شرح الموطأ - كتاب الطهارة (1)

كتاب الطهارة:

باب العمل في الوضوء:

عن مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أنه قال لعبد الله بن زيد بن عاصم، وهو جد عمرو بن يحيى المازني، وكان من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ؟ فقال عبد الله بن زيد بن عاصم: نعم، فدعا بوَضوء فأفرغ على يده فغسل يديه مرتين مرتين ثم تمضمض واستنثر ثلاثًا، ثم غسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين، ثم مسح رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه.

عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينثر، ومن استجمر فليوتر)).

عن مالك عن ابن شهاب عن أبي إدريس الخولاني عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من توضأ فليستنثر، ومن استجمر فليوتر)).

قال يحيى قال: سمعت مالكًا يقول في الرجل يتمضمض ويستنثر من غرفة واحدة: إنه لا بأس بذلك.

عن مالك أنه بلغه أن عبد الرحمن بن أبي بكر قد دخل على عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم مات سعد بن أبي وقاص فدعا بوضوء فقالت له عائشة: يا عبد الرحمن أسبغ الوضوء فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ويل للأعقاب من النار)).

عن مالك عن يحيى بن محمد بن طحلاء عن عثمان بن عبد الرحمن أن أباه حدثه أنه سمع عمر بن الخطاب يتوضأ بالماء لما تحت إزاره.

قال: سئل مالك عن رجل توضأ فنسي فغسل وجهه قبل أن يتمضمض أو غسل ذراعيه قبل أن يغسل وجهه فقال: أما الذي غسل وجهه قبل أن يتمضمض فليمضمض، ولا يعد غسل وجهه، وأما الذي غسل ذراعيه قبل وجهه فليغسل وجهه ثم ليعد غسل ذراعيه حتى يكون غسلهما بعد وجهه إذا كان ذلك في مكانه أو بحضرة ذلك.

قال: وسئل مالك عن رجل نسي أن يتمضمض ويستنثر حتى صلى قال: ليس عليه أن يعيد صلاته وليمضمض ويستنثر ما يستقبل، إن كان يريد أن يصلي.

بعد أن أنهى الإمام -رحمه الله تعالى- الكلام على شرط من شروط الصلاة، وهو الوقت، شرع في بيان شرط آخر وهو الطهارة، فقال:

كتاب الطهارة:

باب العمل في الوضوء:

يقول:

كتاب الطهارة:

عرفنا أن أكثر المصنفين يبدؤون بكتاب الطهارة؛ لأهميتها، وهي مفتاح الصلاة، و((لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ)) و((لا تقبل صلاة بغير طهور)) النصوص كثيرة في هذا، الطهارة شرط بالإجماع.

باب العمل في الوضوء:

الطهارة أعم من أن تكون بالماء أو ببدله، أو أن تكون عن حدث أكبر أو أصغر، المقصود أن الطهارة شرط في صحة الصلاة.

باب العمل في الوضوء:

يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أنه قال لعبد الله بن زيد بن عاصم" هذا راوي صفة الوضوء، وهو غير عبد الله بن زيد بن عبد ربه راوي الأذان غيره، عبد الله بن زيد بن عاصم يقول: وهو جد عمرو بن يحيى المازني، يقول الحافظ ابن حجر: هذا فيه تجوز، لماذا؟ لأن عبد الله بن زيد بن عاصم عم لأبيه، وليس جَدًّا له، وسماه جدًّا لكونه في منزلته، في منزلة جده "وكان من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال لعبد الله بن زيد بن عاصم: هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ؟" هل تستطيع؟ ماذا يفهم من هذا الأسلوب؟ هل تستطيع؟ نعم هو تطبيق عملي، لكن ما معنى هل تستطيع؟ يعني ما قال: صف لي، أو توضأ لي، أرني كيف كان يتوضأ؟ هل تستطيع؟ نعم، هم يقولون: فيه ملاطفة، لكن الاستعمال الآن لمثل هذا الأسلوب فيه ملاطفة أم فيه..؟ نعم كأن فيه شيء من التعجيز، وإلا فالشروح كلهم يقولون: هذا فيه ملاطفة، لا سيما مع كبر سنه، وطول عهده، مع طول العهد، وهذا عم أبيه بمنزلة جده، هل تستطيع؟ يعني: هل تستطيع أن تصف كما رأيت أو نسيت شيئًا من ذلك، أو اختلط عليك الأمر؟ لا شك أن الطلب المقرون بالاستطاعة فيه تخفيف للطلب، يعني كونك تقول لشخص: أعطني هذا فيه مشقة، لكن إن كنت تقدر يا أخي أعطني هذا، أو تستطيع إن كان ما يشق عليك، هذا فيه ملاطفة لا شك "هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ؟ فقال عبد الله بن زيد بن عاصم: نعم، فدعا بوَضوء" الوَضوء بفتح الواو: الماء الذي يتوضأ به، وبضمها الوُضوء الفعل، "فأفرغ على يده فغسل يديه مرتين مرتين، واستنثر ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، وغسل يديه مرتين" ثبت في صفة وضوئه -عليه الصلاة والسلام- أكثر من كيفية، فتوضأ -عليه الصلاة والسلام- مرة مرة لكل عضو، وثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه توضأ مرتين مرتين، وثلاثًا ثلاثًا، وثبت عنه كما في هذا الحديث أنه توضأ -يقول أهل العلم-: ملفقًا، يعني بعض الأعضاء مرة، وبعض الأعضاء مرتين، وبعضها ثلاث، كل هذا جائز.

هنا يقول: "فأفرغ على يده فغسل يديه مرتين مرتين" والمراد بغسل اليدين هنا غسل الكفين، وليس المراد غسل اليدين الذي هو من فرائض الوضوء "فغسل يديه مرتين مرتين، ثم تمضمض واستنثر ثلاثًا" غسل اليدين سنة ما لم يكن الشخص قائم من النوم على ما سيأتي، يستيقظ من النوم على خلاف ذلك، أو يكون عليهما نجاسة فلا بد من غسلهما، وما عدا ذلك غسلهما قبل الوضوء سنة "فأفرغ على يده فغسل يديه مرتين مرتين" بعض من ذكر صفة وضوئه -عليه الصلاة والسلام- قال: فأفرغ على يديه من الإناء ثلاثًا، في حديث عثمان وغيره: ثم تمضمض واستنثر ثلاثًا، ويأتي ما في المضمضة والاستنشاق من بيان للحكم.

والمضمضة إدخال الماء في الفم مع التحريك، وهل المج وإخراج الماء من الفم من مسمى المضمضة أو قدر زائد عليها؟ يقول: ثم تمضمض، إدخال الماء في الفم مع تحريكه هذه مضمضة، لكن مج الماء بعد ذلك هل هو من مسمى المضمضة أم لا؟ بمعنى أنه لو أدخل الماء ثم حركه فابتلعه نقول: تمضمض أم لا؟ بعض كتب اللغة يدخل المج في مسمى المضمضة، وعلى هذا لا تتم المضمضة إلا بعد مج الماء، وإخراجه من الفم، ومنهم من يقتصر على إدخاله في الفم وتحريكه، والتحريك من مقتضى الصيغة، المضمضة التي هي كالخضخضة تحريك.

"واستنثر ثلاثًا" استنثر عندنا استنشاق واستنثار، هذا الاستنشاق جذب الماء بالنفس إلى داخل الأنف هذا استنشاق والاستنثار إخراج الماء من الأنف بالنفس، وعندنا في الحديث اقتصر على الاستنثار من باب الاكتفاء، فالاستنثار لا بد أن يتقدمه استنشاق، وإن قال بعضهم: إن الاستنثار هو الاستنشاق، لا، نقول: من لازمه الاستنشاق، بدليل الجمع بينهما في بعض النصوص، في بعض النصوص استنشق واستنثر ثلاثًا، فيحمل الاستنشاق على إدخال الماء وجذبه إلى داخل الأنف بالنفس، والاستنثار يحمل على إخراجه من الأنف بالنفس.

"ثم غسل وجهه ثلاثًا" فيه تقديم غسل الكفين قبل إدخالهما الإناء، ثم المضمضة والاستنشاق، ثم بعد ذلك غسل الوجه ثلاثًا "ثم غسل وجهه" عطف الوجه على المضمضة والاستنشاق، العطف يقول أهل العلم: إنه يدل على على المغايرة، إذًا الاستنشاق والاستنثار غير غسل الوجه، ويأتينا في بيان حكم المضمضة والاستنشاق أن الفم والأنف داخلان في الوجه مع خلاف في ذلك، كما سيأتي -إن شاء الله تعالى-، وعطف الوجه عليهما دال على المغايرة.

"ثم غسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل يديه إلى المرفقين" وإلى هنا غاية والغاية داخلة بدليل ما جاء في وصف وضوئه -عليه الصلاة والسلام- وأنه أدار الماء على مرفقيه، وغسل يديه حتى أشرع في العضد، فدل على أن المرفقين داخلان، وإن كان دخول الغاية في المغيا ليس مطردًا.

"ثم مسح رأسه بيديه" يعني بالماء الذي بيديه، المبلولتين بالماء "فأقبل بهما وأدبر" أقبل وأدبر، بدأ بمقدم رأسه، الجملة الثانية توضيحية للأولى، لكن هل بينهما اتفاق أم بينهما اختلاف؟ ذكرت الثانية لتوضيح الأولى، أقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه، يعني لو لم يقل بدأ بمقدم رأسه، نفهم من قوله: فأقبل بهما وأدبر أنه بدأ بمؤخر رأسه، لو لم تأتِ الثانية لبيان الحال، بيان الواقع، لبيان الجملة الأولى لقلنا: إن البداءة بالمؤخر، أقبل، والإقبال يكون إلى جهة الوجه، والإدبار إلى جهة القفا، وللتوفيق بين الجملتين إما أن نقول: إن الواو لا تقتضي الترتيب، نعم، فيكون الأمر فيه سعة، لا تقتضي الترتيب الواو، كما هو الأصل فيها، أو نقول -مع أن فيه تكلف لما قاله دقيق العيد-: فأقبل بهما إلى قفاه، وأدبر بهما عنه، يعني عن القفا، أقبل بهما إلى قفاه، كذا قال ابن دقيق العيد، وفيه تكلف، لكن كون الواو لا تقتضي ترتيبًا يُحل الإشكال.

"بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما" واضح "حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه، وهو مقدم الرأس، ثم غسل رجليه" هكذا وصف عبد الله بن زيد وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفيه غسل اليدين قبل الوضوء، ثم المضمضة والاستنشاق، ثم غسل الوجه، ثم غسل اليدين إلى المرفقين، ثم بعد ذلك مسح الرأس، ثم بعد ذلك غسل الرجلين، هذه صفة الوضوء إجمالًا.

وذكرنا في أول الكلام أن النبي توضأ مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثًا ثلاثًا، وتوضأ ملفقًا كما هنا، بمعنى أنه غسل بعض الأعضاء مرتين، وبعضها ثلاثًا، والمسح بالرأس مرة واحدة؛ لأنه لم يذكر معه عدد، وسيأتي بيان ذلك كله -إن شان الله تعالى-.

يقول: "وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء، ثم لينثر، ومن استجمر فليوتر))".

إذا توضأ أحدكم: توضأ فعل ماض، ومقتضى الفعل الماضي أن يكون بعد الفراغ؛ لأنه أمر مضى، يعني كأنه قال: إذا توضأ وانتهى من الوضوء فليجعل في أنفه ماء، لكن هل هذا الظاهر مراد؟ ليس مرادًا؛ لأن الماضي يطلق ويراد به الفراغ من الشيء كما هو الأصل، ويطلق ويراد به إرادة الشيء، ويطلق ويراد به الشروع في الشيء، يعني إذا قال شخص: إذا جاء زيد أكرمتك، هل يكفي في ذلك إرادة زيد المجيء؟ نعم لا يكفي، هل يكفي في ذلك شروع زيد في المجيء؟ إذا ركب الدابة من بلده، والمسافة تحتاج إلى أيام، نقول: خلاص جاء زيد، يعني شرع في المجيء؟ أو إذا فرغ وحصل المجيء كاملًا؟ هذا الأصل، لكن ماذا عن مثل قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [(6) سورة المائدة] {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ} [(98) سورة النحل] المراد بذلك إذا أردت، فإذا قرأت القرآن إذا أردت القراءة، خلافًا لأهل الظاهر، حملوه على أصله، وقالوا: الاستعاذة بعد الفراغ من القراءة.

((إذا كبر فكبروا)) يعني: إذا فرغ من التكبير كبِّر، لكن ماذا عن قوله: ((وإذا ركع فاركعوا))؟ إذا فرغ من الركوع نركع؟ نعم؟ لا، إذا أراد الركوع نركع، لا إذا شرع في الركوع نركع ((إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء)) يعني: إذا شرع في الوضوء فليجعل في أنفه ماء ((ثم فلينثر)) هذا أمر، فليجعل؛ اللام لام الأمر، هذا دليل على وجوب الاستنشاق، وجاءت فيه نصوص، هذا وغيرها، والنصوص فيه أقوى مما جاء في المضمضة، والحاجة إلى تنظيفه أدعى إلى الحاجة من تنظيف الفم، نعم، وهو مفتوح، نعم، أم الفم الأصل أنه مغلق، يعني إذا توضأ؛ ولذا جاء في تنظيفه من النصوص أكثر مما جاء في المضمضة ((فليجعل في أنفه ماء ثم لينثر)) فهذا الحديث يدل على وجوب الاستنشاق، وجاء أيضًا ما يدل على وجوب المضمضة ((إذا توضأت فمضمض)) ويستدل بالوجوب، أو يستدل من قال بالوجوب، أن الفم والأنف داخلان في الوجه؛ لأن الذي لا يقول بالوجوب يقول: المضمضة والاستنشاق لم تذكر في أية الوضوء، نعم، الواجب غسل الوجه، من يقول بالواجب يقول: إن الفم والأنف من مسمى الوجه، وداخلان فيه، ومن يقول بعدم الوجوب يقول: إن الوجه ما تحصل به المواجهة، والمواجهة لا تحصل بالفم ولا بالأنف، على كل حال الحكم في هذا النصوص جميع من وصف وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر أنه تمضمض واستنشق، وفعله -عليه الصلاة والسلام- بيان للواجب المأمور به، إضافة إلى ما جاء من الأوامر الخاصة بالمضمضة والاستنشاق، وفيها الأمر أوضح وأكثر.

((فليجعل في أنفه ماء)) يعني يستنشق ((ثم لينثر)) يخرج هذا الماء ((ومن استجمر فليوتر)) استجمر: استعمل الحجارة لإزالة الأثر الخارج ((استجمر فليوتر)) استعمل الحجارة، يقطع هذا الاستعمال على وتر، وأقل المجزي -على ما سيأتي- ثلاثة أحجار، لكن إن احتاج إلى رابع يستحب له أن يوتر فيزيد خامسًا، وهذا هو التفسير المعتمد للاستجمار هنا عند الأكثر، وإن زعم بعضهم أن المراد به استعمال المجمرة البخور الطيب، استجمر يعني: استعمل المجمرة، يتطيب مرة أو ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا، أو ما أشبه ذلك، يقطعه على وتر، لكن المعتمد في تفسيره عند عامة أهل العلم أن المراد به استعمال الحجارة في إزالة الأثر الخارج من السبيلين، والله المستعان.

عن مالك عن زيد بن أسلم أنه قال: عَرَّسَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة بطريق مكة، ووُكل بلال أن يوقظه للصلاة، فرقد بلال ورقدوا، حتى استيقظوا وقد طلعت عليهم الشمس، فاستيقظ القوم وقد فزعوا، فأمرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يركبوا حتى يخرجوا من ذلك الوادي وقال: ((إن هذا وادٍ به شيطان)) فركبوا حتى خرجوا من ذلك الوادي، ثم أمرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ينزلوا، وأن يتوضأوا، وأُمر بلال أن ينادي بالصلاة أو يقيم، فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالناس، ثم انصرف إليهم، وقد رأى من فزعهم، فقال: ((يا أيها الناس إن الله قبض أرواحنا ولو شاء لردها إلينا في حين غير هذا، فإذا رقد أحدكم عن الصلاة أو نسيها، ثم فزع إليها فليصلها كما كان يصليها في وقتها)) ثم التفت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أبي بكر فقال: ((إن الشيطان أتى بلالًا وهو قائم يصلي فأضجعه، فلم يزل يهدئه كما يهدّأ الصبي حتى نام)) ثم دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بلالًا، فأخبر بلال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثل الذي أخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر، فقال أبو بكر: أشهد أنك رسول الله.

يقول: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم أنه قال: عَرَّس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وعرفنا التعريس النوم في آخر الليل، وزيد بن أسلم أدرك النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ نعم؟

طالب:........

لا، فالخبر مرسل في جميع روايات الموطأ، كما قال ابن عبد البر وغيره "أنه قال: عرس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة بطريق مكة" وهناك حين قفل، رجع من خيبر، القصة واحدة أو متعددة؟ نعم؟ هناك قفل من خيبر، وهنا في طريق مكة، نعم، يعني نحن متصورون المواقع، موقع المدينة ومكة في جهة، يعني تختلف الجهة أم لا تختلف؟ نعم؟

طالب:......

جميع، الآن أم قبل؟

طالب:......

الآن، تتكلم بعلم؟ تعرف هذا الطريق أنه يؤدي إلى مكة وخيبر.

طالب:......

نعم، غيره؟

طالب:......

المعروف أن القصة واحدة، لكن هناك قال: حينما قفل من خيبر، وهناك بطريقة مكة، يقول ابن عبد البر على هذا الحديث: هذا لا يخالف ما في الحديث الذي قبله؛ لأن طريق مكة وطريق خيبر من المدينة واحد، نعم يلتقيان في نقطة ويصير الطريق واحدًا، يعني لو قال واحد لشخص: قابلت زيدًا وهو آتٍ من القصيم مثلًا، وقال الثاني: قابلته وهو آتٍ من مكة، في طريق واحد قابلوه في نقطة واحدة، فأخبر عنه أحدهم أنه آتٍ من القصيم، والثاني أخبر عنه أنه آتٍ من مكة، كلام صحيح أم غير بصحيح؟ صحيح، إذا كان آتٍ من طريق مكة على المدينة على القصيم هذا ممكن، وما المانع؟ فتلتقي الطرق في نقاط معينة، ثم تتفرق، وهنا تكون القصة واحدة.

يقول: "ووكل" ضبط بالتخفيف والتشديد، "ووكل بلال أن يوقظهم للصلاة، فرقد بلال ورقدوا، حتى استيقظوا وقد طلعت عليهم الشمس، فاستيقظ القوم وقد فزعوا" ومعروف ما هو السبب؟ الأسف على فوات الوقت، وإن قال بعض الشراح: إنهم فزعوا من أن يلحق بهم العدو؛ لأنهم في قفولهم من خيبر، والرواية الأخرى: من حنين، خافوا من العدو، لكن هذا لا حظ له من النظر، إنما كان فزعهم أسفًا على فوات الوقت، فأمرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يركبوا حتى يخرجوا من ذلك الوادي، وقال: ((إن هذا وادٍ به شيطان)) هل نأخذ من هذا أنه كلما فاتت الصلاة أن هنا شيطان؟ مثلما نقول في كل من فاتته الصلاة ونام عن الصلاة أنه بال الشيطان في أذنيه؟ أو نقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- عرف أن هذا الوادي فيه شيطان، ولا يلزم أن كل من فاتته الصلاة بعذر أو بغير عذر أنه فيه شيطان؟ نعم، الثاني؛ ولذا كثير من أهل العلم لا يستحبون أن ينتقل الإنسان من مكانه؛ لأنه كونه في شيطان الأمر مغيب ما يدرى.

قال: ((إن هذا وادٍ فيه شيطان)) "فركبوا حتى خرجوا من ذلك الوادي" يعني غير بعيد، ما أبعدوا، "ثم أمرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ينزلوا، وأن يتوضأوا" هذا يدل على أن الوضوء لا بد منه، ولو خرج الوقت "وأمر بلالًا أن ينادي بالصلاة أو يقيم" وعرفنا أنه في رواية أحمد: أذن وصلى الركعتين، ثم أقام، والفقهاء يختلفون في الأذان والإقامة للفوائت، فيقول مالك والشافعي والأوزاعي: من فاتته الصلاة أقام ولم يؤذن، بناء على أن الأذان إعلام بدخول الوقت، والوقت انتهى، وقال أحمد: يؤذن ويقيم، بناء على ما جاء في هذا الخبر، أذان وإقامة، والأذان كما يكون للإعلام بدخول الوقت يكون لإعلام القوم للاجتماع للصلاة، لا سيما إذا كان فيهم كثرة، نعم، لو افترض أن مجموعة برحلة، طلاب قاموا برحلة من أجل أن يجتمعوا للصلاة، ولو فات وقتها يؤذن، كما حصل له -عليه الصلاة والسلام-، لكن لو واحد، شخص واحد يؤذن أم لا؟ العلة مرتفعة، لا يعلم بدخول الوقت، ولا يعلم غيره أيضًا للاجتماع للصلاة.

طالب:.......

معروف هذا قول عند أهل العلم، لكن العلة عندهم من يقول به معقولة، وقال أحمد: يؤذن ويقيم لكل صلاة، وقال الثوري: ليس عليه في الفوات أذان ولا إقامة.

"وأُمِر بلال أن ينادي للصلاة أو يقيم، فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالناس، ثم انصرف إليهم، وقد رأى من فزعهم، فقال -عليه الصلاة والسلام-" مسليًا لهم ومؤنسًا بأن هذا الأمر ليس في أيديهم؛ لأنه لم يتعمدوه، قال: ((أيها الناس إن الله قبض أرواحنا)) {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ} [(42) سورة الزمر] فالنوم وفاة، ((إن الله قبض أرواحنا ولو شاء لردها إلينا في غير هذا)) في حين غير هذا، يعني قبل هذا بساعة، بحيث ندرك الوقت ((فإذا رقد أحدكم عن الصلاة أو نسيها ثم فزع إليها)) قام إليها ((فليصلها كما كان يصليها في وقتها)) لا يقول: الآن خرج الوقت أخفف، لا، القضاء يحكي الأداء ((فليصلها كما كان يصليها في وقتها)) ولذا -عليه الصلاة والسلام- أذن وصلى ركعتين، ثم أقام ولم يعجل -عليه الصلاة والسلام- "ثم التفت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أبي بكر فقال: ((إن الشيطان أتى بلالًا وهو قائم يصلي فأضجعه ثم لم يزل يهدئه كما يهدأ الصبي حتى نام))" شيء ملاحظ، الصبي تجعله أمه في حجرها وتضربه ضربًا خفيفًا حتى ينام، هذه تهدئة، فجاء الشيطان إلي بلال وفعل به هكذا حتى نام، الشيطان ماذا يستفيد؟ نعم؟

طالب:........

نعم؟ كيف؟

طالب:........

نعم لأغوينهم، يريد الناس كلهم ينصرفون عن هذه العبادة.

"ثم دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بلالًا، فأخبر بلال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثل الذي أخبر" قال له: إنه أضجعه وهدأه كما يهدأ الصبي، كما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- أبا بكر، "فقال أبو بكر: أشهد إنك رسول الله -عليه الصلاة والسلام-".

اللهم صل عليه، والله المستعان.

((من توضأ فليستنثر، ومن استجمر فليوتر)) هذا بمعنى ما تقدم.

"قال يحيى: سمعت مالكًا يقول في الرجل يتمضمض ويستنثر من غرفة واحدة: إنه لا بأس به" لا بأس به يتمضمض ويستنشق من غرفة واحدة، سواء كان مرة واحدة، أو مرتين، أو ثلاثًا، وقوله: "لا بأس به" يدل على أنه جائز عنده، وإن لم يكن أرجح؛ لأن المضمضة والاستنشاق إما أن يكون بكفة واحدة، أو كل منهم بكف مستقل، فالصور محتملة في المضمضة والاستنشاق: إما أن يتمضمض ويستنشق بثلاث غرفات، كل غرفة للمضمضة والاستنشاق معًا، أو يتمضمض بغرفة واحدة ثلاث مرات، ويستنشق ثلاث مرات في غرفة واحدة، أو يتمضمض ثلاث مرات بثلاث غرفات، ويستنشق كذلك، يعني بِستٍّ، وأرجحها أن يتمضمض ويستنشق من غرفة واحدة؛ لأنها التي قال فيها الإمام مالك: إنه لا بأس به.

ترجم الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: "باب: من مضمض واستنشق من غرفة واحدة"  وذكر حديث عبد الله بن زيد في صفة وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفيه: "ثم غسل أو مضمض واستنشق من كف واحدة، فعل ذلك ثلاثًا" وهذه أرجح الصفات.

ثم قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد الرحمن بن أبي بكر" بلغه هذا موصول في صحيح مسلم من طرق كثيرة "أن عبد الرحمن بن أبي بكر دخل على عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم مات سعد بن أبي وقاص فدعا بوضوء" يعني دعا بماء يتوضأ به "فقالت له عائشة: يا عبد الرحمن" هل لهذا الوضوء وهذا الدخول علاقة بموت سعد؟ إما أن يكون عبد الرحمن احتاج الوضوء، وحينئذٍ لا يلزم أن يكون هناك ارتباط بين موت سعد بن أبي وقاص وبين هذا الوضوء، وإما أن يكون توضأ ليصلي، ليستعين بالصلاة على هذه المصيبة {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} [(45) سورة البقرة] لا شك أن مثل موت هذا الصحابي الجليل الذي شُهد له بالجنة مصيبة يستعان عليها بالصبر والصلاة، كما أمر الله -جل وعلا-، ولا يبعد أن يكون هذا هو المراد، وعلى كل حال هو دعا بوضوء "فقالت له عائشة: يا عبد الرحمن أسبغ الوضوء" يعني بحيث تغسل ما أمرت بغسله، ولا تترك منه شيئًا مع إمرار ما يكفي من الماء للعضو "فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ويل للأعقاب من النار))" أسبغ الوضوء، وإسباغ الوضوء: إتمامه واستيعاب العضو المأمور بغسله أو مسحه بالماء "فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ويل للأعقاب من النار))" الويل جاء تفسيره بأنه الهلاك أو الحزن والمشقة كما في النهاية لابن الأثير، وجاء أنه كلمة عذاب أو وادٍ في جهنم، كما روى الترمذي من حديث أبي سعيد، والأعقاب: جمع عقب، مؤخر القدم، والحديث له سبب، جاء النبي -عليه الصلاة والسلام- والناس قد أرهقتهم صلاة العصر، يعني ضاق وقتها، يعني وقتها الاختياري، فجاء النبي -عليه الصلاة والسلام- ووجدهم يتوضئون، وكأنه لاحظ عليهم عدم الإسباغ، لا سيما في العقب، فقال لهم: ((ويل للأعقاب من النار)) ثلاثًا، فلا بد من إيصال الماء إلى جميع العضو المفروض غسله ((ويلٌ للأعقاب من النار)) فهذا يدل على أن العقب لا بد من غسله، وهو مؤخر القدم، وهل المتوعد العقب أو صاحبه الذي قصر في غسله؟ يعني: ويل للعقب نفسه أو ويل لصاحب هذا العقب لتقصيره في غسله؟ يعني يتصور هذا؟ ((ويلٌ للأعقاب من النار)) إذا قارناه بما تحت الكعبين من الإزار في النار، كل ضلالة في النار، هل المراد الجزء من الثوب الذي تحت الكعبين ((ما أسفل من الكعبين ففي النار)) هل المتوعد الثوب أم صاحب الثوب؟ صاحب الثوب ((كل ضلالة في النار)) هل المراد الضلالة نفسها أو صاحبها؟ صاحبها، وهنا ((ويل للأعقاب من النار)) المتوعد صاحب العقب أو العقب نفسه؟ هل هذا يختلف عن النصين السابقين أو مثلها؟ نعم يختلف؛ لأنه إذا عذب العقب تعذب صاحبه، بخلاف الضلالة إذا انفردت، بخلاف الثوب إذا انفرد، وسواء قلنا: إن العقب يعذب في النار، أو صاحبه يعذب في النار فالمسألة واحدة، لا يقول الإنسان: تعذيب جزء من البدن لا يؤثر، كما يقول بعضهم: إن الذنوب والمعاصي والكبائر متوعد عليها في النار، لكن المسلم يرجى له خير لا يخلد في النار، يعني هل يطيق الإنسان ويصبر على العذاب ولو لحظة؟ أبو طالب خفف عنه العذاب، لكن ما معنى التخفيف؟ هو في ضحضاح من نار، وفي رواية: ((نعلان من نار يغلي منهما دماغه)) الأمر ليس بالهين، ليس بالسهل، إذا قلت له: ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار، بعض الناس ما يتصور يقول: بصره+، يحسب أن الذي يعذب الثوب، يقول بالنص بعضهم قال ذلك، بالنار بالنار، الأجساد لا تقوى على النار.

طالب:......

لا هو المعذب صاحبه بلا شك، من الإزار، جاء بيانه ((من أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار)) لا، الأمر ليس بالسهل بحيث يتساهل ويقول: النار النار لا تطاق، الجبال تذوب، الله المستعان.

يقول: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن محمد طحلاء" تميمي مولاهم "عن عثمان بن عبد الرحمن" التيمي المدني ثقة "عن أبيه أن أباه حدثه" عبد الرحمن بن عثمان التيمي صحابي قُتل مع ابن الزبير "أنه سمع عمر بن الخطاب يتوضأ بالماء لما تحت إزاره" سمع عمر يتوضأ فالمسموع القول، فلا بد أن نقدر: سمع عمر بن الخطاب يقول: يتوضأ، يعني المتوضئ بالماء لما تحت إزاره، هو كناية عن موضع الاستنجاء تأدبًا، توضأ بالماء لما تحت إزاره، توضأ يعني تتطهر، ويستنجي بالماء لما تحت الإزار، يعني الفرجين تأدبًا، وهذا لبيان أن الماء أفضل أم مجزئ؟ السياق يدل على ماذا؟ توضأ بالماء لما تحت إزاره؟ لكن هل ظاهره يقتضي تفضيله على الاستجمار أو أنه مثل الاستجمار يجزئ؟ يتطهر بالماء لما تحت إزاره، الشراح يقولون: إن هذا بيان لأن الماء أفضل من الحجارة، لا شك أن الماء يزيل ما لا تزيله الحجارة، الماء يقطع الأثر بالكلية، بينما الاستجمار بالحجارة لا بد أن يبقى شيئًا، والقدر المجزئ منه ألا يبقى إلا أثر لا يزيله إلا الماء، والاستجمار أو الاستنجاء بالماء ثبت من فعله -عليه الصلاة والسلام-، وهو مجزئ بالاتفاق، وإن منع بعضهم الاستنجاء بالماء لأنه مطعوم، لكن ثبت من فعله -عليه الصلاة والسلام-، وثبت الإجماع على ذلك، ومن خالف انقرض مع قوله، وكذلك الاستنجاء ثبت من فعله -عليه الصلاة والسلام-، وهو مجزئ أيضًا حتى مع وجود الماء يجزئ، وهل إزالة الخارج بأحد المطهرين أفضل كما ثبت من فعله -عليه الصلاة والسلام-، أو الجمع بينهما أفضل وأكمل؟ في القصة -وإن كان فيها مقال- قصة آل قباء {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ} [(108) سورة التوبة] نعم هو ما ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جمع بينهما، لكن في قصة قباء مع ما قيل فيها من كلام، النبي -عليه الصلاة والسلام مدحهم، نعم، فقالوا: إنا نتبع الحجارة الماء، وقالت عائشة: مرن أزواجكن فإني أستحييهم، أن يتبعوا الحجارة الماء، لكن الثابت عنه -عليه الصلاة والسلام- استعمال الماء فقط أو الحجارة فقط، فهل نقول: الأفضل الجمع بينهما؛ لأنه أكمل؟ أو نقول: الأفضل الاقتصار على ما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-؟ نفترض أن شخصًا استجمر وانتهى، ما بحضرته ماء، ثم وجد الماء نقول: خلاص أنت استجمرت يكفيك أفضل من أن تجمع بينهما؟ نعم، الآن هل نقول: إن الاستجمار حاجة، أو نقول: إنه رافع مطهر تطهير كامل مثل الماء؟ لأن عندنا التيمم ثابت بالنص القطعي، لكن ما هو كالوضوء قطعًا؛ لأنه جاء في الحديث: ((فإذا وجد الماء فليتقِ الله وليمسه بشرته)) والاستجمار مع ثبوته، ومع ما جاء فيه إلا أنه لا يزيل الأثر بالكلية، فهل نقول لمن استجمر ثم وجد الماء -اقتصر على الاستجمار لعدم وجود الماء ثم وجد الماء- هل نقول: الأفضل أن تزيل الأثر بالكلية بالماء فتتبع الماء الحجارة أو الحجارة الماء؟

طالب:......

لا، من قال: أنا عندي ماء أستجمر ويكفي، يكفي، ما أحد يقول له: ما يكفي، نعم، ما في أحد يقول: إنه ما يكفي، لا يكفي، لكن هل يقول: الأفضل لي. أنتم تقولون: إن الاستجمار ما يزيل الأثر بالكلية، وأنا أريد أن أزيله بالكلية، نقول له: لا، نحن متفقون أن الاستجمار ما يزيل بالكلية؟ نعم؟ يعني هل هو مثل الماء؟ ينازع في هذا أحد؟ ما ينازع في هذا أحد، لكن قال: أنتم تقولون: أبدًا أن الاستجمار ما يزيل الأثر بالكلية، وأنا استجمرت ووجدت ماء فأزيله بالكلية، نقول له: لا، لا تزيله، لا تجمع بينهما؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما جمع؟ نعم؟

طالب:......

معفوٌ عنه، لكن يبقى أنه أثر، كونه يتعبد بهذا ويقول: أنا لا يكفيني ما كفى الرسول، هذا أمر مفروغ منه أنه دخل في حيز البدعة، لكن يقول: من باب التنظف، أنا أقول: استجمرت في الفرض السابق، ووجدت في السراويل أثر صفرة، نحن نتفق على أنه لا يزيل الأثر بالكلية، نعم، أنا لا أريد مثل هذا يتكرر، تقول له: لا، ما يجوز، هو لا يتعبد بهذا، ما يقول: إن الاستجمار ما يجزئ، يقول: يجزئ لكن يقول: هذا الأثر الباقي لا بد أن أزيله.

طالب:......

لا، هو ما يعتقد قدرًا زائدًا على ما فعله -عليه الصلاة والسلام-، نعم، أما إذا قال: ما يجزئ نقول: لا يا أخي كفى من أهو أتقى منك وأورع، وأحرص منك على الامتثال.

اللهم صل على محمد...

"قال يحيى: سئل مالك عن رجل توضأ فنسي فغسل وجهه قبل أن يتمضمض" يعني سئل عن شخص غسل وجهه ثم تمضمض، "أو" وهذا للتقسيم لا للشك، "أو غسل ذراعيه قبل أن يغسل وجهه" يعني: سئل مسألتين، الأولى: شخص غسل وجهه قبل أن يتمضمض، وسئل عن شخص آخر غسل ذراعيه قبل أن يغسل وجهه، يعني ما الحكم؟ فقال -رحمه الله-: "أما الذي غسل وجهه قبل أن يتمضمض فليمضمض" يعني: فاه، "ولا يعيد غسل وجهه" لأن المضمضة مع غسل الوجه في حكم العضو الواحد، لو جاءك واحد وقال: أنا غسلت شق وجهي الأيسر قبل الأيمن، تقول: أعد؟ لا، فالمضمضة والاستنشاق مع الوجه في حكم العضو الواحد؛ ولذا يقولون: الأولى غسل الوجه، ومنه المضمضة والاستنشاق، في فرائض الوضوء، فعلى هذا لا يعيد؛ لأنه ما هو بفرض مستقل، المضمضة والاستنشاق؛ ولذا قال: "فليمضمض ولا يعيد غسل وجه" وأيضًا المضمضة عنده سنة، ولا يعاد الواجب من أجل سنة.

"وأما الذي غسل ذراعيه قبل وجهه" شخص غسل ذراعيه التي هو الفرض، فرض الوضوء، "ثم غسل وجهه" ماذا كان الجواب؟ يقول: "فليغسل وجهه، ثم ليعد غسل ذراعيه" وهذا يدل على أن الترتيب عنده واجب، ويأتي ما فيه "حتى يكون غسلهما بعد وجهه" يعني كما أمر الله -جل وعلا-، وكما بينه رسوله -عليه الصلاة والسلام-، يقول: "إذا كان ذلك في مكانه، أو بحضرة ذلك" يعني بقربه "فإن بعد وجفت أعضاؤه أعاد المنكس وحده" يعني المغسول قبل الذي ينبغي أن يغسل بعده "أعاد المنكس وحده، فيغسل وجهه ولا يعيد غسل ذراعيه سواء في ذلك العامد والساهي" لأن ترتيب الفرائض عنده سنة، عنده تريب الفرائض صرحوا بأنه سنة، في المنتقى للباجي يقول: مقتضى هذه المسألة أن الترتيب ليس بشرط لصحة الطهارة، يعني عند مالك، مقتضى هذه المسألة أن الترتيب ليس بشرط لصحة الطهارة، من أين فهم هذا؟ "ثم ليعد غسل ذراعيه، حتى يكون غسلهما بعد وجهه" يعني لو وقفنا على هذا قلنا: إن مالك يوجب الترتيب "إذا كان ذلك في مكانه" طيب إذا لم يكن في مكانه؟ مفهوم الكلام أنه لا يعيد، خلاص انتهى؛ ولذا من هذا فهم الباجي في المنتقى مقتضى هذه المسألة أن الترتيب ليس بشرط لصحة الصلاة عنده، ويكون أمره للإعادة على وجه الاستحباب، وصرحوا بهذا أن الترتيب ليس بشرط لصحة الطهارة، وبه قال أبو حنيفة، وروي عن مالك أنه شرط، وبه قال الشافعي وأحمد.

هل هناك ما يدل على الاشتراط أو عدم الاشتراط؟ ترتيب الوضوء جاء في كتاب الله -جل وعلا-: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ} [(6) سورة المائدة]... إلى آخره، ورتبت هذه الأعضاء بعضها على بعض بالواو، نُسقت على بعض بالواو، والواو لا تقتضي الترتيب، الواو لا تقتضي الترتيب، وهذه حجة من يرى عدم وجوب الترتيب، يقول: الأعضاء نسق بعضها على بعض بالواو، والواو لا تقتضي الترتيب، فالمطلوب أن نغسل هذه الأعضاء على أي وجهٍ كان، وعرفنا أن هذا مذهب الإمام مالك، وبه يقول أبو حنيفة، يروى عن مالك وهو قول الشافعي وأحمد: أن الترتيب شرط لصحة الوضوء، فلا يصح الوضوء إذا غسل -قَدّم وأخّر- بأن غسل اليدين قبل الوجه، أو الرجلين قبل اليدين، وما أشبه ذلك، وعرفنا أن دليل القول الأول أن العطف جاء بالواو، وهي لا تقتضي الترتيب، وحجة القول الآخر قول الشافعي وأحمد ورواية عن مالك أن جميع من وصف وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام- وصفه مرتبًا، وفعله بيان للواجب المأمور به في الآية، وبيان الواجب واجب، ولو لم يجب لأخل به ولو مرة -عليه الصلاة والسلام-، أيضًا أهل العلم يلحظون أن السياق في الآية فيه ما يدل على وجوب الترتيب، وهو إدخال الممسوح بين المغسولات، قالوا: في الآية قطع النظير عن نظيره، وإدخال الممسوح بين المغسولات يدل على وجوب الترتيب؛ لأن العرب لا تفعل ذلك إلا لحكمة، يعني لو لم يجب الترتيب لنسق المغسولات على بعض، ثم أردف الممسوح والعكس، لكن قطع النظير عن نظيره وأدخل الممسوح بين المغسلات فدل على أنه لا بد من مراعاة هذا الترتيب، وعلى كل حال النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ مرتبًا، فعل ذلك ولم يخل به، ولم يعرف على أحد من أصحابه أنه أخل بهذا الترتيب، وفعله بيان للواجب، وأهل العلم يقولون: بيان الواجب واجب.

 

"قال يحيى: وسئل مالك عن رجل نسي أن يتمضمض ويستنثر حتى صلى قال: ليس عليه أن يعيد الصلاة، وليمضمض ويستنثر ما يستقبل من الصلوات إن كان يريد أن يصلي" يعني إذا كان يريد أن يصلي، "فسئل عن رجل نسي أن تمضمض ويستنثر حتى صلى قال: ليس عليه أن يعيد صلاته" هذا يدل على أن المضمضة والاستنشاق عنده سنة، وجاء عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((توضأ كما أمرك الله)) وما أمر الله به -جل وعلا- في كتابه ليس فيه المضمضة والاستنشاق، لكن جاء الأمر منه -عليه الصلاة والسلام- بالاستنشاق، وهذا كثير وصحيح، في الصحيحين وغيرهما: "ثم ليستنثر" ((وبالغ في الاستنشاق)) وجاء أيضًا بالمبالغة، المضمضة جاء فيها لكن أقل، وبهذه الأوامر يستدل من يقول بالوجوب، لا شك أن المنصوص عليه في آية المائدة {فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} [(6) سورة المائدة] هذا المنصوص عليه في الآية، وزيد عليها الأوامر التي سمعناها، الأمر بالمضمضة والاستنشاق، والسنة وحي يجب العمل بما فيها، ولو كان مزيدًا على ما جاء في الكتاب، خلافًا لمن يزعم أن الزيادة على النص نسخ، فجاءت هذه الأوامر منه -عليه الصلاة والسلام-، وبها يستدل من يقول بوجوب المضمضة والاستنشاق، ومع ذلكم يستدلون على وجوب المضمضة والاستنشاق بوجوب غسل الوجه، وهما داخلان في مسمى الوجه، وإن نازعهم أصحاب القول الأول بأن الوجه ما تحصل به المواجهة، والمواجهة لا تحصل بالفم والأنف، بدليل أنه إذا استقبل أحد لا يحسن أن يفغر فاه في وجهه يستقبله به، وعلى كل حال الحكم في ذلك والمرد عند التنازع إلى النصوص، وعرفنا ما في المسألة، وليمضمض يعني في وضوء ثان، يعني ما يلزم أن يكون في نفس الوضوء، ما يلزم، وإن كان بعضهم يقول: إن كان يريد أن يصلي بهذا الوضوء، وعلى كل حال المضمضة والاستنشاق عنده سنة، لا أثر لهما على الصلاة.

 

أحسن الله إليك

باب: وضوء النائم إذا قام إلى الصلاة

عن مالك عن أبي الزناد الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده)).

عن مالك عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب قال: "إذا نام أحدكم مضطجعًا فليتوضأ".

عن مالك عن زيد بن أسلم أن تفسير هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} [(6) سورة المائدة] أن ذلك إذا قمتم من المضاجع يعني النوم.

قال مالك: الأمر عندنا أنه لا يتوضأ من رعاف ولا من دم ولا من قيح يسيل من الجسد، ولا يتوضأ إلا من حدث يخرج من ذكر أو دبر أو نوم.

وعن مالك عن نافع أن ابن عمر كان ينام جالسًا ثم يصلي ولا يتوضأ.

يقول -رحمه الله تعالى-:

باب وضوء النائم إذا قام إلي الصلاة:

"حدثني يحيى عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه))" وجاء في بعض الروايات والحديث في الصحيحين كما هو معلوم: ((ثلاثًا)) والعلة في ذلك ((فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده)) ((إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل)) اللام هذه لام الأمر، عند الجمهور هذا الأمر للندب، وهو عند الإمام أحمد للوجوب؛ لأنه هو الأصل في الأمر.

((من نومه)) حمله الشافعي على عمومه، وهو على أصله في أن الغسل للندب، فقال: يستحب غسل اليد لكل مستيقظ من أي نوم كان في ليل أو نهار، وخصه الإمام أحمد -رحمه الله- بنوم الليلة، وانتزع ذلك من العلة ((فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده)) والبيتوتة لا تكون إلا بالليل، فعندنا النوم محمول على العموم عند الشافعي، استحبه عقب كل نوم، وعند الإمام أحمد محمول على نوم الليل؛ لأنه لا يدري أين باتت يده، والغسل للندب عند الجمهور، وهو على أصله للوجوب عند الإمام أحمد؛ لأن اللام لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب.

((فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده)) لا يدري، كونه لا يدري هذا شك، لا يدري أين باتت يده. يده قبل النوم طاهرة بيقين، لما نام سواء كان بالليل كما يقول الإمام أحمد أو مطلق النوم عند غيره، لا يدري أين باتت يده؟ هل باتت يده في فرجه؟ اليد تطيش يمينًا وشمالاً، النائم ما يدري عن شيء، لا يدري أين باتت يده؟ هل وقعت على نجاسة أو وقع عليها نجاسة، لا يدري، وهذا شك، والمقرر عند أهل العلم، بل من القواعد عندهم: أن الشك لا يزيل باليقين، فكونه لا يدري، انتبه من نوم الليل وهو شاك هل وقعت يده على نجاسة أو لا، يجب عليه أن يغسل يده امتثالًا لهذا الأمر، بعض الشراح يستروح إلى أن هذا محمول على غلبة الظن، لا سيما في البلاد الحارة، وفي عصره -عليه الصلاة والسلام- وفي الحجاز الثياب فيها شح وقلة، والغالب الاستجمار، والاستجمار لا يزيل الأثر كاملًا، والصيف يحصل معه العرق والرطوبات، فإذا وقعت يده في الغالب أنها تقع يده أين؟ ولذا الحكم مبني على الغالب، فالغسل لهذا الأمر، ولا تصير المسألة شك، تصير المسألة غلبة ظن، هكذا قال بعضهم، لكن ماذا عما لو تيقن أن يده طاهرة؟ نام وهي طاهرة واستيقظ وهي طاهرة بيقين، بأن وضعها في كيس، أو ربطها بحيث لا تصل إلى المواضع التي فيها النجاسات، هل نقول: إن العلة ارتفعت، والعلة منصوصة، ومعلوم أن العلل المنصوصة يدور معها الحكم عند أهل العلم، يعني لو وضعها في كيس وربطها ويجزم جزمًا أنها ما تأثرت، هم يقولون: تعبدي إذا لم تعرف العلة.

طالب:......

نعم، لكن هذا يدري أنه ربط يده ربطًا محكمًا، هو لا يدري........ هم يقولون: لا يدري أين باتت يده، والاحتمال أنها وصلت إلى مواضع نجاسة وكذا، وقبل أن ينام دخل الحمام وتنظف نظافة كاملة.

طالب:......

مثل ماذا؟

طالب:......

قيل: إن العلة لا يدري عنها أحد، على كل حال الحديث يستشكله كثير من أهل العلم بالنسبة لإجرائه على القواعد التي قعدوها، لكن إذا تضاربت أو اختلفت هذه القواعد مع النصوص فالعبرة بالنص؛ لأن الأصل أن القواعد مبنية على النصوص، فإذا خالفت نصًّا لا عبرة بها، لا نجري القواعد ونحكم القواعد على النصوص، لا، النص هو المرد والمرجع والمصير إليه متحتم ((إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها وضوءه)) بعض الناس -وهذا من شؤم مخالفة السنة- قال: أنا أدري أين باتت يدي، أدري، يقول: هو يدري أين باتت يده، فوضعها في كيس وربطها وأحكمها وأوثقها، يدري، ماذا حصل له؟ وجد يده داخلا في دبره، وهذا له نظائر، ذكر الحافظ ابن كثير وغيره ابن العماد في الشذرات وجمع من المؤرخين قالوا: إن شخص استاك في دبره، ماذا حصل له؟ مع الأسف أنه قد يوجد مع وجود مثل هذا القصص، نعم، من يحكم على نفي مثل هذه القصص، أقول لك: ما هو بمعقول أبدًا، ما حصل، ولو حكاه ابن كثير، ولو حكاه فلان أو علان .. ماذا حدث؟ استاك في دبره، ما يدري أن الله -سبحانه وتعالى- يغار، فالحاصل أنه أحس بشيء في بطنه كالحمل ويزيد مع الوقت، فلما مضى مدة أشهر، وضع شيئًا هو عبارة عن قطعة لحم، ويحدث منه صوت مزعج، فجاءت ابنته فرضتها بالحجر، والقدرة الإلهية صالحة، فالله -سبحانه وتعالى- يغار، أيضًا الشخص الذي سمع الحديث: ((وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم)) جاء وضع المسامير في نعليه، خسف به هذا، فيه قصص كثيرة وحوادث ووقائع سببها الاستخفاف بالسنة، وكثير من الناس يحصل منه شيء من هذا الاستخفاف، ولا شك أن عقوبة الدنيا أهون من عقوبة الآخرة، عقوبة الدنيا أسهل من عقوبة الآخرة، كما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام-، يعني جاء في بعض الأخبار أن اثنين يعني مما يكون في آخر الزمان، اثنان يمضيان إلى معصية فيمسخ أحدهما خنزيرًا -نسأل الله العافية- والثاني ماذا يحصل له؟ يستمر إلى معصيته، هذا مسخ جسده، وذلك ممسوخ القلب، أيهما أشد؟ مسخ القلب أشد، نسأل الله العافية هذه عقوبة دنيا، وأمره في الآخرة إلى الله، لكن مثل هذا نسأل الله العافية.

((إذا استيقظ أحدكم من نومه)) يعني: انتبه من نومه ((فليغسل يده))، وعرفنا حكم الغسل قبل أن يدخلها في وضوئه في الماء، لكن إذا أدخلها في الإناء غمسها في الإناء قبل غسلها، فما الحكم؟

طالب:......

وما أثر هذا الغمس على الماء؟ إذا قلنا: فليغسل يده إذا غمس يحرم، والجمهور على أنه للندب، إذًا الغمس مكروه عندهم، وما أثر هذا الغمس على الماء؟ عند الجمهور الذين يقولون: للندب لا أثر له، ما يؤثر على الماء، والمعروف عند الحنابلة أنه ينقله من كونه طهورًا مطهرًا إلى كونه طاهرًا غير نجس؛ لأنه لا يتنجس الماء إلا بيقين، ولا يقين هنا، طاهر لا يرفع الحدث، وقال إسحاق وداود: ينجس؛ لأنه لا يمنع من إدخالها في الإناء إلا لوجود أثر، ولا أثر مؤثر إلا النجاسة، وعلى كل حال هذا أمر لا يدركه عقل البشر، العقل البشري لا يدرك مثل هذه الأمور، فنقف، لا يجوز لنا أن ندخل اليد في الإناء في الوضوء قبل أن نغسلها ثلاثًا، كما جاء في الرواية الأخرى، وأما إذا حصل فقد ارتكب المحظور، وأثم بذلك، ويبقى الماء على طهوريته؛ لأنه الأصل، ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)) يبقى على هذا.

يقول: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب قال: "إذا نام أحدكم مضطجعًا فليتوضأ" يعني وجوبًا لانتقاض وضوئه بالنوم، والخلاف في النوم عند أهل العلم معروف، وما جاء به من نصوص، النبي -عليه الصلاة والسلام- كان ينام قبل صلاة الصبح وهو ينتظرها، والصحابة ينتظرون صلاة العشاء حتى تخفق رؤوسهم، النوم الذي لا يستغرق صاحبه فيه، بحيث يحس ويشعر بما يدور حوله، هذا لا ينقض الوضوء، لا سيما من الجالس، وهنا يقول: "إذا نام أحدكم مضطجعًا" الاضطجاع مظنة لخروج ما ينقض الوضوء؛ ولذا جاء في الحديث: ((العين وكاء السه، فمن نام فليتوضأ)) وحديث صفوان بن عسال: "أمرنا ألا ننزع خفافنا" نعم، فعطف النوم على البول والغائط، فدل على أنه ناقض، فالنوم المستغرق ينقض الوضوء، وعليه يحمل مثل هذه النصوص، والذي لا يستغرق من المتمكن غير المضطجع وغير المستند، بحيث يخرج منه شيء وهو لا يشعر، مثل هذا لا ينقض الوضوء، وعليه يحمل ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وعن الصحابة، النبي -عليه الصلاة والسلام- تنام عينه ولا ينام قلبه بحيث لو خرج منه شيء يشعر به، ولا يقاس عليه غيره.

يقول: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم" العدوي من أعرف الناس بالتفسير، بتفسير القرآن "أن تفسير هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} [(6) سورة المائدة] أن ذلك إذا قمتم من المضاجع، يعني: النوم" يعني: إذا قمتم من النوم فاغسلوا، فدل على أن النوم ناقض، وهذا التفسير موافق لقول بعض السلف، يوافقه على ذلك جمع من أهل العلم، وبعضهم قال: إذا قمتم محدثين، إذا قمتم إلى الصلاة محدثين، يعني سواء كان بنوم أو بغير نوم، إذا قمت إلى الصلاة، وبعضهم يقول: الأمر فاغسلوا على عمومه لكل من أراد الصلاة، لكن المحدث على سبيل الوجوب، وغير المحدث على سبيل الاستحباب، لكن هذا يلزم عليه استعمال اللفظ الواحد في معنييه، استعمال اللفظ في معنييه حقيقته ومجازه عند أهل العلم، عند الأكثر ممنوع، نعم، استعمال اللفظ في معنييه ممنوع في آن واحد، في سياق واحد، عند الشافعية يجوز، لكن عند غيرهم يمنعون ذلك، كيف نقول: اغسلوا محمول على الوجوب بالنسبة لقوم، ومحمول على الاستحباب بالنسبة لآخرين، وهو لفظ واحد، لو افترضنا أن أمامك شخصين كل منهما اسمه محمد، أنت تريد واحدًا منهم، لا تريد الثاني، تريد أحدهما، بينك وبينه معاملة، وبينك وبينه ارتباط، فقلت: يا محمد، التفت الثاني الذي لا تريده، هل هو مراد بلفظك يا محمد؟ يعني في صورتنا التي ذكرناها قلت: يا محمد تريد ذاك، فالتفت هذا الثاني، هل يكون الثاني مرادًا لك بمجرد قولك يا محمد؟ مراد المتكلم شيء واحد، إذا كان اللفظ بعمومه يتناول أشياء، هذا أمر آخر، وليس معهما معًا، اغسلوا إما أن يحمل على الوجوب أو يحمل على الاستحباب، ولا يحمل عليهما في آن واحد عند الأكثر، وإن أجازه الشافعية، منهم من يقول: كان هذا في أول الأمر، كل من قام إلى الصلاة يتوضأ، ولا صلاة إلا بوضوء، ولو كان على طهارة، وفي عام الفتح جمع النبي -عليه الصلاة والسلام- الصلوات في وضوء واحد، وعمدًا صنع ذلك؛ ليبن لهم هذا الحكم، على كل حال التفسيرات هذه كلها محتملة ومقبولة، إذا قمتم إلى الصلاة محدثين فاغسلوا، إذا قمتم من النوم وأردتم الصلاة فاغسلوا، كلها مقبولة، وإذا قلنا: إن هذا في أول الأمر، وأن كل من قام إلى الصلاة محدثًا أو غير محدث يتوضأ، فهو منسوخ بفعله -عليه الصلاة والسلام-، وأنه لا يلزم الوضوء إلا من أحدث، ((لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ)) مفهومه أن من لم يحدث فصلاته مقبولة، ولو لم يتوضأ، والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.نأ

"