شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (193)
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمه الله وبركاته، أهلاً بكم إلى حلقة جديدة من برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح مع بداية هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة، الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، ونشكر له تفضله بإجابة دعوتنا، فأهلًا بكم فضيلة الدكتور.
حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
المقدم: في الحلقة الماضية، ابتدأنا الحديث عن حديث علي -رضي الله عنه-، وكنتم تفضلتم بالحديث عن اختلاف النسخ، «لا تكذبوا علي، فإنه من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار» هذا قلتم في أصل التجريد، لكن في أصل البخاري فيه خلاف، لعلك تبين للأخوة والأخوات هذا الموضوع يا شيخ؟
الحمد لله رب العالمين، وصلى اللهم وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، في الحديث السابق، قال ذكر المختصر، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح يقول: «يوم الفتح»، والذي في الأصل «الغد من يوم الفتح»، الغد من يوم الفتح، والشراح شرحوه على هذا الأساس، على ما في الأصل، وهنا في هذا الحديث، في المختصر، «لا تكذبوا علي، فإنه من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار»، والذي في الأصل «لا تكذبوا علي، فإنه من كذب علي فليلج النار»، فليلج النار، ما أثبته «فليتبوأ مقعده من النار»، هو موجود في الأحاديث التي تلي هذا الحديث، في حديث سلمه بن الأكوع، وفي حديث أبي هريرة: «فليتبوأ مقعده من النار»، لكن حديث علي: «فليلج النار»، في فتح المبدي شرح المختصر، للشرقاوي شرحه على ما في الأصل.
المقدم: فليلج.
نعم فليلج، ولم يشر إلى ما عداه في نسخة من النسخ، ما قال: الصواب "فليلج"، أو الذي في الأصل، أو كذا في بعض النسخ وفي بعضها كذا، وأيضًا عون الباري للصديق فيه كما في الأصل: «فليلج النار»، ولم يشيرا أعني الشارحين، إلى أن هناك نسخة بهذا اللفظ، قد يقول قائل: إن هذا من التصويب والتصحيح المطلوب، يعني افترضنا أن..
المقدم: ما في نسخة، وفي الأصل هو " فليلج" .
في البخاري: فليلج، في المختصر: فليتبوأ، إذا وجد الخطأ عند أهل الحديث، إذا وجدت في كتابك خطأً، فهل تصحح أصل الكتاب، أو تثبت الخطأ وتشير إليه؟
المقدم: الأصل أكاديميًّا يا شيخ، أن يبقى الخطأ كما هو، ويشار إليه في الهامش، أن هذا الخطأ في النسخة، هذا ما عرفنا في التحقيق.
أما إذا كان الخطأ في آية، فلابد من تصويبه.
المقدم: ويشار إلى أنها كتبها المؤلف كذا، الخطأ.
نعم، على أن لا يكون الموجود في الأصل قد قرئ به؛ لأن بعض الناس يهجم على التصحيح، ويكون المؤلف اعتمد قراءه غير قراءة ما يعتمده المحقق، وكثير هذا، مثل القرطبي يعتمد قراءة نافع، ونحن عندنا قراءة حفص، فيختلف مع ما اعتدناه، وما حفظناه، فيهجم الطالب على التصحيح، هذا ليس بصحيح، أما إذا كان اللفظ المذكور من القرآن لم يقرأ به أحد، فمثل هذا يصح؛ لأنه قطعًا مقطوع ٌبأنه خطأ، وأما إذا وجد خطأ في كتاب من الكتب، وفي ظن القارئ أو المحقق أنه خطأ، لا يسارع ولا يهجم على هذا الخطأ فيصححه؛ لأنه قد يبين صوابه لغيره، بل يثبت هذا الذي هو في زعمه خطأ، وينبّه عليه، ومنهم من يقول: يصحح، لاسيما إذا كان أهلًا للتصحيح، إذا كان أهلًا للتصحيح، بعضهم يقول: اللحن يُصلح في الكتاب، وبعضهم يقول: يبقى، يبقى في كتابه لحنًا، هذا في النسخ الصحيحة، ما هي بأي نسخة توجد، لا يدرى من كتبها، وكيف كتبت، وهل قوبلت؟ أو لم تقابل؟ هذا في النسخ الصحيحة المعتمدة المقابلة، إذا وجد هذا الخطأ يبقي كما هو، ويشار إليه في الحاشية.
لأن كثيرًا من المصححين، وقد وقفنا على أمثلة كثيرة من هذا النوع يهجم على الكلمة ويصحح، ويشير إلى الخطأ على حد زعمه في الحاشية، ثم بعد ذلك يوجد أن الذي في الحاشية هو الصحيح، وهذا كثير، ويترتب على هذا مسخ الكتب؛ لأن بعض الناس يتخفف من الحواشي في الطبع، ليصغر حجم الكتاب، فلا يقف القارئ على الكلمة التي في الأصل، وبعض الناس لا يلتفت إلى الحواشي، ويقتصر على ما في الصلب، ثم يفوته الكلام الصحيح.
على كل حال، على طالب العلم أن يتحرى ويتثبت، ولا يهجم على شيء قبل أن يجزم ويقطع بأنه خطأ، وإن أبقاه كما هو فقد قيل به، ويشار إليه في الحاشية، أما ما شرحه في فتح المبدي من موافقة ما في الأصل، وكذلك صديق في عون الباري، فلا شك أن هذا هو الصحيح، يعني عندنا أصل ومختصر، والمختصر قد التزم أن يأتي بما في الأصل بحروفه، ولذلك شرحوا على ما في الأصل، وهذا لا يدخل في الكلام الذي قلناه، لماذا؟ لأن هذا الكتاب له أصل يرجع إليه، والكلام في ما لا أصل له، مدون؛ لأن الشيوخ يكتبون أحاديثهم في كتبهم، مروياتهم تدون في كتبهم، ويعتمدون على هذه الكتب، على ما عندهم من حفظ، ثم يأتي من يروي عنهم ويقف على خطأ على حد زعمه في هذا الكتاب، الذي لا يرويه إلا عن طريق صاحب هذا الكتاب، فمن أين يصحح؟ لا يستطيع أن يصحح.
عندنا في المختصر، نرجع إلى الأصل، لاسيما وأنه من كلام النبي-عليه الصلاة والسلام-، وأهل العلم ينصون، ينصون على أن الرواية من الكتب لا تجوز بالمعنى، وإلا لقلنا إنه يمكن الزبيدي روى الحديث بالمعنى، يتبوأ، يلج، المعنى قريب، لكن إذا كانت الرواية موجودة، مدونة في كتاب، لا تجوز روايتها بالمعنى، لماذا؟ لأن اللفظ غير متعذر، وعندنا الرواية من كتاب وهو بين أيدينا الصحيح، وإذا شرحه الشراح على هذا الأساس، ولعل المختصر ذهب نظره إلى الأحاديث اللاحقة، فالنظر يزل، أو اعتمد على حفظه، أو اعتمد على حفظه وخانه في هذا الموضع.
قوله: «لا تكذبوا علي».
المقدم: لكن هذا ما يخالف منهجه يا شيخ، أنتم بينتم لنا في بداية شرح الكتاب على أنه إذا وجد في الباب أحاديث، مجموعة أحاديث معناها واحد، وإن اختلفت في لفظ يسير، فإنه لا يورد إلا حديثًا واحدًا، هنا أورد حديث علي، وحديث سلمة، وحديث أبي هريرة، مع أنه واضح جدًّا أن حديث علي هو نفسه حديث أبي سلمة في أجزائه، وكذلك حديث أبي هريرة، فالزيادة عند أبي هريرة، وسلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- .
يأتي ما بين هذه الروايات من فروق، سيأتي إن شاء الله تعالى، ما بين هذه الروايات من فروق، وسبب إيراد الأحاديث الثلاثة، قوله،: «لا تكذبوا علي»، الكذب نقيض الصدق، أو ضد الصدق؟
المقدم: والضدان لا يجتمعان.
كلاهما لا يجتمعان لا النقيضان ولا الضدان.
المقدم: لكن هذان يرتفعان.
الضدان يرتفعان، والنقيضان لا يرتفعان، هل يمكن أن يرتفع الصدق والكذب عن كلام؟
المقدم: لا.
في آن واحد، يأتي الخلاف في المسألة، المقصود أنه على مذهب أهل الحق، أهل السنة والجماعة، أنه نقيض؛ لأنه لا يرتفع الوصف بأحدهما عن الكلام في آن واحد، يقال: كذب، يكذب، كَذبًا، وكِذبًا، وكذبًة، وكِذَابًا، وكِذّابا، ورجل كاذب، وكذّاب، وتِكذاب، وكذوب، وكذوبة، وكذبان، وكيذُبان، ومكذبان، ومكذبانة، وكذُبذُبان، رجٌل كذُبذُبان، وكذُبذُب، فالكاف ما هي للتشبيه، من أصل الكلمة.
المقدم: نعم، " من كذب" .
نعم، كذّبذّب، قال الشاعر:
المقدم: كذّبذّب أم كذبذب، يا شيخ ؟ كذّبذّب بالتشديد؟
نعم شددوها، قال الشاعر وهو جريبة بن الأشيم:
إذا سمعت بأنني قد بعتهم |
بوصـال غـانية فقل كذُبذُب |
أطالوا في شرح هذه الكلمة في كتب اللغة، في إصلاح المنطق، والمحكم واللسان، وغيرها من كتب اللغة، والكذب في الاصطلاح، كما قال النووي في شرح مسلم، وأيضًا ابن حجر في فتح الباري، الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو، عمدًا كان أو سهوًا، الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو، عمدًا كان أو سهوًا، كله كذب، فإذا أخبر الإنسان عن شيء بخلاف الواقع، فهو كاذب، لكن الفرق في الإثم، إذا تعمد فهو آثم، وإذا حصل الخطأ في كلامه من غير عمد، فلا إثم عليه، فلا يشترط حينئٍذ لتسمية الكلام كذبًا، كونه صدر من قائله عمدًا، بل مجرد الإخبار بخلاف الواقع يسمى كذبًا، بدليل قوله -عليه الصلاة والسلام-: «من كذب علي متعمدًا» على ما سيأتي «فليتبوأ مقعده من النار»، «من كذب علي متعمدًا» إذ لو كان اشتراط العمدية في الكذب ليسمى كذبًا، ما نص على متعمدًا، لقال «من كذب علي»، ثم بعد ذلك ينصرف إلى التعمد، فدل على أنه يقع الكذب على غير التعمد، وجه الاستدلال من الحديث حيث قيد الكذب المتوعد عليه بدخول النار بالتعمد، فيدل على أن هناك كذبًا آخر.
المقدم: غير متعمد .
إلا أنه لا وعيد فيه، وهو السهو والغلط.
المقدم: لكن هذا ما موجود في حديث علي، التقييد بالمتعمد .
«من كذب علي متعمدًا» سيأتي في الأحاديث الأخرى.
المقدم: نعم، لكن في حديث علي ليس نصًّا.
لابد من حمل المطلق على المقيد .
المقدم: نعم.
وهو السهو والغلط كما يدل له قوله -عليه الصلاة والسلام-: «صدق الله وكذب بطن أخيك»، «صدق الله وكذب بطن أخيك» قال الحافظ ابن حجر: أهل الحجاز يطلقون الكذب في موضع الخطأ، يقال: كذب سمعك؛ يعني زل، فلم يدرك حقيقة ما قيل له، لم يدرك الشيء على ما هو عليه، فنسب إليه الكذب، ومعلوم أن الخطأ ضد العمد، فعلى هذا المذهب لا واسطة بين الصدق والكذب، وهو قول أهل السنة، أما المعتزلة فيرون اشتراط العمدية لتسمية الكلام كذبًا، أما اشتراط العمْدية للمؤاخذة فلا إشكال فيه، أما اشتراط العمدية لمجرد التسمية فقال به المعتزلة، يرون اشتراط العمدية لتسمية الكلام كذبًا، وعندهم أن هناك واسطة بين الصدق والكذب، وهي كلامٌ ليس بصدٍق ولا كذب، مستدلين بقوله تعالى: {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ} [سبأ:8] يعني المقابلة، أفترى على الله كذبًا، أم كان صادقًا، المقابلة إذا قلنا ما فيه شيء ثالث، لكن قابل الكذب بغير الصدق، فدل على أن، أن هناك شيئًا ليس بصدق ولا كذب، على حد استنباطهم وفهمهم للآية: {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ} [سبأ:8].
ووجه استدلالهم من الآية أن الجنة غير الكذب؛ لأنها صارت قسيمًا له، وغير الصدق؛ لأنهم لم يعتقدوه، هي غير الكذب؛ لأنها صارت، جعلت قسيم الكذب، فهي غيره، وهي أيضًا غير الصدق؛ لأنهم لم يعتقدوا صدقه، ورد استدلال بأن المعنى، أفترى على الله كذبًا، أم لم يفتر، المقابلة هنا، أفترى على الله كذبًا، أم لم يفتر، فعبر عنه، بعدم الافتراء بالجنة، لماذا؟ لأن المجنون لا افتراء له؛ لأن المجنون لا افتراء له كما قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات، وقيل: إن أم منقطعة، فلا يتم لهم الاستدلال، فلا تكن من باب المقابلة، كما في روح المعاني للألوسي، حينما يجعلون الجنون في مقابل الكذب، في مقابل الكذب، هل يرون أن الجنون ذاته هو المقابل للكذب، أو شيءٌ آخر يصدر عن المجنون ليس بكذب ولا صدق، الآن نتأمل كلامهم؛ لأن الإنسان لما يسمع مثل هذه الآية، لا يرى لها مستمسكًا أصلاً بها، الآن مقابلة الكذب بالجِنة، به جنة؛ يعني مجنون، {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ}[سبأ:8].
يعني مجنون، وليس فيه تعرض لقسيم الكذب، هم يقولون مقابلة الكذب بالجنون، والمجنون كلامه لا يوصف بأنه لا صدق ولا كذب.
المقدم: لأن به جنة.
نعم، إذًا يوجد كلام مثل كلام المجنون، لا يوصف بأنه صدق ولا كذب، لكن هل الحديث عن المجانين، أو عن العقلاء؟ في الأصل يعني.
المقدم: العقلاء.
الذين يعون ما يقولون، وإلا لو أردنا كلام المجانين مثلاً، لتصورنا أقسامًا أخرى بعد، غير الثلاثة التي يزعمونها، لكن الكلام في كلام من يعتد بقوله من العقلاء، ويستدل بقوله من أهل اللسان، ولذا يقول الألوسي في روح المعاني: إن أم منقطعة فلا يتم لهم الاستدلال، إذًا لا تكون هناك مقابلة بين هذا وهذا، قال الكرماني على عادته في إيراد الأسئلة والجواب عنها: فإن قلت: هل فرق بين كذب عليه، وكذب له؟ الحديث فيه.
المقدم: كذب علي.
كذب علي، لو أن إنسانًا كذب للنبي -عليه الصلاة والسلام-.
المقدم: في فضائله مثلًا.
أو في التشريع.
المقدم: أو في التشريع نعم، من أجل أن يرغّب في عبادة معينة، هذا كذب للنبي.
هذا على حد زعمه.
المقدم: نعم.
يقول: فإن قلت: هل فرق بين كذب عليه، وكذب له؟ أم الحكم فيهما سواء؟ قلت: معنى كذب عليه، نسب الكلام إليه، نسب الكلام...
المقدم: إليه.
الذي لم يقله، إليه سواء إن كان عليه أو له، يعني أخبر عنه بغير الواقع، فهو كذب عليه، وكأن الكرماني يريد بذلك الرد على الكرامية الذين أباحوا الكذب، ووضع الأحاديث المتضمنة للترغيب والترهيب، دونما يتعلق بالأحكام، معللين ذلك بأنهم يكذبون له لا عليه، يكذبون له لا عليه، لكنه باطل، مناقض للإجماع، متضمن للجهل بالعربية، والدين ليس بحاجة إلى كذابين، ودجالين ليروجوه، فقد أكمله الله تعالى قبل وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- كما قال -جل وعلا-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:3] يقول الغزالي في الإحياء: وقد ظن ظانون أنه يجوز، أنه يجوز وضع الأحاديث في فضائل الأعمال، وفي التشديد في المعاصي، وزعموا أن القصد صحيح، وهو خطأ محض، يعني هل الوسيلة تبرر الغاية؟ يعني لو أن إنسانًا شهد برؤية الهلال، وهو لم يره.
المقدم: لا يجوز.
لا يجوز قطعًا، يحرم عليه ذلك، لكن إذا نوقش قال: ماذا يتضرر الناس بزيادة صيام يوم، ينكفون عن الشر، وقد فعله بعضهم من هذا الباب، يقول يصومون زيادة يوم، ويكفون عن الشر ولا يضرهم.
المقدم: هذا، الغاية لا تبرر الوسيلة.
لا تبرر الوسيلة، يقول: قد ظن ظانون أنه يجوز وضع الأحاديث في فضائل الأعمال، وفي التشديد في المعاصي، وزعموا أن القصد صحيح، وهو خطأ محض؛ إذ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار» وهذا لا يرتكب إلا لضرورة، ولا ضرورة، إذ في الصدق مندوحة عن الكذب، ففيما ورد من الآيات والأخبار كفاية عن غيرهما، وقول قائل: إن ذلك يعني بعض الناس، لا سيما من القُصاص، القُصاص والوعاظ الجُهال، الذين سبقت الإشارة إليهم مرارًا، قد يقولون: إن الآيات والأحاديث الصحيحة تكررت على الأسماع، فملها الناس، وخف وقعها عندهم.
المقدم: هذه دعواهم.
يقول قول القائل إن ذلك تكرر على الأسماع وسقط وقعه وما هو جديد، فوقعه أعظم.
المقدم: فيستحدث.
يقول: فهذا هوس، إذ ليس هذا من الأغراض التي تقاوم محظور الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلى الله تعالى، ويؤدي إلى أمور تشوش الشريعة، فلا يقاوم خير هذا شره أصلًا، والكذب علي رسول الله-صلى الله عليه وسلم- من الكبائر التي لا يقاومها شيء، نسأل الله العفو عنا وعن جميع المسلمين، فالمسألة خطيرة جدًّا، والجاهل قد يحمل على مثل هذا وقد وقع، وبعض الوعاظ والقُصاص يعدلون عن نصوص الكتاب والسنة، إلى بعض القَصَص، ليس حكم هذه القَصص، وإن كانت مكذوبةً مفتراةً، كحكم الكذب على الرسول-عليه الصلاة والسلام-، الحكم يختلف، لكن أيضًا الكذب كبيرة وموبقة- نسأل الله العافية- حرام أن يكذب، ولو كان هدفه صحيح، إلا فيما استثني مما يجوز من الكذب، أما أن يرغّب الناس، أو يرهّب الناس بقصص يختلقها هو لا يجوز له ذلك، وفي كتاب الله -جل وعلا- وما صح من سنته- عليه الصلاة والسلام- ما يغني عن مثل هذا، فلسنا في حاجة فديننا كامل، ونجد أحيانًا ما ينسب إلى بعض الناس في جهة من الجهات أنه رأى رؤية، ورأى النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول فيها كذا، ويقول كذا، ويرهّب الناس، ويأمر بتوزيع هذه الرؤيا، وتصويرها، وإشاعتها، ويتوعد من لم يفعل ذلك، ويذكر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال له ذلك، من فعل كذا فله كذا، ومن لم يفعل هذه افتراء ومحض كذب.
المقدم: هذه المسماة بوصية أحمد؟
وصية أحمد، وهي منذ سنين متطاولة، من ثلاثين سنة.
المقدم: سبحان الله.
وهي تبرز في...
المقدم: فترة.
على فترات، إذا نسيت، أبرزت، وللشيخ عبد العزيز -رحمه الله- رد على..، وتفنيد لهذه الوصية، مطبوع. المقدم: عبد العزيز بن باز-رحمه الله-.
نعم، وروجت في هذه السنة، قد يكون الهدف صحيحًا، لكن هل الهدف يبرر الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-؟
المقدم: أبدًا.
نسأل الله السلامة والعافية، ولا يعفيه مما ورد من الوعيد الشديد في مثل هذه الأحاديث، ولو كانت غايته ونيته حسنه على حد زعمه، بعضهم يعمد إلى قَصَص ووقائع حصلت لبعض العصاة عند النزع، أو بعد الوفاة، أو رُئِي في المنام بعد وفاته، ليرهّب الناس من عملهم، أولًا التشهير بالأشخاص وتسميتهم في مثل هذه الوقائع لا يجوز بالتسمية، والتعيين؛ لأنه جاء النهي عن سب الأموات، وهذا سب لهم، وجاء الأمر بذكر محاسنهم، لكن لو ذكرت هذه الأمور من غير نسبة إلى شخص، توفي شخص، فحصل له كذا عند النزع، أو حصل له بعد ذلك كذا، أو رُئي في المنام، وهذا لا يجوز أن يقال يجاوز الواقع، من شخص يحكي الواقع، فلما سئل عنه تتبع وضعه أنه يفعل كذا، فمثل هذا يؤتى به، بعد استكمال النصوص، فالمعول على ما جاء عن الله، وعن نبيه-عليه الصلاة والسلام-، ثم بعد ذلك إذا وجد من هذه القَصَص لا مانع منها.
وشيخ الإسلام يقول: إن التحذير والتنفير، والترغيب يقع في القَصَص والحوادث، وأخبار العالم، وما حصل للأمم السابقة، ولو لم يرد به نص، صحيح إذا تلقي عن أهل الكتاب مثلًا، بعد استيفاء ما جاء عن الله وعن رسوله، لكن لا يتضمن كذبًا أو مخالفة لما جاء في شرعنا. في مقدمة صحيح مسلم يقول: الأثر المشهور عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من حدث عني بحديث يُرى أنه كذب، فهو أحد الكَاذبِين» وضبط بـ..
المقدم: الكاذبيْن.
الكاذبيْن، وضبط يَرى، «من حدث عني بحديث يَرى أنه كذب، فهو أحد الكاذبيْن» أو الكاذبيِن، والضبط الآخر يُرى أنه كذب، وهذا الحديث فيه تخويف شديد، ووعيد على من يلقي بالأحاديث من غير تحقيق، لاسيما على الضبط الأول، يُرى أنه كذب؛ لأن بعض الناس يذكر الأحاديث، ولا يتبين من صحتها، فقد يراه بعض الحاضرين، أو بعض الأئمة، أنه مكذوب على النبي -عليه الصلاة والسلام- فيدخل في عموم هذا الحديث. أما الضبط الآخر يَرى أنه كذب فهو أخف، إذا رآه كذبًا فلا يجوز له أن يلقيه، ولا يمنع أن يلقيه إذا رآه غيره، وعلى كل حال، على الإنسان أن يحتاط، لما ينسبه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويتثبت مما يلقيه.
المقدم: تخف تبعة طالب العلم يا شيخ، لو نسب عند الترمذي عند البخاري عند فلان.
في الزمن السابق، في زمن الرواية، في زمن الرواية "إذا ذكره بإسناده برئ من عهدته"، يعني في زمن الرواية يعرفون أن هذا الحديث جاء من طريق فلان فلا يثبت، بعد ذلك لا يبرأ من العهدة إلا أن يبين ضعفه أو وضعه، بأن يقول: ضعيف أو موضوع، بعد ذلك لما خفي معنى الضعيف، ومعنى الموضوع لابد أن يبين معنى الضعيف، ومعنى الموضوع، ذكر السخاوي في فتح المغيث: أن الحافظ العراقي سئل عن حديث فقال: هذا الحديث موضوع، مكذوب على النبي -عليه الصلاة والسلام- فاستدرك عليه شخص حاضر، ينتسب إلى العلم من الأعاجم، فقال له: يا شيخ كيف تقول هذا الحديث مكذوب، وهو موجود في كتب السنة بالأسانيد؟ فأحضره من الموضوعات، طلب العراقي أن يحضر الكتاب الذي فيه الحديث بإسناده، وهذه عادة أهل العلم يرجعون، هذا الأصل في العالم وطالب العلم، فأحضره من الموضوعات لابن الجوزي بإسناده، فتعجب من كونه لا يعرف موضوع الموضوع، ولذا على الخطباء والعلماء والمعلمين أن يبينوا ما لا تصح نسبته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بالكلام الصحيح الصريح الواضح، الذي لا يخفى على أحد.
المقدم: أحسن الله إليكم فضيلة الدكتور، ونستكمل بإذن الله ما تبقى في حلقة قادمة من هذا الحديث، وأنتم على خير، أيها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح لقاؤنا بكم يتجدد بإذن الله وأنتم على خير، نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لكل خير، حتى نلقاكم، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.