كتاب الطهارة من المحرر في الحديث - 13

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين.

 قال الإمام ابن عبد الهادي في محرره- يرحمه الله-:

 عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: أقيمت صلاة العشاء، فقال رجل لي حاجة، فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- يناجيه حتى نام القوم أو بعض القوم ثم صلوا، رواه مسلم. وفي لفظ له: كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينامون ثم يصلون ولا يتوضؤون، ورواه أبو داود ولفظه: كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضؤون، رواه الدارقطني وصححه، وفي رواية.."

ورواه الدارقطني، فيه واو؟

نعم.

"ورواه الدارقطني وصححه.

 وفي رواية عند البيهقي: لقد رأيت أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوقظون للصلاة حتى إني لأسمع لأحدهما غطيطًا، ثم يقومون فيصلون ولا يتوضؤون، قال ابن المبارك: هذا عندنا وهم جلوس، وقد روي في الحديث زيادة تمنع ما قاله ابن المبارك إن ثبتت رواها يحيى القطان عن شعبة عن قتادة عن أنس قال: كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينتظرون الصلاة فيضعون جنوبهم، فمنهم من ينام ثم يقوم إلى الصلاة، قال قاص بن أصبغ: حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني قال: حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان قال: حدثنا شعبة فذكره، قال ابن القطان: وهو كما ترى صحيح، من رواية إمام صحيح، من رواية إمام، عن شعبة فاعلمه.

 وقد سئل أحمد بن حنبل -رحمه الله- عن حديث أنس أنهم كانوا يضطجعون قال: ما قال هذا شعبة قط، وقال: حديث شعبة: كانوا ينامون، وليس فيه يضطجعون، وقال هشام: كانوا ينعسون، وقد اختلفوا في حديث أنس، وقد رواه أبو يعلى الموصلي من رواية سعيد عن قتادة ولفظه: يضعون جنوبهم فينامون، منهم من يتوضأ، ومنهم من لا يتوضأ."

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 يقول المؤلف- رحمه الله تعالى-:

"باب نواقض الوضوء" النواقض جمع ناقض كالجوارح والكواسب وغيرهما فاعل يجمع على فواعل، الوضوء، والناقض الأصل فيه الحل للمبرم والمعقود والمنسوج، وهنا يراد به ما يبطل الوضوء، وينقضه بمعنى أنه يفسده ويبطله، {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا} [سورة النحل:92] يعني أفسدته بعد أن أحكمته، وهنا يبطَل الوضوء ويفسَد بعد أن أكمل وأحكم.

 "وما اختلف فيه من ذلك" يعني النواقض المتفق عليها والمختلف فيها بين أهل العلم.

 يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "عن أنس -رضي الله تعالى عنه-" مر بنا مرارًا أن الجار والمجرور متعلق بمحذوف تقديره أروي "عن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال: أقيمت صلاة العشاء أقيمت صلاة العشاء" يعني المتعقبة للتعب الشديد طول النهار، فهم ينتظرونها ليناموا بعدها، واختلفت الآن الظروف، انعكست الفِطَر، فصار الناس الآن أصح ما يكونون في صلاة العشاء؛ لأنهم بعد نوم طويل في النهار، كثير منهم يسهر بالليل، وينام النهار، المقصود أن هذا الحاصل منهم لأنهم كانوا يتعبون في النهار، لا عن عدم اكتراث واهتمام بالعبادة.

 "أقيمت صلاة العشاء" فقام "فقال رجل" يعني للنبي -عليه الصلاة والسلام- "لي حاجة فقام النبي -عليه الصلاة والسلام- يناجيه حتى نام القوم أو بعض القوم ثم صلوا" قال رجل لي حاجة فأطال النبي -عليه الصلاة والسلام- في مناجاته، وهل يطيق الناس اليوم مثل هذا؟ يعني لو أن الإمام جاء على الوقت المحدد بعد ثلث ساعة من الأذان ثم قال له شخص: لي حاجة، فقام يناجيه خمس دقائق، لا تقول: ساعة، هل يطيق الناس مثل هذا المكث والبقاء؟ لا يطيقون، ولو تأخر الإمام خمس دقائق يمكن يفتاتون عليه، ويصلون قبل حضوره، ومنهم من يناله وينال من عرضه، كل هذا لأن الناس ما عودوا أنفسهم على البقاء والمكث في بيت الله وإلا علام العجلة؟

أنت تنتظر الصلاة، فأنت في صلاة، أنت في صلاة، لكن الناس تعودوا أنهم يأتون للإقامة، وينصرفون بعد السلام، وليس لهم هم فيما بعد ذلك ولا ما قبله، وليس معنى هذا أن للإمام أن يعطل مصالح الناس، نعم عليه أن يراعي المأمومين، ولا يشق عليهم، لكن أيضًا إذا حصل ظرف أو حصل مانع فالإمام عرضه محترم، والوقيعة فيه حرام، والكلام إن حصل في المسجد فالأمر أشد، فيبقى أن لكل من الإمام والمأموم ما يخصه من خطاب، الإمام مطالب بألا يشق على المأمومين، ولا يضارهم، والمأمومون أيضًا مطالبون بالانتظار حتى يأتي الإمام.

 "فقال رجل: لي حاجة، فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- يناجيه حتى نام القوم أو بعض القوم" هذا شك هل ناموا كلهم وهم مظنة لذلك؛ لأنهم كلهم أهل عمل، وأهل تعب في النهار، "أو بعض القوم، ثم صلوا" صلوا بعد ذلك، وليس فيه أنهم توضؤوا، واللفظ الثاني يصرح، هذا الحديث مخرج في صحيح مسلم.

 "وفي لفظ له" أي لمسلم: "كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينامون ثم يصلون ولا يتوضؤون، ورواه أبو داود ولفظه: كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينتظرون العشاء" كانوا يفعلون، هذا له حكم الرفع عند أهل العلم لاسيما إذا صرح بأنهم كانوا يفعلونه على عهده -عليه الصلاة والسلام- كما هنا.

 "كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رؤوسهم" تخفِق من باب ضرب، من باب ضرب ضرب يضرب، تخفِق، وأقول هذا؛ لأني سمعت بعض الكبار يقول: حتى تخفُق، وأهل العلم ينصون على أنها من باب ضرب، وليست من باب نصر.

 "حتى تخفِق رؤوسهم" تخفِق يعني تميل يمينًا وشمالاً، ومن الإمام، من النعاس، رؤوسهم.

 "ثم يصلون ولا يتوضؤون ورواه الدارقطني وصححه، وفي رواية عند البيهقي لقد رأيت أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يوقَظون" والإيقاظ لا يكون إلا من النوم "حتى إني لأسمع لأحدهم غطيطًا" شخيرًا، صوتًا ينبعث من الحلق أو من الأنف، المقصود يُسمع، وهذا في الغالب يكون مع الاستغراق، بعض الناس هناك عنده إما في أصل الخلقة زوائد لحمية في مجاري التنفس هذا غطيطه باستمرار ولو لم يستغرق، وبعض الناس إذا ارتفعت الوسادة أو نزلت صار له أثر، أو نام على وضع معين صار له هذا الغطيط، لكن في الغالب أن الغطيط إنما يكون في النوم المستغرِق.

 "ثم يقومون فيصلون ولا يتوضؤون" ابن المبارك له توجيه "قال ابن المبارك: هذا عندنا وهم جلوس، وهم جلوس" لكن يشكل على هذا التأويل وقد قال به جمع من أهل العلم، أنه إذا نام المتوضئ وهو جالس غير معتمِد على شيء، قد مكَّن مقعدته من الأرض، فإن هذا لا ينقض الوضوء، وما عدا ذلك ينقض على هذا، قال: "وقد روي في الحديث زيادة تمنع ما قاله ابن المبارك إن ثبتت" ويشكك بها، مع أنها قابلة للثبوت، يقول: "إن ثبتت، رواها يحيى القطان عن شعبة عن قتادة عن أنس: كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينتظرون الصلاة فيضعون جنوبهم فمنهم من ينام ثم يقوم إلى الصلاة" إمام عن إمام، يعني السند لا إشكال فيه كالشمس، لكن لمن طعن فيها لمن طعن فيها كالإمام أحمد يجعلها خطأً، يجعلها من قبيل الخطأ، والثقة والإمام يخطئ ليس بمعصوم من الخطأ قال قاسم بن أصبغ: حدثنا محمد يقول: إيش؟

 " وروي في هذا الحديث زيادة تمنع ما قاله ابن المبارك إن ثبتت رواها يحيى القطان عن شعبة عن قتادة عن أنس قال: كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينتظرون فيضعون جنوبهم فمنهم من ينام ثم يقوم إلى الصلاة" هذه تمنع تأويل ابن المبارك؛ لأنه حمل ما جاء من الأحاديث على الجالس، وهنا قال: يضعون جنوبهم، "فمنهم من ينام ثم يقوم إلى الصلاة قال قاسم بن أصبغ: حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني قال: حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان حدثنا شعبة فذكره قال ابن القطان: وهو كما ترى صحيح من رواية إمام عن شعبة فاعلمه" يعني إمام عن إمام إمام عن إمام، أهل العلم عندهم أنه إذا تتابع على رواية الخبر أئمة فإنه يقطع بثبوته وصحته وإفادته العلم القطعي اليقيني الذي لا يقبل النقيض، إذا تتابع الأئمة على رواية خبر، لماذا؟

لأن الاحتمال، احتمال الخطأ الوارد بالنسبة للإمام الأول لو وُجد، ونسبة هذا الاحتمال ضعيفة كما هو معروف في رواية الثقات، لو وُجد ما أقره الإمام الثاني، ما أقره الإمام الثاني على هذا الخطأ، ولو وُجد من الثاني ما أقره الثالث، ولذا يجعلون من القرائن التي تحتف بالخبر فترفعه إلى إفادة القطعية تتابع الأئمة على رواية الخبر.

 "وقد سئل أحمد بن حنبل -رحمه الله- عن حديث أنس أنهم كانوا يضطجعون قال: ما قال هذا شعبة قط، ما قال هذا شعبة قط" يعني هذا خطأ ممن دونه، "وقال: حديث شعبة كانوا ينامون، وليس فيه يضطجعون، وقال هشام: كانوا ينعسون".

 على كل حال مثل تقرير هذا الخطأ أو نفيه مما يُستدل بالقرائن عليه، مثل هذا ليس لآحاد المتعلمين إنما هو شأن الكبار، المتعلِّم الذي هو في طَور التمرين والتعلم لا يستطيع أن يقول مثل هذا الكلام، إنما يحكم على الخبر من جهة إسناده، والإسناد كالشمس، لن يتردد في تصحيحه، لكن الأئمة الكبار الذين عاشوا مع أنفاسه -عليه الصلاة والسلام- ومع أحاديثه، وعرفوا صحيح الحديث من خطئه هذا لا يفوتهم مثل هذه الأخطاء، يقول الإمام أحمد، ومنهم الإمام أحمد.

 "قد سئل الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- عن حديث أنس: إنهم كانوا يضطجعون قال ما قال هذا شعبة قط، وقال: حديث شعبة كانوا ينامون وليس فيه يضطجعون، وقال هشام: كانوا ينعسون، وقد اختلفوا في حديث أنس، وقد رواه أبو يعلى الموصلي من رواية سعيد عن قتادة ولفظه: يضعون جنوبهم فينامون، منهم من يتوضأ، ومنهم من لا يتوضأ، منهم من يتوضأ، ومنهم من لا يتوضأ".

 بينما قال في الأول: منهم من ينام، ومنهم من لا ينام، وهنا قال: منهم من يتوضأ، ومنهم من لا يتوضأ، سبق في حديث صفوان بن عسّال الحديث السابق، وفيه ألا ننزع خفافنا، حديث صفوان نعم هذا هو قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرنا إذا كنا سفرًا ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم"، فحديث صفوان دليل صريح على أن النوم ناقض للوضوء، وأحاديث الباب يستدل بها من يرى أن النوم لا ينقض الوضوء، والخلاف في المسألة معروف عند أهل العلم، فمنهم من يراه ناقضًا مطلقًا استدلالًا بحديث صفوان، وبحديث «العين وكاء السه، فمن نام فليتوضأ» المقصود أنه جاء في النوم، وأنه ناقض، بعض النصوص، وأحاديث الباب تدل بمجملها أو يستدل بها من يرى أن النوم لا ينقض الوضوء، وقيل بهذا، وقيل بذاك، لكن الموقف من مثل هذا التعارض إذا وُجد ما يدل على النقيضين في مسألة واحدة فلا بد من أن يُجمَع بين هذه النصوص فتُحمَل بعضها على حال، وبعضها على حال آخر.

 عرفنا ما قاله ابن المبارك، تحمل أحاديث الباب على الجالس، وعرفنا ما في هذا الحمل من الروايات التي تبعده من الاضطجاع ووضع الجنب، منهم من يقول: النوم الذي ينقض الوضوء هو النوم المستغرق النوم المستغرق الذي لا يشعر فيه النائم بما حوله وهو في هذه الحالة إذا كان لا يشعر بمن حوله فهو حينئذ لا يشعر بخروج الحدث، لا يشعر بخروج الحدث، وإذا كان يشعر بمن حوله على أي حال نام سواء كان جالسًا أو مضطجعًا أو مستندًا، إذا كان يشعر فإنه حينئذ لا ينتقض وضوؤه، لكن مرد هذا الشعور إلى إيش؟

طالب: ...........

العرف مشكل، في هذا مشكل العرف؛ لأنه لو ترك مثل هذا للناس ما ينتهي الأمر، لكن هل معنى هذا أنه إذا وجد بجانبه أناس يتحدثون بحيث يعي جميع ما يقولون، أو أنه يعرف أنهم يتحدثون، يعني هل نقول: الذي يشعر بمن حوله أنه يعرف بالتفصيل جميع ما قالوه هذا كثير من الصاحين الذي ما يدري ماذا يقولون، لكن هو يعرف أن بجواره أناسًا، ويعرف هناك جلبة وأصوات وإن لم يحدد تفاصيلها، فإذا عرف مثل هذه كان بما يخصه أعرف، فالنوم المستغرِق الذي يجعل الإنسان لا يحس بمن حوله هذا ناقض للوضوء، وعلى كل حال فالنوم يقرر أهل العلم أنه ليس بناقض لذاته، لا ينقض لذاته، وإنما هو مظنة للناقض، مظنة للناقض، وجُعلت المظنة هنا بمنزلة المَئِنَّة، يعني جُعلت بمنزلة المئنة، قد يقول قائل: إن النوم مادام مظنة لنقض الوضوء، والإنسان على طهارة بيقين، الإنسان على طهارة بيقين، فكيف ترتفع هذه الطهارة المتيقنة بأمر مظنون، بأمر مظنون؟

 هذا يجعلنا نتعرّض لمسألة الظن، الظن، وأنه مراتب متفاوتة، يبدأ من الظن الذي لا يغني من الحق شيئًا، ويبدأ من أكذب الحديث إلى أن يصل إلى مرتبة اليقين الذي لا تردد فيه {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُواْ رَبِّهِمْ} [سورة البقرة:46] يكفي الظن الاصطلاحي هنا؟ لا يكفي، بل لا بد من اليقين والجزم، وبينهما مراتب، فالظن هنا قريب من اليقين، ولذا حينما يختلف أهل العلم في الظن هل يفيد العلم أو يفيد اليقين، ويكثر الكلام، ويستغل مثل هذا الكلام في تقرير عقائد باطلة ينبغي أن نحدد ألفاظنا بدقة من جهة النصوص، ونجمع ما جاء في النصوص في هذه الكلمة وتنزل منازلها، فإذا عرفنا أن الظن متفاوت ليس مرتبة واحدة، هو في الجملة الاحتمال الراجح عند أهل العلم، لكن يبقى أن هذا الاحتمال الراجح أحيانًا يقرب من الشك، إذا قلنا: الاحتمال الراجح، الاحتمال الراجح يبدأ من واحد وخمسين بالمائة إلى تسعة وتسعين بالمائة إذا قلنا: الاحتمال الراجح فواحد وخمسون شك، أو قريبة من الشك، مثل هذا لا يرفع به اليقين ولا ما قرب منه، لكن إذا ارتفع الاحتمال، وزادت نسبته إلى أن يقرب من اليقين مثل هذا يرفع به اليقين، وهذا منه.

 فالمرجح عند أهل العلم أن النوم ناقض، وإن كان في الأصل مظنة للنقض، لكن المظنة نُزِّلت منزلة المَئِنَّة هنا، ويبقى أن النوم متفاوت، منه ما ينقض الوضوء، ومنه ما لا ينقض بدليل حديث صفوان السابق وأحاديث الباب، فمرد ذلك إلى الاستغراق وعدمه، فالنوم المستغرِق ينقض الوضوء؛ لأن الذي يغلب على الظن أن هذا المتوضئ يحدث وهو لا يشعر، نعم هناك أمور تجعل غلبة الظن تقوى، وهناك أمور تجعلها تضعف. إذا نام وهو ساجد مثلاً هل هو مثل ما لو نام وهو جالس؟

 من أهل العلم من يرى أن نوم الساجد لا ينقض الوضوء مطلقًا، ونوم الراكع لا ينقض الوضوء مطلقًا؛ لأنه جاء في الساجد إذا نام أن الله -جل وعلا- يقول: انظروا لعبدي روحه، يعني المصلي، المقصود أنه جاء ما يدل على مدحه، وإن كان هذا الحديث لا يسلم، لكن جاء ما يدل على مدحه، ولذا تمسك به من يقول: إن نوم الساجد والراكع والمصلي عمومًا لا ينقض، لكن هل النوم في الصلاة ممدحة أم مذمة؟ نعم جاء عن ابن مسعود وغيره أن النوم في الصلاة إيش؟

طالب:.........

والنوم في الجهاد..؟

طالب: ...........

نعم قال هذا من الإيمان، وهذا من النفاق؛ لأن النوم في الجهاد، أوقات الخوف والذعر دليل على قوة اليقين، والنوم في الصلاة يدل على الغفلة عنها، والإعراض عنها، والسهو عنها، وليست هذه حال المؤمن الكامل الإيمان.

طالب: ...........

نعم، أين؟

طالب: ...........

حُمل على النوم غير المستغرَق، حُمل على النوم غير المستغرق، قلت أنا: إن الغطيط في الغالب يكون مع الاستغراق غالبًا لا أقول: دائمًا، غالبًا يكون مع الاستغراق، اللهم إلا إذا كان هناك شيء في أصل الخلقة، بعض الناس هناك زوائد لحمية يغط ولو لم ينم أحيانًا، لكن هذا الجواب عن حديث الباب أنه محمول على النوم غير المستغرق.

طالب: ...........

نعم، لقد رأيتهم يوقظون حتى إني..

الإيقاظ يحتاجه بعض المستيقظين، يحتاج إلى أن يوقظ، يصير غافلًا يهوجس أو يفكر أو.. تقول له: قم صلِّ ما يلزم أن يكون من نوم وهم قد ناموا، لكنه نوم غير مستغرق، يقول لأحدهم: ذكرت لك أن الغطيط لا يلزم منه الاستغراق، هو في الغالب مصاحب الناس الأسوياء في الغالب يصاحب الاستغراق، لكن هناك قد يوجد بعض الناس من يغط وهو ما استغرق، المقصود أنه لا بد من مثل هذا؛ للتوفيق بين النصوص.

"وقال -رحمه الله-: وعن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، إني امرأة أستحاض، فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال: «لا، إنما ذلك عرق وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي»، متفق عليه، وزاد البخاري: وقال أبي يعني عروة: ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت.

 وروى النسائي الأمر بالوضوء مرفوعًا من رواية حماد بن زيد عن هشام وقال: لا أعلم أحدًا ذكر في هذا الحديث" ثم توضئي، غير حماد بن زيد.

 وقال مسلم: وفي حديث حماد بن زيد زيادة حرف تركنا ذكره وقد تابع حمادًا أبو معاوية وغيره، وقد روى أبو داود وغيره ذكر الوضوء من طرق ضعيفة."

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، إني امرأة أستحاض" والمستحاضات في عهده -عليه الصلاة والسلام- كم؟ كم؟ كم يا إخوان؟

طالب: ...........

بنات جحش ثلاث، كلهن ثلاث بنات جحش وهذه إيش؟

طالب: ...........

لا، بعضهم يوصل العدد إلى سبع، المقصود أن هؤلاء النسوة ابتلين بهذا المرض، وهو يسميه الفقهاء دم فساد، يسميه الأطباء نزيف استحاضة، يخرج الدم في غير موعده، وهو دم غير دم الحيض المعروف، يأتي في وقت الحيض وفي غير وقته، فمنهن من طالت بها المدة فمكثت سنين مستحاضة، والمستحاضة لها أحكام تختلف عن أحكام الحيض.

 "إني امرأة أستحاض فلا أطهر" وهذا الدم الذي يخرج في غير المعتاد من عِرْق يسمى العاذل أو العاذر، فهو انفجار عرق في رحم المرأة ينتج عنه هذا الدم المستمر، وهو في وقته وفي صفته يختلف عن دم الحيض.

 "أفأدع الصلاة" يعني لو استُحيضت سنين تترك الصلاة كالحائض، بجامع أنها يخرج منها الناقض الذي هو الدم الخارج من السبيل ناقض، ناقض للوضوء، فهل تترك الصلاة كالحائض أم ماذا تفعل؟

 "فقال: لا،" وهذا من باب الاكتفاء وإلا فالأصل أن يقول: لا تترك الصلاة، لكن اكتفى وما يأتي في السؤال معاد في الجواب حكمًا، فكأنه قال: لا، لا تدع الصلاة، «إنما ذلكِ عرْقٌ» يسمى العاذل أو العاذر، وليس بحيض، طيب ماذا تصنع؟ إذا كانت لا تترك الصلاة يقول: «فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنكِ الدم ثم صلي» كأنك وقت الحيض المعتاد إذا أقبلت، جاء وقتها أو جاء دمها هناك عند أهل العلم ما يسمى بالعادة، وعندهم أيضًا ما يسمى بالتمييز المرأة المعتادة يأتيها الدم ستة أيام أو سبعة من كل شهر في الوقت المحدد في العشر الأول، في العشر الأواسط، في العشر الأخيرة ثابت، نعم طرأ عليه من المؤثرات في الأزمان المتأخرة بسبب بعض المأكولات أو بعض الأدوية ما يجعل العادات تضطرب، لكن هو في الأصل ثابت، فإذا أقبلت حيضتك إن كنت معتادة، لكِ عادة بينة فاتركيها أيام هذه العادة.

 طيب إن لم تكن معتادة، أو عادتها مضطربة؛ مرة تأتيها في أول الشهر، ومرة في منتصف الشهر، ومرة في آخره، ومرة تأتيها سبعة، ومرة تأتيها خمسة، ومرة تأتيها ثمانية مثل هذه تعمل بالتمييز، تعمل بالتمييز، فإن دم الحيض أسود يُعرِف، أو يُعرَف، له رائحة، ثخين، فإذا وُجد هذا الوصف فدعي الصلاة، إذا انقطع الدم المتصف بهذه الأوصاف تغسل عنها الدم وتصلي هذه غير المعتادة على خلاف بين أهل العلم في تقديم العادة على التمييز أو العكس، المستحاضة إذا توضأت وصلت من أهل العلم من يكره معاشرة الرجل لزوجته وفيها هذا الدم، وطء الحائض حرام إجماعًا، لكن إذا كانت مستحاضة ومثل هذه مبتلاة تستحاض فلا تطهر، هل نقول: إنها لا توطَأ؟

 لا شك أن هذا فيه ضررًا عليها وعلى زوجها، والمنصوص عليه الحيض، من أهل العلم من يُطلِق الكراهة، وابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- يقول: إذا صلت فلتوطأ، الصلاة أعظم، هذا استدلال يدل على فقه، يقول: الصلاة أعظم، والأمر كذلك إذا كان هذا لا يمنع الصلاة فلا يمنع ما دونها.

«فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي» إذا أقبلت اغسلي عنك الدم فقط وإلا يلزمها الغسل باعتبار أنها تعامَل معاملة من طهرت من الحيض، يكفي غسل الدم، أو لا بد من الاغتسال؟

 الآن هي عوملت معاملة الحائض بمعنى أنها تترك الصلاة ولا توطأ في هذه المدة، مدة حيضتها العادية، فهل نلزمها بالغسل وإن لم ينقطع الدم؟

نقول: هو انقطع الحيض حكمًا، فيلزمها على هذا الغسل، ولا يجز أن تقرب حتى تطّهر.

 "متفق عليه، وزاد البخاري: وقال أبي يعني عروة: «ثم توضئي لكل صلاة، لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت»، هل المقصود لكل صلاة بمعنى أنها لو صلت في الوقت الواحد ما شاءت عشر تسليمات، عشرين تسليمة، قضت في هذا الوقت فوائت، أو المقصود أنها تتوضأ للوقت، لدخول الوقت وتصلي فيه ما شاءت من فرائض ونوافل؟ بمعنى أنها لو كانت تجمع بين الصلاتين توضئي لكل صلاة، مقتضى اللفظ أنها إذا صلت الظهر تتوضأ للعصر؛ لأنها تتوضأ لكل صلاة، أو نقدر مضافًا ونقول: توضئي لوقت كل صلاة، وهذا احتمال يرجحه كثير من أهل العلم بدليل قوله: حتى يجيء ذلك الوقت، فعُلِّق الأمر بالوقت حتى يجيء ذلك الوقت، وهذا مرجح عند كثير من أهل التحقيق؛ لأنه هل يلزم مثلاً إذا جمعت بين صلاتين تتوضأ للظهر، ثم بعد ذلك إذا فرغت منها يفترض أن هذه المستحاضة مسافرة، لها الجمع بين الصلاتين، هل نقول: إذا صلت الظهر أو المغرب تذهب لتتوضأ لصلاة العصر أو العشاء؟ مقتضى اللفظ توضئي لكل صلاة أنها تتوضأ ولو كانت تجمع، لكن الإشارة بقوله حتى يجيء ذلك الوقت يدل على أن هناك مضافًا مقدرًا تقديره: توضئي لوقت كل صلاة، ولعل هذا هو الأظهر والأرفق بها.

 "وروى النسائي الأمر بالوضوء مرفوعًا من رواية حماد بن زيد عن هشام قال: لا أعلم أحدًا ذكر في هذا الحديث: ثم توضئي غير حماد بن زيد" يعني الوضوء الأول الذي حصل بعد ناقض للمستحاضة كغيرها، تتوضأ لوجود الناقض، لكن هل وضوء المستحاضة كوضوء غيرها يرفع الحدث أو يبيح الصلاة؟ يرفع الحدث أم يبيح الصلاة؟

لو كان يرفع الحدث ما احتاجت إلى أن تتوضأ لكل صلاة ولا لوقت كل صلاة، لكن دل هذا الحديث على أنه مبيح للصلاة لا يرفع الحدث كمن به حدث دائم فيه سلس بول أو سلس ريح أو سلس غائط أو غيرها، مثل هذا لا يرتفع حدثه؛ لأن حدثه دائم، إنما يستبيح الصلاة بهذا الوضوء الذي لا يقطع الحدث.

 يقول: "لا أعلم أحدًا ذكر في هذا الحديث ثم توضئي غير حماد بن زيد" طيب حماد بن زيد من الجلة ثقة، ألا يكفي في أن يتفرد بهذه الجملة وتثبت بروايته وهو من الثقات؟ وتقول: هذه من زيادات الثقات؟

واقبل زيادات الثقات منهم

 

ومن سواهم فعليه المعظم

أو نقول: إن حمادًا مع كونه ثقة قد يهم وقد يخطئ، ولا يخرجه هذا الوهم اليسير بجانب كثرة ما روى، لا يخرجه عن دائرة التوثيق، فهل نقول: إن هذه محفوظة وزيادة من ثقة، أو نقول: حماد ثقة وتفرد بهذه الزيادة فهي شاذة؟

طالب: ...........

هو يقول: "لا أعلم أحدًا ذكر في هذا الحديث: ثم توضئي غير حماد بن زيد".

طالب: ...........

ما يخالف، خلنا كلمة، كلمة، الآن "قال مسلم: وفي حديث حماد بن زيد زيادة حرف تركنا ذكرها أو تركنا ذكره" أنت افترض الآن أن حمادًا تفرد ما روى هذه الكلمة، ترك مسلم ذكر هذا الحرف، والبخاري أثبته، هو رواه من المرجَّح البخاري بلا شك، البخاري بلا شك، ولو قال الإمام مسلم: تركنا ذكر هذا الحرف، على أن حمادًا لم يتفرد بهذه الجملة، بل تابعه أبو معاوية وغيره، أبو معاوية اسمه محمد بن خازم الضرير، هذه الزيادة توبع عليها حماد، فهي مقبولة بلا شك، وإن قال الإمام مسلم: أضرب عنها، فلم يذكرها، ولو لم يكن فيها إلا تخريج الإمام البخاري، وقد عُرف بالتحري وشدة التوقي، وقد ذكر أبو داود وغيره "وقد روى أبو داود وغيره ذكر الحديث من طرق ضعيفة، من طرق ضعيفة" لكن يكفينا ما في صحيح البخاري، يكفينا ما في صحيح البخاري، لو أردنا أن نطبق يعني أردنا أن نرجح ثبوت هذه الزيادة أو عدم ثبوتها من خلال القواعد وقلنا: نفترض المسألة مع عدم الثبوت كونها تتوضأ كغيرها، كونها تتوضأ كغيرها، ولا تطالَب بإعادة الوضوء إلا بناقض معتبَر، هذا هو الأصل، هذا هو الأصل، أن الوضوء تترتب عليه آثاره، ولا ينتقض إلا بناقض، ويكون ما في حديث الباب من قوله: ثم توضئي لكل صلاة يكون ناقلًا عن الأصل، ناقلًا عن الأصل، هذا إذا قلنا بأن وضوء المستحاضة ومن به حدث دائم كوضوء غيره من كل وجه، فنقول: إن حديث الباب ناقل عن الأصل، وما ينقل عن الأصل عند أهل العلم مرجِّح؛ لأن ما يشهد للأصل مؤكِّد، وما ينقل عن الأصل مؤسِّس، والمؤسِّس عندهم مقدَّم على المؤكِّد.

 إذا أضفنا إلى أن وضوء المستحاضة ليس كوضوء غيرها، ومثلها من به حدث دائم لا يستوي مع غسل غيرهم ممن ينقطع حدثه؛ لأننا نفترض في هذه أنها محدِثة، نفترض في مثل هذه أنها تحدِث باستمرار، فلا بد حينئذ من الوضوء؛ لأن الله -جل وعلا- لا يقبل صلاة من أحد حتى يتوضأ، هي محدِثة، ولولا الضرورة القصوى لما صححت صلاتها والحدث يخرج منها، لما صححت صلاتها؛ لأن الحدث يخرج، والحدث مبطِل للطهارة، إذًا هي تحتاج إلى وضوء باستمرار، وأن تصلي على طهارة كاملة، لكن الطهارة الكاملة متعذرة في مثل هذه الحالة فيكفي أن تتوضأ، وما يتعذر لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، تصلي على حسب حالها، فعلى هذا المستحاضة ومن به حدث دائم مثل هذا يصلي على حسب حاله، يتوضأ لكل صلاة أو لوقت كل صلاة، ثم بعد ذلك يصلي على حسب حاله.

"وقال -رحمه الله-: وعن علي -رضي الله عنه- قال: كنت رجلاً مذّاءً، فأمرت المقداد أن يسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: «فيه الوضوء»، متفق عليه، واللفظ للبخاري، وفي لمسلم: «توضأ وانضح فرجك»."

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- "وعن علي -رضي الله تعالى عنه- قال: كنت رجلاً مذّاءً" يعني كثير المذي، فعّال صيغة مبالغة، والعلماء والأطباء وغيرهم يقررون أن كل فحل يمذي، لكن مع ذلكم يتفاوتون، فعلي- رضي الله عنه- كثير المذي، ولذا جاء بصيغة المبالغة، مذاء، والمذي ماء رقيق أبيض لزج يختلف عن غيره.

 "فأمرت المقداد أن يسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: «فيه الوضوء»"،  فدل على أنه ناقض من نواقض الوضوء، ودل على أنه نجس؛ لأنه يخرج من مخرج البول، وفي طهارة المزي، نقول: نجاسة البول هذا محل إجماع، لكن طهارة المني محل خلاف، والمرجح طهارته، يبقى مثل هذا هل يلحق بالمني في طهارته، أو بالبول في نجاسته؟

 يستعمل فيه قياس الشبه، قياس الشبه وهو بالبول أشبه، ولذا جاء نضح الفرج، وجاء أيضًا غسل الذكر، وجاء غسل الفرج، «اغسل فرجك»، وفي رواية: «انضح فرجك»، المقصود كل هذا يرجح إلحاقه بالبول، لكن هل يعفى عن يسيره، أو لا يعفى كالبول؟ يعامل معاملة البول من كل وجه، أو يقال: إنه يعفى عن يسيره باعتباره مترددًا بين طاهر ونجس، فهو أخف من النجس، وأشد من الطاهر؟

 من أهل العلم من يقرر أنه يعفى عن يسيره، ولذا يكتفى فيه بالنضح، ولذا قال: انضح فرجك.

 يقول: "كنت رجلاً مذّاءً، فأمرت المقداد أن يسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: «فيه الوضوء» في بعض الروايات أن عليًّا سأل بنفسه، كونه أمر المقداد جاء التصريح بالسبب، وأن السبب في كونه لم يباشر السؤال أن ابنته فاطمة -رضي الله تعالى عنها- تحته، ولا شك أن الإنسان ينبغي أن يحتاط مع في معاملة أصهاره، وفي الحديث معهم لاسيما ما يتعلق بأمور تكون للنساء بها صلة، تكون للنساء بها صلة، دعونا من علي -رضي الله تعالى عنه- المشهود له بالجنة، ومن زوجته فاطمة -رضي الله تعالى عنها-، ومن صهره -عليه الصلاة والسلام-، لو جاء شخص عادي فسأل صهره أبا الزوجة فقال: كنت رجلاً مذاءً وهو يسأله ويقول: أنا رجل مذاء، ماذا أفعل و..؟

 مثل هذا يناسب أن يواجهه بالسؤال؟ يمكن أن يواجهه بأمر لا يتوقع لا يتوقع يمكن أن يعزو هذا إلى إرسال البصر، أو كثرة التفكير أو ممكن، لكن ما يظن بهم هذا، لكن من باب تمام الأدب من علي -رضي الله تعالى عنه- أمر المقداد وغيره -عليه الصلاة والسلام- غيره ممن يُسأل كثير، بينما الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا يُمكن أن يُسأل غيره، فإذا كان بين الشخص وبين زوجته مشكلة لاسيما إذا كان فيها شيء قد يعرِّضه للتهمة، أو شيء ما يبحث عن غير هذا الصهر فيسأله.

 قد يقول قائل: إن هذه ينبغي أن تبنى على الستر، وأنه سؤال الصهر أولى من غيره أو كذا، على كل حال المسألة اجتهادية، فإن كانت منزلته لا ترتفع عن الاتهام يسأل غيره، وإن كان بمنزلة بحيث لا يتهم يسأله الصهر، كما سأل علي -رضي الله تعالى عنه-.

 "كنت رجلاً مذاءً فأمرت المقداد" المقداد بن الأسود معروف وصحابي مشهور، وهو من الموالي، مولى -رضي الله تعالى عنه- وتحته مَن؟

 ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب بنت عم النبي -عليه الصلاة والسلام-.

 "فأمرت المقداد أن يسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- فسأله، فسأله فقال: «فيه الوضوء»يعني في المذي الوضوء باعتباره ناقضًا خارجًا من السبيل ففيه الوضوء، يعني وليس فيه غسل، وليس فيه غسل، فهو يخالف في هذا المني، ويشابه البول.

 "متفق عليه، واللفظ للبخاري، وفي لفظ مسلم: «توضأ»" فدل على وجوب الوضوء من خروج المذي. «وانضح فرجك» في بعض الروايات: «اغسل ذكرك»، وفي بعضها: «اغسل ذكرك وأنثييك»، فيغسل موضع الخارج، وينضح الفرج نضحًا عامًّا، وإن نضحت أيضًا السراويل معه كان أولى، لماذا؟

 لئلا يصاب بالوسواس، لئلا يصاب بالوسواس؛ لأنه توضأ وضوءًا كاملًا مثلاً، ثم خرج إلى الصلاة، فأحس بشيء إذا كان قد نضح فرجه ونضح سراويله فإنه يحيل هذا الخارج إلى ما في الفرج والسراويل من أثر بلل النضح، فمثل هذا يقطع الوسواس، يقطع الوسواس، كثير من الناس يشكو أنه إذا توضأ وخرج نزل منه شيء، هذا لا يقطعه إلا النضح وعدم الالتفات إليه إذا كثر، هذا وسواس لا يقطعه إلا النضح وعدم الالتفات إليه.

"وقال -رحمه الله-: وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «تصلي المستحاضة وإن قطر الدم على الحصير»، رواه الإمام أحمد والإسماعيلي، ورجاله رجال الصحيح."

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «تصلي المستحاضة وإن قطر الدم على الحصير» المستحاضة هي من يخرج منها الدم في غير الوقت المعتاد، فتصلي وتتوضأ لكل صلاة، لكن هل تترك الأمر للدم بحيث يسيل على بدنها وثيابها وبقعتها التي تصلي فيها؟

 زينب بنت جحش، وهي ممن ابتلي بالاستحاضة، تعتكف وهي مستحاضة، ويوضع الطست تحتها، كل هذا من باب الاحتياط؛ لئلا تلوث المسجد، وأمرت النفساء أن تستثفر، تتحفظ؛ لأن الدم الخارج من السبيل نجس، فيحتاط له، فيحتاط له، يقول: «تصلي المستحاضة وإن قطر الدم على الحصير»، سنده صحيح، "رجاله رجال الصحيح" لكن لا يلزم من هذا صحة المتن صحة المتن، وهذه الجملة جاءت في حديث فاطمة بنت أبي حبيش السابق حديثها، جاء فيها تصلي «توضئي لكل صلاة وإن قطر الدم على الحصير» لكن هذه الجملة غير محفوظة، غير محفوظة، فالأصل أن هذه المستحاضة ومثلها غيرها ممن ابتلي أن يتحفظ؛ لئلا تتسع رقعة النجاسة، لئلا تتسع رقعة النجاسة، ومعلوم أن الثياب لا بد من تطهيرها، {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [سورة المدثر:4]، والبدن لا بد من تطهيره من أجل الصلاة، فإذا ترك الدم يسيل فإنه ينجس البدن، وينجس الثوب، وعلى هذا تحصر النجاسة بحيث لا تنتشر وتتوزع على سائر البدن والثياب، على أن قوله: تصلي وإن قطر الدم على الحصير أن هذا من باب إيش؟

طالب:.........

 المبالغة في أمرها بالصلاة وعدم الالتفات إلى الدم وإن كثر، ولا يلزم من أسلوب المبالغة أن يكون الحكم على مقتضاه، إنما هي مبالغة بالأمر بالصلاة على حالها، وإن قطر الدم على الحصير، يعني كما يقول القائل مثلاً: يفعل كذا وإن تبعته نفسه لا بد أن أفعل كذا وإن متّ، هو لن يفعل إلى هذا الحد، لكنه يبالغ في الاهتمام بهذا الشأن، يبالغ في الاهتمام بهذا الشأن، ومثل هذا المستحاضة كغيرها؛ لأنها بصدد أن تتساهل أو تُؤمَر بالتساهل في الصلاة لما يخرج منها من الدم، فهذا مبالغة في الأمر لها بالصلاة، ولا يلزم من هذا أن تنجس الثياب والبدن والبقعة بالدم.

"وقال- رحمه الله-: وعن عروة بن الزبير عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبّل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ، كذا رواه أحمد، ورجاله مخرج لهم في الصحيح، وقد ضعفه البخاري وغيره.

 وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا وجد أحدكم في بطنه شيئًا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا، فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا»، رواه مسلم."

نعم، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عروة بن الزبير عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ" يقول: "كذا رواه الإمام أحمد، ورجاله مخرج لهم في الصحيح، وقد ضعفه البخاري وغيره".

 عن عروة بن الزبير عن خالته عائشة- رضي الله تعالى عنها- في هذا الحديث، والحديث صحيح لا إشكال فيه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قبَّل، والتقبيل أبلغ من مجرد المس، مس البشرة، "قبَّل بعض نسائه، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ" لكن هل يقال: إن هذا من خصائصه، وأن لمس المرأة ناقض للوضوء {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ} [سورة النساء:43]، أو نقول: إن الملامسة غير اللمس، والمس؟ ولذا المرجح في تفسير قوله- جل وعلا-: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ} [سورة النساء:43] أنه الجماع، وعلى هذا فمس المرأة سواء كان بشهوة أو بدون شهوة لا ينقض الوضوء، لا ينقض الوضوء، الرسول -عليه الصلاة والسلام- "قبَّل بعض نسائه، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ"، لكن ألا يمكن أن يقال: إن مثل ما قيل في تقبيل الصائم أنه قبل نساءه وهو صائم تقول عائشة: أيكم مثل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان أملككم لإرْبه؟

لأن بعض الناس ما يملك، إذا قبل أو مجرد لمس أن يحصل منه ما ينقض الوضوء، فيمنع باعتباره وسيلة لناقض وليس بناقض، فمن يغلب على ظنه أنه إذا قبَّل خرج منه ما يبطل الصوم لا يجوز له أن يقبل، وإذا مس أو قَبَّل فخرج منه ما يبطل الوضوء أنه لا يقبِّل، فالتقبيل ومجرد المس بشهوة هذا مظنة للناقض، مظنة للنقض بما يخرج من أثر ذلك، وعلى كل حال المظنون والغاية مدرَك فإن حصل حصل به النقض وإلا فلا، بخلاف النوم، النوم ما عُلِّق أو ما المظنون بسبب النوم قد لا يُدرَك، فجُعل النوم هو الناقض، جُعل النوم هو الناقض؛ لأن المظنون وهو خروج الحدث غير مدرَك؛ لأن النائم لا يُدرِك هذا الذي يقبِّل أو يمس، نعم مظنة للنقض، لكن قد يقول قائل: أنا أريد أنه يريد أن يقبل، لكن خرج منه ما ينقض الوضوء، توضأ إن لم يخرج منه ما ينقض الوضوء استمر على وضوئه، وعلى هذا فمس المرأة ولو كان بشهوة لا ينقض الوضوء، وإن كان مظنة للنقض، وقل مثل هذا في التقبيل، كما في حديث الباب، من أهل العلم من يرى أن المس ينقض الوضوء، ويستدل بالآية {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ} [سورة النساء:43] مطلقًا، ولو من غير شهوة، وهذا هو المعروف عند الشافعية، ولذا يجدون الحرج الشديد في المطاف في أوقات الزحام، ويوصون في مناسكهم أن يحتاط الطائف لهذا أشد الاحتياط؛ لأنه قد ينتقض وضوؤه وهو لا يشعر ولا يقصد، ثم بعد ذلك يبطل طوافه. الحنابلة المعروف عندهم أن لمس المرأة لا ينقض إلا إذا كان لشهوة، إلا إذا كان لشهوة، وحينئذ تغلب هذه المظنة وتقوى حتى تصل إلى حد المَئِنَّة، لكن حديث الباب يدل على أن مجرد المس واللمس لا ينقض الوضوء.

 قد يقول قائل: لماذا لا يخصص هذا بالنبي -عليه الصلاة والسلام- أنه يقبل نساءه وهو الأملك لإربه -عليه الصلاة والسلام-، ولسنا مثله؟

 نقول: لكن هذا أمر مُدْرَك، نعم في الصيام يحتاط المسلم لصيامه، لكن في الوضوء هذا أمر مدرك إن خرج شيء توضأ وإلا فلا، أنت في الأصل على طهارة، والطهارة لا يزيلها الشك. يقول: "ضعفه البخاري وغيره" ورجاله ثقات، ولا يوجد مانع من قبوله.

 "وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا وجد أحدكم في بطنه شيئًا فلا يخرجن من المسجد، إذا وجد أحدكم في بطنه شيئًا فأشكل عليه أخرج منه شيئًا أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا»، رواه مسلم" «إذا وجد أحدكم في بطنه شيئًا» قرقرة في البطن، ونزلت هذه القرقرة إلى أن قربت من المخرج، والشيطان يلعب بمقاعد بني آدم، كثير من الناس ينصرف عن لا شيء، بمجرد وجود هذه الأشياء ينصرف ويتوضأ، ويسترسل في مثل هذا حتى يصل إلى حد الوسوسة، ثم إذا عاد من وضوئه وجد نظيره ثم عاد ثانية وهكذا، ويخرج الوقت وهو يتوضأ، وهذا موجود، والشيطان على مثل هذا حريص؛ لأن الشيطان إذا لم يستطع أن يحاول بالمسلم حتى يترك الصلاة فإذا لم يستطع دفعه وجعله يزيد في الاحتياط.

 أولاً يدعي أنه احتياط للعبادة، ثم يجره هذا الاحتياط إلى الوسواس، ومثل هذا لا ينتهي، يمكث بعض الموسوسين الساعات أحيانًا يدخل قبل الوقت بساعة أو أكثر ويخرج الوقت وهو يتوضأ، نسأل الله السلامة والعافية، وإذا جاء إلى الصلاة فمثل هذا أو أشد حتى قال بعضهم: إنه ما ارتاح حتى ترك الصلاة، ارتاح من أي شيء؟ من مجاهدة الشيطان، خلاص الشيطان لما ترك الصلاة ما له به حاجة، لا حاجة له به، فارتاح منه، لكن الصلاة ركن الإسلام الأعظم، من تركها فقد كفر، الشيطان حريص على مثل هذا، ولذا النبي -عليه الصلاة والسلام- أراد أن يقطع دابر هذه الشكوك والوساوس «إذا وجد أحدكم في بطنه شيئًا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا» يعني شك في الأمر «فلا يخرجن، فلا يخرجن من المسجد» بمجرد هذا الشك؛ لأنه على طهارة متيقنة، والشك لا يزيل اليقين، «فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا».

 وهذا مقرر للقاعدة العظيمة المعروفة عند أهل العلم، وهي أن الشك لا يُزيل اليقين، الشك لا يزيل اليقين، فلا بد أن يسمع صوتًا، يسمع صوتًا بحيث لا يشك في أنه خرج منه ما يبطل الوضوء، أو يجد ريحًا، ريحًا، ما يخرج من دبر الإنسان، فإذا سمع الصوت وتأكد منه، أو شم الريح فإنه حينئذ عليه أن ينصرف؛ لأن الله -جل وعلا- لا يقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ، لا يقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ، «لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول».

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"