شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (264)
المُقَدِّم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين،
أيُّها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديد في برنامجكم" شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح".
مع مطلع هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا بكم فضيلة الشيخ.
حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
المُقَدِّم: توقفنا في باب: لا تقبل صلاة بغير طهور، عند أطراف حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- لعلنا نستكمل في هذه الحلقة.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد،
فالإمام البخاري قد خرَّج الحديث في موضعين، الأول: في كتاب الوضوء، باب: لا تقبل صلاة بغير طهور، قال- رحمه الله-: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن همام بن منبه أنَّه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ»، الحديث، وسبق ذكر مناسبته.
وأمَّا الموضع الثاني: ففي كتاب الحيل، باب في الصلاة، قال- رحمه الله-: حدثني إسحاق بن نصر، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «لَا يَقْبَلُ الله صَلاةَ أحَدِكُمْ إِذا أحْدَثَ حتَّى يَتَوضَّأ».
المُقَدِّم: في كتاب الحيل؟
في كتاب الحيل، نعم، يقول ابن حجر: باب في الصلاة، أي دخول الحيلة فيها، وقال ابن حزم..، لا شك أنَّه مُشكل جدًّا إدخال الحديث في كتاب الحيل.
يقول ابن حزم في أجوبة له عن مواضع من صحيح البخاري- يعني مواضع مُشكلة- ومنها هذا، يقول: مطابقة الحديث للترجمة أنَّه لا يخلو إمَّا أن يكون المرء طاهرًا متيقنًا الطهارة، أو محدثًا متيقنًا للحدث، وعلى الحالين ليس لأحد أن يُدخل في الحقيقة حيلة، إمَّا أن يكون طاهرًا متيقنًا للطهارة، أو مُحدثًا متيقنًا للحدث، يقول: وعلى الحالين ليس لأحد أن يُدخل في الحقيقة حيلة، يعني حقيقة الطهارة أو حقيقة.. الحدث، فإنَّ الحقيقة إثبات الشيء صدقًا أو نفيه صدقًا، فما كان ثابتًا حقيقة فنافيه بحيلة مُبطل، وما كان منتفيًا فمثبته بالحيلة مُبطل، ظهرت المناسبة أم ما ظهرت؟
المُقَدِّم: بلى، اتضحت، يعني الخط الذي بينهم هو الحيلة.
الآن إمَّا أن يكون طاهرًا متيقن الطهارة.
المُقَدِّم: واضحة.
أو يكون مُحدثًا متيقن الحدث، ما يبقى عندنا إلا أن يكون متيقن الطهارة شاكّ في الحدث، أو العكس.
المُقَدِّم: نعم.
متيقن الحدث شاكّ في الطهارة، لكن يبقى على هذا يعني المناسبة فيها شيء من القلق.
المُقَدِّم: صحيح.
ويقول ابن المُنَيِّر: أشار البخاري بهذه الترجمة إلى الرد على قول من قال بصحة صلاة من أحدث عمدًا في أثناء الجلوس الأخير، ويكون حدثه كسلامه بأنَّ ذلك من الحيل لتصحيح الصلاة مع الحدث.
ويقول الكرماني: وجه أخذه من الترجمة أنَّهم حكموا بصحة الصلاة مع الحدث، حيث قالوا: يتوضأ ويبني، هل في هذا تحايل؟ لأنَّه جاء فيه حديث لكنه ضعيف، ما فيه وجه للتحايل.
المُقَدِّم: حديث في هذا الموضع يا شيخ؟
نعم، «إذا أحدث أحدكم في الصلاة فلينصرف ثم يتوضأ وهو في ذاك كله لا يتكلم وليبن على صلاته»، لكن ما فيه حيلة.
المُقَدِّم: صحيح.
لا حيلة فيها، يقول الكرماني: وجه أخذه من الترجمة أنَّهم حكموا بصحة الصلاة مع الحدث، حيث قالوا: يتوضأ ويبني. ونقل ابن التين عن الداودي ما حاصله أنَّ مناسبة الحديث للترجمة أنَّه أراد أنَّ من أحدث وصلى ولم يتوضأ وهو يعلم أنَّه يخادع الناس بصلاته، فهو مبطل كما خدع مهاجر أم قيس أمَ قيس بهجرته، وخادع الله وهو يعلم أنَّه مطلع على ضميره.
الكلام هذا ظاهر أم ليس بظاهر؟
المُقَدِّم: ظاهر.
يقول فيما نقله ابن التين عن الداودي ما حاصله: أنَّ مناسبة الحديث للترجمة أنَّه أراد أنَّ من أحدث وصلى ولم يتوضأ وهو يعلم أنَّه يخادع الناس بصلاته، فهو مبطل كما خدع مهاجر أم قيس أم قيس بهجرته، وخادع الله وهو يعلم أنَّه مطلع على ضميره.
وزعم بعض المتأخرين أنَّ البخاري أراد الرد على من زعم أنَّ الجنازة إذا حضرت وخاف فوتها أنَّه يتيمم، وكذا من زعم أنَّه إذا قام لصلاة الليل فبعد عنه الماء وخشي إذا طلبه أن يفوته قيام الليل أنَّه تُباح له الصلاة بالتيمم، ولا يخفى تكلفه. يعني هذا تحايل لإدراك صلاة الجنازة، وتحايل لإدراك صلاة الليل يقول: أراد الرد على من زعم أنَّ الجنازة إذا حضرت وخاف فوتها أنَّه يتيمم، هذا معروف عند شيخ الإسلام.
المُقَدِّم: نعم، هو رأي شيخ الإسلام.
معروف، وكذا من زعم أنَّه إذا قام لصلاة الليل فبعد عنه الماء وخشي إذا طلبه أن يفوته قيام الليل أنَّه تُباح له الصلاة بالتيمم، ولا يخفى تكلفه، يعني يتحايل على رفع الحدث، على رفع الحدث خشية فوت الصلاة، ولا شك أنَّ مثل هذا إن كان مباحًا وصحيحًا فلا حيلة فيه، وإن كان لا يرفع الحدث التيمم في هاتين الصورتين، فلا فائدة منه.
هذه المسائل لا سيما المسألة الواردة في كلام ابن حزم، لا، في كلام ابن المُنَيِّر حينما أنَّ البخاري أراد الرد على من قال بصحة صلاة من أحدث عمدًا في أثناء الجلوس، ويكون حدثه كسلامه بأنَّ ذلك من الحيل لتصحيح الصلاة مع الحدث، وفي كلام الكرماني أيضًا أنَّهم حكموا بصحة الصلاة مع الحدث، حيث قالوا: يتوضأ ويبني، هذه كلها عند الحنفية معروفة، فما موقف العيني وهو حنفي؟ لكون البخاري أراد الرد عليهم في هذه المسائل.
المُقَدِّم: ماذا سيكون موقفه؟
نعم، فيقول العيني بعد أن رد على الكرماني،" قلت: لَا مُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة أصلًا فَإِنَّهُ لَا يدل أصلًا على شَيْء من الْحِيَل".
لا شك أنَّ المناسبة فيها خفاء وغموض شديد، فيها خفاء، ولا تظهر الحيلة إلا إذا أراد أن يوهم غيره أنَّه يصلي وهو محدث، والصلاة مع الحدث مع العلم به عند الحنفية أمرها عظيم، يكفر بهذا؛ لأنَّه مستهزئ ومستخف، لكن إذا كان له غريم وأراد أن يُطمئنه بالصلاة مثلًا حتى إذا أراد أن ينصرف هذا الغريم قطع هذه الصلاة؛ لأنَّها ليست بصلاة أصلًا.
المُقَدِّم: تمثيل يعني.
تمثيل نعم، هذه حيلة لاقتناص الغريم هذا، أو حيلة لانصراف الغريم إذا كان هو المدين، تظهر الحيلة هنا.
المُقَدِّم: صحيح.
نعم، لانصراف المدين في هذه الصورة.
المُقَدِّم: وكتب بعضهم شعرًا في هذا.
ماذا قال؟
المُقَدِّم: يعني شعر نبطي فيما يتعلق بتمثيل الصلاة من أجل ذهاب الغريم في الدائن والمدين، وعُرف عند الناس هذا.
على كل حال قد يُسلك مثل هذا، والحيلة ظاهرة في مثل هذا، يتحايل لانصراف الغريم إذا كان مدينًا، أو لاقتناص الغريم إذا كان دائنًا، يعني هنا تظهر الحيلة، وفي الحالين على غير وضوء. تظهر الحيلة أيضًا يعني إذا أردنا أن نُنَظِّر الحيلة في الصلاة بالحيلة في الصيام، قد يتحايل الصائم على إسقاط الكفارة في الوطء في نهار رمضان.
المُقَدِّم: بالسفر.
بالسفر مثلًا نعم، أو يقول يتحايل على ذلك بأن يُفطر بغير جماع، يتعمد الإثم ويرتكبه ويفطر بغير عذر بأكل أو شرب.
المُقَدِّم: حتى تسقط عنه كفارة الجماع.
ثم بعد ذلك يتحايل لإسقاط الكفارة، على كل حال مثل ما قلنا، إدخال الحديث في كتاب الحيل فيه خفاء وغموض، حتى إنَّ العيني قال:" لَا مُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة أصلًا، فَإِنَّهُ لَا يدل أصلًا على شَيْء من الْحِيَل"، لكن فيما ذكرناه من التحايل على الغريم، أو على المدين تظهر الحيلة، والله المستعان.
الحديث خرَّجه أيضًا مسلم، فهو متفق عليه.
المُقَدِّم: قال- رحمه الله تعالى-:" وعنه- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثارِ الْوُضُوءِ». فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ»".
قول المؤلف: «وعنه» أي عن أبي هريرة راوي الحديث السابق المختلف في اسمه، واسم أبيه على ما تقدم على أكثر من ثلاثين قولًا، وهو راوية الإسلام، وحافظ الأُمَّة الصحابي الجليل، وقد مرَّ ذكره مرارًا.
وهذا الحديث ترجم عليه الإمام البخاري بقوله: باب فضل الوضوء والغر المحجلون من آثار الوضوء، يقول ابن حجر: والغر المحجلون، كذا في أكثر الروايات بالرفع، وهو على سبيل الحكاية؛ لما ورد في بعض طرق الحديث «أنتم الغُرُّ المحجلون»، وهو عند مسلم، أو الواو استئنافية، هذا كلام ابن حجر، أو الواو استئنافية، والغر المحجلون مبتدأ وخبره..، مبتدأ الغر مبتدأ، المحجلون وصفه وخبره محذوف تقديره لهم فضلٌ، أو الخبر قوله: «من آثار الوضوء» وفي رواية المستملي «والغر المحجلين» بالعطف على الوضوء، أي وفضل الغر المحجلين كما صرح به الأصيلي في روايته، يعني ما فيه إشكال «والغر المحجلين»؛ لأنَّه معطوف على مجرور مضاف إليه.
المُقَدِّم: موجود في الأصل كهذه يا شيخ؟
نعم.
المُقَدِّم: الكتاب الذي بين أيدينا.
ماذا فيه؟
المُقَدِّم: لأنَّ المختصر كعادته في الأخطاء.
ماذا قال؟
المُقَدِّم: قال: فضل الوضوء، واكتفى به.
فضل الوضوء والغر المحجلون من آثار الوضوء، هذا الترتيب هو الصحيح.
المُقَدِّم: ولذلك نحن ذكرنا في أكثر من مناسبة، ذكرتم أنَّ إدخال الترجمة هنا من صنع المحقق المتأخر.
غلط، نعم.
المُقَدِّم: وليس من صنع الزبيدي.
نعم، غلط، يتركه بغير تراجم، أو يكتب تراجم جانبية، يذكر التراجم في الجانب.
العيني تعقب ابن حجر في قوله: "أو الواو استئنافية" تعقبه العيني قال: قلتُ: بل الواو عاطفة؛ لأنَّ التقدير باب فضل الوضوء، وباب هذه الجملة، تكون إضافة باب إلى الجملة بمبتدئها وخبرها، لا إلى المفرد. في انتقاض الاعتراض لابن حجر ذكر القولين ولم يعقب عليهما، يعني ما رد على العيني، كلامه جيد يعني، كلام العيني.
في عمدة القاري يقول: قال بعض الشراح: والغر المحجلون بالرفع وإنَّما قطعه عما قبله؛ لأنَّه ليس من جملة الترجمة، يعني الترجمة باب فضل الوضوء، قال بعض الشراح: والغر المحجلون بالرفع، وإنَّما قطعه عما قبله؛ لأنَّه ليس من جملة الترجمة، يعني يستقيم كون الواو استئنافية على هذا، لكنَّ العيني قال: ليس الأمر كما قال، بل هو من جملة الترجمة؛ لأنَّه هو الذي يدل عليها صراحة؛ لمطابقة ما في حديث الباب إيَّاها على ما نذكره عن قريب، إن شاء الله تعالى، والمشار إليه في كلام العيني هو الزركشي في التنقيح، تنقيح شرح الجامع الصحيح مختصر جدًّا جدًّا، يعني أقل من حجم الصحيح بكثير، يعني طُبع في ثلاثة أجزاء صغيرة.
يقول الكرماني: "الغر المحجلون بالرفع، ووجهه أن يكون الغر مبتدأً وَخَبره محذوفًا أَي مفضلون على غَيرهم أو نَحْوه". نعم، يعني نظير ما تقدم في كون الواو استئنافية، أَو يكون من آثَار الْوضُوء خَبره أَي الغر المحجلون منشؤهم آثَار الْوضُوء، والباب مضاف إلى الجملة" يعني كأنَّ العيني استفاد ما تقدم من كلام الكرماني، أي باب فضل الوضوء، وباب هذه الجملة، وَيحْتَمل أَن يكون مَرْفُوعًا على سَبِيل الْحِكَايَة" يعني على ما تقدم في كلام ابن حجر، "مِمَّا ورد هَكَذَا أمتِي الغر المحجلون من آثَار الْوضُوء"، في كلام ابن حجر عند مسلم «أَنْتُم الغر المحجلون»، وعلى كل حال خلاصة ما قاله العيني وما قاله ابن حجر كله موجود في كلام الكرماني؛ لأنَّه الأصل لهذه الشروح، وهو أقدمها.
يقول العيني:" فَإِن قلت: مَا وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ؟" هذا الباب باب فضل الوضوء، والذي قبله باب: لا تقبل صلاة بغير طهور، "ما وجه المناسبة بين البابين؟ قلت: من حَيْثُ إن الْمَذْكُور فِي الْبَاب السَّابِق عدم قبُول الصَّلَاة إِلَّا بِالْوضُوءِ" «لا تُقبل صلاة من غير طهور»، وَالْمَذْكُور فِي هَذَا الْبَاب فضل هَذَا الْوضُوء الَّذِي يحصل بِهِ الْقبُول ويفضل بِهِ على غَيره من الْأُمَم".
يقول العيني: "مُطَابقَة الحَدِيث للترجمتين ظَاهِرَة"، أين الترجمتان؟
المُقَدِّم: الذي هو باب فضل الوضوء والغر المحجلون.
نعم، يعني الباب الذي ترجم به على الحديث، وهو مكون من جملتين، وهما في الحقيقة ترجمتان، "مُطَابقَة الحَدِيث للترجمتين ظَاهِرَة، أمَّا مطابقته للأولى وَهِي قَوْله فضل الْوضُوء فبطريق سوق الْكَلَام لَهُ"، ويأتي توضيحها من كلام ابن حجر،" وَأمَّا مطابقته للثَّانِيَة وَهِي قَوْله والغر المحجلين من آثَار الْوضُوء فبطريق التَّصْرِيح فِي لفظ الحَدِيث"، يعني مطابقة الحديث للشق الثاني من الترجمة ظاهرة، وأمَّا مطابقته للشق الأول يقول العيني:" فبطريق سوق الْكَلَام لَهُ". ويقول ابن حجر في وجه المناسبة المذكورة معنى ما ترجم له من فضل الوضوء، في الحديث معنى ما ترجم له من فضل الوضوء؛ لأنَّ الفضل الحاصل بالغرة والتحجيل من آثار الزيادة على الواجب، فكيف الظن بالواجب؟
لكن هل الغرة من آثار الزيادة على الواجب، أو من آثار الواجب؟
المُقَدِّم: الذي يظهر أنَّها من آثار الواجب.
الواجب والزيادة عليه، كلاهما، والأصل هو الواجب، والغرة هي مكان الواجب، وإطالتها الزيادة على الواجب.
«إِنَّ أُمَّتِي» الأُمَّة في اللفظ واحد، وفي المعنى جمع، قاله الكرماني.
المُقَدِّم: إطالتها، تقول يا شيخ قبل قليل، إطالتها.
نعم، الزيادة على الواجب.
المُقَدِّم: على اعتبار أنَّ هذا من كلامه- صلى الله عليه وسلم-.
سيأتي تفصيل هذا إن شاء الله تعالى. الأُمَّة في اللفظ واحد، وفي المعنى جمع، وهي في اللغة كما في عمدة القاري: الجماعة، وكل جنس من الحيوان أُمَّة، يقول العيني:" وَفِي الحَدِيث «لَوْلَا أَن الْكلاب أمة من الْأُمَم لأمرت بقتلها»، وتستعمل فِي اللُّغَة لمعانٍ كَثِيرَة "الأمر بقتل الكلاب ثابت لكنه نُسخ، "وتستعمل فِي اللُّغَة الأُمَّة لمعانٍ كَثِيرَة: الطَّرِيقَة وَالدّين، يُقَال: فلَان لَا أمة لَهُ أَي لَا دين لَهُ وَلَا نِحلة لَهُ، والآن كما في قوله تعالى: {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} [يوسف:45]، أي بعد حين، وَالْملك وَالرجل الْجَامِع للخير.
المُقَدِّم:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل:120].
نعم، {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل:120]، "وَالرجل الْمُنْفَرد بِدِينِهِ لَا يشركهُ فِيهِ أحد، وَالْأمة اتِّبَاع الْأَنْبِيَاء- عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام-" يعني كل من يتبع نبيًّا، الجمع الذين يتبعون نبيًّا واحدًا أُمَّة، قالوا: أُمَّة محمد، أُمَّة موسى، أُمَّة عيسى، أُمَّة كذا، نعم، قلوا أو كثروا.
"وَأمة مُحَمَّد- صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- تطلق على مَعْنيين أمة الدعْوَة، وَهِي من بعث إِلَيْهِم النبي- صلى الله عليه وسلم-، وَأمة الْإِجَابَة وَهِي من صدقه وآمن بِهِ وَهَذِه هِيَ المراد من الحديث" أُمَّة الإجابة الذين استجابوا وامتثلوا.
يقول ابن بطال: قال أبو محمد الأصيلي: هذا الحديث يدل على أنَّ هذه الأُمَّة مخصوصة بالوضوء من بين سائر الأمم، قال غيره: وإذا تقرر هذا بطل ما روي عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنَّه توضأ ثلاثًا ثلاثًا، فقال:« هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي»، وهو حديث لا يصح سنده، ومداره على زيد العمي عن معاوية بن قرة عن ابن عمر، وزيد ضعيف.
تقدمت الإشارة إلى هذه المسألة، وأنَّ الوضوء ليس من خصائص هذه الأُمَّة، وأنَّ سارة زوجة إبراهيم توضأت لمَّا أرادها الجبار، وجريج أيضًا توضأ، كلها أحاديث صحيحة، تقدم هذا وأنَّ الخصيصة لهذه الأُمَّة هي الغرة والتحجيل.
«إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ» يقول الكرماني: "إمَّا من الدُّعَاء بِمَعْنى النداء يُنادون، وإمَّا من الدعاء بِمَعْنى التَّسْمِيَة نَحْو دَعَوْت ابْني زيدًا أَي سميته بِهِ".
« يَوْم الْقِيَامَة على رؤوس الأشهاد» حال كونهم غرًّا، كذا في القسطلاني، يعني غرًّا حال، نعم، غرًّا حال، قاله القسطلاني.
وقال العيني:" يَوْم من الْأَسْمَاء الشاذة؛ لوُقُوع الْفَاء وَالْعين فِيهِ حرفي عِلّة".
المُقَدِّم: الياء والواو.
" لوُقُوع الْفَاء وَالْعين فِيهِ حرفي عِلّة فَهُوَ من بَاب وَيْح وويل وَهُوَ- يعني اليوم- اسْم لبياض النَّهَار، وَهُوَ من طُلُوع الْفجْر الصَّادِق إِلَى غرُوب الشَّمْس" يعني يريد أنَّه في مقابل الليلة، يعني مكثت بين يوم وليلة، أو مكثت ثلاثين كما في كلام أبي ذر بين يوم وليلة، فهو مقابل لليلة.
"وَالْقِيَامَة فعالة من قَامَ يقوم، وَأَصلهَا قِوامَة قلبت الْوَاو يَاءً؛ لانكسار مَا قبلهَا".
«غُرًّا مُحَجَّلِينَ» يقول الزركشي في الشرح الذي أشرنا إليه آنفًا، اسمه التنقيح، يقول الزركشي:" فيه وجهان، أحدهما: أنَّه مفعول ليدعون على تضمنه يسمون، وثانيهما: حال، أي يدعون إلى يوم القيامة وهم بهذه الصفة، فيتعدى يدعون في المعنى بالحرف، كقوله: {يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ} [آل عمران:23]، كلام الزركشي، «غُرًّا مُحَجَّلِينَ» الزركشي يقول: فيه وجهان، أحدهما أنه مفعول ليدعون على تضمنه يسمون، وثانيهما: حال، أي يدعون إلى يوم القيامة وهم بهذه الصفة، فيتعدى يدعون في المعنى بالحرف، كقوله: {يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ} [آل عمران:23]" وتُعقب الزركشي بكلام يحتاج إلى شيء من التفصيل، ولعله.
المُقَدِّم: في حلقة قادمة.
يُرجأ في الحلقة القادمة.
المُقَدِّم: أحسن الله إليكم، ونفع بعلمكم، نتوقف عند هذا على أن نستكمل بإذن الله تعالى في حلقة قادمة وأنتم على خير، أيُّها الإخوة والأخوات، بهذا نصل إلى ختام حلقتنا من شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، لقاؤنا بكم بإذن الله في حلقة قادمة، شكرًا لطيب متابعتكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.