التعليق على الموافقات (1426) - 08
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه، وبعد:
فقال المؤلف –رحمه الله- في القسم الثالث من الموافقات: "كتاب المقاصد، والمقاصد التي يُنظر فيها قسمان: أحدهما: يرجع إلى قصد الشارع، والآخر يرجع إلى قصد المُكلَّف.
فالأول: يُعتبر من جهة قصد الشارع في وضع الشريعة ابتداءً، ومن جهة قصده في وضعها للأفهام".
للإفهام.
"وضعها للإفهام، ومن جهة قصده في وضعها للتكليف بمقتضاها، ومن جهة قصده في دخول المُكلَّف تحت حكمها، فهذه أربعة أنواع".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مضى الكلام من قبل المؤلف –رحمه الله تعالى- على الأحكام التكليفية والوضعية، وما احتواه المجلد الأول من الكتاب، الجزء الأول من الكتاب، وهنا يشرع المؤلف في النوع القسم الثالث وهو المقاصد، سواءً كانت مقاصد الشرع في هذه التكاليف أو كانت مقاصد المكلفين في أعمالهم ما كُلِفوا به.
المؤلف –رحمه الله- يتكلم على هذا الباب أو في هذا الباب بكلامٍ متين رصين قد لا يوجد عند غيره، وفيه نوع من الغموض والخفاء، يحتاج إلى مطالعة قبل الحضور، ويحتاج إلى انتباه، فالموضوع ليس بالسهل الهين الذي يُدرك؛ لأن طريقة المؤلف البسط والاستطراد، فقد يأتي بالمبتدأ في أول سطر، ويأتي بخبره بعد أسطر، ويأتي بقسم من نوع أو العكس في صفحة، والذي يليه بعد صفحات، فنحتاج إلى لم أطراف الكلام؛ لكي تكون الصورة واضحةً.
فالمؤلف ألَّف كتابه لا على طريقة المتكلمين الذين مبنى تأليفهم على التقاسيم والأنواع التي تكون متداركة بعضها يلي بعض، نعم قسَّم المؤلف، وفرَّع، وعمل، لكنه من أهل الاستطراد، وهذا النوع من التصنيف يحتاج إلى انتباه، ويحتاج إلى مطالعة قبل الحضور، مثل ما يسوقه شيخ الإسلام –رحمه الله تعالى- في بعض المواضع، إذا تكلم على مسألة تجده يتكلم على أولها، ثم يستطرد ويُدخل في جوف هذه المسألة مسائل أخرى، ثم يعود إليها، مثل هذا يصعب حصره في الذهن إلا من قِبل المُعتني.
فلابد من العناية بمثل هذا الكلام، وهو كلامٌ قد لا يوجد عند غيره في بيان مقاصد الشرع، وهو كلامٌ يحتاج إليه كل طالب علم، فلو أن طالب العلم قرأ الكلام وتدبره ولخصه واختصره، وقيد ما فهمه منه لاستفاد، وأما طالب العلم الذي لا يعرف الكتاب إلا في الدرس، في حلقات الدرس فهذا قد لا يُدرك شيئًا يُذكر، يستفيد -إن شاء الله تعالى-، وأجره -إن شاء الله- ثابت، لكن الفائدة المرجوة التامة قد لا يُدركها، يكفينا في تصور هذا الكتاب ما مضى في المجلد الأول.
والكتاب أشرنا سابقًا إلى أنه مطبوع طبعات كثيرة، أولها الطبعة التونسية طبعة قديمة، والثانية طبعة السلفية، والتي أشرف عليها الشيخ/ محمد الخضر حسين، طبعةٌ جيدة، لكنها مأخوذة من التونسية بتصحيحات الشيخ، ثم الطبعة الثالثة، طبعة الشيخ/ محمد بن عبد الله دراز، وهذه أنفس الطبعات، وأجودها، ثم طُبع طبعات جديدة، منها ما هو مُحقق، ومنها ما هو مجرد نشر.
المقصود أن طبعة الشيخ/ محمد بن عبد الله دراز هذه أفضل الطبعات، وفيها عناية من الشيخ، والذين حققوا الكتاب استفادوا من كلام الشيخ -رحمه الله-.
فمثل ما ذكرت سابقًا لابد من القراءة قبل الحضور بانتباه وحضور ذهن، ولا ييأس طالب العلم حينما يقرأ الكتاب لأول مرة، ويقول: ما فهمت، لا، يقرأه أول مرة، وثاني مرة، ويتأمل، ويجمع الأطراف، ولو اقتصر في أول عرضه على عناوين الأنواع حتى تكتمل الصورة عنده، ثم بعد ذلك يدخل في تفاصيلها.
فالمؤلف –رحمه الله- حصر أنواع المقاصد في الأربعة المذكورة، وكل نوع من هذه الأنواع سال واديه فيه، وأطال النفس فيه، فنحتاج إلى شيءٍ من الحصر.
يقول: "المقاصد التي يُنظر فيها قسمان" المقاصد وهي: الغايات، يُقابلها الوسائل، هذه قسمان:
القسم الأول: ما يرجع إلى قصد الشارع من التكاليف والأحكام، هل الأحكام مُعللة أو غير مُعللة؟
القسم الثاني: ما يرجع إلى قصد المُكلَّف، وسيأتي القسم الثاني بأنواعه.
الأول الذي يرجع إلى قصد الشارع نَوَّعه إلى أربعة أنواع:
"من جهة قصد الشارع في وضع الشريعة ابتداءً" الهدف من إنزال الكتب وإرسال الرسل ابتداءً، وهذا المقصد يحويه قوله –جلَّ وعلا-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُون}[الذاريات:56] القصد من خلق الجن والإنس تحقيق العبودية، هذا هو الهدف الأصلي من إيجادهم.
"ومن جهة قصده في وضعها للإفهام" بأن تكون واضحةً مفهومة؛ كي يتسنى العمل بها.
"ومن جهة قصده في وضعها للتكليف بمقتضاها".
"ومن جهة قصده في دخول المُكلَّف تحت حُكمها" يعني: وعدم دخول غير المُكلَّف.
هذه هي الأنواع الأربعة، يتحدث عنها، ويُقدم بمقدمةٍ منطقية كلامية، ونسمع هذه المقدمة، نعم.
"ولنُقدم قبل الشروع في المطلوب مقدمةً كلاميةً مُسَلمةً في هذا الموضع:
وهي أن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معًا".
مَن المستفيد من الامتثال؟ العبد هو المستفيد، والله –جلَّ وعلا- غني «يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل ما زاد ذلك في مُلكي شيء» والعكس، لو كانوا على أفجر قلب رجل ما نقص من ملكه شيء –جّلَّ وعلا-، فالمستفيد هو العبد المُكلَّف؛ ولذا وضع الشرائع إنما هي لمصالح العباد في العاجل في الدنيا، وفي الآجل في الآخرة، ولا شك أن امتثال الأوامر واجتناب النواهي أول مستفيد منها العبد، حتى في الدنيا العبد يستفيد فائدة كبيرة ولو لم يُرتب عليها ثواب في الآخرة، وإذا قارنت بين رجلين أحدهما مُطيع والآخر عاصٍ عرفت ما بينهما من الفرق حتى في أمور دنياهم.
وأما بالنسبة للآجل وهو الجزاء الأخروي فمعروف.
"وهذه دعوى لا بد من إقامة البرهان عليها صحةً أو فسادًا، وليس هذا موضع ذلك".
لكنها من الوضوح والظهور بحيث يشهد لها الواقع العملي قبل النظري، بحيث تكون واضحةً جليةً لمن هداه الله، أما بالنسبة لمن كُتبت عليه الشقاوة فلا يُبصر مثل هذه المصالح، لا يرى مثل هذه المصالح، فمثل هذا هو الذي يُحتاج إلى أن يُقام له البرهان على هذه الدعوة، نعم.
"وقد وقع الخلاف فيها في علم الكلام، وزعم الرازي أن أحكام الله ليست معللةً بعلةٍ ألبتة كما أن أفعاله كذلك".
إنما علتها الامتثال فقط، فالذي حرَّم الخمر فله أن يُبيح الخمر، وإباحته وتحريمه عنده على حدٍّ سواء من حيث المصالح، لا علة ولا حكمة إنما يدور المُكلَّف مع الأمر والنهي سواءً كان فيه علة وحكمة أو ليست فيه علة ولا حكمة.
نعم تمام الامتثال ألا يبحث عن العلة ولا عن الحكمة أنه مُجرد ما يُؤمر يمتثل، إن ظهر له حكمة فيما بعد أو علة، لكن يُرتب إن توقف عمله على ظهور العلة أو ظهور الحكمة، لكن مع ذلك الحكمة والعلة موجودة، لكن كونه يربط عمله وامتثاله بالعلة والحكمة فلا.
يقول: ما يعمل إلا بشيءٍ يظهر له علته وحكمته هذا خطأ، إذا أُمِر بأمر قال: ما الفائدة؟ ماذا أستفيد من هذا الأمر؟ ليس له خيرة، بخلاف بعض المذاهب المتقدمة من معتزلة وغيرهم حينما يُحكِّمون العقول في النصوص، وأذنابهم الذين ظهرت رؤوسهم في العصور المتأخرة الذين يعرضون النصوص على عقولهم وآرائهم، فما وافقها قبلوه، وما لا فلا، هذا زيغ وضلال –نسأل الله السلامة والعافية-.
طالب:.........
إن كان سؤاله عن الحكمة والعلة للاستفادة فلا بأس، للاستفادة، ولينشط على العمل، لكن إذا كان سؤاله عن العلة والحكمة من أجل أن يتوقف عليها عمله أو الترك فلا، يعني مثل ما جاء في بعض الأعمال التي رُتِب عليها جزاء دنيوي، جاء بعض الأعمال، وبعض الأذكار أنها تحفظ الإنسان.
افترض أنه رُتِب عليها أجر، أو أُمِر بها من غير بيان لهذا الثواب الدنيوي، بعض الناس يحرص على آية الكرسي لا لأنها أعظم آية في كتاب الله، إنما يحرص عليه؛ ليُحفظ بها، هذا جزاء دنيوي، ولا شك أنه ما ذُكِر في النصوص إلا للتنشيط على العمل، وإلا فالأصل الجزاء الأخروي، وقُل مثل هذا في من صلى الصبح في جماعة، من صلى العشاء في جماعة.... إلى آخره، لكن لا يكون هذا الهدف، تجد بعض الناس يحرص على مثل هذه الأمور التي فيها ثواب عاجل أكثر من حرصه على ما فيه ثواب آجل، هذا في عبوديته وامتثاله خلل، نعم.
"وأن المعتزلة اتفقت على أن أحكامه تعالى مُعللةٌ برعاية مصالح العباد، وأنه اختيار أكثر الفقهاء المتأخرين، ولمَّا اضُطر في علم أصول الفقه إلى إثبات العلل للأحكام الشرعية".
"مُعللةٌ برعاية مصالح العباد" هذا ما يقوله المعتزلة، ويقوله غيرهم، لكن الفرق بين المعتزلة وغيرهم أنها إذا لم تظهر العلة والحكمة أو كان في بادئ الرأي أو عند هذا المجتهد أن هذا العمل لا يُحقق هذه العلة أو لا يُحقق هذه المصلحة يمتثل أم ما يمتثل؟ عندهم ما يمتثل؛ لأنها مُعللة، ولابد أن تظهر العلة مثل ظهور الحكم، لكن المسلم ليس له خيرة أصلاً.
الأمر الثاني: أن العلل منها ما هو ظاهر، ومنها ما هو خفي، فالعلل الظاهرة تَبين لآحاد المتعلمين، وأما بالنسبة للعلل الخفية فقد تخفى على بعض الخواص من المتعلمين، فهل نقول في مثل هذه العلل التي يترتب عليها الحكم من مصلحةٍ ظاهرة، نقول: لا تعمل حتى يظهر لك؟ لا، ولو كنت ضعيف التحصيل، ستجدون حينما يُعلل أهل العلم يُعللون بعلل كثيرة كلٌّ منهم يختار علة.
بالنسبة للعلل المنصوصة في النصوص يعني حكم مقرون بعلته هذا الذي يقول عنه أهل العلم أن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، أما العلل المستنبطة التي يختلف فيها أهل العلم فمثل هذه لا أثر لها في الحكم، ما يدور معها وجودًا وعدمًا.
"ولمَّا اضُطر في علم أصول الفقه إلى إثبات العلل للأحكام الشرعية، أثبت ذلك على أن العلل بمعنى العلامات المُعرِّفة للأحكام خاصة، ولا حاجة إلى تحقيق الأمر في هذه المسألة".
لو جئنا -وهذا مثال ضربناه سابقًا- إلى الحُمر الأهلية، إباحتها فيها مصلحة، وفيها علة وحكمة في أول الأمر، ثم تحريمها بعد ذلك فيه مصلحة للمُكلَّف؛ لأنها رجس، قد يقول المُعتزلي: في أول الأمر أليست رجسًا، يعني انقلبت عينها من كونها طيبة {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ}[الأعراف:157] إلى كونها خبيثة تلقائيًّا بمجرد تغيير الحكم، أو أنها كانت مُشتملة على الخبث والرجس، لكن الحاجة تُبيحها، ثم رُجع فيها إلى الأصل، أو العكس هي طيبة وليست خبيثة، وإنما مُنِعت؛ لأنها حمولة الناس؟ جاء النص على أنها رجس فهي خبيثة، فهل كانت طيبة لمَّا كانت حلال، ثم صارت رجس لمَّا حُرِّمت، كما يُقال في الخمر أنها سُلِبت المنافع لمَّا حُرِّمت؟
يقول أهل العلم: إنه سُلِبت، فهل نقول مثل هذا في الحُمر؟ من مقتضى قوله –جلَّ وعلا-: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ}[الأعراف:157] أنها لمَّا كانت حلالًا مُقتضى التحليل أنها طيبة، ولا شك أن الله –جلَّ وعلا- قدرته صالحة لتغيير الأعيان من كونها طيبة إلى كونها رجسًا لا يُوجد ما يمنع من هذا.
"والمعتمد إنما هو أنا استقرينا من الشريعة أنها وضِعت لمصالح العباد استقراءً لا يُنازع فيه الرازي ولا غيره".
ممن يقول: إن الأحكام ليست مُعللة، ولعل من يقول بهذا القول مع ظهور كونها مُعللة لكل أحد، لكل مُتعلم يظهر له أنها مُعللة، وإنما هي لمصالح العباد، لعل من يقول: إنها غير مُعللة يُريد أن يُغلق الباب، ويُقفل الباب، يكون في مقابل قول المعتزلة، يُريد أن يحسم المادة على المتعلم ألا يبحث في علة ولا في حكمة؛ من أجل ألا يدور امتثاله على هذه العلة والحكمة، فمنهم من ينحو هذا المنحى في مسائل كثيرة؛ من أجل حسم الباب، حسم المادة؛ ولذا قال: مثل هذا لا يُخالف فيه "ولا يُنازع فيه الرازي ولا غيره".
"فإن الله تعالى يقول في بعثة الرسل وهو الأصل: {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}[النساء:165]".
{ لِئَلاَّ} [النساء:165] اللام هذه لام التعليل.
"{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين}[الأنبياء:107] .
وقال في أصل الخلقة: {وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}[هود:7]، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُون}[الذاريات:56]، {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}[الملك:2].
وأما التعاليل لتفاصيل الأحكام في الكتاب والسُّنَّة، فأكثر من أن تُحصى، كقوله بعد آية الوضوء: {مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ}[المائدة:6].
وقال في الصيام: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ}[البقرة:183]".
والصيام علته وحكمة تشريعه تحقيق التقوى، كما أن الوضوء أو التيمم إذا لم يُوجد الماء يُريد {وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ}[المائدة:6] وليس المراد بذلك تكليف المُكلَّف وإعناته والمشقة عليه أبدًا، إنما الفائدة من الطهارة سواءً كانت من الحدث الأكبر أو الأصغر {وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون}[المائدة:6] يتفضَّل عليكم بالأجور، ومحو آثار الذنوب والمعاصي، فالوضوء على المكاره فيه أجرٌ عظيم، والوضوء بدون مكاره فيه أجر، وفيه أيضًا تكفير للسيئات إضافةً إلى التطهير.
وأيضًا الصيام ليس الحكمة منه تعذيب المكلَّف وحرمان المُكلَّف من الأكل والشرب وما يشتهيه أبدًا؛ إنما ليُحقق التقوى، فالصيام الذي لا يُحقق التقوى لا تترتب عليه آثار، لكنه صيامٌ صحيح مجزئ عند أهل العلم، مُسقط للطلب، لا يُؤمر بإعادته، ومع ذلك الثمرة العظمى والعلة والحكمة والمصلحة منه تحقيق التقوى ما ترتبت؛ لذا تجد كثيرًا من المسلمين يصوم، لكنه يُزاول المُحرَّمات، ويترك الواجبات، ما تحققت عنده العلة، هل نقول: إن مثل هذا العلة وجود هذه العلة تُبطل هذا العمل؟
يعني لو لم يُوجد إلا هذه الآية في هذا الباب، نقول: علة منصوصة، هل نقول: إن الحكم دار عليها فإذا عُدِم تحقق التقوى عُدم الصيام الشرعي أو نقول: هذا جاء ما يدل على خلاف هذا الكلام من قوله –جلَّ وعلا-: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِين}[المائدة:27] والإجماع قائم على أن العُصاة الذين لم يتقوا الله -جلَّ وعلا- ما تُقُبل منهم، ونفي القبول يُراد به أحيانًا نفي الصحة، وأحيانًا يُراد به نفي الثواب المُرتب على العمل، والإجماع قائم على أن العُصاة والفُساق لا يُؤمرون بإعادة العبادات وعباداتهم صحيحة عند أهل العلم ومُجزئة مُسقطة للطلب لكن ما يترتب عليها من أجورلا يستحقونها.
"وفي الصلاة: {إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ}[العنكبوت:45]".
هذا مثل الصيام يعني بعض المصلين أو كثيرٌ من المصلين يُصلي لكنه يُزاول الفحشاء والمنكر يترك واجبات ويرتكب محظورات، بل قد يرتكب موبقات، ومع ذلك يُصلي، فهل نقول: إن العلة تحققت؟ ما تحققت، ومع ذلك كالصيام صلاته صحيحة ومُجزئة ومُسقطة للطلب بمعنى أنه لا يُؤمر بإعادتها حُكمًا، والباطن بينه وبين ربه.
"وقال في القبلة: {فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ}[البقرة:150].
وفي الجهاد: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا}[الحج:39]".
الباء هذه باء سببية؛ بسبب أنهم ظُلِموا فأُذِن لهذا السبب.
"وفي القصاص: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِيْ الأَلْبَابِ}[البقرة:179]".
الحكمة من تشريع القصاص الحياة المترتبة عليه، قد يقول قائل: إن القصاص قتل، موت وليس بحياة، في بعض صوره القصاص في النفس موت وليس بحياة، نقول: لا، هو حياة بموت شخص وحياة أشخاص، فهو في الحقيقة حياة، ولولا القصاص ما توقف القتل، هذا يقتل هذا، وهذا يثأر لهذا فيقتل هذا ثم...إلى آخره.
وفي التقرير على التوحيد: {أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِين}[الأعراف:172]".
يعني: لئلا تقولوا يوم القيامة، وخشية أن تقولوا يوم القيامة: {إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِين}[الأعراف:172].
"والمقصود التنبيه، وإذا دل الاستقراء على هذا، وكان في مثل هذه القضية مفيدًا للعلم".
"وكان في مثل هذه القضية مفيدًا للعلم" الاستقراء والذي يُفيد العلم من أنواع الاستقراء هو الاستقراء التام.
"فنحن نقطع بأن الأمر مستمر في جميع تفاصيل الشريعة، ومن هذه الجملة ثبت القياس والاجتهاد، فلنجرِ على مقتضاه، ويبقى البحث في كون ذلك واجبًا".
لكن هل الرازي ممن يرى القياس والاجتهاد، أو لا يرى؟ يعني من لازم قوله: أن الأحكام غير مُعللة...
طالب:........
نعم.
طالب:........
إنه لا يرى القياس، كيف يقيس والعلة غير متوفرة وغير متحققة؛ لأن القياس إلحاق الفرع بالأصل؛ لوجود العلة الجامعة بينهما، فإذا لم يكن ثَم علة، فكيف يتم القياس؟!
"ويبقى البحث في كون ذلك واجبًا أو غير واجبٍ موكولاً إلى علمه، فنقول، والله المستعان: النوع الأول: في بيان قصد الشارع في وضع الشريعة، وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق، وهذه المقاصد لا تعدو ثلاثة أقسام:
أحدها: أن تكون ضرورية.
والثاني: أن تكون حاجية.
والثالث: أن تكون تحسينية".
نعم هي ثلاثة أقسام، فالضرورية ما لا تقوم الحياة إلا بها، هذا الأصل في الضرورية، وبعض أهل العلم يُنزِّل بعض الحاجيات التي تشتد المشقة بدونها منزلة الضروريات، لكن الأصل في الضرورة أن لا تبقى حياته بدونها، والحاجيات تبقى الحياة بدونها، لكن مع مشقة، والتكميلات والتحسينات هذه لا أثر لها في بقاء الحياة، ولا مشقة في تركها.
فالضرورات أو الضروريات إذا حلت مثل هذه فإن النصوص تدل على أنه يُستباح بها ما كان محظورًا بالنص، وأما إذا حلت الحاجة والمشقة الشديدة فلا يُستباح ما مُنع بالنص، لا يُستباح بها ما مُنع بالنص، وأما ما مُنع بالأقيسة أو مُنع بالقواعد فقد يتجوز أهل العلم في إباحته إذا حلت الحاجة التي معها المشقة الشديدة.
وأما بالنسبة للتكميلات فمثل هذه لا يُستباح بها شيء، إنما المكروهات قد يُتجوَّز فيها؛ لأنها تزول بأدنى حاجة عند أهل العلم.
مثال: الأكل والشرب ضرورة، لكن أكل أي نوع مما يُؤكل ضرورة أم الذي يُقيم الصلب، وتقوم به الحياة؟ فقط هذا الضرورة، لكن القدر الزائد على ذلك مما يشق على الإنسان تركه مشقة شديدة حاجة، لكن القدر الزائد على ذلك أيضًا تحسين، وهذه الأمور لاسيما في الحاجات والتحسينات قد يختلف وضعها من عصرٍ إلى آخر.
مثال ذلك: قبل ثلاثين سنة مثلاً الناس يعدون المكيف والثلاجة وحتى الإضاءة والكهرباء تكميلًا وتحسينًا؛ لأنهم حديثو عهدٍ بفقدها، يعني ما اشتدت ضرورتهم لها، فلا يأخذ الفقير من الزكاة؛ ليشتري ثلاجة، أو ليشتري مُكيفًا، لماذا؟ لأنه يستطيع أن يُبرِّد الماء بطريقته السابقة، ويستطيع أن ينام وهو مرتاح بدون مكيف، لكن بعد ذلك ماذا صارت؟ حاجة يعني ما يستطيع أن ينام بدون مُكيف، فصارت حاجة، لكن يموت بدون مكيف؟ لا، إذًا ليست ضرورة، صارت حاجة، صار يُفتى بأن يأخذ الزكاة للمكيف وللثلاجة.
الجوال الآن التليفون في جيبه تليفون، قبل خمس سنوات ما لها حاجة الآن صار حاجة، فتجد بعض من يأخذ الزكاة في جيبه جوال، وزوجته معها جوال، وولده معه جوال، وبنته معها جوال، فالناس يتوسعون والنفس لا نهاية لها، النفس ما تنتهي إلى حد إذا عُوِّدت، النفس راغبةٌ إذا رغَّبتها، لكن إذا تُرد إلى قليلٍ تقنع
فما يتعلق بالحاجيات والتحسينات قد يختلف حكمها من وقتٍ إلى آخر.
"فأما الضرورية، فمعناها أنها لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فُقدت لم تجرِ مصالح الدنيا على استقامة، بل على فسادٍ وتهارجٍ وفوت حياة، وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم، والرجوع بالخسران المبين والحفظ لها يكون بأمرين:
أحدهما: ما يقيم أركانها ويثبت قواعدها، وذلك عبارةٌ عن مراعاتها من جانب الوجود.
والثاني: ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيها، وذلك عبارةٌ عن مراعاتها من جانب العدم.
فأصول العبادات راجعةٌ إلى حفظ الدين من جانب الوجود".
نعم الضروريات منها ما يرجع إلى أمور الدين، ومنها ما يرجع إلى أمور الدنيا، فما لا تستقيم الحياة إلا به ضرورة، وما لا يستقيم الدين إلا به ضرورة فلابد من وجوده، والضرورات الخمس أو الضروريات يأتي ذكرها، منها: ما يتعلق بأمور الدين، ومنها: ما يتعلق بأمور الدنيا.
"فأصول العبادات راجعةٌ إلى حفظ الدين من جانب الوجود كالإيمان والنطق بالشهادتين، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وما أشبه ذلك.
والعادات راجعةٌ إلى حفظ النفس والعقل من جانب الوجود أيضًا، كتناول المأكولات والمشروبات، والملبوسات، والمسكونات، وما أشبه ذلك.
والمعاملات راجعةٌ إلى حفظ النسل والمال من جانب الوجود، وإلى حفظ النفس والعقل أيضًا، لكن بواسطة العادات.
والجنايات- ويجمعها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- ترجع إلى حفظ الجميع من جانب العدم".
يعني ما من حكمٍ شرعي إلا ويدخل فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كيف؟ لأن الأحكام الشرعية إما أن تكون بطلب أو بطلب إيجاد أو بطلب كف، فالذي يترك ما طُلب إيجاده يُؤمر بإيجاده، والذي يُوجِد ما طُلب تركه يُنهى عما نُهي عنه؛ ولذلك قال: "ويجمعها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".
وهذا يُبين لنا أهمية هذه الشعيرة من شعائر الإسلام، ولا يستقيم أمر الدين والدنيا إلا بها، لا يُمكن أن يستقيم أمر المسلمين إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإلا صارت فوضى المسألة، من أراد أن يُصلي يُصلي، ومن أراد أن يترك يترك، ما هو بصحيح، بل لابد من أن يُؤمر ويُنهى، وهذه هي خصيصة هذه الأمة، وهي التي جعلتها خير الأمم {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}[آل عمران:110] لماذا؟ {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ}[آل عمران:110].
يعني صار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أهم من الإيمان بمقتضى التقديم؟ لا، لا يصح أمر بمعروف ونهي عن مُنكر إلا بإيمان، لكن كونه قُدِّم؛ لأنه هو سبب التقديم، وسبب خيرية، وإلا فالإيمان بالله الأمم السابقة تشاركنا في الإيمان بالله؛ لكن لأهميته قُدِّم، ولأنه هو السبب الحقيقي لهذه الخيرية، أما الإيمان بالله فنشترك فيه نحن وغيرنا من الأمم السابقة.
طالب:.......
لا، العادات.
طالب:.......
ما الطبعة التي معك؟
طالب:.......
لا..لا.
طالب: في -يا شيخ- في مسألة على الأصل أن طاعات أو عبادات الفُساق والعُصاة يعني لو سأل سائل- وهذا حصل- بأنه عامل، حصل بينه وبين رب العمل خلاف في رمضان، فهو يدعي بأنه اضطر إلى أن يُدخن ويُفطر، يعني لو استفتى هذا في الإعادة في الصيام بناءً على القاعدة هذه؟
يعني هذا العامل اضطر؛ لأنه شق عليه العمل مشقة شديدة؟
طالب: الغضب الذي بلغ نتيجة خلافه مع رب العمل أحوجه إلى أن يُدخن، هذه من عادات المُدخنين، فيُفطر على سيجارة، يعني هل المفتي يُفتي له بالإعادة بإعادة صيام هذا اليوم؟
أما الإعادة يعني أفطر بعد.....
طالب: لا، أفطر أثناء وقت الصيام.
أثناء وقت الصيام يلزمه الإعادة بلا شك، يلزمه القضاء بلا شك، وإن كان قد تعمد الإفطار، لكن يلزمه أن يقضي، لابد من قضائه، وأما من قال: إنه مُكره ومُلجأ ومُضطر كما لو أُكرهت المرأة على الجماع فلا يترتب عليها حكم، يختلف هذا، إلا على قول بعض الضُّلال الذين قالوا: أفتى بعض من زاغ –نسأل الله السلامة والعافية- أن القاضي يجب عليه أن يُدخن، ما يُستحب.. يجب إذا كان من عادته التدخين، لماذا؟ يقول: لا يتمكن من النظر في القضية إلا إذا دخن، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، هذا زيغ –نسأل الله السلامة والعافية-، هذا ضلال– نسأل الله العافية- كيف يكون قاضيًا وهو مُدخن؟! إلا إذا أداه اجتهاده إلى حِله، وهو من أهل النظر والاجتهاد، وعُرف بنصر ما يراه حقًّا، هذه مسألة ثانية.
طالب: كونه مُدخنًا مُرتكب لحرام معلوم أنه الفُتيا بتحريم التدخين، ومرتكب هذا ما يُسقط عنه الطلب يعني بالإعادة؟
لا، لابد من الإعادة وبالطلب أولى ممن تناول مُباحًا.
طالب: وهذه القاعدة التي كتبناها (العُصاة والفُساق عباداتهم مُجزئة ولا يطالبون بإعادة)؟
إذا صلى صلاة مشتملة على شروطها وواجباتها وأركانها، والله –جلَّ وعلا- يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِين}[المائدة:27] هل نقول: صلاتك باطلة؛ لأنك مُدخن؟ لكن إذا دخن في أثناء الصلاة أو في أثناء الصيام أتى بما يُبطلها، لابد من الإعادة.
طالب: لابد من الإعادة، يعني عبارة (مُسقطة للطلب) لا تعني يعني...
(مُسقطة للطلب) يعني إذا جاء بها...
طالب: أنجز عبادته.
أنجز عبادته وانتهى على وجهٍ صحيح، اكتملت الشروط والواجبات والأركان، صلاته صحيحة، ما أحد يأمره بالإعادة.
إذًا ماذا عن قوله –جلَّ وعلا-: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِين}[المائدة:27] المقصود بنفي القبول هنا نفي الثواب المرتب على العبادة.
"والعبادات والعادات قد مُثِّلت، والمعاملات ما كان راجعًا إلى مصلحة الإنسان مع غيره، كانتقال الأملاك بعوض أو بغير عوض، بالعقد على الرقاب أو المنافع أو الأبضاع، والجنايات ما كان عائدًا على ما تقدم بالإبطال، فشُرع فيها ما يدرأ ذلك الإبطال، ويتلافى تلك المصالح، كالقصاص، والديات للنفس، والحد للعقل، وتضمين قيم الأموال للنسل، والقطع والتضمين للمال، وما أشبه ذلك".
يعني ما ذُكِر من أن العادات مُثِّلت وتقدَّم، لكن المعاملات –العبادات تقدمت- المعاملات ما كان راجعًا إلى مصلحة الإنسان مع غيره بالبيع والشراء هذه معاملة، بالنكاح بالطلاق، بالجنايات هذه كلها؛ لأنها تقع بين أكثر من طرف، فتحتاج إلى تعامل، كيف يُتعامل مع هذه المعاملات؟ البيع إنما أبيح لأنه لابد منه، قد تحتاج إلى ما بيد أخيك، فلا يبذله لك إلا بمقابل، فإباحة البيع ضرورة.
انتقال الأملاك بعوض أو بغير عوض ببيعٍ وشراء أو هبةٍ أو عطيةٍ أو إرث أو ما أشبه ذلك بالعقد على الرقاب أو المنافع، يعني بيع العين يتم بالبيع، والعقد على المنافع يكون بالأجرة، والجنايات ما كان عائدًا على ما تقدَّم بالإبطال، يعني يُبطل حق أخيه، ويُبطل عبادته، هذا لابد مما يدرأه، ما يدرأ هذا الإبطال، كالقصاص والديات التي تزجر عن وقوع الجنايات، القصاص والديات تزجر وتمنع وقوع الجنايات للنفس والحد للعقل.
"وتضمين قيم الأموال للنسل" النسل إنما يُحفظ بإقامة الحد حد الزنا، وحد القذف فيما يتعلق بالأعراض.
"والقطع والتضمين للمال" فيما إذا سُرق المال الحد القطع، وفيما إذا غُصب أو انتُهك أو ما أشبه ذلك أو تُعدي عليه بأي وجه من الوجوه بالتضمين وما أشبه ذلك.
ونقف على ذلك.
اللهم صلِّ على محمد.
طالب:........
نعم.
طالب:........
ما يحصل به الفسق من ارتكاب مُحرَّم أو ترك واجب.
طالب:........
جنس المتقين على خلافٍ بينهم، هل يلزم المقصود بالمتقين جنس، فيشمل جميع أحواله أو في هذه العبادة على وجه الخصوص؟ المقصود أنه كما قال ابن عمر: لو أعلم أن الله –جلَّ وعلا- تقبَّل ركعتين كانت خيرًا من الدنيا وما فيها، من هذا الباب يعني شهد بالتقوى.
يقول: ذكرتم الوضوء في المكاره والوضوء في غير المكاره؟
الوضوء على المكاره يعني إذا كان الماء شديد البرد أو شديد الحر أو الجو بارد، ويشق الوضوء، هذه مكاره، كذلك الغسل، وأما غير المكاره إذا كان الجو مناسبًا ولا يتأثر الإنسان بوضوئه.
يقول: ما المقصود بقوله: مراعاتها من جانب الوجود والعدم؟
يعني من جانب إيجاد ما يُطلب إيجاده، ومن جانب عدم ما يُطلب عدمه.
يقول: أرجو توضيح مسألة أن كل الأحكام فيها أمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
يعني يدخلها؛ لأنها إن كانت أمرًا بالإيجاد فتركه زيد من الناس قيل له: صلَّ، قال: ما أنا مُصلٍّ، هذا يُؤمر، أو إذا كان مما طُلب عدمه كشرب الخمر وغيره من المحرَّمات فلابد أن يُنهى عن المنكر، فالأحكام دائرة بين هذين كما تقدَّم في كلامه في الأحكام.
طالب:........
هم يجتهدون في إيجاد العلة؛ ولذلك يختلفون فيها.
طالب:........
العلماء يستنبطون، العلل مُستنبطة؛ ولذلك يختلفون فيها، هذه العلل المستنبطة لا يدور معها الحكم وجودًا وعدمًا، لكن إذا كانت العلة منصوصة من الشارع دار معها الحكم.
طالب: ..........
هذا يكون أفضل طبعًا في (زاد المعاد) الطبعة المُحققة مكتبة الرسالة، وأما (مختصر الخرقي) فطبعة المكتبة الإسلامية.
الظاهر أنه بعد ما هو موجود مختصر الخرقي، فعلى هذا لابد من تصويره.
طالب: كيف يدخل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المباح؟
المباح من أهل العلم من يرى أنه ليس بحكم، وإنما يُذكر تتميمًا للقسمة؛ لأنها طلب أو تخيير يعني يُقابل الطلب، والطلب إما طلب إيجاد أو طلب كف، وطلب الإيجاد إما أن يكون مع التأكيد فيكون الوجوب أو مع عدمه فيكون الاستحباب، ويُقابله الحظر والكراهة.
وأما الإباحة فهي حكم شرعي باعتبار التعبد بها، وأن الله –جلَّ وعلا- أباح لنا ما خلق، نتعبد بهذا ونشكره عليه، فهو حكم من هذه الحيثية، ومنهم من يقول: إنما ذُكِر من باب تتميم القسمة.
والله أعلم.
وصلى الله على محمد.
"