التعليق على تفسير القرطبي - سورة طه (03)

 

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

قال الإمام القرطبي- رحمه الله تعالى-: قوله تعالى: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} [طه:15]، آيةٌ مشكلة؛ فروي عن سعيد بن جبيرٍ أنه قرأ {أَكَادُ أَخْفِيهَا} [طه:15].

ما وجه الإشكال؟ الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسولنا النبي محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وجه الإشكال في الآية أن كاد أثبتت {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه:15]، أنها تكون لإثبات ما بعدها {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه:15] تكون لنفي الخفاء، إثباتها لنفي ما بعدها، ونفيها لإثبات ما بعدها على بعد، إثباتها لنفي ما بعدها. ونفيها لإثبات ما بعدها على بعد، وهنا كاد مثبتة فما بعدها وهو الإخفاء، منفي، والواقع أن ما بعدها مثبت، {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه:15] مفهومه أنه أظهرها، لكن بعد أظهرها لكنه على بعد لهذا الإظهار، ولو كان السياق لنفي كاد، لكان الإخفاء مثبتًا ومقتضاه أنها خافية، {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه:15].

فروي عن سعيد بن جبيرٍ أنه قرأ {أَكَادُ أَخْفِيهَا}[طه:15] بفتح الهمزة؛ قال: أظهرها. لتجزى أي الإظهار للجزاء، رواه أبو عبيدٍ عن الكسائي عن محمد بن سهل عن وقاء بن إياس عن سعيد بن جبير، وقال النحاس: وليس لهذه الرواية طريقٌ غير هذا.

قلت: وكذا رواه أبو بكر الأنباري في كتاب الرد؛ حدثني أبي حدثنا محمد بن الجهم حدثنا الفراء حدثنا الكسائي، ح وحدثنا عبد الله بن ناجية، حدثنا يوسف حدثنا يحيى الحماني ..

الحِماني.

 حدثنا محمد بن سهل. قال النحاس؛ وأجود من هذا الإسناد ما رواه يحيى القطان عن الثوري عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير: أنه قرأ أكاد أخفيها بضم الهمزة.

قلت: وأما قراءة ابن جبير أخفيها بفتح الهمزة بالإسناد المذكور فقال أبو بكرٍ الأنباري قال الفراء: معناه أظهرها من خفيت الشيء أخفيه إذا أظهرته.

إذا أظهرتَه.

وأنشد الفراء لامرئ القيس:

فإن تدفنوا الداء لا نخفه    وإن تبعثوا الحرب لا نقعد

تدفنوا الداء يعني لا نظهره، وتخفوا الداء لا نظهره؛ لأنه يريد أن يقرر أنهم لا يفشون بالسر، ويتمدحون بهذا، حتى على قراءة نخفيها، أكاد أخفيها بضم الهمز، قالوا: إن هذا الفعل من الأضداد، هذا الفعل من الأضداد، ومعنى كونه من الأضداد أنه يدل على الخفاء، ويدل على الظهور أيضًا، فيكون المعنى أن الساعة آتيةٌ أكاد أخفيها يعني أكاد أظهرها وإلا فهي خفية كما هو معلوم، لا يعلمها إلا الله –جل وعلا-، ولذا لما سأل جبريل النبي –عليه الصلاة والسلام- عن الساعة قال: ‹‹ما المسئول عنها بأعلم من السائل›› فلا يعلمها أحد ولا محمد –عليه الصلاة والسلام-، ففي قوله: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه:15]، التركيب من حيث المقرر في العربية أنه أظهرها، لكن هم قالوا: إن هذا الفعل من الأضداد، ومنهم من قال: إن كاد هذه زائدة لتأكيد المعنى، ومنهم من قال: إن معنى أكاد: أريد، ومنهم من قال: أكاد أخفيها حتى عن نفسي مبالغةً في إخفائها.

 

أراد لا نظهره؛ وقد قال بعض اللغويين: يجوز أن يكون أخفيها بضم الهمزة معناه أظهرها؛ لأنه يقال: خفيت الشيء وأخفيته إذا أظهرته؛ فأخفيته من حروف الأضداد يقع على الستر والإظهار. وقال أبو عبيدة: خفيت وأخفيت بمعنىً واحد. قال النحاس: وهذا حسن، وقد حكاه عن أبي الخطاب، وهو رئيسٌ من رؤساء اللغة لا يشك في صدقه.

يراد به الأخفش الأكبر

وقد روى عنه سيبويه وأنشد:

وإن تكتموا الداء لا نخفه

 

وإن تبعثوا الحرب لا نقعد

كذا رواه أبو عبيدة عن أبي الخطاب بضم النون. وقال امرؤ القيس أيضًا:

خفاهن من أنفاقهن كأنما

 

خفاهن ودقٌ من عشي مجلب

أي أظهرهن. وروى: (من سحاب مركب) بدل (من عشي مجلب). وقال أبو بكرٍ الأنباري وتفسير للآية آخر: إن الساعة آتيةٌ أكاد، انقطع الكلام على أكاد، وبعده مضمر أكاد آتي بها، والابتداء أخفيها لتجزى كل نفس قال ضابئٌ البرجمي:

هممت ولم أفعل وكدت وليتني

 

تركت على عثمان تبكي حلائله

أراد: وكدت أفعل، فأضمر مع كدت فعلًا كالفعل المضمر معه في القرآن. قلت: هذا الذي اختاره النحاس؛ وزيف القول الذي قبله فقال: يقال: خفى الشيء يخفيه إذا أظهره، وقد حكي أنه يقال: أخفاه أيضًا إذا أظهره، وليس بالمعروف،، قال: وقد رأيت علي بن سليمان لما أشكل عليه معنى أخفيها عدل إلى هذا القول، وقال: معناه كمعنى (أخفيها). قال النحاس: ليس المعنى على أظهرها ولاسيما و(أخفيها) قراءةٌ شاذة، فكيف ترد القراءة الصحيحة الشائعة إلى الشاذة، ومعنى المضمر أولى، ويكون التقدير: إن الساعة آتيةٌ أكاد آتي بها؛ ودل آتيةٌ على آتي بها، ثم قال: أخفيها على الابتداء. وهذا معنىً صحيح؛ لأن الله -عز وجل- قد أخفى الساعة التي هي القيامة، والساعة التي يموت فيها الإنسان.

يعني أخفى الساعة العامة، والساعة الخاصة، العامة لجميع المخلوقات، والخاصة لكل إنسانٍ بعينه، فلا يدري أحدٌ متى يموت، ولا يعلم أحد متى تقوم الساعة.

ليكون الإنسان يعمل، والأمر عنده مبهم، فلا يؤخر التوبة.

قلت: وعلى هذا القول تكون اللام في (لتجزى) متعلقةً بـــ (أخفيها). وقال أبو علي: هذا من باب السلب وليس من باب الأضداد، ومعنى أخفيها: أزيل عنها خفاءها، وهو سترها كخفاء الأخفية وهي الأكسية، والواحد خفاء بكسر الخاء: ما تزال به القربة، وإذا زال عنها سترها ظهرت. ومن هذا قولهم: أشكيته، أي أزلت شكواه، وأعديته أي قبلت استعداءه، ولم أحوجه إلى إعادته. وحكى أبو حاتم عن الأخفش: أن (كاد) زائدةٌ مؤكدة. قال: ومثله إذا أخرج يده لم يكد يراها؛ لأن الظلمات التي ذكرها الله تعالى بعضها يحول بين الناظر والمنظور إليه. وروي معناه عن ابن جبير، والتقدير: إن الساعة آتيةٌ أخفيها؛ لتجزى كل نفس بما تسعى. وقال الشاعر:

سريعٌ إلى الهيجاء شاكٍ سلاحه

 

فما إن يكاد قرنه يتنفس

أراد فما يتنفس.

وقال الآخر:

وألا ألوم النفس فيما أصابني

 

وألا أكاد بالذي نلت أنجح

ومعناه: وألا أنجح بالذي نلت، فأكاد توكيدٌ للكلام. وقيل: المعنى أكاد أخفيها أي أقارب ذلك؛ لأنك إذا قلت: كاد زيدٌ يقوم، جاز أن يكون قام، وأن يكون لم يقم. ودل على أنه قد أخفاها بدلالةٍ غير هذه على هذا الجواب. قال اللغويون: كدت أفعل معناه عند العرب: قاربت الفعل ولم أفعل، وما كدت أفعل معناه: فعلت بعد إبطاء. وشاهده قول الله -عزت عظمته- فذبحوها وما كادوا يفعلون معناه: وفعلوا بعد إبطاءٍ؛ لتعذر وجدان البقرة عليهم. وقد يكون ما كدت أفعل بمعنى ما فعلت ولا قاربت إذا أكد الكلام بأكاد. وقيل: معنى أكاد أخفيها: أريد أخفيها. قال الأنباري: وشاهد هذا قول الفصيح من الشعر:

كادت وكدت وتلك خير إرادةٍ

 

لو عاد من لهو الصبابة ما مضى

معناه: أرادت وأردت. وقال ابن عباس وأكثر المفسرين فيما ذكر الثعلبي: إن المعنى أكاد أخفيها من نفسي؛ وكذلك هو في مصحف أبي. وفي مصحف ابن مسعود: أكاد أخفيها من نفسي، فكيف يعلمها مخلوق. وفي بعض القراءات: فكيف أظهرها لكم. وهو محمولٌ على أنه جاء على ما جرت به عادة العرب في كلامها، من أن أحدهم إذا بالغ في كتمان الشيء قال: كدت أخفيه من نفسي. والله تعالى لا يخفى عليه شيء؛ قال معناه قطرب وغيره. وقال الشاعر:

أيام تصحبني هندٌ وأخبرها

 

ما أكتم النفس من حاجي وأسراري

فكيف يخبرها بما تكتم نفسه. ومن هذا قوله- صلى الله عليه وسلم-: ‹‹ورجلٌ تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه››.

كل هذا على أسلوب المبالغة في الإخفاء.

قال: الزمخشري: وقيل معناه: أكاد أخفيها من نفسي، ولا دليل في الكلام على هذا المحذوف؛ ومحذوفٌ لا دليل عليه مطرح، والذي غرهم منه أن في مصحف أبي: أكاد أخفيها من نفسي؛ وفي بعض المصاحف أكاد أخفيها من نفسي، فكيف أظهركم عليها؟

إن الدلالة على هذا المحذوف النصوص القطعية من الكتاب والسنة أنها خفية، وأنه لم يظهر عليه أحد لا محمد ولا جبريل – عليهم السلام - ولا غيرهم، فهذا الدلالة على هذا المحذوف، وهذه مبالغة في إخفائها.

قلت: وقيل إن معنى قول من قال: أكاد أخفيها من نفسي؛ أي إن إخفاءها كان من قبلي ومن عندي لا من قبل غيري. وروي عن ابن عباسٍ أيضا: أكاد أخفيها من نفسي؛ ورواه طلحة بن عمر وعن عطاء. وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباسٍ قال: لا أظهر عليها أحدًا. وروي عن سعيد بن جبيرٍ قال: قد أخفاها. وهذا على أن كاد زائدة. أي إن الساعة آتيةٌ أخفيها، والفائدة في إخفائها التخويف والتهويل. وقيل: تعلق لتجزى بقوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ} [هود:14]، فيكون في الكلام تقديمٌ وتأخير؛ أي أقم الصلاة لتذكرني، {لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} [طه:15]، أي بسعيها، إن الساعة آتيةٌ أكاد أخفيها. والله أعلم.

وقيل: هي متعلقةٌ بقوله: آتية أي إن الساعة آتية لتجزى فلا يصدنك عنها أي: لا يصرفنك عن الإيمان بها والتصديق لها من لا يؤمن بها واتبع هواه. فتردى أي: فتهلك. وهو في موضع نصبٍ بجواب النهي.

الخلاصة أن المعنى بدلالة النصوص الأخرى التي تدل على أن الله –جل وعلا- أخفاها عن كل أحد، يقال: أن أكاد بمعنى أريد، أو بمعنى أكاد من الأضداد، الفعل أخفيها من الأضداد يعني أظهرها، أو المعنى الأخير الذي أشير إليه هو المبالغة في الإخفاء حتى من نفسي، وشيخ الإسلام ابن تيمية يذكر في منهاج السنة أن أكاد سواءً كانت منفية أو مثبتة تدل على العدم عند بعض العرب، عند بعضهم وإن كان الجمهور على خلافه لكن على لغة بعض العرب معناها واحد سواءً كانت منفية أو مثبتة، أشار إلى هذا في منهاج السنة.

قوله: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى* قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [طه:18-19]، فيه خمس مسائل:

الأولى: قوله تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ} [طه:18]، قيل: كان هذا الخطاب من الله تعالى لموسى وحيًا؛ لأنه قال: فاستمع لما يوحى، ولا بد للنبي في نفسه من معجزة يعلم بها صحة نبوة نفسه، فأراه في العصا وفي نفسه ما أراه لذلك، ويجوز أن يكون ما أراه في الشجرة آية كافية له في نفسه، ثم تكون اليد والعصا زيادة توكيد، وبرهانًا يلقى به قومه. واختلف في (ما) في قوله: {وَمَا تِلْكَ} [طه:18]، فقال الزجاج والفراء: هي اسمٌ ناقصٌ وصلت بـــ (يمينك) أي ما التي بيمينك؟ وقال أيضًا: تلك بمعنى هذه؛ ولو قال: ما ذلك لجاز؛ أي ما ذلك الشيء: ومقصود السؤال تقرير الأمر حتى يقول موسى: هي عصاي؛ ليثبت الحجة عليه بعد ما اعترف، وإلا فقد علم الله ما هي في الأزل.

إن الله – جل وعلا - لا تخفى عليه خافية، فليس المقصود بالسؤال الاستخبار وكشف ما ينكشف، الله – جل وعلا - عارف بما في يمينه من هذه وما هو أخفى منها، فأراد أن يظهر ما في يده إلى علم من يسمع أن الله - جل وعلا - لا تخفى عليه خافية، وأراد أيضًا أن يقرره لما يتعلق بها من أحكام {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه:18]، لكي يسأل أسئلة تتعلق بها، تنكشف بها بعض أحكامها.

وقال ابن الجوهري: وفي بعض الآثار أن الله تعالى عتب على موسى إضافة العصا إلى نفسه في ذلك الموطن، فقيل له: ألقها لترى منها العجب، فتعلم أنه لا ملك لك عليها ولا تنضاف إليك. وقرأ ابن أبي إسحاق (عصي) على لغة هذيل، ومثله (يا بشري) و (محيي) وقد تقدم. وقرأ الحسن (عصاي) بكسر الياء؛ لالتقاء الساكنين. ومثل هذا قراءة حمزة: (وما أنتم بمصرخي). وعن ابن أبي إسحاق سكون الياء.

الثانية: في هذه الآية دليلٌ على جواب السؤال بأكثر مما سئل؛ لأنه لما قال: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه:18]، ذكر معاني أربعة وهي إضافة العصا إليه، وكان حقه أن يقول عصا، والتوكؤ، والهش، والمآرب المطلقة.

الإجابة بأكثر مما سئل وارد في النصوص، وكثير منها هذا والسؤال عن الوضوء بماء البحر، وعما يلبسه المحرم، المقصود أنه يجاب بأكثر مما سئل وهذا إذا كان بين البشر، إذا كان السائل بحاجة إلى ذكر ما لم يُسأل عنه كحاجته أو أشد إلى ما سئل عنه، لكن الجواب من المخلوق إلى الخالق هنا يدل على أن فيه فائدة للسامع؛ لأنه قد يستثار بالأسئلة حتى من قبل المسؤول، حتى من قبل المخلوق يستثار بالأسئلة ما لا يستفيد منه أو ما لا يخفى عن السائل وإنما يريد إفادة غيره، كما سأل جبريل النبي –عليه الصلاة والسلام- ليعلم الصحابة الدين وليس المراد بذلك أن يستفيد جبريل من أسئلته للنبي – عليه الصلاة والسلام-، كما أنه في السؤال من قبل الله – جل وعلا - ليس من قبل، ليس من باب أن يعلم ما لم يعلم، فالله – جل وعلا - لا تخفى عليه خافية، يعلم السر وما أخفى، ويعلم ما لم يكن لو كان، ولو ردوا لعادوا. {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا} [التوبة:47]، لكن لو ردوا لعادوا، الله –جل وعلا- يخبر عنهم أنهم لو ردوا إلى الحياة الدنيا لعادوا لما كانوا يفعلونه قبل موتهم.

طالب:...............

يعني التثنية وارد سنة؟

طالب:...............

هذا إذا كان أراد أن يعبر عنهم، ماذا يقول؟

طالب:...............

هذا قصدك أن يثنى لكن ما هو بعيد، لا لا لا ما هو بعيد.

فذكر موسى من منافع عصاه عظمها..

عُظمها.

وجمهورها وأجمل سائر ذلك. وفي الحديث سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ماء البحر.

يعني الجواب المطابق، ما تلك بيمينك يا موسى، تلك عصا، ثم لذلك فوائد من هذه العصا.

وفي الحديث سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ماء البحر فقال: ‹‹هو الطهور ماؤه الحل ميتته››. وسألته امرأةٌ عن الصغير حين رفعته إليه فقالت: ألهذا حج؟ قال: ‹‹نعم، ولك أجر››. ومثله في الحديث كثير.

هم يشترطون المطابقة بين السؤال والجواب، لكن قصدهم بهذا أن لا ينقص الجواب عما جاء في السؤال، لا أنه لا يزيد عليه.

الثالثة: قوله تعالى: {أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا}[طه: 19] أي أتحامل عليها في المشي والوقوف؛ ومنه الاتكاء. وأهش بها {وَأَهُشُّ} أيضًا..

أهُش وأهِش.

 وأهش بها {وَأَهُشُّ} أيضًا ذكره النحاس. وهي قراءة النخعي، أي أخبط بها الورق، أي أضرب أغصان الشجر؛ ليسقط ورقها، فيسهل على غنمي تناوله فتأكله. قال الراجز:

أهش بالعصا على أغنامي

 

من ناعم الأراك والبشام

يقال: هش على غنمه يهش بضم الهاء في المستقبل. وهش إلى الرجل يهش بالفتح، وكذلك هش للمعروف يهش..

يهَش.

 وكذلك هش للمعروف يهَش وهششت أنا، وفي حديث عمر: هششت يومًا فقبلت وأنا صائم. قال شمر: أي فرحت واشتهيت. قال: ويجوز هاش بمعنى هش. قال الراعي:

فَكَبَّرَ لِلرُّؤْيَا وَهَاشَ فُؤَادُهُ

 

وَبَشَّرَ نَفْسًا كَانَ قَبْلُ يَلُومُهَا

 أي طرب. والأصل في الكلمة الرخاوة. يقال: رجلٌ هش، وزوجٌ هش. وقرأ عكرمة (وأهس) بالسين غير معجمة؛ قيل: هما لغتان بمعنى واحد. وقيل: معناهما مختلف؛ فالهش بالإعجام خبط الشجر، والهس بغير إعجامٍ زجر الغنم، ذكره الماوردي، وكذلك ذكر الزمخشري. وعن عكرمة: (وأهس) بالسين أي أنحى عليها زاجرًا لها، والهس زجر الغنم.

الرابعة: قوله تعالى: {وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [طه:19]، أي حوائج. واحدها مأرُبة ومأربة ومأرِبة. وقال: أخرى على صيغة الواحد؛ لأن مآرب في معنى الجماعة، لكن المهيع في توابع جمع ما لا يعقل الإفراد والكناية عنه بذلك.

النهي عن الطريق والعادة والجادة، العادة المضطردة عند العرب طريقتهم في هذا أنهم يذكرون في توابع الجمع إذا كان ما لا يعقل بالإفراد، ويعيدون الضمير عليهم مفردًا.

 فإن ذلك يجري مجرى الواحدة المؤنثة؛ كقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ} [الأعراف:180].

نعم، الأسماء جمع، الحسنى جمع أم مفرد؟ مفرد، فأتبعوا الجمع مفردًا، وكنوا عنه بالمفرد، والكناية المراد بها الضمير، أعادوا الضمير عليه مفردًا {فادعوه بها}.

وكقوله: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ}[سبأ:10]، وقد تقدم هذا في (الأعراف).

الخامسة: تعرض قومٌ لتعديد منافع العصا منهم ابن عباس، قال: إذا انتهيت إلى رأس بئرٍ فقصر الرشا وصلته بالعصا، وإذا أصابني حر الشمس غرزتها في الأرض وألقيت عليها ما يظلني، وإذا خفت شيئًا من هوام الأرض قتلته بها، وإذا مشيت ألقيتها على عاتقي وعلقت عليها القوس والكنانة والمخلاة، وأقاتل بها السباع عن الغنم.

وروى عنه ميمون بن مهران قال: إمساك العصا سنة للأنبياء، وعلامةٌ للمؤمن. وقال الحسن البصري: فيها ست خصال؛ سنةٌ للأنبياء، وزينة الصلحاء، وسلاحٌ على الأعداء، وعون للضعفاء، وغم المنافقين، وزيادةٌ في الطاعات. ويقال: إذا كان مع المؤمن العصا يهرب منه الشيطان، ويخشع منه المنافق والفاجر، وتكون قبلته إذا صلى، وقوةً إذا أعيا. ولقي الحجاج أعرابيًّا فقال: من أين أقبلت يا أعرابي؟ قال: من البادية. قال: وما في يدك؟ قال: عصاي أركزها لصلاتي، وأعدها لعداتي، وأسوق بها دابتي، وأقوى بها على سفري، وأعتمد بها في مشيتي لتتسع خطوتي، وأثب بها النهر، وتؤمنني من العثر، وألقي عليها كسائي فيقيني الحر، ويدفئني من القر، وتدني إلي ما بعد مني، وهي محمل سفرتي، وعلاقة إداوتي، أعصي بها عند الضراب، وأقرع بها الأبواب، وأتقي بها عقور الكلاب؛ وتنوب عن الرمح في الطعان؛ وعن السيف عند منازلة الأقران، ورثتها عن أبي، وأورثها بعدي ابني، وأهش بها على غنمي، ولي فيها مآرب أخرى، كثيرةٌ لا تحصى.

قلت: منافع العصا كثيرة، ولها مدخلٌ في مواضع من الشريعة: منها أنها تتخذ قبلةً في الصحراء؛ وقد كان للنبي -عليه الصلاة والسلام- عنزة تركز له فيصلي إليها، وكان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة، فتوضع بين يديه فيصلي إليها، وذلك ثابتٌ في الصحيح. والحربة والعنزة والنيزك والآلة اسمٌ لمسمى واحد. وكان له محجن وهو عصًا معوجة الطرف يشير به إلى الحجر إذا لم يستطع أن يقبله، ثابت في الصحيح أيضًا. وفي الموطأ عن السائب بن يزيد أنه قال: أمر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أبي بن كعب وتميمًا الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة، وكان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا في بزوغ الفجر.

وفي الصحيحين: أنه -عليه الصلاة والسلام- كان له مخصرة. والإجماع منعقدٌ على أن الخطيب يخطب متوكئًا على سيف أو عصا.

بالنسبة للعصا، العصا اتخاذها ثابت عن النبي –عليه الصلاة والسلام- وعن خلفائه وعن غيرهم وإلى وقت قريب وأهل العلم وأهل الفرض يتخذون العصا من دون حاجة التوكؤ إليها، حتى مع الشباب كان العصا يتخذ، وكان رمزًا لأهل العلم يقرنون به في الغالب الوظيفة، فإذا كان قاضيًا لابد أن يكون معه عصا ويعبرون به عن الوظيفة، فإذا أراد أحدهم أن يستقيل من وظيفته قال لولي الأمر: خذ عصاك، يعني خذ وظيفتك. ولاشك أن فيها فوائد ولما كان فيها أنها سنة الأنبياء والصالحين من قبلنا، ولما كان الأمر في التنازل عن كثير مما كان عليه سلفنا ومنها هذه العصا التي يظن لمن حملها أنه حملها لحاجة، وغالبًا الحاجة لا تكون إلا مع الكبر، والناس لا يرغب الواحد منهم أن يوصف أنه كبير أو أنه محتاج أو أنه عاجز، هذا تصور الناس اليوم، فكونه يحمل العصا يدل على كونه عاجزًا عن المشي بمفرده، وهذا وصف الكبير، والكبار لا يريدونه.

 فالمقصود أن فيها فوائد عظيمة، وهي أيضًا تعطي الإنسان هيبة، ويدفع بها عن نفسه، المقصود أنها على ما ذكره المفسر –رحمه الله-، وأما كون الخطيب يخطب متوكئًا على سيف أو على عصا أو على قوس فقد كان النبي –عليه الصلاة والسلام- يعتمد على شيء من هذه الأمور قبل اتخاذ المنبر، ولما اتخذ المنبر ترك –عليه الصلاة والسلام- صار يعتمد عليه.

طالب:...............

اضطرادها يدل على أن لها شأنًا، اضطرادها وعملهم بها يدل على أن لها شأنًا، لكن لو أن الإنسان اتخذها اليوم وصار محل شغبة بين الناس وينبذ بها، في محل النظر.

طالب:...............

لا شك أن من اتخذها مقتديًا يؤجر عليها كما اتخذها خاتم الإمامة لا سيما مع الحاجة إليها.

طالب:...............

نعم؟

طالب:...............

لا ما هذا سبب، السبب موجود.

طالب:...............

لا، بالنسبة للعصا؟

طالب: نعم.

لا، أنا أقصد على العموم، ولذا لو كان أعمى وليست معه عصا ووقع في حفرة نقول: هذا مفرط؛ لأنه لو كان معه عصا لأحس بهذه الحفرة.

فالعصا مأخوذةٌ من أصل كريم، ومعدنٍ شريف، ولا ينكرها إلا جاهل. وقد جمع الله لموسى في عصاه من البراهين العظام، والآيات الجسام، ما آمن به السحرة المعاندون. واتخذها سليمان لخطبته وموعظته وطول صلاته. وكان ابن مسعودٍ صاحب عصا النبي -صلى الله عليه وسلم- وعنزته، وكان يخطب بالقضيب، وكفى بذلك فضلًا على شرف حال العصا. وعلى ذلك الخلفاء وكبراء الخطباء، وعادة العرب العرباء، الفصحاء اللسن البلغاء، أخذ المخصرة والعصا والاعتماد عليها عند الكلام، وفي المحافل والخطب. وأنكرت الشعوبية على خطباء العرب أخذ المخصرة والإشارة بها إلى المعاني. والشعوبية تبغض العرب وتفضل العجم. قال مالك: كان عطاء بن السائب يمسك المخصرة يستعين بها. قال مالك: والرجل إذا كبر لم يكن مثل الشباب يقوى بها عند قيامه.

قلت: وفي مشيته كما قال بعضهم:

قد كنت أمشي على رجلين معتمدًا

 

فصرت أمشي على أخرى من الخشب

قال مالك -رحمه الله ورضي عنه-: وقد كان الناس إذا جاءهم المطر خرجوا بالعصي يتوكؤون عليها، حتى لقد كان الشباب يحبسون عصيهم، وربما أخذ ربيعة العصا من بعض من يجلس إليه حتى يقوم. ومن منافع العصا ضرب الرجل نساءه بها فيما يصلحهم، ويصلح حاله.

تتخذ للتأديب، سواءٌ كانت للنساء أو للأولاد أو للطلاب، المقصود أنها للتأديب.

طالب:...............

على كل حال كان النبي –عليه الصلاة والسلام- يخطب على العصا وعلى السيف وعلى القوس؛ لحاجته إلى ذلك، لما اتخذ المنبر اعتمد عليه تركها، الفقهاء يعللون أن الخطبة على السيف والقوس إشارة على أن الإسلام إنما انتشر بالسيف، يعللون بهذا، لكن الإسلام انتشر بالدعوة. انتشر بالقدوة في كثير من الأقطاب.

ومن منافع العصا ضرب الرجل نساءه بها فيما يصلحهم، ويصلح حاله وحالهم معه.

ومنه قوله -عليه السلام-: ‹‹وأما أبو جهمٍ فلا يضع عصاه عن عاتقه››، في إحدى الروايات. وقد روي عنه -عليه السلام- أنه قال لرجلٍ أوصاه: ‹‹لا ترفع عصاك عن أهلك، أخفهم في الله›› رواه عبادة بن الصامت، خرجه النسائي. ومن هذا المعنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: ‹‹علق سوطك حيث يراه أهلك›› وقد تقدم هذا في (النساء).

مخرج الحديث عندك؟

طالب: .............

ومن فوائدها التنبيه على الانتقال من هذه الدار؛ كما قيل لبعض الزهاد: ما لك تمشي على عصا ولست بكبيرٍ ولا مريض؟ فقال: إني أعلم أني مسافر، وأنها دار قلعة، وأن العصا من آلة السفر، فأخذه بعض الشعراء فقال:

حملت العصا لا الضعف أوجب حملها

 

علي ولا أني تحنيت من كبر

ولكنني ألزمت نفسي حملها

 

لأعلمها أن المقيم على سفر

قوله تعالى : {قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى} [طه:19-23]؛ لما أراد الله تعالى أن يدربه في تلقي النبوة وتكاليفها أمره بإلقاء العصا، فألقاها موسى، فقلب الله أوصافها وأعراضها. وكانت عصا ذات شعبتين فصارت الشعبتان لها فمًا، وصارت حيةً تسعى أي تنتقل، وتمشي وتلتقم الحجارة، فلما رآها موسى -عليه السلام- رأى عبرةً فولى مدبرًا ولم يعقب، فقال الله له: خذها ولا تخف وذلك أنه أوجس في نفسه خيفة أي لحقه ما يلحق البشر. وروي أن موسى تناولها بكمي جبته فنهي عن ذلك، فأخذها بيده فصارت عصا كما كانت أول مرة، وهي سيرتها الأولى، وإنما أظهر له هذه الآية؛ لئلا يفزع منها إذا ألقاها عند فرعون.

ويقال: إن العصا بعد ذلك كانت تماشيه وتحادثه ويعلق عليها أحماله، وتضيء له الشعبتان بالليل كالشمع، وإذا أراد الاستقاء انقلبت الشعبتان كالدلو، وإذا اشتهى ثمرةً ركزها في الأرض فأثمرت تلك الثمرة. وقيل: إنها كانت من آس الجنة. وقيل: أتاه جبريل بها. وقيل: ملك. وقيل: قال له شعيب: خذ عصا من ذلك البيت، فوقعت بيده تلك العصا، وكانت عصا آدم -عليه السلام- هبط بها من الجنة. والله أعلم.

هذه تحتاج إلى نقل صحيح، نقول: هذه الأخبار تحتاج إلى نقل صحيح، ولعلها متلقاة من بني إسرائيل.

قوله تعالى: {فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى} [طه:20]، قال النحاس: ويجوز (حيةً) يقال: خرجت فإذا زيدٌ جالس وجالسًا. والوقف (حيه) بالهاء. والسعي المشي بسرعةٍ وخفة. وعن ابن عباس: انقلبت ثعبانًا ذكرًا يبتلع الصخر والشجر، فلما رآه يبتلع كل شيء خافه ونفر منه. وعن بعضهم: إنما خاف منه؛ لأنه عرف ما لقي آدم منها. وقيل: لما قال له ربه: لا تخف، بلغ من ذهاب خوفه وطمأنينة نفسه أن أدخل يده في فمها وأخذ بلحييها.

{سنعيدها سيرتها الأولى} سمعت علي بن سليمان يقول: التقدير إلى سيرتها، مثل: {واختار موسى قومه} قال: ويجوز أن يكون مصدرًا؛ لأن معنى سنعيدها سنسير.

عندك يا خالد: ويجوز؟

طالب:...............

فيه سقط، سنسيرها بالصاد أم بالسين؟

طالب: بالسين.

سنسيرها طيب.

طالب: ما فيها سقط، ونسيرها؟

لا، قال: ويجوز أن يكون مصدرًا لأن معنى سنعيدها سنسيرها.

الطبعة التي قبل هذه.

قوله تعالى: {وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ} [طه:22]، يجوز في غير القرآن ضُم بفتح الميم وكسرها؛ لالتقاء الساكنين، والفتح أجود؛ لخفته، والكسر على الأصل، ويجوز الضم على الإتباع. ويدٌ أصلها يدي على فعل، يدل على ذلك أيدٍ. وتصغيرها يدية. والجناح العضد، قاله مجاهد. وقال: (إلى) بمعنى تحت. قطرب: إلى جناحك إلى جيبك، ومنه قول الراجز: أضمه للصدر والجناح.

وقيل: إلى جنبك فعبر عن الجنب بالجناح؛ لأنه مائلٌ في محل الجناح. وقيل: إلى عندك. وقال مقاتلٌ: إلى بمعنى مع أي مع جناحك. {تخرج بيضاء من غير سوء} من غير برصٍ نورًا ساطعًا، يضيء بالليل والنهار كضوء الشمس والقمر وأشد ضوءًا. عن ابن عباسٍ وغيره: فخرجت نورًا مخالفةً للونه. وبيضاء نصب على الحال، ولا ينصرف؛ لأن فيها ألفي التأنيث لا يزايلانها فكأن لزومهما علةً ثانية، فلم ينصرف في النكرة، وخالفتا الهاء؛ لأن الهاء تفارق الإسم. ومن غير سوء من صلة، بيضاء كما تقول: ابيضت من غير سوء.

آيةٌ أخرى سوى العصا. فأخرج يده من مدرعةٍ له مصرية لها شعاعٌ مثل شعاع الشمس يعشى البصر. آيةٌ منصوبة على البدل من بيضاء، قاله الأخفش. النحاس: وهو قولٌ حسن. وقال الزجاج: المعنى آتيناك آيةً أخرى أو نؤتيك؛ لأنه لما قال: تخرج بيضاء من غير سوء دل على أنه قد آتاه آيةً أخرى. {لنريك من آياتنا الكبرى} يريد العظمى. وكان حقه أن يقول: الكبيرة، وإنما قال: الكبرى؛ لوفاق رءوس الآي. وقيل: فيه إضمار؛ معناه لنريك من آياتنا الآية الكبرى، دليله قول ابن عباس: يد موسى أكبر آياته.

نعم. تخرج بيضاء من غير سوء، يعني لا يظن بها أن بياضها نقص كالبرص ونحوه، من آياتنا الكبرى، تقدم قبل قليل أنهم يتبعون الجمع، جمع غير العاقل بالمفرد. من آياتنا الكبرى. يريد العظمى وكان حكمه أن يقول: من آياتنا الكبيرة، ما الفرق بينها وبين ما تقدم؟ الجادة والمهيعة على ما تقدم؟

طالب:...............

نعم؟

طالب:...............

مآرب أخرى، واحدها مأربة، وهنا آيات واحدها آية.

طالب:...............

شيء حسن. الأسماء.

طالب:...............

لا، من آياتنا الكبرى يريد العظمى، جمع آية، وكان حقه أن يقول: الكبيرة، وهنا قال: مآرب أخرى، وقال: أخرى على صيغة الواحد؛ لأن مآرب في معنى الجمع، وما هي في توابع جمع ما لا يعقل الإفراد وكناية عن وجه ذلك، وهنا قال: يريد العظمى، وكان حقه أن يقول: الكبيرة، من آياتنا الكبيرة، وإنما قال: الكبرى؛ لوفاق رؤوس الآي.

طالب:...............

كيف؟ ما فيه مانع؛ لأنه يقولها مفردة ولذلك قال: لنرينك من آياتنا الآية الكبرى، فأتبع الآيات، وهو جمع ما لا يعقل بالمفرد، والكبيرة أيضًا مفرد، لكن عدل عن الكبيرة إلى الكبرى؛ لمراعاة رؤوس الآي، ولا يجوز هذا.

طالب:...............

نعم؟

طالب:...............

المعروف الجاد عن هذا الطريق.

طالب:...............

يعني لولا مراعاة رؤوس الآي لقال: من آياتنا الكبيرة، لمراعاة رؤوس الآي، معروف في القرآن.

طالب:...............

نعم، لكن مراعاة رؤوس الآي معروفة، إذا جاز الأمر أن نختار أحدهما، لمراعاة رؤوس الآي.

طالب:...............

نعم؟

طالب:...............

لا كلها كبرى كلها، إلا إذا كان كبرها كبرًا نسبيًّا، لا شك أن كلها أصغر من بعضها.

قوله تعالى: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه:24] لما آنسه بالعصا واليد، وأراه ما يدل على أنه رسول، أمره بالذهاب إلى فرعون، وأن يدعوه. وطغى معناه: عصى وتكبر وكفر وتجبر وجاوز الحد.

قال: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي*وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي*وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي*يَفْقَهُوا قَوْلِي*وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي*هَارُونَ أَخِي} [طه:25-30]، طلب الإعانة لتبليغ الرسالة. ويقال: إن الله أعلمه بأنه ربط على قلب فرعون، وأنه لا يؤمن؛ فقال موسى: يا رب، فكيف تأمرني أن آتيه وقد ربطت على قلبه؟ فأتاه ملكٌ من خزان الريح فقال: يا موسى انطلق إلى ما أمرك الله به. فقال موسى عند ذلك: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} [طه:25]، أي وسعه ونوره بالإيمان والنبوة.

{وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} [طه:26]، أي سهل علي ما أمرتني به من تبليغ الرسالة إلى فرعون. {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي} [طه:27]، يعني العجمة التي كانت فيه من جمرة النار التي أطفأها في فيه وهو طفل. قال ابن عباس: كانت في لسانه رتة. وذلك أنه كان في حجر فرعون ذات يوم وهو طفل فلطمه لطمة، وأخذ بلحيته فنتفها فقال فرعون لآسية: هذا عدوي فهات الذباحين. فقالت آسية: على رسلك فإنه صبيٌ لا يفرق بين الأشياء. ثم أتت بطستين فجعلت في أحدهما جمرًا، وفي الآخر جوهرًا فأخذ جبريل بيد موسى فوضعها على النار حتى رفع جمرةً ووضعها في فيه على لسانه، فكانت تلك الرتة، وروي أن يده احترقت، وأن فرعون اجتهد في علاجها فلم تبرأ. ولما دعاه قال: إلى أي ربٍ تدعوني؟ قال: إلى الذي أبرأ يدي وقد عجزت عنها. وعن بعضهم: إنما لم تبرأ يده؛ لئلا يدخلها مع فرعون في قصعةٍ واحدة فتنعقد بينهما حرمة المؤاكلة. ثم اختلف هل زالت تلك الرتة؛ فقيل: زالت بدليل قوله: قد أوتيت سؤلك يا موسى، وقيل: لم تزل كلها؛ بدليل قوله حكايةً عن فرعون: ولا يكاد يبين. ولأنه لم يقل: احلل كل لساني، فدل على أنه بقي في لسانه شيءٌ من الاستمساك.

هو طلب أن يحل عقدة من لسانه، ومن هذه للتبعيض، فلا يدل السياق على أنه زال بالكلية.

وقيل: زالت بالكلية بدليل قوله: أوتيت سؤلك، وإنما قال فرعون: ولا يكاد يبين؛ لأنه عرف منه تلك العقدة في التربية، وما ثبت عنده أن الآفة زالت.

قلت: وهذا فيه نظر؛ لأنه لو كان ذلك لما قال فرعون: ولا يكاد يبين، حين كلمه موسى بلسانٍ زلقٍ فصيح. والله أعلم. وقيل: إن تلك العقدة حدثت بلسانه عند مناجاة ربه، حتى لا يكلم غيره إلا بإذنه.

{يَفْقَهُوا قَوْلِي} [طه:26] أي يعلموا ما أقوله لهم ويفهموه.

أوتي سؤله، وما سأله من طلبه لأخيه ليكون وزيرًا له، ولذا يقال: لا يوجد أخ أعظم منة على أخيه من موسى، سأل له النبوة فأجيب، وهذه أعظم منة.

طالب:...............

نعم، هو بغيرها.

{يَفْقَهُوا قَوْلِي} [طه:26]، أي يعلموا ما أقوله لهم ويفهموه. والفقه في كلام العرب الفهم. قال أعرابيٌ لعيسى بن عمر: شهدت عليك بالفقه. تقول منه: فقه الرجل بالكسر. وفلانٌ لا يفقه ولا ينقه. وأفقهتك الشيء ثم خص به علم الشريعة، والعالم به فقيه. وقد فقه بالضم فقاهة، وفقهه الله وتفقه إذا تعاطى ذلك. وفاقهته إذا باحثته في العلم، قاله الجوهري.

جاء في فضل الفقه ما جاء، من يرد به الله خيرًا يفقهه في الدين، يفهمه في جميع أبواب الدين، وليس المراد به علم الأحكام الحلال والحرام فقط، بل أعظم منه ما يسميه أهل العلم الفقه الأكبر، التوحيد والعقائد.

والوزير المؤازر كالأكيل للمؤاكل؛ لأنه يحمل عن السلطان وزره أي ثقله. وفي كتاب النسائي عن القاسم بن محمد: سمعت عمتي تقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ‹‹من ولي منكم عملاً، فأراد الله به خيرًا جعل له وزيرًا صالحًا، إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه››. ومن هذا المعنى قوله -عليه الصلاة والسلام-: ‹‹ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان: بطانةٌ تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانةٌ تأمره بالشر وتحضه عليه، فالمعصوم من عصمه الله››. رواه البخاري.

فسأل موسى الله تعالى أن يجعل له وزيرًا، إلا أنه لم يرد أن يكون مقصورًا على الوزارة حتى لا يكون له شريكًا له في النبوة، ولولا ذلك لجاز أن يستوزره من غير مسألة. وعين فقال: هارون، وانتصب على البدل من قوله: وزيرًا. ويكون منصوبًا بـ(اجعل).

أو يكون.

 أو يكون منصوبًا بـ(اجعل) على التقديم والتأخير، والتقدير: واجعل لي هارون أخي وزيرًا. وكان هارون أكبر من موسى بسنة، وقيل: بثلاث.

{اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} [طه:31]، أي ظهري والأزر الظهر من موضع الحقوين، ومعناه تقوى به نفسي، والأزر القوة، وآزره قواه. ومنه قوله تعالى: {فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ} [الفتح:29]، وقال أبو طالب:

      أليس أبونا هاشمٌ شد أزره        وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب

وقيل: الأزر العون، أي يكون عونًا يستقيم به أمري. قال الشاعر:

شددت به أزري وأيقنت أنه

 

أخو الفقر من ضاقت عليه مذاهبه

وكان هارون أكثر لحمًا من موسى، وأتم طولًا، وأبيض جسمًا، وأفصح لسانًا. ومات قبل موسى بثلاث سنين، وكان في جبهة هارون شامة، وعلى أرنبة أنف موسى شامة، وعلى طرف لسانه شامة، ولم تكن على أحدٍ قبله، ولا تكون على أحد بعده، وقيل: إنها كانت سبب العقدة التي في لسانه. والله أعلم.

{وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} [طه:32]، أي في النبوة وتبليغ الرسالة. قال المفسرون: كان هارون يومئذٍ بمصر، فأمر الله موسى أن يأتي هو هارون، وأوحى إلى هارون وهو بمصر أن يتلقى موسى، فتلقاه إلى مرحلة، وأخبره بما أوحي إليه، فقال له موسى: إن الله أمرني أن آتي فرعون، فسألت ربي أن يجعلك معي رسولاً. وقرأ العامة (أخي اشدد) بوصل الألف (وأشركه) بفتح الهمزة على الدعاء، أي اشدد يا رب أزري، وأشركه معي في أمري. وقرأ ابن عامر ويحيى بن الحرث

الحارث.

 ويحيى بن الحارث وأبو حيوة والحسن وعبد الله بن أبي إسحاق: (أشدد) بقطع الألف، (وأشركه) أي أنا يا رب في أمري.

وأشركه بضم الألف، أي أنا أفعل ذلك. أشدد أنا به أزري وأشركه، هذه زيادة من ....

طالب:...............

خمس نسخ.

طالب:...............

كذا يقول: وأشركه، أشدد بقطع الألف وأشركه بضم الألف، أي أنا افعل بذلك أشدد به أزري، وأشركه أي أنا يا ربي في أمري، من إضافة هذا الفعل إلى نفسه.

قال النحاس: جعل الفعلين في موضع جزم جوابًا لقوله: اجعل لي وزيرًا، وهذه القراءة شاذةٌ بعيدة؛ لأن جواب مثل هذا إنما يتخرج بمعنى الشرط والمجازاة؛ فيكون المعنى: إن تجعل لي وزيرًا من أهلي أشدد به أزري، وأشركه في أمري. وأمره النبوة والرسالة، وليس هذا إليه- صلى الله عليه وسلم- فيخبر به، إنما سأل الله -عز وجل- أن يشركه معه في النبوة. وفتح الياء من أخي ابن كثيرٍ وأبو عمرو.

{كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا} [طه:31]، قيل: معنى نسبحك نصلي لك. ويحتمل أن يكون التسبيح باللسان. أي ننزهك عما لا يليق بجلالك. و{كثيرًا} نعتٌ لمصدرٍ محذوف. ويجوز أن يكون نعتًا لوقت. والإدغام حسن.

نسبحك وقتًا كبيرًا، أو تسبيحًا كثيرا.

 وكذا ونذكرك كثيرًا.

 {إنك كنت بنا بصيرًا} قال الخطابي: البصير المبصر، والبصير العالم بخفيات الأمور، فالمعنى: أي عالمًا بنا، ومدركًا لنا في صغرنا فأحسنت إلينا، فأحسن إلينا كذلك يا رب.

بقي كلام طويل على الآيات هذه؟

طالب:...............

ماذا؟

طالب:...............

عمومًا يعني، كي نسبحك وكل له أجره، في كلٍّ أجر لكن التسبيح والتنزيه لاشك أنه تعظيم الخالق والاستغفار وطلب منه، قد جاء في الخبر من شغله ذكري عن مسألتي أعطيت أفضل السائلين، والخبر فيه كلام على أن ما يدل أن الذكر أفضل من الدعاء.

طالب:...............

الجمعة، درس الجمعة –إن شاء الله-.

طالب:...............

العناية به والاهتمام بشأنه.

طالب:...............

على كل حال قد يعتريه ما يعتريه، لكن هذا الأصل.

طالب:...............

"