شرح قصب السكر (02) - أنواع الخبر المردود بسبب الطعن في الراوي - 02
بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، يقول -رحمه الله تعالى-:
"فسمِّهِ المُصحَّفَ الْمُحرَّفَا |
|
هَذا وَحَرِّمْ مِنْهمُ التَّصَرُّفَا |
بِالَنّقْصِ والمُرادفِ الشَّهِيْرِ |
|
لِلْمَتْنِ عَمْدًا فِيْهِ بِالتَّغْيِيْر |
إِلاَّ لِمَنْ يَعْلَمُ المَعَانِيْ |
|
ومَا يُحِيْلُ اللَّفْظَ والمَبَانِيْ". |
يقصد الناظم -رحمه الله تعالى- أنه يحرم ولا يجوز أن يتصرف الراوي في ألفاظ الحديث النبوي إلا بشرط: بشرط أن يكون عارفًا بمدلولات الألفاظ عالمًا بما يحيل المعاني، أما إذا لم يكن عارفًا بمدلولات الألفاظ ولا عالمًا بما يحيل المعاني فإنه حينئذٍ لا يجوز له أن يتصرف في اللفظ النبوي، بل عليه أن يروي باللفظ وإذا شكَّ في لفظٍ حرم عليه أن يرويه إلا على اليقين. كما أنه لا يجوز له أن ينقص من الحديث شيئًا بل عليه أن يروي الحديث بفصه بتمامه، إلا إذا كان عالمًا بأن ما يبقيه لا يحتاج إلى ما يحذفه، لو فرضنا أن حديثًا مكون من جملتين، حديث مكون من جملتين: الجملة الثانية متممة للجملة الأولى، ومرتبطة بها، لا يجوز للراوي حينئذٍ أن يروي الجملة الأولى إلا ومعها الجملة الثانية، أما إذا كانت الجملة الثانية مستقلة في المعنى بحيث لا تحتاج إليها الجملة الأولى فإنه حينئذٍ يجوز له أن يقطِّع الحديث المشتمل على جُمل متعددة لا يرتبط بعضها ببعض، ولا يحتاج بعضها إلى بعض، على خلافٍ في المسألتين. على خلاف في المسألتين، التي هي اختصار الحديث والنقص منه، والرواية بالمعنى.
المسألة الأولى: اختصار الحديث: اختلف العلماء في حكم اختصار الحديث، والاقتصار على بعضه دون بعض، فمنعه بعضهم مطلقًا، وأجازه بعضهم مطلقًا. والصحيح التفصيل، وهو المنع من غير العالم وجوازه من العارف إذا كان ما تركه متميزًا عما نقله غير متعلِّق بما رواه، بحيث لا يختلُّ البيان ولا تختلف الدلالة سواءٌ رواه قبل تمامًا أم لا؛ لأن ذلك بمنزلة خبرين منفصلين. روى البيهقي في المدخل عن ابن المبارك قال: علمنا سفيان اختصار الحديث. وجوازه في هذه الحالة للراوي الذي ارتفعت منزلته عن التهمة، أما إذا كان الراوي بحيث يُتَّهَم إذا رواه مرة تامًا ومرة ناقصًا فيُتَّهَم إذا راوه تامًا بأنه زاد في الحديث أو يُتَّهَم إذا رواه ناقصًا بأنه نسي شيئًا من الحديث أو أخلّ به فإنه حينئذٍ عليه أن يروي الحديث تامًا. فأما من رواه مرة تامًا فخاف إن رواه ناقصًا ثانيًا أن يًتهَّم بالزيادة فيما رواه أولاً أو نسيان لغفلة وقلة ضبط في ما رواه ثانيًا فلا يجوز له النقصان ثانيًا، كما أنه لا يجوز له النقصان ابتداءً إن تعين عليه أداء تمامه، إن تعين عليه أداء تمامه، وإذا جاز الاقتصار على بعض الآية دون بعض هذا مما يؤيد القول الثالث وهو التفصيل، جواز اختصار الآية إذا كان بعضها لا يرتبط ببعض، فمثلاً قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}[النساء:58] من يتحدث عن الأمانات ووجوب ردها هل يلزمه أن يأـتي بقوله تعالى: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}؟ أو يكفي أن يقول: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء:58]؟ يكفي، من يتحدث عن العدل بين الناس هل يلزمه أن يقول لقوله تعالى: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}؟ لا يلزمه ذلك؛ لأن الجملة الأولى لا ارتباط لها مباشر بحيث يتوقف المعنى عليه في الجملة الثانية.
طالب:...
نعم.
طالب:...
إي.
طالب:...
مثل آية الدين مثلاً.
طالب:...
معروف ولذلك يختلف العلماء في عدد آيات السورة الواحدة، ومثلها أواخر الفاتحة اختلف فيها. وما القصد من هذا؟
طالب:...
في آيات أخرى.
طالب:...
لكن لو صارت آية مستقلة ثانية، وترتبط الآية التي بعدها بها هل يجوز الاقتصار على الآية الأولى فقط؟ نعم؟ {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ. رِجَالٌ} [النور:36-37] فاعل يسبح رجال، نعم؟ {لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ. فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [البقرة:219-220] فالآية الثانية مرتبطة بالأولى، فعلى القارئ أن يربط الآية الثانية بالأولى، ما يقول: {لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} ثم يركع، ثم في الركعة الثانية يأتي بالتي بعدها، ومثلها: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ. رِجَالٌ} [النور: 36-37]. فإذا جاز الاقتصار على بعض الآية دون بعض فالحديث بالشرط المتقدِّم من باب أولى، فكما فكما أنه لا يجوز أن تقول: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} [الماعون:4] وتسكت، لا يجوز أن تقول: «فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم» وتسكت فلا بد من إتمام مثل هذا الحديث، لتعلق ما ذُكِر بما حُذِف فلا بد أن يقول حينئذٍ: «إذا كان يدًا بيد»، لا بد أن يقول: «إذا كان يدًا بيد»، «فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم» تمام الحديث: «إذا كان يدًا بيد» فلا بد من ذكر هذه الجملة لماذا؟ لأن الكلام المذكور له ارتباط وثيق بما حُذِف، لا يكفي اختلاف الأصناف للبيع كيف شئنا، بل لا بد من الشرط الثاني وهو التقابض.
طالب:...
الضابط إن كانت الجملة الأولى محتاجة إلى الثانية فلا يجوز الحذف ولا يجوز الاقتصار عليه. لكن إذا كان الجملة الجمل الحديث مكون من جمل متعددة، كل جملة تحمل حكمًا شرعيًا لا علاقة له بالجملة الثانية، «لا يبع بعضكم على بيع بعض»، ونهى عن النجش، في ارتباط هذه بهذه؟ لا، يجوز أن تروي هذه مستقلة وتلك مستقلة، وقد جمع الإمام أحمد في أربع جمل وفرَّقها الإمام البخاري في الأبواب. فإذا جاز الاقتصار على بعض الآية في مثل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}[النساء:58] فلا يجب الإتمام لمن أراد أن يحتج بالآية على وجوب أداء الأمانة، فلا يلزمه أن يقول: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} وصنيع الأئمة جارٍ على جواز الاقتصار، وصحيح البخاري مملوء من أجزاء الأحاديث التي يقتصر فيها الإمام البخاري على موضع الحاجة من الأحاديث.
المسألة الثانية: رواية الحديث بالمعنى. الشرط الذي تقدَّم إذا كان الراوي عالمًا بالألفاظ ومدلولاتها ومقاصدها خبيرًا بما يحيل المعاني بصيرًا بمقادير التفاوت بينها، إذا لم يكن الراوي إذا لم يكن الراوي بهذه المثابة فإنه حينئذٍ لا تجوز له الرواية بالمعنى بلا خلاف، بل يتعين عليه اللفظ الذي سمع، أما إذا كان هذا الشرط متوافرًا فيه فهو أيضًا محل خلاف بين العلماء، إذا كان عالمًا بذلك فقد اختلف العلماء في حكم روايته الحديث بالمعنى، فقالت طائفة من أصحاب الحديث والفقه والأصول: لا يجوز له الرواية بالمعنى كذلك بل يتعين اللفظ، وإليه ذهب ابن سيرين وثعلب وأبو بكر الرازي من الحنفية وروي عن ابن عمر.
وجوَّز ذلك بعضهم في غير حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يجوِّزه.
المسألة مفترضة في الحديث، لكن توسعوا في ذكر الخلاف فذكروا أقوالاً لا تتعلق بالمسألة فقالوا: يجوز في غير الحديث ولا يجوز في الحديث، وهذا يكون فرعًا عن القول الأول. إذا أردت أن تنقل كلامًا لأحد من أهل العلم هل يتعين عليك أن تنقله بلفظه؟ في شرح حديث أردت أن تأخذ من فتح الباري وتنسب الكلام إلى ابن حجر، هل يتعين عليك أن تنقل الكلام بحروفه؟ أو يجوز أن تتصرف فيه تصرفًا يسيرًا لا يخل بالمعنى؟ نعم؟ طريقة أهل العلم في الشروح ماشية على جواز التصرف. وفي الفتح على سبيل المثال نقول كثيرة جدًّا من الكتب والشروح التي تقدمت عليه، إذا طابقتها على أصولها وجدت بينها تفاوت يسير.
طالب:...
ما يلزم، إذا كان يسير ما يحتاج إلى تنبيه لكن بالشرط الذي تقدم، نعم، كأنك تترجم معاني القرآن الذي لا يحسن الترجمة لا يجوز له أن يترجم معاني القرآن، فالذي لا يحسن الرواية بالمعنى لا يجوز له أن يدخل فيها، لا يجوز له أن يدخل فيها، المترجم يترجم نعم القرآن، يقولون: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة:187] ماذا يقول؟ وُجِد، ترجم اللباس بالبنطلون، نعم، هذا يحسن الترجمة؟ {وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} [الزمر:75] يقول: حافين غير منتعلين.
طالب:...
يترجم الآيات بهذه الطريقة، مثل هذا لا يجوز له أن يترجم، ومثله من يروي الحديث بالمعنى ويترجم كلام النبي -عليه الصلاة والسلام-، لا يجوز له أن يقدم على هذا العمل إلا إذا كان الشرط المتقدِّم متحققًا فيه.
طالب:...
نعم هذا المنهجية عند المتأخرين نعم، كما أنه لا يجوز له أن ينقل بواسطة عن كتاب موجود نعم، ولا يجوز له أن ينقل من غير عزو، نعم، لكن الأمانة عند المتقدمين نعم باعتبارها متوافرة ينقلون، بشيء من التصرف، وبواسطة وبنزول في النقل ولا يذكرون، لأن الأمانة متوافرة موجودة، يعني ثقة بصاحب الكتاب السابق ينقل عمن عزا إليه صاحب الكتاب السابق، ولا يقول نقلت عن الإمام أحمد بواسطة الكتاب الفلاني، نقلت عن فلان بواسطة، نقلت عن شيخ الإسلام بواسطة ابن القيم. زاد المعاد يقول: سمعت شيخنا شيخ الإسلام ابن تيمية، لك أن تقول: قال شيخ الإسلام نعم ثقة بابن القيم ونقله، لكن إذا أردت أن تكن أدق في التصرف تقول: قال ابن القيم: يقول كذا، يقول شيخ الإسلام كذا، ومثل الإحالة بالجزء والصفحة، ينقل مثلاً في فتح الباري ينقلون مثلاً في الكتاب المطولة من غير ذكر الجزء والصفحة، ما هو في يوم من الأيام عند المتقدمين من يقول: أين محل هذا النقل من الكتاب؟ لأنه متى يحتاج إليه؟ يحتاج إليه إذا شك في النقل، لكن المتأخرين باعتبار النيات وكذا لا بد من أن يوقفوا على الأمر بدقة، وقال جمهور السلف والخلف من الطوائف: يجوز بالمعنى في جميعه يعني في الكلام النبوي وفي غيره إذا قطع بأداء المعنى؛ لأن ذلك هو الذي تشهد به أحوال الصحابة والسلف، ويدل عليه روايتهم القصة الواحدة بألفاظٍ مختلفة.
رواية القصة الواحدة بألفاظ مختلفة، قال ابن حجر: ومن أقوى حججهم الإجماع على جواز شرح الشريعة للعجم بلسانهم، للعارف به فإذا جاز الإبدال بلغة أخرى فجوازه باللغة العربية أولى. وقيل إنما يجوز في المفردات دون المركبات، وقال الماوردي: إن نسي اللفظ جاز؛ لأنه تحمل الأمرين تحمل اللفظ وتحمل أيضًا المعنى، وعجز عن أداء أحدهما فيلزمه أداء الآخر، لا سيما أن تركه قد يكون كتمًا للأحكام، إذا نسي اللفظ عليه أن يؤدي المعنى.
وهو في الأصل عليه الأمران معًا يلزمه الأمران معًا اللفظ والمعنى، لكن عنده حديث نسي لفظه، وبقي معناه، عجز عن بعض العبادة واستطاع البعض الآخر، عجز عن القيام نقول له: لا تقرأ الفاتحة باعتبار أنها ركن القيام؟ نعم؟ هذا عجز عن أداء اللفظ وبقي عنده المعنى نقول: أدِّ المعنى بالشرط الذي تقدَّم.
فإن لم ينسه لم يجز أن يورده بغيره؛ لأن في كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- من الفصاحة ما ليس فيه غيره، هذا قول من؟ الماوردي، وقيل عكسه، وهو جواز الرواية بالمعنى لمن يحفظ اللفظ، ليتمكن من التصرف فيه دون من نسيه؛ لأن من نسي اللفظ يحتمل أن يخل بالمعنى، لكن الذي لفظه حاضر في ذهنه نعم فهو إلى أداء المعنى أقرب ممن نسي اللفظ. وقال القاضي عياض: ينبغي سدّ باب الرواية بالمعنى لئلا يتسلط من لا يحسن ممن يظن أنه يحسن كما وقع للرواة كثيرًا قديمًا وحديثًا. ولا شك أن الأولى شيء والحكم الشرعي شيء آخر، التحري والورع شيء، والاحتياط شيء، وأيضًا وجوب ولزوم التبليغ شيء آخر، فالأولى إيراد الحديث بلفظه دون التصرف فيه، هذا إذا تيسر لكن إذا لم يتيسر وخشي من ضياعه فلا بد من التبليغ ولو بالمعنى، واشترط في جواز الرواية بالمعنى ألا يكون الحديث مما تعبِّد بلفظه، وقد صرح به الزركشي، مما تُعبِّد بلفظه الأذكار، الأذكار من ذلكم حديث البراء في ذكر النوم، وفي آخره: وبنبيك الذي أرسلت، قال البراء وهو يعرض الحديث على النبي -عليه الصلاة والسلام-: وبرسولك الذي أرسلت، قال: «لا، وبنبيك الذي أرسلت» فالأذكار مما تعبد بلفظه، فلا يجوز أداؤه بالمعنى فلا يجوز أداؤها بالمعنى. وهذا الخلاف إنما يجري في غير المصنفات كما نصّ على ذلك ابن الصلاح وغيره ولا يجوز تغيير شيء من مصنفٍ وإبداله بلفظ آخر وإن كان بمعناه قطعًا؛ لأن الرواية بالمعنى إنما رخص فيها من رخص من أهل العلم وهم الجمهور لما كان عليه في ضبط الألفاظ من الحرج، وذلك غير موجود فيما اشتملت عليه الكتب، بين يديك الكتاب الأصلي في صحيح البخاري، صحيح البخاري بين يديك، تأتي إليه، تفتح الكتاب، تجوز الرواية بالمعنى ثم تتصرف تنقل هذا الخبر نعم إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» تقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ليس فيما دون ثلاثمائة صاع صدقة» تقول أنا أرويه بالمعنى خمسة أوسق هي ثلاثمائة صاع، طيب اللفظ النبوي بين يديك، لا يجوز لك أن تتصرف لأن اللفظ النبوي لا يشق عليك، لكن افترض أنك حفظت الحديث تحملته حفظًا، فأردت أن ترويه فغاب عنك اللفظ النبوي وجزمت بأنك أديت المعنى هنا حينئذٍ يجوز لك أن تروي بالمعنى بالشرط الذي تقدَّم، وهذا ظاهر. إنك أنت الآن تتصرف بالمعنى ثم يأتي من يتصرف في تصرفك، نعم، وتدخل الاجتهادات في الألفاظ النبوية وتكثر، ثم تنطمس.
طالب:...
تنطمس معالمها، ينبغي للرواي بالمعنى أن يقول عقيب روايته: أو كما قال. أو نحوه أو شبهه، أو ما أشبه هذا من الألفاظ، وقد كان قوم من الصحابة يفعلون ذلك، وهم أعلم الناس بمعاني الكلام خوفًا من الزلل، من معرفتهم بما في الرواية بالمعنى من الخطر، روى الإمام أحمد وابن ماجةَ وابن ماجه والحاكم عن ابن مسعود أنه قال يومًا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فاغرورقت عيناه وانتفخت أوداجه ثم قال: أو مثله أو نحوه أو شبيه به، ومثل ذلك في سنن الدرامي عن أبي الدرداء، وفي المسند وابن ماجه عن أنس بن مالك أنه كان إذا حدّث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ففرغ فقال: أو كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإن خفي معناه احتيج إلى شرح غريب موضح ما أشكل.
طالب:...
لا، لا، هذا لا يدخل في المعنى؛ لأن المقصود الذات الذات النبوية فسواء عبرت عنها بقال رسول الله أو قال نبي الله لا فرق. ليس المقصود في الرواية اللفظ وإنما المقصود الذات.
طالب:...
حتى عند من يفرق، حتى عند من يفرق؛ لأن المقصود من الكلام لفظه -عليه الصلاة والسلام-، وليس المقصود اسمه، وليس المقصود اسمه أو وصفه.
طالب:...
إذا لم يكن من هذا الباب. إذا لم يكن من هذا الباب في هذا الشرح.
طالب:...
عمومًا؟
طالب:...
لا شك أنه قيل بمنع الرواية بالمعنى مطلقًا.
طالب:...
بهذا الحديث وغيره لأن السُّنَّة وحي، وكما أنه لا يجوز تغيرر القرآن لا يجوز تغيير السُّنَّة لكن حجة الجمهور الواقع الواقع، قصة واحدة تروى من عشرين وجه كلها مختلفة وكلها صحيحة. الواقع يرد اشتراط الأداء باللفظ. ولا شك أن الرواية باللفظ هو الأصل، ثم بعد ذلك قال الناظم -رحمه الله تعالى-:
"فإنْ خَفِي معَنْاهُ احْتِيْجَ إلَى شَرْحِ غَرِيْبٍ مُوضَّحٍ مَا أشْكَلاَ".
يقصد الناظم -رحمه الله تعالى- أنه إن خفي معنى الحديث من أجل لفظة غريبة يقل استعمالها ودورانها احتيج إلى شرح الغريب، من كلمة الحديث بواسطة الكتب المصنفة في الغريب وهي كثيرة جدًّا تبلغ المائة، لكن من أهمها غريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام، وغريب الحديث للنضر بن شُمَيل وغريب الحديث لأبي عبيدة معمر بن المثنى، وهؤلاء الأئمة متقدمون جدًّا وغريب الحديث لابن قتيبة، وغريب الحديث لإبراهيم الحربي، وغريب الحديث لأبي سليمان الخطابي، والفائق في غريب الحديث للزمخشري، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير، والنهاية أجمع كتب الغريب، لمن أراد أن يتقصر على كتاب واحد في الغريب فعليه بالنهاية. ومن أراد أن ينوِّع فليختر ما شاء منها. ومن أهمها غريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام لإمامته، لإمامته في السُّنَّة ولإمامته أيضًا في اللغة، أبو عبيدة إمام في اللغة لكن ليس بمنزلة أبي عبيد، مطبوع نعم، وغريب الحديث لابن قتيبة مطبوع أيضًا، غريب الحديث للخطابي مطبوع، الفائق للزمخشري أيضًا إمامته في اللغة تجعل الإنسان يعتني بكتابه، وإن كان معروفًا باعتزاله، لكن من أراد أن يتقصر على كتاب واحد فعليه بكتاب النهاية لابن الأثير.
طالب:...
إي يفيد نعم. يفيد؛ لأنه قد يترجح لصاحب الكتاب معنى ويترجح لغيره معنىً آخر، ويكون الراجح عند الثاني.
طالب:...
تفيد نعم، لسان العرب مدخل النهاية مدخل النهاية في غريب الحديث، من مراجعه.
طالب:...
نعم تفيد تفيد؛ لأنها كتب اللغة تشرح الألفاظ العربية، ومنها الكلام النبوي. فهي مفيدة للكتاب وللسُّنة أيضًا، فالمراد بغريب الحديث: هو ما وقع في متنه من لفظة غامضة بعيدة من الفهم، لقلة استعمالها، ومعرفة الغريب فن مهم جدًّا يقبح جهله بأهل الحديث، والخوض فيه صعبٌ، حقيقٌ بالتحري جديرٌ بالتوقي، لماذا؟ لأن الخائض فيه يترجم عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإذا كان بغير علم فإنه حينئذٍ يَهلِك ويُهلِك، يَضِل ويُضِل، قد يكون المقصود من الحديث غير ما فهمه. فليتحر خائضه وليتق الله أن يقدم على تفسير كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- بمجرد الظنون، وكان السلف يتثبتون فيه أشد التثبت، فهذا الإمام أحمد بن حنبل إمام السُّنَّة سئل عن حرف منه فقال: سلوا أصحاب الغريب، فإني أكره أن أتكلم في قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالظن. والقائل من هو؟ الإمام أحمد، وسئل الأصمعي عن معنى حديث: «الجار أحق بصقبه» فقال: أنا لا أفسر حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكن العرب تزعم أن الصقب اللصيق يعني الجار الملاصق. هذا إمام الرواية، الإمام أحمد، والأصمعي إمام اللغة، يحفظ من أشعار العرب ما لا يحاط به، كان يحفظ ستة عشر ألف قصيدة، نعم، من القصائد ما هو في مئتي بيت.
طالب:...
لا، 28 هاه؟
طالب:...
لا، هذا عند الحفاظ من العجائب. الحفاظ عندهم العجائب، يوجد في ترجمة شخص أنا لا أحفظه الآن يقول: إنه من فضول محفوظاتي كتاب الأغاني.
طالب:...
ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، لكن ينبغي أن يستفاد منه. يستفاد من هذه الحافظة وإلا لا قيمة لها. إن كان اللفظ مستعملاً بكثرة وظاهر اللفظ، لكن في مدلوله يعني إذا ركِّب مع غيره دقة احتيج إذًا احتيج حينئذٍ إلى الكتب المصنفة في شرح معاني الآثار، وبيان المشكل فيها، وقد أكثر الأئمة من التصانيف في ذلك كالطحاوي والخطابي وابن عبد البر وغيرهم ومن أهم الكتب في شرح متون السُّنَّة مع الكلام على أسانيدها من أهم الشروح التي يستفاد منها في هذا الباب شرح الخطابي على صحيح البخاري، وهو مختصر جدًّا.
طالب:...
والكرماني على صحيح البخاري وهو شرح متوسط على أوهام فيه، لكنه شرح نافع وماتع ونفيس. وأنفس منه فتح الباري للحافظ ابن حجر، وعمدة القاري لبدر الدين العيني، وإرشاد الساري للقسطلاني، وشرح القاضي عياض على صحيح مسلم المسمى إكمال المُعْلِم وأصله المُعْلِم للمازري، وهناك إكمال إكمال المُعْلِم للأبي ومكمل إكمال الإكمال للسنوسي وأجود منها شرح النووي على مسلم على اختصارٍ فيه، ومن الكتب المهمة غي باب الشروح المُفْهِم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم للقرطبي ومعالم السنن للخطابي، وتهذيب السنن لابن القيم وشرح سنن أبي داوود لابن رسلان وعون المعبود وتعليقات السندي والسيوطي على سنن النسائي، وعارضة الأحوذي شرح الترمذي لابن العربي على إلغازٍ فيه لا سيما فيما يتعلق بالأسانيد، وتحفة الأحوذي للمباركفوري، وحاشية السندي على ابن ماجه، والتمهيد والاستذكار على الموطأ لابن عبد البر، والمنتقى للباجي وغيرها كثير، غير هذه الكتب كثير، فالشروح لا يستغني عنها طالب العلم.
لكن لا ينبغي أن يستغرق فيها بحيث تصده عما هو أهم منها، يأخذ منها بقدر الحاجة، يأخذ منها بقدر الحاجة، وإلا لو أراد أن يقرأ هذه الكتب كلها فني عمره ما ما نظر في غيره.
قال ابن الصلاح: وأقوى ما يعتمد عليه في تفسير غريب الحديث أن يظفر به مفسرًا في بعض روايات الحديث، نحو ما روي في حديث ابن صياد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: «قد خبأت لك خبيئًا فما هو؟» قال: الدُخ، الدُخ. متفق عليه.
فهذا خفي معناه وأعضل، وفسره قوم بما لا يصح، ففي معرفة علوم الحديث للحاكم أنه الدَخ بفتح الدال وهو بمعنى الزخ الذي هو الجماع، وهذا تخليط فاحش يغيظ العالم والمهمل، هذا كلام من؟ ابن الصلاح، الدخ بمعنى الزخ، والزخ المراد به الجماع. من أحضر البيت في هذا؟ طوبى إيش؟ بيت لا يناسب يعني ذكره. وإنما معنى الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: قد أضمرت لك ضميرًا فما هو؟ فقال: الدُخ بضم الدال يعني الدخان، والدُخ هنا هو الدخان، في لغةٍ، إذ في بعض روايات الحديث ما نصه، ثم قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «إني قد خبأت لك خبيئًا» وخبأ له {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان:10] قال ابن صياد: هو الدُخ، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «اخسأ فلن تعدو قدرك» وهذا ثابت صحيح خرجه الترمذي وغيره، فأدرك ابن صياد من ذلك هذه الكلمة، فحسب، أدرك نصف الكلمة فقط، على عادة الكهان في اختطاف بعض الشيء من الشياطين من غير وقوف على تمام البيان ولهذا قال له: «اخسأ لن تعدو قدرك» أي فلا مزيد لك على قدر إدراك الكهان.
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.