شرح مختصر الخرقي - كتاب الطهارة (20)

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.  

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وإن كان به قرحٌ" يعني جرح أو دمَّل، أو ما أشبه ذلك مما يؤثر فيه الماء، أو مرض يؤثر فيه الماء مباشرة ، والمريض لا شك أنه يتأثر من الوضوء، يعني ترتفع عليه الحرارة والماء يبرد، ومع ذلك يزيد مرضه، وهذه من العجائب، يعني أكثر ما ترتفع الحرارة في الشتاء تزيد الحرارة في الشتاء بسبب البرد، وإذا بوشرت بشيء بارد زاد المرض، وجاءت الرحضاء، وما أشبه ذلك، المقصود أن مثل هذه الأمور إذا كان المريض يتأثر بمباشرة الماء فإنه يتيمم.  

"وإن كان به قرحٌ أو مرضٌ مخوف -يخشى على نفسه منه بحيث يغلب على ظنه أنه يهلك- وأجنب فخشي على نفسه الماء غسل الصحيح من جسده، وتيمم لما لم يصبه الماء".

"إن كان به قرحٌ أو مرض مخوف وأجنب" إن كان به قرح يعني جرح أو بثرة أو دمل، أو ما أشبه ذلك، يخشى أن يزيد بسبب استعمال الماء، أو كان به مرض مخوف، قوله: "مخوف" يدل على أن المرض العادي الذي لا يخاف منه وإن زاد قليلاً بمباشرة الماء أنه لا يتيمم له، وأجنب مفهوم عبارة المؤلف أنه لا يتيمم إذا كان حدثه أصغر؛ لأن الوضوء ضرره أقل بكثير من الغسل، ومع ذلك أهل العلم يقولون: إذا كان المريض يتضرر بالوضوء عدل عنه إلى التيمم، وكذلك إذا كان لا يستطيع استعمال الماء، مريض على سريره لا يستطيع أن يتوضأ، ولا يوجد من يوضئه فإنه حينئذٍ يعدل إلى التيمم.

"أو مرض مخوف وأجنب" عرفنا أن مفهوم عبارة المؤلف أنه في الحدث الأكبر خاصة، في الجنابة، أما في الحدث الأصغر فلا بد من الوضوء، ولو كان به مرض مخوف، ولو كانت به جروح وقروح فإنه لا يتيمم.

"فخشي على نفسه الماء" يعني من استعماله على الصحيح "غسل الصحيح من جسده" يغسل الصحيح هذا إذا كانت به قروح، أما إذا كان به مرض مخوف شامل لجميع بدنه فإنه يعدل إلى التيمم ولا يغسل شيئاً إلا إذا كان في بعض أطرافه ما يمكن غسله من غير خوف، أو زيادةً لهذا المرض المخوف "غسل الصحيح من جسده، وتيمم بما لم يصبه الماء" هذا في نسخة، وفي نسخ أخرى (لما) وهذه أظهر وأوجه "وتيمم لما لم يصبه الماء"

لو افترضنا أن في وجهه جرحا، أو في ذراعه جرحا، أو في رجله جرحا، في رأسه جرحا، فإنه يغسل ما يستطيع غسله، الأعضاء الأخرى لا بد من غسلها، ويغسل ما يستطيع غسله من هذا العضو، إذا لم يستوعب الجرح العضو فإنه يغسل ما يستطيع غسله، ويتيمم للباقي، فعندنا هذه مسألة غير الجبيرة، في آخر مسألة في باب الجبائر، في يده جرح، لو أصابه الماء وتألم به ألماً شديداً، وتأخر برؤه فإنه يغسل جميع الأعضاء ويغسل هذه اليد إلا موضع الجرح.

عند المؤلف يتيمم، لكن أمكن مسحه وهو أولى من التيمم، إن أمكن مسحه بالماء هو أولى من التيمم.

المسألة الثانية: إذا كان هذا الجرح باليد متى يتيمم؟ لأنه قال: "غسل الصحيح من جسده وتيمم لما لم يصبه الماء" ما قال: ثم تيمم، قال: وتيمم في وقته، يعني إذا غسل الوجه، ثم غسل اليد اليمنى التي افترضنا أن فيها الجرح، غسل ما أمكن غسله، وتيمم للجرح؛ لأن الترتيب شرط، بل يسمونه ركنا، من فروض الوضوء، لا بد من الترتيب، فيتيمم ثم يغسل اليد اليسرى ثم يمسح الرأس ويغسل الرجلين، ولو قُدِّر أن الجرح في الوجه يغسل ما يمكن غسله ثم يتيمم، أو يتيمم ثم يغسل ما يمكن غسله؛ لأن الوجه عضو واحد، لكن الكلام فيما إذا كان الجرح في أثناء الوضوء، إذا كان في الوجه، أو في الرجل سهل يعني، إما أن يتيمم قبل أو بعد الفراغ من الوضوء إذا كان في الرجل، لكن إذا كان في أثناء الوضوء، فالذي مشى عليه الأصحاب في المذهب أنه يتيمم في وقته، غسل الوجه، ثم غسل ما يمكن غسله من اليد، وتيمم لما لم يمكن غسله، ثم غسل اليد الثانية ثم أكمل الوضوء، هذا فيه مشقة أو ليس فيه مشقة؟ فيه مشقة، لكن لو أكمل الوضوء على هذه الطريقة، ثم تيمم ما الذي يترتب عليه؟ يترتب عليه إخلال بالترتيب، الإخلال بالترتيب في هذا في الوضوء، أما في الغسل فيه إشكال أو ليس فيه إشكال؟ أن يؤخر التيمم ما فيه إشكال؛ لأن الغسل لا يلزم فيه ترتيب، لكن لو أخر التيمم إلى أن انتهى مما يمكن غسله من الوضوء، ثم تيمم عن المحل الذي يتأثر بالماء.

عرفنا أن المذهب الذي يقرره الأصحاب أنه يتيمم في وقته لوجوب الترتيب، وشيخ الإسلام -رحمه الله- يميل إلى أنه يتيمم إذا فرغ من وضوئه.

يقول: "والفصل بين أعضاء الوضوء بالتيمم بدعة"

طالب:......

هذا كلامه، شيخ الإسلام مثل ما سمعتم يقول: "الفصل بين أعضاء الوضوء بالتيمم بدعة" فعلى هذا يتيمم، والتيمم أقول: وجه كونه يجوز تأخيره ولا يخل بالترتيب أنه بالنسبة للوضوء اتقى الله ما استطاع، ثم أتى بطهارة ترفع الحدث كاملاً، يعني لو تفردت يعني طهارة كاملة، يعني في الوضوء اتقى الله ما استطاع وغسل ما يمكن غسله، حتى انتهى من وضوئه، ثم جبر هذا النقص بطهارة أخرى، يعني هل يقال مثلاً: الأصل ضربة واحدة للوجه والكفين، هل يقول قائل: إنك تتيمم تضرب ضربة واحدة بقدر الجرح، أو تضرب كالتيمم الكامل للطهارة الكاملة، إذاً هذه طهارة كاملة، وبالنسبة للغسل اتقى الله ما استطاع، فإذا جبر هذا النقص بتيمم كامل كما لو لم يجد الماء فحينئذٍ لا إشكال، كما قرر ذلك شيخ الإسلام وغيره يعني في المذاهب الأخرى، ظاهر أو ليس بظاهر؟

طالب:......

فيه إشكال؟

طالب:......

لأنه عطف بالواو، تيمم.

طالب:......

نعم، لكن هو مفهوم عبارته، لو وجد هذا الجرح في أعضاء الوضوء ما يتيمم له عند المؤلف؟ يعني يفهم من عبارته.

طالب:......

التأليف عند المتقدمين لا سيما في مثل هذه المتون، وإلا هذا من أوائل المتون، يعني ما يحاسب المؤلف مثل ما يحاسب صاحب الزاد وصاحب الدليل وغيره على منطوق العبارة ومفهومها؛ لأنهم كانوا ماشين على..، في أوائل التصنيف، ما يحاسبون مثل ما يحاسب المتأخر بعد تحرير المسائل وتنقيحها وتدقيقها، والتصنيف في أوله لا بد أن يكون فيه نقص وفيه خلل، ولو لاحظنا جميع المتون في سائر العلوم في جميع العلوم وجدناها على هذه الطريقة، يعني يبدأ التصنيف فيه شيء من النقص، ثم يأتي من يكمل هذا النقص، ثم يأتي من يكمل هذا النقص، ثم يأتي من يلاحظ ويغير... إلى آخره، فالتصنيف في بدايته لو نظرنا في علوم الحديث مثلاً، التصنيف في علوم الحديث، يعني من أول ما صنف في علوم الحديث (المحدث الفاصل) يعني هل يمكن أن يتمرن طالب علم في علوم الحديث على المحدث الفاصل؟ ما يمكن، فيه إعواز كبير في الباب، وقل مثل هذا لو أخذ المعرفة للحاكم، نعم يستفيد منها ولا غنية له عنها بعد أن يأخذ الكتب المتأخرين التي فيها تفاصيل العلم.

قد يقول قائل: إذا كان هذا المتن من المتون المتقدمة، والكلام عن المتون المتقدمة بهذه الصورة لماذا عدلنا إلى هذا الكتاب مع وجود الكتب المتأخرة التي احتوت هذا الكتاب؟ ورفت ما فيه من خروق.

نعم بيّنا هذا في أول الأمر أننا نريد أن نمشي في الفقه على التدريج، ونعرف طريقة المتقدمين في التصنيف، ونعرف ما لهم وما عليهم، ثم بعد ذلك إن كان في العمر بقية يؤخذ متن من متون المتأخرين.

ولأهمية هذا المتن معروف شروحه أوصلها بعضهم إلى ثلاثمائة، متن أقول: معتمد عند أهل العلم، ومع ذلك لا يمكن محاسبته في قوله: "وأجنب" أننا نجزم أن المؤلف لا يرى التيمم في الحدث الأصغر في هذه الصورة، نعم؟

طالب:......

فيكون الحدث الأصغر من باب قياس الأولى.

طالب:......

لا هو يمكن أن يقال هذا، ويمكن أن يقال عكسه؛ لأن الضرر في الوضوء أقل من الضرر في الغسل.

طالب:......

لا، أنت لاحظ أن المتأخر لو تنظر إلى كلام الزاد، (الحجاوي) اطلع على الانتقادات على الخرقي وتلافاها، ومن جاء بعده اطلع على الملاحظات عليها وتلافاها، فالشروح بينت بعض الملاحظات، يعني لم قرأ المغني، وعرف ما في عبارة الخرقي من انتقاد تلافاها في كتابه، وهو تصنيف البشر، {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [(82) سورة النساء] وأكثر المسائل مبنية على فهوم، فما يعني أن المتون المتقدمة أضبط وأتقن من المتون المتأخرة، لا يلزم.

لا شك أن علم السلف أقوى من علم الخلف، وأشد وأعظم بركة، وإن كان أقل، وابن رجب -رحمه الله- في فضل علم السلف على علم الخلف، قال: "ومن فضل عالماً على آخر بكثرة كلامه فقد أزرى بالمتقدمين" يعني لما توازن بين الإمام أحمد وبين شيخ الإسلام، الإمام أحمد في المسائل يقول كلمة، وشيخ الإسلام يبسط فيها مجلدا، إن فضلت شيخ الإسلام بهذه الطريقة؛ لأنه يطيل ويسهب ويفصّل على الإمام أحمد يقول: أزريت بالمتقدمين، هذه طريقتهم، لا يقصدون إلى بسط المسائل بسطاً يعوقهم عن تحصيل غيرها، ولذلك بعض المشايخ من الموجودين يرى أن الكلام على مثل هذا المتن بقدره، يعني يمكننا أن نقرأ خمس صفحات في درس واحد ونمشيها، لكن ما هي بهذه، الآن لا بد من البسط؛ لأن هناك اصطلاحات لا بد من بيانها، وهناك لأنهم بالنسبة للمتقدمين يكفيه كلمة، لماذا؟ لأنه يعرف كيف يتعامل مع هذه الكلمة سليقة، لكن الآن ارتبط الناس بالاصطلاحات لا بد من تفهيمهم العلوم على هذه المصطلحات.

"وإذا تيمم صلى الصلاة التي قد حضر وقتها" بعد الزوال تيمم لصلاة الظهر، فصلى صلاة الظهر، وصلى قبلها الراتبة، وصلى بعدها الراتبة، صلى الصلاة التي قد حضر وقتها "وصلى به فوائت" تيمم بعد الزوال لصلاة الظهر، ثم ذكر أن صلاة العشاء باطلة، صلاها بغير طهارة، أو نسيها يصليها بنفس التيمم، لا يحتاج إلى تيمم جديد، يصلي به صلاتين في الوقت الواحد "وصلى به فوائت إن كانت عليه" والتطوع، ومقتضى كلامه في صلاة الفوائت بنفس التيمم أنه يجمع بين الصلاتين بنفس التيمم، يجمع أو ما يجمع؟ لأنه ربطه بالوقت، فيصلي ما دام الوقت باقياً ما شاء من نوافل، ويصلي به فرائض فريضة الوقت، وما يجمع إليها، وما نسيه أو ما فاته من صلوات؛ لأنه ارتبط بالوقت.

من أهل العلم من يرتبط بالفرض، تيمم لصلاة الفرض لا يصلي إلا صلاة الفرض، يصلي به نوافل لأنها أقل من الفريضة، لكن لا يصلي به فوائت، ولا يصلي به صلاة تجمع إلى هذه الصلاة؛ لأن كل صلاة أصل برأسها، لإباحاتها لا بد من التيمم.

والمذهب معروف الارتباط بالوقت، لكن قوله: إلى أن يدخل وقت صلاة أخرى، مفهوم هذا الكلام أنه يستمر على طهارة ما لم يجد الماء إلى أن يدخل وقت صلاة أخرى، وغيره يقول: إلى أن يخرج الوقت، إلى أن يخرج وقت الصلاة التي تيمم لها، فإذا خرج الوقت بطل التيمم.

ما الفرق بين العبارتين؟ الفرق في صورتين: في وقت صلاة الفجر، وأنه ينتهي بطلوع الشمس، ومقتضى كلامه أنه يمتد إلى زوال الشمس، إلى أن يدخل وقت الصلاة الأخرى، ما في فرق؟ في فرق، وفي وقت صلاة العشاء في القول المرجح أنه ينتهي بنصف الليل أيضاً لا بد أن يتيمم إذا انتصف الليل، يبطل التيمم بخروج وقت صلاة العشاء الذي هو منتصف الليل، ومقتضى كلامه أنه يستمر إلى طلوع الفجر، هذا أمره سهل؛ لأن يوجد خلاف في وقت صلاة العشاء، لكن وقت صلاة الفجر إجماع أنه ينتهي بطلوع الشمس، فهل مراد المؤلف حقيقة اللفظ، أو أنه يريد ما يريده غيره؟ والحكم للغالب أن كل صلاة ينتهي وقتها بدخول وقت صلاة الأخرى، هو يريد الغالب أو يقصد هذا الكلام؟

طالب:......

هذا الغالب، أو نقول: عزب عنه....... صلاة الفجر وصلاة العشاء، ولا شك أنه لو قال: إلى أن يخرج الوقت هذا أدق ولا يستدرك عليه شيئاً، ما يستدرك عليه لا في صلاة الصبح اتفاقاً، ولا بصلاة العشاء على القول المرجح؛ لأن المؤلف لا يقول: إن وقت صلاة الفجر يمتد إلى زوال الشمس، ولا يقول به أحد، وبها يقيد حديث: ((ليس في النوم تفريط، إنما التفريط فيمن أخر الصلاة إلى أن يدخل وقت الصلاة الأخرى)) يقيد بصلاة الصبح اتفاقاً، فيه تفريط إذا أخره إلى أن تطلع الشمس، ولو لم ينتظر إلى الزوال اتفاقاً، هذا إجماع، وصلاة العشاء إلى منتصف الليل عند من يقول به، وعرفنا أنه هو القول الراجح، وفيه النص الصحيح الصريح، حديث عبد الله بن عمرو في صحيح مسلم.

فلا بد من تقييد قوله: "إلى أن يدخل وقت الصلاة الأخرى" لأننا نجزم أن مراده غيره؛ لأنهم يقيدونه بخروج الوقت.

قال -رحمه الله-: "وإذا خاف العطش حبس الماء وتيمم ولا إعادة عليه" شخص عنده ماء وحضرت الصلاة، لكن هذا الماء لا يكفيه للوضوء والشرب، وإذا توضأ به عطش وهلك، فهل يتوضأ به باعتبار أن الوضوء شرط لركنٍ عظيم من أركان الإسلام، أو نقول: يحبسه للشرب ويتيمم، ويكون حينئذٍ فاقد للماء حكماً كالمريض الذي بين يديه الماء لكنه لا يستطيع استعماله؟

قال: "وإذا خاف العطش حبس الماء وتيمم، ولا إعادة عليه" هذا عنده ماء طهور وماء نجس، الماء النجس يستطيع أن يشربه ويرفع العطش، ويجزم بأنه لا يضره أيضاً، هل يتمم في مثل هذه الصورة ويشرب الطهور، ويريق النجس، أو يشرب النجس ويتوضأ بالطهور؟ نعم؟

طالب:......

هو ما فيه ضرر، يعني نجاسة يسيرة ما تؤثر.

طالب: يحبس الطهور.

كيف؟

طالب:......

ويريق؟

طالب: ويريق النجس.

ويريق النجس؛ لأن النجس لا تجوز مزاولته ولا مباشرته إلا لو لم يكن معه غيره ويخشى الهلاك فيشرب، لكن عنده غيره، وحينئذٍ يشرب من الطهور ويحبسه لشربه، ويريق النجس.

"وإذا نسي الجنابة وتيمم للحدث لم يجزه" إذا أجنب ثم نسي أن عليه جنابة فتيمم للحدث الأصغر، قال: لم يجزه لماذا؛ لأن الأعمال بالنيات، فلا يرتفع الحدث الأكبر بنية الحدث الأصغر، كما لو انغمس من عليه جنابة بالماء لم ينو رفع الحدث الأكبر، ونوى بذلك رفع الحدث الأصغر، وخرج مرتباً هذا لا ترتفع جنابته، الحدث الأكبر لا يرتفع؛ لأنه لم ينوه، لكن لو نواه ارتفع، وارتفع معه الحدث الأصغر.

وإذا نسي الجنابة وتيمم للحدث لم يجزه، وحينئذٍ لو كان عليه جنابة، ونوى رفع الجنابة فقط يجزه عن الحدث الأصغر أو لا يجزه؟ يجزيه؛ لأن الصغرى تدخل في الكبرى.

قال -رحمه الله-: "وإذا وجد المتيمم الماء وهو في الصلاة خرج فتوضأ أو اغتسل إن كان جنباً واستقبل الصلاة" إذا وجد المتيمم الماء وهو في الصلاة، إذا وجده يقيناً أو غلبة ظن؟ بمعنى أنه أقبلت سيارة تحمل ماءً، ويرى الماء يسفح من جوانبها هذا يقين أن هذه السيارة فيها ماء، لكن إذا قدم قوم على سيارة أو على راحلة أو ما أشبه ذلك ولا يدري هل معهم ماء أو ليس معهم ماء؟ يقول: "وإذا وجد المتيمم الماء وهو في الصلاة خرج فتوضأ واغتسل" هذا إذا كان يقينا، هذا ليس فيه إشكال، لكن إذا كان غلبة ظن أن هؤلاء معهم ماء، يخرج من صلاته أو يستمر؟ أو نقول: إن الأحكام تبنى على غلبة الظن، إن كان يغلب على ظنه أن معهم ماء يخرج ليؤدي الصلاة بطهارة كاملة، وإن كان غلب على ظنه ألا ماء معهم لم يخرج، وإن استوى الأمران الشك، يبقى أن الشك لا يرفع اليقين؟ نعم؟

طالب:......

لا هذا صاف يصلي، تيمم وصلى ما عنده ماء، في مفازة، ثم أقبل ركب يجزم أن معهم ماء هذه مسألة مفروغ منها، أنه يقطع الصلاة ويخرج من صلاته ويتوضأ ويغتسل، ثم يؤدي الصلاة بطهارة.

إذا كان يغلب على ظنه مارأى معهم ماء، لكن يقول: هذا الجمع الكبير يغلب على الظن أن معهم ماء، بنسبة ثمانين بالمائة معهم ماء، مثل هذا أيضاً يخرج من صلاته ويؤدي الصلاة بطهارة كاملة.

إذا كان شاكًّا خمسين بالمائة والله ما يدري معهم أو ليس معهم؟ أقبل شخص على دباب، هذا الغالب أن ما معهم ماء؛ لأن الدباب مكشوف لو معه شيء رآه، مثل هذا لا يخرج بحال، أقبل شخص على سيارة، لكن ما يدري هل معه ماء شك؟ ففي هذه الحالة لا يخرج من صلاته إلا في حال اليقين أو غلبة الظن، أما في حال الشك أو الوهم الذي يقابل اليقين لا يقطع صلاته.

لكن جل الأحكام مبنية على غلبة الظن، وهذا شرط للصلاة يعني المسألة....

طالب:......

هاه؟

طالب:......

لكن يغلب على ظنك...؛ لأن حتى في مثل هذه الأمور وجود الماء مبطل للصلاة صح أو لا؟ فكونك تصلي صلاةً تجزم بأنها صحيحة لتخرج من عهدة الواجب بيقين، والأحكام عند أهل العلم كما هو معروف جلها مبني على غلبة الظن.

طالب:......

تعرف أن...

طالب:......

لكن هم يغلب على ظنك أن معهم ماء؛ لأن الظن بتفاوته منه ما يقرب من اليقين...

طالب:......

لا، الشك قلنا: لا يخرج لا في حال الشك ولا في حالة الوهم من باب أولى، لكن في حالة غلبة الظن الذي يقرب من اليقين مثل هذا لا شك أن له وجه.

طالب:......

لا، لا، لو راجعت فروع المسألة لوجدت كلاما طويلا، منهم يقول: إن الظن في حكم الشك، ونصوا بمسألة أو في قاعدة اليقين لا يزال بالشك أن الظن حكمه حكم الشك، لكن يبقى أن الظن ليس على درجة واحدة، يعني الظن يبدأ من (51) إلى (99) فما دون النصف بين المرتبتين يقرب من الشك، وما فوق النصف مما بين المرتبتين يقرب من اليقين، يعني فرق بين ظن يصل إلى تسعين بالمائة، وبين ظن يصل إلى ستين بالمائة فكل ما قرب من اليقين يأخذ حكمه، نعم؟

طالب:......

نعم، يعني لو أتم صلاته جاء الماء وتم صلاته.

طالب:......

يعني اتقى الله ما استطاع، بحث عن الماء قبل الدخول في الصلاة، ثم بعد ذلك شرع في الصلاة فجاء الماء، نعم من أهل العلم من يقول: إنه دخل الصلاة بطهارة بالنسبة له كاملة، طهارة شرعية، وإبطال العمل جاء النهي عنه وهذا منه، لكن إبطال العمل من تلقائه بدون مبرر هذا الممنوع، ولذلك يختلفون في فطر الصائم، إذا أفطر الصائم المتطوع، من أهل العلم من يقول: المتطوع أمير نفسه، ومنهم من يدخل هذه الصورة في الآية، ويلزمونه بالقضاء، الحنفية يلزمونه بالقضاء مطلقاً، سواءً كان لحاجة أو لغير حاجة، والمالكية يلزمونه بالقضاء إذا كان هناك حاجة، والحنابلة والشافعية لا يلزمونه بالقضاء؛ لأن الأصل نفل، ولا مانع من إبطاله في...، المقصود أن إبطال العمل المنهي عنه في الآية فيه كلام كثير لأهل العلم، وفيه تفاصيل ويفرقون بين العمل المنهي عنه، وفي الآية كلام كثير لأهل العلم وفيه تفاصيل، يفرقون بين العمل إذا كان فرضاً أو كان نفلاً، ويفرقون أيضاً بين المبطل هل هو لحاجة أو لغير حاجة؟ فمثل هذا لا شك أنه حاجة، إبطال الصلاة من أجل الوضوء حاجة؛ لأن الله -جل وعلا- قيد صحة التيمم بعدم الماء، وهذا واجد للماء ولو في جزء من صلاته.

"وإذا وجد المتيمم الماء وهو في الصلاة خرج فتوضأ أو اغتسل إن كان جنباً واستقبل الصلاة" يعني من جديد، يبدأ بالصلاة من جديد من تكبيرة الإحرام إلى آخرها، ولا يبني على ما مضى، يعني فيما إذا سبقه الحدث أحدث في صلاته ثم خرج فتوضأ ورجع.

جاء الخبر في أنه يبني ولا يتكلم، معنى أنه لا يبطلها بمبطل آخر، يبني والحدث فيه ضعف، والأصح في هذه المسألة أنه يستقبل؛ لأنه جاء بمبطلات، يستقبل من جديد، يعني يذهب ليتوضأ ثم يبدأ الصلاة، يشرع بها من جديد، وهنا قال: "واستقبل الصلاة" إذا كان يطوف مثلاً، وسبقه الحدث، ثم ذهب ليتوضأ، وهو ممن يرى اشتراط الطهارة للطواف، يستقبل أو يبني؟ ما الفرق بينها وبين الصلاة؟

طالب:......

كيف يستقبل؟

طالب:......

لا ما في فرق، حتى من قال: يبني قال: من أثناء الشوط ما المانع؟ ارتباط الصلاة آخرها بأولها يقتضي ذلك، نعم والطواف؟

طالب:......

لا فيه إباحة مبطلات في الصلاة، يعني في الطواف ما يباح وهو يبطل الصلاة، الكلام مثلاً، لكن إذا قلنا: إن الشوط الواحد مرتبط أوله بآخره، فإنه يستأنف من أول الشوط، وإذا قلنا: إن حكم الطواف واحد، والشوط الواحد كالأشواط يمكن تبعضه، بحيث لو أقيمت الصلاة وهو في أثناء الشوط يؤدي الصلاة ثم يعود إلى طوافه فيكمله من حيث وقف.

فوجوه الاختلاف بين الصلاة والطواف ظاهرة؛ لأنه يباح في الطواف ما لا يباح في الصلاة.

قال -رحمه الله-: "وإذا شد الكسير الجبائر وكان طاهراً ولم يعدُ بها موضع الكسر مسح عليها كلما أحدث إلى أن يحلها" شد الكسير الجبيرة على الكسر، أو المجروح يعني في جرح ليس بكسر جرح، ولُفَّت من قبل الأطباء، ورأوا أن إبقاءها مكشوفة يضر بصاحبها، ولف عليها صار لها حكم الجبيرة "وإذا شد الكسير الجبائر" إلا أن التنصيص على الكسير؛ لأنه هو الذي يحتاج الشد المتواصل، بمعنى أنه لو ربطت عليه الجبائر ما تحل مثلما تحل على الجرح، الجرح يمكن تحل في كل وقت للعلاج مثلاً، كمالوضع الدواء على هذا الجرح، أما الكسير فلا يحتاج إلى علاج إلا الشد فلا تحل، بل قد يبقى الكسير في جبيرته أياما، بل أسابيع وقد يحتاج إلى أشهر، فالتنصيص على الكسير لا يخرج الجريح، لكن حاجة الكسير إلى مواصلة الشد بحيث تمر عليه الأوقات أكثر من حاجة الجريح، ولهذا ينص عليه وإلا فالحكم واحد.

لو قلنا: إن الجريح أوصى الأطباء أنه لا يحل جرحه إلا بعد شهر صار حكمه حكم الكسير "وإذا شد الكسير الجبائر" والجبائر: جمع جبيرة كالكبائر جمع كبيرة، ما يجبر به الكسر كالأعواد مثلاً فيما يستعمل في السابق، أو الجبس فيما يستعمل في الوقت الحاضر "وإذا شد الكسير الجبائر وكان طاهراً" وكان طاهراً بهذا الشرط، أولاً: لا بد أن تشد الجبائر، وأن يكون على طهارة قبل شد هذه الجبيرة أو الجبائر، كان طاهراً بمعنى أنه لو انكسر ثم شدت عليه الجبيرة ولم يتوضأ ولم يكن طاهراً قبل يجوز له أن يمسح أو لا يجوز؟ على كلامه لا يجوز.

ما الذي يفهم من الشد؟ الشد الربط بقوة، هل نفهم من هذا أنه لو كانت الجبيرة رخوة بمعنى يمكن تحريكها عن مكانها وإمكان غسل ما تحتها وإرجاعها إلى مكانها؟ يعني هل يمكن أن نفهم هذا أو ما يمكن؟

الطالب: الظاهر أنه لا مفهوم له يا شيخ.

لو قال الأطباء مثل هذا الكسر يكفيه أن يوجد جبيرة رخوة بحيث لو حركت عن مكانها ما تضرر؛ لأننا نأخذ من كلمة شد.

طالب:......

لا تقل لي: يصلح لا يصلح هذا شيء، لكن أنا أفترض أنه يصلح، قال الأطباء: يصلح، ما يكون حكمه حكم الخاتم وتحريكه وتقديمه وتأخيره إذا أمكن غسل ما تحته من غير ضرر؟

طالب: إذا أمكن نعم.

نقول: إذا شد، يعني أنا أريد أن آخذ من كلمة إذا شد ونجعلها ماذا؟ شرطا من شروط المسح؛ لأنه إذا شد وكان طاهراً ولم.... كل هذه شروط، فإذا كانت بحيث يمكن حلها ولا يتضرر الكسر، أو يمكن تقديمها أو تأخيرها بحيث لا يتضرر الكسر فإنه لا يجوز المسح؟

طالب:......

لا، لا، الجبيرة من لفظها، ما يجبر به الكسر، كون الواقع الذي عليه الجبائر الواقع أن الجبائر لا تنفع إلا إذا شدت بقوة، نحن نفترض أن هناك جبيرة تنفع من غير شد، أو هناك نوع من الكسور ينفع فيها الجبر بدون شد، بحيث يمكن تحريكها كالخاتم.

طالب:......

لا ما يلزم التصور يا أخي في افتراض المسائل، ما يلزم التصور، أنت افهم التصور فهما، ليس بتصور واقع، التصور فهم، يعني مثل ما قالوا: لو تيمم لمس اللوح المحفوظ، تقول: ليست بمتصورة؟ قالوا هذا يا أخي، فهل يقرأ القرآن أو لا يقرأ بهذا التيمم؟ فكون الفقهاء يوردون مثل هذه الأمور، وما يدريك في يوم من الأيام يمكن يقع مثل هذا الأمر؟

لو عرج بالإمام كيف يعرج بالإمام؟ فما الحكم؟ في عروج لغير النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ المعراج خاص به، صلى الإمام بالمأمومين في صالة عمارة ما وجد مكانا أنسب منها، وفي مكان القبلة مصعد، والمكان لا يستوعب المأمومين إلا أن يكون الإمام في الصف؛ لأن الإمام سيأخذ مكان صف كامل، قالوا: افتحوا المصعد واجعلوا المحراب هو المصعد، ولما كبر الإمام عرج به، ارتفع المصعد، طلب من الدور السابع وراح للدور السابع، مسائل ما نستغرب أن تقع مثل هذه الأمور، كيف يعرج به؟ خلاص المعراج للنبي -عليه الصلاة والسلام- ما في غيره، نعم عرج به إلى السماء، وإذا عرج بالإمام هذا متصور يا أخي.

فأنت افترض أن الطبيب جعلها رخوة، يقول: هذا الكسر ما يحتمل الشد الذي يجعلها لا تتحرك، فنقول: هذه تتحرك يؤخرها ويغسل ما تحتها كالخاتم، فيكون من شرط المسح أن تكون الجبيرة مشدودة بحيث لا تتحرك، وهذا واضح من كلمة شد، يعني حينما يقول: لا يثبت على الراحلة، ما معنى ما يثبت على الراحلة؟

طالب: يحتاج إلى شد.

إلا بشده، ما معنى شده؟ يعني مثل ربط حزام الأمان، أو مثل ربط العفش كي لا يطيح ولا يتحرك؟ فرق بين الشد وبين ما هنا، الذي عندنا شدّ له مفهوم، ولذلك ما نقول: إنه ليس متصورا جبيرة بدون شد، يمكن، وما يدريك؟

طالب:......

لا هي جبيرة؛ لأنه جبر بها الكسر، لكن إذا شدت بحيث لا تتحرك امسح عليها، إذا كانت بحيث لو حركت تحركت هذه حكمها حكم الخاتم.

طالب:......

لكن بحيث لا يتأثر الجرح، بحيث لا يتأثر الكسر، لا بد من هذا.

"وكان طاهراً" لا بد من تقدم الطهارة قياساً على المسح على الخفين، ((دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين)) فلا بد من تقدم الطهارة قياساً على مسح الخف، لكن هذا الشرط محل خلاف ونزاع بين أهل العلم، ومثل هذه الأمور تحصل فجأة، وليس في النصوص التي تدل على المسح على الجبيرة كحديث علي لما انكسر إحدى زنديه، وحديث صاحب الشجة ليس فيها ما يدل على تقدم الطهارة، فالمرجح أنه لا يلزم لها تقدم طهارة.

"ولم يعدُ بها موضع الكسر" يعني ما زادت عن قدر الحاجة، الكسر يحتاج سم واحد، افترضنا أنه من أجل الحماية لهذا الكسر احتجنا إلى خمس  سم، زيادة اثنين من هنا وزيادة اثنين من هنا ليمكن الربط، نقول: هذه تعدت موضع الحاجة "ولم يعد بها موضع الكسر" أما لو قال: فرق بين موضع الكسر وبين موضع الحاجة، موضع الحاجة أوسع؛ لأنه قد يحتاج إلى ما قبل الكسر وما بعده حاجة، لكن ليس موضع الكسر، يعني لو قال: موضع الحاجة ما احتجنا إلى كلام، لكن إذا تعدى موضع الكسر احتجنا إلى خمسة  سم قبل وخمسة بعد لنتمكن من الشد، على كلامه يمسح أو ما يمسح؟ ما يمسح، لكن لو قال: "ولم يعدُ بها موضع الحاجة" وهذا هو الصحيح؛ لأن ما لا يتم الأمر إلا به فهو منه، كما أن مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فمثل هذا لا يتم التجبير إلا به فهو من التجبير، وحينئذٍ الأصل في العبارة أن يقول: ولم يعد بها موضع الحاجة، والحاجة أوسع من موضع الكسر.

"مسح عليها كلما أحدث إلى أن يحلها" وهذان السطران نعيد الكلام فيهما في بداية الدرس القادم، ونأخذ المسح على الخفين -إن شاء الله تعالى-، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.