شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الاعتكاف - 22
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم مستمعينا الكرام إلى هذا اللقاء الجديد في شرح التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح لفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير -وفقه الله- عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء، فمرحبًا بكم معالي الشيخ وأهلًا وسهلًا.
حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
المقدم: لا يزال الكلام مستمعينا الكرام في حديث صفية -رضي الله عنها- زوج النبي- صلى الله عليه وسلم ورضي عنها- أنها جاءت إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم – تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان فتحدثت عنده ساعة، ثم قامت تنقلبُ فقام النبيُّ- صلى الله عليه وسلم- معها يقلبها حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة مر رجلان من الأنصار، فسلما على رسول الله- صلى الله عليه وسلم – فقال لهما النبي- صلى الله عليه وسلم-: «على رسلكما إنما هي صفيةُ بنت حيي»، فقالا: سبحان الله يا رسول الله، وكبر عليهما فقال النبيُّ- صلى الله عليه وسلم -: «إن الشيطانَ يبلغُ من الإنسان مبلغَ الدم، وإني خشيتُ أن يقذف في قلوبكما شيئًا».
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فمضى الكلام في صدر الحديث إلى قوله: فتحدَّثَت عنده ساعة، ثم قامت- أي صفية أم المؤمنين- تنقلب؛ أي تنصرف إلى منزلها، يقال: قلبه يقلبه وانقلب هو إذا انصرف قاله ابن الملقن، فقام النبي- صلى الله عليه وسلم– معها يقلبها بفتح الياء وسكون القاف؛ أي يردها إلى منزلها، قاله العيني، حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة يقول ابن حجر: في رواية ابن أبي عتيق: الذي عند مَسكن أم سلمة، والمراد بهذا بيانُ المكان الذي لقيه الرجلان فيه لا بيانُ مكانِ بيت صفية، والمراد بهذا.. انتبه للعبارة.
المقدم: نعم
حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة قال ابن حجر: في رواية ابن أبي عتيق الذي عند مسكن أم سلمة، باب أم سلمة معروف إنه باب المسكن الذي تسكنه، والمراد بهذا بيانُ المكان الذي لقيه الرجلان فيه لا بيانُ مكان بيت صفية، في فتح الباري، وهذا الكلام منقولٌ منه لإتيانِ مكانِ بيت صفية الذي يظهر أن صواب العبارة، حتى بطبعة بولاق لإتيان مكان بيت صفية والذي يظهر من صواب العبارة لا بيان.
قال: المراد بهذا بيانُ المكان الذي لقيه الرجلان فيه لا بيان، واللفظة عند ابن حجر في فتح الباري المطبوع في جميع طبعاته بما في ذلك بولاق التي هي أصحُّ الطبعات لإتيان مكان بيت صفية، والمعلوم أن الطبعة السلفية أشرف على تصحيحها، أو قام بتصحيحها الشيخ عبد العزيز بن باز في المجلد الأول والثاني وشيء يسير من الثالث، ثم اطمأن إلى طبعة بولاق وقال: اعتمدوها، فبقية الأجزاء كلها مأخوذة بحروفها من بولاق، فقوله: لإتيان مكان بيت صفية لا يظهر له معنى إلا أن صواب العبارة لا بيانُ مكان بيت صفية، إنما هو المكان الذي لقيه فيه الرجلان.
مر رجلان من الأنصار، قال ابن الملقن: كذا في البابين؛ يعني هذا الباب، وباب زيارة المرأة زوجها في اعتكافه، رجلان.
المقدم: نعم.
وفي رواية سفيان بعد هذا يعني بعد ثلاثة أبواب: باب هل يدرأ المعتكف عن نفسه، أنه كان رجلًا واحدًا.
قال ابن التين: ولعله وهمٌ؛ لأن أكثر الروايات أنهم اثنان، ويحتمل أن هذا كان مرتين، أو أنه -صلى الله عليه وسلم- أقبل على أحدهما بالقول في حضرة الآخر، فيصح على هذا نسبة القصةِ إليهما جميعًا وأفرادًا، نبَّه عليه القرطبي؛ لأنه خاطب واحدًا منهما، والثاني يسمع، فهو تبع للمخاطب.
وقال ابن حجر: لم أقف على تسميتهما في شيءٍ من كتب الحديث إلا أن ابن العطار في شرح العمدة زعم أنهما أسيد بن حضير وعبّاد بن بشرٍ، ولم يذكر لذلك مستندًا، ووقع في رواية سفيان الآتية بعد ثلاثة أبواب: فأبصره رجلٌ من الأنصار، بالإفراد.
قال ابن التين: إنه وهمٌ، ثم قال: يحتمل تعدد القصة. يقولُ ابن حجر: والأصلُ عدمه، عدم التعدد، بل هو محمولٌ على أن أحدهما كان تبعًا للآخر، أو خص أحدهما بخطاب المشافهة دون الآخر، ويحتمل أن يكون الزهري كان يشك فيه فيقول تارةً: رجل، وتارةً: رجلانِ، فقد رواه سعيد بن منصور عن هشيمٍ عن الزهري: لقيه رجلٌ أو رجلانِ بالشك، وليس لقوله رجلٌ مفهوم يعني لا ينفي أن يكون اثنين كما في الرواية الأخرى، نعم رواه مسلم من وجهٍ آخر من حديث أنس بالإفراد، ووجههُ ما قدمته من أن أحدهما كان تبعًا للآخر، فحيث أُفرد ذكر الأصل، أو فحيثُ أفرد- الراوي-.
المقدم: نعم
ذكر الأصل، وحيث ثنى ذكر الصورة، فسلما على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في رواية معمر: فنظرا إلى النبي- صلى الله عليه وسلم-، ثم أجازا أي مضيا، يقالُ: جاز وأجاز بمعنىً، الجواز: العبور جاز النهر؛ يعني عبره، ويقالُ: جاز الموضع إذا سار فيه، وأجازه إذا قطعه وخلّفه، في رواية ابن أبي عتيق: ثم نفذا بالفاء والمعجمة، هل هو بالفاء والمعجمة، أو بالفاء المعجمة؟
المقدم: بالفاء والمعجمة الذال.
الذال هل يحتاج أن يقال: بالفاء المعجمة؟
المقدم: لا يحتاج.
لا يمكن؛ لأنها ما لها نظير إذا كتبت بالحروف بالفاء ما لها نظير تلتبس فيه، فيكتفى عن بيان الإعجام والإهمال والمعجمة التي هي الذال، لو قال بالفاء المعجمة والذال الفاء لا تحتاج إلى بيان إعجام أو إهمال؛ لأنها لا تلتبس بغيرها، والمعجمة يكفي عن أن يقول بالذال المعجمة؛ لأنها تلتبس بالدال، لو قال: بالذال لالتبست بالدال؛ سواءٌ رسمت أو كتبت بالحروف، لكن اكتفى بقوله بالمعجمة؛ لأن قوله بالذال لا يغني عن بيان الإعجام أي خلّفاه.
وفي رواية معمر: فلما رأيا النبي-صلى الله عليه وسلم- أسرعا أي في المشي، وفي رواية عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عند ابن حبان: فلما رأياه استحييا فرجعا، استحييا بياءين فرجعا، وهذه لغة قريش، ولغة تميم بياءٍ واحدة.
المقدم: استحيا
استحيا.
المقدم: لو كان الياء مثنى.
أين؟
المقدم: هو يقصد هنا استحييا الرجلان يعني؟
نعم، المقصود أن الفعل استحيا لا ما يقول استحيا، بل استحيا إذا أراد أن تثني على لغة تميم استحيا، ولغة قريش بياءين.
المقدم: استحييا نعم.
ولغة تميم.
المقدم: استحيا.
بياءٍ واحدة {إن الله لا يستحيي} بياءين، ولغة تميم لا يستحي بياءٍ واحدة، والبخاري -رحمه الله- لما روى حديث: «إذا لم تستحي فاصنع ما شئت» في كتاب الأدب من صحيحة ترجم بلغة تميم، وساق الحديث على لغة قريش.
المقدم: إذا لم تستحي.
لا لغة قريش بابٌ، لغة تميم بابٌ، إذا لم تستحِ بالكسر.
المقدم: نعم
فاصنع ما شئت، والمتن على لغة قريش: إنما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي.
المقدم: إثبات الياء.
بياءٍ واحدة؛ لأن الياء الثانية حُذفت للجازم.
قالوا في رواية عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عند ابن حبان: فلما رآه استحييا فرجعا، فأفاد سبب رجوعهما، وهو الحياء، ما فيه شك أن رؤية الرجل مع أهله لا شك أن من يقابله يستحي أن يتحدث معه حتى يلتفت إليه، وهذا موجود إلى الآن عند أصحاب الفطر السليمة، هذه عادتهم، فأفاد سبب رجوعهما، وكأنهما لو استمرا ذاهبين إلى مقصدهما ما ردهما، بل لما رأى أنهما تركا مقصدهما ورجعا ردهما.
قال: على ما سيأتي: «على هينتكما»، وفي رواية: «تعاليا» ردَّهما، قال: وكأنهما لو استمرا ذاهبين إلى مقصدهما ما ردهما، بل لما رأى أنهما تركا مقصدهما ورجعا ردَّهما، قاله ابن حجر، فقال لهما النبي- صلى الله عليه وسلم-: «على رسلكما» بكسر الراء أي على هينتكما، وقال ابن فارس: الرِسل: السير السهل، وضبطه بالفتح الرَّسل، وجاء فيه الكسرُ، والفتح بمعنى التؤدة وترك العجلة، وقيل: بالكسر التؤدة، وبالفتح الرفق واللين، والمعنى متقارب، قاله العيني.
وفي رواية معمر: فقال لهما النبي صلى الله عليه سلم: «تعاليا»، وهو بفتح اللام قال الداوودي: أي قفا، وأنكره ابن التين وقال: قد أخرجه عن معناه بغير دليل «تعاليا».
المقدم: نعم.
«تعاليا» قال الداودي؛ أي قفا هل معنى «تعاليا» قفا أو هلما وأقبلا؟
المقدم: الثانية.
قال: وأنكره ابن التين، وقد أخرجه عن معناه بغير دليل، وفي رواية سفيان: فلما أبصره دعاه فقال: تعال، بناءً على أن المخاطب واحد على ما تقدم في اختلاف الروايات.
المقدم: نعم، عند هذا إن تفضلتم نقف يا شيخ، أيها الإخوة المستمعون الكرام ينتهي وقت لقائنا هذا اليوم، نسأل الله تبارك وتعالى أن يجزي معالي الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير -وفقه الله– عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء على ما تفضل، ونسأله أن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا إنه جوادٌ كريم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.