هدي النبي في رمضان (16)
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
أيها الإخوة المستمعون الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وحياكم الله في لقاء جديد في هذا البرنامج حيث يسعدنا الترحيب بفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير وفقه الله فحياكم الله يا شيخ عبد الكريم.
حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
يا شيخ عبد الكريم في الحلقة الماضية ذكرتم المفطِّرات التي يفطر بها الصائم والتي هي محل إجماع بين أهل العلم وأنكم تتعرضون في هذا اللقاء إلى المفطرات التي فيها شيء من الخلاف بين أهل العلم كالكحل والاحتجام وما جد من أمور مثل الحقن وغيرها.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، من المفطرات التي اختلف فيها أهل العلم وأشار إليها ابن القيم: الحجامة، روى الإمام أحمد وغيره من حديث شداد بن أوس -رضي الله عنه- قال «أفطر الحاجم والمحجوم» والحاجم من حجم غيره، والمحجوم من فُعلت به الحجامة، والحجامة إخراج الدم من المحجوم سواء قل الدم أم كثر وسواء كانت في الرأس أو في الكتفين أو في أي مكان من البدن، وحديث شداد بن أوس الذي ذكرناه صححه الإمام أحمد والبخاري وشيخ الإسلام ابن تيمية وجمع من الحفاظ وضعفه آخرون، وقال بموجبه يعني بفطر الحاجم والمحجوم جمع من الفقهاء وقالوا إن هذا من باب التعبد روى الإمام البخاري في صحيحه أن أنس بن مالك -رضي الله عنه- سئل أكنتم تكرهون الحجامة للصائم؟ قال: لا إلا من أجل الضعف، وأوضح شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- حكمة من ذلك فقال أما المحجوم فالحكمة هو أنه إذا خرج منه الدم أصابه بدنه الضعف الذي يحتاج معه إلى غذاء لترتد عليه قوته لأنه لو بقي إلى آخر النهار على هذا الضعف فربما يؤثر على صحته في المستقبل فكان من الحكمة أن يكون مفطرًا فعلى هذا لا تجوز الحجامة للصائم في الفرض إلا عند الضرورة يعني المبيحة للفطر قد لا يدرك الإنسان الضرر في الوقت الحاضر قد يكون الضرر في المستقبل، وأما الحكمة بالنسبة للحاجم قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- أن الحاجم عادة يمص قارورة الحجامة وإذا مصها فإنه سوف يصعد الدم إلى فمه وربما وصل إلى حلقه ونزل إلى جوفه وهو لا يشعر وهذا هو الغالب، وذهب جمهور العلماء إلى أن الحجامة لا تفطر الصائم لما روى البخاري وغيره عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- احتجم وهو صائم، وذهب الشافعي -رحمه الله- إلى أن حديث ابن عباس ناسخ لحديث شداد بن أوس ناسخ لحديث شداد بن أوس؛ لأن حديث شداد بن أوس قاله النبي -عليه الصلاة والسلام- عام الفتح وحديث ابن عباس احتجم النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو صائم كان في حجة الوداع وهذا متأخر، الشيخ ابن باز -رحمة الله عليه- يرى أن الحجامة تفطر الصائم على الصحيح من قولي العلماء لحديث شداد بن أوس، وعلى كل حال فالخلاف في الحجامة قوي لثبوت الحديثين ولذا فإن الأحوط للإنسان أن يحتجم ليلاً إن احتاج إلى ذلك، وذكر البخاري عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يحتجم وهو صائم ثم تركه فكان يحتجم بالليل، واحتجم أبو موسى ليلاً وأبعد من زعم أن سبب حديث شداد بن أوس «أفطر الحاجم والمحجوم» من أجل أنهما كانا يغتابان الناس، قال ابن خزيمة جاء بعضهم بأعجوبة فزعم أنه -صلى الله عليه وسلم- إنما قال «أفطر الحاجم والمحجوم»؛ لأنهما كانا يغتابان قال فإذا قيل فالغيبة تفطر الصائم؟ قال لا، وعلى كل فالقول بالنسخ له وجه لا سيما مع مع ما ورد من حديث أبي سعيد قال أرخص النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحجامة للصائم وإسناده صحيح، فوجب الأخذ به لأن الرخصة إنما تكون بعد العزيمة والحديث خرجه النسائي وابن خزيمة والدارقطني قال ابن حجر رجاله ثقات، على رأي الشيخ ومن يقول..، الشيخ ابن باز -رحمه الله- ومن يقول بأن الحجامة تفطر وهي المذهب عند الحنابلة يقاس عندهم ما كان بمعناها مما يفعله الإنسان باختياره فيخرج منه دم كثير يؤثر على البدن ضعفًا فإنه يفسد الصوم كالحجامة؛ لأن الشريعة الإسلامية لا تفرق بين الشيئين المتماثلين كما أنها لا تجمع بين الشيئين المتفرقين، وقال لا حرج على الصائم..، الشيخ -رحمه الله- قال لا حرج على الصائم في تحليل الدم عند الحاجة إلى ذلك ولا يفسد الصوم بذلك؛ لأنه يسير أما التبرع فالغالب أنه كثير يقول أما التبرع بالدم فالأحوط تأجيله إلى ما بعد الإفطار لأنه في الغالب يكون كثيرًا فيشبه الحجامة.
بالنسبة للكحل وما شبهه فضيلة الشيخ حكمه أيضًا للصائم.
الكحل سبق نقل البخاري عن الحسن -رحمه الله- أن الصائم يكتحل، وقال البخاري أيضًا ولم ير أنس والحسن وإبراهيم بالكحل للصائم بأسًا يقول شيخ الإسلام -رحمه الله- في حقيقة الصيام وأما الكحل والحقنة وما يقطر في إحليله ومداواة المأمومة والجائفة فهذا مما تنازع فيه أهل العلم فمنهم من لم يفطر بشيء من ذلك ومنهم من فطر بالجميع والأظهر أنه لا يفطر بشيء من ذلك فإن الصيام من دين من دين الإسلام الذي يحتاج إلى..، فإن الصيام من دين الإسلام الذي يحتاج إلى معرفة الخاص والعام فلو كانت هذه الأمور مما حرمها الله ورسوله على الصائم لكان هذا مما يجب بيانه ولو ذكر ذلك لعلمه الصحابة وبلغوه الأمة كما بلغوا سائر شرعه، والحديث المروي والحديث المروي الحديث المروي في الكحل ضعيف، ومثل الكحل قطرة العين والأذن فإنهما لا تفطران لكن إن وجد إن وجد الطعم في حلقه فالقضاء أحوط، يعني مثل الكحل العين ليست منفذ ومثلها الأذن لا تفطر أيضًا لو قطر في أذنه فإنه لا يفطر إلا إذا وجد الطعم طعم القطرة في حقه لا شك أن القضاء أحوط، أما الحقنة وهي إدخال الدواء عن طريق الدبر فيها خلاف بين أهل العلم الذي أشار إليه شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- سابقًا في قوله وأما الكحل والحقنة وما يقطر في إحليله.. إلى آخره، شيخ الإسلام يرى أنها لا تفطر لأنها لا يطلق عليها اسم الأكل والشرب لا لغة ولا عرفًا وليس هناك دليل في الكتاب والسنة أن مناط الحكم وصول الشيء إلى الجوف ولو كان لقلنا كل ما وصل إلى الجوف من أي منفذ كان فإنه يفطر لكن الكتاب والسنة دلا على شيء معيّن وهو الأكل والشرب، وعلى كل حال رأي شيخ الإسلام فيه قوة وأدلته قوية لكن الأحوط ألا يحتقن ألا يحتقن الإنسان في نهار رمضان إلا في حال الضرورة خروجًا من خلاف من قال بفطره، ومثل الحقنة الإبر في الوريد والعضل إذا لم تكن مغذية فإنها لا تفطر الصائم، لكن تأخيرها إلى الليل أحوط والإبر المغذية تفطر الصائم؛ لأنها بمعنى الأكل، وأما القيء فلا يخلو الصائم إما أن يستدعي القيء ويقيء عمدًا أو يغلبه القيء فإن ذرعه القيء وغلبه فلا يفطر وإن استقاء عمدًا فقد جاء من حديث أبي هريرة في المسند والسنن أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال «من استقاء عمدًا فليقض ومن ذرعه القيء فلا قضاء عليه» وهو حديث ضعيف قال البخاري لا أراه محفوظًا وأكثر العلماء على أن من..، على أن تعمد القيء يفسد الصيام، على هذا لا ينبغي تعمده في صحيح البخاري باب الحجامة والقيء للصائم، وقال لي يحيى بن صالح حديثا معاوية بن سلّام قال حدثنا يحيى عن عمر بن الحكم بن ثوبان سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- إذا قاء فلا يفطر إنما يخرج ولا يولج إنما يخرج ولا يولج، ويذكر عن أبي هريرة أنه يفطر، والأول أصح، عن أبي هريرة إذا قاء فلا يفطر إنما يخرج ولا يولج ويذكر عن أبي هريرة أنه يفطر والأول أصح يعني أنه لا يفطر، وقال ابن عباس وعكرمة الفطر مما دخل وليس مما خرج، الفطر مما دخل وليس مما خرج، ولو تعمد على كلامهم، وهذه القاعدة المأثورة عن السلف ممن ذكر البخاري أغلبية وليست كلية هذه القاعدة الفطر مما دخل وليس مما خرج هذه أغلبية وليست كلية بدليل أن الجماع لا يندرج فيها مفطِّر إجماعًا ويدخل ولا يخرج؟ الفطر مما دخل الرجل إذا جامع هل يدخل في جوفه شيء؟ إذا القاعدة أغلبية وليست كلية، أكل لحم الجزور ينقض الوضوء على الصحيح وهو إدخال والا إخراج؟ ولذا يقول عندهم الفطر مما دخل وليس مما خرج والوضوء أيضًا بعكسه عندهم مما خرج لا مما دخل، فهي طردًا وعكسًا منتقضة بهذين المثالين، قولهم الفطر مما دخل ليس مما خرج يرد عليه الجماع إخراج وليس بإدخال وقولهم الوضوء مما خرج لا مما دخل يرد عليه أكل لحم الجزور فإنه ينقض على القول الصحيح عند أهل العلم، هناك البخاخ في الأنف عند الضرورة البخاخ بخاخ الربو وغيره سواء كان في الأنف أو الفم إذا إذا لم ينصرف منه شيء ويدخل فيه شيء للجوف إذا كان مجرد هواء لأنه يقولون مجرد هواء يفتح الشعب يساعد على فتح الشعب الهوائية هذا عند الضرورة والحاجة لا بأس به، وإذا أمكن تأجيله إلى الليل فهو أحوط وإن لم يمكن تأجيله فلا حجر.
القطرة فضيلة الشيخ تدخل معه أيضًا؟
أي قطرة؟
القطرة في الأذن وفي العين.
هو سبق سبق مثل حكمها حكم الكحل، لكن لا شك أن قطرة الأنف قطرة الأنف مفطرة؛ لأن الأنف منفذ منفذ بلا شك ولذا جاء في الحديث السابق «بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا» فدل على أن الأنف منفذ هذا البخاخ الذي يستعمله أهل الربو وغيرهم إن أمكنه تأجيله فهو أحوط وإن لم وإن لم يمكن ذلك فلا حرج لقوله -تعالى-:{ وَقَدۡ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيۡكُمۡ إِلَّا مَا ٱضۡطُرِرۡتُمۡ إِلَيۡهِ } الأنعام: ١١٩ ومع كون الأنف منفذ ونهينا عن المبالغة في الاستنشاق إلا أن البخاخ يختلف عن الماء هناك تغيير الدم لمريض الكلى وهو صائم لا شك أن هذا يفطر الصائم ويلزمه القضاء بسبب ما يزود به من الدم النقي وما يضاف إليه إن وجد.
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ ونفع بما قلتم إنه سميع مجيب، أيها الإخوة المستمعون الكرام إلى هنا نصل إلى ختام هذه الحلقة، نتقدم في ختامها بالشكر الجزيل لفضيلة الشيخ عبد الكريم بن عبد الله الخضير وفقه الله، نلقاكم بإذن الله تعالى في حلقة مقبلة دمتم بخير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
"