، يجعل أسفله أعلاه، ويتغطى باللحاف وغيره؛ ولكن لا يغطي رأسه إلا الحاجة من شدة برد أو مرض أو نحو ذلك" ومع ذلك إذا كانت التغطية لحاجة فإنه حينئذ يرتفع الإثم وتبقى الفدية، وهي فدية أذى.
"ولكن لا يغطي رأسه إلا الحاجة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- نهى المحرم أن يلبس القميص، وهو ما يغطي البدن، والبرنس وهو ما يغطي الرأس، والسراويل وهو ما يغطي أسفل البدن، والخف وهو ما يغطي الرجل، والعمامة ما يغطي الرأس، ونهاهم أن يغطوا رأس المحرم بعد الموت" ووجهه أيضاً كما جاء في رواية صحيحة، وأمر في رواية أخرى بتغطية رأس المحرم ووجهه:((غطوا رأس المحرم ووجهه)) وإن حكم بعضهم على رواية تغطية الوجه بالشذوذ، لكنها ما دامت في صحيح مسلم فلا داعي للقول بشذوذها.
ونهاهم أن يغطوا رأس المحرم بعد الموت، وأمر من أحرم في جبة أن ينزعها عنه، متضمخ بالطيب أو متلطخ بالطيب قد أحرم بالجبة فقال: ((انزع عنك الجبة)) أول ما يبدأ بنزع الجبة، وينزعها على هيئة نزعها في الأيام المعتادة، يفتح أزاريرها ثم يخلعها خلعاً، ولا يشقها أو يقطعها كما قال بعضهم؛ لئلا يخلعها من قبل رأسه،
هذا لا يلزم.
على كل حال عليه أن يخلع هذه الجبة، و يغسل عنه الطيب، ويفعل في عمرته ما كان صانعه في حجه، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لذلك الرجل.
"وأمر من أحرم في جبة أن ينزعها عنه، فما كان من هذا الجنس فهو في معنى ما نهى عنه" كل ما يغطي الرأس فهو في حكم البرنس، وكل ما يغطي الرجل فهو بحكم الخف، وكل ما يغطي البدن فهو في حكم القميص وهكذا.
"فهو في معنى ما نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-، فما كان في معنى القميص فهو مثله، وليس له أن يلبس القميص لا بكُم ولا بغير كُم" يعني إذا كان قميص بكم واف إلى الرسغ، أو إلى الكتف، لا فرق كله قميص.
وسواءً أدخل فيه يديه أو لم يدخلهما، وهذا مثل البشت، ما يقول أضعه على الأكتاف وأمشي به، ولا أدخل يدي، أو الفروة هذا كله ما ينفع، بل لا بد أن يلبسه مقلوباً، وسواءً أدخل فيه يديه أو لم يدخلهما، وسواءً كان سليماً أو مخرقاً، وكذلك لا يلبس الجبة ولا القباء الذي يدخل يديه فيه، وكذلك الدرع الذي يسمى عرق جين، وعرفنا أنه يقرب من الفانيلة.
"وأمثال ذلك باتفاق الأئمة، وأما إذا طرح القباء على كتفيه من غير إدخال يديه ففيه نزاع" يعني لو لبس البشت على هيئته على الكتف ففيه هذا النزاع.
وهذا معنى قول الفقهاء لكن قوله: "القميص لا بكم ولا بغير كم" أدخل فيه يديه أو لم يدخلهما، لا شك أن القميص أشد من البشت؛ لأنه مخيط من الأمام، يعني محيط بالبدن كله بخلاف الب مثلاً شت، ولذا النزاع في البشت لا في القميص، هناك بغير نزاع بالنبسة للقميص، والبشت فيه نزاع، وهذا معنى قول الفقهاء: لا يلبس المخيط، و المخيط: هو ما كان من اللباس على قدر العضو، وكذلك لا يلبس الجبيرة إذا كانت على قدر عضو، فإن احتاج إليها هل تأخذ حكم المخيط؟
طالب: لا تأخذ؟
لماذا؟
طالب: لأنه يا شيخ نفس النص قال: ما كان من اللباس والجبيرة ليست من اللباس؟
طيب هل يستعملها الرياضيين في أكفهم في ركبهم في أقدامهم؟
طالب: هي ليست من اللباس الملبوس أبداً، المتعارف عليه.
يعني تلبس هذه؟ يلبسها المحرم؟.
طالب:..........
يعني إذا لبس من منتصف الساق إلى منتصف الفخذ في الموضعين، لا ما يلبس أبداً، أو لبس أنجل على الرجل لو طلع العقب، هذا مثل الجورب ما يصلح أبداً.
طالب: الفدية.
هذه الأمور يعرفها أبو عبد الله كلها، يعرف القباء والأحزم عليه.
طالب:........
لا، اصطلاح الرياضيين ما فيه أحد ما يعرفه..
طالب: الدوالي.
إذا احتيج إليه بقدر الحاجة بحيث لا يغطي، نصف الساق إلى نصف الفخذ، هذا لا يمكن، إذا احتاج إلى ما يغطي العضو كله، يستعمله ويفدي فدية أذى.
"وهذا معنى قول الفقهاء: ولا يلبس المخيط، والمخيط ما كان من اللباس على قدر العضو، وكذلك لا يلبس ما كان في معنى الخف، كالموقي والجورب ونحو ذلك، ولا يلبس ما كان في معنى السروايل، كالتبان ونحوه خلافاً لما اختارته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-".
طالب: ...مغلقة من الأمام ومقطوعة من نصف اليدين، فهل تأخذ حكم النعلين أو الخف المقطوع؟
ما صفتها؟
طالب: أحسن الله إليك بعض الأحذية مغلقة من الأمام ومقطوعة من الأسفل قليلا.
لا، لا هذا حذاء، ليس بخف، هذا يكشف نصف القدم الخلفي كاملا؛ لكن هناك أحذية تربط من الخلف يسمونها (صندل)، وهي حذاء؛ لأنها لا تغطي، ليست خُفًّا ولا في معنى الخف، فلا يمسح عليها، ولا تأخذ أحكام الخف.
طالب: بالنسبة للجبيرة والمشدات الطبية وغيرها يقال الآن معذور في وضعها خاصة........
ما عليه إثم، مثل من حلق رأسه ، لكن تلزمه فدية الأذى إذا كانت بقدر العضو.
طالب: ما يفرقون يعني قمل الرأس يقال لأنه .... ولا يستطيع ذلك.....
هذا تأذى به، ((ما ظننت أن الأمر وصل بك إلى هذا)) لا، لا، هو متأذ به.
طالب: الآن فدية قتل القمل....
لا، فدية حلق الرأس.
"وله أن يعقد ما يحتاج إلى عقده كالإزار وهميان النفقة، والرداء لا يحتاج إلى عقده فلا يعقده، فإن احتاج إلى عقده ففيه نزاع والأشبه جوازه حينئذ، وهل المنع من عقده منع كراهة أو تحريم؟ فيه نزاع، وليس على تحريم ذلك دليل إلا ما نقل عن ابن عمر -رضي الله عنها- أنه كره عقد الرداء، وقد اختلف المتبعون لابن عمر فمنهم من قال: هو كراهة تنزيه كأبي حنيفة وغيره، ومنهم من قال: كراهة تحريم، وأما الرأس فلا يغطيه لا بمخيط ولا غيره، فلا يغطيه بعمامة ولا قلنسوة ولا كوفية ولا ثوب يلصق به ولا غير ذلك، وله أن يستظل تحت..."
يقول: "له أن يعقد ما يحتاج إلى عقده كالإزار" الإزار لو لم يعقد أو يربط بحبل أو نحوه فإنه يسقط فتنكشف العورة، فله حينئذ أن يعقده كالإزار وهميان النفقة هو الحزام الذي يكون فيه جيوب توضع فيه الدراهم وما أشبهها، والرداء لا يحتاج إلى عقده؛ لأنه يثبت بمجرد وضعه بالنسبة لكثير من الناس، وبعض الناس لا يثبت عنده الإزار، وحينئذ يباح له أن يعقده عقداً يثبته بقدر الحاجة، ولو استعمل المشبك يستعمل واحد، وبعض الناس يستعمل عشرين مشبك بحيث يكون كالمخيط، وبعضهم يستعمل أزارير من أعلاه إلى أسفله، فهذا لا يجوز بحال، ولم يقل بهذا لا شيخ الإسلام ولا غيره، إنما ما دام النزاع في عقده في أصل العقد فمن أباحه أباحه للحاجة، فلا يتعدى به موضع الحاجة، "لا يحتاج إلى عقده فلا يعقده، فإن احتاج إلى عقده ففيه نزاع، والأشبه جوازه حينئذ" يعني عند الحاجة، "وهل المنع من عقده منع كراهة أو تحريم؟ فيه نزاع، وليس على تحريم ذلك دليل، إلا ما نقل عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه كره عقد الرداء، فاختلف المتبعون لابن عمر" يعني من استدل واحتج بقول ابن عمر، الذين أوردوا كلام ابن عمر في هذه المسألة اختلفوا، فمنهم من حمله على كراهة التنزيه، ومنهم من حمله على كراهة التحريم، وقد اختلف المتبعون لابن عمر فمنهم من قال هو كراهة تنزيه كأبي حنيفة، يعني لا يظن أن أبا حنيفة مقلد لابن عمر باستمرار؛ لأن اللفظ يوحي بهذا، المتبعون لابن عمر، يعني من أوردوا كلام ابن عمر في هذه المسألة.
طالب: من قال القول؟
المتبعون له في هذه المسألة، وأوردوا كلامه دليلاً؛ لأنه لا يوجد غيره حمل الكراهة على التنزيه، فمنهم من قال: هو كراهة تنزيه كأبي حنيفة وغيره، ومنهم من قال: كراهة تحريم، واللفظ محتمل لا سيما في إطلاق المتقدمين، وأما الرأس فلا يغطيه لا بمخيط ولا غيره، فلا يغطيه بعمامة ولا قلنسوة، وكل ما يغطي الرأس ممنوع ولا كوفية، طاقية، ولا ثوب يلصق به، ولا غير ذلك، أما ما لا يلتصق به، بل يرتفع عنه كالسقف مثلاً، أو الاستظلال بشيء، أو غطاء المحمل، أو غطاء الهودج، وما أشبه ذلك مما لا يلاصق الرأس فهذا في المسألة التي تلي هذه المسألة غداً -إن شاء الله-، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.