شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (168)
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك علي عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم (شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح)، مع بداية حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم الشيخ عبد الكريم.
حياكم الله، وبارك فيكم، وفي الإخوة المستمعين.
لازلنا مع الإخوة والأخوات في حديث أنس –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- «أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا حتى تُفهم عنه، وإذا أتى على قوم فسلّم عليهم سلّم ثلاثًا».
توقفنا في الحلقة الماضية عند السؤال حول قوله: فسلّم عليهم سلّم ثلاثًا، كيف يكون هذا السلام؟ هل يكون في المجلس الواحد؟ يقول: السلام عليكم، السلام عليكم، السلام عليكم؟ أما إذا، وعدنا الإخوة والأخوات بأن نشير إلى هذا الإشكال.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
المقدم: اللهم صلِّ وسلم.
أما بعد،
فقد تقدم الكلام في المراد بالحديث، والخلاف في السلام، والكلام أيضًا، ونقلنا ما يبين ذلك من كلام الخطابي في آخر الحلقة السابقة.
المقدم: نعم.
من قوله: أما إعادته -عليه الصلاة والسلام- الكلام ثلاثًا فإنما كان يفعله لأحد معنيين.
المقدم: أن يوجد من يقصر فهمه؟
أن يكون بحضرته من يقصر فهمه عن وعي ما يقوله، فيكرر قوله؛ ليقع بالفهم.
المقدم: أو إذا كان..
إذ هو مأمور بالتبليغ والبيان إلى آخر كلام الخطابي..
المقدم: نعم.
وإما أن يكون القول الذي يتكلم به..
المقدم: فيه إشكال.
نوعًا من الكلام الذي يدخله الإشكال والاحتمال، فيظاهر بالبيان، يعني يكرر من أجل البيان، يظاهر، يعني يأتي بالكلام على وجوه ينجلي بها الإشكال، وبسطنا الكلام في هذه المسألة، وأن السامع أعني جنس السامع يختلف من شخص إلى آخر، وأنه قد يوجد من يفهم لأول مرة، ومرتين، ومن ثلاث، كما يوجد من يحفظ من أول مرة، ويحفظ من مرتين، ويوجد من لا يحفظ أصلًا، فالناس يتفاوتون، ويلاحظ في هذا المتوسط، الذي يفهم الكلام من ثلاث مرات؛ لأنه قد يقول قائل: لماذا لا يلاحظ الذي لا يفهم إلا من عشر مرات؟
المقدم: صحيح
أو لماذا لا يلاحظ الذي يفهم من مرة واحدة؟ وبدوره يقوم بالتبليغ عن النبي –عليه الصلاة والسلام- امتثالًا لقوله –عليه الصلاة والسلام-: «بلغوا عني ولو آية»، النبي –عليه الصلاة والسلام- مأمور بالبيان بنفسه، والتبليغ من غير واسطة مع إمكانه، أما من لم يعاصره –عليه الصلاة والسلام- فهذا يبلغ بالواسطة، من لم يفهم من أكثر من ثلاث مرات يستفهم، فلوحظ في هذا العدد المتوسط، متوسط الناس، وأما تسليمه ثلاثًا، وهذا من كلام الخطابي وسقناه في الحلقة السابقة، لكن للربط بين الكلام من أوله وآخره؛ ليتضح ما سيأتي بعد، أما تسليمه ثلاثًا فيشبه أن يكون ذلك عند الاستئذان، تقدمت الإشارة إلى هذا في كلام ابن حجر، إذا زار قومًا فسلم فلم يؤذن له سلم ثانية، ابن حجر أيَّد هذا بأن البخاري أورد هذا الحديث مع حديث أبي موسى في الاستئذان كما سيأتي في أطرافه، إذا زار قوم فسلم عليهم فلم يؤذن له سلم ثانية، وثالثة، فقد روي عنه– صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إذا استأذن أحدكم ثلاثًا، فلم يؤذن له، فليرجع».
المقدم: وهو رأي الإسماعيلي كما ذكرنا.
نعم، هو رأي الإسماعيلي كما سبق، وأيَّده ابن حجر بإيراد البخاري..
المقدم: له في كتاب الاستئذان.
لهذا الحديث في كتاب الاستئذان، وقد روي عن سعد «أن النبي –عليه الصلاة والسلام- جاءه في بيته وسلم، فلم يجبه، ثم سلم ثانيًا، ثم ثالثًا، فانصرف وخرج سعد وتبعه، وقال: يا رسول الله، سمعت بأذني تسليمك، ولكني أردت أن أستكثر من بركة تسليمك»، والحديث مخرج في سنن أبي داوود، من حديث قيس بن سعد مطولًا، وهذا تقدم الكلام فيه، لكن إذا أمكن الجواب عن السلام، فكيف يمكن الكلام عن الكلام؟
المقدم: إذا أمكن الجواب عن الكلام.
عن السلام، حملناه على الاستئذان.
المقدم: طيب.
يعني ما يتوقع أن يقال النبي –عليه الصلاة والسلام- إذا لقي شخصًا قال: السلام عليكم، السلام عليكم، السلام عليكم، ولا يتوقع عنه في الكلام أيضًا أن يقول: قم، قم، قم.
المقدم: نحن جاوبنا على هذا الكلام.
أجبنا على الكلام بأنه يخضع لفهم السامع.
المقدم: نعم.
وأن التكرار إنما يكون للحاجة، وإذا كان الكلام بكلمة، أو جملة مفهومة لأول مرة، فلا داعي للتكرار.
المقدم: نعم.
وأن "كان" لا تقضي التكرار على ما تقدم، السلام، حلوا إشكاله بحمله على الاستئذان، لكن قال الكرماني: قيل وفيه نظر؛ لأن تسليمة الاستئذان لا تثنى إذا حصل الإذن بالأولى، ولا تثلث إذا حصل بالثانية، أوردنا هذا قلنا: إن تكرار الاستئذان إذا كان رب البيت عند الباب.
المقدم: أول مرة سمعه.
أول مرة السلام عليكم، يقول: وعليكم السلام ادخل، نحتاج إلى أن نكرر؟
المقدم: لا.
فيبقى الإشكال، يبقى الإشكال، يقول الكرماني: قيل: وفيه نظر؛ لأن تسليمة الاستئذان لا تثنى إذا حصل الإذن بالأولى، ولا تثلث إذا حصل الإذن بالثانية، ثم إنه ذكره بحرف إذا المقتضية لتكرار الفعل كرة بعد أخرى، وتسليمه -عليه الصلاة والسلام- على باب سعد نادر، ولم يذكر عنه في غير هذا الحديث، يقول: الوجه فيه أن يقال: معناه كان -عليه الصلاة والسلام- إذا أتى على قوم سلم عليهم تسليمة الاستئذان، سلم عليهم تسليمة الاستئذان، وإذا دخل سلم تسليمة التحية.
المقدم: المجلس نعم.
ثم إذا قام من المجلس سلم تسليمة الوداع، وهذه التسليمات كلها مسنونة، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يواظب عليها، ولا مزيد في هذه السنَّة على هذه الأقسام.
"قيل" الكرماني ينقل هذا القول عن غيره بصيغة..
المقدم: التمريض.
التمريض نعم، ثم تعقب ذلك بقوله: وأقول حرف إذا لا يقتضي تكرار الفعل، إنما المقتضي له من الحروف كلما؛ لأنه لو قال: كلما سلم، سلم ثلاثًا لاقتضى التكرار، كلما فقط، التركيب مفيد للاستمرار، التركيب من أين يؤخذ الاستمرار؟ من كان، من كان، ثم ما قال هو أمر نادر لم يذكر في غيره، فكيف وقد صح حديث «إذا استأذن أحدكم»، يريد الكرماني أن يصحح حمله على الاستئذان، كما قال الخطابي، وغيره: هو رأي الإسماعيلي على ما تقدم.
المقدم: نعم.
نعم، ويبقى أن المسألة مرتبطة بالحاجة، إذا احتيج إلى التكرار، كرر، إذا لم يحتَج إلى التكرار لم يكرر، إذا غلب على الظن وجود من لم يسمع في السلام، أو من لم يفهم في الكلام يكرر، نعم فهذا مرده، إذا أجبنا عن الكلام وقلنا فيه من لا يفهم، قد يوجد من لا يفهم حتى يكرر عليه، والاستئذان وقلنا فيه من لم يسمع، فكيف نجيب عن حديث ابن مسعود –رضي الله عنه- في سنن أبي داود: «أن النبي –عليه الصلاة والسلام- كان يعجبه أن يدعوا ثلاثًا، ويستغفر ثلاثًا»، خرجه أبو داود بإسناد حسن، كيف نجيب عن مثل هذا؟
المقدم: يمكن يقال الدعاء من شأنه التكرار، والإلحاح.
نعم يعني من باب الإلحاح في الدعاء.
المقدم: نعم.
«ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام»، يعني ألحوا، فمثل هذا الدعاء يكرر، ولذا جاء في آخر سورة آل عمران يا رب ربنا ربنا، خمس مرات، وأهل العلم يقولون: من كررها خمسًا أجيبت دعوته، وإن كان هذا ليس على أمر القطع؛ لوجود الموانع والأسباب الأخرى؛ لأنه في الأخير لما كررها خمسًا قال: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ}[آل عمران:195]، فالتكرار والإلحاح لا شك أنه مطلوب في الدعاء، والاستغفار نوع من أنواع الدعاء؛ لأنه طلب للمغفرة، ظاهر؟
المقدم: نعم.
في شرح ابن بطال: قال أبو الزناد: من أبو الزناد؟ هل هو الذي يروي عن الأعرج؟ الزناد عبد الله بن ذكوان؟
المقدم: مستحيل.
لا لا، أبو الزناد هذا متأخر ينقل عنه ابن بطال بكثرة، وهو أبو الزناد بن سراج، قال أبو الزناد: إنما كان يكرر الكلام ثلاثًا، والسلام ثلاثًا إذا خشي أن لا يفهم عنه، أو لا يسمع سلامه، أو إذا أراد الإبلاغ في التعليم، أو الزجر في الموعظة. ظاهر نعم ظاهر هذا؟ قال أبو الزناد: إنما كان يكرر الكلام ثلاثًا، والسلام ثلاثًا إذا خشي أن لا يفهم عنه، مثل ما قررناه سابقًا.
المقدم: هذا بالنسبة إلى الكلام؟
نعم، أو لا يسمع سلامه.
المقدم: نعم.
أو إذا أراد الإبلاغ في التعليم.
المقدم: صحيح.
نعم، والتأكيد عليه، أو الزجر في الموعظة، فالكلام المهم يكرر؛ لأهميته وشدة الحاجة إليه، وهذا الحديث خرجه الإمام البخاري –رحمه الله تعالى- في ثلاثة مواضع: الأول هنا في كتاب العلم، باب من أعاد الحديث ثلاثًا ليفهم عنه، فقال: «ألا وقول الزور، فما زال يكررها»، وقال ابن عمر: قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «هل بلغت؟ ثلاثًا»، وهذا تقدم الكلام في الترجمة.
المقدم: نعم صحيح.
قال: حدثنا، قال: حدثنا عبدة، قال: حدثنا عبد الصمد، قال: حدثنا عبد الله بن المثنى، قال: حدثنا ثمامة بن عبد الله بن أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- «أنه كان إذا سلم، سلم ثلاثًا، وإذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا»، وهذا الموضع ليس هو الذي اختاره المختصر.
المقدم: صحيح المختصر.
هذا الموضع الأول لم يختره المختصر؛ لأن الموضع الثاني أكمل منه، وقد اشترط في اختياره أن يختار الأكمل.
المقدم: الموضع الثاني الذي هو بعده مباشرة.
في الباب نفسه، نفس الباب، بعده مباشرة.
المقدم: أنه كان إذا تكلم.
يعني في البخاري الأول رقم أربعة وتسعين، والثاني رقم خمسة وتسعين، قال: حدثنا عبدة بن عبد الله، قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد، قال: حدثنا عبد الله بن المثنى، قال: حدثنا ثمامة بن عبد الله بن أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- «أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا حتى تفهم عنه وإذا أتى على قوم فسلم سلم عليهم ثلاثًا».
المقدم: ثلاثًا.
هذا الموضع هو الذي اختاره المؤلف.
المقدم: المختصر.
ومطابقة الطريقين واللفظين للترجمة ظاهرة.
المقدم: تمام.
يعني تقدم ذكر المناسبة، والمناسبة للحديث الثاني، والحديث الأول بلفظه إلا أنه اختصره في الموضع الأول.
والموضع الثالث في كتاب الاستئذان.
المقدم: إن أذنتم قبل الموضع الثالث يا شيخ، من خدم الكتاب بين أيدينا الذي اخترنا نسخته وبيناه في الحلقات الأول، نلحظ أنه قال: أطراف خمسة وتسعين مما يدل على أنه أخطأ في الترقيم بناءً على ما ذكرت، المفترض أن يقول أربعة وتسعين.
نعم نعم، الإنسان قد يختار شيئًا من غير نظر في تتماته، يعني يأخذ من أثناء الكلام أحيانًا وله ارتباط بما قبله، وما بعده، مثل هذا.
المقدم: صح.
حديث الأطراف الأصل أن تكون في الموضع الأول.
المقدم: نعم.
والمؤلف ما اختار الموضع الأول، فالأطراف في الرقم أربعة وتسعين. فمن أطراف أربعة وتسعين، خمسة وتسعين.
المقدم: خمسة وتسعين.
المؤلف اختار رقم خمسة وتسعين، المفترض أن يقول الذي يختم المختصر الحديث خمسة وتسعين أطرافه أربعة وتسعين؛ ليمشي على الجادة.
المقدم: جيد هذا تبليغ للإخوة أيضًا ليتابعونا عبر.. ومعهم الكتاب.
نعم، الموضع الثالث في كتاب الاستئذان في باب التسليم والاستئذان ثلاثًا، التسليم والاستئذان، الفرق بين التسليم يعني هل يكتفي في الاستئذان أن يقول: السلام عليكم؟ أو أن هذا التسليم والاستئذان أأدخل؟ هل التسليم ولذا عطف عليه الاستئذان، باب التسليم والاستئذان ثلاثًا قال: حدثنا إسحاق، قال: أخبرنا عبد الصمد، قال: حدثنا عبد الله بن المثنى، قال: حدثنا ثمامة بن عبد الله عن أنس –رضي الله عنه- «أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كان إذا سلم، سلم ثلاثًا، وإذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا».
وسبق ذكر ما يوضح المناسبة، وأن من أهل العلم من يرى أن التسليم هنا
المقدم: للاستئذان.
تسليم الاستئذان.
المقدم: وكأنه ترجيح البخاري.
وهذا كأنه اختيار البخاري –رحمه الله-، وأن الحديث محمول على الاستئذان كما قرره غير واحد، ولذا أردفه البخاري بحديث أبي سعيد في قصة أبي موسى واستئذانه على عمر –رضي الله عنه-، يقول ابن حجر: تقدم أن الإسماعيلي يرى أن السلام إنما يُشرع تكراره إذا اقترن بالاستئذان، والتعقب عليه، وأن السلام وحده قد يشرع تكراره إذا كان الجمع كثيرًا، ولم يسمع بعضهم وقصد الاستيعاب، وبهذا جزم النووي في معنى حديث أنس كذا لو سلم وظن أنه لم يسمع، فتُسن الإعادة، فيعيد مرة ثانية، وثالثة، ولا يزيد على الثالثة، وهذا يؤيد ما قررناه سابقًا، وأن الحاجة هي التي تحكم في الباب يعني إذا احتيج إلى التكرار كرر، وإلا فلا، يعني لو كان المتحدث معه واحد، ويقف النبي –عليه الصلاة والسلام- يسارّ واحدًا، أو قد يستمع لواحد، هل معنى هذا أنه إذا ساره طويلًا لأنه كرر عليه الكلام ثلاثًا مع أنه لا داعي للتكرار، لا يلزم، وإنما الحاجة..، وعرفنا أن كان لا تدل على الاستمرار.
المقدم: نعم- شيخ أحسن الله إليكم- من الأشياء التي -وإن كانت بعيدة عن موضع الحديث-، لكن يرد السؤال حولها في مسألة تكرار بعض الآيات، يعني بعض الأئمة الآن يبني على أن النبي –صلى الله عليه وسلم- عرف عنه أنه كان يكرر بعض الآيات، ربما صلي ويكرر آية، هل هذا على إطلاق أن الآية التي فيها مثلًا تخويف، وآية فيها وعد، وآية فيها وعيد، تكرر على الناس؟ بعض الأئمة يكررها ثلاث مرات، أربع مرات، في الفريضة.
ما دام له أصل من فعله –عليه الصلاة والسلام- ومن فعل عمر –رضي الله عنه-، وهذا عليه جرى سلف الأمة اتباع النبي –عليه الصلاة والسلام- فالذي له أصل لا يُمنع.
المقدم: الأصل في الفريضة عن عمر يا شيخ؟
كيف؟
المقدم: النبي –عليه الصلاة والسلام- الأصل عنه في النافلة.
في النافلة، لكن مع ذلك ما يثبت في النافلة يثبت في الفريضة، والقرآن يذَكّر به، وقد جاء الأمر بذلك {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ق:45]، ما دام الأمر كذلك يذكر به ويردد حسب ما تقتضيه المصلحة، ولا مانع من ذلك في الفريضة والنافلة على حد سواء، لكن يلاحظ الآيات التي تحرك القلوب وتذكر بها الناس، ويوعظ بها الناس.
المقدم: صح.
يعني إذا كان من الطريف أن نذكر ما ذكره ابن الجوزي في الحمقاء والمغفلين: ذكر أن شخصًا قام الليل كله يكرر قول الله -جل وعلا-: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة:222].
المقدم: وهذا لا مجال للتكرير.
ما يوعظ به ولا يحرك القلوب، القرآن كله يذكر به، لكن هناك من الآيات...
المقدم: آيات التعليم، وغيرها.
هناك آيات قد لا يستشعر الإنسان تأثيرها لما غطى على قلبه من الران، يعني من منا من يحرك فيه قوله -جل وعلا-: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [المدثر:8]، {فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ} [المدثر:9]؟
المقدم: مع أنها كانت تحرك عمر وغيره.
يذكر عن زرارة بن أوفى أنه في الصلاة فسمعها وأغمى عليه، سقط مغمًى عليه، منهم من يقول: إنه مات، وبعض الناس يستنكر مثل هذا الكلام، ويقول: القرآن نزل على النبي –عليه الصلاة والسلام- وهو أخشى الناس وأتقاهم، هذا بيناه في مناسبات أن هذا لا مانع منه، وقد وجد في عصر التابعين، وجد في عصر التابعين، النبي –عليه الصلاة والسلام- أنزل عليه القول الثقيل مع قلب يتحمل هذا القول، مع استشعار عظمته، القلب فيه قوة، يعني مع عظمة القول الملقى القلب فيه قوة، فيحتمل مثل هذا، ويتأثر التأثر الكامل ولا يحصل له النقص؛ لأن الغشي نقص.
المقدم: نعم.
نعم، هذا القول الثقيل نزل على النبي –عليه الصلاة والسلام- وتلاه أصحابه وتأثروا به التأثر الكامل..
المقدم: دون أن يصعقوه
دون أن يحصل لهم هذا الخلل، وهذا النقص، من بعدهم من التابعين وجد في عصرهم من يستشعر قوة هذا القول، وعظمة هذا القول، لكن مع ضعف المورود وهو القلب، فحصل لهم ما حصل من هذا النقص الذي اعتراهم وهي صفة مدح من جهة، هو استشعار عظمة هذا الكلام، مع ضعف القلب الذي هو أضعف من قلوب الصحابة، فضلًا عن النبي –عليه الصلاة والسلام-، ثم خلف بعدهم خلوف لا يستشعرون عظمة هذا الكلام، مع ضعف قلوبهم، يعني ما فيه قوة قلب، يتحمل، لا، لكن ما فيه استشعار لعظمة هذا الكلام.
المقدم: صحيح، طيب شيخ أحسن الله إليك، في التكرار ما دمنا نتحدث أيضًا عن القرآن، في تكرار الحفظ ربما ما يكون هناك منهج بالنسبة للتكرار، نكرر سبعًا، أو أكثر، أو أقل من أراد الحفظ، لكن هنا يرد مسألة إذا كرر فإنه يؤجر على كل تكرار، كل قراءة حتى في مسألة الحفظ، مجرد التكرار للحفظ يؤجر عليه.
نعم، له بكل حرف..
المقدم: حسنة.
حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، عشر حسنات، فيكرر، لذا استشكل كثير من طلاب العلم يقول: هل نستغل الوقت بكثرة المقروء؛ لتكثر الأجور، أو نكرر؟ يعني بدلًا من أن أقرأ جزءًا كاملًا، أقرأ ورقة..
المقدم: وأكررها
أكررها عشرًا، فكأني قرأت جزءًا، نقول: نعم يحصل هذا، ويحصل فيه أيضًا الحصول على حفظ القرآن الذي جاء النص عليه في القرآن، أنه في صدور أهل العلم، في صدور أهل العلم، المقصود أن التكرار يؤجر عليه، فمن قرأ ورقة واحدة وكررها عشرًا ليحفظها، أجره بالنسبة للحروف كأجر من قرأ جزءًا، ويزيد على ذلك أجر التدبر مع هذه القراءة، إذا كان من قرأ الجزء سردًا ويزيد على ذلك أيضًا نية الحفظ، نية الحفظ لها أجرها، فالتكرار للحفظ لاسيما في مرحلة الطلب، وأن يبدأ بحفظ القرآن؛ ليضمن؛ لأنه إذا زوحم بالعلوم الأخرى قد يمضي العمر، ثم بعد ذلك..
المقدم: يصعب.
تضعف الحافظة وينشغل الذهن بغيره فيصعب الحفظ، فالذي يوصى به طلاب العلم أن يغتنموا هذا العمر، عمر الشباب، عمر الطلب في حفظ القرآن أولًا..
المقدم: ثم بقية العلوم.
ثم بقية العلوم، أما بالنسبة لعدد التكرار، هل يكرر واحدة، وثلاثة، وخمسة، وعشرة، ومائة، فهذا الذي يحدده قوة الحافظة من ضعفها، فبعض الناس يحفظ من مرة، وبعضهم يحفظ من مرتين، وبعضهم من خمس، وبعضهم من عشر، فإذا حدد المقدار الذي يريد حفظه، وهو أعرف بنفسه، يحدد عشر آيات، خمس آيات، ثلاثة آيات، عشرين آية، هو يعرف مقدار حافظته ويختبر نفسه، فإذا حفظ هذا القدر في هذا اليوم مثلًا، ثم أراد من الغد مراجعة هذا المقدار يكرره كما يقول أهل العلم خمسًا، حتى يضمن أنه حفظه، ثم يبدأ في نصيب اليوم الثاني، فيكرره حتى يحفظه، وقد عرف قدرته على الحفظ، إما أن يزيد على ما حفظه بالأمس، أو ينقص، فإما يزيد عليه آية، أو آيتين على حسب ما اختبر به نفسه، فإذا حفظ نصيب اليوم الثاني، ثم جاء اليوم الثالث كرر نصيب اليوم الأول أربع مرات، والثاني خمس مرات، ثم شرع في حفظ نصيب اليوم الثالث، ثم في اليوم الرابع يكرر نصيب اليوم الأول..
المقدم: ثلاث مرات.
ثلاث مرات، والثاني أربعًا، والثالث خمسًا، ثم..
المقدم: ثم يشرع..
يحفظ نصيب الرابع إلى آخره.
فإذا تم على هذه الطريقة لا شك أنه يرسخ حفظه، لكن بعض الناس يجعل القدر الذي يريد أن يحفظه يأتي بعزيمة وهمة واندفاع، فيريد أن يحفظ ورقة وحافظته لا تتحمل ولا نصف ورقة، فيرهق نفسه، ثم بعد ذلك يمل ويترك، يمل ويترك.
المقدم: بالنسبة للتكرار يا شيخ أيضًا يسأل البعض على المرور على السجدة أثناء الحفظ، كلما كرر يسجد؟
جاء في صحيح مسلم من بعض التابعين أنه كان يقرأ على أبيه بالسجدة، وأن أباه يسجد كلما قرأ، هذا في الصحيح صحيح مسلم، لكن إذا كان هذا يشق مثلًا، يشق، طلاب في حلْقة.
المقدم: ويشق عليهم أنهم كلما ..
أنهم كلما رددوا لاسيما ضعيف الحافظة، ضعيف الحافظة إذا كان يكرر الآية عشر مرات..
المقدم: معناه سيسجد..
عشر مرات، يعني لو سجد مرة واحدة امتثل، تم الامتثال، ولو كرر ذلك بقدر قراءته للآيات أحوط لا شك أنه أحوط، ومنهم من يقول إنه في قراءة الحفظ لا يسجد؛ لأنه لم يقصد التلاوة، لم يقصد التلاوة، لكن أقل الأحوال أن يسجد مرة واحدة.
المقدم: أحسن الله إليكم، ونفع بعلمكم، بإذن الله سنشرع في الحديث حديث أبي موسى –رضي الله عنه- في باب تعليم رجل أمته وأهله في الحلقة القادمة.
أيها الإخوة والأخوات بها نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من برنامجكم "التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح" لقاء جديد بكم بإذن الله في الحلقة القادمة، وأنتم على خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.