تعليق على البلبل في أصول الفقه (23)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد...

فيقول المصنِّف-عليه رحمة الله-: "الفصل الرابع في اللغات: وهي جمع لغة، وهي: الألفاظ الدالة على المعاني النفسية واختلافها لاختلاف أمزجة الألسنة، لاختلاف الأهوية وطبائع الأمكنة.

ثم هنا أبحاث:

الأول: قيل: هي توقيفية، وقيل: اصطلاحية، وقيل: مركبةٌ من القسمين، والكل ممكن، ولا سبيل إلى القطع بأحدها، إذ لا قاطع نقليٌّ، ولا مجال للعقل فيها، والخطب فيها يسير، إذ لا يرتبط بها تعبدٌ عملي، ولا اعتقادي، والظاهر الأول.

لنا: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة:31]، قيل: ألهمه، أو علمه لغةً مِن قبله".

أو علمه لغة مَن قبله.

"أو علمه لغة مَن قبله أو الأسماء الموجودة حينئذ، لا ما حدث.

قلنا: تخصيصٌ وتأويل، يفتقر إلى دليل".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول المؤلف –رحمه الله تعالى- ويُترحَّم عليه باعتبار أن ما نُسب إليه قد لا يثبت، وإلا قيل عنه: إنه رافضي، وقيل: أشعري، ومع ذلكم حنبلي، واجتماع الأمور الثلاثة فيه بُعد.

على كل حال، قد قيل ممن ذكر ذلك ابن رجب في ترجمته في (ذيل الطبقات)، لكن لعل الرفض لا يثبت عنه، أما الأشعرية فهي ثابتة.

يقول: "الفصل الرابع في اللغات: وهي جمع لغة" ذكَّرنا بهذا لطول العهد؛ لأنه وقفنا على الكتاب مدةً طويلة يُنبَّه عليه.

"اللغات: وهي جمع لغة، وهي: الألفاظ الدالة على المعاني النفسية" اللغة الألفاظ يعني ما يُتحدث به ويُتخاطب به من الكلام المقصود.

"واختلافها لاختلاف أمزجة الألسنة" ما فيه شك أن الأمزجة والعادات والأماكن لها دور في هذا الاختلاف، فأمزجة الناس لها أثر في كيفية إخراج الحروف ومخارجها، فتجد من الناس من مزاجه الإمالة، ومنهم من مزاجه يؤديه إلى التفخيم والترقيق، وعلى كل حال الاختلاف موجود.

"لاختلاف أمزجة الناس؛ لاختلاف الأهوية وطبائع الأمكنة"، ولأن كل قوم بينهم ما يحتاجون إلى التعبير عنه مما لا يُوجد عند الآخرين، ولانقطاع الصلات، وتباين الأقطار وجِد هذا الاختلاف في هذه اللغات.

يقول: "ثم هنا أبحاث: الأول" مبدأ اللغات، هل هو توقيفي أو توفيقي أو تلفيق أو توقف؟ فهاهنا أربعة أقوال.

القول الأول: أنها توقيفية؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- يقول: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة:31]، فكل شيء علمه الله –سبحانه وتعالى- آدم، وهذا مبدأ اللغات ومنشؤها مما علمه الله –سبحانه وتعالى- آدم، علمه أسماء الأشياء كلها.

ومن أهل العلم من يقول: إنه علمه أسماء الملائكة لا أسماء كل شيء، وأما بقية الأشياء فهي اصطلاحية توفيقية، يعني وفَّقهم الله –سبحانه وتعالى- لحُسن النطق بها، والتعامل معها.

منهم من يقول: تلفيقية، يعني منها ما هو كذا، ومنها ما هو كذا، منها ما هو توفيق من الله –سبحانه وتعالى- ومنها ما هو توقيف منه سبحانه وتعالى.

ومنهم من يقول: بالتوقف إذا لا دليل قاطع يدل على أحد الأقوال، ولا يوجد في المسألة إلا هذه الآية.

 ولذا يقول: "الأول: قيل: هي توقيفية، وقيل: اصطلاحية" توقيفية يعني أن الله –سبحانه وتعالى- ألهمهم إياها، ولا يستطيعون أن يزيدوا على ما ألهمهم، لا يستطيعون أن يزيدوا على ما علمه الله –سبحانه وتعالى- آدم من الأسماء.

طالب:.......

نعم.

القول الثاني: اصطلاحية هم اصطلحوا، كل قوم اصطلحوا، يعني هي اصطلاحية توفيقية، يعني توفيق من الله– سبحانه وتعالى- وهداهم إلى مثل هذا.  

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

كونه اصطلاحًا، الدليل عليه وجود أشياء متجددة وحادثة لا تُعرف عند المتقدمين في اللغة، توجد أشياء استعملها المتأخرون لا تُوجد عند المتقدمين، فهل معنى هذا أن المتقدمين يعرفون كل ما سيُوجد على وجه الأرض من المصطلحات؟  

"وقيل: مركبةٌ من القسمين" منه ما هو كذا، ومنه ما هو كذا.

ومنهم من قال: بالتوقف، يقول: لا أقول: توقيفية ولا اصطلاحية ولا ملفقة، الله أعلم.

يقول: "والكل ممكن" كل هذه الأقوال ممكن، لكل قولٍ دليله، وكل دليلٍ فيه قوة.

"ولا سبيل إلى القطع بأحدها، إذ لا قاطع نقليٌّ" يعني لا يُوجد دليل قطعي إلا الآية، والآية مُحتملة، فهي وإن كانت قطعية الثبوت إلا أن دلالتها على المراد ظنية.

"ولا مجال للعقل فيها" ولا لاجتهاد.

"والخطب فيها يسير" يعني هذا الاختلاف هل له أثر عملي؟ هذا الاختلاف سواءٌ قلنا: توقيفية أو اصطلاحية هل يترتب عليه عمل؟ يعني لو قلنا: بالتوقف الله أعلم ماذا يصير؟ ما يترتب عليه عمل، لا يترتب عليه عمل فالخطب يسير، الخطب سهل.

يقول: "إذ لا يرتبط بها تعبدٌ عملي، ولا اعتقادي، والظاهر الأول" أنها توقيفية، استدلالاً بقوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة:31] يعني أوقفه على أسماء كل شيء مما وُجِد وما سيوجد في جميع الأقطار والأعصار.

يعني كل ما نطق به بنو آدم علَّمه الله -سبحانه وتعالى- آدم.

طالب:.......

الله –سبحانه وتعالى- يقول: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة:31] هذا ظاهر الآية، نعم.

طالب:.......

لا، هو إذا وُجِد الشيء عند الأصل سمعه ذريته منه، ونقلوه عنه.

طالب:.......

هل قال آدم: شريط؟ على كل حال هذا هو سبب الخلاف وإلا فالآية ظاهرة في المراد، الذي يُخالف يقول: اصطلاحية، يقول: يستحيل أن الله –سبحانه وتعالى- علَّمه جميع ما سيوجد من كلمات واصطلاحات وألفاظ على اختلاف اللغات، يعني ما هو بأولاد آدم العرب فقط.

طالب:.......

ما أعرف ثمرة أبدًا ليس له ثمرة عملية.

طالب:.......

أين؟

طالب:.......

لأنه يرد {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة:31].

طالب:.......

ويُستشكل.

"قيل: ألهمه أو علَّمه لغة مَن قبله" لغة من قبله يعني من سكان الأرض أو ممن وُجِد في السماء قبله.

"أو الأسماء الموجودة حينئذ، لا ما حدث "{وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة:31] وليس ببعيد أن يكون علمه ما وُجِد؛ لئلا يُشكل عليه شيء؛ ولكي يختبر الملائكة {ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ} [البقرة:31] {قَالُوا سُبْحَانَكَ} [البقرة:32] لكي يظهر فضله على الملائكة، فعلَّمه الأسماء، وعرض هذه الأسماء على الملائكة.

"لا ما حدث" يعني بعده.    

يقول: "قلنا: تخصيصٌ وتأويلٌ، يفتقر إلى دليل" ولا شك أن العقل يُخصص، هل يُعقل أن الله –سبحانه وتعالى- علم آدم كل شيء مما سيحدث؟ أقول: مثل هذا لن يستعصي على القدرة الإلهية، لكن من حيث الإمكان ممكن؛ لأنه لا شيء يخرج عن القدرة الإلهية، لكن من حيث الوقوع بدليل أن....

طالب:.......

لما يقول الله –سبحانه وتعالى-: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل:23] يعني بلقيس أوتيت من كل شيء مفهومه أنها تكون أوتيت كل شيء حتى ما عند سليمان، حتى ما لا يُوجد إلا عند الرجال، لكن العقل يجعل هذا مستحيلًا، لم تؤتَ ما أوتيه سليمان، وإلا لما تعجبت لما رأت هذه القوة التي عند سليمان- عليه السلام-.

على كل حال العقل مُخصص {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} [الأحقاف:25] يعني هي دمَّرت السماوات والأرض؟ لا.

فكون الله –سبحانه وتعالى- علم آدم الأسماء كلها قابل للتخصيص.

كم بقي؟

طالب:.......

والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.