هدي النبي في رمضان (19)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أيها الإخوة المستمعون الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً بكم إلى هذا اللقاء الذي يجمعنا بفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير وفقه الله، الذي نرحب به في مطلع هذا اللقاء فحياكم الله يا شيخ عبد الكريم.

حياكم الله وبارك فيكم.

أيها الإخوة المستمعون الكرام: لا يزال الكلام موصولاً حول هذه الليلة العظيمة ليلة القدر فضلها والعلامات التي تعرف بها، ولو أتممتم الحديث حول ما بدأتم به في هذا الموضوع فضيلة الشيخ.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ليلة القدر جاء في فضلها سورة كاملة، يقول -جلَّ وعلا-:

{إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ ١ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ ٢ لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ خَيۡرٞ مِّنۡ أَلۡفِ شَهۡرٖ ٣ تَنَزَّلُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمۡرٖ ٤ سَلَٰمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطۡلَعِ ٱلۡفَجۡرِ ٥} القدر: ١ - ٥

  قال -عليه الصلاة والسلام-: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» متفق عليه من حديث أبي هريرة، وقيامها يكون بالصلاة والذكر والدعاء وقراءة القرآن وغير ذلك من وجوه الخير وقد دلت سورة القدر أن العمل في هذه الليلة خير من ألف شهر مما سواها وهذا فضل عظيم ورحمة من الله بعباده فجدير بالمسلمين أن يعظِّموها وأن يحيوها بالعبادة وقد أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- أنها في العشر الأواخر من رمضان وأن أوتارها..، أوتار العشر أرجى من غيرها فقال -عليه الصلاة والسلام-: «التمسوها في العشر الأواخر من رمضان في الوتر» وقال «من كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر» وغير ذلك من النصوص التي تدل على أن هذه الليلة في العشر وأنها ليست في ليلة بعينها بل هي متنقلة وإن كان المسألة مختلف فيها بين أهل العلم، ذكر الحافظ ابن حجر من أقوال أهل العلم ما يقرب من خمسين قولاً في تحديدها وكل مذهب من المذاهب فيه قول راجح بالنسبة لليلة معيّنة فالذي تدل عليه النصوص أن هذه الليلة متنقلة في العشر وليست في ليلة معينة منها دائمًا فقد تكون في ليلة إحدى وعشرين وقد تكون في ليلة ثلاث وعشرين وقد تكون في ليلة خمس وعشرين وقد تكون في ليلة سبع وعشرين وقد تكون في تسع وعشرين وقد تكون في الأشفاع قد تكون في الأشفاع إذًا كيف يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام- في الوتر؛ لأنه جاء من أنها تحرى في السبع الأواخر في السبع الأواخر «التمسوها لسابعة تبقى لسادسة تبقى لخامسة تبقى» إلى آخره، فهذه تختلف باختلاف بحسب تمام الشهر ونقصانه فإن كان الشهر تامًا صارت في الأشفاع، وإن كانت في وإن كان الشهر ناقصًا تسعًا وعشرين صارت في الأوتار فعلى هذا ينبغي للمسلم أن يعتني بهذه الليلة وأن يحتسب قيام هذه الليالي كلها علَّه أن يصادفها، فإخفاؤها إخفاؤها مقصد من مقاصد الشرع مقصد من مقصاده لكي يكثر اجتهاد الناس لا يعتمدون على ليلة معيّنة بعد ذلك لا يقومون غيرها؛ لأن الناس إذا اتضح لهم الأمر يغلب عليهم الكسل، لا يقول الإنسان أفلا أكون عبدًا شكورًا أن وفقني لليلة القدر أقوم عمري كله في رمضان وفي غير رمضان لا إذا عرفه وغلب على ظنه أن هذه ليلة القدر كسل عما عداها، ولذا جاء إخفاؤها وإخفاؤها مقصد من مقصاد الشرع.

رحمة.

رحمة بلا شك.

فضيلة الشيخ هناك من يعبرون الرؤى وربما حددوا هذه الليلة وقالوا إنها ليلة كذا وكذا رأيكم في مثل هذه التعبيرات...

هذا مخالف للقصد الشرعي من إخفائها وبإمكانه -عليه الصلاة والسلام- وهو المؤيد بالوحي أن يعينها بعد أن رآها الصحابة وتواطأت رؤاهم الصحابة تواطأت رؤاهم على ليلة بعينها ومع ذلكم ما حددها النبي -عليه الصلاة والسلام- لكي يجتهد الناس وتكثر أجورهم وهذا من رحمة الله -عزَّ وجل- بخلقه؛ لأنها إذا عرفت بالتحديد ما ما اجتهد الناس بقية الليالي وبهذا نعرف خطأ من يحددها ولإن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما رآها الصحابة وتواطأت رؤاهم عليها قال «أرى رؤياكم قد تواطأت» ثم بعد ذلك قال «من كان متحريها فليتحرها في كذا وفي كذا وكذا» «التمسوها في السبع الأواخر» «في العشر الأواخر» يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- بإمكانه أن يحدد ليلة بعينها من خلال هذه الرؤى وهو أيضًا مؤيد بالوحي فكيف بغيره ليس لأحد أن يحدد؛ لأن التحديد خلاف مقصد الشرع ونظيره ساعة الاستجابة في الجمعة جاءت أحاديث تدل على أنها في منتصف النهار وجاءت وجاء ما يدل على أنها في آخر النهار لكي يجتهد الناس في سائر الأوقات، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما قال: «من كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر» ليحقق الهدف الشرعي من من إخفاء هذه الليلة على كل حال من قام ليالي العشر كلها إيمانًا واحتسابًا أدرك هذه الليلة بلا شك وفاز بما وعد الله أهلها به، لكن شريطة أن يكون قيامه إيمانًا واحتسابًا الباعث عليه الإيمان بالله -عزَّ وجل- والتصديقب وعده والإخلاص له، وقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يخص هذه الليال بمزيد اجتهاد ما يفعله في العشرين الأول قالت عائشة -رضي الله عنها- كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها وقالت كان إذا دخل العشر أحيا ليلة وأيقظ أهله وجد وشد مئزره إلى غير ذلك وقد تقدم، هل يلزم العلم بليلة القدر؟ يعني هل لا يدركها إلا..، ولا يحصل له ثوابها إلا من علمها؟ اختلف العلماء في ذلك والصواب أن من قامها نال أجرها ولو لم يعلم بها وقول من قال إنها لا ينال أجرها إلا من شعر بها قول ضعيف لأن الثواب مرتب على القيام؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا» ولم يقل عالمًا بها ولو كان العلم شرطا لحصول الثواب لبينه النبي -صلى الله عليه وسلم-.

فضيلة الشيخ يحسن الحقيقة الحديث حول علامات ليلة القدر التي يمكن أن تعرف بها.

ذكر أهل العلم علامات لليلة القدر وهي مستنبطة من النصوص فمنها زيادة النور في تلك الليلة ومنها طمأنينة القلب وانشراح الصدر من المؤمن، لا شك أن المؤمن يجد من انشراح الصدر وطمأنينة القلب في تلك الليلة أكثر مما يجده في بقية الليالي، لكن متى الصدر إذا كان القلب سليم أما إذا كان مدخول أو غافل وساهي هذا مثل هذا في الغالب لا يدرك شيء من هذه العلامات وإن حصل له أجر القيام من من علاماتها أن الرياح تكون فيها ساكنة فلا يأتي فيها رياح ولا قواصف بل يكون الجو هادئًا أخرج ابن خزيمة وابن حبان من حديث جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إني كنت رأيت ليلة القدر ثم نسِّيتها وهي في العشر الأواخر وهي طلقة بلجة لا حارة ولا باردة كأن فيها قمرًا يفضح كوكبها لا يخرج شيطانها حتى يخرج فجرها» هذا حديث مصحح عند ابن خزيمة وابن حبان وأخرج الإمام أحمد من حديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن أمارة ليلة القدر أنها صافية بلجة كأن فيها قمرًا ساطعًا ساكنة ساجية لا برد فيها ولا حر ولا يحل لكوكب أن يرمي به فيها حتى تصبح» قال الهيثمي رجاله ثقات، أيضًا الشمس تطلع في صبيحتها ليس لها شعاع صافية كما في صحيح مسلم من حديث أبي بن كعب -رضي الله عنه- قال: أخبرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها وفي المسند من حديث عبادة وأن أمارتها أن الشمس صبيحتها تخرج مستوية ليس له شعاع مثل القمر ليلة البدر ولا يحل للشيطان أن يخرج معها، وأما ما يذكر من أن الكلام لا يسمع لها نباح تلك الليلة أو أن الماء يسكن هذا لا دليل عليه، فينبغي للمسلم أن يغتنم هذه الليلة فيكثر من الأدعية المأثورة كقوله اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني، لحديث عائشة في ذلك أنه قالت أرأيت يا رسول الله إن وافقت ليلة القدر فما أقول فيها؟ قال قولي: «اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني» مخرج عند أحمد والنسائي والترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح، وغير ذلك من الأدعية الجوامع الواردة في الكتاب والسنة ويجتنب الأدعية المسجوعة وما فيه إثم أو قطيعة رحم ولو اقتصر على المنصوص من الأدعية ونص على ما يحتاجه وما حاجته داعية إليه لا شك أن هذا أولى وأحرى بأن يجاب والله المستعان.

 

أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ ونفع بما قلتم إنه سميع مجيب وبلغنا تلك الليلة ووفقنا إلى قيامها إيمانًا واحتسابًا برحمة منه وفضل إنه سميع مجيب أيها الإخوة المستمعون الكرام بهذا نصل إلى ختام هذه الحلقة أتقدم في ختامها بالشكر الجزيل لفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير وفقه الله، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

"