شرح منسك الإمام محمد بن عبد الوهاب (1)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
ففي هذه الليلة المباركة من هذا الشهر الحرام في البلد الحرام ويوم من أيام الحج، نستهلّ ونبتدئ هذه الدورة التي نرجو أن تكون خالصة لوجهه مقربة إلى مرضاته وجناته، الإعلان عن الدورة فيه صفة حج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولعل هذا الإعلان طُبع قبل الاتفاق على اختيار الكتاب المراد شرحه، وهذا الكتاب وقع في يدي في اللحظات الأخيرة قبل الحضور أو المجيء إلى مكة، رأيت من المناسب جدًّا أن يُعلَّق على هذا المنسك المختصر المبارك للإمام المجدد إمام الدعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، والمناسبة بين هذا الاختيار واسم المسجد وحق الشيخ علينا- رحمة الله عليه- في نشر علمه وإفادة العامة والخاصة منه هذا لا يخفى؛ لأن له حقًّا عظيمًا على من اهتدى بسببه إلى الصراط المستقيم والطريق القويم والعقيدة الصحيحة السليمة، وكونه ينشر علم هذا الإمام وفاء لبعض حقه علينا، وأيضا المنسك في غاية الاختصار وهو مناسب جدًّا للأيام الثلاثة، وفيه سهولة وبُعد عن التعقيد الذي يسلكه أكثر المتأخرين من المتفقهة، لكن الشيخ في جميع مصنفاته مسلكه واضح ومنهجه ظاهر وعبارته جليَّة، هذا المنسك في عشر صفحات صغيرة من القطع الصغير في الأصل في المخطوط، وكما تعلمون الكتاب خُدم وحُقق وعُلق عليه وصُحِّح حتى ظهر بهذا الحجم الذي يقرب من خمسين صفحة، على كل حال التعليقات يستفيد منها طلاب العلم، والأدلة التي ذكرها نافعة لطالب العلم، ونحن بدورنا نوضح بعض المسائل ونكمل بعض النواقص نسأل الله- جل وعلا- العون والتوفيق والتسديد ونبدأ بعون الله وتوفيقه.
يقول الإمام المجدد-رحمه الله تعالى-: بسم الله الرحمن الرحيم".
ابتدأ الإمام- رحمة الله- عليه كتابه بالبسملة اقتداء بالقرآن الكريم وعملا بالحديث المشهور «كل عمل ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر» وإن كان مضعفا عند أهل العلم وأقوى منه «كل أمر ذي بال لا يُبدأ فيه بحمد الله» وقد حسنه جمع من أهل العلم، ومعلوم أن جمهور أهل العلم يستدلون بالحديث الضعيف في مثل هذا، وعلى كل حال الشيخ ابتدأ بالبسملة ولم يذكر الحمدلة بناء على أن التصانيف من باب الرسائل لا من باب الخطب، والرسائل تُبدأ بالبسملة ككتابه -عليه الصلاة والسلام- إلى هرقل، بخلاف الخطب التي تبدأ بالحمدلة، والإمام البخاري كذلك ذكر البسملة ولم يذكر الحملة والأمر فيه سعة، فالبسملة ذكر فإذا ابتدئ بها كفى، وقد يكون حمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه -عليه الصلاة والسلام- في نفسه، قال- رحمه الله-: "اعلم رحمك الله"، هذا أسلوب اعتاده الشيخ- رحمه الله تعالى- في مصنفاته يدعو للقارئ والمتعلم برحمة الله، ولعله يدعو لنفسه في نفسه ومن حرصه على طلاب العلم أن الله- جل وعلا- يرحمهم ويوفقهم ويدعو لهم- رحمة الله عليه- وإلا فالأصل أن من دعا لأحد يبدأ بنفسه، فلعله بدأ بنفسه سرا ثم دعا لغيره- رحمة الله عليه- علما بأنه إذا دعا لأحد بظهر الغيب فإن الملائكة تدعو له، والشيخ- رحمه الله- كتب هذا سرا في بيته، كتبه ودعا للناس بظهر الغيب فالملائكة تدعو له، على كل حال هذا أسلوب انتهجه الشيخ في مؤلفاته.
وهذا من شفقته-رحمه الله-على المتعلمين ومحض النصيحة لهم قال-رحمه الله-"اعلم رحمك الله" المحقق وضع عنواين بين معقوفات فقال: تعريف الحج والعمرة، لكن هل الشيخ عرّف الحج والعمرة؟ الشيخ على طريقة المتقدمين الذين لو فتشت كتبهم ما وجدت لهم تعاريف بالطريقة التي التزمها المتأخرون الذين يعرّفون كل شيء في اللغة والاصطلاح، فهذا كأنه أحد مباني التأليف عندهم عند المتأخرين، أما المتقدمون فإنهم لا يعرجون على هذه التعاريف التي اعتمدها المتأخرون، نعم التعريف يصوّر المراد والأصل في التعريف أن يكون جامعا مانعا واضحا جليا لا غموض فيه ولا تعقيد هذا الأصل، وإن كان طريقة كثير من المتأخرين من أجل الاختصار عقدوا الحقائق بتعاريفها الاصطلاحية، والشيخ رحمة الله لاختصار الكتاب ولأنه يسلك مسلك المتقدمين من أهل العلم الذين لا يعتنون بهذه التعاريف لأنها أمور معروفة، لا يوجد مسلم على وجه الأرض لا عامي ولا طالب علم ولا عالم لا يعرف معنى الحج، ولا يعرف معنى العمرة، ولا يعرف ما الصلاة ولا الزكاة ولا الصيام، أمور معروفة بالضرورة من دين الإسلام، فهي لا تحتاج إلى تعريف وإن عرفوا الحج بأنه القصد.
............................ |
|
يحجون سب الزبرقان المزعفرا |
يعني يقصدون، وأما بالنسبة لتعريفه في الاصطلاح جريًا على عادتهم فهو قصد البيت الحرام والمشاعر المقدسة لأداء المناسك على الصفة المخصوصة الواردة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- والعمرة عرفوها في اللغة بأنها الزيارة، وفي الاصطلاح زيارة البيت لأداء هذا النسك للطواف والسعي والحلق أو التقصير، المقصود أن هذه تعاريف واضحة لكن بعض الناس يعقّد التعاريف، ويوعّر الطريق على طلاب العلم، وعلى كل حال الموجود بين أيدينا من كلام الشيخ يبين لنا منهج الشيخ في كتابه، "اعلم رحمك الله أن الله سبحانه وتعالى أمرنا بأمرين وهما الحج والعمرة" يعني من ضمن ما أمرنا الله به- جل وعلا- من الأوامر الكثيرة الحج والعمرة، وأمرنا بهما لتحقيق التقوى التي هي فعل الأوامر واجتناب النواهي، ومن جملة هذه الأوامر التي تتحقق بها التقوى الحج والعمرة وفي الحج قال {وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى}[البقرة:203] لتحقيق التقوى نمتثل هذه الأوامر ونجتنب ما نهانا الله عنه- جل وعلا-"وهما الحج والعمرة، فأما الحج فهو أحد أركان الإسلام" هذا أمر مجمع عليه ومعلوم من الدين بالضرورة، والأدلة المتظافرة عليه كثيرة جدا {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِين}[آل عمران:97] فالأمر ليس بالسهل، ومن كفر فإن الله غني عن العالمين، فهذا من الوعيد الشديد على من ترك الحج وهو قادر مستطيع؛ لأنه قابل من حج بمن كفر- نسأل الله العافية- وكثير من المسلمين مع الأسف الشديد يتعذر ويتعلل بعلل واهية فيؤخر الحج أو يترك الحج بحجة عدم الاستطاعة، ولو فتشت في حاله وجدته مستطيعا كما يفعله كثير من الناس من التساهل في صلاة الفريضة من قعود وهو قادر على القيام، قادر على القيام لكنه يجلس يقول غير مستطيع، هذا لا شك أنه رقة في الدين وتساهل شديد غير مرضي، بعض الناس يقول أنه غير قادر على الحج؛ لأنه يرى أن الحج أصعب بكثير من واقعه، وبعض الناس يخاف من بعض الأمور الوهمية وأنه سمع الناس يموتون من الزحام وكذا وكذا، فقال أنا لا أستطيع أن أزاحم وهذا ليس بصحيح فضلا عن بعض العلل الواهية التي يتعذر بها بعض الناس، فتجد طالب علم في كلية شرعية يؤخر الحج لماذا؟ قادر ومستطيع وما عندك أي مانع قال والله عندنا البحث تنتهي مدته لا بد أن يسلَّم بعد الحج مباشرة، ركن من أركان الإسلام يقال فيه مثل هذا الكلام؟! بعض العامة يقول لا، السنة هذه نؤجل الحج لأنها ربيع نخرج ونتنزه والسنة القادمة نحج، هذه علل يقابل بها ركن من أركان الإسلام؟! لا شك أن هذا خذلان،أن يقابَل ركن بهذه المثابة {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِين}[آل عمران:97] وما تدري أنت هذه السنة قادر، والأمور متيسرة لكن ما تدري ماذا يحدث لك، "فهو أحد أركان الإسلام" وهو الركن الخامس عند جمهور أهل العلم وهو عند الإمام البخاري الرابع مقدَّم على الصوم بدليل حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال «بُني الإسلام على خمس شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج بيت الله لمن استطاع إليه سبيلا وصيام رمضان» وصيام رمضان هذا المتفق عليه في الصحيحين، وفي صحيح مسلم قدَّم الصيام على الحج وهو من حديث ابن عمر واستدرك عليه من استدرك، قال صيام رمضان والحج قال لا، الحج وصيام رمضان فالرواية المتفق عليها أن الحج مقدَّم على الصيام، ورواية مسلم تقديم الصيام على الحج وعليه أكثر أهل العلم وبنوا على ذلك مؤلفاتهم في تقديم الصيام على الحج، وأما البخاري فبناء على ما يذهب إليه من تقديم الحج على الصيام وما ورد في الترهيب من ترك الحج أكثر مما ورد في الصيام هذا معوّل الإمام البخاري في تقديم الحج على الصيام، ومن ترك الحج كَفَر كُفْرا أكبر مخرجا عن الملة في رواية عن أحمد وقول عند المالكية، والجمهور على أنه لا يكفر ما لم يجحد وجوبه؛ لأن الأركان بالنسبة للشهادتين لا يدخل في الإسلام أصلا إذا لم يتلفظ بالشهادتين، وأما بالنسبة للصلاة فمسألة خلافية والمرجح أنه يكفر بتركها «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» «بين العبد وبين الشرك والكفر ترك الصلاة» هذه أحاديث صحيحة في مسلم وغيره، وأما بالنسبة لبقية الأركان العملية الثلاثة الزكاة والصيام والحج فعدم كفره إذا أقر بوجوبها هو قول الجمهور ومنهم من يكفر بمجرد الترك وذكرنا أنه رواية عن أحمد وقول عند المالكية، "ولا يجوز إلا في وقت مخصوص "{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ}[البقرة:197] أما بالنسبة لانعقاد نيته ففي الأشهر المعلومات التي أُشير إليها في الآية شوال وذو القَعدة وعشر من ذي الحجة.
أقول انعقاد الحج يصح من دخول أول شهر شوال؛ لأن أشهر الحج شوال والقعدة والحجة، وأما بالنسبة لأدائه وأفعاله فإنما تبدأ من أيامه الأخيرة من الإحرام به في يوم التروية أو من القُدُوم بالنسبة للقارن والمفرد إذا قدِم وطاف طواف القدوم وسعى سعي الحج هذا بالنسبة لمباشرة أفعاله، ثم بعد ذلك الوقوف ثم المبيت بمزدلفة وسيأتي أحكامها وأنها منها الركن ومنها الواجب ومنها المستحب، "ولا يجوز إلا في وقت مخصوص ولا بد من الوقوف بعرفة" هذا ركن من أركان الحج وقد صح عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال «الحج عرفة» ومزدلفة والمرجح عند جماهير أهل العلم أن المبيت بمزدلفة واجب من واجبات الحج ليس بركن ولا سنة وإنما واجب من واجبات الحج؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- رخَّص لمن استأذن، السنة لا تحتاج إلى ترخيص والركن لا يرخَّص فيه، فالمرجَّح أن المبيت بمزدلفة واجب وكذلك المبيت بمنى من واجبات الحج وغير ذلك من الأفعال التي يأتي بيانها أثناء بيان صفته،"وأما العمرة فاختلف أهل العلم أهي فرض أم نفل" وعند الحنابلة والشافعية أنها واجبة فرض «حج عن أبيك واعتمر»{وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ}[البقرة:196] يعني وإن أمكن الجواب عن هذين الدليلين {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ}[البقرة:196] يعني من دخل فيهما وإن استدل به من استدل على الوجوب «حج عن أبيك واعتمر» وهذا في جواب سؤال ويختلف عن الأمر الابتدائي عند أهل العلم، لكن في حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي -عليه الصلاة والسلام- سئل هل على النساء من جهاد؟ قال «عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة» عليهن معروف عند العلماء أن كلمة عليك كذا {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ}[آل عمران:97] هذا من صِيَغ الوجوب عند أهل العلم، وقال غيرهم من الحنفية والمالكية أنها سنة، قال- رحمه الله-"وليس لها وقت مخصوص بل تجوز أي وقت كان" وإن كانت أوقاتها متفاوتة بالنسبة للفضل وعِظَم الأجر، فعمرة في رمضان تعدل حجة مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعمرة أشهر الحرم أيضا لها شأن، حتى تردد ابن القيم رحمه الله في تفضيل عمرة رمضان عليها، لكن كونها تؤدى في وقت لا تصح في غيره هذه مطلقة وليس لها وقت مخصوص، اللهم إلا بالنسبة لمن حج وتلبس بالحج فإنه لا يجوز له أن ينوي العمرة أو يدخل في عمرة وهو لم يفرغ من مناسك ومتطلبات الحج، "بل تجوز في وقت كان وهي أن تزور البيت" لأن العمرة في اللغة الزيارة، "أن تزور البيت فتحرم من الميقات" الشيخ رحمة الله عليه يعرّف بالوصف، وقد يعرّف بالأجزاء والأركان كما عرف النبي -عليه الصلاة والسلام- الإسلام والإيمان والإحسان ليس على طريقة المناطقة في التعاريف والحدود، "وهي أن تزور البيت فتحرم من الميقات ثم تطوف بالبيت" تحرم من الميقات وهذا من واجبات الحج والعمرة بحيث لو تجاوزه عليه أن يرجع ويعود فيحرم من الميقات أو يسفك دمًا؛ لأنه ترك نسكا وهو الإحرام من الميقات، ثم تطوف بالبيت وهذا ركن من أركانها، "وبين الصفا والمروة" وهذا ركن، فالإحرام وهو نية الدخول في النسك كما أنه ركن للحج الطواف بالبيت ركن من أركان العمرة كما أنه ركن من أركان الحج، السعي بين الصفا والمروة ركن من أركان العمرة كما أنه ركن من أركان الحج، "ثم تحلق أو تقصر "وهذا من واجبات العمرة كما أنه من واجبات الحج، والحلق أفضل؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- دعا للمحلقين ثلاثا ودعا للمقصرين مرة واحدة، فدعا على أن الحلق أفضل من التقصير "وقد تمت عمرتك" هذه هي العمرة هذه هي صفتها، قال- رحمه الله-"إذا علمت ذلك فمن سهولة هذا الدين وعدم الحرج فيه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر بأداء العمرة وأداء الحج في سفر واحد" يعني ما ألزم بسفر خاص للعمرة وسفر خاص للحج، أمر بأداء العمرة وأداء الحج في سفر واحد خلافا لما كان يعتقده العرب في جاهليتهم؛ إذ كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لما أهلَّ بالحج مفردًا كما في بعض الروايات أو مع العمرة كما في الرواية الصحيحة؛ لأنه ساق الهدي ندِم على ذلك أمر أصحابه أن يجعلوها عمرة، يحلوا من الحج ويجعلوها عمرة، والمانع له -عليه الصلاة والسلام- من ذلك أنه ساق الهدي «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة» وفي رواية: «لأحللت معكم» من جاء قبل الحج وأحرم بالعمرة من الميقات ثم طاف وسعى ثم قصّر أو حلق إذا كان في وقت ينبت فيه الشعر حلق وإلا اكتفى بالتقصير ليترك شيئا من الشعر للحلق بعد النزول من عرفة في الحج وبعد الرمي على ما سيأتي، هنا يكون انتهت عمرته وحلَّ الحلَّ كلَّه كما استغرب ذلك الصحابة لما أمرهم أن يحلوا قالوا الحل كله؟! استغربوا لأن من المقرر في أذهانهم أن العمرة لا تجوز في أشهر الحج في سفر واحد، "وقد كان الجاهلية قبله يخصون للحج سفرا وللعمرة وحدها سفرا"؛ لأنهم مثل ما تقدم لا يرون العمرة في أشهر الحج، "وكانوا يعتمرون في رجب ويعتمرون أيضا في غيره"، وعمرة رجب لها شأن عندهم، وهي أيضا لها شأن عند بعض الطوائف يسمونها الرجبية، ولكن لم يرد فيها دليل صحيح صريح، والنبي -عليه الصلاة والسلام- اعتمر أربع مرات لم يكن منها شيء في رجب وإنما كانت عمره كلها في القَعدة، عن ابن عمر كما في الحديث الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- اعتمر في رجب، لكن ردت عليه عائشة قالت يرحمك الله أبا عبد الرحمن ما اعتمر النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا وأنت معه وما اعتمر في رجب، فردت عليه وعُمَره -عليه الصلاة والسلام- كلها محفوظة وكلها في شهر القعدة، ويعتمرون أيضا في غيره، يعتمرون في أيام العام لكن عندهم عمرة رجب لها مزية "فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- الحاج إذا أتى الميقات" تلاحظون أننا نجمل في الشرح ونسرع من أجل أن نتم الكتاب- إن شاء الله تعالى-"فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- الحاج إذا أتى الميقات أن يحرم بالعمرة" هذا أمر، وأمر أصحابه أن يحلوا وكانوا أحرموا مثل ما أحرم به النبي -عليه الصلاة والسلام- فأمرهم أن يحلوا ويجعلوها عمرة، ولا شك أن من لم يسق الهدي فالتمتع بالإحرام بالعمرة أولا ثم الحج هذا هو أفضل الأنساك؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر به وأوجبه، أوجب التمتع ابن عباس وبعض أهل العلم؛ لأن الأمر صحيح وصريح بأن يجعلوها عمرة، والجمهور حملوا ذلك على أنه على سبيل الاستحباب المؤكَّد وأنه أفضل لمن لم يسق الهدي، أما من ساق الهدي فلا يتمكن من الإحلال حتى يبلغ الهدي محله، "فإذا وصل إلى مكة طاف بالبيت وسعى وحلق أو قصَّر ثم حلّ" على ما تقدم في صفة العمرة، "فإذا كان يوم التروية" وهو اليوم الثامن من ذي الحجة، النبي -عليه الصلاة والسلام- قدم مكة اليوم الرابع ومكث فيها الرابع والخامس والسادس والسابع، وفي اليوم الثامن أهل بالحج وخرج إلى منى، "فإذا كان يوم التروية أحرم بالحج" يوم التروية هو اليوم الثامن وسمي بذلك؛ لأنهم كانوا يتروون من الماء، الماء في السابق لا يوجد ولا يتيسر مثل ما هو عليه الآن، الحمد لله في كل بقعة ولله الحمد، وفي كل مكان من بر أو قرى أو هجر أو ما أشبه ذلك، كلها ولله الحمد، كل شيء موجود، وكان الناس إلى وقت قريب يخرجون إلى أماكن المياه من الآبار وغيرها والمزارع يتروون الماء وهم في بلدانهم وفي بيوتهم، ونحمد الله على التيسير وعلى نعمه التي لا تعد ولا تحصى، يعني كم نتصور التعب في جلب الماء إلى البيوت لو أن كل يوم بيومه أو كل وقت بوقته، مشقة عظيمة، لكن الآن تفتح هذا الصنبور إن أردت باردا وإن أردت حارا إن أردته متوسطا كل شيء موجود ومتيسر ولله الحمد، نحمد على هذه النعم، "فإذا كان يوم التروية أحرم بالحج من مكة" يتروون الماء إلى المشاعر إلى منى وعرفات ومزدلفة، يأخذون الماء معهم ويتزودونه من مكة، "وتوجه إلى عرفات" يتوجه إلى عرفات مرورا بمنى، أحرم يوم التروية ويتجه إلى منى ويصلي فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، يقصر الصلاة الرباعية ويصلي كل صلاة في وقتها هذا كله بمنى، فإذا صلى الصبح يوم عرفة ذهب ودفع إلى عرفة، الشيخ- رحمه الله- في كلامه اختصار، يقول: "توجه إلى عرفات" يعني بعد أن يمر بمنى ويجلس فيها اليوم الثامن وليلة التاسع، وإذا صلى الصبح يصلي في منى خمس الصلوات ثم يدفع متوجها إلى عرفات، "وأبلغ من هذا أنه -صلى الله عليه وسلم- أمر من أحرم بالحج وليس معه هدي أن يفسخ ويجعله عمرة" في حديث جابر الطويل في صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام- المخرج في صحيح مسلم وغيره أنه أمرهم أن يجعلوها عمرة وأن يحلوا، أمرهم وأكّد عليهم ذلك مما استدل عليه بعضهم على وجوب الفسخ، ولكن عامة أهل العلم على أن هذا الأمر أمر إرشاد وليس بأمر وجوب، وإن كان بعضهم يرجح القران وبعضهم يرجح الإفراد لكن مع صحة هذا الأمر لا كلام لأحد.
طالب: ...............
أبلغ مما تقدم من أنه -عليه الصلاة والسلام- الذي تقدم في صفة العمرة وأنه يأتي بالعمرة بمفردها، وأنه يخالف أهل الجاهلية، وكذا أنه من أحرم يعني أبلغ من كونها مجرد مخالفة لأهل الجاهلية امتثال الأمر "أمر من أحرم بالحج وليس معه هدي"، ولعل التشديد والتأكيد على الفسخ من أجل مخالفة أهل الجاهلية، "وليس معه هدي أن يفسخ ويجعله عمرة ولما أمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استنكر عليه بعض الصحابة هذه الرخصة لكونها خلاف المعهود ولما يظنون أن السفرين المجردين أتم وأطوع لله" استنكر بعض الصحابة أنخرج إلى منى ومذاكيرنا تقطر، يعني يحل الحل كله يعاشر زوجته، إذا انتهى من العمرة يحل الحل كله ويعاشر زوجته، ثم إذا أحرم بالحج في اليوم الثامن امتنع من ذلك، فاستنكروا هذا في أيام حج وبين حج وعمرة ويعاشر زوجته؟! هذا ليس معهودا عندهم، لا يعهد العمرة في هذا الوقت وهي من أفجر الفجور على ما تقدم فكيف يعاشر الرجل زوجته وهو في أيام الحج؟!، إذا انتهى من عمرته حل الحل كله، حتى أن له أن يرجع إلى بلده، اعتمر وانتهى ولم يدخل في الحج له أن يرجع إلى بلده، شيخ الإسلام يمنع من هذا، يقول: ليس له أن يعود عليه أن يحج لماذا؟ هي عمرة منفصلة وحج منفصل، كونه جاء بنية أنه يعتمر ثم يحج هذا لا يلزمه بالحج؛ لأنه قبل الدخول في الشيء لا يلزمه حتى أنه لو وصل إلى الميقات ولم يدخل في النسك ورجع إلى أهله فليس هناك ما يمنع من ذلك؛ لأنه لم يدخل في الحج والعمرة ليلزمه الإتمام شيخ الإسلام يمنع لماذا؟ للاشتراك بين الحج والعمرة؛ لأنه يرى أن المتمتع يكفيه سعي واحد فإذا سعى للعمرة كفى عن سعي الحج فللاشتراك بينهما لا يجيز له أن يرجع دخل في العمرة معناه أنه دخل في الحج؛ لأن بينهما قاسما مشتركا، وأما بالنسبة لمن يرى أنه يلزمه سعيان كما أنه يلزمه طوافان فهذا لا اشتراك بينهما وحينئذ الجهة منفكة لكونها خلاف المعهود، "ولما يظنون أن السفرين المجردين أتم وأطوع لله فغضب النبي -صلى الله عليه وسلم- على من لم يبادر إلى أمره" الآن شيخ الإسلام يرى أن في بعض صور الإفراد أفضل من جميع الأنساك إجماعا وقال هذا شيخ الإسلام في بعض صور الإفراد، وبعض الناس يفهمها على سبيل العموم مع أن شيخ الإسلام يؤكد على أهمية التمتع وعلى فسخ الإحرام بالحج لكن مع ذلك قال وهذا الإفراد أفضل إجماعا، وهو متنزل على من أراد أن يفرد الحج بسفر واحد والعمرة بسفرة واحدة، وهذا متصوَّر فيمن يقول أنا لن أحج أكثر من مرة ولن أعتمر أكثر من مرة، أنا يجب علي حج ويجب علي عمرة سأعتمر مرة واحدة وأحج مرة واحدة، شيخ الإسلام يرى أن تحج مفردا أن هذا أفضل ونقل عليه الاتفاق، ويبقى أن ما دل عليه الدليل من أن التمتع هو أفضل الأنساك وأمر به النبي -عليه الصلاة والسلام- وهنا يقول: "ولما يظنون أن السفرين المجردين أتم وأطوع لله" هذا الكلام مستدرك على من يقول بأنه يريد أن يعتمر يستغل عمره في أعمال الطاعة، فأراد أن يعتمر مرارا وينوي أن يعتمر مرارا ويحج مرارا، اعتمر في رمضان، واعتمر في شوال، ثم جاء ليحج، رجع إلى بلده ورجع ليحج وأراد أن يسأل عن أفضل الأنساك نقول تمتع، فيه إمكان، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أمر بالتمتع وأمر بفسخ الحج، لكن شخص يسأله في بلده يقول أنا لن أعتمر إلا مرة واحدة ولن أحج إلا مرة واحدة، شيخ الإسلام يرى أن الإفراد في هذه الصورة أفضل ونقل عليه الاتفاق، "ولما يظنون أن السفرين المجردين أتم وأطوع لله فغضب النبي -صلى الله عليه وسلم- على من لم يبادر إلى أمره" وفي هذا يقول ابن عباس: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتقولون قال أبو بكر وعمر؟! الرسول -عليه الصلاة والسلام-يأمر بالحل وتقولون قال أبو بكر وعمر؟! "هذه المسألة هي التي جرى على ابن عباس بسببها ما جرى" وابن عباس يرى وجوب الحل ووجوب التمتع ونوقش في ذلك، "وقال سلمة بن شبيب للإمام أحمد كل شيء منك حسن جميل إلا خصلة واحدة فقال وما هي؟ قال تقول بفسخ الحج" هل قاله من كيسه أو من عند نفسه؟ لا، قاله اتباعا واقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام-حيث أمر بذلك، "فقال أحمد: كنت أرى لك عقلا عندي ثمانية عشر حديثًا صحاحًا جيادًا" يعني كلها تأمر بالفسخ والتمتع "أتركها لقولك"؟! فالمعوَّل عليه في هذا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر صحابته أن يحلوا ويجعلها عمرة وأن يتمتعوا بهذه العمرة إلى الحج، يتمتعوا والتمتع والترفه بما بين النسكين، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قرن واحتج بعضهم بأنه قرن على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- حج قارنا وما كان الله ليختار لنبيه إلا الأفضل، يجاب عن ذلك بأنه قال «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي» فكونه ندم على ما فعل يدل على أنه مفضول لكنه فاضل بالنسبة له -عليه الصلاة والسلام- باعتباره مشرِّعا، وفاضل بالنسبة لمن ساق الهدي؛ لأنه لا يستطيع أن يحل حتى يبلغ الهدي محله، "فإذا أردت الإحرام فاغتسل وتنظف وتطيب" النبي -عليه الصلاة والسلام- لما وصل الميقات كما عند الترمذي تجرد لإهلاله واغتسل، وأمر أسماء بنت عميس لما نُفِسَت أن تغتسل، فقال أهل العلم باستحباب الاغتسال للإحرام، والتنظف في الجملة مطلوب شرعا، اغتسل وتنظف وتطيب، تنظف: أزال ما يحتاج إلى إزالة لاسيما إذا كان بحاجة إلى ذلك من شعر وظفر ووسخ وما أشبه ذلك مما يحتاج إلى إزالته، لكن إذا كان لا يحتاج إلى ذلك لا يلزم ولا يستحب له، إذا كان لا يحتاج إلى إزالة أظفار ولا يحتاج إلى إزالة شعر إلا إذا خشي أن يطول الوقت بعد إحرامه فيطول ظفره ويطول شعره ويتأذى به فإنه حينئذ يزيل ما يحتاج إلى إزالة، يبقى أنه إذا أحرم أو أراد الإحرام وهو في شهر ذي الحجة وأراد أن يضحي فإنه يغتسل ويتطيب لكن لا يزيل شعرا ولا ظفرا لأنه ممنوع.
طالب: ...............
على كل حال لا يجوز له أن يتجاوز الأربعين ولا يجوز له أن يأخذ من شعره وبشره شيء لكن أيهما أقوى؟ كونه فرّط فزيادة يومين ثلاثة خمسة هو داخل في الإثم، يعني على كل حال لا يجوز له أن يفرّط في الزيادة على الأربعين، وتطيب، والنبي -عليه الصلاة والسلام- تطيب، وكان يُرى وبيص المسك في مفرقه -عليه الصلاة والسلام- وعائشة تقول: كنت أطيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من إحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت، فإذا اغتسل تجرد من المخيط واغتسل ولبس ثياب الإحرام الإزار والرداء تطيب في شعره وفي بدنه لا في ملابسه، لا يجوز له أن يطيب ملابس الإحرام، "فإذا تجردت عن المخيط فالبس إزارا ورداءً" المخيط معلوم الملابس العادية هذه التي يلبسها الناس من القمص والسراويل والعمائم والخفاف وما يُلحق بها مما هو مخيط يجب عليه أن يخلع «انزع عنك الجبة» كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- ينزع المخيط، وهذا إشارة إلى أن كل مخيط يجب نزعه، ثم يلبس إزار ورداء، والإزار ما يُلبس على النصف الأسفل من البدن، والرداء ما يلبس على النصف الأعلى من البدن، "ثم صلِّ ركعتين ثم لَبِّ بالعمرة إذا سلمت منهما" من الركعتين، النبي -عليه الصلاة والسلام- أحرم بعد صلاة ركعتين هي صلاة الظهر من اليوم الثاني، ركعتين فريضة، وجاء الأمر حيث قال له جبريل صلِّ في هذا الوادي المبارك ثم قل يعني اعقد النية، أخذ من هذا جمهور أهل العلم على أنه يستحب أن يقع الإحرام بعد صلاة، فإن كانت فريضة فبها ونعمت، وإن لم يكن ثَمَّ فريضة فيصلي ركعتين من غير الفريضة أخذًا من كونه أوقع الإحرام -عليه الصلاة والسلام- بعد صلاة، ومن كونه قيل له صلِّ في هذا الوادي المبارك، فيصلي ركعتين ثم بعد ذلك يلبي بالعمرة إذا سلم من الركعتين، فإذا صلى الركعتين أو صلى أي صلاة، يعني بعد صلاة وضوء، صلاة وتر، صلاة تحية مسجد، أي صلاة تكون فإنه يلبي بالعمرة، إما بعد الصلاة مباشرة في مكانه، كما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أو إذا استقلت به راحلته كما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- في نقل بعض الصحابة، أو لما علا البيداء كما نقله بعض الصحابة وكلها صحيحة، فكلٌّ نقل ما رأى، من رآه أهل في المسجد أهل بعد الركعتين، ومن لم يره رآه بعد أن استقلت به دابته قال أهل بعد أن انبعثت به راحلته، ومن لم يره في هذا ولا هذا وسمعه يلبي على البيداء قال أهل من البيداء، وهذا متصور، والناس ما يرونه دفعة واحدة، أكثر من مائة ألف يرونه يلبي بالمسجد، رآه بعضهم فنقله، ورآه بعضهم يلبي بعد أن استقلت به دابته فنقله، ورآه آخرون يلبي لما علا على البيداء فنقلوه، وظن كل واحد منهم أنه ابتدأ التلبية من هذا، من المسجد، أو من ركوبه الدابة وانبعاثها به، أو من كونه على البيداء، قال- رحمه الله- "ولا يشترط بل ولا يستحب أن يتلفظ بالنية عند الإحرام بل محلها القلب" نعلم أن النية شرط لصحة جميع العبادات لا بد منها «إنما الأعمال بالنيات»{وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ}[البينة:5] فالنية شرط لصحة العبادات وهنا يذكرونها شرطا أو ركنا؟ نية الدخول في النسك.
طالب: ...............
ركن وهل ينطبق عليها تعريف الركن أو تعريف الشرط؟
طالب: ...............
لكن هل نقول إن نية الدخول والتلبية بالنسك مثل تكبيرة الإحرام؟ داخلة في الماهية أو نقول هي خارجة عن الماهية مثل الشروط؟ مثل الوضوء مثلا يعني ليس من العبث أن يقال أن النية هنا ركن والنية في الصلاة شرط أولا؟ هل للخلاف فائدة وثمرة أو الخلاف لفظي بمعنى أنه إذا لم توجد النية فلا إحرام ولا نسك سواء كانت ركنا أو كانت شرطا؟.
طالب: ...............
لفظي؟
طالب: ...............
في مسألة الصلاة هل تكبيرة الإحرام ركن أو شرط هذا له ثمرة، الحنفية يقولون شرط والجمهور يقولون ركن باعتبار أنها داخلة في الماهية، لكن نية الدخول في النسك هل هي جزء من النسك أو أنها خارج عنه؟
طالب: ...............
وما الفرق بينها وبين نية الدخول في الصلاة؟
طالب: ...............
النية في الصلاة سابقة أنت أتيت من بيتك إلى المسجد هذه نية الصلاة لا يوجد أكثر من هذا، وأنت وصلت إلى المحرم ولبيت كعمرة قبل هذا ما دخلت في النسك فهي بتكبيرة الإحرام أشبه، "بل محلها القلب" معلوم أن التلفظ بالنية بدعة فرق بين أن يقول لبيك حجا أو لبيك عمرة أو لبيك عمرة وحجا وبين أن يقول اللهم إني نويت العمرة، كما يقوله كثير من العامة، اللهم إني نويت العمرة فيسرها لي وتقبلها مني، فرق بين هذا اللهم إني نويت كذا هذه بدعة؛ لأن النية محلها القلب {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ}[الحجرات:16] ولم يقل ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا صحابته ولا عرف عن أحد ممن يعتد بقوله، عرف من متأخري الفقهاء، قال: "وصفة التلبية لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك هذه تلبية رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" لزمها ما زاد عليها، أهل بالتوحيد خلافا لما يهل به أهل الجاهلية من المشركين، لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك هذا الشرك بعينه، وجاء النبي -عليه الصلاة والسلام- بهدم هذه التلبية، ومن أراد الخلاف في معنى التلبية وفي فوائدها الكثيرة التي تزيد على عشرين فائدة فقد ذكرها ابن القيم وذكر ثمانية أقوال في معناها، ذكرها ابن القيم في كتاب تهذيب السنن، تهذيب سنن أبي داود أفاض ابن القيم في التلبية، لبيك يعني إجابة لدعوتك بعد إجابة، مأخوذ من لب بالمكان أي أقام به، ولبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك، هذا معنى قولهم أهل بالتوحيد، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، ولسنا بصدد تحليل لفظي لجميع ألفاظ الكتاب؛ لأن الكتاب على التقسيم الذي أود أن نمشي عليه وننهيه في ثلاثة الأيام يمنع من هذا بعض الصحابة زاد على هذه التلبية.
أذان؟..طيب..
المؤذن يؤذن.
قال- رحمه الله- "هذه تلبية رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" فلزم هذه الصيغة وسمع من أصحابه الزيادة على ذلك فلم ينكر عليهم، سمع من عبد الله بن عمر زيادة ومن غيره لكنه -عليه الصلاة والسلام- لم ينكر عليهم لأن ألفاظها ليس فيها شيء من المحظور واكتسبت الشرعية بإقراره -عليه الصلاة والسلام- لكن يبقى المفاضلة بين ما أقره -عليه الصلاة والسلام- وبين ما نطق به ولفظ به ولم يتعده، ولا شك أن هذا أكمل، "ويستحب رفع الصوت بها والإكثار منها" جاء في الحديث المخرج في السنن أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "أتاني جبريل عليه السلام فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال وكانوا يرفعون أصواتهم حتى تبح أصواتهم" وجاء عنه -عليه الصلاة والسلام- "أن أفضل الحج العج والثج" العج: رفع الصوت بالتلبية، والثج: سفك دماء الهدي وفيه ضعف، على كل حال رفع الصوت بها سنة للرجال وأما بالنسبة للنساء فلا إلا بقدر ما تسمع رفيقتها؛ لأن صوتها مثار فتنة للرجال وهي مأمورة بدرء الفتنة عنها وعن غيرها لها وبها؛ ولذا إذا أخطأ الإمام فإنه يسبح الرجال وأما بالنسبة للنساء يصفقن، فلا ترفع صوتها بحضرة الرجال، "ويستحب رفع الصوت بها والإكثار منها" الرسول -عليه الصلاة والسلام- لزم التلبية، "وتتأكد إذا علا نشزا" يعني مرتفعا "أو هبط واديا أو صلى مكتوبة وآخر الليل أو التقت الركاب أو ركب راحلته" يعني إذا تغير الوضع عنده، إذا وُجد ما يقتضي ذلك من تغير وضع ونحوه، فالسلف كانوا يفعلون ذلك إذا التقى بعضهم بعض لبوا وإذا علوا نشزا أو دبر الصلوات المكتوبة بعد أن تنتهي الأذكار المعلقة بها، ثم بعد هذا قال -رحمه الله- "ولا يجوز له أخذ شيء من شعره إلا من عذر" لقوله جل وعلا:{وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}[البقرة:196] استدلوا بهذه الآية على أن المحرم ممنوع من أخذ شيء من شعره سواء الكل أو البعض قل أو كثر، "وكذلك لا يجوز له تقليم الأظفار"؛ لأن هذا ترفه والمحرم ممنوع من ذلك، والأصل في ذلك منع الأخذ من الشعر فالحكم واحد، "فإن انكسر ظفره جاز له إزالته" لأنه يتأذى ببقائه انكسر من غير قصد وتأذى به يزيله، "وكذلك لا يجوز له تغطية رأسه" ولا يجوز له تغطية رأسه؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام- في المحرم الذي مات وقصته ناقته وهو واقف بعرفة «لا تخمروا رأسه فإنه يُبعث يوم القيامة ملبيا» فدل على أنه محرم ومستمر على إحرامه حتى يبعث ولا يجوز تغطية رأسه؛ لأن المحرم لا يجوز له تغطية رأسه ونهى المحرم أن يلبس العمائم ولا البرانس العمائم اللباس المعتاد والبرانس تلبس أحيانا وموجودة في بعض الأقطار، وهي أقرب ما تكون للبس المغاربة «فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا» "فإن طُرح شيء على شجرة فاستظل به فلا بأس" الشمس قد تكون مؤذية وقد تكون ضارة في بعض الأوقات، وقد يترتب عليها ضرر عظيم كما قال ابن عمر "اضح لمن أحرمت له" يعني ابرز، لكن قد يحتاج الإنسان إلى الاستظلال من حر الشمس، إن طرح شيء على شجرة فاستظل به فلا بأس يستظل به بغير ملاصق، وكذلك يستظل بالمحمل وبالسيارة وبالخيمة وبسقف البيت وما أشبه ذلك، ويحمل متاعه لا بقصد التغطية كل هذا لا مانع منه، "ولا يجوز له أن يلبس السراويل" وجاء النص على ذلك لما سئل النبي -عليه الصلاة والسلام- ما يلبس المحرم قال لا يلبس كذا وكذا ولا السراويلات، لا يلبس السراويل لأنه مخيط أو محيط وجاء النص به، فوق ذلك كله النص على أنه لا يلبسه المحرم "ولا يعقد عليه شيئا إلا إزار" يعني بدل السراويلات يجعل إزارا على النصف الأسفل من البدن "وكذلك الكيس الذي فيه المال" الهميان الحزام الذي يوضع فيه النقود ويوضع فيه المتاع مثل بعض الأشياء الخفيفة البطاقة أو ما أشبه ذلك، يضعها في هذا الكيس ويربطه على نصفه، "قال أحمد في رجل محرم حزم عمامته على وسطه لا يعقدها ويدخل بعضها في بعض" وهذا مأثور عن الإمام- رحمه الله- وبعضهم يمنع منعا باتا من العقد، وبعضهم يتسمح في ذلك للحاجة؛ لأن مثل هذا وإدخال بعضها في بعض قد يتعرض للانخلاع الإزار يمكن أن ينخلع وينسلخ من لابسه لأدنى سبب فمن باب الاحتياط لحفظ العورات لا مانع من ربط ما يعقد به الإزار، لكن كلام الإمام أحمد يدلنا دلالة ظاهرة على أنهم كانوا يتقون ما يقرب من اللباس العادي وعلى هذا فما يلبس الآن من التكة أو..
طالب: ...............
نعم اسمها النقبة ما يشبه تنورة النساء هذا لا شك أنه لباس لا يليق بالإحرام وهو نوع من السراويل يسمونه النقبة، نوع من السراويل ونص على ذلك ابن سيده والأزهري وغيرهما من أئمة اللغة، نوع من السراويل سراويل ليس له أكمام كذا يقولون فهو داخل في المنع من السراويل وهو من لباس النساء لا من لباس الرجال، قال ابن عمر: ألبستني أمي نقبتها، وهو الآن استعماله بالنسبة للرجال والنساء أو النساء فقط؟ للنساء وهي التي يسمونها التنورة، على كل حال لسنا بصدد بيان مخالفة لأحد وإن أفتى به من أفتى ممن يعتد بقوله من أهل العلم وتبرأ الذمة بتقليده، نحن بصدد بيان حق فقط ولا نتعرض لأحد.
طالب: ...............
لا، لا بد من دخوله كيف يطلع؟!
طالب: ...............
لا لا، إذا وجد ما يخرجها.
طالب: ...............
أراد لا يلبس السراويل لأنه نفى جميع السراويل (ال) هذه ما هي؟
طالب: ...............
خلاص انتهى الإشكال وهي نوع من السراويل.
طالب: ...............
ما هو؟
طالب: ...............
هي نفسها؟ الكلام على أنها في لغة العرب نوع من السراويل، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يتكلم بلغة العرب، بعض الناس يأتي بالإزار ويأتي بكلاليب تمسكه من جميع الأطراف كأنه مخيطا هذا كذلك ممنوع، وهنا شمع يمسك محكَم بحيث يستطيع المحرِم أن يلبسه كما يلبس الثوب العادي أو السروال العادي هذا أيضا له حكمه، الإمام أحمد- رحمه الله- قال في محرِم حزم عمامته على وسطه: لا يعقدها ويُدخِل بعضها في بعض، لكن إذا خشي من انكشاف العورة وبعض الناس يكون بدينا لا بد أن يحتاط لنفسه، وبعض الناس يسترخي الإزار لأنه لا يوجد ما يمسكه من نضو الخلقة أو ما أشبه ذلك كذلك يحتاط لنفسه لكن لا يقع في المحظور، "ولا يجوز له التطيب" لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال في الذي أحرم بالجبرة وهو متضمخ بالطيب قال «اغسل عنك هذا» وقال في المحرم الذي وقصته دابته «لا تحنطوه» "ولا تعمد شم الطيب" لا يتطيب بأن يباشر الطيب بنفسه ولا يتعمد شمه؛ لأنه ممنوع من الترفه "ولا لبس ثوب مطيَّب" لأن كل هذا داخل في المنع من التطيب للمحرم، "وله شم الفواكه ونبات الصحراء" يعني طيب الرائحة وليس من نوع الطيب، له شم الفواكه؛ لأنه لا يدخل في مسمى الطيب، وكذلك النباتات الصحراوية لا تدخل في مسمى الطيب فلا تدخل في حد الممنوع، "ولا يجوز له قتل الصيد والإعانة على قتله لا بإشارة ولا بغيرها {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ}[المائدة:95] فلا يجوز القتل للمحرم ولا يجوز في الحرم لمحرم كان أو غير محرم، صيد الحرم حرام سواء كان من محرم أو غير محرم، كما أنه لا يجوز للمحرم أن يقتل الصيد في الحرم ولا خارج الحرم، قتل الصيد والإعانة على قتله؛ لأنه داخل في القتل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لما جاء أبو قتادة بالصيد «هل أحد منكم أعانه على ذلك أو أشار إليه» قالوا لا، قال «فكلوا» لا بإشارة ولا غيره، ولا يناوله السهم ولا شيئا لا يجوز ذلك، ولا يأكله المحرم إذا صِيد من أجله لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما اصطاد الصعب بن جثَّام حمارا وحشيا وذهب به إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- رده عليه، قال لم نرده إليك إلا أنَّا حرم، والسبب في ذلك أنه صاده من أجله لإكرامه؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- نزل ضيفا عليه بخلاف ما صنع أبو قتادة حينما اصطاد من غير قصد أن يصيد للنبي -عليه الصلاة والسلام- فقبل منه رجل حمار وحشي قال رحمه الله "ويجوز له أن يقود بعيره وأن يغسل رأسه وبدنه برفق" لماذا نص الشيخ على أنه يجوز له أن يقود بعيره؟ لأن البعير قد يطأ شيئا إما من صيد أو من حشيش أو من كسر شجر أو شيء وهو يقوده، هل نقول أنه هو المتسبب، نعم المباشر البعير لكن هل هذا متسبب؟ الذي قاده إن قاده ليطأ نعم متسبب وعليه الفدية، وُجد صيد فيه علة لا يستطيع الطيران فأمرّ البعير عليه ليطأه نقول نعم، أما مجرد كون البعير وطئه من غير أن يشعر به قائده هذا ليس عليه شيء، ولذلك نص الشيخ على هذه من أجل هذا.
طالب: ...............
كيف؟
طالب: ...............
لا، اركبها يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام- ليست مسألة قيادة فقط.
طالب: ...............
لا، لئلا يكون له دخل في قتل، وفيه الشجر ويأكل وهو يمشي ما يضر ولو كان يقوده بيده، وأن يغسل رأسه وبدنه برفق؛ لئلا يسقط شيء من الشعر، ولا مانع من أن يغسل رأسه ويغسل بدنه ؛لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- اغتسل لإهلاله واغتسل لدخول مكة وبدنه برفق "وإذا احتاج إلى حلق شعره أو تغطية رأسه أو لبس المخيط فله فعله" يعني احتاج لمحظور من محظورات الإحرام التي منها حلق الشعر وتغطية الرأس أو لبس المخيط وغيرها من المحظورات، إذا احتاج إليه لا يخلو إما أن يفعله من غير حاجة فهذا عليه مع الإثم الفدية، وإن فعله لحاجة فإن عليه الفدية ولا إثم عليه كما في حديث كعب بن عجرة، وإن فعله ناسيا فمن أهل العلم من يفرق بين ما فيه إتلاف فتلزمه الفدية وما لا إتلاف فيه فلا تلزم ناسيا أو جاهلا{رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}[البقرة:286]"وإذا احتاج إلى حلق الشعر وتغطية رأسه أو لبس المخيط فله فعله ويجب عليه الفدية" وتسمى فدية أذى وهي إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من طعام، أو صيام ثلاثة أيام، أو ذبح شاة، جاء ما يدل على الترتيب لكن الآية صريحة في التخيير {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}[البقرة:196] وكعب بن عجرة رأى النبيُّ -عليه الصلاة والسلام- القمل يتناثر من وجهه فقال له «أتؤذيك هوام رأسك؟» قال نعم قال «احلق وانسك نسيكة أو صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين» "ويجتنب ما نهاه الله في كتابه من الرفث" وهو الجماع ودواعيه ومواجهة النساء بالكلام فيه، اجتنب ما نهى الله عنه في كتابه {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ}[البقرة:197] فلا رفث "وهو إتيان أهله" وما يؤدي إليه وما يدعو إليه "والفسوق وهي المعاصي كلها"{فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ}[البقرة:197] يجتنب ما نهى الله عنه «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيومَ ولدته أمه».
طالب: ...............
ما هو؟
طالب: ...............
نفس الشيء الكلام والرسائل والكتابة وكل شيء.
طالب: ...............
وهي المعاصي كلها، وأعظم من ذلك وقوع ذلك مع غير زوجته- نسأل الله العافية- هذا أمر معروف أنه محرم في الحج وغيره لكنه في الحج أشد، "ومعنى هذا أنه يتغلظ الذنب ويتأكد اجتنابه وليست المعصية في الإحرام كالمعصية في غيره" الإنسان إذا دخل في عبادة تأكد اجتنابه للمعاصي كلها، يعني هل الذي يصلي وينظر إلى امرأة مثلا أو أمرد أو ما أشبه ذلك نظر شهوة مثل الذي ينظر خارج الصلاة ومتلبس بعبادة؟! وقل مثل هذا في إذا تلبس بالحج فيحرم عليه، وقل مثل هذا في الزمان الفاضل والمكان الفاضل، "وكذلك الحرم ليست فيه كالمعصية في غيره" مادامت الحسنات تضاعف الصلاة بمائة ألف صلاة وكذلك سائر العبادات تضاعف مضاعفات كثيرة، لكن ليست بهذا القدر سوى الصلاة، فكذلك السيئات تعظَّم، وسيأتي الإشارة إلى ذلك "ويجتنب الجدال و هو ممارات صاحبك حتى تغضبه" الذي يسمونه الجدال العقيم الذي لا فائدة من ورائه، أما ما فيه فائدة من توصل إلى حق أو إبطال باطل فهذا مطلوب في الحج وغيره؛ لأن هذا من بيان الحق والأمر بالمعروف، وأيضا الدعوة إلى الله- جل وعلا- لكن ينبغي أن يكون بالأسلوب المناسب والقول اللين والكلام الحسن {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النحل:125] ويجتنب الجدال {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ}[البقرة:197] ما الجدال؟ قال هو ممارات صاحبك حتى تغضبه سواء صاحبك أو غير صاحبك أي شخص كان، "ويستحب له قلة الكلام فيما لا ينفع" ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، ومن أعظم ما يستعان به على حفظ القلب وصحته وسلامته قطع الفضول فضول الكلام، فضول النظر، فضل النوم، فضول الأكل، فضول الخلطة، كل هذه موارد تصل في القلب وهي تصب فيه مما ينفعه ومما يضره فاحرص أن تكون هذه الفضول وهذه الأمور مما ينفعك، تستعمل بصرك فيما ينفعك، تستعمل سمعك فيما ينفعك، تجتنب ما يضرك لا في السمع ولا في البصر، ولا في الفؤاد وغيره، كل هذا أنت مسؤول عنه أمام الله- جل وعلا- "ويستحب له قلة الكلام فيما لا ينفع واحتج أحمد بأن شريحا إذا أحرم كأنه حية صمّاء" هل هذا حجة؟ نعم شريح في القرون المفضلة ومن أهل الفضل والخير، وسادة من سادات المسلمين وعالِم من علمائهم، لكن ليس فعله بحجة، يعني الفقهاء يذكرون مثل هذا لكن مسألة الاحتجاج مسألة كبيرة على مثل هذا الكلام، يعني ما يحتج بمثل شريح كأنه حية صمّاء، نعم هو يلزمه الصمت والسلف كلهم على هذا، السلف عموما ليسوا أهل فضول إنما يتكلمون فيما ينفع حتى فيما ينفع بقدر الحاجة، كلامه في العلم مختصر جدًّا بكلمات معدودة، من أراد أن يعرف طريقة السلف ومنهج السلف في هذا الباب فليرجع إلى فضل علم السلف على الخلف لابن رجب- رحمه الله- حتى إنه قال من فضل عالما على آخر بكثرة كلامه فقد أزرى بسلف هذه الأمة، يعني منهج عموم السلف هو الذي يستدل به، أما شريح وأنه كان إذا أحرم كأنه حية صماء، هذا واحد منهم، كلهم بهذه الصفة لا يتكلمون إلا بقدر الحاجة وفيما ينفع من تعليم علم وأمر بمعروف ونهي عن منكر وإرشاد جاهل وما أشبه ذلك، "وإن لبس أو تطيب أو غطى رأسه ناسيا فلا شيء عليه" {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}[البقرة:286] "وفدية الأذى إذا وجد سببها" الذي تقدم فدية الأذى فيما إذا احتاج لمحظور وفعله للحاجة فإنه تلزمه الفدية لحديث كعب بن عجرة {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ}[البقرة:196] هذه يسمونها فدية أذى، وعرفنا أنها إطعام ستة مساكين أو صيام ثلاثة أيام أو ذبح شاة، "وفدية الأذى إذا وجد سببها في غير إحرام جاز ذبحها وتفرقتها في المكان الذي وجد السبب فيه" يعني في غير الإحرام مثل قتل الصيد ومثل قطع الشجر وما أشبه ذلك حيث وجد السبب وفي المكان الذي وجد فيه السبب، "فإذا وصل إلى مكة فمن حين يدخل من أنصاب الحرم فليحذر من المعاصي" ليكن على حذر تام من المعاصي في كل وقت وفي كل حال وفي كل زمان وفي كل مكان، لكن يحذر أشد إذا دخل من أنصاب الحرم ودخل في حدود الحرم فليحذر من المعاصي، فقد قال الله تعالى {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيم}[الحج:25] هل المقصود بمتعلَّق الجار والمجرور (فيه) للإرادة أو بالإلحاد؟ (فيه) يعني في الحرم هل السياق يدل على أن المراد هنا مجرد الإرادة، يرد فيه بإلحاد أو يرد الإلحادَ فيه فرق كبير بينهما، أنت في الحرم تريد أن تلحد في الهند، وأنت في الحرم تدخل في هذا النص أو لا تدخل؟ أو أنت في الهند تريد الإلحاد تقول سأحج من أجل أن تحدِث في الحرم أو أنت في الحرم تبيت النية لأن تحدث في المشرق أو في المغرب أيهما المراد؟
طالب: ............
هذا كلامي هذا الذي نسأل عنه، أجبتني بكلامي جزاك الله خيرا.
طالب: ............
أقول متعلَّق الجار والمجرور (فيه) هو للإرادة أو للإلحاد؟
طالب: ............
كلاهما ممنوع، من يقول إن المراد الإرادة أنه يؤاخَذ على مجرد الإرادة، وهذا من خواصّ هذه البقعة المكرمة أنه بمجرد الإرادة؛ لأنه لا يؤاخذ بمجرد الإرادة حتى يعمل أو يتكلم لأنها من مراتب القصد فلا يؤاخذ حتى يعمل أو يتكلم، لكن من خصائص البيت أو الحرم أنه يؤاخَذ بمجرد الإرادة، ولو أراد أن يلحد في الهند أو في السند أو في المشرق أو في المغرب؛ لأنه بيت الإرادة فهو مؤاخذ على الإرادة، لكن من يقول أن الإرادة لا مؤاخذة عليها أصلا في كل مكان فالمؤاخَذ فيه إرادة الإلحاد على وجه الخصوص قال إن المقصود الإلحاد، والإلحاد شأنه خطير أو أمره سهل؟ الإلحاد هو الميل ومنه اللحد في القبر الميل إلى جهة القبلة، والآية جاءت بعد آيات: ((والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم الناس)) الناس يستوون في هذا البيت العاكف والبادي سواء، المقيم في المسجد والذي يأتي من البادية ليصلي فرضا واحدا ويرجع لا فرق، ثم قال: (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم) يعني لو جاء بادٍ يريد يصلي وقتا واحدا وجلس وجاء شخص ساكن بجوار المسجد، ثم قال له: قم هذا مكاني! الناس يستوون في هذا المكان، هذا الذي جاء ليصلي فرضا أو المقيم في المسجد، ومن يرد فيه بإلحاد بظلم يخشى عليه من مثل هذا؛ ولذلك حجز الأماكن والتضييق على الناس بها أمره خطير فيُخشى أن يدخل في هذه الآية، ويحصل في أوقات الضيق في العشر الأواخر من رمضان في أفضل الأوقات في أشرف البقاع أحيانا في وقت النزول الإلهي في صلاة الليل، تحصل مضاربات من أجل الأماكن، وبعض الناس يقصد الخير فيؤذي الناس، يأتي بشخص لا يعرف كيف يتعامل مع الناس ويعطيه أجرا فيحجز له هذا المكان، ومن قرب من هذا المكان آذاه بقوله أو بفعله، حتى أنه سمع في آخر لحظة من رمضان يعني مغيب شمس آخر يوم من رمضان قال إذا أخرج الشهر أعدك بالمكان الفلاني يتضاربون، هذه إرادة وهم، يخرجون من الحرم إلى الحل، هم تواعدوا بمكان من الحل هم أرادوا هذا الشر وهذا الأذى خارج الحرم، فهو يدخل في الآية فيُنتبه لهذا. بعض الناس يفطِّرون الناس في رمضان وفي طول العام ثم يكل هذا الإفطار إلى شخص لا يعرف كيف يتعامل مع الناس ويؤذيهم ويزعجهم ويقلقهم، علينا أن ننتبه وأن نحسن، لا شك أنه مثاب على إحسانه والله يأجره على قدر نيته لكن يتوخى أناسا يعرفون كيف يتعاملون مع الناس، لا يقع في المحظور وهو لا يشعر {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيم}[الحج:25] "ويحرم عليه أن يقطع شيئا من شجره" وهذا جاء به النص من حديث ابن عباس وغيره في الصحيحين «إن الله حرم مكة» قال «لا يعضد شجرها ولا يختلا خلاها ولا ينفر صيدها» "ويحرم عليه أن يقطع شيئا من شجره أو يحش شيئا من حشيشه" «ولا يختلا خلاها» وهو الحشيش، ومنهم من يقول الحشيش الرطب والخلاء الياسب، ومنهم من يعكس، "ولا يأخذ شيئا من ورق شجره" فجاء التشديد في هذا؛ لأن هذا البلد حرمه الله- جل وعلا- يوم خلق السموات والأرض.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"