شرح مختصر الخرقي - كتاب الصلاة (15)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

ما زال الكلام في مسألة القراءة في الصلاة، والمؤلف يقول -رحمه الله تعالى-:  

والمأموم إذا سمع قراءة الإمام فلا يقرأ بـ(الحمد) ولا بغيرها؛ لقول الله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [(204) سورة الأعراف]" وقوله: "إذا سمع" مفهومه أنه إذا لم يسمع أنه يقرأ، سواءً كان لا يسمع لأمر يخصه كصمم أو نحوه، أو بُعد، أو لأن الأمام لا يجهر في قراءته، ومعنى هذا أنه في الصلاة الجهرية لا يقرأ، لا بفاتحة الكتاب ولا بغيرها، لكن إذا كان لا يسمع الإمام وهو قريب منه، فهل ينازع الإمام كما يفعله كثير من الناس حتى في الصلاة السرية تجده يرفع صوته، ويسمع نفسه، ويسمع من بجواره هذه منازعة للإمام، وقد جاء: ((ما لي أنازع القرآن؟)) لأن هذا يربك، فلا بد من ملاحظة هذا.

النبي -عليه الصلاة والسلام- في الصلاة السرية يسمعهم الآية أحياناً، ويفعل هذا بعض الناس سواء كان إماماً وهو مقتدي بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا بالنسبة له مشروع ومسنون، لكن ماذا عن الحكم بالنسبة للمأموم إذا كان يشوش على غيره؟ وبعض الناس إذا سمع كلمة اضطرب، وضاع حفظه، وضاعت قراءته، بعض الناس إذا سمع كلمة، أو أدنى حركة وهو بجوار هذا الذي يرفع صوته قريب منه، وهو يقرأ قراءة متتابعة في صلاة سرية، أو يقرأ منفرداً في نافلة ونحوها، فإنه يضطرب في قراءته، ولا يدري أي آية كان يقرؤها، وقل مثل هذا في الدروس والكلمات التوجيهية والوعظية قبل فراغ المسبوق من قضاء ما فاته.

بعض الناس إذا سلم شرع في الدرس، وهذا لا شك أنه يؤثر على المصلين، ويقطع الأذكار بالنسبة لمن فرغ من صلاته، ومن يقضي صلاته يؤثر عليه مثل هذا، ولا شك أن التأني في مثل هذا من باب إعانة المسلم على إتمام صلاته هذا مطلوب، لكن بعضهم يقول: لو تأخرنا قليلاً خرج الناس، خرج السرعان، السرعان موجدون في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفي عهدنا أظهر وأكثر، فعلى الإنسان أن يلاحظ  غيره كما يلاحظ صلاته، فلا يشوش على غيره، ومثل هذا القراءة -قراءة القرآن- إذا كان بعضهم يقرأ بجوار من يقرأ أو يصلي، فهل الأفضل له أن يجهر أو تكون قراءته بين الجهر والإسرار؟ أو يسر؟ وماذا عن حديث: ((الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة)) حديث جيد حسن في السنن، وإن كان يحتمل أكثر من معنى، الجاهر بالقرآن والمسر به يحتمل أن يكون المراد به أثناء القراءة وأثناء التلاوة، وإن كان بين الناس، إذا جهر كأنه جهر بالصدقة، وإذا أسر كأنه أسر بالصدقة، وإن كان في المسجد أمام الناس ومرآهم، ويحتمل أيضاً أن الجاهر بالقرآن الذي يقرأ بين الناس ولو أسر بصوته، يعني يعلن أنه يقرأ أمام الناس، سواءً كان من المصحف أو عن ظهر قلب، و المسر الذي يقرأ سراً بحيث لا يراه أحد، ولا شك أن مثل هذا أقرب إلى الإخلاص، والأول إذا كان يشوش على الآخرين فلا شك أن الأفضل بالنسبة له أن يسر، يعني لا بد من ملاحظته؛ لأن بعض الإخوان يرفع صوته والناس يقرؤون، يشوش بعضهم على بعض، نعم إذا كانت هناك قراءات لا يتبينها القارئ بحيث لا تشوش عليه كما هو الشأن قبل دخول الإمام في الجمعة الناس يقرؤون، وتسمع صوت المجموع -مجموع الناس- لا صوت الأفراد؛ لأنه لو تفرد واحد شوش على الناس، لكن بالمجموع تسمع صوتا مرتفعا؛ لكن مثل هذا الصوت لا يشوش؛ لأنه صوت مختلط كصوت الآلة التي لها أزيز مستمر مثل هذا لا يضر ولا يؤثر، لكن الإشكال في الصوت الذي يظهر أحياناً، ويخبو أحياناً هذا هو الذي يؤثر، فمثل هذا ينبغي للمسلم والحريص على نفع نفسه أن يحرص على نفع إخوانه.

طالب: لكن -أحسن الله إليك- أحياناً المقام يقتضي المبادرة بالكلمة بعد الصلاة لإنكار منكر أو نحوه يخشى إن أخره أن يخرج ربما حتى من صدر منه هذا المنكر كأغنية صدرت من جوال أو نحوه أثناء الصلاة.

لا شك أن الأمور تقدر بقدرها، لكن الكلام في الإجمال، إجمالاً، يعني إذا تحققت المصلحة دون ترتب أي مفسدة هذا هو الأصل، المفسدة المغمورة تغتفر في جانب المصلحة الراجحة تغتفر، لكن يبقى أن التشويش على الناس مشكل، وأقول: هذا الكلام لأنني من النوع الذي لو حُرك الباب لا أدري ما أقول، فضلاً عن كون واحد يجهر أو أحياناً يرفع وأحياناً يخفض، إن صليت بجانب شخص ثم رفع بآية خلاص انتهى، وهذا موجود كثير في الناس، وبعض الناس -ما شاء الله- لا يتأثر، ولعل هذا مرده إلى الحفظ، وكيفية الحفظ، وطريقة الحفظ.

لا شك أن الذي حفظ في الصغر بصوت مرتفع، وعلى شيخ، وقابل وعارض وهكذا هذا ما يؤثر فيه شيء، لكن الذي حفظ على نفسه، أو حفظ سراً مثلاً فمثل هذا لا شك أن حفظه يكون مهزوزا، إذا طرأ عليه شيء ضيعه، نعم؟

طالب:.......

يعني هل للمأموم أن يقتدي بما صدر عنه -عليه الصلاة والسلام-أنه كان يسمعهم الآية أحياناً؟ يقول: أنا مقتدٍ، لماذا لا أقتدي بالنبي -عليه الصلاة والسلام-وأجهر بآية أحياناً؟ أو أن هذا خاص بالإمام، وصدر منه -عليه الصلاة والسلام- بصفته إماما لا بصفته مصلٍ؟ لأن من الأعمال النبوية التي صدرت عنه -عليه الصلاة والسلام- ما يكون بصفته إماما، ومنها ما يكون بصفته إماما أعظم، ولي أمر عام، ومنها ما كان بصفة المشرع التشريع العام الذي للناس أن يقتدوا به، فمثلاً قوله -عليه الصلاة والسلام- إذا رفع من الركوع: ((سمع الله لمن حمده)) هل هذا لجميع الناس أو للإمام فقط؟ بصفته إماما، هناك أمور أخرى كلها بصفته إماما -عليه الصلاة والسلام- إمام صلاة، فيقتدي به الأئمة دون المأمومين، ومثل ما ذكرنا سابقاً لا بد من تحقيق المصالح التي لا يترتب عليها مفاسد، نعم إذا كان هناك مفسدة مغمورة في مصلحة راجحة ترجح عليها المصلحة.

"والمأموم إذا سمع قراءة الإمام فلا يقرأ بـ(الحمد) ولا بغيرها؛ لقول الله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [(204) سورة الأعراف] ولما روى أبو هريرة -رضي الله عنه- قال: ((ما لي أنازع القرآن؟)) فانتهى الناس أن يقرؤوا فيما جهر فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-" هذه المسألة التي شرعنا في تقريرها في الدرس الماضي، بدأنا بها ولم نحسمها، وأظن دون حسمها خرط القتاد؛ لأنها من عضل المسائل، وما زلت من درس الأسبوع الماضي وأنا أستخير الله في الراجح من هذه الأقوال، وإن كنت منذ القدم وأنا أرجح بالنسبة لي قراءتها على كل حال؛ لحديث عبادة، وهو نص في الموضوع، لكن لا شك أن على هذا القول يترتب أمور: منها التأثيم، ومنها البطلان؛ لأنها ركن، ويترتب على ذلك أيضاً المشقة العظيمة لا سيما إذا كان الإمام لا يمكن المأموم من القراءة، وإذا كان المأموم عنده شيء من الحرص والتحري في إبراء الذمة، ثم بعد ذلك يكون من النوع الذي يتشوش إذا قرأ الإمام، نرى هذا واضحا في صلاة التراويح إذا كان الإمام لا يمكن المأموم من القراءة وقع في حرج عظيم، لا يستطيع أحياناً أن يقرأ خلف الإمام، وهو يرى أنها واجبة أو ركن هذا حرج، لا شك أن مثل هذا يحز في النفس أن يخل بما يراه ركناً من أركان الصلاة ولا يستطيع الإتيان به.

فعلى كل حال المذاهب كما هو معروف أولاً نخرج مذهب الحنفية الذي لا يرى أن الفاتحة تتعين على مصل ألبتة، إنما يقرأ بما يتسر من القرآن، سواءً كان إماماً أو مأموماً أو منفرداً، بما تيسر، وذلكم لأمره -عليه الصلاة والسلام- المسي بأن يقرأ ما تيسر.

ذكرنا أيضاً فيما مضى ما يراه أبو هريرة والبخاري، ويرجحه الشوكاني وجمع من أهل العلم أن قراءة الفاتحة لازمة لكل مصلٍ، وأنها لا تسقط عن أحد لا إمام ولا مأموم ولا منفرد ولا مسبوق، وإذا لم يتمكن من قراءة الفاتحة ولو أدرك الركوع فإن الركعة تكون قد فاتت، إذا لم يتمكن من قراءة الفاتحة هذا بالنسبة للمسبوق، وفيه حديث أبي بكرة الذي استدل به الأكثر على سقوط القراءة عن المسبوق.

الذي لا يستطيع إكمال الفاتحة مع الإمام لأن الإمام يسرع في قراءته، فإذا قرأ ثلاث آيات أوأربع آيات أو خمسا ركع الإمام هذا قلنا: إن حكمه حكم المسبوق، يسقط عنه الباقي ويتابع الإمام في الركوع.

يبقى أن من استطاع أن يقرأ الفاتحة كاملة خلف الإمام هذا محل الخلاف، الإمام والمأموم لا خلاف في أن القراءة بالنسبة لهما ركن من أركان الصلاة، وفي جميع ركعاتها، وإن كان هناك أقوال أخرى أنها تجزئ قراءتها مرة واحدة في الصلاة، أو في غالب الصلاة، بمعنى أنها إذا كانت الصلاة ثنائية لا بد أن يقرأها في الركعتين، ولا يجزئ إذا قرأها في واحدة، وإن كانت ثلاثية وقرأها في ركعتين أجزأت، ولا يلزم الثالثة، وإن كانت رباعية فكذلك، لكن هذا قول ضعيف عند أهل العلم، بل يكاد أن يكون مهجوراً.

فما بقي إلا إما أن يقرأ خلف الإمام أو لا يقرأ؟ ثم الذي لا يقرأ، الذي يرى أنه يقرأ مطلقاً، وهذا هو المعروف عند الشافعية، ويرجحه جمع من أهل العلم لا سيما من لهم عناية بالأثر، يرجحون هذا القول، ولا يفرقون بين جهرية ولا سرية، يقرأ خلف الإمام مطلقاً، وللإمام البخاري جزء القراءة خلف الإمام، وننظر في كلامه الآن في الصحيح.

الذين يقولون بأن المأموم لا تلزمه، لا تلزم كل مأموم، ويفرقون بين الجهرية والسرية، فتلزمه قراءة الفاتحة في الصلاة السرية، ولا يلزمه قراءتها في الجهرية، ويستثنون الصلاة الجهرية بالآية التي أوردها المؤلف: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ} [(204) سورة الأعراف] وهنا يقرأ القرآن، ويقولون: إن الحكمة من مشروعية الجهر بالقراءة من أجل المأموم، فإذا انشغل المأموم بغير الاستماع والإنصات انتفت الحكمة، وذكرنا ما بين النصين أعني الآية، وحديث عبادة من عموم وخصوص في الدرس الماضي، وهذا يجعل المسألة أكثر تعقيداً؛ لأنه لو كانت عموما وخصوصا مطلقا فلا إشكال، لكن عموم وخصوص وجهي هذا هو محل الإشكال، والخلاف فيه كثير، و الترجيح فيها صعب، الترجيح في مثل هذا الاختلاف أومثل هذا التعارض يصعب؛ لأننا نحتاج إلى مرجحات خارجية.

على كل حال أكثر أهل العلم على أن المأموم لا يقرأ خلف الإمام، وأكثرهم على أنه لا يقرأ في الجهرية، وأما في السرية وفي الركعتين الأخريين أو الثالثة من الثلاثية يقرأ، تلزمه القراءة؛ لأنه حينئذٍ تجتمع النصوص، إذا كان يسمع قراءة الإمام لا يقرأ، إذا كان لا يسمع يقرأ، وعليه تحمل الأحاديث التي جاءت بالأمر بالقراءة خلف الإمام، وأما من يسمع قراءة الإمام فعليه تتنزل الآية، والحديث الذي أورده: ((ما لي أنازع القرآن؟)) "فانتهى الناس أن يقرؤوا فيما جهر فيه النبي -عليه الصلاة والسلام-".

الاستثناء ((ما لي أنازع القرآن؟)) ((لعلكم تقرؤون خلف إمامكم، لا تقرؤوا إلا بأم القرآن)) هذا الاستثناء ضعيف عند أهل العلم، ولو صح قطع كل قول، لكنه مضعف.

عرفنا الأقوال في المسألة، وشيخ الإسلام -رحمه الله- كأنه يميل إلى أن المأموم يقرأ في السرية دون الجهرية –قال-رحمه الله-:

 "وأما القسم الرابع: فهو مما تنازع العلماء فيه، فأوجب أحدهم شيئاً أو استحبه، وحرمه الآخر، والسنة لا تدل إلا على أحد القولين لم تسوغهما جميعاً، فهذا هو أشكل الأقسام الأربعة، يقول: وأما الثلاثة المتقدمة فالسنة قد سوغت الأمرين، وهذا مثل تنازعهم في قراءة الفاتحة خلف الإمام حال الجهر، فإن للعلماء فيه ثلاثة أقوال، قيل: ليس له أن يقرأ حال جهر الإمام إذا كان يسمع لا بالفاتحة ولا غيرها، وهذا قول الجمهور من السلف والخلف، قيل...

الآن صدره شيخ الإسلام بصيغة التضعيف والتمريض "قيل: ليس له أن يقرأ حال جهر الإمام إذا كان يسمع لا بالفاتحة ولا غيرها، وهذا قول الجمهور من السلف والخلف، وهذا مذهب مالك وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم، وأحد قولي الشافعي، وقيل: بل يجوز الأمران، والقراءة أفضل، ويروى هذا عن الأوزاعي وأهل الشام والليث بن سعد، وهو اختيار طائفة من أصحاب أحمد وغيرهم، وقيل: بل القراءة واجبة، وهو القول الآخر للشافعي، وقول الجمهور هو الصحيح، فإن الله سبحانه قال: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [(204) سورة الأعراف] قال أحمد: أجمع الناس على أنها نزلت في الصلاة.

وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي موسى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا، وإذا كبر وركع فكبروا واركعوا، فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم، فتلك بتلك)) الحديث إلى آخره.

وروي هذا اللفظ من حديث أبي هريرة أيضاً، وذكر مسلم أنه ثابت فقد أمر الله ورسوله بالإنصات للإمام إذا قرأ، وجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك من جملة الإئتمام به، فمن لم ينصت له لم يكن قد ائتم به، ومعلوم أن الإمام يجهر لأجل المأموم، ولهذا يؤمن المأموم على دعائه، فإذا لم يستمع لقراءته ضاع جهره ومصلحة متابعة الإمام مقدمة على مصلحة ما يؤمر به المنفرد، ألا ترى أنه لو أدرك الإمام في وتر من صلاته فعل كما يفعل، فيتشهد عقيب الوتر، ويسجد بعد التكبير إذا وجده ساجداً، كل ذلك لأجل المتابعة، فكيف لا يستمع لقراءته؟! مع أنه بالاستماع يحصل له مصلحة القراءة، فإن المستمع له مثل أجر القارئ، ومما يبين هذا اتفاقهم كلهم على أنه لا يقرأ معه فيما زاد على الفاتحة إذا جهر، فلولا أنه يحصل له أجر القراءة بإنصاته؛ لكانت قراءته لنفسه أفضل من استماعه للإمام، وإذا كان يحصل له بالإنصات أجر القارئ لم يحتج إلى قراءته، فلا يكون فيها منفعة، بل فيها مضرة شغلته عن الاستماع المأمور به، وقد تنازعوا إذا لم يسمع الإمام؛ لكون الصلاة صلاة مخافتة، أو لبعد المأموم أو طرشه أو نحو ذلك، هل الأولى له أن يقرأ أو يسكت؟ والصحيح أن الأولى له أن يقرأ في هذه المواضع؛ لأنه لا يستمع قراءة يحصل له بها مقصود القراءة، فإذا قرأ لنفسه حصل له أجر القراءة وإلا بقي ساكتاً لا قارئاً ولا مستمعاً، ومن سكت غير مستمع ولا قارئ في الصلاة لم يكن مأموراً بذلك ولا محموداً، بل جميع أفعال الصلاة لا بد فيها من ذكر الله تعالى كالقراءة والتسبيح والدعاء أو الاستماع للذكر.

وإذا قيل: بأن الإمام يحمل عنه فرض القراءة فقراءته لنفسه أكمل له، وأنفع له، وأصلح لقلبه، وأرفع له عند ربه، والإنصات لا يؤمر به إلا حال الجهر، فأما حال المخافتة فليس فيه صوت مسموع حتى ينصت له".

هذا كلام الشيخ -رحمه الله- يدل على أنه يرجح أن المأموم لا يقرأ في الصلاة الجهرية، ويقرأ في الصلاة السرية، هذا رأي شيخ الإسلام -رحمه الله-، وشيوخنا لا سيما من له عناية بالأثر كالشيخ ابن باز يرجح القراءة على كل حال، جهر الإمام أو أسر، ويرى هذا القول الراجح، ويفتي به، ونحن على هذا القول مدة طويلة باعتبار أن حديث عبادة نص في الموضوع، لكن مع معارضته للآية الترجيح يعني ليس بالمجزوم به، وما زلنا نستخير الله في هذه المسألة، والآثار المترتبة عليها مثل ما ذكرنا آنفاً آثار شديدة على المصلي، لا سيما أن المصلحة من جهر الإمام هو من أجل المأموم، فإذا لم يستمع له كما قال الشيخ انتفت المصلحة والحكمة من جهره، نعم؟

طالب:.......

سيأتي هذا، نعم؟

طالب:.......

في ماذا؟

طالب:.......

إيه، لكن الآية تجمع بين الاستماع والإنصات قطعا؛ لأنه قد يقول قائل: أنا أستطيع أن أستمع لكن ما يلزم أني أنصت، فينفكان أحياناً عند بعض الناس لا عند جميع الناس، ولذلك لما احتج بقوله -جل وعلا-: {مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [(4) سورة الأحزاب] احتج بهذه الآية على من يستمع لأكثر من قارئ، وهذا حصل عند القراء، وحصل أيضاً عند أهل الحديث، تجدهم يقرأ عليهم في أكثر من موضع في القرآن، ويستمعون والاستماع  ليس لواحد بعينه، لكن في الجملة هم مستمعون، بدليل أن المقرئ هذا يرد على هذا، ويرد على هذا، ويرد على هذا، كما قيل في علم الدين السخاوي، يقرأ عليه عشرة في وقت واحد، ويرد على الجميع، وما حصل من الإمام الدارقطني أنه منشغل عن المحدث، ومع ذلك حفظ كل ما قاله المحدث وهو ينسخ، فقد يحصل الاستماع ولا يحصل الإنصات، أو العكس، قد يحصل الإنصات وهذا واضح كثير، تجد الإنسان منصتا ساكتا لا يتحرك ومع ذلك ذهنه ليس بحاضر، فلا تلازم بينهما، نعم؟

طالب: في كلمة للإمام أحمد إن أحببت أن نقرأها؟

ماذا يقول؟

طالب: يقول: قال أحمد: ما سمعنا أحداً من أهل الإسلام يقول: إن الإمام إذا جهر بالقراءة لا تجزئ صلاة من خلفه إذا لم يقرأ، وقال: هذا النبي -صلى الله عليه وسلم-وأصحابه والتابعون، وهذا مالك في أهل الحجاز، وهذا الثوري في أهل العراق، وهذا الأوزاعي في أهل الشام، وهذا الليث في أهل مصر، ما قولوا لرجل صلى خلف الإمام وقرأ إمامه ولم يقرأ هو صلاته باطلة... إلى آخر كلامه.

على كل حال القول الآخر معتبر، وله أدلته، وكون بعض أهل العلم يعني على حد علمه، وما ترجح له واعتقده ويدين الله به، لكن قد يجلب عليه بما أوتي، وقد ينفي على حد علمه، لكن القول الآخر لا شك أنه قول معتبر، وله أدلته، وعلى كل حال هو قول له حظ من النظر، بل مرجح عند كثير من أهل العلم، لكن الأكثر على خلافه، وأن المأموم يتحمل عنه الإمام القراءة، والمستمع لقراءة الإمام الذي يجهر بقراءته هذا له حكم القارئ.

يقول: سقوط الفاتحة عن المسبوق ألا يضعف ركنيتها خاصة وأن الركن لا يسقط بحال إلا على هذا القول؟

لا شك أن الركنية يدل عليها حديث عبادة: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) فعموم هذا الحديث يستثنى منه المسبوق، وإذا استثني منه المسبوق ضعف، لم يكن العموم محفوظاً حينئذٍ، فليستثن منه أيضاً المأموم حال جهر الإمام، نعم؟

طالب:.......

ويش فيها؟

طالب:.......

المسبوق حديث أبي بكرة واضح فيه أن المسبوق تسقط عنه قراءة الفاتحة.

يقول: إذا طبقنا مسألة العموم والخصوص الوجهي ألا يمكننا القول أن عموم حديث عبادة أنه لكل مصل دخله مخصصات كسقوطها عن المسبوق وعن العاجز عن تعلمها بخلاف عموم الآية أي الاستماع فهو محفوظ؟

طيب، ماذا تقول في رجلين كلاهما يقرأ القرآن جهراً هذا من موضع وهذا من موضع؟ يلزم كل واحد منهما الإنصات للآخر أو نقول: لا يلزم الإنصات؟ يلزم أو ما يلزم؟ إذاً عموم الآية محفوظ أو دخله استثناء؟ كثير، بل أكثر العمومات دخلتها المخصصات، ومنهم من يطلق أن كل عموم دخله الخصوص سوى مثل {إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [(20) سورة البقرة] {إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [(75) سورة الأنفال] يعني مثل هذه العمومات هي المحفوظة، وما عداها كلها دخلها مخصصات، فيستثنون أربع آيات أو خمس، وما عدا ذلك كله دخله التخصيص، وشيخ الإسلام يرد هذا القول بقوة، واستعرض عمومات الفاتحة، وعمومات الورقة الأولى من سورة البقرة، وذكر منها العمومات المحفوظة، أكثر عمومها محفوظ، وعلى كل حال المسألة مثل ما ذكرنا من عضل المسائل، والآثار المترتبة على القولين تحتاج إلى مزيد عناية، وتحتاج إلى مزيد تأني، ومن الصعوبة أن يقال هذا القول أرجح من ذاك، مع أن النصوص صحيحة وصريحة، والأئمة على سعة اطلاعهم، وعظم أقدارهم ترددوا في مثل هذا طويلاً، المسألة..، لأن بعض الناس ينظر إلى المسائل العلمية على أن أمرها يسير، يعني كذباب وقع على أنفه فطرده، إلى هذا الحد بعض الناس، يعني ينظر إلى النص يقول: هذا عام وهذا خاص ويمشي، هذا الكلام ليس بصحيح، هذا أوتي من أين؟ من أي شيء؟ من قلة العلم، أتي من قلة العلم، يعني كم سمعنا من أقوال من يفتي بأن أحاديث النهي عن الصلاة في أوقات النهي أحاديث عامة، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة، والخاص مقدم على العام، كم سمعنا من يقول بهذا، والجمهور على عكس هذا القول، فلا بد من التأني والنظر الدقيق الفاحص في النصوص، وما بينها، وينبغي أن يتعامل معها طالب العلم على قواعد وأسس متينة، وإلا لن يفلح في طلبه للعلم، لن يفلح، نعم؟

طالب:.......

عامة من وجه، وخاصة من وجه، في داخل الصلاة وخارجها، عمومها واضح، لفظها واضح، كونها نزلت على سبب خاص أو كذا ما يعني أنها تقيد بسببها، وسيأتي مسألة العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب في درس الثلاثاء -إن شاء الله تعالى-.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"والاستحباب أن يقرأ في سكتات الإمام، وفيما لا يجهر فيه" في سكتات الإمام، الإمام يسكت بين التكبيرة والقراءة، كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة للاستفتاح، فهل الأولى للمأموم في سكتة الإمام الأولى أن يستفتح أو يقرأ الفاتحة؟ أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ فقال: ((اللهم باعد بيني...)) إلى آخر الاستفتاح، المأموم لا سيما إذا كان يرى لزوم الفاتحة خلف الإمام، فهل الأولى له أن يستفتح اقتداءً بالنبي -عليه الصلاة والسلام-أو يستغل سكتة الإمام ويقرأ؟، ويخرج بذلك من خلاف من أوجب قراءة الفاتحة، لا سيما هو يرى الوجوب مثلاً، ويأثم بتركه، يعني هذا الموضع موضع الاستفتاح، طيب إذا قرأ من الفاتحة والإمام يستفتح وقال: آمين، ثم قرأ الإمام وقال: آمين ثانية، وماذا لو قرأ نصف السورة وقال الإمام بعد ذلك: ولا الضالين، فالمسألة مربكة شيئاً ما، نعم؟

طالب:.......

لا لا ما يلزم، في الأقوال ، ما يلزم في الأذكار.

طالب:.......

نعم، ويش لون؟

طالب:.......

إلا يلزمها تصلي في هذا الوقت.

إذا سكت الإمام بين التكبير والقراءة يعني المتجه أن يفعل كما يفعل الإمام ((إذا جاء أحدكم والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام)) وبهذا يتم الاقتداء، السكتة الثانية بين قراءة الفاتحة والسورة، وإن كان ثبوتها فيه ما فيه إلا أنها سكتة لطيفة ليرد النفس.

السكتة الثالثة: إذا فرغ من القراءة وقبل التكبير، وجاء التنصيص على السكتتين، فمنهم من يقول: الأولى متفق عليها، منهم من يقول: الثانية بين الفاتحة والسورة، ومنهم من يقول: الثانية بين القراءة والتكبير، وعلى كل حال لا يوجد سكتة للإمام يمكن فيها المأموم من قراءة الفاتحة كاملة؛ إنما سكتات لطيفة، لكن إذا كان من باب التعاون على البر والتقوى، وأراد الإمام أن يمكن المأموم من قراءة الفاتحة كاملة ماذا يقال في حقه: أحسن أو أساء؟

طالب:.......

الإمام سمع الداخل وهو راكع وأطال الركوع من أجله، وقرأ الفاتحة وسكت من أجله ليقرأ الفاتحة، هاه؟

طالب:.......

وجه الاختلاف؟

طالب:.......

لا لا، إطالة الركوع من أجل الداخل، فهل نقول: يطيل السكوت من أجل قراءة القارئ؟ لا سيما وأن هناك قول معتبر، وقد يكون الإمام ممن يرى لزوم الفاتحة على المأموم، نعم الذي هو أرحم الخلق بالخلق، لو كانت مشروعة لفعلها النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه أرحم الخلق بالخلق، وأحرصهم على جلب الخير لهم -عليه الصلاة والسلام-، ولا خير إلا دلهم عليه.

طالب:.......

مثل ما قلنا: إنه لو كان مشروعاً لفعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو أحرص الناس على مصلحة أمته -عليه الصلاة والسلام-.

والاستحباب أن يقرأ في سكتات الإمام، وفيما لا يجهر فيه، كصلاة الظهر والعصر، والركعة الثالثة من صلاة المغرب والثالثة والرابعة من صلاة العشاء، وفيما لا يجهر فيه.

طالب: أحسن الله إليك سكتات الإمام بين الآي للنفس مثل الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم؟

إيه لا سيما بعض القراء ممن ابتلي بالتمطيط والمدود الطويلة تجد بالمقابل سكتاته طويلة، فمثل هذا هل يستغل بين كل آيتين من الإمام آية من المأموم مثلاً؟ إذا كان يتمكن من ذلك، أو نقول: تهيأ لاستماع قراءة الإمام؟ نعم؟ أما على القول الذي رجحه شيخ الإسلام الأمر فيه سعة، يعني ما دام الإمام يقرأ وشيخ الإسلام يرى أنه بالنسبة للسكتات لا يقرأ إلاَّ في سكتة تستوعب الفاتحة.

طالب:.......

نعم لأنها لا تقطع، يعني رأي الشيخ -رحمه الله- أن المأموم لا يقرأ إلا في سكتة للإمام تستوعب الفاتحة.

طالب:.......

لا، إذا عرف من عادته المطردة، هو يصلي خلفه باستمرار، كلام الشيخ -رحمه الله- ما يلزم أن يوافق عليه في هذه المسألة، فعلى الإنسان أن يخرج من عهدة الواجب بيقين، لكن لا يضرب النصوص بعضها في بعض، نعم؟

طالب:.......

ويش هو؟

طالب:.......

يعني أن الفاتحة الفصل بين آياتها فيه ما فيه، نعم لا بد من موالاة آياتها.

طالب: يا شيخ أحسن الله إليك القول بالقراءة في سكتات الإمام من أقوال السلف في المسألة وإلا لا بد أن تقرأ كل الفاتحة أو تترك؟

لا، هي من باب الخروج من الخلاف وإلا على قول المؤلف خلاص انتهى ما دامت جهرية لا تقرأ، فإذا لم تقرأ لم تأثم سواء سكت أو لم يسكت، فأنت مأمور بالاستماع، يعني في الجهرية لا تقرأ ولو سكت، حتى على كلام شيخ الإسلام، في السرية وفي الركعات التي لا جهر فيها كالمغرب والعشاء الثالثة والرابعة هذه تقرأ فيها.

طالب: كأنه إحداث يا شيخ هذا.

إحداث قول؟

طالب: السكتات هذه يعني من لوازم هذه المسألة أو من أقوال المذاهب؟

يعني المسألة في غاية الأهمية، اتفق السلف على أقوال ثلاثة أو أربعة، يعني اختلفوا في مسألة على هذه الأقوال، فجاء من الخلف من المتأخرين من لفق بين قولين، وجعلهما قولاً واحداً، مثل ما هنا، لفق بين قولين وجعلهما قولاً واحداً، وهل يكون من هذا النوع مسألة الخروج من الخلاف، ولو ترتب على ذلك إحداث قول جديد؟ في مثل هذه الصورة مثلاً لو ترتب عليه إحداث قول جديد، والخلاف عند أهل العلم في إحداث قول ثالث هل يعد مخالفة للإجماع، أو ما دام ساغ الخلاف بين السلف يسوغ أيضاً إحداث قول لم يظهر لهم أو لم يقولوا به.

طالب:.......

أين الجديد؟

طالب:.......

ما هي بمسألة ضلت، المسألة في الواجب، الواجب عدم مخالفة الإجماع ولا إجماع، هذه حجة من يقول: إنه يجوز إحداث قول، لماذا؟ لأن الواجب المحافظة على الإجماع، ولا إجماع، ما دام وجد الخلاف فليس هناك إجماع، هاه؟

طالب:.......

لا ليس هذا بإجماع ، هذا إجماع على عدم الإجماع.

طالب:.......

لا، لا هذا ليس بإجماع، و((رب مبلغ أوعى من سامع)) لكن الذي يظهر في مثل هذا أنه ليس في أصول المسائل، وإنما قد يكون في دلائلها وتعاليلها، قد يظهر للمتأخر استنباط من آية لحكم ثبت عند السلف فيستنبط له دليل جديد، يستنبط من دليل لم يطلع عليه، أو لم ينتبه له من سلف، فيكون حينئذٍ أوعى من سامع، أما أن يستحدث قولا لم يسبق إليه هذا لا شك أن فيه ما فيه، وإن كان الإجماع منتفٍ.

طالب: أحسن الله إليك القراءة في سكتات الإمام رويت عن بعض السلف، عن عروة بن الزبير وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن؟

على كل حال هذه مسألة، مسألة الخروج من الخلاف معروفة عند أهل العلم، بما لا يترتب عليه مخالفة لنص، يعني إذا أمكن تحقيق ما في النص بما لا يخالف نصاً آخر، فلا شك أن مثل هذا متعين؛ لأن فيه العمل بجميع النصوص، الذي يقرأ في سكتات الإمام هذا عمل بالآية وعمل بحديث عبادة، وعمل بجميع ما جاء في المسألة.

يقول: ويسر القراءة في الظهر والعصر، ويجهر بالقراءة في الأوليين من المغرب وعشاء الآخرة، وفي الصبح كلها، وفي الجمعة والاستسقاء والكسوف، والعيد كلها صلوات جهرية على خلاف بين أهل العلم يأتي ذكره -إن شاء الله تعالى-.

يسر القراءة، لكنه قد يجهر بالآية، كما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- يسمعهم إياها، وإن كانت الصلاة سرية.

ويقرأ في الصبح بطوال المفصل، وجاء في الحديث -حديث عائشة -رضي الله عنها-: أول ما فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فزيد في الحضر، وأقرت صلاة السفر إلا الصبح فإنها تطول فيها القراءة، وإلا المغرب فإنها وتر النهار، تطول فيها القراءة، والقراءة فيها مشهودة {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [(78) سورة الإسراء] القراءة في الصلاة مشهودة، وابن القيم -رحمه الله تعالى- في طريق الهجرتين لما ذكر حال الأبرار والمقربين، وذكر أنهم يستيقظون لصلاة الصبح قبل الأذان لها، وقبل النداء لها، ويستعدون لها، ويذهبون إليها مبادرين مستجيبين حي على الصلاة، حي على الفلاح، ويدنون من الإمام، وينصتون لقراءته، ولقراءة هذه الفريضة أثر في قلب المستمع والمنصت لا يوجد في قراءة غيرها؛ لأنها مشهودة.

طالب:.......

القراءة كونها جزء من الصلاة لا إشكال فيه، بل جاءت تسمية الصلاة بها ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين)) والمراد الفاتحة، فيطلق الكل ويراد الجزء، عموم القراءة مشهودة، والواجب عند الجمهور هو الفاتحة فقط، وما زاد عليها فهو مستحب عند عامة أهل العلم، وأوجبه بعضهم، أوجب القراءة بعضهم.

"يقرأ في الصبح بطوال المفصل، ويقرأ من الستين إلى المائة من الآيات في صلاة الصبح، وفي الظهر في الركعة الأولى بنحو من الثلاثين آية، وفي الثانية بأيسر من ذلك، وفي العصر على النصف من ذلك، وفي المغرب سور آخر المفصل" يقرأ في الركعة الأولى من الظهر بنحو من الثلاثين آية، وجاء في صفة صلاته -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يطول القراءة في الركعة الأولى من صلاة الظهر؛ ليتمكن المتأخر من إدراكها، وجاء أيضاً تقدير ذلك بالثلاثين آية، والركعة الثانية بأقل من الثلاثين، والركعتين الأخريين بعد الفاتحة على النصف من ذلك، والعصر في الأوليين على النصف من الأوليين في صلاة الظهر، وفي الأخريين على النصف من الأخريين في صلاة الظهر.

طالب: في الآيات.

جاء في أحاديث صحيحة الثالثة والرابعة على النصف يعني مقتضاه أنها متساوية، لكن من نظر في صلاته -عليه الصلاة والسلام-، والقاعدة المطردة عنده أن كل ركعة دون التي تليها، بدليل صلاة الكسوف فقام قياماً طويلاً نحواً من قراءة سورة البقرة، ثم قال في القيام الثاني: فقام قياماً طويلاً دون القيام الأول، ثم قال في القيام الثالث: فقام قياماً طويلاً دون القيام الأول، ثم قال في القيام الرابع: فقام قياماً طويلاً دون القيام الأول، وحينئذٍ هل المراد بالأول هنا الموضع الأول الذي هو القيام الثاني لا شك أنها أولية مطلقة، يراد به الأولية المطلقة، لكن القيام الثالث والرابع هل المراد به الأولية المطلقة الذي هو القيام الأول مطلقاً؟ وعلى هذا يكون القيام الثاني والثالث والرابع متساوية، وإذا قلنا: أولية مقيدة؛ لأن كل واحد أول بالنسبة للذي يليه، وحينئذٍ تكون صلاته بالتدريج، الأول هو الأطول، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه وهكذا، وهذه القاعدة في صلاته -عليه الصلاة والسلام-.

يعني الأصل أن صلاة الصبح والمغرب والعشاء صلاة جهرية، والظهر والعصر والثالثة من المغرب والثالثة والرابعة من العشاء سرية، ويطلقون الاستحباب في هذا، الفعل للاستحباب، والترك يطلقون فيه الكراهة، يعني لو جهر في الظهر ما أثم، لكنه يكره، لكن ينبغي أن يفرق بين من يجهر مرة أو مرتين وبين من يلزم ذلك، فلا يصلي ظهرا إلا يجهرا، ولا يصلي فجرا إلا سرا هذا مبتدع، يحرم فعله هذا.

طالب: أحسن الله إليك لو جهر فيما حقه الإسرار سهواً هل يشرع له سجود السهو ما لو جهر في الظهر أو العصر؟

يعني لو جهر الإمام سهواً في صلاة الظهر هل يشرع له سجود سهو؟ لا، لا يشرع.

طالب:.......

المسألة؟

طالب:.......

نعم ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه يصلي راتبة الصبح في البيت، ثم يضطجع حتى يستأذنه بلال، فهل الأفضل للمأموم أن يصلي الراتبة في بيته، ويضطجع كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يصنع، ويأتي إلى الصلاة متأخراً مع الإقامة كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يأتي إليها؟ ونقول: إن فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا باعتباره إماما، وصلاة المرء في بيته أفضل إلا المكتوبة، فلو صلاها في بيته ثم تقدم إلى المسجد، ووقت النهي في هذه فيما بين أذان الصبح والصلاة وقت مخفف، أخف مما بعد الصلاة، وأخف مما بعد صلاة العصر حتى أن بعض أهل العلم لا يجعله من أوقات النهي، ويجعل وقت النهي يبدأ من صلاة الصبح، فإذا صلى في بيته واضطجع قليلاً ثم تقدم إلى الصلاة، وصلى تحية المسجد فاقتدى به -عليه الصلاة والسلام- في صلاته ببيته، وتقدم إلى الصلاة التي جاء الحث على التقدم إليها والقرب من الإمام، فيجمع بين الحسنيين.

يبقى هل للمأموم أو للإمام مثلاً الذي يأتي إلى الجمعة هل يدخل في الحث على التكبير إليها؟ الإمام بالنسبة لصلاة الجمعة؟ لا يدخل؛ لأنه يقتدي بالنبي -عليه الصلاة والسلام- في هذه الحالة التي هو فيها إمام، فلا يتقدم إلى الجمعة ولا يصلي إذا دخل المسجد.

طالب:.......

لا مانع من قسم السورة، وأن يقرأ من أوائل السور وأوساطها وأواخرها، ليس هنا ما يمنع، كل بما تيسر، لكن يلاحظ في صلاة الصبح أن يطيل القراءة.

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

على كل حال مثل هذا ليس بعبرة ولا مقياس، الأصل أن تطال القراءة، بين الستين والسبعين من الآيات المتوسطة، لا آيات المائدة، ولا آيات الشعراء، يعني من الآيات المتوسطة بين الستين والمائة.

طالب:.......

المقصود أنه يلاحظ أن هذه الصلاة مشهودة، وأنه تطول فيها القراءة، لكن لو فعل أحياناً النبي -عليه الصلاة والسلام- قرأ في السفر بالمعوذتين، وثبت عنه أنه قرأ بالزلزلة في الركعتين، نعم؟

طالب:.......

إذا قلنا: ركن؟ كما لو ترك الركوع يعيد الركعة كاملة، عند أهل العلم قراءة السورة كاملة أولى من قدرها من سورة أطول منها؛ لأن المعنى اكتمل، ولا يجزم بأن المعنى اكتمل إذا قرأ بقدرها من سورة طويلة، لكن عند أهل العلم أنه لو قرأ من أول السورة، أو من أثنائها، أو من آخرها صحت صلاته ولا إشكال، يعني أتى بالمطلوب.

يبقى أنه هل يقرأ في ركعتين من موضعين من سورة واحدة؟ يعني قرأ في الركعة الأولى من أول البقرة، وفي الركعة الثانية من آخرها، يعني كونه يقرأ من البقرة في الركعة الأولى، ومن آل عمران في الركعة الثانية، هذا ليس فيه إشكال؛ لأن هذا ثبت في راتبة الصبح، قرأ آية البقرة في الركعة الأولى، وآية آل عمران في الركعة الثانية، لكن لو قرأ الآيتين من سورة واحدة، أو الآيات من مواضع من سورة واحدة، نعم؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

هو ما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لكن هل فيه إشكال؟

طالب:.......

ما قلنا: إن قال أهل العلم: إن قراءة سورة كاملة أفضل من قراءة قدرها من سورة أطول منها؛ لأن المعنى اكتمل بهذه السورة، يعني لا أحد يطلب معنى زائدا على ما ذُكر، لكن حينما يقرأ بقدر السورة من سورة أطول منها احتمال أن المعنى ما اكتمل.

طالب:.......

ولماذا لم يأخذ آيتي آل عمران؟

طالب:.......

{قُولُواْ آمَنَّا} [(136) سورة البقرة] و{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} [(64) سورة آل عمران] {قُولُواْ آمَنَّا} لها نظير في آل عمران، لماذا لم يقرأ الآيتين من آل عمران؟ وقرأ من البقرة، وقرأ من آل عمران في الركعة الثانية -عليه الصلاة والسلام-؟ هل نقول: لأن مثل هذا يعني آيات من أول سورة وآيات من آخرها أو من أثنائها، هل نقول: بعدم صحته؟ أو نقول: خلاف الأولى؟ لأنه لم يثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- بل ثبت خلافه، وأما من سورتين فلا إشكال، يعني قرأ في الركعة الأولى آية الكرسي، والآيتين اللتين بعدها، وفي الركعة الثانية قرأ من {آمَنَ الرَّسُولُ} [(285) سورة البقرة] إلى آخر السورة، ماذا يقال له؟

طالب: الظاهر أنه خلاف الأولى.

نعم خلاف الأولى ما يجزم ولا بكراهته.

طالب: إلا يشترط يا شيخ أن يرتب فلا يقدم المؤخر على المقدم؟

يعني كونه يقرأ آخر سورة البقرة في الركعة الأولى، وآية الكرسي في الركعة الثانية في السورة الواحدة يجب الترتيب، لكن من سورتين، أو سورتين يقرأ سورة في الركعة، ثم في الركعة الثانية سورة قبلها في الترتيب، هذا يطلقون فيه الكراهة، مع أنه ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في ركعة واحدة أنه قدم النساء على آل عمران، والذين يطلقون الكراهة يقولون: هذا قبل استقرار الترتيب، قبل العرضة الأخيرة التي استقر فيها الترتيب.

طالب:.......

الزلزلة ليس هناك ما يدل على أنها في السفر، أما المعوذتين نص على أنها في السفر.

طالب:.......

إيه، في السفر لا يقرأها في الحضر، لكن لو قرأها صلاته صحيحة إجماعاً، ولو فعل ذلك أحياناً لبيان جواز مثل هذا، وتبصير الناس في الأحكام بالعمل فلا إشكال -إن شاء الله-؛ لأن قراءة السورة بعد الفاتحة سنة ليس بفريضة ولا واجبة.

يقول: "وفي الثانية بأيسر من ذلك، وفي العصر على النصف من ذلك" لأنه سيأتي ولا يزيد على قراءة أم الكتاب في الأخريين من صلاة الظهر والعصر وعشاء الآخرة، مع أنه جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قرأ في الأخريين من الظهر على النصف من قراءته في الأوليين، وكذلك العصر، نعم؟

طالب:.......

اقتصر على الفاتحة؟

طالب:.......

ويش فيها؟

طالب:.......

لا، الكلام فيما زاد، وإلا الفاتحة هي الفاتحة لا يمكن الزيادة فيها، ولا النقص منها.

طيب يقول: "ولا يزيد على قراءة أم الكتاب في الأخريين من الظهر والعصر وعشاء الآخرة" وعرفنا ما في هذا.

"وفي الركعة الأخيرة من المغرب" وحكمها حكم صلاة الثالثة والرابعة من الظهر والعصر لو قرأ فيها لا إشكال، وثبت عن أبي بكر -رضي الله تعالى عنه- في الموطأ بسند صحيح إلى أبي بكر أنه كان يقرأ في الركعة الأخيرة من المغرب {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [(8) سورة آل عمران] يقرأ هذه الآية، فمنهم من قال: إنه يقرأها على أنها قرآن، فلو قرأ هذه الآية، أو قرأ غيرها صح ولا إشكال اقتداءً بأبي بكر، ومنهم من يقول: إنه يقرأها على أنها دعاء، وتكون حينئذٍ بمثابة القنوت؛ لأن المغرب وتر النهار، وهذا أشار إليه القرطبي في تفسيره، وخبر أبي بكر مخرج في الموطأ بسند جيد.

يقول: "وفي العصر على النصف من ذلك" نعم؟

طالب:.......

على النصف.

طالب:.......

نعم، يزيد على الفاتحة ثبت هذا، لكن عادته المطردة يعني أكثر أحواله أنه لا يزيد، لكن إذا زاد فقد ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإذا أنجز المأموم قراءة الفاتحة، والإمام أطال الوقوف لا مانع من أن يقرأ سورة قصيرة يكمل بها الوقت.

"وفي المغرب بسور آخر المفصل" يعني الفقهاء يطلقون ويطردون أن الصبح بطوال المفصل، والمغرب بقصار المفصل، ومن أوساطه فيما عداهما، لكن الاطراد ليس مما يوافق هدي النبي -عليه الصلاة والسلام-، فتجده الغالب أنه في المغرب يقصر القراءة، لكن قرأ فيها بالأعراف، وقرأ فيها بالطور، وقرأ في الصبح بقاف واقتربت، المقصود أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أطال، وأنكر على معاذ الإطالة، وقال له: ((أفتان يا معاذ)) ووجهه إلى القراءة بالسور المتوسطة من الفصل بالشمس وضحاها، وما جاء في بحرها وقدرها، ولذا قال: "وفي العشاء الآخرة بالشمس وضحاها وما أشبهها" يعني أوساط المفصل.

طالب:.......

ويش هو؟

طالب:.......

لا، هذا يدل على أنه ليس هناك قاعدة مطردة، فإذا كانت المصلحة في الإطالة أطال، لا سيما إذا كان من ورائه يحتمل، وإذا كانت المصلحة ومراعاة المأموم في التقصير قصر، فهي أحوال، وليس هناك شيء مطرد.

يقول: "وبـ(الشمس وضحاها) وما أشبهها، ومهما قرأ به بعد أم الكتاب في ذلك كله أجزأه" يعني لو قرأ بالقصار في صلاة الصبح أجزأه، ولو قرأ بسورة طويلة في صلاة المغرب أجزأه، ولو فعل هذا مرة وهذا مرة أجزأه؛ لأن الواجب قراءة الفاتحة، وما عدا ذلك نفل، ويتحقق الإتيان به بأي قدر مما تيسر من القرآن.

وشوف كلام الإمام البخاري -رحمه الله- بالنسبة للقراءة، يقول الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-:

باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر والسفر، وما يجهر فيها وما يخافت، ومعروف قول الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- بالنسبة للمسبوق، وأنه لا يدرك الركعة إذا لم يدرك الفاتحة، ونص هنا على الإمام والمأموم في الجهرية والسرية.

والحافظ ابن حجر -رحمه الله- أطال في شرح هذا الباب، وذكر الأقوال بأدلتها، ورجح ما يرجحه مذهبه من لزوم القراءة للإمام والمأموم والمنفرد دون المسبوق.

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك.

"