كتاب الإيمان (21)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: لا يزال الحديث والكلام عن الباب الثامن من أبواب كتاب الإيمان (باب حب الرسول- صلى الله عليه وسلم- من الإيمان).

والحديث الأول من هذا الباب قرأناه في الدرس الماضي، ونتابع في قراءة الحديث الثاني مع شرح ابن حجر، والتعليق عليه بما تيسر، والزيادة عليه من الشروح الأخرى. وأنتم لاحظتم أن هذه الطريقة يعني فيها شيء من الجمع، ماشٍ يعني تسديد ومقاربة، هذه مرضية لكثير من الأغراض.

يقول -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ح وحَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»".

هنا في زيادة: «والناس أجمعين».

(قوله: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم هو الدورقي، والتفريق بين حدثنا وأخبرنا لا يقول به المصنف كما يأتي في العلم)، حدثنا وأخبرنا سواء. في كتاب العلم نص البخاري على أن حدثنا وأخبرنا سواء، على ما سيأتي إن شاء الله تعالى، بخلاف طريقة الإمام مسلم وأبي داود وقبلهما الإمام أحمد، ويقولون: إن أول من أوجد التفريق بين حدثنا وأخبرنا بحسب الاصطلاح ابن وهب، هو أول من أوجد هذا التفريق، وإلا التحديث والإخبار {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة: 4]، ما فيه فرق، إلا أن دائرة الإخبار أعم من دائرة التحديث عند التحرير والتدقيق، لماذا؟

لأن دائرة التحديث أو لفظ التحديث يختص بالنطق، إذا حدثك نطقًا مشافهة هذا تحديث، وإذا أوصل الخبر إليك بأي وسيلة سواء كانت بكلام أو بكتابة أو بنصب علامة أو إشارة هذا يسمى إخبارًا، ولذا جعلوا التحديث خاصًّا بمن تحمل الحديث بطريق السماع من لفظ الشيخ، ومثله: سمعتُ، وأما الإخبار فجعلوه لمن تحمل بطريق العرض التي هي القراءة على الشيخ. والإمام البخاري لا يفرق، ومسلم يفرق بدقة فتجده كثيرًا ما يقول: حدثنا فلان وفلان وفلان، قال فلان: حدثنا، وقال الآخران: أخبرنا، فهو يهتم بتحرير ألفاظ الشيوخ، والبخاري لا يهتم بهذا.

أيضًا مسلم يهتم بألفاظهم في المتون، وينص على زيادة أو نقص أو تغيير حرف من رواية فلان عن رواية فلان، وتجده ينص على صاحب اللفظ: حدثنا فلان وفلان، واللفظ لفلان، البخاري ما يهتم لهذه الأمور ولا يفرق بينها إذا كانت في معنى واحد تدور في معنى واحد. وننتبه لهذا الأمر، وهل مثل هذا التصرف من مسلم والتساهل فيه من قبل البخاري، يجعل مسلم في صحيحه في ألفاظه في متونه أدق من ألفاظ المتون في صحيح البخاري؟ لأن بعض الإخوان نظر إلى هذا الأمر وقال: ينبغي أن يُعنى طالب العلم بصحيح مسلم؛ لأنه يهتم بهذه الأمور، ويضيف إليه زوائد البخاري. ننتبه لهذا، وهي مسألة دقيقة جدًّا أوقعت بعض طلاب العلم في مثل هذا الخلل، فقدَّموا مسلمًا على البخاري في هذا الاختيار. ونقول: إذا اهتم مسلم بلفظ شيخه، لفظ شيخ شيخه من يهتم به؟

ما فيه أحد يهتم به. مسلم يهتم بألفاظ شيوخه ويفرق بينها، أما من عداهم فعلى مذهب الجمهور في قبول الرواية بالمعنى، إذًا لا فرق. يبقى تحري الإمام البخاري بالنسبة لنظافة الأسانيد وصحة المتون، ويترجح على مسلم في هذا. يعني ما نقول: إن مسلمًا روى هذا الحديث بلفظ أدق اهتم به أكثر مما اهتم به البخاري، كلهم يُجيزون الرواية بالمعنى، وشيوخ شيوخهم يجيزون وشيوخه يجيزون الرواية بالمعنى وشيوخ شيوخهم يجيزون الرواية قول جماهير أهل العلم، بل عامة أهل العلم ما خالف في هذا إلا نفر يسير. فكون مسلم يعتني بلفظ شيخه أو صيغة الأداء التي سمعها من شيخه، هل يعني هذا أنه اعتنى بجميع طبقات السند بألفاظهم وصيغ الأداء التي أدوا بها الأخبار؟

لا. فتبقى المسألة، يعني كونك تهتم بطبقة واحدة لا يعني أنك تهتم بجميع الطبقات، ويبقى ما فُضل به البخاري من العناية بنظافة الأسانيد ودقة المتون، البخاري -رَحمةُ اللهِ عَليهِ- عُرف من صنيعه كما تقدم أنه إذا روى الحديث عن اثنين فاللفظ للآخر منهما، هذا بطريق الاستقراء وليس تامًّا إنما هو أغلبي، وذكرنا ونذكر ما يخرج عن هذه القاعدة. على كل حال يبقى البخاري أصح متونًا وأنظف أسانيد.

طالب: شيخنا.

نعم.

طالب: الله يحفظ، بالنسبة للبخاري ذُكر، لُوحظ يا شيخ أيضًا عناية البخاري بالمتون، حيث إنه يا شيخ إذا كرر الحديث لا يأتي بنفس اللفظ، وإنما...

معروف، ذكرنا هذا بمناسبات أنه، وأظن في صفحة ست عشرة الحافظ أشار إليها.

طالب: نعم.

في صفحة ست عشرة من الفتح أشار إليها الحافظ.

طالب: ما يجعل هذا لمسلم مزية من دون البخاري؟

قال: (وكأنه لم يطلع على حديث أخرجه البخاري بسند واحد من ابتدائه إلى انتهائه، فساقه في موضع تامًّا وفي موضع مقتصرًا على بعضه، وهو كثير جدًّا في الجامع الصحيح، فلا يرتاب من يكون الحديث صناعته أن ذلك من تصرفه؛ لأنه عرف بالاستقراء من صنيعه أنه لا يذكر الحديث الواحد في موضعين على وجهين، بل إن كان له أكثر من سند على شرطه ذكره في الموضع الثاني بالسند الثاني وهكذا ما بعده، وما لم يكن على شرطه يعلقه في الموضع الآخر تارةً بالجزم إن كان صحيحًا وتارةً بغيره إن كان فيه شيء، وما ليس له إلا سند واحد يتصرف في متنه بالاقتصار على بعضه بحسب ما يتفق، ولا يوجد فيه حديث واحد مذكور بتمامه سندًا ومتنًا في موضعين أو أكثر إلا نادرًا، فقد عني بعض من لقيته بتتبع ذلك فحصل منه نحو عشرين موضعًا).

عشرين موضعًا، قلت لكم: إنه في مقدمة القسطلاني مذكورة في مواضعها، أحاديث مذكورة في مواضعها، وكرَّرها في الموضع الفلاني والفلاني، وأحيانًا يكون في ثلاثة مواضع بنفس المتن واللفظ.

طالب: ..........

لا، أولًا محل اتفاق بين أهل العلم أن البخاري أنظف أسانيد، والمتكلم فيه من رجال البخاري أقل بكثير من المتكلم فيه من رجال مسلم.

أيضًا الأحاديث التي تكلم فيها الحفاظ في صحيح البخاري أقل بكثير من الأحاديث التي تكلم فيها الحفاظ في صحيح مسلم.

طالب: ..........

نعم؛ لأن الشيوخ رووه هكذا.

طالب: ..........

الشيوخ رووه هكذا، فهو ينقل ألفاظ شيوخه، وقد يكون التصرف من فوق الشيخ، وما دام القاعدة متفق عليها بينهما الرواية بالمعنى، مسلم في الموضع الواحد يسوق الحديث من طرق متعددة بألفاظ متباينة مختلفة، نفس الشيء.

طالب: ..........

على كل حال الرواية بالمعنى تشمل الجميع، وما دام هذا المبدأ موجود عند الجميع ما نستطيع أن نقول: هذا أدق... يبقى عندنا أن البخاري أصح وأنظف أسانيد.

طالب: لكن .......... عناية مسلم بالمتون هل هي مقطوعة بها ..........

لا لا، هو يعتني بألفاظ شيوخه، أما شيوخ شيوخه ما عليه منه.

طالب: لكن الآن ما ظهر أي عناية للبخاري يا شيخ بالمتون؟

لا، بالمقارنة بين متون مسلم ومتون البخاري مع ما خُرج فيه الأحاديث مواضع أخرى.

طالب: تميز يا شيخ.

ما فيه شك أنه تميز البخاري، تميز.

طالب: النووي يا شيخ ذكر يا شيخ أول كتاب الشرح على البخاري، ذكر أنه دليل عناية البخاري بالمتون أنه يكرر الحديث من صحابي أو من راوٍ آخر، ويختلف اللفظ من راوٍ إلى راوٍ، دل على أنه اعتنى برواية فلان ..........

وهو البخاري -رَحمةُ اللهِ عَليهِ- كونه ما قال: اللفظ لفلان.

طالب: هذه ..........

المقصود أنه على شرطه، وشرطه أعلى الشروط.

طالب: ..........

مسلم ما يكلّف شيئًا، ما يكلف طالب العلم شيئًا، ومع ذلك فيه إشكالات في المتون والأسانيد، يعني إشكالات في ظاهرها، يعني هي محلولة، لكن بالنسبة للنظر المبدئي لطالب العلم يجد إشكالات كثيرة، وإنا في درسنا لمسلم تولينا كثيرًا منها في الشروح السابقة، ومن سمع شرح كتاب المناسك من صحيح مسلم وجد كثيرًا من هذه الإشكالات ومحلولة يعني ما تبقى إشكالات، لكنها في بادئ الأمر تشكل على طالب العلم.

البخاري -رَحمةُ اللهِ عَليهِ- قد يترجم بترجمة لا يدل عليها ما أخرجه من حديث، اللفظ الذي خرجه تحت هذه الترجمة لا تدل على تطابق الترجمة، ومثل ما تفضلت من أجل أيش؟ أن هذه الترجمة دلالتها في رواية لم يخرجها وخرجها غيره، وقد يخرجها في موضع آخر ويترجم عليها بما لا يدل عليها ويترجم لها بما لا يدل عليها من أجل أن يشحذ همة طالب العلم، ويجعله يجمع طرق الحديث، وهذا معروف.

(والتفريق بين حدثنا وأخبرنا لا يقول به المصنف كما يأتي في العلم، وقد وقع في غير رواية أبي ذر: حدثنا يعقوب)، ونكرر ما كررناه مرارًا: الآن المتن ماذا يقول؟ الذي معه فتح الباري يقرأ.

طالب: حدثنا.

حدثنا يعقوب بن إبراهيم، والشرح؟

طالب: ..........

ماذا؟

طالب: .......... أخبرنا.  

نعم. أخبرنا، الرواية التي اعتمدها الحافظ وهي رواية أبي ذر ما فيها حدثنا، فيها أخبرنا، وقلنا مرارًا: إن هذا من شؤم التصرف في كتب أهل العلم، أدخلوا متنًا، والأصل أن البخاري الفتح مجرد ما فيه متن، الفتح ما فيه متن، ونص على ذلك في مقدمته. هنا يقول في صفحة خمسة من فتح الباري، يقول: (وكنت عزمت على أن أسوق حديث الباب بلفظه قبل شرحه، ثم رأيت ذلك مما يطول به الكتاب جدًّا، فسلكت الآن فيه طريقًا على أن أسوق طريقًا وسطى أرجو نفعها...) إلى آخره. ابن حجر وضع متنًا أم ما وضع متنًا؟

طالب: ما وضع.

نعم. يقول المعلق: (ونحن قد حققنا في هذه الطبعة، حققنا ذلك في هذه الطبعة فسقنا حديث الباب بلفظه قبل شرحه؛ ليكون ذلك أعون على فهم الشرح والإلمام بمراميه، وأشرنا بالأرقام إلى أطرافه...) إلى آخره. هم حققوا أم ما حققوا؟

طالب: ما حققوا.

ليتهم تصرفوا وخالفوا مراد المؤلف، أدخلوا متنًا يناسب الشرح، ما يقول لي: حدثنا فلان يعقوب بن إبراهيم وفي الشرح أخبرنا، ثم يأتي الشارح ويقول: (في غير رواية أبي ذر حدثنا).

ونظير ذلك تفسير القرطبي، ما فيه آيات، تفسير القرطبي ما فيه آيات، مجرد من الآيات، قوله كذا ويذكر له كلمتين ثلاثًا من الآية، ويذكر الكلام حول الآية كلها. والطبعة هي الأولى طُبع المجلد الأول والثاني بدون آيات، ثم أُعيد طبعهما بالآيات فاختلت الصفحات، ولذلك تجدون في الإحالات، في الإحالات تجده يقول: تقدم هذا في سورة البقرة، ثم يقول المعلق الذي يحيل: انظر الجزء الأول صفحة كذا من الطبعة الثانية أو الثالثة، ما يحيل على الأولى؛ لأن صفحاته اختلت ما فيه آيات، لما أُدخلت الآيات وأدخلت في جميع التفسير تغيرت أرقام الصفحات فاضطروا أن يقولوا: طبعة ثانية وثالثة ولا يحيلون على الطبعة الأولى؛ لأنهم تصرفوا وأدخلوا الآيات، ثم أدخلوا الآيات على قراءة عاصم، مصحف الملك فاروق أدخلوه في التفسير، والقرطبي يعتمد رواية قراءة نافع، فتجده يقول يفسر لفظ على قراءة نافع ثم يقول: وقرأ فلان وفلان وفلان كذا. هذه أمور لا بد أن ينتبه لها، الأصل أن لا يتصرف، الأصل الأمانة العلمية تقتضي أن لا يتصرف أحد في كتاب غيره، يعني بالإمكان أن يضعه في حاشية، أن يضعه فوقه ويضع خطًّا يفصل بينه وبين الشرح؛ ليبين أن هذا ليس موجودًا في الأصل، لكن يُدخله في أثناء الكتاب ويدخل شيئًا لا يمت إلى الكتاب على الرواية أو على القراءة بصلة، فيه اختلاف كبير ويجد اضطراب، والقارئ الذي ما يدرك مثل هذه الأمور: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، ثم قوله: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم!

طالب: أحسن الله إليك ..........

نعم.

طالب: ..........

ما أدخله بكتاب الناس كتاب غيري، ما أملك، واللهِ ما أملك، هو يقول: أنا قصدت تجريده من المتن، أنت أحرص عليه من كتابه؟! أنت أحرص منه على كتابه؟!

طالب: لا، أقصد نفع ..........

أنا أعرف أن فيه نفعًا، لكن أقول: التصرف في كتب أهل العلم لا يجوز وهو منافٍ للأمانة العلمية، والمصلحة التي ذكرتها هي التي جعلت محب الدين الخطيب يأمر بإدخاله ويستشير مع الشيخ ويوافقه الشيخ ويدخلون هذه الرواية الملفقة.

طالب: ..........

نعم.

طالب: ..........

نعم.

طالب: ..........

على كل حال كل هذا من التصرف، التصرف غير المرضي، التصرف غير مرضي مثل هذا.

(وقد وقع في غير رواية أبي ذر حدثنا يعقوب)؛ لأن الحافظ ابن حجر يعتمد على رواية أبي ذر ويشير إلى ما عداها عند الحاجة، وهذا يختلف فيه مع طريقة القسطلاني الذي يشير إلى كل شيء سواء ترتب عليه فائدة أو لم يترتب عليه فائدة.

(قوله: وحدثنا آدم عطف)، يعني "ح وحدثنا آدم"، (عطف الإسناد الثاني على الأول قبل أن يسوق المتن فأوهم استواءهما) يعني كأن متن الإسناد الأول مساوٍ لمتن الإسناد الثاني، (فأوهم استواءهما، فإن لفظ قتادة).

طالب: ..........

ماذا؟

طالب: ..........

ماذا؟

طالب: ..........

يصير اللفظ واحد، يصير لفظهما واحد.

(فإن لفظ قتادة) يعني السند الثاني (مثل لفظ حديث أبي هريرة، لكن زاد فيه: «والناس أجمعين»)، حديث أبي هريرة الحديث الأول، قتادة الذي ذكره البخاري في الطريق الثاني من الحديث الثاني مطابق للحديث الأول حديث أبي هريرة إلا أن فيه زيادة: «والناس أجمعين»، لكن ماذا عن لفظ عبد العزيز بن صهيب؟

(لكن زاد فيه: «والناس أجمعين»، ولفظ عبد العزيز مثله إلا أنه قال كما رواه ابن خزيمة في صحيحه عن يعقوب شيخ البخاري بهذا الإسناد: «من أهله وماله» بدل من: «والده وولده»)، القاعدة التي ذكرناها أن اللفظ للآخِر منهما، هل المذكور للآخِر الذي هو قتادة أو للأول عبد العزيز بن صهيب؟

طالب: ..........

ماذا؟

طالب: ..........

ما هو؟

طالب: قتادة.

على كلام الحافظ لقتادة، واللفظ عبد العزيز بن صهيب هو ما أخرجه ابن خزيمة «من أهله وماله» بدل «من والده وولده».

(وكذا لمسلم من طريق ابن علية، وكذا للإسماعيلي من طريق عبد الوارث بن سعيد عن عبد العزيز، ولفظه: «لا يؤمن الرجل»، وهو أشمل من جهة، و«أحدكم» أشمل من جهة)، كيف أشمل من جهة؟ «الرجل» و«أحدكم»، «الرجل» يشمل الصحابة ومن يأتي بعده، و«أحدكم» موجهة للمخاطبين، و«الرجل» خاص بالجنس، و«أحدكم» يشمل الجنسين.

(وهو أشمل من جهة، و«أحدكم» أشمل من جهة، وأشمل منهما رواية الأصيلي: «لا يؤمن أحد»)، يعني فيه مقدور أحد من طلاب العلم اليوم أو من علماء اليوم أن يوازن بين هذه الأمور بهذه الطريقة؟ والله عجب!

طالب: يندر.

ماذا؟

طالب: يندر.

ما أظن، بحجم هذا الكتاب؟ واللهِ تجد جامعات الدنيا ما تطلع مثله! لأنه تصوروا جامعات الدنيا الآن نقد التأسيس لشيخ الإسلام ثمانية مجلدات بعد التحقيق في أربعين سنة حُقق، أنا أجزم أن شيخ الإسلام ما أخذ عليه شهرًا، كيف أربعون سنة؟ ثمان رسائل لكل واحد خمس سنين، كلهم مددوا سنة خامسة، وشيخ الإسلام أجزم إنه ما أخذ عليه شهرًا؛ لأنه كتب الرسالة أو الفتوى، ماذا؟

طالب: ..........

طالب: الواسطية كتبها ..........

لا ما هي بالواسطية، لا، أكبر منها.

طالب: الحموية.

لا.

طالب: ..........

الحموية بين الظهر والعصر، لكن فيه.

طالب: ..........

الكيلانية، كتبها وصاحبها مستوفذ يريدها! مائتين صفحة.

طالب: .......... الحموية يا شيخ.

لا لا، هذه بين الظهر والعصر، لكن الكيلانية وصاحبها مستوفذ يريدها، جالس حتى ما تورد على الأرض، يعني ما تربع! الله المستعان.

طالب: ..........

أين؟

طالب: ..........

«أحدكم»، هو يخاطب، الكاف كاف خطاب.

طالب: ..........

مَن بعدهم في حكمهم هذا ما فيه إشكال، لكن كاف الخطاب تقتضي أن الخطاب للحاضرين.

طالب: للصحابة.

للحاضرين، حتى ولا الصحابة الغائبين، المسألة في عموم اللفظ ما هو بالحكم.

(وأشمل منهما رواية الأصيلي: «لا يؤمن أحد»، فإن قيل: فسياق عبد العزيز مغاير لسياق قتادة، وصنيع البخاري يوهم اتحادهما في المعنى وليس كذلك.

 فالجواب: أن البخاري يصنع مثل هذا نظرًا إلى أصل الحديث لا إلى خصوص ألفاظه، واقتصر على سياق قتادة لموافقته لسياق حديث أبي هريرة، ورواية شعبة عن قتادة مأمون فيها من تدليس قتادة)؛ لأن شعبة كفانا تدليس هؤلاء المدلسين (لأنه كان لا يسمع منه إلا ما سمعه، وقد وقع التصريح به في هذا الحديث في رواية النسائي، وذكر الولد والوالد أدخل في المعنى؛ لأنهما أعز على العاقل من الأهل والمال)، في رواية عبد العزيز التي خرجها ابن خزيمة: «من أهله وماله». في سورة المعارج وفي سورة عبس: {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس: 33 - 36]، مَن قدم؟

طالب: ..........

طالب: الصاحبة والولد.

طيب الموضع الذي قبله؟

طالب: ..........

ماذا؟

طالب: ..........

طالب: بنيه، بدأ بالأبناء.

طالب: ..........

نعم، {بِبَنِيهِ} [المعارج: 11].

طالب: {وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ} [المعارج: 12].

لماذا قدم هناك وأخر هنا؟

طالب: ..........

طالب: لأن الوالد أحن عن الولد.

ماذا؟

طالب: لأن الوالد أحن عن الولد ..........

طالب: ..........

ماذا؟

طالب: ..........

أقرب الناس إليه.

طالب: أدعى، أدعى إلى ..........

نعم.

طالب: ..........

طيب، أقرب الناس إلى قلبه.

طالب: أحب الناس.

أحب الناس إليه.

طالب: أما ..........

كذلك، إلا إذا تأملتها، والمفسرون ما يتركون مثل هذا فلتراجع، أنا خطرت لي الآن وأنا، ما بحثتها.

طالب: مرت علينا.

ماذا؟

طالب: مرت علينا.

وما هو؟

طالب: مرت علينا قريبًا.

متى؟

طالب: ..........

لا، لا لا ما مرت في تفسير سورة المعارج. على كل حال إثارة هذه المسائل حلها أسهل من إثارتها، صحيح.

طالب: يمكن يا شيخ أن المسألة متعلقة باللفظ، الافتداء والفرار.

نعم، الجواب موجود عند أهل العلم، ما يتركون، وبالإمكان يعني .. درة التنزيل يمكن أن يبين هذا. نعم. من السائل؟

طالب: ..........

وما هو؟

طالب: ..........

أنا أقول درة التنزيل يذكر مثل هذا؛ لأنه له عناية بمثل هذا الاختلاف.

(وذكر الولد والوالد أدخل في المعنى؛ لأنهما أعز على العاقل من الأهل والمال، بل ربما يكونان أعز من نفسه، ولهذا لم يذكر النفس أيضًا في حديث أبي هريرة، وهل تدخل الأم في لفظ الوالد إن أريد به من له الولد فيعم، أو يقال: اكتفى بذكر أحدهما كما يكتفى عن أحد الضدين بالآخر، ويكون ما ذكر على سبيل التمثيل والمراد الأعزة).

 تسمعون في دعاء القنوت بعض الأئمة يقول: ووالِدِينا، وبعضهم يقول: والِدَيْنا، أيهما أصوب؟ اغفر لنا ولوالِدِينا، بعضهم يقوله، ما سمعتم؟ كثير هذا، وبعضهم يقول: والِدَيْنا، ومعلوم أن دلالة التثنية أقوى من دلالة الإفراد، يعني مثل التثنية في الصفات: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75]، هذا ما يَحتمل تأويلًا، لكن لو جاءت بالإفراد أو الجمع يَحتمل. وعلى هذا المرجح، وإن كان كلام الحافظ: (إن أريد به من له الولد فيعم)، (إن أريد به من له الولد)، لماذا نلجأ إلى هذه الإرادة، والتثنية نص تُدخل الأم، ليس هناك حاجة إلى احتمال.

طالب: ..........

ماذا؟

طالب: والوارد في أدعية القرآن التثنية.

{رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} [نوح: 28]، التثنية.

طالب: ..........

الداعي لا لا ما له علاقة، الداعي سواء كان واحدًا أو مجموعة، المدعو له اثنان.

طالب: ..........

خل الجميع، ما قال؟ والِدِينا أو والِدَيَّ ووالِدِيَّ، لو صار الحال وقال: والِدِيِّ، ما هو بصحيح يقول: والِدِيِّ وهو الحال؛ لأن التثنية، الفرق بين ما تقوله في النون، الجمع للمجموعة، والنون لا تختلف سواء ثَنيت أو ما ثنيت.

طالب: ..........

أين؟ ووراءه أحد؟

طالب: نعم.

ووراءه أحد ما يجوز يقول: قلبنا، أو يقول: قلبي.

طالب: ..........

ماذا؟

طالب: ..........

لا، الكلام في التثنية، تثنية المضاف؛ لأن المدعو له مثنى، وأما المضاف إليه فهو خاضع لكون الداعي واحدًا أو مجموعة مع ثقل إضافة المثنى إلى الجمع: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4]، كم لهم من قلوب؟ اثنان، ما قال: فقد صغا قلباكما. على كل حال عند التأمل يَبين أن التثنية هي الأصل وهي التي لا تحتمل التأويل، تدخل فيها الأم دخولًا بلا نزاع، ولا نحتاج إلى مثل هذا التأويل.

(وهل تدخل الأم) تردد، إن، (وهل تدخل الأم في لفظ الوالد إن أريد به من له الولد فيعم)، ما نحتاج إلى مثل هذا.

طالب: ..........

ويبقى أن الأمهات كلها ما لها.... أو الجدات؟

طالب: ما تدخل فيها؟

ما تدخل.

طالب: ..........

تمام ما يخالف، خلاص.

طالب: ..........

ماذا؟

طالب: ..........

اسمع كلام ابن حجر: (إن أريد به من له الولد فيعم)، إذا ما أريد ما تدخل.

طالب: .......... {وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} [البلد: 3].

نعم.

طالب: ..........

ما يخالف، لكن لماذا نلجأ إلى ما فيه احتمال؟ ما له داعٍ، التثنية دخول الأم فيها قطعي ولا يخالف فيه أحد، والإفراد: والِدِينا، هذا الإفراد احتمال.

طالب: حديث ..........

«أنت ومالُكَ لأبيك» هل تلحق بها الأم أم لا تدخل؟ فيه نصوص كثيرة دلت الأدلة على أن الأم أولى من الأب فيها، لكن ما لنا لازم بالاحتمال، وعندنا لفظ يُدخل الأم قطعًا.

قال: (وهل تدخل الأم في لفظ الوالد إن أريد به من له الولد فيعم، أو يقال: اكتفى بذكر أحدهما)، (اكتفى بذكر أحدهما)، لماذا يكتفي بذكر أحدهما؟

طالب: في دخول الآخر.

ماذا؟

طالب: في دخول الآخر.

(اكتفى بذكر أحدهما كما يكتفى عن أحد الضدين بالآخر، ويكون ما ذكر على سبيل التمثيل والمراد الأعزة)، لكن إذا كان المراد هذا، والأم أولى وأقرب إلى الابن وأولى ببره ما ذكر الأم.

طالب: ..........

هو إذا ذكر الأم فلن يدخل الأب بحال على كل احتمال، وإذا ذَكر الوالد وكذلك إذا ذكر الأب لا تدخل الأم إلا على سبيل التغليب في التثنية إذا قيل: الأبوين، فتدخل الأم من باب التغليب كما يقال: العمران والقمران وما أشبه ذلك.

طالب: .......... يا شيخ.

ماذا؟

طالب: ..........

لا ليس ......

طالب: ..........

ماذا؟

طالب: أبناؤكم وآباؤكم ما ذكر الأمهات على أنها داخلة في الآباء.

يعني: كون الشيء يدخل بالإشارة، لا بالعبارة، فهذا شيء آخر، يعني دخولًا أوليًّا، أو من باب: قياس الأولى، هذا معروف يعني، لكن ما نحتاج إلى شيء وعندنا أصلح منه، ولا يكلفنا شيئًا.

(ويكون ما ذكر على سبيل التمثيل والمراد الأعزة، كأنه قال: أحب إليه من أعزته، وذكر الناس بعد الوالد والولد من عطف العام على الخاص، وهو كثير، وقدم الوالد على الولد)، الناس هذا اللفظ العام عُطف على الوالد والولد؛ لأنه قد يوجد من يدخل في هذا اللفظ من هو أعز عند بعض الناس من والده وولده، بعض الناس يوفَّق بزوجة صالحة تملكه، وتأسر قلبه، ثم بعد ذلك الحب الجِبلي ما هو بالشرعي، قد يقدِّمها على أبويه في قرارة نفسه، ولذلك جاء: «والناس أجمعين» ليدخل مثل هذا، قد يكون شخص أعتقه وصار له عليه حق، أو أنقذه من هلكة، فيصل به الأمر عند بعض الناس إلى أن يقدمه على والديه، لا سيما وأن جانب الوالدين لا سيما مع طول العهد والمؤثرات على أديان الناس وعلى تصوراتهم، لا شك أنه وُجد من يرخص الأبوين، فيدخل في هذه «والناس أجمعين» من يقطع مثل هذا، بعض الناس يقول: واللهِ ما دام أبوه رخيصًا عنده، مطلقًا أمه، وبينهما مشاكل، ولا يعرف لهم شيئًا، وأمهم تزوجت وراحت وتركتهم! يقول: ولماذا أقدم والدي؟ هذا الكلام ما هو بشرعي ولا منطقي وعقوق، لكن قد يوجد، فلماذا أتي بـ: «والناس أجمعين»؟ لأنه قد يوجد عند بعض الناس من بعض الناس من هو أغلى عنده وأحب إليه من والده وولده، ولذلك جاء بالعام؛ لئلا يُبقي شيئًا.

طالب: .......

 نعم.

طالب: ..........

نعم. ويدخل فيه أيضًا هو نفسه، لكن إذا قلنا بهذا ينبغي تقديمه.

طالب: ..........

نعم. افترض أن الأم، الوالد والولد كفار، ثم أسلم، جاء بالناس أجمعين الذين فيهم المسلمون.

(وذكر الناس بعد الوالد والولد من عطف العام على الخاص وهو كثير، وقدَّم الوالد على الولد في رواية؛ لتقدمه بالزمان والإجلال، وقدَّم الوالد في أخرى لمزيد الشفقة. وهل تدخل النفس في عموم قوله: «والناس أجمعين»؟

الظاهر دخوله، وقيل: إضافة المحبة إليه تقتضي خروجه منهم وهو بعيد)، «والناس أجمعين» تقتضي.. قوله: (الظاهر دخوله، وقيل: إضافة المحبة إليه تقتضي خروجه منهم وهو بعيد)، لماذا اقتضت خروجه منهم؟ لأن المحب غير المحبوب، والأسلوب فيه محب وفيه محبوب، يعني مثل ما قيل في: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا} [الجمعة: 9]، قالوا: إن أقل العدد الذي تنعقد به الجمعة أربعة، {فَاسْعَوْا} أقل الجمع اثنان، و{إِذَا نُودِيَ} تقتضي مناديًا وهو المؤذن، {إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] الخطيب أربعة، ومنهم من يقول: ثلاثة باعتبار...

طالب: ..........  

أنه يمكن الجمع بين الخطابة والأذان، يكون المؤذن هو الخطيب، وأقل من يُدعى إلى الجمعة اثنان، فيكون ثلاثة. لماذا أتيت بهذا الكلام؟ لأنه يقول: (تقتضي خروجه منهم وهو بعيد)، لماذا لا يقال: اسعوا إلى اثنين واحد منكم يخطب وواحد يؤذن؟ لماذا لا يقال واحد يخطب وواحد يؤذن يصيرون اثنين؟

طالب: السامع ..........

لأن المطالَب بالسعي غير المطالب بالذكر؛ لأنه الذي يذكر {إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} يؤتى إليه، والمطالب إليه آتٍ إلى الذكر.

(وقد وقع التنصيص بذكر النفس في حديث عبد الله بن هشام كما سيأتي، والمراد بالمحبة هنا حب الاختيار لا حب الطبع)؛ لأن حب الطبع، نعم، قد يتزوج امرأة غير مسلمة وتوجد بينهما المودة التي ذكرها الله -جَلَّ وعَلا-: {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21]، توجد المودة، فتدخل قلبه ويقدمها على سائر الناس.

(والمراد بالمحبة هنا حب الاختيار لا حب الطبع)، ما معنى هذا؟ يعني أنه لو تعارض أمره-عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- مع أمر الوالد والولد، فإذا قدمت أمر الرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- طبقت الحديث، وإذا قدمت أمر الوالد والولد أو المسئول أو الرئيس، فأنت قدمته على حب الله ورسوله. ويذكر في الحريق الذي حصل في مِنى سنة..

طالب: سبع عشرة.

سبع عشرة، قالوا: إن شخصًا حج بوالده المقعد وبأطفاله، لما شب الحريق ما يقدرهم جميعًا، حمل الأطفال وهرب، واحترق الوالد، نسأل الله العافية، احترق الوالد، فسئل بعض أهل العلم، بكى من هذه الحادثة، الآن تقديم مراد الله -جَلَّ وعَلا- في بر الوالدين على حظ النفس، ولذلك لا تجدون أحاديث تأمر ببر الأولاد، هذا جِبلي، وحظ نفس هذا ما يحتاج إلى أن يؤمر به، وإنما جاءت النصوص المتكاثرة تأمر ببر الوالدين، وإلا بعد إهمال الأولاد سهل، لكن الطبيعة والجبلة تدعو إليه، ما يحتاج إلى نصوص، وإذا نظرنا إلى حديث الثلاثة الذين أووا إلى الغار وسيق في شرعنا مساق المدح؛ لأنه قدَّم بر الوالدين على الأولاد، وانتظر حتى يستيقظ الأب، والصبية يتضاغون من الجوع، لماذا مُدح؟

يعني بالإمكان أن يَقسم اللبن، ويعطي هؤلاء، وينتظر بهذا، ولا يلام، لكن في تقديم مراد الله– جَلَّ وعَلا- على مراد النفس مُدح من هذه الحيثية. وإذا نظرنا إلى كلام أهل العلم في النفقات من المقدم الأولاد أم الوالدان؟

طالب: ..........

ماذا؟

طالب: الأولاد.

الأولاد مقدمون على الوالدين في النفقة، منصوص عليه عند الفقهاء. هذا من الناحية الحكمية الظاهرة، لكن الإنسان قد يقدم شيئًا لمرجح مخالف لهواه، فيمدح من هذه الحيثية، فكونه يقدم مراد الله -جَلَّ وعَلا- على مراده فلا شك أن هذه مرتبة عالية بالنسبة للموازنات الشرعية.

(والمراد بالمحبة هنا حب الاختيار لا حب الطبع؛ قاله الخطابي.

 وقال النووي: فيه تلميح إلى قضية النفس الأمارة والمطمئنة، فإن من رجح جانب المطمئنة كان حبه للنبي -صلى الله عليه وسلم- راجحًا، ومن رجح جانب الأمارة كان حبه بالعكس، وفي كلام القاضي عياض: إن ذلك شرط في صحة الإيمان)، (إن ذلك شرط في صحة الإيمان) يعني تقديم محبة الرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- على محبة الخلق كائنًا من كان؛ (لأنه حمل المحبة على معنى التعظيم والإجلال، وتعقَّبه صاحب المفهم بأن ذلك ليس مرادًا هنا؛ لأن اعتقاد الأعظمية ليس مستلزمًا للمحبة) يعني فرق بين التعظيم والمحبة (لأن اعتقاد الأعظمية ليس مستلزمًا للمحبة).

 يعني عندك شخص تعظمه؛ لما عنده من أوصاف تقتضي ذلك، لكن هل يعني أن هذا الشخص أحب إليك من أقرب الناس إليك؟

طالب: ..........

ماذا؟

طالب: لا يلزم.

إن نظرت إلى عالم مثلًا عامل بعلمه تعظمه، لكن ما يلزم أن يكون أغلى الناس عندك وأحب الناس إليك.

قال: (لأن اعتقاد الأعظمية ليس مستلزمًا للمحبة؛ إذ قد يجد الإنسان إعظام شيء مع خلوِّه من محبّته، قال: فعلى هذا من لم يجد من نفسه ذلك الميل لم يكمل إيمانه وإلى هذا يومئ قول عمر الذي رواه المصنف في كتاب الأيمان والنذور من حديث عبد الله بن هشام: «أن عمر بن الخطاب قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: لأنت يا رسول الله أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال: لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك، فقال له عمر: فأنت الآن والله أحب إلي من نفسي»). وذكرت في الدرس السابق أن التصرف بالمشاعر بهذه السرعة؛ لأن المحبة تحتاج إلى تدرج، نعم، التصرف بالمشاعر بهذه السرعة لا شك أنه يدل على أن الإيمان غاية («فقال له عمر: فإنك الآن والله أحب إلي من نفسي، فقال: الآن يا عمر» انتهى، فهذه المحبة ليست باعتقاد الأعظمية فقط، فإنها كانت حاصلةً لعمر قبل ذلك قطعًا، ومن علامة الحب المذكور...).

قال -رحمه الله-، ...

طالب: مراد الحافظ هنا ..........

نعم.

طالب: ..........

الحب تقديم المراد، يعني أنت لو مثلًا نظرت إلى حب الطبع ودققت فيه، وجدت أن أصل المسألة محبة الرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- حب الطبع يعني من أجل ماذا؟

طالب: الجنة.

لأن الله أنقذك به من النار، فرجعت المسألة إلى أنك أحببته من أجلك، فالحب طبع. لكن يبقى أن حب الاختيار الذي فيه تقديم مراد الله -جَلَّ وعَلا- على مراد الرسول، بعض الناس يعني ما.... صحيح أن التربية لها دور، نعم، التربية لها دور، ويجد من نفسه أنه يحب الرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- بقدر ما يعرفه عنه من أوصاف، ترى عموم كثير من عامة المسلمين ما يعرف الرسول إلى باسمه، مثل هذا تتوفر عنده محبة حقيقية جبلية انبنت على معرفة أوصاف يستحق بها الرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- هذه المحبة؟

كثير من الناس واللهِ ما يعرف عنه إلا القليل، وربما بعض ما يضر ينفع، تعرُّضه -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- للامتهان والإهانة والسخرية من بعض الكفار أثرت في كثير من المسلمين مردودًا إيجابيًّا، بحثوا عن الرسول وتحركت فيهم الحمية الدينية والغيرة الدينية على نبيهم وعلى رمزهم، فوُجدت هذه المحبة، كثير من الناس في غفلة قبل ذلك؛ بدليل أنه لا يلتفت إلى أمره -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، ويخالفه لأدنى سبب، ولا يصلي عليه كثيرًا، ولا يذكره كثيرًا، في غفلة، لكن مثل ما حصل في قصة الإفك: {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ} [النور: 11]. فمثل هذا فيه خير: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19]. نعم، لا يُطلب ولا يُسعى، لكن إذا حصل يُستغل؛ لتكون آثاره نعم إيجابية ونافعة.

بعض من إذا سمع بالرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- طأطأ رأسه، وبكى، وزعم أنه يعظمه، ويقدسه أكثر من غيره، ويصل في ذلك إلى حد الغلو المنهي عنه، ويصل له شيئًا من حقوق الرب، هل هذه دعوة صادقة أم غير صادقة؟ يعني القلوب لا يعلم ما فيها إلا علام الغيوب، قد يكون عندهم من كثرة ترديد ذكره وذكر أوصافه ومحاسنه، وذكره على ألسنتهم وفي قصائد وفي أشعار، وفي أشياء أخرى، قد يتولد عنده شيء من الحب، لكن هل هذا الحب شرعي أم لا؟

تحبه وتعصيه! يقول: «إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو»، وتغلو وتصرف له شيئًا من حقوق الرب -جَلَّ وعَلا- وفي النهاية تقول: أنا أحب! قد يوجد عندك محبة، لكنها ليست الشرعية التي تقربك إلى الله -جَلَّ وعَلا-.

طالب: ..........

لا لا لا، هذه المحبة التي تقتضي تقديم النفس بين يديه -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، فلو قُدِّر أنه يفديه بنفسه في حتى يصل إلى حد أن يُقتل دونه، هذه محبة طبع ومحبة اختيار.

طالب: ..........

أين؟

طالب: ..........

متى يتولد حب الاختيار؟ يتولد من إدامة النظر في سيرته وشمائله والنصوص التي تدل على ذلك وتأمر بمحبته وتقديمه وما أشبه.  

كيف تحب العلم؟ إذا نظرت في النصوص التي جاءت في الحث عليه ورفعته ورفعة منزلة أهله في الدنيا والآخرة تحب العلم، وإلا فواحد من الشباب يسافر مع والده في صيف، ووالده من بلد لبلد ودورات ودروس ولقاءات، يقول ولده: واللهِ مسكين الذي حياته هكذا، وهو يتلذذ. النظرة تختلف، هذا ما ذاق، ولا عرف الهدف، ولا قرأ فيما يحث على ذلك. فالذي يولد مثل هذه المحبة القراءة. قد يقول قائل: إن هناك كتبًا جعلت المسلمين في الأقطار، يعني في معظم حالهم، يحبونه -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- ويكثرون من ذكره وفي مجالسهم وفي قصائدهم وفي كلامهم كله، ويضفون عليه بعض الأوصاف التي بعضها شرعي، وبعضها غير شرعي، ويغلون به ويقرءون من الكتب ما يعينهم على ذلك، ويرمون غيرهم بأنهم جفاة، يعني عندنا هل يُقرأ الشفاء أو حتى الشمائل للترمذي؟

العناية بها قليلة، كلنا نعترف بهذا، لكن هل معناه أننا لا نعظِّم الرسول؟ لا، الرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- مقدم على كل شيء حتى النفس، وما صح في السنة وما جاءت به النصوص الصحيحة لسنا على غفلة منه، يعني لا يعني أننا ما قرأنا الشفاء أننا ما نقرأ شمائله في الصحيح في صحيح البخاري أو في صحيح مسلم وفي الكتب المعروفة، حتى نُرمى بأننا لا نحب الرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- ولا نعظِّم الرسول، نحن نقتصر على ما صح، والكتب التي أُلفت في الشمائل والخصائص لا تسلم من غلو، أقول: لا تسلم من غلو، فكثير من أهل التحقيق يتحاشاها؛ من أجل ما فيها من غلو، ولا مانع أن تُقرأ ويعلق عليها وتدرس، ما فيه إشكال إن شاء الله، يعلق على ما فيه مخالفة.

طالب: ..........

هو إذا أقيمت بدعة لا شك أن البدعة مذمومة، لكن في ثناياها قد يكون فيها خير، في ثناياها أصلها مذموم: «كل بدعة ضلالة»، لكن قد يكون في ثناياها تمر أشياء، يعني ما كلها باطلة من كل وجه، ولا يعني هذا أن الإنسان يشرع البدعة، البدعة «كل بدعة ضلالة»، لكن قد يمر في مجلس من مجالسهم أو في عبارة أو في جملة من جملهم ما هي حق لا توجد عند من يجفو، والذي يجفو ما فيه شك أنه ما حقَّق الأحاديث التي جاءت تدل على أن هذه المحبة من الإيمان.

طالب: ..........

يعني في وقتها.

طالب: ..........

إذا وافق جمعة وقت الهجرة أو وقت ولادته -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- ذُكرت سيرته، هل هذا يعتبر من الأمور المرتبة التي تشبه العيد، أو أنها بالمناسبة تُذكر؟ يعني كونها تُذكر مرة أو مرات وتترك مرارًا، فهذا يقطع الترتيب الذي يجعله في حكم العيد؛ لأنه أحيانًا يغفل الإنسان، كما أن الصلاة عليه مقرونة بذكره، ويغفل الإنسان، فإذا ذُكر قال: اللهم صل على محمد.

طالب: ..........

نعم.

طالب: ..........

هو ما عندنا شك أن سد الباب هو الأصل، لكن لو قُدر أن الإنسان غفل عن سيرته -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- فتذكر في هذا الوقت، وتكلم عن سيرته.

طالب: في وقت الهجرة أو وقت الموت.

في أحدهما، عن سيرته -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- من غير قصد وترتيب، لكنه غفل ثم تذكر.

طالب: ..........

ويستمرون كل سنة؟

طالب: نعم.

لا لا، هذا ممنوع.

طالب: ..........

ماذا؟

طالب: ..........

يعني أنت ما تحسّ من نفسك أنك في صفقة مربحة ثم يؤذن المؤذن وتتركه وتروح، أليس قلبك معلقًا بها؟ هل معنى هذا أن صلاتك يعني انصرف قلبك بالكلية، ونسي هذه الصفقة، لكان ما غفل أحد في صلاته ولا سها أحد في صلاته، لو أن الإنسان يقطع علائقه بالدنيا إذا أقيمت الصلاة أو أُذن للصلاة، لكن مجرد تركك هذا الأمر المحبوب إليك إلى ما أمر الله به ورسوله دل على إيمان.

(ومن علامة الحب المذكور أن يعرض على المرء أن لو خُيٍّر بين فقد غرض من أغراضه أو فقد رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- أن لو كانت ممكنةً، فإن كان فقدها أن لو كانت ممكنةً أشد عليه من فقد شيء من أغراضه فقد اتصف بالأحبية المذكورة، ومن لا فلا، وليس ذلك محصورًا في الوجود والفقد، بل يأتي مثله في نصرة سنته، والذب عن شريعته وقمع مخالفيها، ويدخل فيه باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي هذا الحديث إيماء إلى فضيلة التفكُّر، فإن الأحبية المذكورة تُعرف به).

 لما قلنا: إن الغفلة عن هذه المحبة توقع في الجفاء، التذكر والتفكر يدعو إلى هذه الأحبية. (وذلك أن محبوب الإنسان إما نفسه وإما غيرها، أما نفسه فهو أن يريد دوام بقائها سالمةً من الآفات، وهذا هو حقيقة المطلوب، وأما غيرها فإذا حقق الأمر فيه فإنما هو بسبب تحصيل نفع ما على وجوهه المختلفة حالًا ومآلًا، فإذا تأمل النفع الحاصل له من جهة الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذي أخرجه من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان إما بالمباشرة وإما بالسبب، علم أنه سبب بقاء نفسه البقاء الأبدي في النعيم السرمدي، وعلم أن نفعه بذلك أعظم من جميع وجوه الانتفاعات، فاستحق لذلك أن يكون حظه من محبته أوفر من غيره؛ لأن النفع الذي يثير المحبة حاصل منه أكثر من غيره، ولكن الناس يتفاوتون في ذلك بحسب استحضار ذلك والغفلة عنه، ولا شك أن حظ الصحابة -رضي الله عنهم- من هذا المعنى أتم؛ لأن هذا ثمرة المعرفة وهم بها أعلم، والله الموفق.

 وقال القرطبي: كل من آمن بالنبي -صلى الله عليه وسلم- إيمانًا صحيحًا لا يخلو عن وجدان شيء من تلك المحبة الراجحة). يعني وبحسب ضعفها يكون ضعف إيمانه، ولذلك كانت محبته -عليه الصلاة والسلام- من الإيمان، ونصيبه من الإيمان بقدر نصيبه من هذه المحبة، وسيأتي في الأنصار أن حبهم من الإيمان أيضًا.

(غير أنهم متفاوتون، فمنهم من أخذ من تلك المرتبة بالحظ الأوفى، ومنهم من أخذ منها بالحظ الأدنى كمن كان مستغرقًا في الشهوات محجوبًا في الغفلات في أكثر الأوقات، لكن الكثير منهم إذا ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- اشتاق إلى رؤيته بحيث يؤثرها على أهله وولده وماله ووالده، ويبذل نفسه في الأمور الخطيرة، ويجد مخبر ذلك من نفسه وجدانًا لا تردد فيه، وقد شوهد من هذا الجنس من يؤثر زيارة قبره ورؤية مواضع آثاره على جميع ما ذكر؛ لما وقع في قلوبهم من محبته، غير أن ذلك سريع الزوال بتوالي الغفلات، والله المستعان. انتهى ملخصًا).

مسألة إيثار زيارة قبره ورؤية مواضع آثاره فيها من كلام أهل العلم، وأن الرحال لا تُشد إلا إلى المساجد الثلاثة، وشدّ الرحل إلى زيارة قبره -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- معروف أنها من الأمور البدعية المنكرة.

(من يؤثر زيارة قبره ورؤية مواضع آثاره على جميع ما ذكر)، لا شك أن مثل هذا ليس بشرعي، نعم إذا كان لا يتطلب شدّ رحل ويزار من أجل الاعتبار والاتعاظ كما جاء في المواضع الأخرى التي تُنسب إلى الأنبياء سواء كانت مواضع انتصارهم أو مواضع العقوبات لأممهم، لا شك أنها تعين على التفكر والتذكر: «ولا تدخلوها إلا باكين أو متباكين»، وجاء النهي عن الصلاة في مواضع العذاب، والصلاة في مواضع الخسف ذكرها البخاري -رَحِمَهُ اللهُ- في صحيحه.

والله أعلم. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

طالب: ..........

واللهِ الشرح أوسع قليلًا؛ لأنه فيه أشياء...

"