شرح زاد المستقنع - كتاب الصيام (05)
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: ويستحب القضاء متتابعاً، ولا يجوز إلى رمضان آخر من غير عذر، فإن فعل فعليه مع القضاء إطعام مسكين لكل يوم، وإن مات ولو بعد رمضان آخر، وإن مات وعليه صوم أو حج أو اعتكاف أو صلاة نذر، استحب لوليه قضاؤه.
اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول -رحمه الله- تعالى: ويستحب القضاء متتابعاً، ولا يجوز تأخيره إلى رمضان آخر من غير عذر.
أولاً: من أفطر في رمضان لغير عذر شرعي فقد أتى كبيرة من كبائر الذنوب، وعرض نفسه للعقوبة فعليه التوبة إلى الله -سبحانه وتعالى- مع القضاء، وأما من أفطر لعذر شرعي من سفر أو مرض أو حيض أو نفاس فإنه يجب عليه القضاء إذا زال عذره، لقوله تعالى: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [سورة البقرة: 184]، يقول الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه: باب متى يقضى قضاء رمضان؟
وقال ابن عباس: "لا بأس أن يفرق" "لا بأس أن يفرق" لقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}، وقال سعيد بن المسيب في صوم العشر: "لا يصلح حتى يبدأ برمضان". وقال إبراهيم: "إذا فرط حتى جاء رمضان آخر يصومهما ولم ير عليه إطعاماً".
يعني إذا أخر مفرطاً إلى رمضان آخر لم ير عليه إبراهيم، إبراهيم بن من؟
طالب: النخعي.
النخعي، ولم ير عليه إطعاماً.
ويذكر عن أبي هريرة مرسلاً وابن عباس: "أنه يطعم".
فالقول بالإطعام قول أبي هريرة وابن عباس، وإبراهيم يرى عدم الإطعام، هذا بالنسبة لمن فرط في القضاء فلم يقض حتى جاء رمضان آخر.
يقول الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: ولم يذكر الله الإطعام ولم يذكر الله الإطعام، الإمام - رحمه الله تعالى- إذا صدر الباب بخبر ولو عن تابعي فإنه يكون اختياره إذا لم تكن الترجمة صريحة في الحكم؛ لأنه قال في الترجمة: باب متى يقضي قضاء رمضان؟ ولا تعرض لا لإطعام ولا لغيره، ثم صدر الكلام ذكر كلام النخعي قبل كلام أبي هريرة وابن عباس، دليل على أنه يختار قول النخعي، ولذا عقب بعد ذلك فقال: ولم يذكر الله تعالى الإطعام إنما قال: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}.
فعلى ما ذكرنا، وما ذكره الإمام البخاري عن أبي هريرة وابن عباس يكون الإطعام مأثور عن هذين الصحابيين، وهو لم يذكر في كتاب الله ولم يصح فيه شيء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أطعم لا شك أنه أحوط، من أطعم فهو أحوط، وفيه حديث مرفوع خرجه الدار قطني والبيهقي، لكنه ضعيف جداً، وهذا في حق من أخر من غير عذر إن كان تأخيره إلى رمضان الآخر لمرض يرجو زواله، واستمر معه المرض إلى رمضان الثاني فإنه يكفيه القضاء؛ لأنه معذور، ولا كفارة عليه حينئذ بخلاف ما إذا أخر ذلك تساهلاً، وتفريطاً، ولا يلزم التتابع في القضاء، كما قال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: "لا بأس أن يفرق"، نقلاً عن ابن عباس، لا بأس أن يفرق يعني القضاء لقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}، فعلى هذا لا يلزم التتابع في القضاء، بل لو قضى ما عليه من أيام متفرقة صح ذلك وأجزأ؛ لأن الله - سبحانه وتعالى- قال: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [سورة البقرة:184]، ولم يقل متتابعة، هنا يقول: ويستحب القضاء متتابعاً، يستحب القضاء متتابعاً، استحباب التتابع؛ لأن الأصل أن القضاء يحكي الأداء، والأداء متتابع إذن فالقضاء حكمه حكمه، وإن لم يكن على سبيل الوجوب والإلزام، لكن في أصل المشروعية، يحكيه في أصل المشروعية، ولأنه أيضاً أسرع في إبراء الذمة، ولا يجوز تأخيره إلى رمضان آخر من غير عذر مفهومه أنه يجوز تأخيره إلى شعبان فيجوز تأخير القضاء إلى شعبان لفعل عائشة رضي الله عنها مخرَّج في الصحيحين أنه كان يكون عليها القضاء من رمضان فلا تستطيع أو لا تتمكن منه إلا في شعبان لمكانه -عليه الصلاة والسلام- منها وهل يتطوع قبل القضاء أو لا؟ شخص عليه قضاء فلم يبق في شوال إلا ستة أيام هل يقدم القضاء أو يدرك صيام الست؟ لأن وقتها مضيَّق ووقت القضاء موسَّع، شخص دخلت عليه عشر ذي الحجة وعليه قضاء قال أريد أن أصوم العشر؛ لأن وقتها مضيَّق تفوت والقضاء وقته موسَّع، هنا يقول: ولا يجوز نعم المسألة عندنا هل يتطوع قبله أو لا؟ المذهب لا يتطوع بل يأثم وذهب بعضهم إلى جوازه لأن وقته موسع وهو الأظهر إن شاء الله تعالى لكن الأولى البداءة بالقضاء، ابن رجب رحمه الله تعالى ذكر المسألة: من كان في ذمته واجب وأراد أن يتطوع قبل أدائه من كان في ذمته واجب وأراد أن يتطوع قبله الأولى أن يتخلص من الواجب لأنه ما يدري هل يعرض له شيء يعوقه عن تحصيل هذا الواجب ولا شك أن الفرض أهم من المندوب.
طالب: .............
ابن رجب في القواعد في القواعد.
لكن الرسول -عليه الصلاة والسلام- لما انتبه بحر الشمس بعد أن فاتته صلاة الصبح وخرج وقتها هل صلى الراتبة أو لم يصلِّ صلى الراتبة؛ لأن الوقت موسَّع يستوعب فهذا من أدلة من يقول أنه يجوز له أن يتنفل مادام الوقت موسعا مع غلبة الظن أنه يتمكن من أداء الواجب، لكن الأولى أن يبدأ بالقضاء لأنه أبرأ للذمة وأفرغ للبال لكن إذا تطوع في الوقت الموسع لا، أما إذا ضاق عليه الوقت حتى صار لم يبق في شعبان إلا أياما لا تتسع لأكثر من القضاء لا يجوز له أن يتنفل، يقول: ولا يجوز تأخيره إلى رمضان آخر من غير عذر فإن فعل فعليه مع القضاء إطعام مسكين لكل يوم وهو قول ابن عباس وأبي هريرة فيما سمعنا من كلام الإمام البخاري وفيه حديث مرفوع أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر بالإطعام مع القضاء لكنه ضعيف جدًّا خرجه الدارقطني والبيهقي عن أبي هريرة وتقدم هذا، والصواب أنه يأثم ولا كفارة عليه بل يلزمه القضاء فقط؛ لأنه دين في ذمته وإن كفر فهو أحوط لقول أبي هريرة وابن عباس، لكن ليس هناك من الأدلة ما يلزمه بذلك مما تقوم به الحجة. وإن مات ولو بعد رمضان آخر يلزم في حقه الإطعام؛ لأن القضاء في حقه متعذِّر تمكن من القضاء فلم يقضِ تمكن من القضاء فلم يقضِ، وقال بعضهم: يلزمه إطعامان، مات بعد رمضان آخر عليه إطعام؛ لأن القضاء في حقه تعذَّر وقال بعضهم يلزمه إطعامان لماذا؟ إطعامٌ عن الأصل عن تأخير الأصل وإطعام عن عدم تمكنه من القضاء، لكن الصواب أنه يكفيه إطعام واحد، يقول: ومن مات وعليه صوم أو حج أو اعتكاف أو صلاة نذر استحب لوليه قضاؤه «من مات وعليه صوم صام عنه وليه» هذا الحديث «من مات وعليه صوم صام عنه وليه» وصوم نكرة في سياق الشرط فتعم فعلى هذا لو عليه صيام فرض بأصل الشرع شيء من صيام رمضان أو صيام واجب بنذر ونحوه فإنه يصوم عنه وليه بهذا الحديث بعموم هذا الحديث، لكن العلماء خصوا ذلك بالنذر قالوا من عليه صوم نذر أو اعتكاف نذر أو صلاة نذر فإنه يصوم عنه ويعتكف عنه ويصلي عنه وليه ومثله الحج، ابن القيم رحمه الله تعالى يقول يصام عنه النذر دون الفرض، يصام عنه النذر دون الفرض الأصلي وهذا مذهب أحمد وغيره والمنصوص عن ابن عباس وعائشة وهو مقتضى الدليل والقياس، عرفنا أن مقتضى الدليل العموم؛ لأن صوم نكرة في سياق الشرط فتعم، يقول:- رحمه الله تعالى- وهو مقتضى الدليل والقياس؛ لأن النذر ليس واجبا بأصل الشرع وإنما أوجبه العبد على نفسه فصار بمنزلة الدَّين؛ ولهذا شبهه النبي -صلى الله عليه وسلم- بالدَّين، وأما الصوم الذي فرضه الله عليه ابتداء فهو أحد أركان الإسلام فلا تدخله النيابة بحال كالصلاة يعني لو مات وعليه صلوات يصلى عنه؟ لا يصلى عنه لا يصلي أحد عن أحد هذا شيء أوجبه الله سبحانه وتعالى عليه وافترضه عليه فلا يقبل النيابة ولا تدخله النيابة بحال، ومثل الصلاة الصوم إذا كان مما افترضه الله عليه لا تدخله النيابة، وإنما الذي تدخله النيابة هو ما أوجبه الإنسان على نفسه كما لو أجب على نفسه دَينًا فإن لوليه أن يقضيه عنه ذلك الدَّين بل ينبغي له أن يسارع في قضاء دينه وإبراء ذمته، وقد جاء في الحديث في الحج «دَين الله أحق بالقضاء دَين الله أحق بالقضاء» فسماه دَينًا، والنص الوارد في الحج هل هو نذر؟ أو أصل الحج الذي افترضه الله عليه إن فريضة الله في الحج قد أدركت أبي شيخا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال «نعم، دَين الله أحق بالقضاء» فهذا الحديث فيما أوجب الله سبحانه وتعالى عليه لكن إذا قلنا أن الحج ولو كان مما افترضه الله يقبل النيابة في بعض الصور يقبل النيابة إذا كان قادرا على الحج بماله ولا يقدر على الحج بجسده فإنه ينيب من يحج عنه من ماله، ينوب عنه من يحج عنه من ماله، وإذا دخلت النيابة في الأصل دخلت في النذر من باب أولى، لكن ما أوجبه الله سبحانه وتعالى عليه على الإنسان مما لا يقبل النيابة من العبادات البدنية إذا كان مما افترضه الله عليه أصالة فإنه لا يقبل النيابة كالصلاة والصوم مثله فيما قرره ابن القيم- رحمه الله- أما إذا كان الإنسان أوجبه على نفسه فإنه يقبل النيابة كما لو استدان دينا من آدمي فإنه ينوب عنه في القضاء.
نعم سم..
طالب: .............
ابن القيم يقول أن هذا مقتضى الدليل والقياس، ابن القيم- رحمه الله- يقول هذا مقتضى الدليل والقياس وعرفنا أن مقتضى الدليل العموم، مقتضى الدليل العموم هو نظر إلى أن العبادة أن الصوم عبادة بدنية مثل الصلاة سواء بسواء وليست مثل الحج يقبل النيابة، الصوم مثلا الصلاة فهل يصوم أحد عن أحد؟ لا يصوم أحد عن أحد لا يصلي أحد عن أحد فهل يصلي أحد عن أحد؟ الجواب لا، والصوم مثله إذا كان مما افترضه الله عليه فدليله القياس مقتضى القياس وليس مقتضى الدليل أما عموم الدليل يشمل ما أوجبه الله عليه وما أوجبه على نفسه وقد قيل به وقد قيل به، وأما بالنسبة لما عندنا في المتن قيَّده بالنذر كما هو المذهب.
طالب: .............
وش فيها؟
طالب: .............
وعليه صوم وإن مات وعليه صوم أو حج أو اعتكاف أو صلاة نذر استحب لوليه قضاؤه يعني النذر عائد إلى هذه كلها ووصف لما تقدَّم.
"باب صوم التطوع يسن صيام أيام البيض والإثنين والخميس وست من شوال وشهر المحرم وآكده العاشر ثم التاسع وتسع ذي الحجة ويوم عرفة لغير حاجّ بها وأفضله صوم يوم وفطر يوم ويكره أفراد رجب.."
إفراد.
"إفراد رجب والجمعة والسبت والشك ويحرم صوم العيدين ولو في فرض وصيام أيام التشريق إلا.."
ما عندك وعيد الكفار؟ ويكره إفراد رجب والجمعة والسبت والشك وعيد الكفار؟
لا.
عندكم؟ نسخة الشرح فيها شيء؟
طالب: .............
فيها شيء؟
طالب: .............
ما أنتم معنا! نسخة الشرح فيها شيء؟ الروض المربع.. لأن عندي وعيد الكفار..
طالب: .............
من الشرح؟
طالب: .............
إيه طيب.. لأن النسخة التي معي من المتن فيها وعيد الكفار.. كمِّل كمِّل..
"ولو في فرض وصيام أيام التشريق إلا عن دم متعة وقران، ومن دخل في فرض موسع حرم قطعه ولا يلزم في النفل ولا قضاء فاسده إلا الحج، وترجى ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان وأوتاره آكد وليلة سبع وعشرين وليلة سبع وعشرين أبلغ ويدعو فيها بما ورد."
صيام التطوع جاء الحث عليه «من صام يوما في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا» فالصيام من أفضل الأعمال، وجاء تعيين بعض الأيام بالصيام بعد الحث المطلق على صيام النفل جاء تعيين صيام الست من شوال، وصيام أيام البيض، والإثنين والخميس، ويوم عرفة، والعشر، وعاشوراء، جاء الحث عليها على سبيل الخصوص؛ ولذا يقول رحمه الله يُسَن صيام أيام البيض وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر سميت بيضًا لابيضاض لياليها بنور القمر كيف تُنطَق؟
طالب: .............
إيه خلها ضاد ما هي بظاء.
وهي تُغني عن صيام ثلاثة أيام من كل شهر التي أوصى بها النبي -عليه الصلاة والسلام- أبا هريرة وأبا ذر وأبا الدرداء، صيام ثلاثة أيام من كل شهر يغني عنها صيام أيام البيض وقال النبي -عليه الصلاة والسلام- «صيام ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر» متفق عليه وهذا ظاهر لأن الحسنة بعشر أمثالها، فثلاثة الأيام عن ثلاثين يومًا، فمن صام ثلاثة أيام من كل شهر كأنه صام الدهر، وذكر الأيام البيض والتنصيص عليها جاء في حديث رواه أحمد والترمذي والنسائي من حديث أبي ذر وهو حديث حسن، يُسَن أيضا صيام الإثنين والخميس والعلة في ذلك أنهما يومان تُعرَض فيهما الأعمال على الله قال «فأحب أن يُعرَض عملي وأنا صائم» وهو حديث حسن خرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي بإسناد حسن، والإثنين آكد من الخميس ففي صحيح مسلم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- سئل عن صوم يوم الإثنين قال «ذاك يوم ولدت فيه وبُعِثْتُ فيه أو أُنزِل عليَّ فيه» فدل على أن له مزية إضافة إلى كونه تعرض فيه الأعمال على الله عز وجل، وست من شوال لقول النبي -عليه الصلاة والسلام- «من صام رمضان وأتبعه ستًّا من شوال فكأنما صام الدهر كلَّه» أخرجه مسلم، وهذا ظاهر أيضًا رمضان بعشرة أشهر والست من شوال بشهرين عن ستين يومًا فكأنه صام السنة كلها، إذا كانت العلة أن صيام الست مع رمضان تعدل السنة فلماذا لا نقول بدلا من ست شوال ست القعدة لأن الحسنة بعشر أمثالها رمضان عن عشرة أشهر والست الأيام سواء كانت من شوال أو من القعدة أو من الحجة أو من محرم هل هناك فرق؟ فيه فرق؟ الستة الأيام بستين يوم عن شهرين.
طالب: .............
نعم هي ملحقة برمضان فهي صيام الدهر من جنس صيام رمضان فهي ملحقة به، وتجزي من أول الشهر وأوسطه وآخره، وأن تكون متتابعة ومتفرقة على أن تكون في شوال بعد تمام صيام رمضان بعد القضاء؛ لأن مقتضى قوله «وأتبعه» يدل على أنه بعد تمام صيام الشهر يصوم الست، الإمام مالك رحمه الله تعالى لا يرى صيام الست، ويذكر في موطئه أنه ما رأى أحدا من أهل العلم والفضل يصومها كيف نقول بأن صيام الست مشروع ومندوب وفيه الحديث الصحيح الذي في صحيح مسلم، والإمام مالك إمام دار الهجرة نجم السنن في دار الهجرة وأهل العلم والفضل متوافرون فيها يقول ما رأيت أحدًا من أهل العلم والفضل يصومها يُشْكِل والا ما يُشْكِل؟ لا شك أن هذا أمر مستغرَب، كلام مالك مستغرَب مادام معنا الحديث المرفوع الثابت عنه -عليه الصلاة والسلام- فلا قول لأحد معه كائنا من كان، كائنا من كان، مادام معنا الحديث المرفوع الثابت الصحيح الصريح لا عبرةَ بقول أي شخص غير المعصوم -عليه الصلاة والسلام- والإمام مالك نفسه يقول كلٌّ يؤخَذ من قوله ويُرَد إلا الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: وشهر المحرم وآكده العاشر ثم التاسع، يُسَن صيام شهر الله المحرَّم، والآكد آكد ما في هذا الشهر كما قال المؤلف العاشر وهو يوم عاشوراء ويضاف إليه التاسع أو الحادي عشر أو هما معا، لما رواه مسلم في صحيحه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم» وسئل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن صوم يوم عاشوراء فقال «أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله» وقال -عليه الصلاة والسلام- «لئن بقيت أو لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع» يعني يكتفي به؟ أو يضمه إلى العاشر؟ يعني مع العاشر لا يتوهم متوهم أن صوم العاشر منسوخ بالتاسع لا، يعني «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع» يعني مع العاشر والمراد من ذلك مخالفة اليهود وتسع ذي الحجة يُسَن صيام تسع ذي الحجة وآكدها التاسع لقوله -عليه الصلاة والسلام- «ما من أيام العمل فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر» قالوا ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال «ولا الجهاد في سبيل الله إلا..» من استثني «رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء» هذا عاد له شأن آخر أخرجه البخاري، والصوم من العمل الصالح تقرر في الشرع أن الصوم من العمل الصالح وقد حث النبي -عليه الصلاة والسلام- على العمل الصالح في هذه الأيام العشر والصوم منها وسئل -صلى الله عليه وسلم- عن صوم يوم عرفة فقال «أحتسب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله والسنة التي بعده» يقول ويوم عرفة لغير حاج بها، أما الحاج فإنه لا يصوم، ولا يسن له ذلك، بل لا يشرع على الصحيح من قولي العلماء، وإن قال بعضهم بشرعيته، وعرف عن بعض الصحابة كابن عمر صوم يوم عرفه بعرفة، النبي -عليه الصلاة والسلام- شرب من لبن بقدح يوم عرفة ضحىً والناس ينظرون إليه، وأما حديث: ((نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة))، [رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه]، الحديث فيه كلام، ولو ثبت لكان نصاً في الموضوع، فالأولى: الفطر في يوم عرفة اقتداءً به -عليه الصلاة والسلام- وقال بعض العلماء: بتحريم صومه، وإثم فاعله، النبي - عليه الصلاة والسلام - أفطر ضحىً، شرب من اللبن ضحى، لكي يراه الناس، وهو المشرع، وهو القدوة، قد يقول قائل: روى الإمام مسلم من حديث عائشة - رضي الله عنها-: "أنه - عليه الصلاة والسلام - لم يكن يصوم العشر"، نعم، فكيف نقول باستحباب صيام عشر ذي الحجة؟
أولاً: هذا إخبار عن علمها - رضي الله عنها - ولعلها أخبرت بذلك بعد طول العهد؛ لأنها عمرت بعده -عليه الصلاة والسلام- ما يقرب من نصف قرن، هي تخبر عن علمها وقوله -عليه الصلاة والسلام- عموم قوله مقدم عن خبرها، ولعله - عليه الصلاة والسلام - أفطر لأمر أهم من أمور يتعدى نفعها، وقد رجح الإمام أحمد - رحمه الله تعالى- أن النبي - عليه الصلاة والسلام - كان يصوم عشر ذي الحجة، نعم الرسول - عليه الصلاة والسلام - قد يحث على العمل ولا يفعله، رفقاً بأمته، كيف يتصور حال الناس لو تظافر عمله مع قوله؟
الرسول - عليه الصلاة والسلام- حث على العمرة في رمضان ولم يعتمر في رمضان، وحال الناس ما ترون، فكيف لو اعتمر النبي - عليه الصلاة والسلام في رمضان- مع حثه على العمرة في رمضان؟ كان الوضع شديد جداً، قد لا يحتمل، الآن الزحام مثل ما ترون، وأسف النبي - عليه الصلاة والسلام - على دخول الكعبة؛ لئلا يحرج أمته، ولئلا يشق عليها وهذا من رحمته ورأفته - عليه الصلاة والسلام -، فهو يحث على العمل وقد يتركه شفقة بأمته، وأيضاً وضعه - عليه الصلاة والسلام - وهو الإمام الأعظم بالنسبة للأمة، والقائم بمصالحها، لو قدر أن شخصاً قائم على أعمال الأمة، والأمة كلها بحاجة إليه، وإذا صام ضعف عن القيام بهذه المهمة، هل الأفضل له أن يصوم أو يفطر؟ الأفضل له أن يفطر، علماً بأن الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - رجح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يصوم العشر وقد ثبت هذا عن بعض أزواجه - عليه الصلاة والسلام - في السنن، وأفضله أفضل صوم التطوع، صوم يوم وفطر يوم، لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما- قال: "لأصومن النهار ولا أفطر، ولأقومن الليل ولا أنام" فبلغ ذلك النبي -عليه الصلاة والسلام - فسأله: ((أنت الذي قلت كذا؟))قال: نعم، ((أنت الذي قلت كذا؟)) قال: نعم، فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((صم كذا، صم كذا))، يعرض عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- الأخف الأخف، كما عرض عليه بالنسبة للقرآن، ((اقرأ القرآن في شهر)) قال: إنه يطيق أكثر من ذلك، اقرأه في كذا، اقرأه في كذا، ثم قال: ((اقرأ القرآن في سبع، ولا تزد))، فمثل هذا يقال لمن عرف منه شدة الحرص؛ لئلا يبلغ به حرصه إلى مجاوزة السنة، بخلاف من عرف منه التساهل، فإنه يؤمر بالعزيمة قبل الرخصة، من عرف بالتساهل تعرض عليه الرخصة؟ لا، لا يعان على تساهله، لكن من عرف بشدة الحرص على فعل الخير تعرض عليه الرخص؛ لئلا يحمله زيادة الحرص على مجاوزة السنة.
فالنبي - عليه الصلاة والسلام - بدأ بعبد الله بن عمرو بالأسهل فالأسهل، إلى أن قال له: ((صم يوماً وأفطر يوماً، فذلك أفضل الصيام، وهو صيام داود -عليه السلام-))، الحديث، لا شك أن الإكثار من فعل الخيرات مطلوب، فالإكثار من الصيام مطلوب، الإكثار من الصدقة مطلوب، الإكثار من الجهاد، من الحج، من العمرة، من التلاوة من بذل الخير للناس، النفع العام والخاص، كل هذا مطلوب، وهذا هو الطريق الموصل إلى الجنة، لكن مثل ما ذكرنا، لو أن شخص عرف بشدة الحرص، شخص موسوس تقول له: تراك ما أسبغت الوضوء، نعم، هذا تفرح أنه ينتهي من الوضوء، نعم، لكن شخص متساهل تقول له: أسبغ الوضوء، أسبغ الوضوء، ومثله شخص لا يقرأ القرآن، إلا في المناسبات، أو على حسب التيسير إن جاء إلى المسجد قبل الأذان بخمس دقائق أو عشر دقائق قرأ وإلا فلا، تقول له: كان السلف يختمون كل يوم يا أخي، تحفز همته، وتشحذ همته للعمل الصالح، شخص ثري ولا يتصدق تقول له: أبو بكر جاء بجميع ماله، نعم، فتخبره بالعزائم، أما من كان حاله بضد ذلك، عرف بالحرص الشديد، ما في شك أنه بحاجة إلى من يمتص بعض هذا الحرص؛ لئلا يحمله ذلك الحرص على مخالفة السنة، ولذا بدأ النبي - عليه الصلاة والسلام - بعبد الله بن عمرو؛ لأنه عرف بالحرص الشديد، يعني تتصورن لو قال له النبي -عليه الصلاة والسلام- اقرأ القرآن في ثلاث، يكفيه هذا، مع ما عنده من زيادة الحرص؟ نعم ، قال له: ((أقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) قال: "إني أستطيع أكثر من ذلك"، ومع ذلك ما أخذ بهذه الوصية، فصار يقرأ القرآن في ثلاث فندم بعد ذلك، وتمنى أن لو قبل وصية النبي - عليه الصلاة والسلام-.
على كل حال صيام يوم وفطر يوم أفضل الصيام على الإطلاق، هذا بالنسبة لمن لا يعوقه الصيام عن النفع العام المتعدي، أما من عاقه صيامه عن الواجبات شخص إذا صام النفل أخل بالدوام الواجب، نقول: لا، لا تصوم يا أخي، نعم، شخص متبرع لتعليم الناس وإفتائهم وقضاء حوائجهم، وأجره على الله ما يأخذ أجر، ما أخل بواجب إذا صام، لكن يعوقه صيامه عن مثل هذا النفع المتعدي نقول له: يا أخي ابذل الخير للناس، وأرشدهم ووجههم، والصيام إن وجدت فرصة وإلا فمثل هذا العمل المتعدي أفضل.
يقول: ويكره إفراد رجب، والجمعة، والسبت، والشك بصوم.
إفراد رجب أولاً نعرف أن كل ما يروى في فضل صومه، أو زيادة الصلاة فيه، أو الصدقة، أو العمرة، جميع ما يذكر من زيادة في العبادات في رجب على وجه الخصوص فإنه لا يصح باتفاق أهل العلم، جميع ما ورد فيه ضعيف، وقد ألف أبو الخطاب ابن دحية كتاباً نفيساً سماه: (أداء ما وجب في بيان وضع الوضاعين في فضل رجب)، (أداء ما وجب في بيان وضع الوضاعين في فضل رجب)، وابن حجر له رسالة صغيرة أصغر بكثير من رسالة أو من كتاب ابن دحية، سماها: (تبيين العجب فيما ورد في فضل رجب) وهي مطبوعة ومعروفة، وأما كتاب ابن دحية فهو محقق وجاهز للطبع، ما أدري هل طبع أو لم يطبع، ما أدري والله، إن تم طبعه؟
طالب:...
نعم، ابن دحية.
طالب:...
يشتغل عليه محمد الفوزان، عندنا بقسم السنة، قديم، قديم من خمسة عشر سنة وأكثر.
طالب: كبير؟
يأتي في مجلد إيه.
على كل حال ما يذكر في فضل رجب من زيادة من صيام، أو قيام، أو زيادة تلاوة، أو عمرة خاصة برجب، لا يثبت وأما ما ذكر عن ابن عمر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- اعتمر في رجب فقد أنكرته عليه عائشة، أنكرته عليه عائشة - رضي الله عنها-.
والجمعة أي يكره إفراد الجمعة بالصوم لحديث: ((لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده)) [متفق عليه من حديث أبي هريرة]، وروى مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعاً: ((لا تخصوا يوم الجمعة بصيام ولا ليلتها بقيام)).
وعن جويرية بنت الحارث أم المؤمنين - رضي الله عنها-: ((أن النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال: ((أصمت أمس)) قالت: لا، قال: ((أتريدين أن تصومي غداً؟)) قالت: لا، قال: ((فأفطري)) [رواه البخاري]، فدل على أن المكروه إفراد الجمعة، لا أن يضاف إلى الخميس أو السبت.
يقول: والسبت، أي: يكره إفراده، وأما جمعه مع الجمعة فلا بأس، لقوله -عليه الصلاة والسلام- لجويرية: ((أتصومين غداً)) يعني السبت مع الجمعة، فدل على أنه لا يكره صيام السبت مع يوم قبله.
وفي المسند، وأبي داود، والترمذي وحسنه، وابن ماجه وغيرهم، من حديث: عبد الله بن مسلم عن أخته الصماء - رضي الله عنهما- قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: ((لا تصوموا يوم السبت، إلا فيما افترض عليكم، ولو لم يجد أحدكم إلا لحاء شجر)) – يعني فيمضغه فيفطر به – يعني: فليفعل، الحديث مختلف في حكمه منهم من حسنه، كالترمذي، وصححه الحاكم ومنهم من ضعفه وحكم عليه بالشذوذ، ومنهم من قال: هو ثابت لكنه منسوخ، ولذا اختار شيخ الإسلام -رحمه الله- تعالى أنه لا يكره إفراد يوم السبت بالصوم، بناءً على أن هذا الحديث لا يثبت.
والشك وقد تقدم الكلام فيه، وقول عمار: "من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم-".
ويحرم صوم العيدين ولو في فرض، بإجماع العلماء، يحرم صوم العيدين بالإجماع فلا يجوز لإنسان أن يصوم يوم العيد؛ لأن النبي - عليه الصلاة والسلام-: ((نهى عن صوم يومي العيدين، عيد الفطر، وعيد الأضحى))، كما أنه لا يجوز صيام أيام التشريق؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال فيها: ((هي أيام أكل وشرب وذكر لله -عز وجل-)) فهذا يدل على أن هذه الأيام لا تصلح أن تكون أيام إمساك، وهي ثلاثة أيام بعد عيد الأضحى.
يقول: إلا عن دم متعة وقران
طالب: عندنا فطرة الثلاثة ما يقال أنها أيام التشريق من ناحية أنها أيام أكل وفرح وإظهار السرور.
لا، لا ما يلزم، أيام أكل، وهناك فيه أضاحي، وفيه هدي، وفيه، لا تختلف عنها.
طالب: أو يقال: على الأقل أن الأفضل أن يؤخر هذا عن بعد ثلاث؟
لا لا، لفظ وأتبعه يدل على المبادرة.
أيام التشريق ثلاثة أيام بعد عيد الأضحى، لكن من لم يجد هدي المتعة والقران، يجوز له أن يصوم أيام التشريق، لحديث عائشة وابن عمر -رضي الله عنهم- أنهما قالا: ((لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن يجد الهدي، إلا لمن لم يجد الهدي)).
طالب:....
يقول بعد هذا: ومن دخل في فرض موسع حرم قطعه.
من شرع في صوم فرض حرم عليه قطعه، من شرع في أي عمل مفروض حرم قطعه، ولو كان وقته موسعاً، والمضيق من باب أولى، يستثنى من ذلك قطع المنفرد في الصلاة، وتحويل الفرض إلى نفل، وإن قلب منفرد فرضه نفلاً في وقته المتسع جاز، يحول الفرض إلى نفل، تحصيلاً لما هو أفضل من ذلك، يصلي في جماعة مثلاً، والأصل في ذلك قوله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [سورة محمد: 33]، فقطع الصوم المفروض إبطال للعمل، قطع الصلاة المفروضة إبطال للعمل.
ولا يلزم في النفل.
أي لا يلزم إتمام صوم النفل لفعله - عليه الصلاة والسلام - في صحيح مسلم عن عائشة وكما جاء في الخبر: ((المتطوع أمير نفسه))، أمير نفسه، ويستثنى من ذلك المتطوع بالحج أو بالعمرة؛ لأن من دخل في النسك يلزمه إتمامه؛ لأن الله - سبحانه وتعالى- يقول: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [سورة البقرة: 196]، وهذا يستوي فيه الفرض والنفل.
ولا يلزم في النفل، ولا قضاء فاسدة أي: لو فسد النفل فإنه لا يلزمه قضاء، يعني لو دعي إلى وليمة وهو صائم، ثم رأى أن من المصلحة أن يجبر خاطر أخيه المسلم ويأكل معه في هذه الدعوة، لا بأس، لكن ما يلزمه أن يقضي ذلك اليوم، إلا الحج، وكذلك العمرة، إذا أفسد الحج أو العمرة بالجماع قبل التحلل الأول فإنه يمضي في فاسده ويلزمه قضاءه، ويلزمه قضاءه.
يقول -رحمه الله-: وترجى ليلة القدر في العشر الأخير أو الأواخر وأوتاره آكد، وليلة سبع وعشرين أبلغ ويدعو فيها بما ورد.
ثبت عن النبي - عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) وجاء في سورة القدر أنها خير من إيش؟ من ألف شهر، من حرم خيرها حرم الخير كله، إذا فاتته هذه الليلة من السنة، طول السنة ليلة واحدة إذا فاتت ماذا يبقى له من الأجر؟ ماذا يحرص عليه من المغانم، والله المستعان.
سميت ليلة القدر بذلك لأنها ليلة ذات قدر، لنزول القرآن فيها، أو لما يقع فيها من تنزل الملائكة، أو لما ينزل فيها من البركة والرحمة والمغفرة، أو لأن الذي يحييها يصير ذا قدر، وقيل: القدْر هنا بمعنى القدَر، القدر بإسكان الدال بمعنى القدر بفتحها الذي هو مؤاخي قضاء، والمعنى أنه يقدر فيها أحكام تلك السنة لقوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [سورة الدخان:4]، وبه صدر النووي كلامه فقال: قال العلماء: "سميت ليلة القدر لما تكتب فيها الملائكة من الأقدار لقوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}".
قال ابن عباس - رضي الله عنهما- في قوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}: يكتب من أم الكتاب ليلة القدر ما هو كائن في السنة من الخير والشر، والأرزاق والآجال حتى الحاج وإنك لترى الرجل يمشي في الأسواق وقد وقع اسمه في الموتى.
وقال ابن الجوزي في زاد المسير: روي عن عكرمة "أن ذلك ليلة النصف من شعبان، والرواية عنه بذلك مضطربة، وقد خولف الراوي لها، فروي عن عكرمة أنه قال في ليلة القدر، وعلى هذا جرى المفسرون". يعني ما يذكر أن معنى قوله: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} في ليلة النصف من شعبان ضعيف لا يثبت، قال ابن كثير -رحمه الله تعالى-: والحديث الذي رواه عبد الله بن صالح عن الليث عن عقيل عن الزهري، أخبرني عثمان بن محمد بن المغيرة قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: ((تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان حتى إن الرجل لينكح ويولد له وقد أخرج اسمه في الموتى)) قال: هو حديث مرسل ومثله لا تعارض به النصوص.
وعلى هذا فليس لليلة النصف من شعبان مزية، على غيرها من الليالي، وما رواه ابن ماجه عن علي عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها فإن الله تعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا فيقول: ألا مستغفر فأغفر له، ألا مسترزق فأرزقه، ألا مبتلاً فأعافيه، ألا كذا، ألا كذا حتى يطلع الفجر)) [فهو حديث ضعيف]، وجمهور العلماء على تضعيف جميع ما ورد في فضل ليلة النصف من شعبان.
قال ابن رجب -رحمه الله تعالى- في اللطائف: أنكر ذلك أكثر علماء الحجاز منهم عطاء، وابن أبي مليكة، ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة، وهو قول أصحاب مالك وغيرهم، وقالوا: ذلك كله بدعة، لكن من صام يوم النصف من شعبان؛ لأنه من جملة الأيام البيض وقد اعتاد ذلك فلا بأس؛ لأنه من الأيام البيض، وفضل ليلة القدر نزل بفضلها سورة كاملة، كما قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)}
وقال - عليه الصلاة والسلام-: ((من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) وهذا تقدم.
وقيام ليلة القدر يكون بأي شيء؟ يعني بمجرد الانتباه؟ رجل قائم منتبه، قيامها يكون بالصلاة، والذكر والدعاء، وقراءة القرآن، وغير ذلك من وجوه الخير، وقد دلت سورة القدر على أن العمل في هذه الليلة خير من ألف شهر مما سواها، وهذا فضل عظيم ورحمة من الله بعبادة، فجدير بالمسلمين أن يعظموها وأن يحيوها بالعبادة.
وقد أخبر أنها في العشر الأواخر من رمضان، وأن أوتار العشر آكد وأرجى من غيرها، فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((التمسوها في العشر الأواخر من رمضان في الوتر)) وقال: ((من كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر)) وغير ذلك من النصوص التي تدل على أن هذه الليلة متنقلة في العشر، وليست في ليلة معينة فيها دائماً، فقد تكون في ليلة إحدى وعشرين، وقد تكون في ليلة ثلاث وعشرين، وقد تكون في ليلة خمس وعشرين، وقد تكون في ليلة سبع وعشرين، وقد تكون في تسع وعشرين، وقد تكون في الأشفاع، وقد تكون في الأشفاع، نعم الأوتار آكد، لكن قد تكون في الأشفاع، لأنه لما قال -عليه الصلاة والسلام-: ((التمسوها لخامسة تبقى، لسابعة تبقى)) إلى آخره، يحتمل أن تكون في الأشفاع إذا كان الشهر كاملاً، ويحتمل أن تكون في الأوتار إذا كان الشهر ناقصاً، فمن قام ليالي العشر كلها إيماناً واحتساباً أدرك هذه الليلة بلا شك، وفاز بما وعد الله أهلها، ليحرص أن يقوم هذه الليالي كلها، وأن يحضر قلبه، لا يحضر بجسده وقلبه في أمور الدنيا، هذا لا يفيده مثل هذا القيام؛ لأنه ليس له من صلاته إلا ما عقل، فمن عقل من الصلاة العشر مثلاً، أو - نسأل الله العافية - طرأ عليه شيء من الرياء فأحبط عمله، هذه مصيبة، يتعب الإنسان وأخيراً يرجع بلا فائدة.
فمن قام ليالي العشر كلها إيماناً, احتساباً أدرك هذه الليلة بلا شك وفاز بما وعد الله أهلها، وقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يخص هذه الليالي بمزيد اجتهاد لا يفعله في العشرين الأول.
قالت عائشة - رضي الله عنها-: " كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيرها"، وقالت: " كان إذا دخلت العشر أحيا ليله وأيقظ أهله، وجد وشد مئزره"، إلى غير ذلك من النصوص.
هل يلزم العلم بليلة القدر؟ أو يحصل الأجر ولو لم يعلم بذلك؟ إذا صادفها ولو لم يعلم بها يثبت له أجرها أو لا بد من العلم بها؟
اختلف العلماء في ذلك وا لصواب أن من قامها نال أجرها، ولو لم يعلم بها، وقول من قال: أنه لا ينال أجرها إلا من شعر بها قول ضعيف؛ لأن النبي - عليه الصلاة والسلام- رتب الأجر على مجرد القيام، فقال: ((من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً)) ولم يقل عالماً بها، ولو كان العلم شرطاً لحصول الثواب لبينه النبي -عليه الصلاة والسلام-.
وذكر العلماء في ليلة القدر علامات منها: زيادة النور في تلك الليلة، ومنها طمأنينة القلب، وانشراح الصدر من المؤمن، فالمؤمن يجد من انشراح الصدر وطمأنينة القلب في تلك الليلة أكثر مما يجده في بقية الليالي، لا شك أن المؤمن كامل الإيمان قد يشعر بها، حديث عائشة دليل على أنها تشعر بها.
من الأمور التي ذكرت من علامات ليلة القدر: أن الرياح تكون فيها ساكنة، فلا يأتي فيها رياح ولا عواصف بل يكون الجو هادئاً، فقد أخرج ابن خزيمة، وابن حبان من حديث جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إني كنت رأيت ليلة القدر ثم نسيتها، وهي في العشر الأواخر وهي طلقة بلجة، لا حارة ولا باردة، كأن فيها قمراً يفضح كوكبها، لا يخرج شيطانها حتى يخرج فجرها)) الموجود عند ابن حبان وابن خزيمة.
وأخرج الإمام أحمد من حديث عبادة من الصامت -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن أمارة ليلة القدر أنها صافية بلجة، كأن فيها قمراً ساطعاً ساكنة ساجية، لا برد فيها ولا حر، ولا يحل لكوكب أن يرمي به فيها حتى تصبح)) [قال الهيثمي: رجاله ثقات].
من الأمور التي ذكرها أهل العلم أن الإنسان قد يجد في هذه الليلة لا سيما في القيام لذة أكثر مما يجده في غيرها، لا سيما إذا أحضر قلبه وتدبر القرآن، ذكر عن بعض الصحابة أنه تسنى له أن يرى الله - سبحانه وتعالى- في تلك الليلة في المنام، وهذا مجرد ذكر.
من علاماتها: بل هو من أصح هذه العلامات أن الشمس تطلع في صبيحتها ليس لها شعاع، صافية، في صحيح مسلم من حديث أبي بن كعب -رضي الله عنه- قال: ((أخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها)).
وفي المسند من حديث عبادة ((وأن أمارتها أن الشمس في صبيحتها تخرج مستوية، ليس لها شعاع مثل القمر ليلة البدر، ولا يحل لشيطان أن يخرج معها)).
وأما ما يذكره بعض الناس من أن الكلاب لا يسمع لها نباح تلك الليلة، أو أن الماء يسكن، فلا دليل عليه، أما كون الماء يسكن لقلة الرياح هذا ممكن.
والدعاء فيها، يستحب للمسلم أن يغتنم هذه الليلة المباركة، فيكثر من الأدعية المأثورة، أن يصلي عامة الليل، ويتلو ويدعو ولا يغفل في هذه الليلة؛ لأنها ليلة من سنة، من الأدعية المأثور كقوله: ((اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني)) حديث عائشة في ذلك أنها قالت: " يا رسول الله، أرأيت يا رسول الله إن وافقت ليلة القدر فما أقول فيها؟" قال: ((قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني)) [أخرجه أحمد والنسائي والترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن صحيح]، وغير ذلك من الأدعية الجوامع الواردة في الكتاب والسنة فيحرص على الأدعية المأثورة، وليبتعد كل البعد من الاعتداء في الدعاء، أو يضيع وقته بما لا ينفع، ويجتنب الأدعية المسجوعة، وما فيه من إثم أو قطيعة رحم.
والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسيلماً كثيراً.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب الاعتكاف:
هو لزوم مسجد لطاعة الله تعالى، مسنون، ويصح بلا صوم، ويلزمان بالنذر، ولا يصح إلا في مسجد يجمع فيه، إلا المرأة ففي كل مسجد سوى مسجد بيتها،
يُجْمع وإلا يُجَّمع؟ يُجَّمع، يُجَّمع فيه.
إلا في مسجد يُجَّمع فيه، إلا المرأة ففي كل مسجد سوى مسجد بيتها، ومن نذره أو الصلاة في مسجد غير الثلاثة، وأفضلها الحرام، فمسجد المدينة، فالأقصى لم يلزمه فيه، وإن عين الأفضل لم يجز فيما دونه وعكسه بعكسه، ومن نذر زمناً معينا دخل معتكفه قبل ليلته الأولى، وخرج بعد آخره، ولا يخرج المعتكف إلا لما لا بد منه، ولا يعود مريضاً، ولا يشهد جنازة، إلا أن يشترطه، وإن وطئ في فرج فسد اعتكافه، ويستحب اشتغاله بالقرب واجتناب ما لا يعنيه.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الاعتكاف في اللغة: اللزوم، لزوم الشيء، والمداومة عليه، ومنه قول إبراهيم - عليه السلام- لقومه: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [سورة الأنبياء:52]، أي: ملازمون، قال تعالى: {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ} [سورة الأعراف:138]، أي: يلازمونها ويداومون عليها، وهو اصطلاح مستعمل، الطلاب حينما يقرب الامتحان يعكفون على دروسهم بالمذاكرة، ومما يؤسف أن اعتكاف غالب المسلمين على ما لا ينفع، من مشاهدة لأفلام خليعة مثيرة، أو كرة أو غيرها، هذه اهتمامات المسلمين وهذا اعتكافهم في الكثير الغالب، وهذا اعتكاف، وهذا عكوف، - نسأل الله العافية -، وهم بهذا يشبهون الذين يعكفون على أصنام لهم، يعكف الوقت الطويل يشاهد المباريات، أو يعكف الوقت الطويل يشاهد أفلاماً تضره في دينه ودنياه ولا تنفعه.
على كل حال على الإنسان أن يحافظ على هذا العمر الذي هو نفسه، فيصرفه فيما يرضي الله -سبحانه وتعالى- ويوصل إلى جنته ومرضاته.
الاعتكاف في الاصطلاح عرفه المؤلف بقوله: هو لزوم مسجد لطاعة الله – تعالى-.
الدليل على مشروعيته قوله تعالى: {أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}[سورة البقرة:125]، وفي قوله تعالى: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [سورة البقرة: 187]، فتعين محل الاعتكاف وهو أنه المسجد.
لزوم مسجد لطاعة الله – تعالى-، يدخل في طاعة الله - سبحانه وتعالى- الصلاة دخولاً أولياً، والذكر والتلاوة يعني الطاعات الخاصة اللازمة، وهل يدخل في ذلك الطاعات العامة المتعدية، كطلب العلم؟
أولاً: لا شك أن طلب العلم طاعة بل هو من أفضل القربات، لكن الذي قرره أهل العلم أن الاعتكاف إنما يكون في الطاعات الخاصة، لكن إن زاول شيئاً يسيراً من ذلك بأن اصطحب معه كتاباً غير القرآن ينظر فيه فلا بأس، لكن غالب الوقت يصرف في التلاوة والصلاة والذكر، وإن كان الكتاب المصطحب مما يشوقه إلى العبادة من كتب الرقائق والوعظ كان أنسب؛ لأن هذا يعينه على مقصوده من الطاعات الخاصة، والعلم كله فاضل، لكن الأوقات تتفاوت.
هل يسوغ للمعتكف أن ينظر في كتب البدع ولو كان بقصد الرد عليها؟ لا، هل يسوغ للمعتكف أن ينظر في علوم الآلة ولو كان مما يحتاجها لفهم الكتاب والسنة؟ يقرأ نحو وهو معتكف مثلاً، أو أصول فقه أوغيره، نقول: لا، أصل الاعتكاف للعبادات الخاصة، قد يحتاجه في تلاوته وتدبره للقرآن فهم بعض معاني الآيات فيرجع إلى بعض التفاسير الميسرة التي لا تبعده كثيراً عن روح القرآن؛ لأن بعض التفاسير المطولة تبعد به طويلاً عن روح القرآن، وخصوصيته لا سيما في هذا الوقت، نعم، قد يحتاج لفهم الآية والربط بينها وبين غيرها لتفسير ميسر لا بأس، هذا مما يعينه على فهم القرآن، والشهر شهر القرآن، ولذا كان السلف يتركون التعليم في رمضان، والإمام مالك معروف إذا دخل رمضان ترك التحديث، وأقبل على كتاب الله - سبحانه وتعالى-، السلف لهم معاملة خاصة في القرآن، فمنهم من يقرأ القرآن طول العام في سبع، فإذا جاء رمضان قرأه في ثلاث، فإذا دخلت العشر ختم كل ليلة، وقصصهم وأخبارهم مع كتاب الله - سبحانه وتعالى- مستفيضة مشهورة من الصحابة والتابعين فمن دونهم، واغتنام الأوقات، واغتنام الأماكن الفاضلة هذا مما ينبغي أن يكون نصب عيني طالب العلم، فلا تضيع عليه مثل هذه الفرص وهذه المواسم سدى، فعليه أن يغتنمها، قد يقول قائل: إذا أكثرت من قراءة القرآن، أنا لا أتدبر، أنا لا؟ نقول: عليك أن تتدبر فإن أمكن أن تقرأ أكبر قدر ممكن لتحصيل ثواب الحروف، الثواب المرتب على الحروف، يعني: كل حرف له عشر حسنات، مع التدبر، أو شيء من التدبر، الجمع بينهما طيب، لكن إن لم يمكن فالتدبر أفضل، وأهل العلم يختلفون في مثل هذا، الشافعي - رحمه الله تعالى- يرى: أن كثرة الحروف ولو كان من غير تدبر أفضل، وغيره على العكس، والمسألة مفترضة في شخص يقرأ في الساعة خمسة أجزاء من غير تدبر، أو جزأين مع التدبر أيهما أفضل؟ الخمسة أو الجزأين؟ الجمهور على أن الجزأين مع التدبر أفضل، والشافعي: يرى أن الخمسة أفضل ولو كانت بغير تدبر، لتحصيل أجر الحروف، وليس الخلاف مفترض في مثل من يقرأ جزء من القرآن بتدبر أو جزء من غير تدبر، هذا لا يختلف فيه، هذا ليس فيه خلاف بين أهل العلم أن التدبر أفضل، لكن الخلاف بينهم فيمن يقرأ خمسة، أو يقرأ جزأين، هذا مع التدبر، وهذا مع تحصيل أكبر قدر من الحروف؛ لأنه بكل حرف عشر حسنات، المقصود أن على طالب العلم أن يكون له ورد يومي من كتاب الله، لا يفرط فيه سفراً ولا حضراً في المواسم وغيرها، ولا يترك القرآن على الفرغة أو على الراحة إن تيسر وإلا لا حزن عليه، كما يقوله كثير، لا، العمر يمضي، ومن تعرف على الله في الرخاء عرفه في الشدة، ونحن نعرف بعض الإخوان من خيار الناس مخبرا ومظهرا، في أشرف الأوقات، وأشرف الأماكن، تضيع عليهم الأيام سدى، قد يأتي إلى البيت الحرام من صلاة العصر ويمكث فيه إلى أن ينتهي من صلاة التراويح، وقد هجر بلده ووطنه، وتحمل المشقة، والزحام للعبادة، وتحصيل أكبر قدر من الحسنات، إذا صلى العصر مسك المصحف، هذا إن كان معتاد على القراءة في الرخاء وله ورد معين هذا يعان بلا شك، لكن إذا كان ما اعتاد، طول السنة ما يقرأ القرآن إلا في المناسبات، أو إن تيسير أو جاء قبل إقامة الصلاة أو تجده يفتح المصحف يقرأ خمس دقائق عشر دقائق ثم ما يتحمل، يطبق المصحف ويبدأ يتلفت يشوف وين راح فلان، وين جاء فلان، ما تعرف على الله في الرخاء هذا، لكن نعرف أناس تعرفوا على الله في أيام الرخاء، ولهم ورد يومي من القرآن، ما يخلون به لا سفراً ولا حضراً، يجلس بعد إشراق الشمس ما يأذن الظهر إلا وهو خاتم القرآن، لكن من يطيق مثل هذا وهو ما اعتاده؟ هذا أمر لا يطيقه كثير من الناس؛ لأنه ما تعود، المسألة تحتاج إلى مران، وتحتاج إلى دربة، ولا بد أن تري الله - سبحانه وتعالى- من نفسك الخير ليعينك وهو يعلم منك صدق النية، وهذا شيء ملاحظ ومشاهد، فمن تعرف على الله في الرخاء عرفه في الشدة، الإنسان يريد أن يصلي ركعة بالبقرة مثلاً، والثانية بآل عمران، ما يدرك من صلاته، إذا كان ما تعود ما يمكن يصلي هذه، وإن كان معتاد فالأمر سهل، عثمان - رضي الله عنه- وعمره يناهز أو يزيد على السبعين، عرف عنه طول القيام، حتى ذكر عنه أنه يختم القرآن بركعة، وذكر عن السلف ذكر ابن رجب وابن كثير، وجمع من أهل العلم من أهل التحقيق مثل هذه الأخبار، وبعض الناس يقدح فيها، ويجعلها مخالفة لمثل قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث)) وأهل العلم يحملون ذلك على أوقات السعة، أو على قيام الليل كما يقول بعضهم، أما اغتنام الأوقات والأماكن الفاضلة فالسلف عرف عنهم ذلك، فالذي لا يؤنس من نفسه مثل هذه الأشياء بل يشق عليه أن يتابع القراءة مثل هذا يقدح في مثل هذه الأمور ولا يصدق، هذا ليس بمعقول، حتى قال بعضهم: المؤسف أنه الآن أستاذ في القرآن وعلومه، نعم لكنه ليس من أهل القرآن، لما ذكر له أن الإمام أحمد يصلي في اليوم والليلة ثلاثمائة ركعة قال: ليس بمعقول، وكان المدرس يقول: هذا الكلام طالب، المدرس يقول له: نعم ليس بمعقول؛ لأن عنده صالون يجلس فيه ثلاث ساعات يحلق شعره؛ لأنه شخص حليق، ما هو بمعقول، اهتمامهم غير اهتمامك، وجلدهم غير جلدك، وصبرهم غير صبرك، عرف في السلف كثرة العبادة وطول القيام، وأثر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قام حتى تفطرت قدماه، وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، و"من كان بالله أعرف كان منه أخوف"، والذي لا يزاول هذه الأشياء لا يصدق بها، لا يصدق، كيف يقرأ القرآن بيوم؟ لا، يقرأ القرآن بيوم، لكن ما ينبغي أن يكون ديدن وعادة وطول السنة يختم كل يوم؛ لأنه يعوقه عن بعض المصالح التي نفعها أعم.
(أل) في قوله تعالى: {وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [سورة البقرة:187]، للجنس، فكل مساجد الدنيا يسن فيها الاعتكاف، وليس خاصاً بالمساجد الثلاثة –أعني المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والأقصى- وأما ما يروى عن حذيفة -رضي الله عنه- أن النبي - عليه الصلاة والسلام- قال: ((لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة)) [هذا حديث ضعيف]، ويدل على ضعفه أن ابن مسعود -رضي الله عنه- ضعفه حين ذكر له حذيفة - رضي الله عنه-: " أن قوماً يعتكفون في مسجد بين بيت حذيفة وبيت ابن مسعود فجاء حذيفة إلى ابن مسعود زائراً له، وقال: " إن قوماً كانوا معتكفين في المسجد الفلاني ينتقدهم" فقال له ابن مسعود - رضي الله عنه-: " لعلهم أصابوا فأخطأت، وذكروا فنسيت"، وعلى فرض صحته يحمل على أنه لا اعتكاف أكمل من الاعتكاف في المساجد الثلاثة.
والاعتكاف مسنون، هذا حكمه كما دل عليه الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم.
أما الكتاب فقوله تعالى لإبراهيم وإسماعيل: {أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}[سورة البقرة:125]، ومعلوم أن تطهير البيت التطهير المعنوي من الشرك، والبدع، والمعاصي الظاهرة أولى من تطهيره التطهير الحسي الغسيل، والتنظيف، وإن كان هذا مطلوب، فطلب منهما أن يطهرا بيت الله لمن؟ للطائفين، والعاكفين، والركع السجود، فدل على فضل الاعتكاف، وأنه مقرون بالصلاة والطواف.
وقد اعتكف النبي -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه، وأزواجه من بعده.
والأفضل أن يكون الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان؛ لأنه هو الذي استقر عليه أمر النبي -عليه الصلاة والسلام-.
قالت عائشة -رضي الله عنها-: "كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله -عز وجل- ثم اعتكف أزواجه من بعده" وهذا في الصحيحين وإن اعتكف في غير هذه العشر فلا بأس، العشر الأول، العشر الوسطى، في شوال، في القعدة في غيرها من الأشهر، العبادة ليس لها وقت، لكن أفضلها ما داوم عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو العشر الأواخر من رمضان.
ولا يجب الاعتكاف ولا يلزم إلا بالنذر لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من نذر أن يطيع الله فليطعه)) [رواه البخاري].
والاعتكاف مع الصيام أكمل، لكنه يصح بلا صوم؛ لأن عمر - رضي الله عنه- سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن نذر نذره أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال له: ((أوف بنذرك)) ولأن الاعتكاف والصيام عبادتان منفصلتان فلا يشترط لأحدهما وجود الأخرى، ولا يصح الاعتكاف إلا في مسجد يجمع فيه أي تقام فيه صلاة الجماعة؛ لأن صلاة الجماعة واجبة بالنسبة للرجال، فلا يعتكف في مسجد مهجور، كان مسجد ثم ترك، ارتحل عنه أهله، أو في مسجد طريق وإلا شبهه، ما تقام فيه الجماعة، لا، لأن الجماعة واجبة والاعتكاف سنة، لا يفرط بواجب لتحصيل سنة.
هذا بالنسبة للرجال الذين تلزمهم الجماعة، وأما المرأة فيصح الاعتكاف منها.
في كل مسجد سوى مسجد بيتها، مسجد البيت، وإن سمي مسجد إلا أنه لا تثبت له أحكام المسجد، لا تثبت له أحكام المسجد، فلا يصح الاعتكاف فيه، وتجلس فيه وهي حائض، ويباع مع البيت، لكن هو مكان مخصص للصلاة، والتلاوة ينبغي أن ينظف ويطيب من هذه الحيثية وأما بالنسبة لأحكام المسجد فلا.
من نذر زمناً معيناً، دخل المعتكف مع غروب الشمس من ليلة أول يوم وخرج بعد آخره، يدخل مع غروب الشمس؛ لأن اليوم يدخل مع غروب الشمس، إذا نذر أن يعتكف عشرة أيام، يدخل مع غروب الشمس في اليوم الأول، فإذا غربت الشمس من اليوم العاشر خرج من معتكفه، انتهت العشرة الأيام، ويلازم المعتكف معتكفه وهو المسجد ولا يخرج إلا لما لا بد منه، ولا يعود مريضاً ولا يشهد جنازة، قالت عائشة - رضي الله عنها-: " السنة على المعتكف أن لا يعود مريضاً ولا يشهد جنازة، ولا يمس امرأة ولا يباشرها، ولا يخرج للحاجة إلا لما لا بد منه"، يعني: لقضاء حاجة أو وضوء أو أكل إن لم يتيسر في المسجد، [رواه أبو داود]، قال ابن حجر في البلوغ: ولا بأس برجاله، إلا أن الراجح وقف أخره، يستحب للمعتكف أن يشتغل بما يقربه إلى الله - سبحانه وتعالى- وأن يجتنب ما لا يعنيه، لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) وهذا في جميع الأحوال، في جميع الأوقات، في جميع الأماكن، لكن في حق المعتكف من باب أولى، وإذا كان هذا بالنسبة لما أباحه الله -سبحانه وتعالى- فكيف بمعتكف يزال المحرمات، من غيبة ونميمة، وغيرها؟!
يقول: ومن نذره أو الصلاة يعني: نذر الصلاة، في غير الثلاثة، المساجد الثلاثة الفاضلة، لم يلزمه فيه، نذر أن يعتكف في جامع الرياض، لا يلزمه أن يعتكف في جامع، يعتكف في أي جامع، نذر أن يعتكف في المسجد الحرام لا بد أن يعتكف في المسجد الحرام، نذر أن يعتكف في مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- لا بد أن يعتكف في مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- أو في المسجد الحرام لأنه أفضل منه، نذر أن يعتكف في المسجد الأقصى عليه أن يعتكف إما فيه، أو في المسجد النبوي؛ لأنه أفضل منه، أو في المسجد الحرام.
يقول: ومن نذره أو الصلاة في مسجد غير الثلاثة، وأفضلها المسجد الحرام، فمسجد المدينة، فالمسجد الأقصى لم يلزمه فيه؛ لأنه ليست له مزية تميزه، لكن إذا نذر أن يعتكف في أحد هذه المساجد الثلاثة الفاضلة لا يجوز له أن يعتكف بغيرها، نعم له أن ينتقل إلى الأفضل دون المفضول، وإن عين الأفضل لم يجب فيما دونه، يعني نذر أن يعتكف في المسجد الحرام لا يجزئه أن يعتكف في مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- أو المسجد الأقصى، وعكسه بعكسه، نذر أن يعتكف في المسجد الأقصى، يجزئه أن يعتكف في مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- أو في المسجد الحرام من باب أولى، وهكذا.
يقول: ومن نذر زمناً معينا دخل معتكفه قبل ليلته الأولى، وخرج بعد آخره،
وهذا انتهى؛ لأن اليوم يبدأ بغروب الشمس.
ولا يخرج المعتكف إلا لما لا بد له منه،
له منه، يخرج لصلاة الجمعة، يخرج للدرة يتوضأ ويأكل، لا بأس، وما زاد على ذلك مما له منه بد، مندوحة لا يجوز له أن يخرج.
ولا يعود مريضاً ولا يشهد جنازة إلا أن يشترط، إذا اشترط له ذلك؛ لأن الأمر إليه، ويفسد الاعتكاف بالوطء ؛لأن الله- سبحانه وتعالى- يقول: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [سورة البقرة:187]، فالمباشرة تبطل الاعتكاف، ولا بأس أن يزار المعتكف في المسجد يزوره أهله وأولاده، على أن لا يطيلوا المكث، ويقطعوا عليه خلوته بربه، يطمئنون عليه، ويطمئن عليهم وينصرفون، وقد كان نسوة النبي -عليه الصلاة والسلام- ونسائه يزورنه في المسجد فيقلب إحداهن يرجعها إلى بيتها لا بأس للحاجة.
ويستحب اشتغاله بالقرب واجتناب ما لا يعنيه.
هو اعتكف لماذا؟ لأي شيء؟ لينال الثواب والأجر من الله - سبحانه وتعالى- ويحيي هذه السنة، فعليه أن يشتغل بما يقربه من الله -سبحانه وتعالى-.
هذا قبل ما.
يقول: اعتكاف عشر رمضان يبدأ ليلة عشرين أم ليلة إحدى وعشرين؟
أولاً: ليلة عشرين هذه تبع العشر الأواسط، اليوم عشرين المكمل للعشر الأواسط، فالعشر الأواخر تبدأ من غروب الشمس ليلة إحدى وعشرين، وقد تكون تسع وإن كانت يطلق عليها العشر كما يقال: عشر ذي الحجة يسن صيام عشر ذي الحجة، والعاشر هو العيد لا يجوز صيامه؛ لكن هذا تغليب.
وهل للمعتكف الخروج من الحرم ليأتي بالطعام أو يذهب إلى المغسلة ونحو ذلك؟
مغسلة إيش؟ مغسلة الثياب؟ هذا كمال، ينبغي أن يحفظ وقته، أما بالنسبة للطعام وهو ما لا بد له منه مما لا يسمح بدخوله إلى المسجد فلا بأس؛ لأن هذا لا يقوم إلا به.
طالب: لكن بعض الأحيان يا شيخ الرائحة الرائحة مع صوت مرتفع مع كثرة الناس تنبعث رائحة العرق، ويتأذى؟
يغتسل، يغتسل لا بأس.
طالب: تبقى الرائحة على الثياب؟
يكلف، يكلف.
طالب: أصلاً منقطعين يأتي ما يعرف أحد.
على كل حال إذا لم يتمكن من أموره الضرورية إلا بالخروج لا بأس؛ لأن هذا لا بد له منه.
هذا يطلب يقول: لماذا تنهون الدورة قبل موعدها المحدد لها، لماذا لا يكون يوم الغد لقاءاً مفتوحاً تجيبون فيه على ما أشكل علينا، أتمنى ألا تردنا أصفار الأيدي؟
على كل حال أنا عندي درس في موضع آخر والعهد الذي بيننا وبينكم كتاب الصيام، وانتهى، وعلى كل حال ما نرد طلب، ولا، لكنا عطلنا إخواننا في مسجدنا هناك، لهم دروس أحياناً بعد العشاء، ومنها يوم الجمعة بعد العشاء، ودورة شرح كتاب المناسك يعني بعد رمضان، حددت؟
طالب: في ذي القعدة.
في شهر القعدة نتمكن إن شاء الله وقتها أسبوع أو أكثر؟
طالب:...
يا الله تكفيهم، يا الله تكفيهم ولو أسبوعين.
فإن أنا ألمحت إلى أنه يمكن أن يكون اليوم الأخير لقاء مفتوح، ألمحت بالأمس وقبل الأمس، فإن اعتقتموني وأعفيتموني من ذلك وإلا فالأمر لكم، ولا أرد الطلب إلا بإذن.
لكن من باب التأكيد يا إخوان ترى كتاب المناسك في شهر ذي القعدة إن شاء الله، أخذنا الفسح وإن شاء الله يعلن في وقته، شرح كتاب المناسك من الزاد بإذن الله الشيخ.
الأسئلة ما أدري؛ لأن عندنا مسألة قيام رمضان، وهي مهمة وتشكل على كثير من الإخوان والنصوص فيها أقول: كثيرة ومتوافرة، بعضها قد يشكل على بعض طلاب العلم.
المراد بقيام رمضان وهذا تراه استطراد، وهو يدخل في كتاب الصلاة، ولا يدخل في كتاب الصيام، لكن المناسبة بينه وبين الصيام ظاهرة؛ لأنه جاء الخبر ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) و((من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) في بعض الروايات ((وما تأخر)) هذه عند النسائي صححها بعضهم.
على كل حال المناسبة ظاهرة، ورمضان قادم فلا مانع أن نعرض لقيام رمضان.
والمراد به قيام لياليه مصلياً، إحياء لياليه بالصلاة، مصلياً تالياً ذاكراً، ذكر النووي -رحمه الله تعالى -: "أن المراد بقيام رمضان صلاة التراويح، يريد أنه يحصل بها المطلوب من القيام، لا أن قيام رمضان لا يكون إلا بها، سميت الصلاة في الجماعة في ليالي رمضان التراويح؛ لأنهم أول ما اجتمعوا عليها كانوا يستريحون بين كل تسليمتين"، وهذا يدل على أي شيء؟ على الإطالة، وكأن ذلك لطول صلاتهم، روى الإمام البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه))، وروى أيضاً عن عروة إن عائشة أخبرته أن ورسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " خرج ليلة من جوف الليل فصلى في المسجد وصلى رجال بصلاته فأصبح الناس فتحدثوا فاجتمع أكثر منهم فصلى فصلوا معه فأصبح الناس فتحدثوا فاجتمع أكثر منهم فصلى فصلوا معه، فأصبح الناس فتحدثوا فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فصُلي بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح، تركهم النبي -عليه الصلاة والسلام- فلما قضى الفجر... " أقبل على الناس فتشهد ثم قال «أما بعد، فإنه لم يخفَ عليَّ مكانكم ولكني خشيتُ أن تُفرَض عليكم فتعجزوا عنها» النبي -عليه الصلاة والسلام- لما ترك الصلاة في ليالي رمضان جماعة خشية أن تفرض على الناس فيعجزوا عنها، وهذا من شفقته -عليه الصلاة والسلام- ورحمته بأمته فتوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والأمر على ذلك، يقول ابن شهاب فتوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والناس على ذلك ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر صدرا ومن خلافة عمر رضي الله عنهما، وعن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال: خرجتُ مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر إني أرى لو جمعتُ هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أُبَيّ بن كعب، يقول عبد الرحمن بن عبد ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم قال عمر رضي الله عنه نِعْمَ البدعة هذه، نِعْمَ البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون، يريد صلاة آخر الليل أفضل وكان الناس يقومون أوله ومعنى قوله -عليه الصلاة والسلام- «إيمانًا» أي تصديقًا بوعد الله بالثواب عليه، "واحتسابا" أي طلبًا للأجر لا لقصد آخر من رياء أو نحوه «غفر له» ظاهره يتناول الصغائر والكبائر وبه جزم ابن المنذر لكن النووي قال إنه..
طالب: ...........
تعرف المتطوع أمير نفسه متى ما بغى دخل ومتى ما بغى خرج لكن إذا نذر أن يعتكف العشر لا بد أن يدخل مع غروب الشمس لأن العشر تبدأ بغروب الشمس لكن متطوع ما نذر ولا شيء يدخل متى ما بغى.
طالب: ...........
يدخل متى شاء أما معروف أن إجماعا اليوم يدخل بغروب الشمس معنى قوله -عليه الصلاة والسلام- «إيمانا» أي تصديقا بوعد الله بالثواب عليه «واحتسابا» أي طلبا للأجر لا لقصد آخر آخر من رياء أو نحوه «غفر له» ظاهره يتناول الصغائر والكبائر وبه جزم ابن المنذر، وقال النووي: المعروف أنه يختص بالصغائر المكفرات من العبادات جاء القيد: «الصلوات الخمس ورمضان إلى رمضان والعمرة إلى العمرة مكفرات لما بينها ما اجتنبت الكبائر» وفي رواية «ما لم تغش كبيرة» واجتناب الكبائر مكفِّر للصغائر كفيل بتكفير الصغائر {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [سورة النساء:31] وعلى كل حال التكفير خاص بالصغائر وأما الكبائر المعروف عند جمهور العلماء أنه لا بد من التوبة منها، وعلى كل حال هي تحت المشيئة، لكن هي لا بد من التوبة منها إن جاءت هذه الأشياء على الصغائر كلها لعله أن يخفَّف من الكبائر، النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بالناس في ثلاث ليال ثم ترك التجميع بهم خشية أن تفرض على الأمة، وهذا كما قدمنا شفقة منه -عليه الصلاة والسلام- على أمته ورأفة بها ثم استمروا على.. استمر الأمر على الترغيب في قيام رمضان يعني من غير جماعة بقية عمره -عليه الصلاة والسلام- في خلافة أبي بكر رضي الله عنه وفي صدر من خلافة عمر- رضي الله عنه-، ثم إن عمر رضي الله عنه وهو الخليفة الراشد الذي أمرنا بالاقتداء به الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ» «اقتدوا بالذَين من بعدي» على كل حال نحن مأمورون بالاقتداء بمثله عمر رضي الله عنه اجتهد بعد أن زالت الخشية بعد أن زالت خشية أن تفرض على الأمة فيعجز عنها الناس فجمع الناس على أُبَيِّ بن كعب، أي جعله لهم إمامًا وكأنه اختاره رضي الله عنه عملا بقوله النبي -عليه الصلاة والسلام- «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله» وأبي بن كعب رضي الله عنه أقرؤهم كما ثبت ثم إن عمر رضي الله عنه خرج بين الناس ليصلون بصلاة قارئهم فأعجبه ذلك، أعجبه ذلك وخشي رضي الله عنه أن يقال له ابتدعت يا عمر، فقال رضي الله عنه: نِعْمَ البدعة أو نِعْمَت البدعة هذه، لعله خشي أن يقال له ذلك أو قيل له ولم يُنقَل كأنه قيل له ولم يُنقَل أو خشي أن يقال له ذلك فقال نِعْمَت البدعة، والبدعة كما هو معروف ما عُمِلَ على غير مثال سابق هذا أصلها وهي في الشرع ما تعبد به مما لا دليل عليه زعم بعضهم أن المراد بالبدعة هنا هي البدعة اللغوية البدعة اللغوية البدعة في قول عمر نعم البدعة أو نعمت البدعة بدعة لغوية، وقال بعضهم إنه من قبيل المجاز أما كونها بدعة لغوية فلا لأن البدعة في اللغة ما عمل على غير مثال سابق وهذه الصلاة عملت على مثال سبق منه -عليه الصلاة والسلام- وكونه ترك عرف السبب خشية أن تفرض، وأما كونه من قبيل المجاز فالمجاز منفي عند أهل التحقيق فهي في الحقيقة ليست ببدعة لا لغوية فقد عُملت على مثال سابق وقد صلاها النبي -عليه الصلاة والسلام- ثلاث ليالي ثم تركها لا نسخا لها وإنما خشية أن تُفرَض وليست ببدعة شرعية لأن لها أصلا شرعيا فقد صلاها النبي -عليه الصلاة والسلام- كما سبق والقول بأنها مجاز ليس بصحيح إذ لا مجاز كما اختاره أهل التحقيق من العلماء كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما من المحققين، والصواب أن ذلك من باب المشاكَلة في اللفظ المشاكَلة أن تُبدَأ بكلام فترد بمثله لو قيل لك أنت ما أكلت اليوم؟ تقول بلى أكلت وأنت بالفعل ما أكلت لكن قرأت وأنت عندك أن القراءة أفضل من الأكل هذه مجانسة ومشاكلة في التعبير قلت اطبخوا لي..
قالوا اقترح شيئا نجد لك طبخه |
|
XE "08-فهرس القصائد العامة:قالوا اقترح شيئا نجد لك طبخه *.......................... " .......................... |
قالوا اقترح شيئا نجد لك طبخه |
|
قلت اطبخوا لي جبة وقميصا |
.............................. |
|
قلت اطبخوا لي جبة وقميصا |
هذه مشاكلة في التعبير والا الجبة والقميص تطبخ؟ ما تطبخ فهذه مشاكلة ومجانسة في التعبير {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [سورة الشورى:40] الأولى سيئة لكن الثانية سيئة؟! معاقبة الجاني سيئة؟! حسنة لكن هذه مشاكلة في التعبير والمشاكلة لها باب كبير من أكبر أبواب البديع على كل حال الذي قال إنها بدعة لغوية هو شيخ الإسلام رحمه الله في اقتضاء الصراط لكن عرفنا أن تعريف اللغوية لا ينطبق عليها والذي قال أنها من قبيل المجاز هو الشاطبي وهي في الحقيقة ليس ببدعة لا لغوية ولا مجاز.
طالب: ...........
ما قاله أحد الناس يتابعون شيخ الإسلام رحمه الله.
إذا قالت حذامي فصدقوها |
|
XE "08-فهرس القصائد العامة:إذا قالت حذامي فصدقوها *فإن القول ما قالت حذامي " فإن القول ما قالت حذامي |
لا، ما قاله أحد، لأنك أنت يوم ترد علي البيت أقول لما رددت علي البيت كأنك سمعته.
طالب: سمعته منك..
مرارا إيه نعم! على كل حال أنت خير من يحمل العلم من خيار طلابنا ومثلكم يُفتخَر.
العز بن عبد السلام والنووي وابن حجر يقسمون البدع فيجعلون منها ما هو حسن ومنها ما هو قبيح وبعضهم يقسمها إلى الأحكام الخمسة يجعل هناك بدع واجبة وبدع مستحبة وبدع مباحة وبدع مكروهة وبدع محرمة لكن هذا التقسيم مخترَع مبتدَع لم يدل عليه دليل لا من الكتاب والسنة بعض الناس يقول بدعة التراويح بدعة لكنها بدعة حسنة نقول ليس في البدع ما هو حسن والتقسيم الذي ذكروه مخترَع مبتدع لم يدل عليه دليل لا من الكتاب ولا من السنة بل صرح النبي -عليه الصلاة والسلام- بخلافه حيث قال «وكل بدعة ضلالة» كل بدعة ضلالة وهؤلاء يقولون بدع واجبة بدع مستحبة الرسول يقول «كل بدعة ضلالة» تقولون بدع واجبة؟! والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول «شر الأمور محدثاتها» ونقول إن من البدع ما هو واجب أو مستحب؟! هذه مصادمة على كل حال الشاطبي رد هذا التقسيم وقوَّض دعائمه في الاعتصام فأجاد رحمه الله تعالى إذا عرف هذا فقيام رمضان من أفضل القربات لأن القيام من أفضل الأعمال وهو دأْب الصالحين لاسيما في مثل هذه الأيام أعني شهر رمضان التي ترجى فيها ليلة القدر كليالي العشر مثلا وهذا أمر معروف ومستفيض وقيام الليل في غير رمضان من أفضل الأعمال جاء في الكتاب والسنة الأدلة الكثيرة على فضله والإشادة بأهله {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [سورة السجدة:16] {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [سورة الزمر:9] ثم بعد ذلك ماذا قال؟ {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [سورة الزمر:9] دل على إيش؟ على أن من صفة أهل العلم قيام الليل ومن صفة الجهال الذين لا يعلمون ترك قيام الليل قال النبي -عليه الصلاة والسلام- «نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل» فكان لا ينام من الليل إلا قليلا على كل حال الذي لا يقوم الليل محروم وهذا وصف وصف الحرمان الآن يستوي فيه من ينتسب إلى العلم والعوام ويندر ويقل أن يوجَد من يقوم الليل وعلى كل حال المسألة الأرض لا تخلو من العباد لكن يوجَد مع الأسف الشديد من ينتسب إلى العلم وينتصب لتعليم الناس وإقرائهم وإفتائهم والقضاء بينهم ونزع الخصومات فمَن لا يقوم الليل أو لا يرفع بذلك رأس يعني إن أوتر أوتر بركعات خفيفة لا يدري ما يقرأ فيها ولا نقول أن كل من ينتسب إلى العلم بهذه الصفة لا، لكنه موجود نسأل الله المسامحة والعفو إذا عرف هذا فعدد الركعات في قيام رمضان قد ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا وثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يصلي ثلاث عشرة ركعة وفي صحيح مسلم أنه كان يفتتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين وصح عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال «صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى» وروى البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قام مع النبي -عليه الصلاة والسلام- ليلة فصلى ثم صلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم أوتر هذه أكثر مما جاء في حديث عائشة ففي حديث عائشة التحديد بإحدى عشرة وصح عنه ثلاث عشرة وصح عنه أكثر من ذلك كما في حديث ابن عباس، وجاء عنه الإطلاق في صلاة الليل وأنها مثنى مثنى وكل ذلك يدل على أن العدد غير مراد؛ ولذا اختلف العلماء في عدد صلاة التراويح قال الترمذي أكثر ما قيل أنها تصلى إحدى وأربعين ركعة يعني بالوتر، وعن مالك ست وأربعين وثلاث الوتر وهذا هو المشهور عنه، وقال بعضهم: ثلاث وعشرون وقيل غير ذلك استدلالا؛ بالحديث المطلق «صلاة الليل مثنى مثنى» فلا تحديد لكن من تقيد بفعله -عليه الصلاة والسلام- صفة وعددا فهو أولى يعني الذي يلازم الإحدى عشرة لكن مع التزامه بالعدد يلازم الصفة، ومما جاء في صفة صلاته -عليه الصلاة والسلام- وتطويله الصلاة حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة فلم يزل قائمًا حتى هممت بأمر سوء قلنا وما هممت به؟ قال هممت أن أقعد وأذر النبي -عليه الصلاة والسلام- شخص يريد أن يطبق السنة يصلي إحدى عشرة ركعة بثلث ساعة يقرأ ربع وجه يقرأ ثلاث آيات أربع آيات؟! هذا يقول أنا أطبق السنة؟! لا، إن كنت تريد السنة فشوف الوصف عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي إحدى عشرة ركعة كانت تلك صلاته يسجد السجدة من ذلك قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه ويركع ركعتين قبل صلاة الفجر وثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قام بسورة البقرة والنساء وآل عمران في ركعة، وثبت عنه أنه أوتر بخمس وسبع وتسع إلى غير ذلك، فالظاهر أنه ليس هناك حد معيَّن لصلاة الليل لكن من قلل العدد في الركعات أطال القراءة والسجود ومن أكثر العدد في الركعات خفف ذلك على الخلاف بين أهل العلم في المفاضلة بين طول القيام والقراءة والسجود وكثرة عدد الركعات ولكل أدلته المقام لا يحتمل بسط هذه المسألة، من أهل العلم من يرى تفضيل طول القيام وهو القنوت {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [سورة البقرة:238] ومنهم من يرى إطالة السجود والركوع مع تخفيف القيام لأن كل شيء على حساب شيء ما يجتمع تقرأ البقرة والنساء وآل عمران في ركعة وتطيل السجود والركوع إلا إذا قللت العدد، وعلى كل حال المقصود أن يرتبط الإنسان بهذه العبادة التي تركها وضيعها كثير من الناس والله المستعان فيه آثار المداومة على الأعمال الصالحة في ختام رمضان لكن أخشى أن يصير بعيد عن موضوعنا.
طالب: ............
يصير موعظة والا وش يصير؟
طالب: ............
غدا مشكلتنا أننا عندنا درس في المسجد والإخوان تظلموا وقالوا تركتنا وما أدري إيش؟ فودنا نختم الليلة وإن كان الإخوة هنا منهم من طلب أن يكون في الغد ولو لقاء مفتوح مثل ما وعدنا لكن الإخوان هناك أيضا لهم حق تركناهم مدة طويلة ولعلكم تعذروننا أما ختام رمضان فلعله في وقته إن شاء الله تعالى.
وأما آثار المداومة على الأعمال الصالحة وهذا مهم جدا المدامة على الأعمال الصالحة لها آثار كثيرة جدا تعود على العامل نفسه وتتعداه إلى غيره منها دوام اتصال القلب بخالقه مما يعطيه قوة وثباتا وتعلقا بالله عز وجل وتوكلا عليه ومن ثَم يكفيه الله سبحانه وتعالى ما أهمه كما قال جل وعلا {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [سورة الطلاق:3] ثانيا تعهد النفس تعهد النفس عن الغفلة وتعويضها على لزوم الخيرات حتى تسهل عليها ومن ثَم تصبح ديدنا لها لا تنفك عنها رغبة فيها تشوفون بعض الناس إذا صف كأنه سارية لماذا؟ لأنه اعتاد اعتاد هذه العبادة لا يتحرك منه شيء وبعض الناس يأتي بصلاة الفرض على وجه أشبه ما تكون بالعبث والله سبحانه وتعالى يقول {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [سورة الليل:4] كل هذا على العادة إذا تعود الإنسان ومرن نفسه والنفس حسبما جُبِلَت عليه وقصرت عليه، النفس فيها قدرة كامنة بجعل الله- سبحانه وتعالى- فيها هذه القدرة اعسفها على شيء تعطيك، والمران لا شك أن له أثر في القُدَر تجد الناس منهم من يتحمَّل المشاق التي لا يطيقها غيره من أجل الدنيا، ومنهم يتحمَّل ما لا يتحمَّله غيره من أجل تحصيل امرأة مثلا، فيبذل الغالي والنفيس من أجل تحصيلها، ومنهم من كانت همته بعض مظاهر الدنيا من تحصيل بيت أو تحصيل سيارة أو غير ذلك تجده يصبر ويتحمل ويصبر على السهر وغيره، لكن إذا عودت نفسك على العبادة وعلى الطاعة أجابت وإذا علم الله- سبحانه وتعالى- منك صدق النية أعانك، من آثار المداومة أنها سبب لمحبة الله تعالى للعبد وولايته كما قال -عليه الصلاة والسلام- «إن الله تعالى قال من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه» الحديث مخرج في الصحيح، المداومة سبب للنجاة من الشدائد ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال كنت رديف النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال «يا غلام ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن» فقلت بلى قال «احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده أمامك تعرف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة» وحديث الثلاثة أصحاب الغار معروف لما نزلت بهم هذه الشدة تذكروا الأعمال الصالحة ففرج عنهم المداومة على الأعمال الصالحة سبب لحسن الخاتمة وذلك لأن المؤمن يصبر على أداء الطاعات كما يصبر عن المعاصي والسيئات محتسبا الأجر عند الله عز وجل فيقوى قلبه على هذا وتشتد عزيمته على فعل الخيرات فلا يزال يجاهد نفسه فيها فيوفقه الله عز وجل لحسن الخاتمة كما قال جل وعلا {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [سورة إبراهيم:27] إلى غير ذلك من آثار الحسنة نسأل الله سبحانه وتعالى لنا ولكم الثبات على دينه وأن يستعملنا في طاعته وفيما يرضيه.
والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد...